الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2497 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 289 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 902
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنينَ أبو العَبَّاس أحمدُ بنُ طلحة الموفَّق بالله بن المتوكل على الله جَعْفَر بن المُعْتَصم بن الرشيد الهاشمي العباسي. ولد في ذي القَعدة سنة 242 في دولةِ جَدِّه، استخلف بعد عَمِّه المعتَمِد في رجبٍ سنة تسع وسبعين. وكان ملكًا شجاعًا مهيبًا، أسمرَ نحيفًا، معتدِلَ الخَلقِ، ظاهِرَ الجبروت، وافِرَ العقل، شديدَ الوطأة، من أفراد خلفاءِ بني العَبَّاس. وكان ذا سياسةٍ عظيمة. وكان المُعْتَضِدُ يبخل ويجمَعُ المال، وقد وليَ حَربَ الزِّنجِ وظَفِرَ بهم، وفي أيَّامِه سكنت الفتَنُ لفَرطِ هيبتِه. وكان غلامُه بدرٌ على شرطتِه، وعبيد الله بن سُلَيْمَان على وزارته، ومحمَّد بن سِياه على حرسه، وكانت أيامُه أيامًا طيبة كثيرةَ الأمن والرخاء. وكان قد أسقط المُكوسَ، ونشَرَ العدل، ورفع الظُّلمَ عن الرعية. وكان يُسمَّى السفاحَ الثانيَ؛ لأنَّه جدَّد مُلكَ بني العباس، وكان مُلْكُهم قد خلقَ وضعُف وكاد يزولُ. أصيب المعتَضِد في آخر أيامه بمرضٍ واشتدَّ به المرض حتى توفِّيَ، فتولى غَسلَه محمَّدُ بن يوسف، وصلَّى عليه الوزيرُ عبيد الله بن سُلَيمان، ودُفِنَ ليلًا في دار محمَّد بن طاهر، وجلس الوزيرُ في دار الخلافة للعزاء، وجدَّد البيعة للمُكتفي, وكانت مُدَّةُ خلافة المعتَضِد سبعَ سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يومًا. لَمَّا توفِّيَ المعتَضِد كتب الوزيرُ إلى أبي محمد علي بن المُعتَضِد، وهو المكتفي باللهِ، يعَرِّفُه بذلك وبأخذِ البيعة له، وكان بالرقَّة، فلما وصله الخبَرُ أخذ البيعةَ على مَن عِندَه من الأجناد، ووضع لهم العطاءَ وسار إلى بغداد، ووجَّه إلى النواحي من ديارِ ربيعةَ ومُضَرَ ونواحي العرَبِ مَن يحفظُها ودخل بغدادَ لثمانٍ خَلَونَ مِن جمادى الأولى.

العام الهجري : 791 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1389
تفاصيل الحدث:

استطاع الأميرُ يلبغا الناصري إزالةَ مُلكِ السلطان برقوق، وكان من أعوانه منطاش الأفضلي ولكن لم يكن ما بينهما صافيًا، فلما كان سادس عشر شعبان أشيعَ في القاهرة بتنكُّر منطاش على الناصري، وانقطع منطاش عن الخدمة، وأظهر أنَّه مريض، ففَطِنَ الناصري بأنه يريد أن يعمل مكيدةً، فلم ينزل لعيادتِه، وبعث إليه الأمير ألطنبغا الجوباني رأس نوبة كبيرًا في يوم الاثنين سادس عشر شعبان ليعودَه في مرضه، فدخل عليه وسَلَّم عليه، وقضى حقَّ العيادة وهَمَّ بالقيام، فقَبَض عليه منطاش وعلى عشرين من مماليكِه، وضرب قرقماس دوادار الأمير الجوباني ضربًا مبَرِّحًا، مات منه بعد أيام، ثم رَكِبَ منطاش حالَ مَسْكِه للجوباني في أصحابِه إلى باب السلسلة، وأخذ جميعَ الخيول التي كانت واقفةً على باب السلسلة، وأراد اقتحامَ الباب ليأخُذَ الناصريَّ على حين غفلة، فلم يتمكَّنْ من ذلك وأُغلقَ الباب، ورمى عليه مماليكُ الناصري من أعلى السور بالنشَّاب والحجارة، فعاد إلى بيته ومعه الخيول، وتلاحقت المماليكُ الأشرفية خشداشيته- زملاء مهنته- والمماليك الظاهرية بمنطاش، فعَظُم بهم أمرُه، وقَوِيَ جأشُه، وانضمت اليلبغاوية على الناصريِّ، وهم يوم ذاك أكابِرُ الأمراء وغالِبُ العسكر المصري، وتجمَّعَت المماليك على منطاش حتى صار في نحو خمسمائة فارس معه، بعدما كان في سبعين فارسًا في أوَّلِ ركوبه، ثم أتاه من العامةِ عالمٌ كبيرٌ، فترامى الفريقان واقتتلا، ونزل الأميرُ حسام الدين حسين بن الكوراني والي القاهرة، والأمير مأمور حاجب الحجاب من عند الناصري، ونودي في الناس بنهب مماليكِ منطاش، والقَبضِ على من قَدَروا عليه منهم، وإحضاره إلى الناصري، فخرج عليهما طائفةٌ من المنطاشية فضربوهما وهزموهما، فعادوا إلى الناصريِّ وسار الوالي إلى القاهرة، وأغلَقَ أبوابها، واشتَدَّت الحرب، ثم أتى منطاش طوائِفُ من مماليك الأمراء والبطالة وغيرهم شيئًا بعد شيءٍ، فحَسُنَ حاله بهم، واشتد بأسُه، وعَظُمَت شوكته بالنسبة لما كان فيه أولًا، لا بالنسبة لحواشي الناصري ومماليكِه، هذا وقد انزعج الناصريُّ وقام بنفسه وهيَّأ أصحابه لقتال منطاش، ونَدَب من أصحابه من أكابر الأمراء جماعةً لقتاله، واستمر القتالُ بينهما، وكل ذلك يزداد أمرُ منطاش بهروب الأمراء الناصرية إليه، حتى إن منطاش أمر فنادى بالقاهرة بالأمان والاطمئنان، وإبطال المكس والدعاء للأمير الكبير منطاش بقبَّة النصر، هذا وقد أخذ أمر الناصري في إدبار، وتوجَّه جماعة كبيرة من أصحابِه إلى منطاش، فلما رأى الناصري عَسكَرَه في قِلَّة، وقد نفر عنه غالبُ أصحابه، بعث بالخليفةِ المتوكل على الله إلى منطاش يسأله في الصلحِ وإخماد الفتنة، فنزل الخليفة إليه وكَلَّمه في ذلك، فقال له منطاش: أنا في طاعة السلطانِ، وهو أستاذي وابن أستاذي، والأمراء إخوتي، وما غريمي إلا الناصري؛ لأنَّه حلف لي وأنا بسيواس ثم بحلب ودمشق أيضًا بأننا نكون شيئًا واحدًا، وأن السلطانَ يحكُمُ في مملكَتِه بما شاء، فلما حصَلَ لنا النصر وصار هو أتابك العساكر، استبَدَّ بالأمر، ومنع السلطانَ من التحكم، وحَجَر عليه، وقَرَّب خشداشيَّتَه اليلبغاوية، وأبعدني أنا وخشداشيتي الأشرفيَّة، ثم ما كفاه ذلك حتى بعثني لقتالِ الفلاحين، وكان الناصريُّ أرسله من جملة الأمراء إلى جهة الشرقية لقتال العربان، لَمَّا عَظُم فساد فلاحيها، ثم قال منطاش: ولم يُعطِني الناصريُّ شيئًا من المال سوى مائة ألف درهم، وأخذ لنفسِه أحسَنَ الإقطاعاتِ، وأعطاني أضعفها، والإقطاعُ الذي قرره لي يعمل في السنة ستمائة ألف درهم، واللهِ ما أرجع عنه حتى أقتُلَه أو يقتُلَني، ويتسلطن ويستبِدَّ بالأمر من غير شريكٍ، فأخذ الخليفةُ يلاطِفُه، فلم يرجع له وقام الخليفة من عنده وهو مُصَمِّمٌ على مقالته، وطلع إلى الناصري وأعاد عليه الجوابَ، فعند ذلك ركب الناصري بسائِرِ مماليكه وأصحابه، ونزل بجمعٍ كبير لقتال منطاش، وصَفَّ عساكِرَه تجاه باب السلسلة، وبرز إليه منطاش أيضًا بأصحابِه، وتصادما واقتتلا قتالًا شديدًا، وثَبَت كُلٌّ من الطائفتين ثباتًا عظيمًا، حتى انكسر الناصري وأصحابُه، وطلع إلى باب السلسلة، وندم الناصري على خَلعِ الملك الظاهر برقوق وحَبْسِه؛ لَمَّا عَلِمَ أن الأمر خرج من اليلبغاوية وصار في الأشرفية حيث لا ينفعه الندم، وأما منطاش فركب بمن معه بعد أن انهزم الناصري عدة مرات وترَكَه أكثَرُ أمرائه، وطلع إلى الإسطبل السلطاني ومَلَكَه، ووقع النهب فيه، فأخذوا من الخيل والقماش شيئًا كثيرًا، وتفَرَّق الزعر والعامة إلى بيوت المنهزمين، فنَهَبوا وأخذوا ما قدروا عليه، ومنعهم الناسُ من عدة مواضع، وبات منطاش بالإسطبل، وأصبح من الغدِ، وهو يوم الخميس تاسع عشر شعبان، وطلع إلى السلطان الملك المنصور حاجي، وأعلمه بأنَّه في طاعته، وأنَّه هو أحقُّ بخدمتِه؛ لكونِه من جملة المماليك الذين لأبيه الأشرَفِ شعبان، وأنه يمتَثِلُ مَرسومَه فيما يأمُرُه به، وأنه يريدُ بما فعله عمارةَ بيت الملك الأشرف، فسُرَّ المنصور بذلك هو وجماعة الأشرفية؛ فإنهم كانوا في غاية ما يكون من الضِّيقِ مع اليلبغاوية من مُدَّة سنين.

