هو الشيخ الإمام العالم العلامة شهاب الدين المجدي أحمد بن رجب بن طيبغا، الشهير بابن المجدي الشافعي. مولدُه بالقاهرة في سنة 767، ونشأ بها، وتفقَّه على مذهب الشافعي، رضي الله عنه، ولازم علماء عصره، واجتهد في طلب العلم إلى أن برع في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية، وتصدر للإقراء والتدريس مدةً طويلة، وانتفع به الطلبة، وتفقَّه به جماعة من أعيان الطلبة، وكان له مشاركةٌ في علوم كثيرة لا سيما في الفرائض، والحساب، والهندسة، والميقات؛ فإنه فاق في هذه العلوم أهلَ عصره، وانفرد بها، وما برح مستمرًّا على الاشتغال والأشغال والتصنيف، ومصنفاته كثيرة مشهورة. توفى ليلة السبت حادي عشر ذي القعدة.
هو الشيخ الإمام العلامة المحدِّث المسنِد جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد الصالحي المعروف بابن المبرد، ويعرف أيضًا بابن عبد الهادي الدمشقي الصالحي الحنبلي المتقِن المتفنِّن، من فقهاء الحنابلة ومن أهل دمشق، ولد سنة 840 بالصالحية في دمشق، له مشاركة في عدة علوم، وله تصانيف كثيرة نحو الأربعمائة أكثرها بخطه، منها: مغني ذوي الأفهام في فقه الحنابلة, والإغراب في أحكام الكلاب, والجوهر المنضد في طبقات متأخري أصحاب أحمد, والشجرة النبوية في نسب خير البرية صلى الله عليه وسلم, والقواعد الكلية والضوابط الفقهية, وسير الحاث إلى علم الطلاق الثلاث, وغيرها من المصنفات.
تجمَّع أهلُ الوشم وسدير في بلدة القرين في ناحية الوشم يريدون غزوَ أهل شقراء بعد أن انضمَّ أهلها للدعوة, فبَقُوا في القرائن ثلاثة أيام وهم يناوشون أهل شقراء الحربَ، فلما علم بذلك الأمير محمد بن سعود- وكان أهل شقراء من السابقين في متابعةِ دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب- طلب منهم أن يخرُجوا إليهم ويشاغلوهم حتى يأتيَهم المددُ، ثم أرسل ابنَه الأمير عبد العزيز مع جنوده، الذي تمكن من هزيمة أهل الوشم وسدير، واضطرهم إلى الهروب إلى بلدة القرائن والاحتماء بها بعد أن قتلَ منهم 15 رجلًا، ثمَّ حصرهم في القرائن 20 يومًا حتى أيقنوا الهلاكَ، فخرجوا منها هاربين.
عزم الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود الحجَّ بالنَّاسِ الحَجَّةَ الثانية, وقد احتفلوا احتفالًا عظيما بالحَجَّة الأولى في السنة الماضية, وأجمل معه في الحجِّ غالب أهل نجد ومن تَبِعَهم من البوادي وغيرهم من النساء والأطفال، وخرج معه للحَجِّ ابنه الأمير سعود, ثمَّ إن الإمام عبد العزيز لما سار سبعة ووصل قرب الدوادمي المعروف في عالية نجد أيام، آنسَ من نفسه الملل والثِّقلَ فرجع للدرعية، وحَجَّ بالناس الأميرُ سعود واعتمروا وحجُّوا على أحسن حال، واجتمع سعود بالشَّريفِ غالب شريف مكة وبذل سعودٌ في مكة كثيرًا من الصدقات والعطاء، وكانت هذه حَجَّتَه الثانية.
بدأ الصدام بين آل خليفة ودولة الدرعية عام 1210هـ وعندما اشتَدَّ حصار قوات الدرعية على الزبارة ارتحل عنها أهلها جميعًا وانتقلوا إلى جزيرة أورال، حيث أقاموا في قرية الجو الواقعة على أحد المرتفعات جنوبي الجزيرة التي بدأت تُعرَف بالبحرين، ثم تعرَّضوا لهجوم سلطان مسقط الذي استطاع أخذ رهائن من البحرين، فاستعان آل خليفة بالإمام عبد العزيز عام 1218هـ حيث تمكَّنوا بمساعدتهم من استرجاع الرهائنِ واستعادة الجزيرة التي أصبحت تحت حُكم عمان، ومن وقتها توطَّدت العلاقة بينهما وخاصَّةً عندما عاد سليمان بن خليفة إلى حُكمِه بمساعدة الإمام سعود بن عبد العزيز عام 1224هـ.
