انطلقت حملةُ أحمد طوسون بن محمد علي من مصرَ، ونزل طوسون على الساحِلِ الغربيِّ بجيشٍ قِوامه عشرة آلاف جندي, حرص طوسون أن يُغدِقَ الأموال والهدايا والخِلَع على شيوخ القبائل ورؤساء الجماعات التي تقطُن الموانئ الحجازية ولها نفوذ فيها؛ لتكون سندًا لقواتِه، ولتقبَلَ تأجير إبلها إلى قواته من أجل حَمل المُؤَن والعتاد من المناطق الساحلية إلى داخل البلاد، واستولى على ينبُع بدون مقاومة تذكر, ثم استدرج عبد الله بن سعود قوات طوسون إلى الأراضي النجدية من أجل إضعافِها وتشتيت قواتِها, حتى تمكنت القواتُ السعودية من إنزال هزيمةٍ كبيرة بقوات طوسون في وقعة وادي الصفراء بين المدينة والقصيم سنة1227، وقُتِل من جيش طوسون 1200 مقاتل، وبعد هذه الهزيمة اضطر طوسون إلى أن يطلُبَ العون والمساعدة من والده محمد علي باشا، ثمَّ عاد إلى ينبع وبقِيَ فيها مدَّةً ثم تقدَّم نحو المدينة، ونجح في الاستيلاءِ عليها بعد حصار دام شهرين، ثم توجَّه طوسون إلى جدة ودخلها, فاضطر عبد الله بن سعود أن يخرُجَ من مكة, فتمكن طوسون من دخول مكةَ بدون معارضة, ثمَّ استولى على الطائِفِ، لكن السعوديين عادوا وانتصروا في تَرَبة والحناكية وقطعوا طرقَ المواصلات بين مكة والمدينة، وانتشرت الأمراضُ في صفوف جيش طوسون، وأصاب الجنودَ الإعياءُ نتيجة شدة القيظ وقِلَّة المؤونة والماء، ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر أن يلزم خطةَ الدفاع، وأرسل إلى والده يطلُبُ المساعدة.
بعد أن سيطر الروسُ تمامًا على سيبيريا (تشمل منطقة آسيا الشمالية) عام 1078هـ أصبحت تركستان تحدُّهم من جهة الجنوب حيث تمتدُّ سهول القازاق الواسعة والتي تعد قليلةَ السكان؛ الأمر الذي أغراهم بها، ولكِنْ كان قبل ذلك انصبَّ همهم على القفقاس فما أن انتهوا من أمر القفقاس وأصبحت تحت قبضتِهم حتى توجهوا إلى تركستان فسيطروا على سواحل بحر الخزر الشمالية والشرقية عام 1249هـ، ثم تابعوا تقَدُّمَهم نحو نهر سيحون، واحتلُّوا طاشقند وسمرقند، ووصلوا حتى نهر جيحون، أي: فصلوا بين الأراضي التابعة لخانية خوقند والأراضي التابعة لخانية بخارى، وتوقَّفوا عند نهر جيحون، ولا يزال الحد الفاصل بين الإمبراطورية الروسية وبلاد الأفغان، وذلك في المدة 1270هـ إلى 1286هـ، ثم توسَّعوا نحو الجنوب على سواحل بحر الخزر الشرقية ليحيطوا بخانية خوارزم من جهة الغرب، ولم يبقَ أمام الاستعمار الروسي إلَّا هذه الخانيات الثلاث خوقند وبخارى وخوارزم إضافةً إلى بلاد الطاجيك وبلاد التركمان، وبدؤوا بخانية خوقند التي أصبحت منعزلةً عن الخانيتين الأخريين، ففَرَضوا سيطرتهم عليها عام 1293هـ ثم اتَّجَه الروس إلى خانية بخارى، ففرضوا سيطرتَهم عليها عام 1303هـ وتابعوا سيرَهم إلى بلاد التركمان فدخلوها في العام نفسِه بعد مقاومة عنيفةٍ مُدافِعين عن عاصمتهم مرو دفاعًا مجيدًا، وهكذا أصبحوا على حدودِ إيران، وعزلوا خوارزمَ التي بقيت وسطَ البلاد الخاضعة أو المحمية للروسِ، فدخلوها عام 1306هـ وتوجهوا بعدها إلى بلادِ الطاجيك فأخضعوها عام 1311هـ.
