أبو عبدِ الرحمنِ مُقبلُ بنُ هادي بنِ مُقبلِ بنِ قايدةَ الوادعيُّ الهَمْدانيُّ، نشأ يتيمًا، ونشأ في بيئة مليئةٍ بالجهل والشركِ، وقد منَّ الله عليه بالهداية، فكان يأمُرُ بالمعروفِ ويَنْهى عن المنكرِ، فأُوذيَ بسبب ذلك كثيرًا، ثم عُنيَ بطلب العلم، وخاصَّةً الحديثَ، حتى برعَ فيه، وأجاد، وكان مشهورًا بحرصه على اتِّباع السُّنة، والرد على أصحاب الأهواء والبِدعِ، مع زهدٍ، وعزوفٍ عن الدنيا، وتواضعٍ، وكرمٍ، وسخاءٍ، ومؤلَّفاتُه تُبيِّن مدى براعته في علم الحديث، ومنها: ((الصحيح المسنَد ممَّا ليس في الصحيحَينِ))، و((الصحيح المسنَد من أسباب النزول))، و((الصحيح المسنَد من دلائل النبوة))، و((غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل))، و((أحاديث معلة ظاهرها الصحة))، و((أدلة الجمع بين الصلاتين في السفر))، وغيرها، كان الشيخ قد أُصيبَ بمرضٍ في الكبدِ اضطره للسفرِ للخارج لعمل زراعة للكبدِ، ثم بعد عدة سفراتٍ رجَعَ إلى جُدَّةَ، وبَقيَ في مَشفَى الملك فَيصلٍ بين غيبوبةٍ ويَقظةٍ، حتى كان بعد غروب يوم ليلة الأحد أول جمادى الأولى 1422هـ تُوفيَ، ولم يبلُغِ السبعينَ من عمرِه، ثم غُسِّلَ، وكُفِّنَ، وصُلِّيَ عليه بمكَّة المكرَّمة في المسجد الحرام، ودُفِنَ في مقبرة العدل، رحمه اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
بعد أن كان الإمامُ أحمدُ قد قُيِّدَ وسِيرَ به إلى المأمونِ ثم عاد لبغداد لَمَّا وصلهم نبأُ وفاة المأمون، وتولى بعده المعتَصِمُ استمَرَّ على نفس الامتحان، فأحَضَره المعتَصِم وامتحنَه بالقولِ بخلقِ القُرآنِ فلم يُجِبْه الإمامُ أحمدُ، وكُلُّ ذلك وهو ثابِتٌ على قولِه: القرآنُ كَلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، فجُلِدَ جلدًا عظيمًا حتى غاب عقلُه، وتقَطَّعَ جِلدُه، وحُبِس مقيَّدًا- رحمه الله.
صَدَر مشروعٌ إلكتروني حمَل اسم "قرآنت" أطلقتْه وِزارة الخارجيةِ الإسرائيليةِ لتفسير القرآن الكريم باللُّغة العِبرية. والمشروع من إعدادِ (15) أكاديميًّا من عربِ إسرائيلَ في إطار دِراسَتِهم لنَيلِ درجةِ الماجستير في مجالِ الاستِشاراتِ التَّربويَّةِ تحتَ إشرافِ الأستاذ الجامعيِّ اليهوديِّ عوفر جروزيرد. وهذا المشروعُ خَديعةٌ إسرائيليةٌ؛ حيث يفسِّر القرآنَ الكريمَ حسبَ ما يتناسبُ مع أفكارِهم ومُعتقداتِهم.
