هو السلطان سليمان بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني، عاشر سلاطين بني عثمان، وثاني من حمل لقب أمير المؤمنين، ولد في غرة شعبان سنة 900هـ في طرابزون, وهو من أشهر سلاطين آل عثمان؛ حيث تميَّز عصره بالقوة والنفوذ، كان الغرب يلقِّبه بسليمان العظيم، وفي الشرق يلقب بسليمان القانوني, وبلغت الدولة العثمانية في مدته أعلى درجات الكمال. وكانت باكورةُ أعماله بعد توزيع النقود على الانكشارية تعيين مربِّيه قاسم باشا مستشارًا خاصًّا، وإبلاغ توليته على عرش الخلافة العظمى إلى كافة الولاة وأشراف مكة والمدينة بخطابات مفعمة بالنصائح والآيات القرآنية المبيِّنة فضل العدل والقسط في الأحكام، ووخامة عاقبة الظلم، وكان يستهِلُّ خطاباته بالآية الشريفة (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) تولى السلطنة عام 926هـ وأضاف للدولة العثمانية الكثيرَ من الولايات والأراضي الواسعة التي شملت عددًا من عواصم الحضارات والدول، كأثينا وصوفيا وبغداد ودمشق وإسطنبول وبودابست وبلغراد والقاهرة وبوخارست وتبريز, حيث قاد القانوني الجيوشَ العثمانية لغزو معاقل وحصون الأوروبيين في أغلب أراضي المجر قبل أن يتوقَّف عند أسوار فيينا, كما ضمَّ أغلب مناطق البلاد العربية أثناء صراعه مع الصفويين ومناطق من شمال فريقيا حتى الجزائر، وسيطرت أساطيلُه على بحار المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر حتى الخليج العربي. تلقَّب بالقانوني؛ لأنَّه جمع الشرائع المؤسَّسية على أصل إسلامي، ورتبها في مجموعة ظلَّت بموجبها الشريعة الوحيدة المعمول بها، توفي في أثناء حصاره إحدى القلاع في النمسا في العشرين من صفر من هذا العام، بعد أن دامت مدة حكمه قرابة ثمانٍ وأربعين سنة، وتولى العرش بعده ابنه سليم وبدأ عصر الضعف في الدولة العثمانية.
هو الشيخ الفاضل محمد بن علي بن حامد بن صابر بن الفاروقي التهانوي الهندي الحَنَفي: أحدُ رجال العلم، اشتُهر بكتابه الشهير: كشاف اصطلاحات الفنون. عاش التهانوي في عصر سلاطين الدولة المغولية في الهند، فأدرك طَرَفًا من عهد الإمبراطور أورنغ زيب عالمكير الذي عرفت الهندُ في عصره حركةً علمية ثقافية نَشِطةً بتشجيعه لها. وقد قيل: إن التهانوي كان قاضيًا في قريته تهانة في عصر هذا الإمبراطور. نشأ التهانوي في بيئة علمية، نهل من ينابيعها؛ إذ كان والده من كبار العلماء حتى لُقِّب بقطب الزمان، في هذا الجوِّ المفعم بالزاد والنشاط العلميين عاش التهانوي، فنهل من ينابيع المعرفة وبحار العلم. وجال على الحواضِرِ يلتقي العلماءَ ويستمع إليهم يأخُذُ عنهم وينكبُّ على بحثِه, فلا عجب أن أورد في تقديمه الكشاف قوله: "لَمَّا فرغت من تحصيل العلوم العربية والشرعية من حضرة جناب أستاذي ووالدي، شمَّرت عن ساق الجِدِّ إلى اقتناء ذخائر العلوم الحكمية الفلسفية من الحكمة الطبيعية والإلهية والرياضية كعِلم الحساب والهندسة والهيئة والإسطرلاب ونحوها. فلم يتيسر لي تحصيلًا من الأساتذة، فصرفت شطرًا من الزمان إلى مطالعة مختصراتها الموجودة عندي، فكشفها الله عليَّ، فاقتبست منها المصطلحات وسطَّرتُها على حدة في كل بابٍ يليق بها" كان قرأ النحوَ والعربية على والده وتفَقَّه عليه, ثم طَفِق يقتني ذخائِرَ العلوم الحكمية، فجمع الكتب، ولم يتَّفِقْ له تحصيلُها على الأساتذة، فصرف شطرًا من الزمان في مطالعة الكتب الموجودة عنده, فجمع في مصنَّفِه الكشَّاف- الذي يعتبر معجمًا لغويًّا فنيًّا- مصطلحاتِ العلوم وتعريفَها، وشرَحَ الموضوعات العلمية الاصطلاحية حسب العلم ورتبه أبجديًّا. وقد فرغ من تصنيفه سنة 1158, وقد اختُلف في تاريخ وفاته، والمتَّفق عليه أنَّه توفي بعد سنة 1158.