هو الشريف محمد بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسن ابن أبي نمي، ولِدَ بمكة سنة 1204ه،ـ ونشأ بها، ولما استولى محمد علي باشا على مكَّةَ ذهب به إلى مصر وجلس بها عنده مدَّةَ سنواتٍ، ولَمَّا قُتِل الشريف يحيى بن سرور الشريف شمبر بمكة في شعبان سنة 1243هـ تولى عبد المطلب بن غالب إمارةَ مكة وهي إمارته الأولى وبقي أميرًا حتى قَدِمَ محمد بن عبد المعين بن عون من مصر في جمادي الآخر سنة 1243هـ وتولَّى إمارة مكة حتى سنة 1253
حيث أعيد إلى مصر، ثم صدر الأمر السلطاني على محمد على باشا
بمصر بإعادةِ محمد بن عبد المعين بن عون أميرًا لمكَّة، فأعيد إليها 1256هـ وبقي أميرًا لمكة حتى سنة 1267 حيث ورد الأمرُ السلطاني بترحيلِه وجميع أبنائه إلى تركيا، وتولية الشريف عبد المطلب بن غالب، وهي المرة الثانية لولاية الشريف عبد المطلب، ثم عاد محمد بن عبد المعين ابن عون من تركيا وتولى إمارة مكة سنة 1271هـ وبقي بها أميرًا حتى توفِّيَ في ثالث شعبان من هذه السنة، وخلَّف ستة أبناء، هم: عبد الله، وعلي، وحسين، وعون، وسلطان. وتولى بعده إمارة مكة ابنُه الأكبر عبد الله.
هي لالا فاطمة نسومر، وتسمى أيضًا لالة فاطمة، واسمُها الحقيقي هو (فاطمة سيد أحمد محمد بن عيسى)، و"لالة أو لالا" هي لفظةُ توقير أمازيغية تعني "السيدة" وهي من أبرز وجوه المقاومة الشعبية الجزائرية في بدايات الغزو الفرنسي للجزائر. وُلِدَت لالا فاطمة نسومر بقريةِ ورجة قرب عين الحمام سنة 1246هـ /1830م في أسرةٍ تنتمي إلى الطريقة الرحمانية، وأبوها محمد بن عيسى مقدَّم زاوية الشيخ سيدي أحمد أومزيان شيخ الطريقة الرحمانية. وأمُّها لالا خديجة. نشأت لالا فاطمة نشأةً دينية وبعد وفاةِ أبيها وجدت نفسَها وحيدةً منعزلة عن الناس فتركت مسقَطَ رأسها وتوجَّهت إلى قرية سومر؛ حيث يقطنُ أخوها الأكبر سي الطاهر، وإلى هذه القريةِ نُسِبَت. قاومت الاستعمارَ الفرنسي مقاومةً عنيفة أبدت خلالَها شجاعةً وبطولة متفردتين، حتى تمكَّن الفرنسيونَ مِن إلقاء القبض عليها في وادي يسر، فحُكِمَ عليها بالإقامة الجبرية بـ(تورثاثين) بمنطقة العيساوية التي تبعد15 كم عن مدينة تابلاط التي تحتَضِنُ الزاوية العيساوية التي كان يديرها "الباي محي الدين" كسجن، فاختارت لالا فاطمة لنفسِها هذه الزاوية للتعبُّدِ والدراسة، حتى مرضت وانتقلت إلى جوار ربِّها دون أن يتجاوزَ عُمرُها 33 سنة, ويقال إنها ماتت مسمومة في فرنسا، ثم دُفِنَت في مقبرة سيدي عبد الله قبل أن يتمَّ نَقلُ رُفاتها إلى مربع الشهداء بمقبرة العالية سنة 1995م.