هو السلطان نور الدين محمد جهانكير بن أكبر بن همايون بن بابر الكوركاني المغولي، من سلالة تيمورلنك سلطان الهند، ولِدَ في ربيع الأول سنة 977 بأكبر آباد، وتولى المملكة بعد والده يوم الخميس لأربع عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة 1014، وكان اسمُه سليمًا، سماه به والده على اسم الشيخ سليم بن بهاء الدين السيكروي؛ لأن الشيخ بشَّر به والده قبل ولادته ودعا له، فلما استقلَّ بالملك لقَّب نفسَه نور الدين محمد جهانكير، وافتتح أمرَه بالعدل والسخاء، وقرَّب إليه العلماء، وكان صحيح العقيدة خلافًا لوالده، سمع الحديث من الشيخ محمد سعيد الهروي المشهور بمير كلان، وقرأ عليه شيئًا من العلم بأمر والده، وسمع أيضًا من المفتي صدر جهان البهانوي. تزوج بمهر النساء بنت غياث الدين الطهراني، وكانت عشيقته، فخطبها بعد ما قَتَل بعلها شيرافكن خان، فأبت ثم رضيت، فتزوج بها ولقَّبها نور جهان بيكم، فحُبِّبت إليه وملكت فؤادَه حتى ألقى زمام السلطنة بيدها، فدبَّرت لخَتنها شهريار بن جهانكير من زوجته الأخرى ليولِّيه الملك، ورغَّبت زوجها جهانكير عن ابنه شاهجهان الذي دبَّر الملك لولايته بالمُلك بعده، فوقع الخلافُ بينهما وآل إلى الحرب، وتوفي جهانكير ساخطًا عنه. وكان جهانكير رحيمًا حليمًا كريمًا شاعرًا لطيف الطبع، حسن المعاشرة ظريف المحاضرة، حسن الصورة سليم الذهن، باهر الذكاء فصيح العبارة، له يد بيضاء في التحرير والتحبير، صنَّف كتابًا في أخباره وسماه "تزك جهانكيري" وهو مقبول متداول في أيدي الناس، وصنف في أخباره معتمد خان كتابَه: إقبال نامه، ومرزا كامكار الملقب بعزت خان كتابه مآثر جهانكيري، ومن مصنفات جهانكير بندنامه بالفارسية في أوراق عديدة صنفه لأبنائه، وأمر الشيخ محمد ابن الجلال الحسيني الكجراتي أن يترجم القرآن الكريم بالفارسية ولا يباشر فيه التصنع، ولا يزيد على الترجمة اللفظية حرفًا من جانبه. توفي لثلاث بقين من صفر سنة ست وثلاثين وألف، وكانت مدت حكمه إحدى وعشرين سنة وثمانية أشهر وثلاثة عشر يومًا.
بعد أن تمكَّنَ المتوكِّلُ من الخلافةِ ولم يكُنْ على مذهَبِ أخيه ومَن قَبلَه في مسألةِ خَلْقِ القرآنِ، وخاصَّةً أنَّه لم يُقَرِّبْ أحمدَ بنَ أبي دؤاد المعتزليَّ، كما كان مقرَّبًا للواثِقِ، فأمر وكتَبَ بالكَفِّ عن امتحانِ النَّاسِ بمسألةِ خَلقِ القُرآنِ، حتى هدَّدَ بالقتلِ مَن امتحَنَ فيها وأعاد القولَ فيها، ونشَرَ السُّنَّةَ, واستقدم الإمامَ أحمَدَ إليه واعتذَرَ إليه، وشاوره بمن يُرشَّحُ للقضاءِ، فرشَّحَ له ابنَ أكثَمَ.
