دخلَ رُكنُ الدين أبو طالبٍ طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق مدينةَ نيسابور -شمال غرب أفغانستان- مالِكًا لها، وكان سببُ ذلك أنَّ الغزَّ السلجقيَّة لَمَّا ظهروا بخراسان أفسدوا، ونهبوا، وخرَّبوا البلاد، وسَبَوا، وسَمِعَ الملك مسعودُ بنُ محمود بن سبكتكين بخَبَرِهم، فسَيَّرَ إليهم حاجِبَه سباشي في ثلاثين ألف مقاتلٍ، فسار إليهم من غزنة، فلما بلغ خراسانَ أقام مدَّة سنة على المدافعة والمُطاولة، كان سباشي يَتْبعُ أثَرَهم إذا بعدوا، ويَرجِعُ عنهم إذا أقبلوا استعمالًا للمحاجزة، وإشفاقًا من المحاربة، حتى إذا كان في هذه السَّنة، وهو بقريةٍ بظاهر سرخس، والغز بظاهر مروٍ مع طغرلبك، وقد بلغَهم خبَرُه، فقاتلوه يومَ وصَلوا، فلما جنَّهم الليلُ أخذ سباشي ما خَفَّ مِن مالٍ وهَرَب في خواصِّه، وترك خِيَمَه ونيرانَه على حالها، قيل فعَلَ ذلك مواطأةً للغز (التركمان) على الهزيمةِ، فلمَّا أسفر الصبح عرف الباقونَ مِن عَسكَرِه خَبَرَه، فانهزموا، واستولى الغزُّ على ما وجدوه في مُعَسكرِهم مِن سوادهم، وقتلوا من الهنودِ الذين تخلَّفوا مقتلةً عظيمة، وأسرى داود أخو طغرلبك، وهو والِدُ السلطان ألب أرسلان، إلى نيسابور، وسَمِعَ أبو سهل الحمدوني ومن معه بها، ففارقوها، ووصل داود ومَن معه إليها، فدخلوها بغير قتال، ولم يُغَيِّروا شيئًا من أمورِها، ووصل بعدَهم طغرلبك ثمَّ وصَلَت إليهم رسُلُ الخليفةِ في ذلك الوقت، وكان قد أرسَلَ إليهم وإلى الذين بالريِّ وهمذان وبلد الجبل ينهاهم عن النَّهبِ والقتل والإخراب، فكَفُّوا عن ذلك، ثم استولَوا على سائِرِ بلاد خراسان سوى بلخٍ، وأقام طغرلبك بدارِ الإمارة، وجلس على سريرِ المَلِك مسعود، وصار يقعُدُ للمظالم يومينِ في الأسبوع على قاعدةِ ولاة خراسان, وكانوا يخطُبونَ للمَلِك مسعودٍ على سبيلِ المغالطة، وكانوا ثلاثة إخوة: طغرلبك، وداود، وبيغو، وكان ينال- واسمه إبراهيم- أخا طغرلبك وداودَ لأمِّهما.
سَيَّرَ المَلِكُ الرَّحيمُ ابن أبى كاليجار البويهي الشِّيعي أخاهُ الأميرَ أبا سعد في جَيشٍ إلى بلادِ فارس، وكان سببُ ذلك أنَّ المُقيمَ في قَلعةِ إصطخر، وهو أبو نصر بن خسرو، وكان له أَخَوان قَبَضَ عليهما هزارسبُ بن بنكير بِأَمْرِ الأَميرِ أبي منصور بن المَلِكِ أبي كاليجار، فكتَبَ إلى المَلِكِ الرَّحيم البويهي الشِّيعي يَبذُل له الطَّاعة والمُساعَدة، ويَطلُب أن يُسَيِّر إليه أخاهُ لِيُمَلِّكَهُ بلادَ فارس، فسَيَّرَ إليه أخاهُ أبا سعد في جَيشٍ، فوصَلَ إلى دولةِ أباذ، فأتاه كَثيرٌ مِن عَساكر فارس: الدَّيلمِ، والتُّرْكِ، والعَرَبِ، والأَكرادِ، وسار منها إلى قَلعةِ إصطخر، فنزل إليه صاحبُها أبو نصر، فلَقِيَهُ وأَصعدَهُ إلى القَلعةِ، وحمَلَ له وللعَساكر التي معه الإقامات والخِلَعِ وغيرها، ثم ساروا منها إلى قَلعةِ بهندر فحَصَروها، وأتاهُ كُتُبُ بعضِ مُستَحفِظي البلادِ الفارسيَّة بالطَّاعةِ، منها