بعد معركة المليداء سنة 1308 أخذ الإمامُ عبد الرحمن ما أمكَنَه أخذُه من ممتلكاتِه في الرياض، وخرج بأسرتِه منها، واتَّجَه إلى المناطق الواقعة بين واحة يبرين والأحساء، لبُعدِها عن متناولِ ابن رشيد، ولوجودِ قبائل متعاطِفة معه، ومناوِئة لخَصمِه ابن رشيد، مِثلُ العجمان وآل مرة، ولكِنَّ صعوبة حياة الصحراء على نِساءِ أُسرتِه وأطفاله أجبَرَت الإمامَ عبد الرحمن على إرسالِ ابنه عبد العزيز إلى الشيخ عيسى بن خليفة حاكِمِ البحرين طالبًا منه أن يقبَلَ إقامةَ أسرته لديه، ورحَّبَ الشيخُ عيسى بالطلب، فذهب أطفالُ الإمام ونساؤه إلى البحرين، ليلقَوا كرم الضيافة هناك. حاول عبدُ الرحمن أن يستعيدَ الرياض, فجمع أنصارَه من أعراب البادية، وصَحِبَه إبراهيم بن مهنا أبا الخيل، أميرُ بُرَيدة مع عددٍ مِن أهلِها, وهاجم الإمامُ عبد الرحمن مع أتباعِه بلدةَ الدلم واستولوا عليها وطَرَدوا من كان فيها من أتباعِ محمد بن رشيد. ثم توجَّه إلى الرياض، ودخلها سنة 1309ه،ـ ومن الرياضِ سار الإمام عبد الرحمن إلى المحمل، ونزل في حريملاء شمالَ الرياضِ والتقى بابن رشيد في معركةٍ فاصلة انهزم فيها عبد الرحمن وقُتِلَ عدد من رجالِه وأنصاره، ودخل ابنُ رشيد الرياض، وبعد هذه المعركةِ تبَدَّدت آمال عبد الرحمن بن فيصل، وعاد إلى مخيَّمِه في البادية، وكانت وقعةُ حريملاء آخِرَ معارك أئمَّةِ الدولة السعودية الثانية، وبها انتهت دولةُ آل سعود في مرحلتِها الثانيةِ.
في بدايةِ عَهدِ الملك عبد العزيز كان التعليمُ في معظم أنحاء الجزيرة العربية -عدا منطقتي الحجاز والأحساء اللَّتينِ كانتا تخضعان للحكم العثماني- يعتَمِدُ على النظام التقليدي (الكتاتيب)، ولم يكن في نجدٍ وما حولها أيُّ مدرسة نظامية، وإنما حلقات لدراسة العلوم الشرعية، والتاريخ واللغة في المساجد والجوامع والكتاتيب التي يُعلَّم فيها الأطفال في المنازل القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وتمَّ فتحُ أول مدرسة في الرياض على يدِ الشيخ عبد الله آل الشيخ بعد أن عاد إلى نجدٍ من الحجاز، ثم ظهرت مدارسُ العلماء في منازلهم يهتمُّون فيها بحفظ القرآن الكريم، وتعلُّم أصول الفقه، والحديث، والعقيدة، والتاريخ، والسيرة، ويتخرج الطلبةُ من هذه المدارس على أساسِ العمَلِ في القضاء، وبعد ضَمِّ الحجاز أُعجِبَ الملك عبد العزيز بنظام التعليم الحجازي، فأسَّس في هذا العام إدارةَ المعارف العامة التي جَلَبت المعلمين من الدول العربية، وتأسَّس في نفس العام 12 مدرسة حكومية وأهلية في الرياض وما حولها، ثم انتشرت في المدنِ الكبيرة، وما إن حَلَّ عقدُ السبعينيات الهجري حتى أصبح عددُ المدارس الابتدائية 90 مدرسة، و10 مدارس ثانوية، و50 مدرسة في القرى يَدرُسُ فيها 16 ألف طالب، ثم توسَّع التعليمُ في المملكة بتوسُّع مناهجه وأساليبه، وفتح مدارس لتعليم البنات، وإرسال البعثات الطلابية للخارج، واستقدام الكفاءات العربية والأجنبية، وأُنشِئَت كلية الشريعة في مكة عام 1365هـ.