هو الشيخُ محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بَهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني؛ البغدادي الأصل، الحسيني النَّسَب (على خلاف في صحة نسبه لآل البيت)، وهو أحَدُ رجال الإصلاح الديني في العصر الحديث. كان متعَدِّدَ الجوانب والمواهب، فكان مفكِّرًا إسلاميًّا غيورًا على دينه، وصحفيًّا نابهًا، وكاتبًا بليغًا في كثير من الصحف، ومفسرًا نابغًا، ومحدثًا مُتقِنًا في طليعة محدثي العصر، وأديبًا لغويًّا، وخطيبًا مفوَّهًا تهتَزُّ له أعواد المنابر، وسياسيًّا يشغل نفسَه بهموم أمته وقضاياه، ومربيًا ومعلِّمًا يروم الإصلاحَ ويبغي التقدم لأمته. أنشأ مجلة "المنار" ذات الأثر العميق في الفكر الإسلامي. ولِدَ في قرية القلمون بلبنان في 27 جمادى الأولى 1282هـ. كان الشيخ رشيد رضا من أكبر تلامذة محمد عبده، وقد تأثر به كثيرًا، واعتُبر واحدًا من روَّاد الإصلاح الإسلامي في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وقد تأثَّر بمنهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأقبل على كتبِ شيخِ الإسلام ابن تيمية فنَهل منها وتأثر بمنهجِه، وأصبح مرجِعَ الفتيا في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة. لما أُعلِنَ الدستور العثماني سنة 1326ه زار بلادَ الشام، واعترضه في دمشق، وهو يخطب على منبر الجامع الأموي، أحَدُ أعداء الإصلاحِ، فكانت فتنةٌ عاد على إثرها إلى مصر. وأنشأ مدرسة (الدعوة والإرشاد) ثم قصَدَ سورية في أيام الملك فيصل بن الحسين، وانتُخِبَ رئيسًا للمؤتمر السوري فيها. وغادرها على إثر دخول الفرنسيين إليها سنة 1920م، فأقام في وطنه الثاني مصر مدةً. ثم رحل إلى الهند والحجاز وأوربا. وعاد فاستقر بمصرَ إلى أن توفي فيها. أصدر مجلة المنار في 22 شوال 1315هـ، وحرَصَ الشيخ رشيد على تأكيدِ أنَّ هدَفَه من المنار هو الإصلاح الديني والاجتماعي للأمة، وبيان أنَّ الإسلامَ يتَّفِق والعقل والعلم ومصالح البشر، وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام، وتفنيد ما يُعزَى إليه من الخرافات؛ ممَّا جعلها تنتشر انتشارًا واسعًا في العالم الإسلامي، وأصبحت مجلته هي المجلةَ الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي، كتب رشيد مئات المقالات والدراسات، وخَصَّ العلماء والحكام بتوجيهاته، ومن مؤلفاته: "تفسير المنار" الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده، والذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاتُه دون إتمام تفسيره، وله أيضًا: الوحيُ المحمدي ونداء للجنس اللطيف، وتاريخ الأستاذ الإمام، والخلافة، والسنة والشيعة، وحقيقة الربا، ومناسك الحج. توفي -رحمه الله- وهو عائِدٌ من توديع الأمير سعود بن عبد العزيز بالسويس، ورفض المبيتَ في السويس للراحة، وأصَرَّ على الرجوع، وكان طول الطريق يقرأ القرآنَ كعادته، ثم أصابه دوارٌ من ارتجاج السيارة، وطلب من رفيقيه أن يستريحَ داخل السيارة، ثم لم يلبث أن توفِّيَ، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق 23من جمادى الأولى، وكانت آخِرُ عبارة قالها في تفسيره: "فنسأله تعالى أن يجعَلَ لنا خيرَ حَظٍّ منه بالموتِ على الإسلامِ".
هو أبو الحسن علي بن أبي محمد القاسم بن علي بن الحسن بن عبد الله الدمشقي، الحافِظُ بن الحافظ بن الحافظ، المعروف بابن عساكر، وكان قد قصد خراسانَ وسَمِعَ بها الحديثَ فأكثر، وعاد إلى بغداد، وكان قد وقع على القفل- الحمل- الذي هو فيه، في الطريق حرامية، وجرحوا ابن عساكر، ووصل على تلك الحال إلى بغداد، وبقي بها حتى توفي في هذه السنة في جمادى الأولى.
