هو الفيلسوفُ أبو عليٍّ محمَّدُ بنُ الحَسَن بن الهيثم البصري أصلُه بصري، سكن الديارَ المصريَّةَ إلى أن مات. كان من أذكياءِ بني آدم، عديمَ النظيرِ في عَصرِه في العلمِ الرياضي. وكان متزهِّدًا زُهدَ الفلاسفة. لخَّص كثيرًا من كتُبِ جالينوس، وكثيرًا مِن كتب أرسطوطاليس. وكان رأسًا في أصول الطبِّ وكليَّاتِه. وكان قد وَزَر في أوَّل أمرِه، ثمَّ تزهَّد وأظهر الجنونَ، وكان مليحَ الخطِّ يَنسَخُ في بعضِ السَّنةِ ما يكفيه لعامِه من إقليدس والمجسطي. قال عنه الذهبي: "صاحِبُ المصنَّفات الكثيرةِ في علوم الأوائِلِ، وكان مقيمًا بالجامِعِ الأزهر, وهو على اعتقادِ الأوائِلِ لا رَحِمَهم الله, وقد صَرَّحَ بذلك نسألُ اللهَ العافيةَ" وله مُصَنَّفات كثيرة مُعظَمُها في الرياضيَّات والهندسة، وباقيها في الإلهيَّات، وعامتها مقالاتٌ صغار. قال ابن خلدون: " أشهَرُ مَن ألَّف في عِلمِ المناظرةِ مِن فروعِ الهندسة ابنُ الهيثم, وهو عِلمٌ يتبيَّنُ به أسبابُ الغلَطِ في الإدراك البصريِّ بمعرفةِ كيفيَّة وقوعِها بناءً على أنَّ إدراكَ البصر يكون بمخروط شعاعيٍّ رأسُه نقطةُ الباصِرِ وقاعدتُه المرئيُّ. ثمَّ يقع الغلَطُ كثيرًا في رؤية القريبِ كبيرًا والبعيدِ صغيرًا. وكذا رؤية الأشباح الصَّغيرة تحت الماء ووراء الأجسامِ الشَّفَّافةِ كبيرةً، ورؤيةُ النُّقطة النَّازلة من المطَرِ خطًّا مستقيمًا والسّلقة دائرة وأمثال ذلك. فيتبيَّنُ في هذا العلم أسبابُ ذلك وكيفيَّاته بالبراهينِ الهندسيَّة، ويتبيَّن به أيضًا اختلافُ المنظَرِ في القمَرِ باختلاف العَروضِ الذي يُبنى عليه معرفةُ رؤية الأهِلَّة وحصول الكُسوفات.".
هو شَيخُ الطائفة الشاذليَّة الزاهد أبو الحَسَن علي بن عبد الله بن عبد الجبَّار بن تميم المغربي الشاذلي المالكي، نزيلُ الإسكندرية، مؤسِّس الطريقة الصوفيَّة المشهورة بالشاذليَّة، ولد في غمارة قرب سبتة بالمغرب، وفيها نشأ وتعلم، رافق أبا القاسم الجُنَيد البغداديَّ الصوفيَّ، فأخذ عنه التصوفَ، ثم اتخذ في تونس رباطًا له في جبل وبدأ ينشُرُ أفكاره في بلدة شاذلة القريبةِ مِن رباطه فكَثُرَ أتباعه، ثم نُفِيَ إلى مصر واستقَرَّ في الإسكندرية، وتبعه خلقٌ كثير في مصر والشام. قال الذهبي: "وقد انتسَبَ في بعض مؤلفاته في التصوُّف إلى علي بن أبي طالب، وكان الأولى به تركَه هذا الانتسابَ وتَرْكَ كثيرٍ ممَّا قاله في تواليفِه من الحقيقة، وهو رجلٌ كبيرُ القدر، كثيرُ الكلام، عالي المقام. له شِعرٌ ونَثرٌ فيه متشابهات وعبارات، يُتكَلَّف له في الاعتذار عنها. ورأيت شيخنا عمادَ الدين قد فتَرَ عنه في الآخر، وبَقِيَ واقفًا في عباراته، حائرًا في الرجل؛ لأنه كان قد تصَوَّف على طريقتِه، وكان الشاذلي ضريرًا، ولخلقٍ فيه اعتقاد كبير". له تصانيف منها (عمدة السالك على مذهب الإمام مالك) وله (التسلي والتصبر على ما قضاه الله من أحكام التجبر والتكبر) وله أحزابٌ خاصة به، منها (الحزب الكبير) أو حزب البِرِّ، وحزب البحر، وحزب الإخفاء، وحزب النصر، وحزب الطمس على عيون الأعداء، وحزب اللطف وغيرها، توفي في حميترة من صحراء عيذاب في صعيد مصر، وفيها دفن.
