احترق من مدينة عدن جانبٌ عظيم، من نصف الليل إلى قرب الفجر، وتلفت فيه بيوت كثيرة من بيوت التجار، وجانبٌ من السوق الكبير، وجانب من حافة اليهود، وحافة الحبوش بأسرها وأحدقت النار بالمدرسة السفيانية، وتلفت فيها أموال جليلة. ويقال: إنه بلغ عدد البيوت المحترقة تسعمائة بيت, وذهب في هذا الحريق من الأموال والأنفس ما لا يعلمه إلَّا الله تعالى.
اشتَدَّ الغلاء والقحط في نجد وبلغ البُرُّ أربعةُ أصوع بريال والتمرُ إحدى عشرة وزنة بريال، وأمحلت الأرض وهلكت غالبُ مواشي الحضر، فلمَّا كان وقتُ انسلاخ رمضان في وسط الشتاء أنزل الله علي نجدٍ الغيث وأحيا البلادَ وكَثُرَ العشب وعَمَّ في الحضر والبادي إلَّا أن الغلاء على حاله واشتدادِه حتى حُصِد الزرعُ.
اغتِيلَ جمعة طاهر إمامُ مسجد (إد كاه) في مدينةِ كشغر، أكبرِ مساجِدِ الصين في شينجيانغ، بعد صلاةِ الفجرِ. وجاء اغتيالُ الإمامِ رحمه الله بعد مواجهاتٍ عنيفةٍ وقعتْ في مِنطَقة يرقند على بُعد (200) كلم جنوب شرق كشغر. ويُقيم في شينجيانغ أكثرُ من تسعة ملايين أويغوري، وهم مسلِمون ناطِقون باللُّغة التُّركية يَرفُضون الوِصايةَ الصينيَّةَ.
الشَّيخُ نَوَّاف الأحمد الجابِر الصباح أميرُ دولةِ الكُويتِ السَّابِقُ، وهو الأميرُ السَّادِسَ عَشَرَ من آلِ الصباحِ.
وُلِد الشَّيخُ نوَّاف الأحمد في وَسَطِ مدينةِ الكُوَيتِ، ونشأ في قَصرِ دسمان، وهو بيتُ الحُكمِ في الكُوَيتِ، وتلقَّى تعليمَه في مدارِسِ الكُوَيتِ المختَلِفةِ، تولَّى الحُكمَ في 11 صفر 1442هـ، تُوفِّي رحمه اللهُ عن عُمرٍ ناهَز السَّادِسةَ والثَّمانينَ.
هاجت الفتنةُ بدِمشقَ بين المُضَريَّة واليمانية، وكان رأس المضرِيَّة أبو الهيذام، واسمُه عامر بن عمارة بن خريم أحَد الفُرسان المشهورين، وكان سببُ الفتنة أنَّ عامِلًا للرشيد بسجستان قَتَل أخًا لأبي الهيذام، فخرج أبو الهيذامِ بالشام، وجمعَ جمعًا عظيمًا فرثى أخاه بأبياتٍ، ثمَّ إنَّ الرشيد احتال عليه بأخٍ له كتَبَ إليه فأرغَبَه، ثم شَدَّ عليه فكَتَّفه، وأتى به الرشيدَ، فمَنَّ عليه وأطلقه. وقيل: كان أوَّل ما هاجت الفتنةُ في الشام أنَّ رجُلًا من بني القين اقتتل مع رجلٍ مِن لخم أو جذام، فقُتِلَ رجلٌ من اليمانية، وطلبوا بدَمِه، فاجتمعوا لذلك، وكان على دمشق حينئذ عبدُ الصمد بن علي، فلمَّا خاف الناسُ أن يتفاقمَ ذلك اجتمع أهلُ الفَضلِ والرؤساءُ ليُصلِحوا بينهم، فأتوا بني القين فكَلَّموهم، فأجابوهم إلى ما طلَبوا فأتوا اليمانية فكلَّموهم، فقالوا: انصَرِفوا عنا حتى ننظُرَ، ثم ساروا فبيَّتوا بني القين، فقَتَلوا منهم