هو الشَّيخُ نجم الدين أبو العبَّاس أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم، الأنصاري المصري، المعروف بابن الرفعة. فقيه شافعيٌّ. تفقه على الظهير والشريف العباسي، وسَمِعَ الحديث من محيي الدين الدميري، وعُيِّنَ مدرسًا بالمدرسة المعزية. كان محتَسِبَ القاهرة وناب في الحكم, ومن كتبه: "المطلب في شرح الوسيط"، "الكفاية في شرح التنبيه" وغير ذلك.
هو محمد جمال الدين بن صفدر -وتكتب صفتر- الحسيني الأفغاني الأسد آبادي، كان فيلسوفًا سياسيًّا، وكاتبًا وخطيبًا وصحفيًّا، ولد في شعبان 1254هـ / أكتوبر 1838م بأسد آباد بالقربِ من همذان من أعمال فارس، وقيل إنه ولد بأسد آباد الأفغانية؛ ولذا اختُلِفَ في أصل نسب أسرتِه، هل هو فارسي إيراني أم أفغاني, وقيل إنه من أسرة أفغانية عريقة ينتهي نسَبُها إلى الحسين بن علي رضي الله عنه, نشأ الأفغاني في كابول عاصمة الأفغان. وتعلَّم فيها بدايةَ تلقيه العلمَ اللغتينِ العربيةَ والفارسية، ودرَس القرآن وشيئًا من العلومِ الإسلامية، وفي سِنِّ الثامنة لفت أنظارَ من حوله بذكائه الشديد، مما جعل والِدَه يحفِّزُه إلى التعلم، وفي أوائل سنة 1266هـ / 1849م وقد بلغ الثانية عشرة من عمره انتقل به والده إلى طهران، وفي طهران سأل جمال الدين عن أكبَرِ علمائها في ذلك الوقت، فقيل له: إنه "أقاسيد صادق" فتوجَّه مباشرةً إلى مجلسه، ودار حوارٌ بينهما في مسألةٍ علميةٍ، فأُعجِبَ الشيخ من علمه وجرأتِه مع صِغَرِ سنه، فأقبل عليه وضمَّه إلى صدره وقبَّلَه، ثم أرسَلَ إلى والده يستدعيه، وأمره أن يشتريَ له عباءةً وعمامة، ثم قام الشيخُ بلَفِّ العمامة ووضَعَها بيده فوقَ رأسه تكريمًا له، واعتزازًا بعلمِه. ثم ترك جمال الدين طهران، وسافر مع والدِه -إلى مركز الشيعية العلمي- في النَّجفِ بالعراق في نفس العام، ومكث فيها أربعَ سنوات درس فيها العلومَ الإسلامية وغيرها؛ فدرس التفسير والحديث، والفلسفة والمنطق وعلم الكلام، وأصول الفقه، والرياضة، والطب والتشريح، والنجوم. وقرأ في اللغةِ والأدبِ، والتاريخ والتصوف، والشريعة، وظهر حُبُّه الشديد للمناقشة في المسائل الدينية، أتقن الأفغانيُّ الحديث باللغة العربية والأفغانية والفارسية والسنسكريتية والتركية، وتعلم الفرنسية والإنجليزية والروسية، وإذا تكَلَّم بالعربية فلغتُه فصحى، وهو واسِعُ الاطِّلاع على العلومِ القديمة والحديثة، كريمُ الأخلاقِ كبيرُ العقل، وعندما بلغ الثامنة عشرة أتمَّ دراستَه للعلوم، وظلَّ الأفغاني طوال حياته حريصًا على العلمِ والتعلُّم، وبرزت فيه هوايةُ التَّرحالِ والأسفار. فسافر إلى الهندِ لدراسة بعض العلوم العصرية، ثم عاد إلى أفغانستان. كان الأفغانيُّ يُظهِرُ في