عندما اندلعت الحرب العظمى انسحب الأتراك من عسيرٍ، أصبح الأمير حسن آل عائض حاكمًا لعسير، لكِنَّ قبائل قحطان وزهران نفرت منه بسبب استبداده، فأرسلوا إلى الملك عبدالعزيز يستعينون به عليه، فأرسل لهم علماء يعلِّمون الناس العلم وينشرون التوحيد، لكنَّ ابن عائض لم يحسِنْ استقبالهم واستمَرَّ في سياسته، فأرسل الملك عبدالعزيز حملةً بقيادة ابن عمه عبد العزيز بن مساعد بن جلوي أمير حائل ومعه قحطان وزهران، فهزموا ابن عائض وابن عمه محمد آل عائض في معركة حجلا؛ فأُسِرَا وأرسلا إلى الرياض، ثم أفرج عنهما وعادا إلى عسير كعمَّال للملك عبدالعزيز.
اختار الخُميني أبا الحسنِ بني صدر (وهو الذي كان يُرافِق الخُميني عندما رجَعَ إلى إيرانَ مِن فرنسا، وهو طَبيبٌ إيرانيٌّ متجنِّس بالجِنسيةِ الأمريكية) رئيسًا لِجُمهوريةِ إيرانَ الإسلامية، فرَشَّح نفْسَه يوم 8 ربيعٍ الأول 1400هـ، فحصَلَ على نِسبةٍ عاليةٍ من الأصواتِ، فأصبَحَ أوَّلَ رئيسِ جُمهوريةٍ في إيرانَ، وبقِي هو المشرِفَ على شُؤون الدولة والموجِّهَ لِإدارتها وللرَّعية، وكَلِمتُه هي المسموعةَ، وبيَدِه القوَّةُ الحقيقية، وكذلك أعطى الخُميني رئيسَ جُمهوريته منصبَ القائدِ العامِّ للقوات المسلَّحة، وكان أبو الحسن بني صدر يَعتمِدُ في قُوَّته على (مُجاهدي خلْق)، وعلى جَريدتِه التي تنطِقُ باسمِه (الثورة الإسلامية)، وعلى بعض ضُباط الجيشِ.
خرَج نُعيمُ بن مُقرِّن مِن واج رُوذ في النَّاس إلى دَسْتَبى، فلَقِيَهُ الزَّيْنَبِيُّ أحدُ قادةِ الفُرْسِ بمكان يُقال له: قِها مُسالِمًا ومُخالِفًا لمَلِكِ الرَّيِّ، وقد رأى مِن المسلمين ما رأى، فأقبل مع نُعيمٍ والمَلِكُ يَومئذٍ بالرَّيِّ وهو سِيَاوَخْشُ بن مِهران، فاسْتَمَدَّ أهلَ دَنْباوَنْد وطَبَرِستان وقُومِس وجُرْجان وقال المَلِكُ: قد عَلِمْتُم أنَّ هؤلاء قد حَلُّوا بالرَّيِّ، وإنَّه لا مُقامَ لكم، فاحْتَشِدوا له. فالتقوا مع المسلمين في سَفْحِ جبلِ الرَّيِّ، فاقتتلوا به، وقد دَبَّرَ الزَّيْنَبِيُّ حِيلَةً مع نُعيمٍ حيث أَدْخلَ المدينةَ خيلًا ليلًا، ولم يَشْعُرْ القومُ بهم، وبَيَّتَهُم نُعيمٌ بَياتًا فشَغَلَهُم عن مَدينتِهم، فاقتتلوا وصَبروا له حتَّى سَمِعوا التَّكبيرَ مِن وَرائِهم، ثمَّ إنَّهم انْهَزموا فقَتَلوا منهم مَقتَلةً عظيمةً، وأفاء الله على المسلمين بالرَّيِّ نحوًا مِن فَيْءِ المدائنِ، وصالَح نُعيمُ بن مُقرِّن الزَّيْنَبِيَّ على أهلِ الرَّيِّ ومَرْزَبَهُ عليهم نُعيمٌ، فلم يَزَلْ شرفُ الرَّيِّ في أهلِ الزَّيْنَبِيِّ الأكبرِ، ومنهم شَهْرام وفَرُّخان، وسقط آل بَهْرام، وأخرب نُعيمٌ مَدينَتَهُم، وهي التي يُقال لها: العَتيقَةُ -يعني مدينة الرَّيِّ- وأَمَر الزَّيْنَبِيُّ فبَنَى مدينةَ الرَّيِّ الحديثةَ, وكتَب نُعيمٌ إلى عُمَر بالفَتحِ، وأرسَل له الأخماسَ.