لَمَّا تولى براك بن عبد المحسن أمرَ بني خالد نهض بجميعِ بني خالد للغزوِ، فورد اللصافة الماء المعروف، فأغار على عُربان سبيع وغيرهم, وأخذ منهم إبلًا كثيرة، فلما بلغ الأمير سعود خبَرُ بني خالد استشار من معه في النفير أو الحضير، فأشار عليه العُربان بالنفير طمعًا في الغنيمة، فتكلم حجيلان بن حمد فقال: هؤلاء مقصِدُهم الغنيمة ونحن مقصِدُنا عزُّ الإسلام والمسلمين، فانهض بالمسلمين في ساقةِ هذه الشَّوكةِ، فإن أظفرك اللهُ بهم لم يقُمْ لبني خالد قائمةٌ حتى الحسا بيدك، وأعطاك الله من الأموال ما هو خير ممَّا في محلتهم، وهؤلاء الجنود رؤساءُ بني خالد ورجالُ شوكتهم, فنهض سعود بجيشِه وورد ماء اللصافة، فوجد آثار بني خالد صادِرة منها، فبعث العيون يقتفون آثارهم حتى أقبلوا كأنَّها قِطَع الليل، فنهض لهم سعود بجيشِه فرسانًا ورُكبانًا، فلم يثبتوا لهم ساعةً واحدةً حتى انهزموا لا يلوي أحدٌ على أحدٍ، ولا والدٌ على ولد, فتبعهم جيشُ سعود في ساقَتِهم يقتلون ويغنَمون، واستأصلوا تلك الجموعَ قتلًا ونهبًا، وانهزم براك ومعه شرذمة قليلة إلى المنتفق, وهلك من بني خالد في هذه الوقعة بين القَتلِ والظمأ خلق كثير، قيل إنهم أكثر من ألف رجل, وأخذ سعودٌ جميع ركابهم وخيلهم وأذوادهم وأمتاعهم، وجميع ما معهم، ولم يقم بعد هذه الواقعة لبني خالد قائمةٌ.