ستَّمائة، وقيل ثلاثمائة، فاستنجَدَت القين قضاعة وسليحا فلم ينجدوهم، فاستنجدت قيسًا فأجابوهم، وساروا معهم إلى الصواليك من أرض البلقاء، فقتلوا من اليمانية ثمانمائة، وكثُرَ القتال بينهم فالتَقَوا مرَّات. وعُزِل عبد الصمد عن دمشق، واستُعمِلَ عليها إبراهيم بن صالح بن علي، فدام ذلك الشَّرُّ بينهم نحو سنتين، والتقَوا بالبثنية، فقُتِلَ من اليمانية نحوُ ثمانمائة، فأعادوا أيامَ الجاهلية، وقد هُدِّمَ سور دمشق حين ثارت الفتنةُ؛ خوفًا من أن يتغلب عليها أبو الهيذام المزِّي رأسُ القيسية، فلمَّا تفاقم الأمرُ بعث الرشيدُ مِن جهته موسى بن يحيى بن خالد ومعه جماعةٌ مِن القُوَّاد ورؤوس الكُتَّاب، فأصلحوا بين الناسِ، وهدأت الفتنةُ واستقام أمرُ الرعيَّة، وحملوا جماعاتٍ من رؤوس الفتنة إلى الرشيد، فرَدَّ أمرَهم إلى يحيى بن خالد، فعفا عنهم وأطلَقَهم.
أُقيمَت الجمعةُ بالجامع الأزهر من القاهرة، وكانت قد بطلت منه منذ ولي قضاء مصر صدرُ الدين عبد الملك بن درباس، عن السلطان صلاحِ الدين يوسف بن أيوب، وقد ظَلَّ كذلك إلى أن سكن الأميرُ عز الدين أيدمر الحلي بجواره، فانتزع كثيرًا من أوقاف الجامع كانت مغصوبة بيد جماعة، وتبرع له بمالٍ جزيل، واستطلق له مِن السلطان الظاهر بيبرس مالًا، وعَمَرَ الواهيَ من أركانه وجدرانه، وبيَّضَه وبلَّطَه ورمَّم سقوفه، وفَرَشه واستجَدَّ به مقصورةً وعَملَ فيه منبرًا، فتنازع الناسُ فيه هل تصح إقامة الجمعة فيه أم لا، فأجاز ذلك جماعةٌ من الفقهاء، ومنع منه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز وغيره، فشكى الحليُّ ذلك إلى السلطان، فكلم فيه قاضي القضاة فصَمَّم على المنع، فعَمِلَ الحلي بفتوى من أجاز ذلك وأقام فيه الجمعة، وسأل السلطانَ أن يحضُرَ فامتنع من الحضور ما لم يحضُرْ قاضي القضاة، فحضَرَ الأتابك والصاحب بهاء الدين وعِدَّة من الأمراء والفقهاء، ولم يحضُر السلطان ولا قاضي القضاة تاج الدين، وعَمِلَ الأمير بدر الدين بيليك الخازندار- ممسك خزانة المال- بالجامع مقصورةً، ورتَّبَ فيها مدرِّسًا وجماعةً مِن الفقهاء على مذهب الشافعي، ورتب محدِّثًا يُسمِعُ بالحديث النبوي والرقائق، ورتَّبَ سبعةً لقراءة القرآن العظيم، وعَمِلَ على ذلك أوقافًا تكفيه، إلَّا أن ابن كثير قال: "في ثاني عشر ربيع الأول صلى الظاهر بالجامع الأزهر الجمعة، ولم يكن تقامُ به الجمعة من زمن العبيديين إلى هذا الحين، مع أنه أول مَسجدٍ بني بالقاهرة، بناه جوهرٌ القائدُ وأقام فيه الجمعةَ، فلما بنى الحاكِمُ جامِعَه حَوَّل الجمعةَ منه إليه، وترك الأزهرَ لا جمعةَ فيه، فصار في حكم بقية المساجِدِ وشَعِثَ حالُه وتغيَّرَت أحواله، فأمر السلطانُ الظاهر بيبرس بعمارتِه وبياضِه وإقامةِ الجمعة"