وليَ عيسى بن يزيد الجلودي مصرَ مِن قِبَل أبي إسحاقَ محمَّد المعتَصِم بعد قتل القيسيَّة واليمانية عميرَ بنَ الوليد الباذغيسي التميمي عامِلَ المعتَصِم على الصلاة، ولَمَّا قَدِمَ عيسى بن يزيد مصر، قصَدَه قيسٌ ويمن على العادةِ، وقد كثُرَ جَمعُهم من أهل الحوف وقطَّاع الطريق، فوقع لعيسى معهم حروبٌ وفِتَن، وجمع عساكِرَه وخرج إليهم حتى التقاهم بمنية مطَر (بقرب مدينة عينِ شَمس) وقاتلهم، فكانت بينهم حروبٌ هائلة انكسر فيها الأميرُ عيسى بمن معه، وقُتِل من عسكَرِه خلائِقُ، وانحاز إلى مصر، وبلغ المأمونَ ذلك، فعَظُمَ عليه وطلب أخاه أبا إسحاقَ محمَّدًا المعتَصِمَ وندَبَه للخروجِ إلى مصر، وقال له: امْضِ إلى عمَلِك وأصلِحْ شأنَه، وكان المعتَصِمُ شُجاعًا مِقدامًا؛ فخرج المعتصِمُ مِن بغداد في أربعةِ آلاف من أتراكِه وسافر حتى قَدِمَ مِصرَ في أيام يسيرةٍ، وعيسى كالمحصورِ مع أهل الحوف، وقبلَ دُخولِه إلى مصرَ بدأ بقتالِ أهل الحوف من القيسيَّة واليمانية وقاتَلَهم وهزَمَهم، وقتل أكابِرَهم ووضَعَ السَّيفَ في القيسية واليمانية حتى أفناهم، وذلك في شعبانَ مِن السنة، ومَهَّدَ البلادَ وأباد أهلَ الفساد، ثم دخل الفسطاطَ وفي خدمته عيسى الجلودي وجميعُ أعيان المصريين.
كان سبَب ذلك أنَّه لَمَّا وصل خبَرُ مقتل عمر بن عبيد الله، وعلي بن يحيى، أثناءَ غَزوِهما للروم للشاكريَّة والجند ببغداد وسامرَّا وما قرب منهما، وكانا من شجعان الإسلام، شَقَّ ذلك عليهم، وما لَحِقَهم من استعظامِهم قتلَ الأتراك للمتوكِّل، واستيلائِهم على أمور المسلمين، يقتلون من يريدون من الخُلَفاء، ويستخلفون من أحبُّوا من غير ديانةٍ، ولا نظَرٍ للمُسلمين، فاجتمعت العامَّة ببغداد وأخذوا في الصُّراخ، والنداء بالنفير، وانضَمَّ إليها الأبناء، والشاكرية تُظهِرُ أنَّها تطلب الأرزاق، ففَتَحوا السجون، وأخرجوا من فيها وأحرَقوا أحدَ الجسرين وقَطَعوا الآخَرَ، وانتهبوا دار بِشرٍ وإبراهيم ابنَي هارون، كاتبي محمد بن عبد الله، ثم أخرجَ أهلُ اليَسارِ من بغداد وسامرَّا أموالًا كثيرةً، ففَرَّقوها فيمن نهضَ إلى الثغور، وأقبلت العامَّةُ من نواحي الجبال وفارس والأهواز وغيرِها لغزو الروم، فلم يأمُر الخليفة في ذلك بشيءٍ ولم يوجِّهْ عسكرَه، ووثب نفرٌ من الناس لا يُدرى من هم بسامرَّا ففتحوا السجنَ، وأخرجوا من فيه، فبعث المستعينُ بالله في طَلَبِهم جماعةً من الموالي، فوثب العامَّةُ بهم فهزموهم، فركب بغا وأتامش ووصيفٌ وعامَّة الأتراك، فقَتَلوا من العامَّةِ جماعةً، فرُمِيَ وصيف بحجر، فأمَرَ بإحراق ذلك المكان، وانتهبت المغاربة، ثم سكَنَ ذلك آخرَ النهار.