مُستَحفِظ درابجرد وغيرها، ثم سار إلى شيراز فمَلكَها في رمضان، فلمَّا سَمِعَ أخوهُ الأميرُ أبو منصور، وهزارسب، ومنصور بن الحسين الأسديُّ ذلك ساروا في عَسكرِهم إلى المَلِكِ الرَّحيم فهَزَموه، وفارَق الأهوازَ إلى واسط، ثم عَطَفوا من الأهوازِ إلى شِيراز لِإجلاءِ الأميرِ أبي سعدٍ عنها، فلمَّا قاربوها لَقِيَهم أبو سعدٍ وقاتَلَهم فهَزمَهم، فالتجَأُوا إلى جبلِ قَلعةِ بهندر، وتَكرَّرت الحروبُ بين الطائِفَتينِ إلى مُنتصفِ شَوَّال، فتَقدَّمت طائفةٌ من عَسكرِ أبي سعدٍ فاقتَتَلوا عامَّة النَّهارِ ثم عادوا، فلمَّا كان الغدُ التقى العَسكرانِ جميعًا واقتَتَلوا، فانهَزمَ عَسكرُ الأميرِ أبي منصور، وظَفَر أبو سعدٍ، وقَتَل منهم خَلْقًا كَثيرًا، واستَأمَن إليه كثيرٌ منهم، وصعد أبو منصور إلى قَلعةِ بهندر واحتَمَى بها، وأقام إلى أن عاد إلى مُلكِه، ولما فارَق الأميرُ أبو منصور الأهوازَ أُعيدَت الخطبة للمَلِكِ الرَّحيم، وأَرسلَ مَن بها مِن الجُندِ يَستدعونَه إليهم.
هو السُّلطانُ الملك العزيز أبو الفتح عماد الدين عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، صاحب ديار مصر، وُلِدَ سنة 567، جمادى الأولى. وحدَّث عن أبي طاهر السِّلَفي، وابنِ عوف. قال الذهبي: "وتمَلَّك بعد أبيه، وكان لا بأسَ بسيرتِه، قَدمَ دمشق وحاصَرَ أخاه الأفضل. نَقَلْتُ من خط الضياء الحافظ، قال: خرجَ إلى الصيد، فجاءته كُتُبٌ مِن دمشق في أذيَّة أصحابِنا الحنابلةِ في فِتنةِ الحافظ عبد الغني المقدسي, فقال: إذا رَجَعْنا من هذه السَّفرةِ، كُلُّ مَن كان يقولُ بمقالتهم أخرجناه مِن بلَدِنا. قال: فرماه فَرَسٌ، ووقع عليه، فخسَف صَدرَه، كذا حدثني يوسف بن الطفيل، وهو الذي غسَّلَه"وقيل: كان سبب موته أنَّه خرج إلى الصيد، فوصل إلى الفيومِ متصَيِّدًا، فرأى ذئبًا فركَضَ فرَسَه في طَلَبِه، فعثر الفرسُ فسَقَطَ عنه في الأرض ولَحِقَته حُمَّى، فعاد إلى القاهرة مريضًا، فبَقِيَ كذلك إلى أن توفي، عاش ثمانيًا وعشرين سنة، ومات في العشرين من المحرم، ودُفِنَ بقبة الشافعي, وأُقيمَ بعده ولدٌ له صبيٌّ, فلم يَتِمَّ له ذلك, وقيل: لَمَّا مات العزيز كان الغالِبُ على أمره مملوكَ والده فخر الدين جهاركس، وهو الحاكِمُ في بلده، فأحضَرَ إنسانًا كان عندهم من أصحابِ الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وأراه العزيزَ ميِّتًا، وسَيَّرَه إلى العادل وهو يحاصِرُ ماردين، ويستدعيه ليمَلِّكَه البلاد، وكان الأفضَلُ مُحَبَّبًا إلى الناس يريدونه، فراسله الأمراءُ مِن مِصرَ يَدعونَه إليهم ليُمَلِّكوه، فسار عن صرخد لليلتين بقيتا من صفر، متنكرًا في تسعة عشر نَفسًا؛ لأن البلادَ كانت للعادل، ويَضبِطُ نُوَّابُه الطرق؛ لئلَّا يجوز إلى مصرَ ليجيءَ العادِلُ ويَملِكَها، ثم دخل إلى القاهرة سابع ربيع الأول، وأصلَحَ الأمور، وقَرَّرَ القواعِدَ والمرجِعَ في جميع الأمور إلى سيف الدين يازكج.