قَدِمَ الأمير بردبك الحمزاوي -أحد أمراء الألوف بحلب- ومعه نائب كختا -الأمير منكلي بغا- بكتاب يشبك نائب حلب، والأمير عثمان بن طر علي، المعروف بقرا يلك التركماني العثماني، بأن قرا يلك عدى الفرات من مكان يقال له زغموا، ونزل على نهر المرزبان؛ وذلك أنه بلغه أن قرا يوسف قصد كبْسَه، فما أحس قرا يلك إلا وقد هجمت فرقة من عسكر قرا يوسف التركماني عليه من شميصات دخل بهم خليل نائب كركر، فأدركوا قرا يلك عند رحيله من نهر المرزبان إلى مرج دابق، فقاتلهم في يوم الثلاثاء الثاني عشر شعبان، وأخذوا بعض أثقاله، فنزل مرج دابق، ثم قدم حلب في نحو ألف فارس، باستدعاء الأمير يشبك له، فجفل من كان خارج سور مدينة حلب، ورحلوا ليلًا عن آخرهم، واضطرب من بداخل السور، وألقوا بأنفسهم من السور ورحل أجناد الحلقة ومماليك النائب المستخدمين، بحرمهم وأولادهم، فانثنى عزم السلطان عن السفر إلى الحجاز، وكتب إلى العساكر الشامية في المسير إلى حلب، والأخذ في تهيئة الإقامات، وأصبح يوم الثلاثاء السادس والعشرين وقد جمع الأمراء والخليفة وقضاة القضاة، وطلب شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني، وقص عليهم خبر قرا يوسف، وما حصل لأهل حلب من الخوف والفزع، وجفلتهم هم وأهل حماة, وأن قرا يوسف في عصمته أربعون امرأة، وأنه لا يدين بدين الإسلام، وكتب صورة فتوى في المجلس فيها كثير من قبائحه، وأنه قد هجم على ثغور المسلمين، ونحو هذا من الكلام، فكتب شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني وقضاة القضاة بجواز قتاله، وكتب الخليفة خطه بها أيضًا، وانصرفوا ومعهم الأمير مقبل الداودار فنادوا في الناس بالقاهرة بين يدي الخليفة وشيخ الإسلام وقضاة القضاة الأربعة، بأن قرا يوسف يستحل الدماء، ويسبي الحريم، ويخرب الديار، فعليكم بجهاده كلكم، بأموالكم وأنفسكم، فدهى الناس عند سماعهم هذا، واشتد قلقُهم، وكتب إلى ممالك الشام أن ينادَى بمثل ذلك في كل مدينة، وأن السلطان واصِلٌ إليهم بنفسه وعساكره، وكتب إلى الوجه القبلي بإحضار الأمراء، ثم في شهر رمضان في أوله الأحد قدم الخبر بأن قرا يلك رحل من حلب، وأقام بها الأمير يشبك نازلًا بالميدان، وعنده نحو مائة وأربعين فارسًا، وقد خلت حلب من أهلها، إلا من التجأ إلى قلعتها، فأتاه النذير ليلًا أن عسكر قرا يوسف قد أدركه، فركب قُبَيل الصبح فإذا مقدَّمته وطأت بابلًا فواقعهم وهزمهم، وقتل وأسر جماعة، فأخبروه أنهم جاؤوا لكشف