قام أهل بلبيس بالحضور إلى الشيخ وشكَوا إليه محمد بيك الألفي وظُلم أتباعه، فذهب الشيخ الشرقاوي للأزهر وجمع المشايخ وقفَّلوا أبواب الجامع، وذلك بعدما خطب مراد بيك وإبراهيم بيك، وفعلوا مثل ذلك اليوم الثاني، وأمروا الناسَ بغلق الأسواق والحوانيت، ثمَّ ركبوا مع جمعٍ كبير من العامَّةِ إلى بيت الشيخ السادات، وازدحم الناسُ فحضر الدفتردار أيوب بيك، فقالوا له إنَّ مرادهم هو رفعُ الظلم والجَور، وتطبيقُ العدل وإقامة الشرع وإبطال الحوادث والمكوس المبتدعة، فقال: الدفتردار: إن ذلك لا يمكِنُ لأنَّه يضيِّقُ على معيشة المماليك، فقيل له: هذا ليس بعذرٍ عند الله ولا عند الناسِ، ولا داعي للإكثارِ مِن النفقات وشراء المماليك، ثم عاد المشايخ إلى الأزهر ومعهم أهل الأطراف وباتوا في المسجد، وأرسل إبراهيم بيك يشجعهم وأرسل إلى أيوب بيك يخوِّفه عاقبة الأمر، فأجاب إلى جميع ما ذكروه إلَّا شيئين: ديوان بولاق، وطلب المنكسر من الجامكية، وما عدا ذلك من المكوس والحوادث والظلم فيُرفع، ثم اجتمع الأمراءُ وأرسلوا إلى المشايخ، فحضر الشيخ الشرقاوي والبكري والنقيب والسادات، ودار الكلام بينهم والتزموا بما شرطه العلماءُ عليهم وانعقد الصلحُ على أن يدفعوا سبعمائة وخمسين كيسًا موزعة وأن يرسِلوا غلال الحرمين ويَصرِفوا غلالَ الشون وأموال الرزق، ويُبطلوا المظالم المحدَثة والتفاريدَ والمكوس ما عدا بولاق، وأن يكفُّوا أتباعهم عن مدِّ أيديهم إلى أموالِ الناس وأن يسيروا في الناس سيرةً حسنة، وكتب حجَّةً بذلك وفرمن عليها الباشا، وختم عليها إبراهيم بيك وأيوب بيك، وانجَلَت الفتنة، ولكنَّ الحالَ لم يدُمْ أكثر من شهر حتى عاد ما كان على ما كان وزيادة.
هو الخليفةُ العثماني السلطان محمود خان الثاني بن عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني. تولى السلطنةَ في 20 يوليو 1785م، وكان السلطان الثلاثين للدولة العثمانية، شَهِدَ عَصرُه خطواتِ إصلاحٍ واسِعةً، وقد اتَّسم عهدُه بالتوجه للغرب العلماني، وهو الذي أمَرَ محمد علي باشا مصرَ أن يجهِّزَ الجيوش على الدَّولةِ السعودية الأولى بعد أن ضَمَّت بلاد الحجاز لحُكمِها، فأغار عليها الباشا محمد علي بجيوشِه المتتالية حتى قضى عليها ودمَّر الدرعيَّةَ مَقَرَّ الحكمِ فيها، ولا تزال جيوشُه تتابع على غزو نجد بعد استرجاعِ الإمام تركي بن عبد الله الحُكمَ السعودي في نجد. والسلطانُ محمود هو الذي تخلَّصَ من الانكشارية لَمَّا وقفوا ضِدَّ الإصلاحات والتنظيمات المدنية والعسكرية التي تبنَّاها، فقضى عليهم تمامًا عام 1240هـ، وفي عهده استقَلَّت اليونان عن الدولة العثمانية بدعمٍ وتأييدٍ فرنسي وروسي وبريطاني، كما أنهكت الدولةَ العثمانية كثرةُ الحروبِ مع روسيا، ومحمد علي باشا والي مصر الطَّموح الذي يتطَلَّعُ إلى ضَمِّ بلاد الشام إلى ولايته، ووقعت الجزائِرُ تحت الاحتلال الفرنسي في سنة 1245 هـ 1830م. تعَرَّض السلطان محمود للإصابةِ بعدوى السل، ولَمَّا اشتَدَّ به المرض نُقِلَ إلى إحدى ضواحي استانبول للاستشفاء بهوائها النقي، ثم لم يلبَثْ أن عاجلته المنية، فتوفي في التاسع عشر من ربيع الثاني من هذا العام عن عمر أربع وخمسين سنة، بعد أن دام في الحُكمِ ثلاثًا وعشرين سنة وعدة أشهر، وتولَّى ابنُه عبد المجيد الأول خلَفًا له، وعمرُه دون الثامنة عشرة.
حدثت أزمة حدودية بين نجد والكويت حول واحة البلبول جنوب الكويت والتي تبعد عن ميناء الجبيل عشرين ميلا عند ما بنى فيها سالم الصباح حاكم الكويت حصنا فاحتج الملك عبدالعزيز وكتب لابن الصباح يؤكد فيها أن البلبول ضمن أراضيه ويطلب منه وقف التوسع في بناء الحصون لكن ابن صباح رفض هذا التحذير فبنى الملك عبدالعزيز قرية بالقرب من البلبول وعلى الرغم من حدوث سلسلة من المراسلات والاتصالات التي توسطت بها بريطانيا بين الطرفين إلا أن المواجهة العسكرية قد حدثت بين الطرفين في الجهراء عندما هجم فيصل الدويش زعيم مطير وأحد قادة الإخوان (إخوان من أطاع الله) على الجهراء -قرية كبيرة في الكويت- ومعه أربعة آلاف مقاتل من الإخوان ووصل الدويش إلى الصبيحة شمالا وهجموا على قوات ابن الصباح الذين تقهقروا إلى القصر الأحمر، وقرر الإخوان الانسحاب والعودة إلى الصبيحة وعدم التوغل في الكويت، فطلب ابن الصباح نجدة السلطات البريطانية فوصلت طائرات بريطانية من العراق وحلقت فوق قوات الإخوان وألقت عليهم المنشورات تأمرهم بالتراجع عن الصبيحة فانسحب الدويش بقواته لما أدرك تصميم السلطات البريطانية على حماية الكويت، وأرسل برسي كوكس المعتمد البريطاني في الخليج إلى الملك عبدالعزيز يحتج على اعتداء الإخوان على الكويت وطلب منه أن يسحب قواته إلى أراضيه فوافق الملك عبدالعزيز وتعهد بعدم الهجوم على الكويت إذا ما كف سالم بابن الصباح عن التآمر على نجد والتعاون مع خصومه وخاصة ابن رشيد. ثم ارسل الملك عبدالعزيز إلى كوكس يؤكد له أنه لم يأمر الدويش بالهجوم على الجهراء وإنما تحشد سالم ابن الصباح قواته زاد من توتر الموقف ثم أغارت قوات ابن الصباح على أتباعه وسلبت الأموال والجمال وقتلت الرجال ثم عادت إلى الجهراء.