انطلقت حملةُ أحمد طوسون بن محمد علي من مصرَ، ونزل طوسون على الساحِلِ الغربيِّ بجيشٍ قِوامه عشرة آلاف جندي, حرص طوسون أن يُغدِقَ الأموال والهدايا والخِلَع على شيوخ القبائل ورؤساء الجماعات التي تقطُن الموانئ الحجازية ولها نفوذ فيها؛ لتكون سندًا لقواتِه، ولتقبَلَ تأجير إبلها إلى قواته من أجل حَمل المُؤَن والعتاد من المناطق الساحلية إلى داخل البلاد، واستولى على ينبُع بدون مقاومة تذكر, ثم استدرج عبد الله بن سعود قوات طوسون إلى الأراضي النجدية من أجل إضعافِها وتشتيت قواتِها, حتى تمكنت القواتُ السعودية من إنزال هزيمةٍ كبيرة بقوات طوسون في وقعة وادي الصفراء بين المدينة والقصيم سنة1227، وقُتِل من جيش طوسون 1200 مقاتل، وبعد هذه الهزيمة اضطر طوسون إلى أن يطلُبَ العون والمساعدة من والده محمد علي باشا، ثمَّ عاد إلى ينبع وبقِيَ فيها مدَّةً ثم تقدَّم نحو المدينة، ونجح في الاستيلاءِ عليها بعد حصار دام شهرين، ثم توجَّه طوسون إلى جدة ودخلها, فاضطر عبد الله بن سعود أن يخرُجَ من مكة, فتمكن طوسون من دخول مكةَ بدون معارضة, ثمَّ استولى على الطائِفِ، لكن السعوديين عادوا وانتصروا في تَرَبة والحناكية وقطعوا طرقَ المواصلات بين مكة والمدينة، وانتشرت الأمراضُ في صفوف جيش طوسون، وأصاب الجنودَ الإعياءُ نتيجة شدة القيظ وقِلَّة المؤونة والماء، ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر أن يلزم خطةَ الدفاع، وأرسل إلى والده يطلُبُ المساعدة.
الأميرُ خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود أميرٌ مِن آل سعود، وهو مِن أمٍّ حبشية. نشأ بمصرَ بعد حرب إبراهيم باشا للدرعية, ولما قَوِيَ أمر الإمام فيصل بن تركي في الديار النجدية أرسل محمد علي باشا خالدًا مع قوة عسكرية يقودُها إسماعيل بك سنة 1252 هـ لقتال فيصل بن تركي، فنشبت بينهما معاركُ انتهت باستسلام فيصل لخورشيد باشا في رمضان 1255 1838 م ووجَّهه خورشيد إلى مصر، ومعه ولداه عبد الله ومحمد وأخوه جلوي بن تركي. وتولى خالدٌ الإمارة، فسيَّرَ حملة بقيادة سعد بن مطلق إلى الأراضي المجاورة لنجد، وخضعت له عددٌ من بلدان نجد عدا الخرج وبلدة الحلوة، رفض أهلها الخضوع له؛ لعِلمِهم أن حُكمَه صوريٌّ والحكم الحقيقي لمحمد علي باشا. كتب خالدُ بن سعود إلى إمام مسقط سعيد بن سلطان يطالِبُه بالجزية التي كان يؤدِّيها من قبل لأجداده آل سعود. ومال خالدُ بن سعود إلى اللَّهوِ، فنفر منه أصحابُه، وثار عليه عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان ابن سعود، فرحل خالد إلى الأحساء، فلما دخل ابن ثنيان الرياضَ واجتمع عليه أهلُ نجد مضى خالد بن سعود إلى الدمَّام ثم الكويت، ومنها إلى مكة. وتوفي بجُدة محمومًا.
هو الشيخ شبلي حبيب الله بن سراج الدولة النعماني، أحد علماء الهند. اعتنى به والدُه الشيخ "حبيب الله"؛ حيث كان من العلماء، فنشأ محبًّا للعلم. رحل شبلي في طلب العلم، وتنقل بين لكنو ودلهي ولاهور ورامبور وسهارنبور وغيرها من المدن الهندية، فدرس الأدب والفقه، والحديث وعلوم الفارسية والأدبية والعربية، كما درس الهندسة والمنطق والفلسفة، وتلقَّى العلم على عدد من شيوخ الهند، منهم الشيخ "محمد فاروق الجرياكوتي"، والشيخ "أحمد علي"، والشيخ "إرشاد حسين"، والشيخ "فيض الحسن". وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره سنة (1293هـ/1876م) قرَّر شبلي أداء فريضة الحج، وهناك اتصل بعددٍ مِن علماء الحجاز، وأتم تعليمَه بالأراضي المقدسة، ثم عاد بعد ذلك إلى "أعظم كره" حيث عمل بالمحاماة لفترة قصيرة، ولكنه لم يستطع أن يندمِجَ في تلك المهنة طويلًا، وسرعان ما تركها ليعمَلَ بوظيفة أخرى، إلا أنه لم يستطِعْ أن يعيش بعيدًا عن البحث والدراسات، فدعاه حنينه للعلم وشوقه للمعرفة إلى التفرغ للقراءة والاطلاع، فترك الوظائف العامة وعكَفَ على المطالعة والدراسة والبحث، ثم ما لبث أن بدأ في الكتابة والتصنيف، وظهرت مواهبه وقدراته في التأليف ونظْم الشعر، وبدأ اسمُه يلمع ويشتهر ذِكرُه بين قراءة الأردية والفارسية. عَمِلَ في جامعة عليكرة، واشتغل بالدعوةِ والدفاع عن الإسلام، وشارك في تأسيسِ ندوة العلماء بمدينة لكنو.