كان البريطانيون قد سبقوا الأمريكانَ إلى التنقيبِ عن النفطِ في غرب الخليج العربي. ولم تُسفِرْ بحوثُهم عن نتيجةٍ، فكتبوا إلى السلطان عبد العزيز يأسَفون على ما أضاعوا من جهدٍ ومالٍ، وانصرفوا عن البحثِ، ولَمَّا كان وزير الخارجية الأمير فيصل يزور لندن على رأس بَعثةٍ سياسية تحدَّثَ مع الجهاتِ البريطانية في احتمالِ وجودِ النِّفطِ على الشاطئ الغربي للخليج العربي، فلم يجِدْ في الشركات البريطانية استعدادًا لمجازفةٍ ثانية، وبينما كان الثريُّ الأمريكي كرين في زيارةٍ للسعودية بصُحبةِ المترجم جورج أنطونيوس، سأل كرين الملكَ عبد العزيز عمَّا يمكِنُ أن يقومَ به من مساعدة بلادِه، فطلب منه المَلِكُ أن يُحضِرَ إليه خبيرًا جيولوجيًّا يبحث له عن آبار ارتوازية في مناطق الصحراء لتسقيَ الحُجَّاجَ ويستخدِمَها البادية في الرعي والزراعة، فقال له كرين: سأبعث إليكم بخبير أعتقِدُ أنه سيفيدُ بلادَكم، ولا تكَلِّف حكومتَكم أن تنفِقَ عليه أكثر من تأمين إقامته وتنقُّلاته، فوصل إلى جدة المهندس الجيولوجي الأمريكي تويتشل، فأخذ يبحث عن الماءِ في مسافة 1500 ميل في الحجاز دون أيِّ فرصةِ أمَلٍ لِتَدفُّق المياه في أراضي الحجاز، ولَمَّا كان البحثُ عن النِّفطِ جاريًا في البحرين على يد الشركات الأمريكية، عرض المَلِكُ على تويتشل أن يتَّصِلَ بزملائِه في الشركات الأمريكية للتنقيبِ عن النفط في الأحساءِ بدلًا من البحث عن الماء، وبعد جهدٍ تمَّ الاتفاقُ مع شركة ستاندارد أويل كومباني أوف كليفورنيا على تبنِّي المشروع عام 1352هـ.
كانت المعاهدةُ قد طُرِحَت سابقًا لكِنْ لم يتمَّ التوقيعُ عليها بسبب بُعدِ الشروط فيها، فكانت كلُّ وزارة تتغيَّرُ ولا يحدث أي توقيع للمعاهدة، حتى شُكِّلت لجنةٌ لمفاوضة الجهة البريطانية التي يمثِّلُها المعتمد السامي البريطاني، وقد وجدت ثلاث نقاط يجب بحثُها، وهي: تعديل الاتفاقية المالية والعسكرية؛ حيث كان هناك اعتراض على قوة الطيران البريطانية الموجودة بالعراق، وقضيةُ التجنيد الإلزامي، وامتلاك ميناء البصرة والسكك الحديدية. ثم عادت المفاوضاتُ بين الحكومة العراقية والبريطانيين في الرابع من ذي القعدة عام 1348هـ ودارت حول نقطتين أساسيتين: الاعتراف بحفظ وحماية المواصلات الجوية البريطانية في العراق بصورةٍ دائمة وفي جميع الأحوال، دخولُ العراق في عصبة الأمم عام 1932م. وكان الملك فيصل يُشرِفُ على المفاوضات بنفسِه، واضطر للسفر إلى لندن فأناب أخاه عليًّا حتى تم التوقيعُ على المعاهدة في الرابع من صفر من هذا العام، ونُشِرَت بنودُ المعاهدة في الثاني والعشرين من نفس الشهر فلَقِيَت معارضةً واسعة، والتي كان من بنودها: يسودُ سِلمٌ وصداقة دائِمَين بين ملك العراق وملك بريطانيا، ويؤسَّس بين الفريقين الساميين المتعاقدين تحالفٌ وثيق توطيدًا لصداقتهما... وتجري بينهما مشاوراتٌ تامة وصريحة في جميع شؤون السياسة الخارجية مما قد يكون له مِساسٌ بمصالحِهما المشتركة، ومنها معونةُ أي طرف للآخر في حال اشتبك أحدُ الفريقين بحربٍ، وغيرها من البنود الدالة على الربطِ الوثيقِ بين الحكومتين؛ لإبقاء العراق تحت بريطانيا كالتابِعِ.