هو الإمامُ القُدوةُ العابدُ المحَدِّثُ, شيخُ العراق, أبو عبدِ الله عُبيد الله بنُ محمد بن حمدان، العكبريُّ المعروف بابن بطَّة، أحدُ عُلماءِ الحنابلة، وُلِدَ سنة 304 في عُكبَرا – تقع عُكبَرا على نهرِ دجلة بين سامرَّاء وبغداد- قال ابن بطة: "كان لأبي ببغداد شُرَكاءُ, فقال له أحدُهم: ابعَثْ بابنك إلى بغدادَ؛ لِيَسمَعَ الحديث, قال: هو صغيرٌ. قال: أنا أحمِلُه معي, فحمَلَني معه, فجئتُ فإذا ابنُ منيعٍ يُقرأ عليه الحديثُ. فقال لي بعضُهم: سل الشَّيخَ أن يُخرِجَ إليك مُعجَمَه, فسألتُ ابنَه فقال: نريدُ دراهِمَ كثيرةً, فقلتُ: لأمِّي طاق ملحم آخذه منها وأبيعه. قال: ثم قرأنا عليه المُعجَم في نفرٍ خاصٍّ في نحو عشرةِ أيام"، وله تصانيفُ كثيرةٌ حافلةٌ في فنونٍ مِن العلومِ، وأشهَرُها كتابُ: الإبانة عن أُصولِ الدِّيانة، وغيرها من المصَنَّفات التي تزيدُ على المائة، سَمِعَ الحديثَ مِن البَغَوي، وأبي بكر النَّيسابوريِّ، وابن صاعد، وخَلقٍ في أقاليمَ مُتعَدِّدة، وعنه جماعةٌ مِن الحُفَّاظ، منهم أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأثنى عليه غيرُ واحد من الأئمَّة، وكان ممَّن يأمُرُ بالمعروف وينهى عن المنكر، كان صالحًا مُجابَ الدَّعوةِ، رحل إلى مكَّة والثغور والبصرة وغيرها في طلَبِ الحديثِ.
انقَرَضت دولةُ آلِ سامان على يدِ محمودِ بنِ سبكتكين، وإيلك الخان التركي، واسمُه أبو نصر أحمد بن علي، ولَقَبُه شمس الدولة، فأمَّا محمود فإنَّه مَلَك خُراسان، وبَقِيَ بيَدِ عبد الملك بنِ نوح ما وراء النَّهر، فلما انهزم من محمود قَصَدَ بُخارى واجتمع بها هو وفائِقُ وبكتوزون وغيرُهما من الأمراء والأكابر، فقَوِيَت نفوسُهم، وشَرَعوا في جمعِ العساكِر، وعَزَموا على العَودِ إلى خراسان، فاتَّفَق أن مات فائق، وكان موتُه في شعبان من هذه السنة، فلما مات ضَعُفَت نفوسهم، ووَهَنت قوَّتُهم، وبلغ خبَرُهم إلى إيلك الخان، فسار في جمعِ الأتراك إلى بخارى، وأظهر لعبدِ الملك المودَّة والموالاة، والحَمِيَّة له، فظَنُّوه صادقًا، ولم يحتَرِسوا منه، وخرج إليه بكتوزون وغيرُه من الأمراء والقُوَّاد، فلمَّا اجتمعوا قبَضَ عليهم، وسار حتى دخل بُخارى يوم الثلاثاء عاشِرَ ذي القَعدةِ، فلم يدرِ عبدُ الملك ما يصنَعُ لقِلَّةِ عدَدِه، فاختفى ونزل إيلك الخان دارَ الإمارة، وبثَّ الطَّلَب والعيونَ على عبد الملك، حتى ظَفِرَ به، فأودعه بافكند فمات بها، وكان آخِرَ ملوك السامانيَّة، وانقَضَت دولتُهم على يده، وكانت دولتُهم قد انتشرت وطَبَّقت كثيرًا من الأرض من حدود حلوان إلى بلاد الترك، بما وراء النهر، وكانت من أحسَنِ الدولِ سيرةً وعدلًا.