انهزم الموحِّدون في وقعةِ العقاب أمام جيوشِ الأسبان من قشتالة وليون ونافار المتحالفة بقيادة ألفونسو الثامن ملك قشتالة، وهذه المعركة وقَعَت قُربَ حِصنِ العقاب في الخامسَ عشَر مِن صفر. لَمَّا انتهت الهدنة مع الفرنج، عبَرَ السلطان الناصر بجيوشه إلى إشبيلية, ثم تحرَّك في سنة 608 لجهادهم، فنازل حصنًا لهم فأخذه، فسار ألفونسو في أقاصي الممالك يستنفر عبَّاد الصليب، فاجتمَعَت له جيوش ما سُمِعَ بمِثلِها، ونجدته فرنج الشام، وعساكر القسطنطينية، وملك أرغن البرشلوني، واستنفر السلطانُ الناصر الناس، والتقى الجمعانِ في وقعة تُعرَف بالعقاب، بالقربِ من حصنِ سالم، فتحَمَّل ألفونسو حملةً شديدة، فهزم المسلمين، واستشهد خلقٌ كثير. وكان أكبر أسباب الكسرة غضبَ الجند من تأخُّر عطائهم، وخصوصًا في هذه السفرة، فنَسَبوا ذلك إلى الوزراء، وخرجوا وهم كارهون، فلم يَسُلُّوا سيفًا ولا شرعوا رمحًا ولا أخذوا في شيءٍ مِن أهبة القتال؛ بل انهزموا لأوَّلِ حَملةِ الإفرنج عليهم قاصدين لذلك. وثبت السلطانُ ثباتًا عظيمًا، وكانت الملحمة في صفر سنة 609، ورجع العدوُّ بغنائم لا توصف، وأخذوا بياسة عنوةً، فلما وجدها شبه خالية، حرق دورها وخرَّب مسجدها الكبير؛ ثم نزل ألفونسو على أبذة وقد اجتمع فيها من المسلمين عدد كثير من المنهزمة وأهل بياسة وأهل البلد نفسه، فأقام عليها ثلاثة عشر يومًا، ثم دخلها عَنوةً فقتل وسبى وغنم، وأخذ هو وأصحابه من السبيِ مِن النساء والصبيان ما مَلَؤوا به بلاد الروم قاطبة، فكانت هذه أشدَّ على المسلمين من الهزيمة, وقد ترتَّبَ على هذه الهزيمة انحسارُ المسلمين في الأندلس بغرناطة وتفكُّك وحدة الشمال الإفريقي، وقيام ثلاث دول إسلامية مغربية، هي دولة بني حفص شرقًا، ودولة بني زيان من بني عبد الواد بالمغرب الأقصى، ودولة بني مرين غربًا، فاستقَلَّت هذه الدولُ عن دولة الموحِّدين.
سار شهاب الدين غازي بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب صاحب قلعة سرماري، وهي من أعمال أرمينية إلى خلاط، لأنه كان في طاعة صاحب خلاط، فحضر عنده، واستخلف ببلده أميرًا من أمرائه، فجمع هذا الأمير جمعًا وسار إلى بلاد الكرج، فنهب منها عدة قرى وعاد، فسمعت الكرج بذلك، فجمع صاحب دوين، واسمه شلوة، وهو من أكابر أمراء الكرج، عسكره وسار إلى سرماري فحصرها أيامًا، ونهب بلدها وسوادها ورجع، فسمع صاحب سرماري شهاب الدين الخبر، فعاد إلى سرماري، فوصل إليها في اليوم الذي رحل الكرج عنها، فأخذ عسكره وتبعهم، فأوقع بساقتهم، فقتل منهم وغنم، واستنقذ بعض ما أخذوا من غنائم بلاده، ثم إن صاحب دوين جمع عسكره وسار إلى سرماري ليحصرها، فوصل الخبَرُ إلى شهاب الدين بذلك، فحَصَّنها، وجمع الذخائر وما يحتاج إليه، فأتاه من أخبره أن الكرج نزلوا بوادي بني دوين وسرماري، وهو وادي ضيق، فسار بجميع عسكره جريدة –الجريدة: خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها- وجَدَّ السير ليكبس الكرج، فوصل إلى الوادي الذي هم فيه وقت السحر، ففرق عسكره فرقتين: فرقةً من أعلى الوادي، وفرقة من أسفله، وحملوا عليهم وهم غافلون، ووضعوا السيف فيهم، فقتلوا وأسروا، فكان في جملة الأسرى شلوة أمير دوين، في جماعة كثيرة من مقدميهم، ومن سلم من الكرج عاد إلى بلدهم على حال سيئة، ثم إن ملك الكرج أرسل إلى الملك الأشرف موسى بن العادل، صاحب ديار الجزيرة، وهو الذي أعطى خلاط وأعمالها الأمير شهاب الدين، يقول له: كنا نظن أننا صلح، والآن فقد عمل صاحب سرماري هذا العمل، فإن كنا على الصلح فنريد إطلاق أصحابنا من الأسر، وإن كان الصلح قد انفسخ بيننا فتعرفنا حتى ندبِّر أمرنا، فأرسل الأشرف إلى صاحب سرماري يأمره بإطلاق الأسرى وتجديد الصلح مع الكرج، ففعل ذلك واستقرت قاعدة الصلح، وأُطلق الأسرى.
