هو الخديوي محمد توفيق بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا، حاكِمُ مصرَ والسودان، وحفيدُ محمد علي باشا، وكان قد تسلَّم الحُكمَ سنة 1296هـ - 1879م، بعد أن أجبَرَ الإنجليز والفرنسيون أباه الخديوي إسماعيل على تَركِ مَنصِبِه، وذلك عندما حاول استدراكَ ما فاته، وبعد أن أغرق البلادَ في ديونٍ أجنبيةٍ ضَخمةٍ مَهَّدت السبيلَ للأوروبيِّين التدخُّلَ في شئون البلاد، حاول إسماعيلُ التصَدِّيَ للنفوذ الأجنبي، فأجبروه على تركِ مَنصِبِه لأكبر أبنائه توفيق. منذ تولِّي توفيق الحُكمَ عَلِمَ أن بقاءَه مرهون برضا الأجانبِ عليه خاصةً إنجلترا وفرنسا، وعَلِمَ السلطان عبد الحميد الثاني ذلك منه، فحاول تضييقَ سُلُطاتِه والمزايا التي كانت ممنوحةً لأبيه إسماعيل مِن قَبلُ، ولكنَّ إنجلترا وفرنسا أفشَلَتا خطة السلطان عبد الحميد، ليس عطفًا على الخديوي توفيق، ولكِنْ منعًا لزيادةِ نفوذ عبد الحميد الذي سيعَطِّل مشروعات الأجانب في احتلالِ مصر. وقد وقَعَت عِدَّةُ أحداث خطيرة في عهد الخديوي توفيق نتيجةَ اتِّباعه لسياسة الولاءِ الكامِلِ للإنجليز والاستبدادِ المُطلَق على المصريِّين، فصار بذلك أسوأَ الحُكَّام في تاريخِ مِصرَ الحديثِ؛ حيث أدَّت هذه السياسة لاستقالةِ الوزارة الوطنية التي يمثِّلُها «شريف باشا» وتعيين وزارة موالية للإنجليز برئاسة النصراني الأرمني «نوبار باشا» ثم َّنصرانيٍّ آخر، وهذه الوزارةُ الموالية للأجانب عَمِلَت على زيادة التدخُّل الأجنبي في البلادِ تحت ستار سدادِ الديون، وأقدَمَت وزارةُ رياض باشا على بيعِ حِصَّة مصر في قناة السويس لإنجلترا. أثارت هذه السياسةُ نِقمةَ الشَّعبِ والجيش، وعَمَد رياض باشا ووزيرُ حربيته عثمان رفقي على تأخيرِ ترقيةِ الضبَّاط الوطنيين وكُلُّهم مُسلمون، وبدا أنَّه مخَطَّط خارجي لإضعافِ الجيشِ المصري، فقامت ثورةُ أحمد عرابي الشهيرة سنة 1298هـ -1881م، وعَزَلت وزارة رياض باشا، ووقعت أحداثٌ خطيرة قام الإنجليزُ بتدبيرها لاستثارة الوطنيين خاصَّةً أحمد عرابي الذي أصبح وزيرًا للحربيَّة في الوزارة الجديدة، وحاول رئيسُ الوزارة شريف باشا إقناعَ أحمد عرابي أن إنجلترا وفرنسا تستدرجُ مِصرَ للصدام؛ ليكون ذلك مبررًا لاحتلالِ البلَدِ، فلم يُفلِحْ فاستقال، ولم يفهَمْ عُرابي ما يخطِّطُ له الإنجليزُ، وأقدم على استثارة إنجلترا بتقويةِ دفاعات الإسكندريَّةِ، فقَصَفت إنجلترا ميناءَ الإسكندرية والمدينة، وأعلن الخديوي عزلَ عرابي، فخلع عرابي طاعَتَه، واستثار الشعبَ المصريَّ للدفاع عن البلاد، ولكَنَّه هُزِمَ في معركة التل الكبير سنة 1299هـ - 1882م، ووقعت مِصرُ أسيرةَ الاحتلال الإنجليزي. وقد توفِّيَ الخديوي توفيق في 6 رجب سنة 1309هـ - 8 يناير 1892م.
كان الأميرُ محمد الخامس الغني بالله أميرُ غرناطة قد بدأ الغزوَ مِن السنة الماضية على قشتالة، وفي هذه السنة استمر على ما كان عليه، فزحف بقواتِه على ولاية إشبيلية وقشتالة، وفَتَح حِصنَ آشر وهو من معاقِلِ قشتالة المعروفة، كما استولى على كثيرٍ مِن الغنائم، وسبى الكثيرَ مِن أهلِها.
في ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى كان بمكة -شرَّفها الله- سيل عظيم بعد مطر غزير، امتلأ منه المسجد الحرام حتى دخل الكعبة، وعلا على بابها نحوَ ذراع، وهدم عمودين من عُمُد المسجد، وسقطت عدةُ دور، ومات تحت الهدم وفي السيل نحو الستين إنسانًا.
جَهَّزَ مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان جيشًا عظيمًا بَرًّا وبَحْرًا لِغَزْوِ القُسطنطينيَّة، وكان قائدَ الجيشِ سُفيانُ بن عَوفٍ الأزديُّ، وقاد الأُسْطولَ بُسْرُ بن أَرْطاة, وكان في الجيشِ ابنُ عبَّاسٍ، وابنُ عُمَر، وأبو أَيُّوبَ، وابنُ الزُّبيرِ، والحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنهم، انْضَمُّوا إلى هذه الحَملَةِ مُتَمَثِّلينَ أَمامَ أَعيُنِهم قولَ الرَّسولِ: (لَتُفْتَحَنَّ القُسطنطينيَّةُ فَلَنِعْمَ الأميرُ أَميرُها، وَلَنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيشُ). آمِلِينَ أن يَتَحَقَّقَ فيهم قولُ الرَّسولِ، فقد ثبَت عن رسولِ الله: (أوَّلُ جيشٍ يَغْزون مَدينةَ قَيْصَر مَغفورٌ لهم). وقام الجيشُ بحِصارِ القُسطنطينيَّة، وجَرَتْ اشْتِباكاتٌ عَديدة بين الطَّرفين خَسِرَ فيها المسلمون الكَثيرَ، وقد جاءَهُم مَدَدٌ مِن الشَّام بقيادةِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة ممَّا قَوَّى أَمرَهُم، وتُوفِّي هناك أبو أيُّوبَ ودُفِنَ عند سُورِها؛ ولكن لم يَتِم فتحُها مع شِدَّةِ الحِصارِ وقُوَّتِه؛ وذلك لِمَنَعَةِ المدينةِ، وقُوَّةِ أَسوارِها، ومَكانِها في البَرِّ والبَحرِ، وأُحْرِقَت كثيرٌ مِن سُفُنِ المسلمين.
غزا ابنُ كيغلغ الرومَ مِن طرسوس، فأصاب من الرومِ أربعةَ آلافِ رأسٍ سبيًا ودوابَّ ومتاعًا، ودخل بِطْرِيقٌ من بطارقةِ الروم في الأمانِ وأسلم، كما غزا ابنُ كيغلغ شكند، وافتتح اللهُ عليه، وسار إلى الليس، فغنموا نحوًا من خمسينَ ألفَ رأسٍ، وقتلوا مقتلةً عظيمة من الروم، وانصرفوا سالِمينَ، وكاتَبَ أندرونقس البطريقُ المكتفيَ بالله يطلُبُ منه الأمان، وكان على حربِ أهلِ الثغور من قِبَل ملك الروم، فأعطاه المكتفي ما طلَب، فخرج ومعه مائتا أسيرٍ مِن المسلمين كانوا في حِصنِه، وكان ملكُ الرومِ قد أرسل للقَبضِ عليه، فأعطى المسلمينَ سلاحًا وخرجوا معه، فقَبَضوا على الذي أرسَلَه مَلِكُ الروم ليقبضَ عليه ليلًا، فقتلوا ممن معه خلقًا كثيرًا، وغَنِموا ما في عسكَرِهم، فاجتمعت الرومُ على أندرونقس ليحاربوه، فسار إليهم جمعٌ من المسلمين ليخَلِّصوه ومن معه من أسرى المسلمين، فبلغوا قونية، فبلغ الخبَرُ إلى الروم، فانصرفوا عنه، وسار جماعةٌ من ذلك العسكر إلى أندرونقس، وهو بحِصنِه، فخرج ومعه أهلُه إليهم، وسار معهم إلى بغداد، وأخرب المسلمونَ قونيةَ.
كان- قَبَّحَه الله- سيئَ السِّيرةِ والسَّريرة، يزعُمُ أنَّ روحَ سُلَيمانَ بنِ داود حلَّت فيه، وله سريرٌ من ذهب يجلِسُ عليه والأتراكُ بين يديه، ويزعُمُ أنَّهم الجِنُّ الذين سُخِّروا لسليمان بن داود، وكان يسيئ المعاملةَ لجُندِه ويحتَقِرُهم غايةَ الاحتقار، فما زال ذلك دأبَه حتى أمكنهم اللهُ منه فقتلوه شَرَّ قِتلةٍ في حمَّام، وكان الذي مالأَ على قتله غلامَه بجكم التركي، وكان رُكنُ الدَّولةِ بنُ بُوَيه رهينةً عنده فأُطلِقَ لَمَّا قُتِل، فذهب إلى أخيه عمادِ الدَّولة، وذهبت طائفةٌ من الأتراك معه إلى أخيه، والتَفَّتْ طائفةٌ منهم على بجكم فسار بهم إلى بغدادَ بإذن الخليفةِ له في ذلك، ثم صُرِفوا إلى البصرة فكانوا بها، وأمَّا الديلم فإنَّهم بعثوا إلى أخي مرداويج وهو وشمكير، فلمَّا قَدِمَ عليهم تلقَّوه إلى أثناء الطريق حُفاةً مُشاةً، فمَلَّكوه عليهم لئلَّا يذهَبَ مُلكُهم، فانتدب إلى محاربتِه المَلِك السعيد نصر بن أحمد الساماني نائب خراسان وما وراء النَّهر، وما والاها من تلك البلاد والأقاليم، فانتزع منه بلدانًا هائلةً.
اشتدَّت نكاية الكرج (وهم الجورجيون، سكان جورجيا) في بلد الإسلام، وعظم الأمر على الناس، لا سيما أهل دربند شروان، فسار منهم جماعة كثيرة من أعيانهم إلى السلطان محمود بن محمد السلجوقي، وشكَوا إليه ما يَلقَون منهم، وأعلَموه بما هم عليه من الضعف والعجز عن حفظ بلادهم، فسار إليهم والكرج قد وصلوا إلى شماخي، فنزل السلطان في بستان هناك، وتقدَّم الكرج إليه، فخافهم العسكر خوفًا شديدًا، وأشار الوزير شمس الملك عثمان بن نظام الملك على السلطان بالعود من هناك، فلما سمع أهل شروان بذلك قصدوا السلطان وقالوا له: نحن نقاتِلُ ما دمتَ عندنا، وإن تأخَّرتَ عنا ضَعُفت نفوس المسلمين وهلكوا، فقَبِل قولهم، وأقام بمكانِه، وبات العسكر على وجَلٍ عظيم، وهم بنيَّة المصاف، فأتاهم الله بفرج من عنده؛ حيث وقع بين الكرج وقفجاق اختلاف وعداوة، فاقتتلوا تلك الليلة ورحلوا شبهَ المنهزمين، وكفى الله المؤمنين القتال، وأقام السلطان بشروان مدة، ثم عاد إلى همذان فوصلها في جمادى الآخرة.
هو السلطانُ الغالب بالله أبو الوليد إسماعيل بن الفرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر صاحِبُ غرناطة والأندلس من بلاد المغرب، وكان مولده سنة 680، وكان من أجَلِّ ملوك المغرب، واستولى على الأندلُسِ ثلاث عشرة سنة، وملك البلادَ في حياة أبيه الفرج، وكان أبوه متوليًا إذ ذاك لمالقةَ، فلما أراد إسماعيلُ هذا الخروجَ لامَه أبوه، فقبض إسماعيلُ على أبيه، وعاش أبوه في سلطنتِه بعد ذلك عزيزًا مُبَجَّلًا إلى أن مات في ربيع الأول سنة 720 بعد أن شاخ. وقد كان الذي نهض بتمليك إسماعيل هو أبو سعيد ابن أبي العلاء المريني وابن أخيه أبو يحيى، وكان أبو الوليد سلطانًا مَهيبًا شُجاعًا حازِمًا ناهِضًا بأعباءِ المُلكِ عديمَ النظير عظيمَ السطوة، هزم الله جيوش الكفر على يده سنة تسع عشرة وأباد ملوك دين الصليب، ثم وثب عليه ابنُ عَمِّه فقتله في ذي القعدة، ثم قُتِلَ قاتِلُه وأعوانُه في يومهم وذلك سنة 726 وتملك بعده ولَدُه محمد أعوامًا.
أمر المهديُّ ببناء القصورِ في طريق مكَّة، وأمر بتوسيعِ القُصور التي كان بناها السفَّاح، كما قام بتجديد الأميال والبِرَك ومصانع المياه، وحفر الرَّكايا؛ كلُّ ذلك تسهيلًا للمسافرينَ في طُرُقِهم، كما أمرَ أن تُقصَّرَ كُلُّ المنابرِ إلى قَدْرِ ارتفاعِ مِنبرِ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يُزادَ على ذلك.