لَمَّا بلغ عبد العزيز أنَّ ابن بجاد زعيم عتيبة وأمير الغطغط -أول هجرة لقبيلة عتيبة- التقى بجماعةٍ مِن تجار القصيم فقتَلَهم واستباح أموالَهم، أذن بالزَّحفِ على الإخوان العصاةِ، فاجتمع مع عبد العزيز على حَربِ المتمرِّدين من الإخوان (إخوان من أطاع الله) حَضَرُ نجدٍ وبوادي حرب وقحطان وسبيع من الإخوان، وقِسْم من عتيبة المعارضين للدويش وابن بجاد، وخرج بهم عبد العزيز في 22 رمضان من هذا العام، وقد تجمَّعت قواتُ فيصل الدويش وابن بجاد في مكانٍ يقال له روضة السبلة -بين الزلفي والأرطاوية- وفي يوم 18 شوال 30 مارس هاجم الإخوانُ بقيادة فيصل الدويش زعيم مطير جيوشَ الملك عبد العزيز، وحملت عليهم قواتُ الملك عبد العزيز حملةً عنيفة لم يقدِروا على رَدِّها، ولم ينتصف النهار حتى ولَّى الإخوانُ الأدبارَ، ففَرَّ ابنُ بجاد من المعركة، وجُرِحَ الدويش فتمكَّنَ أحدُ أتباعه أن ينجوَ به إلى الأرطاوية، ثم حُمل جريحًا إلى الملك يحوطُ به بناتُه وزوجته وهنَّ يبكين يستشفِعْنَ فيه، وأُنزِلَ بين يديه فالتفت إليه الملك قائلًا: هذا فِعلُك بيدك، فأجاب الدويش: يا الإمامُ إن عاقَبْتَ فبذنوبنا، وإن عفَوْتَ فأنت أهلُ العفو، فعفا عنه، وبعد ثلاثة أيام استسلم ابن بجاد في مدينة شقراء، فأمر بسَجنِه في الأحساء؛ لأنَّه كان أكثر قادة الإخوان قناعةً بمبادئه وإيمانه بها؛ ولذلك لم يأمن الملك عبدالعزيز أن يعاوِدَ ابن بجاد انتفاضته لاحقًا ضد الدولة، كما أمر بتدمير بيوتِ الغطغط وأخْذ أسلحتهم؛ لإنهاء مقاومة ابن بجاد تمامًا، ثم أمر الملك ولده وأخاه بتأديبِ العصاة من الإخوان حَسَبَ درجاتِهم، كما أمر ابن جلوي بتأديبِ العجمان في شرق البلاد.
هو الشيخُ المجاهِدُ عُمَرُ بنُ مختار بن عمر المنفي، نسبةً إلى قبيلة منفة في بادية برقة بليبيا، تعلم في الزوايا السنوسية، وجعله محمد المهدي السنوسي شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر، خرج لجهادِ الطليان بعد أن احتلُّوا مدينة بنغازي عام 1329هـ وصَمَد للعدو صمودًا منقَطِعَ النظير جعَلَه في أوائل الأبطال في الجهاد الليبي ضِدَّ الطليان، كانت منطقة المختار برقة ثابتةً منيعةً. وتهادن الإيطاليون والطرابلسيون سنة 1340هـ، ودبَّ الخلافُ في زعماء طرابلس وبرقة، وتجدَّدت المعركة مع الإيطاليين، فتولى عمَرُ قيادة الجبل الأخضر وتلاحقت به القبائِلُ، واتفق الرؤساءُ على أن يكون هو القائِدَ العامَّ والرئيس الأعلى للمجاهدين. وهاجمتهم القوى الإيطالية، فردُّوا هجومها، وغَنِموا منها آلاتٍ حربية ومؤنًا غير قليلة. وأشهر ما نشب من المعارك معركة الرحيبة وعقيرة المطمورة وكرِسة، يقول غراتسياني القائد العام الإيطالي في بيان له عن الوقائع التي نشبت بين جنوده والسيد عمر المختار: إنها "كانت 263 معركةً في خلال عشرين شهرًا" هذا عدا ما خاضه المختار من المعارك في خلال عشرين سنة قبلَها. وبينما هو في سرية من رجالِه تُقدَّر بخمسين فارسًا بناحية سلطنة بالجبل الأخضر يستطلع مواقِعَ العدو فوجئ بقوةٍ مِن الأعداء أحاطت به فقاتَلَها، واستُشهِدَ أكثَرُ من كان معه، وأصيب هو بجراحٍ بعد أن عُقِرَ جَوادُه، فانقض عليه الطليان وحُمِل أسيرًا وهو لا يُعرَف، ثم حمل إلى سوسة فعرفوه، فنقل بطراد إلى بنغازي وسُجِنَ أربعة أيام ثم حقَّقوا معه، ثم أُعدِمَ شنقًا في مركز سلوق ببنغازي في 4 جمادى الأولى وعمره يومها خمسة وسبعون عامًا، ومع ذلك كان يجاهِدُ على جواده يقوم بنفسه بالاستطلاع، فرَحِمَه اللهُ وقَبِلَه عنده في الشهداءِ.