عمله السياسي مناهَضةَ استبداد الحكَّام ومناوأة الاستعمار عمومًا والإنجليزيِّ خصوصًا في كلِّ مكانٍ ينزِلُ فيه. حينما وقع خلافٌ بين الأمراء الأفغان انحاز جمال الدين إلى محمد أعظم خان الذي كان له بمثابةِ وزيرِ دولة، وحدث صدامٌ بين جمال الدين وبين الإنجليز، فرحل عن أفغانستان أو طرَدَه الإنجليزُ منها سنة 1285ه ـ/ 1868م، ومر بالهندِ في طريقِه فكان الإنجليز يمنعون العُلَماءَ وطلبة العلم الجلوسَ معه، فخرج منها إلى مصر حيث أقام بها مدةً قصيرة تردَّد في أثنائها على الأزهرِ، وكان بيته مزارًا لكثيرٍ مِن الطلاب والدارسين خاصةً السوريين. ثم دعاه السُّلطانُ العثماني عبد العزيز إلى زيارةِ الدولة العثمانية فأجاب الدعوة، وسافر إلى الأستانة في عهدِ الصدر عالي باشا، فعَظُم أمرُه بها، وذاعت شهرتُه وارتفعت منزلته، ثم عُيِّن جمالُ الدين وهو في الأستانة عضوًا في مجلس المعارِفِ الأعلى، وهناك لقِيَ معارضة وهجومًا من بعضِ علماء الأستانة وخطباءِ المساجد الذين لم يرُقْهم كثير من آرائِه وأقواله، وخاصة من شيخِ الإسلام حسين فهمي أفندي، فطُلب من الأفغاني أن يرحَلَ، فخرج من الأستانة عائدًا إلى مصر، فأقام فيها بضعَ سنوات خاض فيها غِمارَ السياسة المصرية، ودعا المصريِّين إلى ضرورةِ تنظيم أمورِ الحُكمِ، وتأثَّرَ به في مصر عددٌ من رموز الحركة الأدبيَّةِ والسياسية، منهم: محمد عبده، ومحمود سامي البارودي، وغيرهما، فقد أُعجِبوا بفكره وجرأتِه في مناهضة الاستبداد والاستعمار، ويُذكرُ أن للأفغان دورًا في إعطاء دفعةٍ قويةٍ للنَّهضةِ الأدبيَّةِ الحديثة بمصر، فلمَّا تولى الخديوي توفيق باشا حُكمَ البلاد أمَرَ بإخراجه مِن مِصرَ، فأُخرِجَ بطريقة عنيفةٍ بأمرٍ مِن الخديوي بعد أن أقام في مِصرَ نحوَ ثماني سنوات. انتقل إلى الهند سنة 1296هـ / 1879م، ثمَّ طُرِدَ من الهند بأمرٍ مِن الإنجليز، فاتَّجَه إلى أوروبا واختار أن يبدأ بلندن، ومنها انتَقَل إلى باريس، فشرع في تعلُّم الفرنسية فيها، وبذل كثيرًا من الجُهدِ والتصميمِ حتى خطا خطواتٍ جيدةً في تعلُّمِها، ثم اتصل بتلميذِه الشيخ محمد عبده المنفيِّ حينَها في بيروت، ودعاه إلى الحُضورِ إلى باريس، وأصدرا معًا جريدة "العُروة الوثقى"، ولكِنَّها ما لَبِثَت أن توقَّفَت عن الصدور بعد أن أُوصِدَت أمامَها أبوابُ كُلٍّ مِن مصر والسودان والهند، بأمرٍ مِن الحكومةِ الإنجليزيةِ, ثمَّ دعاه شاه إيران "ناصر الدين" للحُضورِ إلى طهران، واحتفى به وقَرَّبه، وهناك نال الأفغانيُّ تقدير الإيرانيين وحَظِيَ بحُبِّهم، ومالوا إلى تعاليمِه وأفكارِه، ثمَّ ذهب إلى روسيا فأقام فيها ثلاثَ سنواتٍ تنَقَّل بين موسكو وعاصمتِها بطرسبرج آنذاك، وزار