بدأ في اليمَن تنفيذ مشروع الوَحْدة الاندماجيَّة الفَوْريَّة، عندما وصل وفدٌ من صنعاءَ برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح للمُشارَكة في احتفالات ذِكرى جَلاء الاستعمار البريطاني عن الجنوب اليَمَني (1967م)، لكنَّ الزيارةَ لم تنتهِ إلَّا وقد تمَّ التوقيع على اتفاق يَقْضي بإحالة مشروع دستور يَمَن الوَحْدة الجديد على برلمان كل شطر، تمهيدًا لإجراء استفتاءٍ شَعبي عليه، وهو ما كان يَعْني قيامَ وَحْدة اندماجيَّة فَوْريَّة لم يكُنْ أحدٌ يتوقَّعُها، وجَرى حديث انفراديٌّ بين زَعيمَيْ شطرَيِ اليمَن آنذاك: علي عبد الله صالح، وعلي سالم البيض، وانتهى باتِّفاقهما على تحقيق وَحْدة اندماجيَّة، وعادت الوَحْدة بين شطرَيِ اليَمَن الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليَمَن الديمقراطيَّة الشعبيَّة في العام 1410/ 1990، ليُشكِّلا الجمهورية اليَمَنية، وفي بداية عهد الوَحْدة واجَهَ اليَمَنُ الجديدُ تحديًا خطيرًا تمثَّلَ في تداعيات الاحتلال العراقي للكويت، واستقدام القوات الدوليَّة لتحرير الكويت والدفاع عن منابع النفطِ، كما شهِد اليَمَن في العام الأوَّل للوَحْدة صراعًا سياسيًّا وفكريًّا بين التيار الإسلامي وأنصاره، وبين الحزب الاشتراكي وأنصاره، حولَ جُملة من القوانين والتوجُّهات الدستورية، ثم اختلفت أطراف النظام الحاكم، ممَّا أدَّى إلى اشتعال حرب بين الدولتَينِ في العام 1994، وانتصرت الجمهورية العربية اليَمَنية (الشماليَّة) في هذة المعارك، وتم إعادة الوَحْدة.