هو محمد بن عبد الكريم الخطابي (بالأمازيغية موحند نعبد لكريم لخطابي) الذي اشتُهِر بين الريفيين بـ (عبد الكريم الخطابي)، وهو قائدُ الثورة المغربية في منطقة الريف شماليَّ المغرب. وُلِدَ سنة 1299هـ / 1882م في أجدير قرب الحسيمة، من ريف المغرب. وُلِدَ في بيت علمٍ وجهادٍ، من قبيلة "ورياغل" إحدى كبريات القبائل البربرية في جبال الريف. حَفِظ القرآن وبَعَثه والِدُه إلى القرويين بفاس، فتعَلَّم وعاد إلى الريفِ، وأقام في مدينة مليلة فوَلِيَ قضاءَها. وامتد احتلالُ الإسبان من مليلة وتطوان إلى (شفشاون)، فأظهر عبد الكريم والد محمد معارضتَه لهم، وكان من أعيان القوم، فانتقم الإسبانُ منه بعزل ابنه محمد من القضاء واعتقاله في سجن كبالرزا سنة 1920م، وأراد محمدٌ الفرار من المعتقل فسَقَط وكُسِرَت ساقه، فأُطلِق من سِجنِه، فجمع محمد الخطابي أنصارًا من ورياغل (قبيلته) وقد آلت إليه زعامتُها بعد أبيه، وقاتل الإسبانَ، فظَفِرَ في معركة (أنوال) من جبال الريف في يوليو 1921 / 1339 ه، وتتابعت معاركه معهم؛ فاستردَّ شفشاون -مدينة في شمال المغرب- 1925م وحاول استردادَ تطوان، وقُدِّر عددُ جيشه بمئة ألف. أنشأ جمهورية الريف، وخاف الفرنسيون امتداد الثورة إلى داخل المغرب، فتحالفوا مع الإسبان ضِدَّه. فأطبقت عليه الدولتان، فاستسلم مُضطرًّا إلى الفرنسيين في 25 مايو 1926م / 12 ذي القعدة 1344هـ بعد أن وعدوا بإطلاق سراحه، ولكنَّهم لم يَفُوا به. فنفوه إلى جزيرة (رينيون) في بحر الهند شرقيَّ إفريقية؛ حيث مكث 20 عامًا, فلما أردوا نَقْلَه إلى فرنسا سنة 1947 م، 1366 هـ وبلَغوا السويس تمكَّن الخطابي أن يهرب من الباخرة واستقَرَّ في القاهرة إلى أن توفِّيَ رحمه الله بها بسكتة قلبية.
تقع جزرُ القمر (القمر الكبرى وأنجوان وموحلي ومايوت) في المحيط الهنديِّ على مقرُبةٍ من الساحلِ الشرقيِّ لإفريقيا، وأقربُ الدول إليها موزمبيق وتنزانيا ومدغشْقَر وسيشل. أصبحتْ جزرُ القمرِ تحت الحماية الفرنسيةِ بسبب استعانةِ بعض السلاطينِ على بعضِهم بالفرنسيِّين، فأصبحوا يتعاهدون مع الفرنسيِّين ضدَّ بعضهم، واستطاعت فرنسا أن تجعلَ الجزر تحت حمايتِها، ثم ألحقَت جزر القمر بجزيرة مدغشقر المحتلَّة من قِبَل فرنسا أيضًا وبقِيَت عامينِ على هذا، ثم رجعت مستعمَرة فرنسيةً لا ترتبط بغيرها، واستمرَّ الوضعُ على ذلك حتى الحرب العالميَّة الثانية، ثم فرضت إنجلترا سيطرتَها على الجزُرِ في أثناءِ الحرب بعدَ هزيمة فرنسا أمام الألمانِ، وبعدَ الحرب عادت لفرنسا، ثم أيَّدت الجزر دستورَ ديغول الخاصِّ بالدول المستعمرةِ الفرنسية، وبالتالي مُنحت الجزر الحكم الذاتيَّ مع بقاء المطالبةِ بالاستقلال التامِّ عن فرنسا. في عام 1392هـ / 1972م قرَّر المجلس النيابي إصدار بيان يطالبُ فيه بالاستقلالِ التامِّ والانفصال عن فرنسا التي أجرت استفتاءً في ذي الحجة من عام 1394هـ / ديسمبر 1974م؛ حيثُ أيَّد الغالبيةُ العظمى الاستقلالَ التامَّ والانفصال عن فرنسا، ثم أُعلن الاستقلال في 27 جمادى الآخرة 1395هـ / 6 تموز، وأُعلن عن اختيارِ أحمد عبد الله رئيسًا للدولة الجديدةِ، ووافقت فرنسا على استقلالِ الجزرِ عدا جزيرة مايوت؛ فقد كان معظمُ سكَّانها ضد الاستقلال التامِّ أيامَ الاستفتاءِ، ووعدتها فرنسا أنها ستبقى ضمنَ إطار المجموعة الفرنسيةِ، ثم طُولب بوحدةِ جزر القمر كلِّها، ولم تعترف فرنسا باستقلال جزيرة مايوت، ثم تمَّ قبول دولة جزر القمر بالأممِ المتَّحدةِ في عام 1396هـ / 1976م ورضخت فرنسا للأمر الواقع، واعترفت باستقلال الجزرِ جميعها.