نشأت "حركة الضباط الأحرار" عام 1376هـ تحت قيادة عبد الكريم قاسم ذو الميول الشيوعية، وعبد السلام عارف ذو الميول الإسلامية، وقد قامت الحركةُ بعدة محاولاتٍ لقَلبِ نظام الحُكمِ لكِنَّها فَشِلت، إلى أن تمكنت من توجيه ضربة قاضية ضِدَّ الحكم الملكي، فقتلت كلًّا من الملك فيصل الثاني بن غازي ملك العراق، والوصي عليه خاله عبد الإله بن علي، ونوري السعيد رئيس الحكومة، وسيطرت على الوَضعِ ورحَّبت بعض الدولُ العربية بالحركة الانقلابية، ثم قامت عملياتٌ عسكرية احتَلَّ فيها عبد السلام عارف بغدادَ، وأعلن بنفسه من إذاعة بغداد قيامَ الجمهورية العراقية، ثم أعلن مجلِسُ قيادة الثورة المعروف بمجلس السيادة تعيينَ عبد الكريم قاسم رئيسًا أعلى للقوات المسلحة، ومُنِحَ صلاحيات واسعة، كما عُيِّن رئيسًا للوزراء لحكومة مدنية مؤقتة، ووزيرًا للدفاع بالوكالة، كما عين عبد السلام عارف مساعدًا له في رئاسة القوات المسلحة، ونائبًا له في رئاسة الحكومة، ووزيرًا للداخلية بالوكالة، وكانت كلُّ البيانات تَصدرُ باسم مجلس السيادة، وخرجت المظاهراتُ المؤيِّدة، وأيَّدَت الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) الوضعَ بكُلِّ ثِقلِها، وأعلنت استعدادَها للدَّعمِ، وتسلَّم عبد الكريم قاسم السلطةَ وبدأ يُصدِرُ القرارات وإعلان الأحكامَ العُرفيةَ، ومصادرة الأملاكَ الملَكيَّة.
هو محمَّدُ الخامس بن يوسف بن الحسن بن محمد بن عبد الرحمن الحسني العلويّ، أبو الحسن المنصور باللَّه: ملك المغرب، ورمزُ نهضته الحديثة. وُلِدَ بفاس سنة 1329هـ وتعَلَّم بها وبالرباط، وكان بفاس يوم بُويِعَ له بعد وفاة والده سنة 1346ه 1927م، فانتقل إلى الرباط عاصمة المغرب في عهد أبيه. وكان الاحتلالُ الفرنسي المعبَّرُ عنه بالحماية هو المرجِعَ الأعلى في سياسة البلاد وإدارتها، وليس للملك الذي كان يُدعى بالسلطان ولا للقصر الملكي الذي يُسمَّى المخزَن إلَّا المظهرُ الديني في مواسِمِ الأعياد الإسلامية، ووَضْع الطابع الشريف -أي: الخاتم- على الأحكام الشرعية، وشؤون الأوقاف، أُعلِنَ استقلال المغرب يوم 3 مارس 1956 وزار أسبانيا فاتَّفَق مع حكومتِها على أن تعترف باستقلال المغرب ووَحدةِ ترابه، وأدخل المغربَ في الأُمَم المتحدة. وربَطَ بلادَه بعلاقات سياسية واقتصادية مع أكثر دول العالم. وكان يدورُ في سياسته حول دول الغرب (أمريكا ومن معها) فمَدَّت إليه الدول الاشتراكية يَدَها، فتعاون معها متحفِّظًا بحُسنِ صِلاتِه بالأولى. وكان لمدينة طنجة نظامٌ دولي يَفصِلُها عن المغرب، فألغى ذلك النِّظامَ وأدخل بلادَه في جامعة الدول العربية، ولَمَّا مَرِضَ الملك محمد الخامس سافر إلى سويسرا للعلاج، وعَيَّن ابنَه الحسن وليًّا للعهد، ثم توفي في 11 رمضان 1380هـ، فتسَلَّم المُلْكَ بعده ابنُه الحسن الثاني بعد خمسة أيام من وفاته.