خبر قرا يلك، وأن قرا يوسف بعينتاب، فعاد وتوجه إلى سرمين، فلما بلغ قرا يوسف هزيمة عسكره، كتب إلى نائب حلب يعتذر عن نزوله بعينتاب، وأنه ما قصد إلا قرا يلك؛ فإنه أفسد في ماردين، فبعث إليه صاروخان -مهمندار حلب- فلقيه على جانب الفرات، وقد جازت مجموعة الفرات وهو على نية الجواز، فأكرمه واعتذر عن وصوله إلى عينتاب، وحلف أنه لم يقصد دخول الشام، وأعاده بهدية للنائب، فسُرَّ السلطان بذلك، وكان سبب حركة قرا يوسف أن الأمير قرا يلك صاحب آمد نزل في أوائل شعبان على مدينة ماردين من بلاد قرا يوسف، فأوقع بأهلها، وأسرف في قتلهم، وسبى نساءهم، وباع الأولاد والنساء، حتى بِيعَ الصغير بدرهمين، وحَرَق المدينة، ورجع إلى آمد، فلما بلغ قرا يوسف ذلك اشتد حنقه وسار، ومعه الطائفة المخالفة للسلطان، يريد أخذ قرا يلك، ونزل على آمد، ثم رحل عنها في ثامن شعبان جريدة خلف قرا يلك، وقطع الفرات من شميصات في عاشره، ولحق قرا يلك، وضربه على نهر المرزبان ففَرَّ منه إلى حلب، وهو في أثره، فتوجه قرا يلك من حلب، وكان من مواقعة نائب حلب لعسكر قرا يوسف ما ذُكر، وفي تاسع رمضان قدم الخبر بأن قرا يوسف أحرق أسواق عينتاب ونهبها، فصالحه أهلها على مائة ألف درهم، وأربعين فرسًا، فرحل عنها بعد أربعة أيام إلى جهة البيرة، وعدى معظم جيشه إلى البر الشرقي في يوم الاثنين سابع عشر شعبان، وعدى من الغد، ونزل ببساتين البيرة وحصرها، فقاتله أهلها يومين وقتلوا منه جماعة، فدخل البلد ونهب وأحرق الأسواق، حتى بقيت رمادًا، وامتنع الناس منه ومعهم حريمهم بالقلعة، ثم رحل في التاسع عشر إلى جهة بلاده، بعدما حرق ونهب جميع معاملة البيرة، فسُرَّ السلطان برجوع قرا يوسف، وفتر عزمُه عن السفر إلى الشام.
قُتِلَ إبراهيم الأسداباذي الباطني ببغداد، وهرب ابن أخته بهرام داعية الباطنية إلى الشام، وملكَ قلعة بانياس، وسار إليها، والتحق بدمشق فدعمه المزدقاني وزير تاج الملوك صاحب دمشق، ولما فارق بهرام دمشق أقام له بها خليفةً يدعو الناس إلى مذهبه، فكثُروا وانتشروا، وملك هو عدةَ حصون من الجبال منها القدموس وغيره، وكان بوادي التيم، من أعمال بعلبك، أصحاب مذاهب مختلفة من النصيرية، والدرزية، والمجوس، وغيرهم، وأميرُهم اسمه الضحاك، فسار إليهم بهرام سنة 522 وحصرهم وقاتلهم، فخرج إليه الضحاكُ في ألف رجل، وكبس عسكر بهرام فوضع السيف فيهم، وقتل منهم مقتلة كثيرة، وقُتِل بهرام وانهزم مَن سَلِمَ، وعادوا إلى بانياس على أقبح صورة، وكان بهرام قد استخلف في بانياس رجلًا من أعيان أصحابه اسمه إسماعيل، فقام مقامه، وجمع شمل من عاد إليه منهم، وبثَّ دُعاتَه في البلاد، وعاضده المزدقاني أيضًا، وقوَّى نفسه على ما عنده من الامتعاض بهذه الحادثة والهمِّ بسببها، ثم إن المزدقاني أقام بدمشق عِوَضَ بهرام إنسانًا اسمُه أبو الوفاء، فقَوِيَ أمرُه وعلا شأنه وكثُر أتباعه، وقام بدمشق، فصار المستوليَ على من بها من المسلمين، وحُكمُه أكثَرَ مِن حُكمِ صاحبها تاج الملوك. ثم إن المزدقاني راسل الفرنجَ ليسلم إليهم مدينة دمشق، ويسلِّموا إليه مدينة صور، واستقرَّ الأمر بينهم على ذلك، وتقرَّر بينهم الميعاد يوم جمعة ذكروه، وقرَّر المزدقاني مع الإسماعيلية أن يحتاطوا ذلك اليومَ بأبواب الجامع، فلا يُمكِّنوا أحدًا من الخروج منه؛ ليجيء الفرنج ويملكوا البلاد، وبلغ الخبر تاج الملوك، صاحب دمشق، فاستدعى المزدقاني إليه، فحضر وخلا معه، فقتله تاج الملوك، ثم أحرق بدنه وعلَّق رأسه على باب القلعة، ونادى في البلد بقَتلِ الباطنية، وانقلب البلدُ بالسرور وحَمْد الله، وثارت الأحداث والشطَّار في الحال بالسيوف والخناجر يقتلون من رأوا من الباطنية وأعوانهم. ومن يُتَّهمُ بمذهبهم، وتتبَّعوهم حتى أفنوهم، وامتلأت الطرق والأسواق بجِيَفِهم، فقُتِل منهم ستة آلاف نفس، وكان يومًا مشهودًا أعزَّ الله فيه الإسلامَ وأهله، وأُخِذ جماعة أعيان منهم شاذي الخادم تربية أبي طاهر الصائغ الباطني الحلبي، وكان هذا الخادِمُ رأسَ البلاء، فعُوقِبَ عقوبة شَفَت القلوب، ثم صُلِب هو وجماعةٌ على السور. وبقي حاجب دمشق يوسف فيروز، ورئيس دمشق أبو الذواد مفرج بن الحسن ابن الصوفي يلبسان الدروع، ويركبان وحولهما العبيد بالسيوف، لأنهما بالغا في استئصال شأفة الباطنية. وكان ذلك منتصفَ رمضان، وكفى الله المسلمين شرهم، وردَّ على الكافرين كيدَهم، ولما تمَّت هذه الحادثة بدمشق على الإسماعيلية خاف إسماعيل والي بانياس أن يثور به وبمن معه الناسُ فيهلكوا، فراسل الفرنج، وبذل لهم تسليمَ بانياس إليهم، والانتقالَ إلى بلادهم، فأجابوه، فسَلَّم القلعة إليهم، وانتقل هو ومن معه من أصحابه إلى بلادِهم، ولَقُوا شدةً وذِلَّةً وهوانًا، وتوِّفي إسماعيل أوائل سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وكفى الله المؤمنين شَرَّهم.
هاجمت طيِّئٌ ركْبَ الحاجِّ العراقي بأرض المعدن. وكانت الأعرابُ في ثلاثة آلافٍ ما بين فارس وراجل، وكان أميرَ الحاجِّ أبو الأغَرِّ، فأقاموا يقاتِلونَهم يومًا وليلة. واشتد القتالُ، ثمَّ إنَّ الله أيَّدَ الرَّكبَ وهزموهم، وقُتِلَ صالحُ بنُ مدرك الذي نهب الحاجَّ فيما مضى، وقُتِلَ معه أعيانُ طيئٍ، ودخل الركبُ بغدادَ بالرؤوس على الرِّماحِ وبالأسرى.