هو الأمير قرا يوسف ابن الأمير قرا محمد بن بيرم خجا التركماني متملك العراق وتبريز، وكان قرا يوسف شديد الظلم قاسي القلب لا يتمسَّك بدين، واشتهر عنه أنَّ في عصمته أربعين امرأة، وقد خربت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين, فصدر بحقه فتوى تستبيحُ دمه, فقد ذكر موفق الدين ابن العجمي "أن قرا يوسف عنده أربع زوجات، فإذا طلَّق واحدةً دفعها إلى قصر له وتزوَّج غيرها حتى بلغ عدد من في القصر أربعين امرأة يسمِّيهن السراري ويطؤُهنَّ كالسَّراري بمِلكِ اليمين! فاتفق الحال على كتابة فتوى متضمنة سوء سيرته، فصُوِّرت وكُتِبَت وكَتَب عليها البلقيني ومن حضر المجلس يتضمَّنُ جواز قتاله. وأعجب السلطان ما كتب الحنبلي وأمر أن ينسخ ويقرأ على الناس, فنودي في الناس: بأن قرا يوسف طرق البلاد وأنه يستحل الدماء والفروج والأموال وخرَّب البلاد" وقد عصى عليه ولده شاه محمد ببغداد فحاصره ثلاثة أيام، حتى خرج إليه، فأمسكه واستصفى أمواله، وولى عِوَضَه ابنه أصبهان أمير زاة، ثم عاد إلى تبريز لحركة شاه رخ بن تيمورلنك عليه، ثم في ثامن عشر ذي الحجة قَدِمَ كتاب سليمان صاحب حصن كيفا، يتضمن موت قرا يوسف في رابع عشر ذي القعدة مسمومًا، فيما بين السلطانية وتوريز، وهو متوجه إلى قتال شاه رخ بن تيمورلنك، وملك بعده ابنه شاه محمد بن قرا يوسف، ثم تنصَّر ودعا الناس إلى دين النصرانية، وأباد العلماء والمسلمين، ثم ملك بعده إسكندر، وكان على ما كان عليه شاه محمد وزيادة، ثم أخوهما أصبهان، فكان زنديقًا لا يتديَّنُ بدين، فقرا يوسف وذريته هم كانوا سببًا لخراب بغداد التي كانت كرسيَّ الإسلام، ومنبعَ العلوم، ومدفنَ الأئمة الأعلام!!
كان صاحب غرناطة ومالقة والمرية ورندة ووادي آش وجبل الفتح من الأندلس، وهو أبو عبد الله محمد التاسع الملقَّب بالأيسر ابن السلطان أبي الحجاج يوسف الأنصاري الخزرجي الأرجوني الشهير بابن الأحمر- قد خرج من غرناطة دار ملكه يريد النزهةَ في فحص غرناطة في نحو مائتي فارس في مستهَلِّ ربيع الآخر، وكان ابن عمه أبو عبدالله محمد الثامن بن نصر بن محمد بن يوسف محبوسًا في الحمراء، وهي قلعة غرناطة، فخرج الجواري السُّودُ إلى الحرَّاس الموكلين به، وقالوا لهم: تخلَّوا عن الدار حتى تأتيَ أم مولاي تزوره وتتفقَّد أحواله، فظنوا أن الأمر كذلك، فخلَّوا عن الدار، فخرج في الحال شابان من أولاد صنايع أبي المحبوس، وأطلقوه من قيده وأظهروه من الحبس، وأغلقوا أبواب الحمراء، وذلك كلُّه ليلًا، وضربوا الطبول والأبواق على عادتهم، فبادر الناس إليهم ليلًا، وسألوا عن الخبر، فقيل لهم من الحمراء: قد ملَّكْنا السلطان أبا عبد الله محمد بن نصر، فأقبل أهل المدينة وأهل الأرباض فبايعوه محبةً فيه وفي أبيه، وكرهًا في الأيسر، فما طلع النهار حتى استوسق له الأمر، وبلغ الخبر إلى الأيسر فلم يثبُتْ، وتوجه نحو رندة وقد فرَّ عنه مَن كان معه من جنده، حتى لم يبقَ معه منهم إلا نحو الأربعين، وخرجت الخيل من غرناطة في طلبه، فمنعه أهل رندة، وأبوا أن يسلموه، وكتبوا إلى المنتصب بغرناطة في ذلك فآل الأمر إلى أن ركب سفينة وسار في البحر، وليس معه سوى أربعة نفر، وقدم تونس متراميًا على متملِّكها أبي فارس عبد العزيز الحفصي، وبلغ ألفونسو متملك قشتالة ما تقدَّم ذكره، فجمع جنوده من الفرنج، وسار يريد غرناطة في جمع موفور، فبرز إليه القائم بغرناطة وحاربه، فنصره الله على الفرنج، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، وغَنِمَ ما يجلُّ وصفُه!