هو المشيرُ محمد عبد الحكيم بن علي عامر، وُلِدَ في 11 ديسمبر 1919م في قرية أسطال مركز سمالوط بمحافظة المنيا في أسرةٍ ثرية، وكان والِدُه عمدةَ القرية، ويُعدُّ المشير أحد رجال ثورة يوليو عام 1952م في مصر. وكان صديقًا مقربًا للرئيس جمال عبد الناصر، ورئيسِ المخابرات صلاح نصر، ووزيرِ الحربية شمس بدران حتى حرب 1967. وقائدًا عامًّا للقوات المسلحة المصرية، ونائِبَ رئيس الجمهورية. تخرَّج عامر من الكلية الحربية عام 1939، وشارك في حرب 1948 في نفس وَحدة جمال عبد الناصر. لعِبَ عامر دورًا كبيرًا في القيام بالثورة عام 1952, وفي العام التالي للثورة، وفي عام 1954 تولى وزارة الحربية، ثمَّ تمَّ ترقيتُه من رتبة صاغ (رائد) إلى رتبة لواء متخطيًا ثلاث رتب، وأصبح رئيسًا للأركان. وقاد القواتِ المصريَّةَ والمقاوَمةَ في حرب العدوان الثلاثي عام 1956، وبعد الوحدة مع سوريا عام 1958 أصبح القائِدَ الأعلى للقوات المشتركة. وفي عام 1964 أصبح نائبًا أوَّلَ لرئيس الجمهورية. فَسَدَت العلاقةُ بين الرئيس عبد الناصر والمشير عامر على نحوٍ سريع عقب حرب 1967 بعد إصدار الرئيس عبد الناصر قرارًا بتنحيةِ عبد الحكيم عامر عن قيادة الجيش، وتعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية، وهو القرارُ الذي رفضه عامر بشدَّة، فوُضِعَ قَيدَ الإقامةِ الجبرية في منزله، حتى مات فيه، قيل مسمومًا وقيل منتحرًا.