عَظُمَ أمرُ الحَنابلةِ ببغداد، وقَوِيَت شوكَتُهم، وصاروا يكبِسونَ دُورَ القوَّادِ والعامَّة، وإن وَجَدوا نبيذًا أراقوه، وإن وجدوا مغنِّيةً ضربوها وكسروا آلةَ الغناء، واعترضوا في البيعِ والشِّراءِ، وفي مشيِ الرِّجالِ مع الصِّبيان, كان البربهاري شيخُ الحنابلةِ في عَصرِه مُقيمًا في بغداد, وله فضلٌ كبيرٌ في الدعوةِ إلى الرجوع إلى منهجِ السَّلَفِ في العقيدة وإنكارِ البِدَع والخُرافات، وله مواقِفُ شديدةٌ على أهل البِدَع والفِرَق وخاصَّةً الشِّيعة، وكان المخالِفونَ له يغيظونَ قَلبَ السُّلطانِ عليه. فرَكِبَ بدرٌ الخرشَنيُّ، وهو صاحِبُ الشُّرطة، ونادى في جانبَيْ بغداد، في أصحابِ أبي محمَّد البربهاريِّ الحنابلة، ألَّا يجتَمِعَ منهم اثنانِ ولا يتناظَروا في مذهَبِهم، ولا يصلِّي منهم إمامٌ إلَّا إذا جهر ببسمِ الله الرحمن الرحيم في صلاةِ الصُّبحِ والعشاءَينِ، فلم يُفِدْ فيهم، فخرج توقيعُ الراضي بما يُقرأُ على الحنابلة يُنكِرُ عليهم فِعلَهم، ويوبِّخُهم وأنَّ أميرَ المؤمنين يقسِمُ بالله قسمًا جَهدًا إليه يلزَمُه الوفاءُ به؛ لئِنْ لم تنتهوا عن مذمومِ مَذهَبِكم ومُعْوَجِّ طريقتِكم، ليُوسِعَنَّكم ضربًا وتشريدًا، وقتلًا وتبديدًا، وليستعمِلَنَّ السَّيفَ في رقابكم، والنَّارَ في منازِلِكم ومحالِّكم. وحُبِسَ منهم جماعةٌ ونُفِيَ بعضُهم إلى البصرة، واستتر الشيخُ البربهاريُّ إلى أن مات وهو مستَتِرٌ.
كانت موريتانيا تتبَعُ دولة السنغال وتتبَعُ المغربَ، فبعض مناطق موريتانيا تتبع السنغال، وبعضها يتبع المغرب، وكانت عبارةً عن إماراتٍ صغيرة وغيرِ موحَّدة فيما بينها؛ لذا كانت تخضَعُ للدول الكبيرة التي تقوم في المنطقة، وهذا ما شجَّع الصليبيين المستعمرين للتقَدُّم من السواحل إلى الداخلِ، ولم يجد الاستعمارُ الفرنسيُّ الذي سيطر على المغرب إلَّا إمارات مفكَّكة، وخاصةً بعد أن أُعطِيَت منطقة السنغال إلى فرنسا إثرَ الحروب النابليونية، وأخذ الفرنسيون يتحرَّكون بحذَرٍ نحوَ الداخل عبرَ نهر السنغال، واستطاع الفرنسيون حمايةَ بعضِ القبائل المتنازِعة، فكان هذا أوائِلَ التدخل، وكانت أسبانيا أيضًا منافِسةً لفرنسا وبَقِيَت المعارك بين القبائل والفرنسيين أكثَرَ مِن عامين حتى تمكَّن الفرنسيون من بَسطِ نفوذِهم على منطقةِ أدرار، وأمرُ المغرب كان قد ضَعُف أيضًا، وكان أحمد هبة الله ابن الشيخ ماء العينين في منطقة موريتانيا دعا للجهادِ وحاول الهجومَ على مراكش، فدخلها عَنوةً وبويع سلطانًا للمغرب الأقصى، ثم أرسلت فرنسا جيشًا اندحر أمامَ قوات هبة الله، ثم عادت مرةً أخرى فأرسَلَت جيشًا ضخمًا أخرجه من مراكش، وطاردته، وبمساعدة عدة جنود من المغرب والجزائر والسنغال ومالي وبدعم الطيران والمدفعية وصل الجيشُ إلى تنزيت وتمكَّنَ الفرنسيون منها.
يرجِعُ تاريخُ مدينةِ الرِّباط إلى فتراتٍ تاريخية مختلفة، إلَّا أنَّ التأسيس الأوَّلي للمدينة يعودُ إلى عهد المرابطين الذين أنشؤوا رباطًا مُحَصَّنًا؛ ذلك أنَّ هاجِسَ الأمن كان أقوى العوامِلِ التي كانت وراء هذا الاختيار؛ ليكون نقطةً لتجَمُّع المجاهدين، ورَدِّ الهَجَمات خلالَ عهد الموحدين، عرفَت المدينة إشعاعًا تاريخيًّا وحضاريًّا؛ حيث تمَّ تحويلُ الرباط (الحصن) على عهدِ عبد المؤمن الموحِّدي إلى قصبة مُحصَّنة لحماية جيوشِه التي كانت تَنطلِقُ في حملات جهادية صَوبَ الأندلس، وفي عهد حفيدِه يعقوب المنصور، أراد أن يجعَلَ مِن رباط الفتح عاصِمةً لدولته، وهكذا أمرَ بتَحصينِها بأسوارٍ مَتينةٍ، وشَيَّدَ بها عِدَّةَ بنايات من أشهرِها مسجِدُ حسان بصومعتِه الشَّامخة.