أخرج الترمذي في سننه عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم أَعِزَّ الإسلامَ بأَحَبِّ هذين الرجُلَيْنِ إليك بأبي جهلٍ أو بعمرَ بنِ الخطابِ قال وكان أَحَبَّهُما إليه عمرُ)) وروى أهل السِّير أنَّ عمر خرج يومًا مُتوشِّحًا سَيفَهُ يُريدُ القضاءَ على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلقِيهُ رجلٌ فقال: أين تعمدُ يا عُمَرُ؟ قال: أريدُ أنْ أقتُلَ محمَّدًا. قال: كيف تأمنُ من بني هاشمٍ ومن بني زُهرةَ وقد قتلتَ محمَّدًا؟ فقال له عُمَرُ: ما أراك إلَّا قد صَبَوْتَ، وتركتَ دينَك الذي كنتَ عَليهِ، قال: أفلا أدُلُّك على العَجَبِ يا عُمَرُ? إنَّ أُختَك وخَتَنَكَ قد صَبَوَا، وتركا دينَك الذي أنت عَليهِ، فمشى عُمَرُ إليهِما، وعندهُما خَبَّابُ بنُ الأَرَتِّ، معه صَحيفةٌ فيها: سُورةُ [طه] يُقرِئهُما إيَّاها، فلمَّا سمِع خَبَّابٌ حِسَّ عُمَرَ تَوارى في البيتِ، وسَترتْ فاطمةُ أُختُ عُمَرَ الصَّحيفةَ، وكان قد سمِع عُمَرُ حين دنا مِنَ البيتِ قِراءةَ خَبَّابٍ إليهِما، فلمَّا دخل عليهِما قال: ما هذه الهَيْنَمَةُ التي سمعتُها عندكُم؟ فقالا: ما عَدا حديثًا تحدَّثناهُ بيننا. قال: فلَعلَّكُما قد صَبَوْتُما, فقال له خَتَنُهُ: يا عُمَرُ، أرأيتَ إنْ كان الحقُّ في غيرِ دينِك؟ فوثبَ عُمَرُ على خَتَنِهِ فَوَطِئَهُ وَطْئًا شَديدًا, فجاءتْ أختُه فرفعتْهُ عن زَوجِها، فَنَفَحَها نَفْحَةً بيدِه، فَدَمَّى وجهَها، فقالتْ، وهي غَضبى: يا عُمَرُ، إنْ كان الحقُّ في غيرِ دينِك، أشهدُ أنْ لا إلَه إلَّا الله، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله. فلمَّا يَئِسَ عُمَرُ، ورَأى ما بِأُختِه مِنَ الدَّمِ نَدِمَ واستَحْيا، وقال: أَعْطوني هذا الكتابَ الذي عندكُم فأَقرؤهُ، فقالتْ أختُه: إنَّك رِجْسٌ، ولا يَمَسُّهُ إلَّا المُطهَّرون، فقُمْ فاغْتسِلْ، فقام فاغتسَلَ، ثمَّ أخذَ الكتابَ، فقرأَ: بسم الله الرحمن الرحيم فقال: أسماءُ طَيِّبَةٌ طاهرةٌ. ثمَّ قرأَ [طه] حتَّى انتهى إلى قولِه: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) فقال: ما أحسنُ هذا الكلامَ وأَكرمَهُ؟ دِلُّوني على محمَّدٍ. فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فأَسلمَ عندَه، ثمَّ خرج المسلمون معهُ في صَفَّيْنِ حتَّى دخلوا المسجدَ، فلمَّا رأتهُم قُريشٌ أصابتْها كآبةٌ لم تُصبْها مِثلُها.