كييف، والتقى بقيصرِها ألكسندر الثالث، ثمَّ أمر القيصَرُ بطَردِه من روسيا، فعاد مرةً أخرى لإيران بطلَبٍ من الشاه ناصر الدين، ثم انقَلَب عليه فطَرَده من إيران، فرحل إلى البصرة، ومنها إلى لندن للمرَّة الثانية؛ حيث اتخذ من جريدة "ضياء الخافقين" منبرًا للهُجومِ على الشاه ناصر الدين، وكشف ما آلت إليه أحوالُ إيران في عَهدِه، انتظم جمالُ الدين في سِلكِ الماسونيَّةِ بطَلبٍ منه؛ زعم أنَّ ذلك يُفسِحُ له المجالَ أمامَ أعماله السياسيَّةِ، وقد انتُخِبَ رئيسًا لمحفل "كوكب الشرق" سنة 1295هـ / 1878م، وقيل إنه استقال منه فيما بعدُ. يُعتَبَرُ الأفغانيُّ في نظرِ مُريديه وطنيًّا كبيرًا، بينما يَنظُرُ إليه خصومُه على أنَّه مهَيِّجٌ خطير، فقد كان له أثَرٌ كبير في الحركاتِ الحُرَّة والحركات الدستورية التي قامت في الدُّوَلِ العربية والإسلامية، وكان يَرمي من إثارة الخواطِرِ إلى تحريرِ هذه الدُّوَلِ من النفوذ الأوربي واستغلالِ الأوروبيِّين، ثم بعد ذلك النهوض بها نهوضًا ذاتيًّا من الداخل متوسِّلًا في ذلك بإدخالِ النظُمِ الحُرَّة إليها، كما كان يهدفُ إلى جمع كَلِمةِ الدول الإسلامية بما فيها فارس الشيعيَّة تحت راية خلافةٍ واحدةٍ، وإقامةِ إمبراطوريةٍ إسلاميةٍ قويةٍ تستطيعُ الوقوفَ في وجهِ التدَخُّلِ الأوربي؛ ولذلك دعاه السلطانُ عبد الحميد الثاني في عهدِه وقَرَّبه إليه وتعاون معه في تسويقِ فكرة الجامعة الإسلامية، ثم انقلب عليه السلطانُ عبد الحميد الثاني لَمَّا شك في علاقتِه بالإنجليز. لم يُكثِرِ الأفغاني من التصنيف اعتمادًا على ما كان يبُثُّه في نفوس العاملين، وانصرافًا إلى الدعوة بالسِّرِّ والعلن. له تاريخ الأفغان، ورسالة الرد على الدهريين، ترجمها إلى العربية تلميذه الشيخ محمد عبده, وجمع محمد باشا المخزومي كثيرًا من آرائه في كتاب خاطرات جمال الدين الأفغاني، ولمحمد سلام مدكور كتاب جمال الدين الأفغاني باعث النهضة الفكرية في الشرق. توفِّيَ الأفغاني في الأستانة بعد أن أُصيب بمرَضِ السرطان في فَكِّه، عن عمرٍ بلغ نحو ستين عامًا، وقد ثار الجدَلُ حول وفاته، وشكَّك البعضُ في أسبابها، وأشار آخرون إلى أنه اغتيلَ بالسمِّ. وكانت وفاته في 5 من شوال 1314هـ / 10 من مارس 1897م. قال عنه الفيلسوفُ إرنست رينان الذي التقى به وحاوَرَه: "قد خُيِّلَ إليَّ مِن حريَّةِ فِكرِه ونبالةِ شِيَمِه وصراحتِه وأنا أتحدث إليه، أنَّني أرى وجهًا لوجهِ أحدِ مَن عرفتُهم من القُدَماء، وأنني أشهَدُ ابنَ سينا أو ابنَ رشد, أو أحدَ أولئك الملاحدة العِظامِ الذين ظلُّوا خمسة قرون يعملونَ على تحريرِ الإنسانيةِ مِن الإسارِ" وتبقى شخصيةُ الأفغاني يحومُ حولَها كثيرٌ مِن الشُّكوكِ!