وُلد الشيخُ سنةَ (1352هـ) في إحدى قرَى القويعيةِ، ونشأَ في بلدة الرين، وابتَدَأ بالتعلُّمِ في عام (1359هـ). وأتقن القرآنَ وسِنُّه اثنا عشر عامًا، وتعلَّم الكتابةَ وقواعِدَ الإملاء، ثم ابتَدَأ في الحفظِ وأكمَلَه في عام (1367هـ). وكان قد قرأ قبلَ ذلك في مبادئِ العلومِ؛ ففي النحو قرأ على أبيه أوَّلَ "الآجرومية"، وكذا متنَ "الرَّحبيَّة في الفرائض"، وفي الحديثِ "الأربعين النووِيَّة" حفظًا، و"عُمدة الأحكام" بحفظِ بَعضِها. وبعد أن أكمَلَ حِفظَ القرآنِ ابتدَأَ في القِراءةِ على شيخِه الثاني بعد أبيه وهو الشيخ عبدُ العزيز بنُ محمدٍ الشثري، المعروفُ بأبي حبيبٍ، وكان جلُّ القراءة عليه في كتبِ الحديثِ ابتداءً بـ"صحيح مسلم"، ثم بـ"صحيح البخاري"، ثم "مختصر سنن أبى داود"، وبعض "سنن الترمذي" مع شَرحِه "تحفة الأحوذِيِّ". كما قرأ في كتبٍ أخرى في الأدبِ والتاريخِ والتَّراجمِ. واستمَرَّ إلى أوَّلِ عامِ أربعٍ وسبعين؛ حيث انتَقَل مع شيخِه أبي حبيبٍ إلى الرياضِ وانتظم طالبًا في معهدِ إمام الدعوةِ العلميِّ؛ فدَرَس فيه القِسمَ الثانويَّ في أربعِ سنواتٍ وحَصَل على الشهادةِ الثانويَّة عامَ (1377هـ)، ثم انتَظَم في القسمِ العالي في المعهد المذكور ومدَّتُه أربعُ سنواتٍ، ومُنِح الشهادةَ الجامعية عامَ (1381هـ)، وعُدِّلت هذه الشهادةُ بكليَّة الشريعة. وفي عام (1388هـ) انتَظَم في معهدِ القضاءِ العالي ودَرَس فيه ثلاثَ سنواتٍ، ومُنِحَ شهادَةَ الماجستير عامَ (1390هـ)، وبعد عشرِ سنين سجَّل في كلية الشريعة بالرياضِ للدكتوراه وحَصَل على الشَّهادةِ في عام (1407هـ) بتقدير ممتازٍ مع مرتبة الشرف، وأثناءَ هذه المُدَّةِ وقبلَها كان يقرأ على أكابِرِ العُلَماءِ، ويحضُر حَلَقاتِهم. وجاءت وفاةُ الشيخِ بعد معاناةٍ طويلةٍ مع المرضِ، سافَرَ خلالَها في رحلةٍ علاجيةٍ إلى ألمانيا، ثم عاد إلى المستشفى التخصُّصي بالرياض حيث وافَتْه المنيةُ؛ فرَحِمه الله تعالى.
هو الشيخُ شُعيبُ بنُ مُحرَّمٍ الألبانيُّ الأرناؤوطُ، وُلِدَ عامَ 1928 في العاصمةِ السوريةِ دمشقَ، وهو يَنحدِرُ من أسرةٍ ألبانيَّةِ الأصلِ، هاجرَتْ إلى دِمَشقَ سنةَ 1926، وكان والدُه من أهلِ العِلمِ. درَسَ اللغةَ العربيةَ في سِنٍّ مُبكِّرةٍ، وتعلَّم مبادئَ الإسلامِ، وحفِظَ أجزاءً كثيرةً من القرآنِ الكريمِ. تتلمَذَ في علومِ العربيةِ على كِبارِ أساتِذَتِها وعُلمائِها في دمشقَ آنَذاكَ، منهم الشيخُ صالحٌ الفَرفورُ، والشيخُ عارفٌ الدوجيُّ اللذان كانا من تلاميذِ علَّامةِ الشامِ في عَصرِه الشيخِ بَدرِ الدينِ الحَسَنيِّ. وبعدها اتَّجَهَ لدراسةِ أصولِ الفقهِ، خاصَّةً فيما يتعلَّقُ بالمذهَبِ الحَنَفيِّ، إضافةً إلى دراستِه تفسيرَ القرآنِ الكريمِ، والحديثَ، وكُتُبَ الأخلاقِ، إلى أنْ تخصَّصَ في عِلمِ السُّنَّةِ والحديثِ، واشتغَلَ بتحقيقِ التُّراثِ العربيِّ الإسلاميِّ، وكانت بِدايتُه الأولى في المكتَبِ الإسلاميِّ بدِمَشقَ عامَ 1958؛ حيثُ ترأَّسَ فيه قِسمَ التحقيقِ والتصحيحِ مُدَّةَ عِشرين عامًا، حقَّق فيها أو أَشرَفَ على تحقيقِ عشَراتِ المُجَلَّداتِ من أُمَّهاتِ كُتبِ التراثِ في شتَّى العلومِ. ومن أهمِّ أعمالِه تحقيقُ الكتُبِ التاليةِ: ((شَرحِ السُّنَّةِ للبَغَويِّ))، و((رَوضةِ الطَّالِبِينَ)) للنَّوَويِّ، بالاشتراكِ مع الشيخِ عبدِ القادرِ الأَرنَؤُوط، و((سِيَرِ أَعلامِ النُّبَلاءِ)) للذَّهَبيِّ، و((الإحسانِ في تقريبِ صَحيحِ ابنِ حِبَّانَ))، و((سُنَنِ النَّسائيِّ الكُبرى))، بالاشتراكِ مع حسن شلبي، و((مُسنَدِ الإمامِ أحمدَ بنِ حَنبَلٍ)). وقد تخرَّجَ على يدِ الشيخِ شُعَيبٍ في التحقيقِ عَددٌ من طَلَبةِ العلمِ، منهم: محمد نعيم العرقسوسي، وإبراهيم الزيبق، وعادل مرشد، وأحمد برهوم، ورضوان العرقسوسي، وغيرُهم. تُوفِّي الشيخُ شُعَيبٌ -رَحِمَه اللهُ- في العاصمةِ الأُردنيَّة عَمَّانَ عن عُمرٍ تجاوزَ 90 سنةً.