اسْتَعمَل هِشامُ بن عبدِ الملك مَرْوانَ بن محمَّد بن مَرْوان -وهو ابنُ عَمِّه- على الجَزيرَة الفراتية وأذربيجان وأرمينية، وكان سَبَبُ ذلك أن مَرْوان بن محمَّد قال لهِشام: قد كان مِن دُخولِ الخَزَر إلى بِلادِ الإسلام وقَتْل الجَرَّاح وغَيرِه مِن المسلمين ما دَخَل به الوَهَنُ على المسلمين, أنَّ مَسلمَة بن عبد الملك، ما وَطِئ مِن بِلادِهم إلَّا أَدْناها، وكان قُصاراه السَّلامَة، وقد أَردتُ أن تَأذَن لي في غَزْوَةٍ أُذْهِبُ بها عَنَّا العارَ، وأَنْتَقِمُ مِن العَدُوِّ. فأَذِنَ له واسْتَعمَله على أرمينية, فسار إلى أرمينية والِيًا عليها، وسَيَّرَ هِشامٌ الجُنودَ مِن الشَّامِ والعِراقِ والجَزيرَة، فاجْتَمَع عِندَه مِن الجُنودِ والمُتَطَوِّعَة مائة وعشرون ألفًا، فأَظْهَر أنَّه يُريدُ غَزْوَ اللَّان وقَصَد بِلادَهم، وأَرسَل إلى مَلِك الخَزَر يَطلُب منه المُهادَنَة، فأَجابَه إلى ذلك، وأَرسَل إليه مَن يُقرِّرُ الصُّلْحَ، فأَمسَك الرَّسولَ عنده إلى أن فَرَغ مِن جِهازِه وما يُريدُ، ثمَّ أَغْلَظ لهم القَوْلَ وآذَنَهم بالحَرْبِ، وسَيَّرَ الرَّسولَ إلى صاحِبِه بذلك، فما وَصَل الرَّسولُ إلى صاحِبِه إلَّا ومَرْوان قد وافاهُم، فأَعْلَم صاحِبَه الخَبَرَ، وأَخبَره بما جَمَع له مَرْوان وحَشَد واسْتَعَدَّ. فاسْتَشار مَلِكُ الخَزَر أَصحابَه، فقالوا: إنَّ هذا قد اغْتَرَّكَ ودَخَل بِلادَك، فإن أَقَمْتَ إلى أن تَجْمَع لم يَجْتَمِع عندك إلى مُدَّة فيَبْلُغ مِنك ما يُريد، وإن أنت لَقِيتَه على حالِك هذه هَزَمَك وظَفَر بك، والرَّأيُ أن تَتَأَخَّر إلى أَقْصَى بِلادِك وتَدَعَه وما يُريدُ. فقَبِلَ رَأيَهم وسار حيث أَمَروه. ودَخَل مَرْوان بِلادَهم وأَوْغَل فيها وأَخْرَبَها، وغَنِمَ وسَبَى وانْتَهي إلى آخِرِها وأَقام فيها عِدَّةَ أيَّامٍ حتَّى أَذَلَّهم وانْتَقَم منهم، ودَخَل بِلادَ مَلِك السَّرير فأَوْقَع بِأَهلِه، وفَتَح قِلاعًا، ودان له المَلِكُ، وصالَحه على ألفِ رَأسٍ، وخمسمائة غُلام، وخمسمائة جارِيَة سُود الشُّعور، ومائة ألف مُدْيٍ تُحْمَل إلى البابِ، وصالَح مَرْوان أهلَ تومان على مائة رَأسٍ، وعشرين ألف مُدْيٍ، ثمَّ دَخَل أَرضَ زريكران، فصالَحَه مَلِكُها، ثمَّ أَتَى إلى أَرضِ حمزين، فأبى حمزين أن يُصالِحَه، فحَصَرَهُم فافْتَتَح حِصْنَهم، ثمَّ أَتَى سغدان فافْتَتَحَها صُلْحًا، ووَظَّفَ على طيرشانشاه عشرة آلاف مُدْيٍ كُلَّ سَنة تُحْمَل إلى البابِ، ثمَّ نَزَل على قَلْعَة صاحِب اللكز، وقد امْتَنَع من أَداءِ الوَظيفَة، فخَرَج مَلِكُ اللكز يُريد مَلِكَ الخَزَر، فقَتَله راعٍ بِسَهْمٍ وهو لا يَعرِفُه، فصالَح أَهلُ اللكز مَرْوانَ، واسْتَعْمَل عليهم عامِلًا، وسار إلى قَلعَة شروان، وهي على البَحرِ، فأَذْعَن بالطَّاعَة، وسار إلى الدّوداني فأَقْلَع بهم ثمَّ عاد.