تعهَّد قادةُ حركَتَيْ حماس وفتح الفِلَسْطينيَّتينِ في مكَّة المكرَّمة بحقن الدماء الفِلَسْطينية، وتشكيل حكومة وَحْدة وطنيَّة، وَسْطَ تأكيدات بضرورة الوصول إلى اتفاقٍ، وقال الرئيس الفِلَسْطيني محمود عباس مُفتَتِحًا الجلسةَ: "لن نخرُجَ من هذا المكان المقدَّس إلَّا ونحن مُتَّفِقون"، ومن جانبِه قال رئيسُ المكتَب السياسي لحماس خالد مشعل في كلمة ألقاها بعد الرئيس الفلسطيني: "جئنا لنتَّفِق، ولن نغادرَ هذا المكان إلَّا مُتَّفِقين"، وأضاف أنَّ على المجتمع الدولي أنْ يحترمَ اتفاق الفِلَسْطينيِّين، ويَعترِفَ بواقعِهم، "ويتعاملَ معه بجِدِّيَّة"، داعيًا المجتمِعينَ إلى "حوارٍ على قاعدة الانفتاحِ والأُخوَّة والمحبَّة"، وحضرَ الاجتماعَ رئيسُ الحكومة الفِلَسْطينية إسماعيل هنية الذي دعا من جهته "إلى الاتفاق على ميثاق شرفٍ يُحرِّمُ الاقتتال، ويُعزِّزُ الوَحْدةَ الوطنية"، وأضاف: "نُريدُ اتِّفاقًا شاملًا، وليس فقط اتِّفاقًا جزئيًّا يُنْهي حالةَ الاحتقان"، وأكَّد عباس أنَّه اتَّفق مع مِشعل على برنامج للمُحادَثات يَتمحورُ حولَ "تشكيل حكومة الوَحْدة الوطنية"، وتعزيز "أُسس الشراكة"، و"إعادة بناءِ وتأهيل مُنظَّمة التحرير الفِلَسْطينية"، و"تعميق الوِفاق الوطني"، وفي ختام الجلسة الافتتاحية دَعا مشعل مناصري وناشطي حركَتَيْ حماس وفتح إلى أنْ يَلتَزِموا، ويَنضَبِطوا انضباطًا كاملًا دونَ أيِّ تجاوُزاتٍ في الشارع الفِلَسْطيني؛ من أجْل إعطاء فُرصة لنجاح الحوارِ، علمًا أنَّ الداعيَ لهذه القمة هو خادمُ الحرمَينِ الشريفَينِ الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمَه اللهُ.
قام الصِّدِّيقُ أبو بكرٍ رضِي الله عنه بعَقْدِ أربعةِ أَلوِيةٍ لفَتْح بِلادِ الشَّام بعدَ أن فَرَغَ مِن حُروبِ الرِّدَّةِ، وجعَل قِيادَتَها لأبي عُبيدةَ بن الجَرَّاحِ، ووِجْهَتُه حِمْصُ، وعَمرِو بن العاصِ ووِجْهَتُه فِلسطينُ، وشُرَحْبِيلِ بن حَسَنَةَ ووِجْهَتُه الأُرْدُنُّ، ويَزيدَ بن أبي سُفيانَ ووِجْهَتُه دِمشقُ. وقد أَدَّتْ هذه الجُيوشُ دورَها الفعَّالَ في مُقاتلةِ الرُّومِ وانتصروا في مَواقعَ كثيرةٍ، وكان الرُّومُ في جَميعِها أكثرَ عددًا وعُدَّةً.
بعدَ أن فَرَّ يزدجردُ مِن المدائنِ وسار بِاتِّجاهِ حُلوان، والْتَفَّ مَن الْتَفَّ حولَه خِلالَ مَسيرِه فأَمَّرَ عليهم مِهرانَ وأقاموا بجَلُولاء، وتَحَصَّنوا فيها، وحَفروا الخَنادِقَ حولَها، فبعَث سعدٌ إلى عُمَر يُخبِره بذلك، فأَمَرَهُ أن يُقيمَ بالمدائنِ، ويُرْسِل إليهم هاشمَ بن عُتبةَ بن أبي وَقَّاص، فسار إليهم هاشمٌ وحاصَرهُم، واشْتَدَّ القِتالُ، وكانت النَّجدات تَصِلُ إلى الطَّرفين حتَّى فتَح الله على المسلمين، وقد قتَلوا مِن الفُرْسِ الكثيرَ.