هو الشيخُ محمد محمد الراوي عضوُ مَجمَعِ البحوثِ الإسلاميةِ، وعضوُ هيئةِ كِبارِ العلماءِ بالأزهرِ. وُلِدَ في قريةِ "ريفا" محافظةَ أسيوطَ غُرَّةَ فبرايرَ 1928م. حَفِظَ القرآنَ الكريمَ في سنٍّ مُبكِّرةٍ في القريةِ، حيثُ كانت المعاهدُ الأزهريةُ لا تَقبَلُ الطالبَ في السنةِ الأولى إلا بحِفظِ القرآنِ الكريمِ كُلِّه. وبعد الانتهاءِ من الدراسةِ في معهدِ أسيوطَ تقدَّم إلى كُليَّةِ أصولِ الدينِ بالقاهرةِ، وحصَلَ منها على الشهادةِ العالِميَّةِ عامَ 1954م. وحصَلَ على الشهادةِ العالِميَّةِ مع تخصُّصِ التدريسِ من كُليَّةِ اللُّغةِ العربيةِ عامَ 1956م. وعمِلَ بعد تخرُّجِه بقسمِ الدعوةِ في وزارةِ الأوقافِ، ثم أصبَحَ مُفتِّشًا عامًّا في مراقبةِ الشُّؤونِ الدينيةِ. نُقِلَ بعدها إلى مَجمَعِ البحوثِ الإسلاميةِ بالقاهرةِ، وعَمِلَ بالمكتبِ الفنِّيِّ بالمَجمَعِ. وابتُعِثَ من الأزهرِ إلى نيجيريا لتدريسِ اللغةِ العربيةِ وعُلومِ القرآنِ، وطُلِبَ لجامعةِ الإمامِ محمدِ بنِ سعودٍ الإسلاميةِ بالرياضِ، وانتَقَلَ إليها بدايةً من العامِ الدراسيِّ 1390هـ، واستمرَّ بها مدةً تزيدُ على خمسٍ وعشرين سنةً عَمِلَ خلالها في: كليَّةِ اللغةِ العربيةِ مُدرِّسًا للتفسيرِ والحديثِ، وكليةِ العلومِ الاجتماعيةِ من بدايةِ إنشائِها، وأسهَمَ في قيامِ كليَّةِ أصولِ الدِّينِ، وعمِلَ بها أستاذًا للقرآنِ وعلومِه، ورئيسًا لقسمِ القرآنِ أكثَرَ من ثلاثةَ عشَرَ عامًا، وأسهَمَ في إنشاءِ المعهدِ العالي للدعوةِ الإسلاميةِ، وقام بإلقاءِ المُحاضَراتِ فيه، وأشرَفَ على كثيرٍ من الرسائلِ العلميَّةِ ما بين ماجستير ودكتوراه في كليةِ أصولِ الدينِ وغيرِها من كليَّاتِ الجامعةِ. واشترك في مناقشةِ كثيرٍ من الرسائلِ العِلميةِ في جامعةِ الإمامِ محمدِ بن سعودٍ، وجامعةِ أمِّ القُرى بمكةَ المكرمةِ، والجامعةِ الإسلاميةِ بالمدينةِ المنوَّرةِ، وجامعةِ الملكِ سعودٍ. تُوفِّيَ -رحمه الله- في القاهرةِ عن عمرٍ ناهزَ 89 عامًا. وصُلِّيَ عليه في الجامعِ الأزهرِ.
ولِدَ الشيخُ الدكتورُ محمد أديب الصالح في مدينةِ قطنا -جنوبَ غَربِ دِمَشقَ- في العامِ 1926 م، وعاش يتيمًا، ولكنَّ والدتَه عوَّضَتْه عن عنايةِ الوالدِ بانقطاعِها لرِعايتِه، والاهتمامِ بشَأنِه، وقد بدأ تعليمَه في إحدى مدارسِ قطنا الابتدائيةِ، ومنها انتقل إلى دِمَشقَ، حيثُ أحرَزَ شهادةَ الكفاءةِ العامَّةِ ثم شَهادةَ الكليةِ الشرعيةِ، التي كانتْ تُعَدُّ مَعهدًا عِلميًّا رفيعَ المستوى، ثم حصَلَ على الثانويةِ الشرعيةِ مع الثانويةِ العامَّةِ عامَ 1946م، وبذلك تهيَّأ للدراسةِ الجامعيةِ، ثم أُوفد إلى الأزهَرِ عامَ 1947م، والتحَقَ بكليَّةِ أصولِ الدِّينِ، ثم تفرَّغَ للتدريسِ، فعَمِلَ في ثانويَّاتِ حلَبَ ودِمَشقَ ودُورِ المعلِّمين ما بين العامَينِ 1949 و1956. وأُسنِدَت إليه مُهمَّةُ مُعيدٍ في كليَّةِ الشريعةِ بجامعةِ دِمَشقَ، وأُوفِدَ إلى جامعةِ القاهرةِ لتحضيرِ الإجازةِ العليا -الدكتوراه- في كليةِ الحقوقِ، وكان موضوعُ أُطروحَتِه (تفسيرَ النصوصِ في الفقهِ الإسلاميِّ- دراسة مقارِنة) التي أحرَزَ بها مرتبةَ الشَّرَفِ الأولى مع التبادلِ بين الجامعاتِ. من شُيوخِه: الشيخُ محمد أبو زهرة، والشيخُ علي الخفيف، والشيخُ فرج السنهوريُّ. ثم عادَ إلى دمشقَ ليستأنِفَ عمَلَه في جامِعَتِها والتدريسَ فيها، ثم أُعيرَ إلى الجامعةِ الأردنيَّةِ لتدريسِ التفسيرِ والحديثِ والثقافةِ الإسلاميةِ على مدى سنتَينِ، ثم استُقدِمَ بعدَها أستاذًا زائرًا إلى جامعةِ الملكِ سُعودٍ -الرياض آنَذاك-، وكذلك دُعِيَ زائرًا إلى جامعةِ الإمامِ محمدِ بنِ سعودٍ الإسلاميةِ، وإلى كليةِ التربيةِ للمعلمين والمعلمات في قطَرَ، حتى استقرَّ أخيرًا في جامعةِ الإمامِ محمد بنِ سعودٍ الإسلاميةِ. تولى فيها رئاسةَ قِسمِ السُّنَّة وعلومِها، إلى جانبِ مُشاركاتِه في مناقشةِ رسائلِ الماجستير والدكتوراه فيها، وفي كلٍّ من الجامعةِ الإسلاميةِ في المدينةِ المُنوَّرةِ، وجامعةِ أمِّ القرى بمكةَ المكرمةِ، إلى أنْ تُوفِّيَ -رحمه الله- بمدينةِ الرياضِ.