هو الشيخُ الإمام الثبت العلامة الفقيهُ المحدِّث الشيخ عمر بن علي بن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الأزهري، تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي، والشهاب ابن الفقيه، والشيخ محمد الصغير الورزازي، وغيرهم، وسمع الحديثَ عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي، وأبي الحسن علي بن أحمد الحريشي الفاسي، وتمهَّر في الفنون ودرَّس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحُسيني، واشتهر أمرُه وطار صيته، وأشير إليه بالتقدُّمِ في العلوم، وتوجَّه إلى دار السلطنة في قضاء مهمة لأمراء مصر، فقوبل بالإجابة وألقى هناك دروسًا في الحديث في آيا صوفيا، وتلقى عنه أكابرُ العلماء هناك في ذلك الوقت، وصُرف معزَّزًا مقضيًّا حوائجه، وذلك سنة 1147. ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالأزبكية في تلك السنة عيَّن الطحلاوي للتدريس فيه، وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية، وكان مشهورًا في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الإلقاء، وقرأ الموطأ وغيرَه بالمشهد الحسيني، وأفاد وأجاز الأشياخ, وكان للناس فيه اعتقادٌ حسنٌ، وعليه هيبةٌ ووقار وسكونٌ، ولكلامه وقْعٌ في القلوب. توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر من هذه السنة، وصُلي عليه في الأزهر في مشهد حافل.
هو حَمدُ بنُ محمد بن إبراهيم البُستي الخطَّابي، المحدِّثُ الفقيهُ الأديب اللُّغويُّ، ولد سنة بضع عشرة وثلاثمائة. تحوَّل إلى طلب العِلمِ ورحَلَ إلى العراق والحجاز وغيرها، تفَقَّه على القَفَّال الكبير. له تصانيفُ كثيرةٌ، أشهرُها: معالم السُّنَن، وهو شَرحٌ لسُنَن أبي داود، وشرح للبخاريِّ، وكتاب غريب القرآن، وإصلاح غلط المحدِّثين، وإعجاز القرآن، وغيرها، توفي ببست, وقيل: إنه توفي في سنة 386هـ.
هو أبو بَكْرِ بن عبدِ الرَّحمن بن الحارِث بن هِشام أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، كان ثِقَةً، فَقِيهًا، عالِمًا سَخِيًّا، كَثيرَ الحَديثِ، حَدَّث عن عَدَدٍ مِن الصَّحابَة كأَبيهِ، وعائِشَةَ، وأبي هُريرَةَ، وعَمَّارِ بن ياسِر، وغَيرِهم، جَمَعَ العِلْمَ والعَمَل والشَّرَف، وكان ممَّن خَلَفَ أَباهُ في الجَلالَة، كان يُقالُ له: رَاهِب قُريشٍ. لِكَثْرَةِ صَلاتِه، وكان مَكْفوفًا كَثيرَ الصَّوْم، تُوفِّي في المَدينَة.
هو الإمامُ العلَّامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي، نسبةً إلى شاطبة بالأندلس، ولد بغرناطة ونشأ بها, كان من علماء الأصول والحديث، بارعًا في العلوم وخاصة الأصول، كان من علماء المالكية، له تصانيف أشهرُها: كتاب الموافقات، وهو في أصول الفقه، وكتاب الاعتصام الذي عالج فيه موضوع البِدَع، وله الإفادات والإنشادات، ورسالة في الأدب والطرف، وشرح الألفية، وأصول النحو، وغيرها.