هو أمير المؤمنين أبو منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد ابن المقتدي بأمر الله عبد الله بن محمد بن القائم عبد الله بن القادر القرشي الهاشمي العباسي البغدادي. مولده في شعبان سنة 486 في أيام جده المقتدي، وخُطب له بولاية العهد وهو يرضع، وضُرِبت السكة باسمه, وكان له خطٌّ بديع، ونثر صنيع، ونظم جيد، مع دين ورأي، وشهامة وشجاعة، وكان خليقًا للخلافة، قليل النظير. قال ابن النجار: إن المسترشد كان يتنسك في أول زمنه، ويلبس الصوف ويتعبد، وختم القرآن وتفقَّه، لم يكن في الخلفاء من كَتَبَ أحسن منه، وكان يستدرك على كتَّابه، ويُصلح أغاليطَ في كتبهم، وكان ابن الأنباري يقول: "أنا ورَّاق الإنشاء ومالك الأمر يتولى ذلك بنفسِه الشريفة, وهو ذو شهامة وهيبة، وشجاعة وإقدام، ولم تزل أيامه مكدرة بتشويش المخالفين، وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك ومباشرته إلى أن خرج فكُسِر وأُسِر، ثم استُشهِد على يد الملاحدة، وكان قد سمع الحديثَ". وكان سبب قتله لما أَسر السلطان مسعود المسترشد بالله وأنزله في خيمة، ووكل به من يحفظه، وقام بما يجِبُ من الخدمة، وترددت الرسل بينهما في الصلح وتقرير القواعد على مالٍ يؤديه الخليفة، وألَّا يعود يجمع العساكر، وألَّا يخرجَ من داره. فأجاب السلطان إلى ذلك، وأركب الخليفة وحمل الغاشية بين يديه ولم يبقَ إلا أن يعود إلى بغداد. فوصل الخبر أن الأمير قران خوان قد قَدِمَ رسولًا من السلطان سنجر، فتأخَّر مسير المسترشد لذلك، وخرج الناس والسلطان مسعود إلى لقائه، وفارق الخليفة بعض من كان موكلًا به، وكانت خيمته منفردة عن العسكر، فقصده أربعة وعشرون رجلًا من الباطنية ودخلوا عليه فقتلوه، وجرحوه ما يزيد على عشرين جراحة، ومثَّلوا به فجدعوا أنفه وأُذنيه وتركوه عريانًا، فقُتِل معه نفر من أصحابه، منهم أبو عبد الله بن سكينة، وكان قتلُه يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة على باب مراغة، وبقي حتى دَفَنه أهل مراغة. وأما الباطنية فقُتِل منهم عشرة، وقيل: بل قُتِلوا جميعهم، فكانت خلافته سبع عشرة سنة وستة أشهر وعشرين يومًا، ولما قتل المسترشد بالله بويع ولده أبو جعفر المنصور، ولُقِّب الراشد بالله، وكان المسترشد قد بايع له بولاية العهد في حياته، وجُدِّدت له البيعة بعد قتله يوم الاثنين السابع والعشرين من ذي القعدة، وكتب السلطان مسعود إلى بك أبه الشحنة ببغداد فبايع له، وحضر الناس البيعة، وحضر بيعته أحد وعشرون رجلًا من أولاد الخلفاء.
تَمَلَّك نُورُ الدِّين محمودُ بن زِنكي مَدينةَ دِمشق، وأَخذَها مِن صاحِبِها مُجيرِ الدِّين أبق بن محمد بن بوري بن طغتكين، وكان سَببُ جِدِّهِ في مِلْكِها أن الفِرنجَ لمَّا مَلَكوا في العام الماضي مَدينةَ عَسقلان لم يكُن لنورِ الدين طَريقٌ لإزعاجِهِم عنها لاعتِراضِ دِمشق بينه وبين عَسقلان، كما أن الفِرنجَ لمَّا مَلَكوا عَسقلان طَمِعوا في دِمشق، حتى أنهم استَعرَضوا كلَّ مَن بدِمشق مَملوكًا أو جارِيةً من النَّصارَى، فمَن أرادَ المُقامَ بها تَركوهُ، ومَن أرادَ العَوْدَ إلى وَطنِه أَخذوهُ قَهرًا شاء صاحِبُه أم أَبَى، وكان لهم على أَهلِها كلَّ سَنةٍ قَطيعةٌ يَأخُذونها منهم، فكان رُسُلُهم يدخلون البلدَ ويَأخُذونها منهم، فلمَّا رأى نورُ الدين ذلك خافَ أن يَملِكَها الفِرنجُ فلا يَبقَى له حينئذٍ بالشامِ مُقامٌ، فأَعْمَلَ الحِيلةَ في أَخْذِها حيث عَلِمَ أنها لا تَملِك قُوَّةً، لأن صاحِبَها متى رأى غَلَبَتَهُ عليه راسَلَ الفِرنجَ واستَعانَ بهم فأَعانوهُ لِئَلَّا يَملِكَها؛ فراسَلَ نورُ الدينِ محمودٌ مُجيرَ الدينِ صاحِبَ دِمشق واستَمالَهُ، وواصَلَهُ بالهَدايا، وأَظهرَ له المَودَّةَ حتى وَثِقَ به، فلمَّا لم