وُلِدَت حليمةُ يعقوب يومَ 23 أغسطس 1954 في سنغافورةَ، والدُها كان حارسًا، وهو مُسلِمٌ من أصلٍ هنديٍّ، وعانَت حليمةُ الفَقرَ في طُفولتِها؛ إذ تُوفِّيَ والدُها وهي في سنِّ الثامنةِ، واضطُرَّتْ في سنِّ العاشرةِ من عُمرِها إلى أنْ تُساعِدَ والدتَها العاملةَ في دُكَّانٍ لبيعِ الأطعمةِ، وفي عملياتِ التنظيفِ والغسيلِ، وفي توزيعِ الأكلِ على الزبائنِ! وبرَغمِ ظُروفِها الصعبةِ واصلَت دِراستَها حتى تخرَّجَت عامَ 1978 في جامعةِ سنغافورةَ الوطنيةِ، تزوَّجَت عامَ 1980 من محمد عبد الله الحبشي، وهو رجلُ أعمالٍ يَمنيٌّ، ولهما خَمسةُ أبناءٍ. حصلَت حليمةُ على شهادةِ بكالوريوس في القانونِ بدرجةِ شرَفٍ، وفي عامِ 2001 حصلت على شهادةِ ماجستير بالقانون، وفي عامِ 2016 مُنحت شهادةَ دكتوراه فَخريَّةٍ في القانونِ من نفسِ الجامعةِ، ثم اقتحمَت حليمةُ عالَمَ السياسةِ عامَ 2001 بطلَبٍ من رئيسِ الوزراءِ وقتَها غوه تشوك تونغ الذي أخبَرَها بأنها يُمكِنُ أنْ تلعَبَ دورًا كبيرًا في الحياةِ السياسيَّةِ بالبلادِ، وكان ذلك قبلَ الانتخاباتِ العامَّةِ. وانتُخِبَت بعد ذلك نائبةً في الدائرةِ الانتخابيَّةِ للتمثيلِ الجماعيِّ "جيورونغ"، وتدرَّجَت في المناصبِ حتى أصبحت في أعقابِ الانتخاباتِ العامَّةِ عامَ 2011 وزيرةً للدولةِ في وزارةِ التنميةِ المجتمعيَّةِ والشبابِ والرياضةِ، وبعد تعديلٍ وَزاريٍّ في نوفمبر 2012 أصبحت وزيرةَ دولةٍ في وزارةِ التنميةِ الاجتماعيَّةِ والأُسريَّةِ. وفي 14 يناير 2013 عُيِّنَت حليمةُ متحدثةً باسمِ البرلمانِ، وكانت أولَ امرأةٍ تَشغَلُ هذا المنصِبَ في تاريخِ البلادِ؛ لتتولَّى منصِبَ رئيسةِ البرلمان بين عامي 2013 و2017. وفي 6 أغسطس 2017 أعلنت حليمةُ أنَّها ستستقيلُ من منصِبِ متحدثةٍ باسم البرلمانِ؛ لخوضِ سِباقِ الانتخاباتِ الرئاسيَّةِ لعامِ 2017 لتفوزَ فيها بمنصبِ رئاسةِ الدولةِ لتصبحَ أوَّلَ رئيسةٍ لدولةِ سنغافورةَ.
كان قد حدث من الملك السعيد أشياء أوغرت صدورَ الأمراء عليه، وأصبَحَ خاصية الملك يحظَونَ بما يريدون ويُبعِدونَ من أرادوا حتى كان في السنة الماضيةِ أن أرسل بعض الأمراء إلى سيس للقتال فخرجوا وهم مكرهون، فأما الأمراء فإنهم غَزَوا سيس وقتلوا وسَبَوا، ثم عادوا إلى دمشق ونزلوا بالمرجِ، فخرج الأميرُ كوندك إلى لقائهم على العادة، وأخبرهم مما وقع من الخاصكية في حَقِّهم وحَقِّه من تخوُّفِ الملك منهم، فحَرَّك قَولُه ما عندهم من كوامِنِ الغضب، وتحالفوا على الاتفاق والتعاون، وبعثوا من المرج إلى السلطانِ يُعلِمونَه أنهم مقيمون بالمرج، وأن الأمير كوندك شكى إليهم من لاجين الزيني وهو من أقرَبِ مقربي الملك السعيد شكاوى كثيرة، ولا بد لنا من الكشفِ عنها، وسألوا السلطانَ أن يحضر إليهم حتى يسمعوا كلامَه وكلام كوندك، فلما بلغ السلطانَ ذلك لم يعبأ بقولهم، وكتب إلى من معهم من الأمراءِ الظاهريَّة يأمُرُهم بمفارقة الصالحيَّة ودخول دمشق، فرحلوا مِن فَورِهم ونزلوا على الجورةِ مِن جهة داريا، وأظهروا الخلافَ، ورموا الملكَ السعيد بأنه قد أسرف وأفرطَ في سوء الرأي وأفسد التدبير، فخاف السلطان عند ذلك سوء العاقبة، وبعث إليهم الأميرَ سنقر الأشقر، والأمير سنقر التكريتي الأستادار- المشرف على شؤون بيوت السلطان- ليلطفا بهم ويعملا الحيلة في إحضارِهم، فلم يوافقوا على ذلك، وعادا إلى السلطان فزاد قلقُه، وتردَّدَت الرسل بينه وبين الأمراء، فاقترحوا عليه إبعادَ الخاصكية، فلم يوافق، فرحل الأمراءُ بمن معهم من العساكِرِ إلى مصر وتَبِعَهم الملك السعيد ليلحَقَهم ويتلافى أمرَهم فلم يُدرِكْهم فعاد إلى دمشق وبات بها، ثم