بعد أن تولَّى محمد أنور السادات رئاسةَ مصرَ خلفًا لجمال عبد الناصر أعلن سيرَه على نفس الخُطى، إلا أنه بدأ بالميل إلى أمريكا؛ ففتح البابَ كاملًا للأمريكانِ. فاجأ الساداتُ العالمَ أجمعَ العربي والإسلاميَّ بزيارته للقدس، نجم عنها توقيع معاهدةَ السلام المصرية الإسرائيلية (كامب ديفيد) في الولايات المتحدةِ؛ وقَّع المعاهدةَ من الجانب الإسرائيليِّ رئيسُ الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، ومن الجانب المصريِّ الرئيسُ المصري أنور السادات، وُقِّعت المعاهدة بعد 12 يومًا من المفاوضات في مُنتجع كامب ديفيد الرئاسيِّ في ولاية ميريلاند القريبِ من عاصمة الولايات المتحدةِ واشنطن؛ حيثُ كانتِ المفاوضاتُ والتوقيع على الاتفاقيةِ تحت إشراف الرئيس الأمريكيِّ كارتر. تُمثل اتفاقية كامب ديفيد تحولًا تاريخيًّا في مجرى الصراع العربيِّ الإسرائيليِّ والقضية الفلسطينية؛ فقد اعترف الساداتُ في هذه الاتفاقية بشرعيةِ الوجود اليهوديِّ في المنطقة، وبحقِّهم في الأمنِ والسلامِ، وإقامة علاقات حُسن جوارٍ وتعاون معه، وأخرج مصر من حلَبة الصراع مع إسرائيلَ دون أن يقابلَ ذلك أيَّ كسب سياسيٍّ وغيره لمصر سوى الجلاء عن سيناءَ بعد إقامة قوى أمريكية في معظم أنحائها، وقد قوبل هذا الاتفاقُ بموجة عارمةٍ من السُّخط العربي والإسلامي، وفي 26 مارس / آذار 1979م بعدَ خمسة أيام من تصديق معاهدة السلام المصريةِ الإسرائيلية عُلِّقَت عضوية مصر في الجامعةِ العربية، ونُقِل مقرُّها من القاهرة إلى تونس.
هو محمد إبراهيم بوخروبة، المعروفُ باسم هواري بومدين زعيم أمازيغي رئيسُ الجزائر. وهو ابنُ فلاحٍ بسيطٍ من عائلة كبيرةِ العددِ ومتواضعة الحال تَنتمي إلى عرش بني فوغال التي نزحت من ولاية جيجل عندَ بداية الاحتلال الفرنسيِّ، وُلد سنة 1932في دوَّار بني عدي (العرعرة) على بُعد بضعةِ كيلومترات غرب قرية "قالمة" من قرى الشرقِ الجزائريِّ، وتعلَّم بها وبقسنطينةَ، والتحقَ في تلك الحِقبة بجامع الزيتونةِ الذي كان يقصِدُه العديدُ من الطلبة الجزائريين، وهو من أبرزِ رجالاتِ السياسةِ بالجزائر في النصف الثاني من القرن العشرين، أصبحَ أحدَ رموز حركة عدم الانحيازِ، ولعِبَ دورًا هامًّا على الساحةِ الإفريقية والعربية، وكان أول رئيسٍ من العالم الثالث تحدَّث في الأمم المتحدة عن نظام دوليٍّ جديدٍ، وقد رفض هواري بومدين خدمة العلَمِ الفرنسيِّ وفرَّ إلى تونس سنة 1949م. ومن تونسَ انتقل إلى القاهرةِ سنة 1950م حيث التحق بجامع الأزهر ودرس فيه وتفوَّق في دراسته. تولَّى بومدين الحكم في الجزائرِ بعد انقلابٍ عسكريٍّ من 19 يونيو 1965م إلى غاية ديسمبر 1978م. فتميَّزت فترة حكمِه بالازدهارِ في الجانب الزراعي، كما قام بتأميمِ المحروقاتِ الجزائرية (البترول)، وأقام أيضًا قواعدَ صناعيةً كبرى ما زالت تعمل إلى حد الساعةِ. وكان في أول الأمرِ رئيسًا لمجلس التصحيح الثوريِّ، تم انتخابه رئيسًا للجمهوريةِ الجزائريةِ عام 1975. مات بعد أن أصيب بمرض عضال في صباح الأربعاء 27 ديسمبر.