محمد عابد الجابري مفكِّرٌ مغربيٌّ وُلِد غُرَّةَ شوالٍ (1354هـ)، وكان أستاذَ الفلسفة والفكرِ العربيِّ الإسلامي في كليَّة الآداب بالرباط. حَصَل على دُبلوم الدِّراسات العليا في الفلسفة في عامَ (1967) ثم دكتوراه الدَّولة في الفلسفة عامَ (1970) من كليَّة الآداب بالرباط. عَمِل كمعلِّمٍ بالابتدائيِّ (صف أول) ثم أستاذِ فلسفةٍ عضوِ مجلسِ أُمناءِ المؤسَّسة العربية للديمقراطية. استطاع محمد عابد الجابري عَبْرَ سِلسلةِ نقدِ العقلِ العربيِّ القِيامَ بتَحليلِ العقل العربيِّ عَبْرَ دِراسةِ المكوِّناتِ والبِنَى الثَّقافيَّةِ واللُّغَويَّةِ التي بَدَأت من عصر التدوين، ثم انتَقَل إلى دِراسةِ العقل السياسيِّ ثم الأخلاقيِّ، وفي نهايةِ تِلكَ السلسلةِ يَصِل المعلِّمُ إلى نتيجةٍ مَفادُها أنَّ العقلَ العربيَّ بحاجةٍ اليومَ إلى إعادَةِ الابتِكارِ. وقد أحدَثَت هذه السلسلةُ هِزَّةً عَميقةً داخِلَ العالَمِ الإسلاميِّ من الغَيورين على دينهِم؛ فقام بعضُ العُلَماءِ بالتحذيرِ منه ومن كتاباتِه، منها كتابه: (مدخل إلى القرآن الكريم)، الذي تضمَّن فصلًا بعُنوان جمعُ القرآن ومسألةُ الزيادةِ فيه والنُّقصانِ، وقوله عن القرآن الكريم: (ومن الجائِزِ أن تحدُث أخطاءٌ حين جمعِه زمنَ عثمان أو قبل ذلك؛ فالذين تولَّوا هذه المُهِمَّةَ لم يكونوا معصومين، وقد وقع تدارُكُ بعضِ النقصِ كما ذُكِر في مصادِرنا، وهذا لا يتعارَضُ مع قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]؛ فالقرآن نفسُه ينصُّ على إمكانيَّةِ النسيانِ والتبديلِ والحذفِ والنسخِ!).
هو أبو الحسنُ عليُّ بن حمزة بن عبد الله بن بهمن بن فيروز الأسدي مولاهم الكوفيُّ الملقَّبُ بالكسائيِّ؛ لكساءٍ أحرَمَ فيه، وُلِدَ بالكوفةِ نحو 120هـ, اختار قراءةً اشتَهَرت عنه، وصارت إحدى القراءاتِ السَّبع، وجالس في النحو الخليلَ، وسافر في بادية الحجازِ مُدَّةً للعربيَّة، قال الشافعي: "من أراد أن يتبحَّرَ في النحو فهو عيالٌ على الكسائيِّ". وقال ابن الأنباري: "اجتمع في الكسائيِّ أمور: كان أعلمَ النَّاسِ بالنحو، وواحِدَهم في الغريبِ، وكان أوحدَ الناسِ في القرآن، وكانوا يُكثِرونَ عليه حتى لا يضبطَ عليهم، فكان يجمَعُهم ويجلِسُ على كرسيٍّ ويتلو القرآنَ مِن أوَّلِه إلى آخره وهم يسمعون، ويَضبِطون عنه حتى المقاطِعَ والمبادئَ" له عدةُ تصانيفَ منها: معاني القرآن، وكتاب في القراءات، وكتاب النوادر الكبير، ومختَصَر في النحو، وغير ذلك. مات بالريِّ بقرية أرنبوية عن سبعين سنة، وفي تاريخِ موتِه أقوال، وأصحُّها أنَّها سنة تسع وثمانين ومئة.