هو الشيخ أبو الفلاح عبد الحي بن أحمد بن العماد العكبري، مؤرخ وفقيه حنبلي وعالم بالأدب، ولد في دمشق سنة 1032 ونشأ بها، وقرأ القرآن الكريم على بعض الشيوخ، وطلب العلم مشمِّرًا عن ساعد الجد والاجتهاد، فأخذ عن أعلام الأشياخ، وأجلُّهم الشيخ أيوب الخلْوَتي الصوفي. وتلقى الفقهَ قراءة وأخذًا عن ابن فقيه فُصَّة مفتي الحنابلة بالشام في عصره، ثم رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة طويلة، فأخذ العلم عن أشياخها. ثم عاد إلى دمشق ولزم الإفادة والتدريس، وانتفع به كثيرٌ من أبناء عصره، وتوفي بمكة حاجًّا، من مصنفاته شذرات الذهب في أخبار من ذهب، وله معطية الأمان من حنث الأيمان، وغيرها من الكتب.
قامت فرنسا باحتلالِ الجزائر، وكان سببُ ذلك رفْضَ "الباشا حسين" تقديمَ اعتذارٍ إلى قنصل فرنسا، وكان القنصلُ الفرنسي قد أساء معاملةَ الباشا، فأشار الباشا بمروحةٍ في يده على وجهِ القنصل, فاعتبرها الفرنسيون إهانةً لفرنسا، فأمر مَلِكُ فرنسا بضرورةِ احتلال إقليمِ الجزائر، فأرسلت الحكومةُ الفرنسية جيشًا من 28 ألف مقاتل وأسطولًا يضم مائة سفينةٍ، وثلاثة سفن تحمل 27 ألف جندي بحري، ونزلت بالقرب من مدينة الجزائر، وبعد قتالٍ عنيف دخلوا مدينةَ الجزائر وواجهَتْهم المقاومة الجزائرية بقيادة عبد القادر الجزائري، حتى استسلم في رجب من عام 1263هـ وسيطرت فرنسا على الإقليمِ، وإن بقيت المقاومةُ تَظهَرُ مِن وقتٍ لآخر.
استَولَى الحوثيُّون على السُّلطةِ واحتَلُّوا صنعاءَ، وسَيطروا على مقرِّ التلفزيون والمطار واقتَحَموا مَقرَّ الفِرْقة التي يقودُها علي محسن الأحمر، وجامعةَ الإيمان الإصلاحيَّةَ وسيطروا على مؤسَّساتٍ أمنيَّةٍ ومُعسكراتٍ ووِزاراتٍ حكوميَّة، فهَرَب الأحمرُ إلى السُّعودية، واستقال الرئيسُ عبدُ ربِّه منصور هادي ونائِبُه خالد بحاح في (22 يناير 2015م)، ووقعتْ معاركُ في إب والحديدةِ والبيضاءِ مع المقاومةِ الشَّعبية، أَصدَر الحوثيُّون بعد ذلك ما أَسمَوه بالـ"الإعلان الدُّستوري" وقاموا بحَلِّ البَرلمان، وتمكينِ "اللجنة الثوريَّة" بقيادةِ محمد علي الحوثي لقيادةِ البلاد، وأَعلَنوا عن عَزْمهِم تشكيلَ مجلسٍ وطنيٍّ من (551) عضوًا، ومجلسٍ رئاسيٍّ من خمسةِ أعضاءٍ بقيادة محمد علي الحوثي وهو ما رُفِضَ محلِّيًّا ودَوليًّا.