في شهر ربيع الآخر قَدِمَ الخبر بتشتت أهل المدينة النبوية، وانتزاحهم عنها؛ لشدة الخوف وضياع أحوال المسجد النبوي، وقلة الاهتمام بإقامة شعائر الله فيه، منذ كانت كائنة المدينة، فرُسِم الأمير بكتمر السعدي أحد أمراء العشرات إلى المدينة فأخذ في تجهيز حالِه.
خُلِعَ السُّلطانُ أبو العباس أحمد المستنصر بن إبراهيم بن أبي الحسن المريني مَلِكُ المغرب صاحب فاس ونُفي إلى غرناطة، وبُويع بدلًا منه أبو فارس موسى بن أبي عنان المتوكل على الله، وكان مقيمًا بالأندلس، وتولى الوزير مسعود بن ماساي الأمورَ.
قُتِل رئيسُ هيئةِ إفتاءِ أهلِ السُّنة مهدي الصميدعي رحمه الله وثلاثةٌ من عناصِرِ حِمايَتِه بسبب تفجيرِ سيارةٍ مفخَّخة استهدَفَت موكِبَه غرْبَ بغدادَ. ووقع الانفجارُ لدى خروجِ الصميدعي من مسجد عمر المختار في مِنطَقة حي اليرموك، غربَ بغدادَ، بعد أدائِه صلاةَ العيدِ.
كَثُرَت فِتَنُ الخَوارِج والحُروب معهم وازداد أمرُهم قُوَّةً، فقد بايعوا لِشَبيب بن يَزيد بعدَ صالِح بن مُسَرِّحٍ، وكان شَبيب قد هَزَمَ جيشَ الحَجَّاج ثمَّ هَرَب شَبيب إلى المدائن وقَوِيَ أمرُه حتَّى سار إليه الحَجَّاجُ بِنَفسِه كما سَيَّرَ عبدُ الملك جيشًا مِن الشَّام إليه والتَقى الطَّرفان في مَقتلةٍ عظيمة قُتِلَ فيها الكثيرُ مِن أصحابِ شَبيب، ممَّا اضْطَرَّهُ للهُروب إلى ناحِيَة جِسْرٍ على نهرِ دُجَيْل بالأهواز، فكَبا جَوادُ شَبيب فسَقَطَ في النَّهرِ وغَرِقَ مِن كَثرَةِ الحَديدِ عليه، فكانت هذه بِمَثابَةِ إخْماد فِتْنَتِهِم في العِراق.
خرج مُحمَّدُ بنُ ناصر الدولة بن حمدان في سَريَّةٍ نحوَ بلاد الروم، وكانت الرومُ قد وصلوا إلى الرَّها وحرَّان فأسروا أبا الهيثمِ ابنَ القاضي أبي الحُصَين وسَبَوا وقتلوا، وفي هذه السنة مات مَلِكُ الروم وطاغيتُهم الأكبر بالقُسطنطينية، وأقعَدَ ابنَه مكانَه، ثم قُتِلَ ونُصِبَ في الملك غيرُه، وفي هذه السَّنَة وصلت الرومُ إلى طرسوس فقتلوا جماعةً وفَتَحوا حِصنَ الهارونية وخَرَّبوا الحِصنَ المذكورَ وقَتَلوا أهلَه، ثم كَرَّت الرومُ إلى ديار بكر ووصَلوا ميافارقين، فعَمِلَ في ذلك الخَطيبُ عبد الرحيم بن نباتة الخُطَبَ الجهاديَّة؛ لتحميس الناسِ على الجهادِ ضِدَّ الرُّومِ.
طلب السلطان القضاة والأمراءَ فعهد إلى ولده الأمير أحمد بالسلطة من بعده، ومولده في ثاني جمادى الأولى من السنة الماضية، وله من العمر سبعة عشر شهرًا وخمسة أيام، وجعل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي القائِمَ بأمره، وأن يقومَ بتدبير الدولة, ثم أحضر القرمشي من حلب الأمراء الثلاثة، وهم: قجقار القردمي، وتنبك ميق، وططر، وحلفوا على ذلك، ثم حلف المماليك من الغد، ثم في ذي الحجة أثبت عهد الأمير أحمد ابن السلطان المؤيد، على قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني الحنفي، بالسلطنة، ثم نفذ على بقية القضاة.