الملِكُ خالد بن عبد العزيز -رحمه الله- هو رابعُ مَن تولَّى ملِكَ المملكة العربية السُّعودية، بعْدَ أبيه الملِك عبد العزيز وأخوَيه سُعود وفَيصل، وقد تولَّى حُكمَ السُّعودية عقِب اغتيالِ أخيه فَيصل سنة 1395هـ - 1975م، وشهِدَ عهدُه ازدهارًا اقتصاديًّا كبيرًا للسُّعودية؛ بسَببِ ارتفاعِ أسعار النِّفط، وما صاحَب ذلك مِن انفتاحٍ على العالَم الخارجي بصورةٍ أكبرَ بكثيرٍ مِن السابق، وقد حاوَل الملِك خالدٌ الحدَّ من الآثار الجانبيةِ لهذا الانفتاحِ قدْر استطاعتِه؛ حيث دعا إلى السَّير ببُطْء في مَجال التصنيع؛ للحدِّ مِن تَنامي التدخُّل الأجنبي في البلاد، خاصةً وأن عددَ العمالةِ الأجنبية الغربيةَ قد تضاعَفَ خمْسَ مرَّات خلالَ سبعِ سنواتٍ. وقد وقعَتَ في عهْد الملِك خالدٍ حادثتانِ في غاية الخُطورة والأهمية؛ أولهما: الثَّورة الخُمينيةُ في إيرانَ، والتي أطاحت بالملَكِية هناك، وذلك سنةَ 1399هـ، والحادثةُ الثانيةُ: حادثة جُهميان العتيبيِّ، واقتحامه المسجدَ الحرامَ مع مُدَّعي المهْدِية محمد القحطاني، وذلك سنةَ 1400هـ. وكان الملِك خالدٌ يُعاني مِن مَرَضٍ بالقلْب، فما زال يَتزايد عليه المرضُ حتى مات رحمه الله في 21 شعبان 1402 هـ - 13 يونيه 1982م، أثناءَ استعدادِه لرحلة علاجٍ بالخارج، ثم بُويع الملِكُ فهدٌ مَلِكًا للمملكة العربية السُّعودية عقِبَ وفاة الملِك خالد بن عبد العزيزِ.
وُلِد عبد العزيز علي عبد الحفيظ الرنتيسي عام 1947م في قرية يبنا (بين عسقلان ويافا)، لجأت أسرتُه بعد حرب 1948م إلى قطاع غزَّةَ، واستقرَّت في مخيم خان يونس للاجئين، وكان عمرُه وقتَها ستةَ شهورٍ، التحَقَ وهو في السادسة من عُمره بمدرسةٍ تابعةٍ لوَكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفِلَسْطينيين، واضطر للعمل أيضًا، وهو في هذا العمر ليُسهِم في إعالة أسرته الكبيرة التي كانت تمرُّ بظروف صعبةٍ، أنهى دراسته الثانوية عام 1965م، وتخرَّج من كلية الطب بجامعة الإسكندرية عام 1972م، ونال منها لاحقًا درجة الماجستير في طب الأطفال، ثم عمِلَ طبيبًا مُقيمًا في مستشفى ناصر (المركز الطبي الرئيسي في خان يونس) عام 1976م، شغَل الدكتور الرنتيسي عدةَ مواقعَ في العمل العام منها: عضوية هيئة إدارية في المجمَّع الإسلامي، والجمعية الطبية العربية بقطاع غزَّةَ، والهلال الأحمر الفِلَسْطيني، وعمِلَ في الجامعة الإسلامية في غزَّةَ منذ افتتاحها عام 1978م، محاضِرًا يدرِّسُ علمَ الوراثة وعلمَ الطفيليات.
أسَّس مع مجموعة من نشطاء الحركة الإسلامية في قطاع غزَّةَ تنظيمَ حركةِ المقاومة الإسلامية "حماس" عام 1987م، واعتُقِل عدَّةَ مرَّاتٍ، وتعرَّضَ لمحاولة اغتيالٍ نفَّذتها قوات الاحتلال الصِّهْيَوْني، ونجا منها، وبعد يومَيْنِ من اغتيال الشيخ ياسين، اختير الدكتور الرنتيسي زعيمًا لحركة "حماس" في قطاع غزَّةَ، واغتيل هو مع اثنين من مُرافقيه في 17 نيسان (أبريل) 2004م، بعد أن قَصفَت سيارتَهم طائراتُ الأباتشي الصِّهْيَوْنية في مدينة غزَّةَ، رحمه اللهُ.