ظهر الأصفَرُ التغلبيُّ برأس عين -مدينة سورية تقع على الحدود التركية السورية-، وادَّعى أنَّه من المذكورينَ في الكتب، واستغوى قومًا بمَخاريقَ، وجمع جمعًا وغزا نواحيَ الروم، فظَفِرَ وغَنِمَ وعاد، وظهَرَ حَديثُه، وقوِيَ ناموسُه، وعاودوا الغزوَ في عدد أكثَرَ مِن العدد الأول، ودخل نواحيَ الروم وأوغل، وغَنِمَ أضعافَ ما غَنِمَه أولًا، وتسامع النَّاسُ به فقصدوه، وكثُرَ جَمعُه، واشتَدَّت شوكتُه، وثقُلَت على الروم وطأتُه، فأرسل ملك الروم إلى نصرِ الدَّولة بن مروان صاحِبِ ديارِ بكرٍ يقول له: إنَّك عالمٌ بما بيننا من المُوادَعة، وقد فعل هذا الرجلُ هذه الأفاعيل، فإن كنتَ قد رجعتَ عن المهادنةِ فعَرِّفْنا لنُدَبِّرَ أمْرَنا بحَسَبِه، واتَّفَق في ذلك الوقتِ أنْ وَصَل رسولٌ مِن الأصفَرِ إلى نصر الدَّولة أيضًا، يُنكِرُ عليه تركَ الغَزوِ والميلَ إلى الدعة، فساءه ذلك أيضًا، واستدعى قومًا مِن بني نمير وقال لهم: إنَّ هذا الرجلَ قد أثار الرومَ علينا، ولا قُدرةَ لنا عليهم، وبذَلَ لهم مالًا على الفتك به، فساروا إليه، فقَرَّبَهم، ولازَموه، فرَكِبَ يومًا غير متحَرِّز، فأبعد وهم معه، فعَطَفوا عليه وأخذوه وحَمَلوه إلى نصر الدَّولة بن مروان، فاعتقَلَه وسَدَّ عليه باب السِّجنِ، وتلافى أمرَ الرومِ.
هو قطبُ الدين مودود بن زنكي بن آقسنقر، المعروفُ بالأعرج صاحِبُ الموصل، وقد كان من أحسن الملوك سيرةً، وأعفِّهم عن أموال رعيَّته، مُحسِنًا إليهم، كثيرَ الإنعام عليهم، محبوبًا إلى كبيرهم وصغيرهم، عطوفًا على شريفهم ووضيعهم، كريمَ الأخلاق، حسَنَ الصحبة معهم, سريعَ الانفعال للخير، بطيئًا عن الشَّرِّ، جمَّ المناقب، قليلَ المعايب. تولى قطب الدين السلطنةَ بالموصل بعد موت أخيه سيف الدين غازي بن زنكي, وكان قطبُ الدين حسنَ السيرة، عادلًا في حكمه. وفي دولته عَظُمَ شأن جمال الدين محمد الوزير الأصبهاني المعروف بالجواد، وكان مدبِّرَ دولته, وصاحب رأيه الأمير زين الدين علي كجك، وكان نِعمَ المدبر والمشير لصلاحِه وخيرِه وحُسنِ مقاصده, ولم يزَلْ قطب الدين على سلطنته ونفاذ كلمتِه بالموصل وما حولها إلى أن توفي في شوال، وقيل في الثاني والعشرين من ذي الحجة. كان مرضُه حمى حادة، ولما اشتد مرضه أوصى بالملك بعده لابنه عماد الدين زنكي، ثم عدل عنه إلى ابنه الأكبر سيف الدين غازي, وكان له ثلاثةُ أولاد: سيف الدين غازي الذي تولى السلطنة بعده، وعز الدين مسعود تولى السلطنة بعد أخيه سيف الدين، وعماد الدين زنكي صاحب سنجار.
هو المَلِكُ الصالح علاءُ الدين ابن الملك المنصور قلاوون وَليُّ العهدِ توفِّيَ في يوم الأحد خامس عشر من رجب خرج السلطان مبرزًا بظاهر القاهرة يريد الشامَ، فركب معه ابنه الملك الصالح ثمَّ عاد الصالح إلى قلعة الجبل آخِرَ النهار، فتحَرَّك عليه فؤاده في الليلِ وكَثُرَ إسهاله الدموي وأفرط، فعاد السلطانُ لعيادته في يوم الأربعاء الثامن عشر ولم يُفِدْ فيه العلاج، فعاد السلطانُ إلى الدهليز من يومِه، فأتاه الخبر بشدة مرض الملك الصالح، فعاد إلى القلعة، وصَعِدَت الخزائن في يوم الثلاثاء أوَّلَ شعبان، وطلعت السناجق والطلب في يوم الأربعاء ثانيه، فمات الصالحُ بكرة يوم الجمعة رابعَه من دوسنطاريا كبديَّة، وتحدثت طائفةٌ بأن أخاه الملك الأشرف خليلًا سَمَّه، فحضر الناسُ للصلاة عليه، وصلى عليه بالقلعةِ قاضي القضاة تقي الدين بن بنت الأعز إمامًا، والسلطانُ خَلفَه في بقيَّة الأمراء والملك الأشرف خليل، ثم حُمِلَت جنازته، وصلى عليه ثانيًا قاضي القضاة معز الدين نعمان بن الحسن بن يوسف الخطبي الحنفي خارج القلعة، ودُفِنَ بتربة أمه قريبًا من المشهد النفيسي، وفي حادي عشر شعبان..