فَتَحَ يَزيدُ بن المُهَلَّب قَلْعَةَ نَيْزَك، وكان يَزيد قد وَضَع على نَيْزَك العُيونَ، فلمَّا بَلَغَهُ خُروجُ نَيْزَك عنها سار إليها فحاصَرَها فمَلَكَها وما فيها مِن الأموال والذَّخائِر، وكانت مِن أَحْصَن القِلاعِ في زَمانِها، وكان نَيْزَك إذا رآها سَجَدَ لها تَعْظِيمًا لها، كَتَبَ يَزيدُ بن المُهَلَّب إلى الحَجَّاجِ بالفَتْحِ: أَنَّا لَقِينَا العَدُوَّ فمَنَحَنا اللهُ أَكْتافَهُم، فقَتَلْنَا طائِفَة، وأَسَرْنا طائِفَة، ولَحِقَت طائِفَة بِرُؤوسِ الجِبال وعَراعِر الأَوْدِيَة، وأَهْضام الغِيطان وأَثْناء الأَنْهار.
كانت قلعةُ بركوي المتاخِمةُ للأرمن في يَدِ أبي الهيجاء بن ربيب الدَّولة، ابنِ أخت وهسوذان بن مملان، فتنافَرَ هو وخاله، فأرسل خالُه إلى الرومِ فأطمعهم فيها، فسَيَّرَ مَلِكُ الروم إليها جمعًا كثيرًا فمَلَكوها، فبلغ الخبَرُ إلى الخليفة العباسي القائمِ بأمرِ الله، فأرسل إلى أبي الهيجاءِ وخالِه مَن يُصلِحُ بينهما ليتَّفِقا على استعادةِ القلعةِ، فاصطلحا، ولم يتمَكَّنا من استعادتِها، واجتمع إليهما خلقٌ كثيرٌ مِن المتطَوِّعة، فلم يقدروا على ذلك؛ لثباتِ قَدَمِ الرُّومِ بها.
هو الشيخُ الزَّاهِدُ العابدُ، رسلان بن يعقوب بن عبد الله بن عبد الرحمن الجعبري، ثم الدمشقي، صوفي مشهورٌ تعتقد فيه العامَّةٌ كراماتٍ كما هو شأنُهم في المتصَوِّفة، فنَسَبوا له الطيرانَ في الهواء وأنه ما جلس تحت شجرةٍ يابسةٍ إلَّا اخضَرَّت، بل نسب جهلةُ العوامِّ إليه أنه هو السَّبَبُ في انحسار التتار عن دمشق وأنه هو حامي البَرِّ والشام، بل إن بعُضهم إلى اليوم يذكُرُ ذلك عنه!! توفي في دمشق ودُفِنَ فيها وقَبرُه فيها معروفٌ، وله عنده مسجدٌ يُعرَفُ به.
كان سبب ظهور الدولة السعدية أن السلطان محمد البرتغالي بن محمد الشيخ الوطاسي قد انشغل بجهاد النصارى المعتدين وترديد الغزوِ إليهم والإجلاب عليهم، حتى شُغِل بذلك عن البلاد المراكشية وسواحلها؛ مما أدى إلى ظهور دولة السعديين عندما قام أبو عبد الله محمد الشيخ السعدي المعروف بالمهدي ببلاد السوس؛ حيث أقبل عليه الخلط وأظهروا الخدمة والنصيحة، وغلب محمد الشيخ المهدي هذا على فاس، وأخرج أبا حسون الوطاسي آخر حكام دولة الوطاسيين.
دخلت هذه السنةُ وتركي بن عبد الله في بلد عرقة محاربًا لأهلِ الرياض ومنفوحة، وأهلِ الخَرج وصاحب ضرما وثرمداء وحريملاء. وباقي بلدان نجدٍ يكاتبونه بلا متابعةٍ، ثمَّ إن تركي عزم أن يسطوَ على ناصر السياري في بلد ضرما، فقصده من بلد عرقة، واستخلف فيها عمرَ بن محمد بن عفيصان، وليس مع تركي إلا شرذمةٌ قليلة، فدخل عليه المسجد فوجده في سطحه، وتمكَّنَ من قتله، واستولى تركي على بلد ضرما وملكَها وأقام فيها.