يَبقَ عنده من الأُمراءِ أَحَدٌ قَدَّمَ أَميرًا يُقال له: عَطَا بن حَفَّاظ السُّلَمِيُّ الخادِمُ، وكان شَهْمًا شُجاعًا، وفَوَّضَ إليه أَمْرَ دَولتِه، فكان نورُ الدينِ لا يَتمكَّن معه مِن أَخْذِ دِمشق، فقَبَضَ مُجيرُ الدينِ على عَطَا الخادمِ فقَتَلهُ، فسار نورُ الدينِ حينئذٍ إلى دِمشقَ، وكان قد كاتَبَ مَن بها من الأَحداثِ واستَمالَهُم، فوَعَدوهُ بالتَّسليمِ إليه، فلمَّا حَصَرَ نورُ الدينِ البلدَ أَرسلَ مُجيرُ الدينِ إلى الفِرنجِ يَبذُل لهم الأَموالَ وتَسليمَ قَلعةِ بعلبك إليهم ليِنجِدوه وليُرَحِّلُوا نورَ الدينِ عنه، فشَرَعوا في جَمْعِ فارِسِهِم وراجِلِهم ليُرَحِّلُوا نورَ الدينِ عن البلدِ، فإلى أن اجتَمَعَ لهم ما يُريدون تَسلَّم نورُ الدينِ البلدَ، فعادوا بخُفَّيْ حُنَينٍ، وأما كَيفِيَّةُ تَسليمِ دِمشق فإنه لمَّا حَصرَها ثارَ الأَحداثُ الذين راسَلَهم، فسَلَّموا إليه البلدَ من البابِ الشرقيِّ ومَلَكَهُ، وحَصَرَ مُجيرَ الدينِ في القَلعةِ، وراسَلَهُ في تَسليمِها وبَذَلَ له أَقطاعًا من جُملَتِه مَدينةُ حِمْصَ، فسَلَّمَها إليه وسار إلى حِمصَ، ثم إنه راسَلَ أَهلَ دِمشق ليُسلِّموا إليه، فعَلِمَ نورُ الدينِ ذلك فَخافَهُ، فأَخَذَ منه حِمصَ، وأَعطاهُ عِوَضًا عنها بالس، فلم يَرْضَهَا، وسار منها إلى العِراقِ، وأَقامَ ببغداد وابتَنَى بها دارًا بالقُربِ من النِّظامِيَّة، وتُوفِّي بها.
هو سيفُ الدينِ غازي بن الملك قطب الدين مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر التركي. صاحِبُ الموصِل ووالد سنجر شاه صاحِب جزيرة ابن عمر. لَمَّا مات أبوه قطب الدين، وهو على تلِّ باشر، وفي سنة ست وستين مَلَك الرقة، ونصيبين وسنجار، ثم أتى الموصِلَ، فأرسل إلى صاحبها وعَرَّفَه صحة قصده، فصالحه. ونزل الموصِلَ ودخلَها، وأقرَّ صاحبها فيها، وزوَّجَه بابنته، وعاد إلى الشام، فلما تملَّك صلاح الدين وسار إلى حلب وحاصرها، سيَّرَ إليه غازي جيشًا عليه أخوه عز الدين مسعود فكسَرَه صلاح الدين, فتجهَّز غازي وسار بنفسه، فانهزم جيشُ غازي فعاد إلى حلب، ثم رحل إلى الموصل. إلى أن مات بالسل. قال ابن الأثير: "كان مليحَ الشباب، تامَّ القامة، أبيضَ اللون، وكان عاقلًا وقورًا، قليلَ الالتفات, ولا يحِبُّ الظلم، على شُحٍّ فيه وجُبن". قال الذهبي عن سيف الدين غازي: "أدار الخمرَ والزنا ببلاده بعد موت عمِّه نور الدين، فمَقَتَه أهل الخير, وقد تاب قبل موته بيسير". توفي سيف الدين غازي بعد أن أُصيب بمرض السل آخِرَ أيامه، وطال به، ثم أدركَه في آخره السرسام- ورم في حجاب الدماغ تحدث عنه حمى دائمة- فمات في صفر. وعاش نحوًا من ثلاثين سنة وكانت ولايته عشر سنين وثلاثة أشهر، وكان لَمَّا اشتد مرضه أراد أن يعهَدَ بالملك لابنه معز الدين سنجر شاه، وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة، فخاف على الدولة من ذلك؛ لأن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان قد تمكَّن بالشام، وقَوِيَ أمره، وامتنع أخوه عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان لذلك، والإجابة إليه، فأشار الأمراءُ الأكابر ومجاهد الدين قايماز بأن يجعَلَ المُلْك بعده في عِزِّ الدين أخيه؛ لِما هو عليه من الكِبَر في السن، والشجاعة والعقل وقوة النفس، وأن يعطي ابنيه بعضَ البلاد، ويكون مرجِعُهما إلى عز الدين عمِّهما والمتولي لأمرهما مجاهد الدين قايماز، ففعل ذلك، وجعل المُلْك في أخيه، وأعطى جزيرةَ ابن عمر وقلاعها لولده سنجر شاه، وقلعة عقر الحميدية لولده الصغير ناصر الدين كسك، فلما توفي سيف الدين مَلَك بعده الموصل والبلاد أخوه عز الدين، وكان المدبر للدولة مجاهد الدين قايماز، وهو الحاكِم في الجميع، واستقَرَّت الأمور.