سار من دمشق بالعساكر يريد مصرَ فنزل بلبيس في نصف ربيع الأول وكان قد سبقه الأميرُ قلاوون بمن معه إلى القاهرة، ونزلوا تحت الجبل الأحمر، فبلغ ذلك الأمراء الذين بقلعة الجبل، وهم الأمير عز الدين أيبك أمير جانذار والأمير أفطوان الساقي، والأمير بلبان الزربقي، فامتنعوا بها وحَصَّنوها وتقدموا إلى متولي القاهرة فسَدَّ أبوابها فراسَلَهم قلاوون والأمراء في فتحِ أبواب القاهرة ليدخُلَ العسكر إلى بيوتهم ويُبصِروا أولادَهم؛ فإن عهدهم بَعُدَ بهم ونزل الأمير لاجين البركخاي وأيبك الأفرم وأقطون إلى الأمراء لمعرفة الخبر فقَبَضوا عليهم وبعثوا إلى القاهرة ففُتِحَت أبوابها ودخل كلُّ أحد إلى داره وسُجِنَ الثلاثة الأمراء في دار الأمير قلاوون بالقاهرة وزحفوا إلى القلعةِ وحاصروها وأمَّا السلطان فإنه لما نزل بلبيس وبلغه خبَرُ الأمراء خامر عليه من كان معه من عسكَرِ الشام وتركوه في بلبيس وعادوا إلى دمشق وبها الأمير عز الدين أيدمر نائب الشام، فصاروا إليه ولم يبقَ مع السلطان إلا مماليكُه ولم يبق معه من الأمراء الكبار إلا الأميرُ سنقر الأشقر فقط، فسار السلطان من بلبيس ففارقه الأشقر من المطرية وأقام بموضعه، وبلغ الأمراءَ أن السلطان جاء من خَلفِ الجبل الأحمر فركبوا ليحولوا بينه وبين القلعة وكان الضباب كثيرًا فنجا منهم واستتر عن رؤيتِهم وطلع إلى المقَدِّمة، فلما انكشف الضباب بلغ الأمراء أن السلطانَ بالقلعة فعادوا إلى حصارِها وصار السلطان يُشرِفُ من برج الرفرف المطلِّ على الإسطبل ويصيح بهم: يا أمراءُ، أرجِعُ إلى رأيكم ولا أعمَلُ إلا ما تقولونَه، فلم يجبه أحدٌ منهم وأظهروا كتبًا عنه يطلب فيها جماعةً من الفداوية لقَتلِهم وأحاطوا بالقلعة وحصروه، وكان الأميرُ سنجر الحلبي معتَقلًا بالقلعة، فأخرجه السلطانُ وصار معه، فاستمر الحصارُ مدة أسبوع، وكان الذي قام في خلع السلطان جماعةٌ كثيرة من الأمراء وأعيان المفاردة والبحرية، ولما طال الحصار بعث الخليفةُ العباسي الحاكم بأمر الله أحمد، يقول: يا أمراءُ، أيش غرضكم؟ فقالوا: يخلع المَلِكُ السعيد نفسه من الملك ونعطيه الكرك، فأذعن السعيدُ لذلك، وحلف له الأمراء، وحضر الخليفةُ والقضاة والأعيان، وأنزل بالملك السعيد، وأشهد عليه أنَّه لا يَصلُحُ للمُلك، وخلعَ السعيدُ نفسَه، وحلف أنه لا يتطَرَّقُ إلى غير الكرك، ولا يكاتِبُ أحدًا من النواب، ولا يستميلُ أحد من الجند، وسافر من وقته إلى الكرك مع الأمير بيدغان الركني، وذلك في سابع شهر ربيع الآخر، فكانت مدة ملكه من حين وفاة أبيه إلى يوم خلعه سنتين وشهرين وثمانية أيام، فوصل إلى الكرك وتسَلَّمَها في الخامس عشر من جمادى الآخرة، واحتوى على ما فيها من الأموال وكانت شيئًا كثيرًا، ولما تم خلعُ الملك السعيد وسافر إلى الكرك، عرض الأمراءُ السلطنة على الأمير سيف الدين قلاوون الألفي فامتنع، وقال: أنا ما خلعت الملك السعيد طمعًا في السلطنة، والأولى ألا يخرجَ الأمر عن ذرية الملك الظاهر، فاستُحسِنَ ذلك منه؛ لأن الفتنة سكنت فإنَّ الظاهرية كانوا معظم العسكرِ، وكانت القلاعُ بيَدِ نواب الملك السعيد، وقصَدَ قلاوون بهذا القَولِ أن يتحَكَّم حتى يغَيِّرَ النواب ويتمكن مما يريد، فمال الجميعُ إلى قوله وصوبوا رأيه، واستدعوا سلامش بن السلطان الظاهر، واتفقوا أن يكون الأمير قلاوون أتابِكَه، وأن يكون إليه أمرُ العساكر وتدبير الممالك، فحضر سلامش وله من العمر سبع سنين وأشهر، وحلف العسكرُ جميعه على إقامته سلطانًا، وإقامة الأمير قلاوون أتابك العساكر، ولقَّبوه الملك العادل بدر الدين، فاستقَرَّ الأمرُ على ذلك، وأقيم الأمير عز الدين أيبك الأفرم في نيابة السلطنة.