العام الهجري : 88 العام الميلادي : 706
تفاصيل الحدث:

كَتَبَ الوَليدُ إلى عُمَرَ بن عبدِ العزيز في رَبيعٍ الأوَّل يَأمُره بِإدْخال حُجَرِ أَزواجِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مَسجِد رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن يَشتَرِي ما في نَواحِيه حتَّى يكون مِائَتَي ذِراع في مِائَتَي ذِراع، ويَقول له: قَدِّم القِبْلَةَ إن قَدَرْتَ، وأنت تَقْدِر لِمَكان أَخوالِك، وإنَّهم لا يُخالِفُونك، فمَن أَبَى منهم فقَوِّمُوا مُلْكَهُ قِيمَةَ عَدْلٍ واهْدِم عليهم وادْفَع الأثمانَ إليهم، فإنَّ لك في عُمَرَ وعُثمان أُسْوَةً. فأَحْضَرَهُم عُمَرُ وأَقْرَأَهم الكِتابَ، فأجابوه إلى الثَّمَنِ، فأَعطاهُم إِيَّاهُ، وأَخَذوا في هَدْمِ بُيوتِ أَزْواجِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبَنَى المَسْجِدَ، وقَدِمَ عليهم الفَعَلَةُ مِن الشَّام، أَرْسَلَهم الوَليدُ، وبَعَثَ الوَليدُ إلى مَلِك الرُّوم يُعْلِمُه أنَّه قد هَدَمَ مَسجِدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِيُعَمِّرَهُ، فبَعَث إليه مَلِكُ الرُّومِ مِائَة ألف مِثْقال ذَهَب، ومِائَة عامِل، وبَعَثَ إليه مِن الفُسَيْفِسَاء بِأَربعين جَمَلًا، فبَعَثَ الوَليدُ بذلك إلى عُمَرَ بن عبدِ العزيز، وحَضَر عُمَرُ ومعه النَّاسُ فوَضَعوا أَساسَه وابْتَدَأوا بِعِمارَتِه.

العام الهجري : 492 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1099
تفاصيل الحدث:

كان بيتُ المقدِسِ تحت حُكمِ الفاطميين، ولهم فيه رجلٌ نائِبٌ يُعرَفُ بافتخار الدولة، وبقِيَ فيه إلى الآن، فقصده الفرنجُ بعد أن حصروا عكَّا، فلم يقدِروا عليها، فلما وصلوا إليه حصروه نيفًا وأربعين يومًا، ونصبوا عليه برجين أحدهما من ناحية صهيون، وأحرقه المسلمون، وقتلوا كلَّ من به، فلمَّا فرغوا من إحراقه أتاهم المستغيثُ بأن المدينة قد مُلِكت من الجانب الآخر، وملكوها من جهة الشمال منه ضحوةَ نهار يوم الجمعة لسبعٍ بقين من شعبان، وركب الناسَ السيفُ، ولبث الفرنجُ في البلدة أسبوعًا يقتلون فيه المسلمين، واحتمى جماعةٌ من المسلمين بمحرابِ داود، فاعتصموا به، وقاتلوا فيه ثلاثةَ أيام، فبذل لهم الفرنجُ الأمانَ، فسَلَّموه إليهم، ووفى لهم الفرنج، وخرجوا ليلًا إلى عسقلان فأقاموا بها، وقَتَل الفرنجُ بالمسجد الأقصى ما يزيدُ على سبعين ألفًا، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم، وعبَّادهم وزُهَّادهم! وغنموا منه ما لا يقع عليه الإحصاء، وجمعوا اليهودَ في الكنيسة وأحرقوها عليهم، وهدَموا المشاهِدَ, وورد المستنفِرون من الشام في رمضان إلى بغداد، ولكِنْ قَدَّر اللهُ أن اختلف السلاطين فتمكَّن الفرنج من البلاد. قال ابن الأثير في دخول الإفرنج بيت المقدس: "سارت الإفرنجُ ومقَدَّمُهم كندفري في ألف ألف، بينهم خمسمائة ألف مقاتل، عملوا برجين من خشب مُطِلَّينِ على السور، فأحرق المسلمون البرجَ الذي كان بباب صهيون، وقتلوا من فيه. وأما الآخر فزحفوا به حتى ألصقوه بالسورِ وحكموا به على البلد، وكشفوا من كان بإزائهم، ورموا بالمجانيقِ والسهام رميةَ رجل واحد، فانهزم المسلمون من السور. وكان عدد خيلِهم ستةَ آلاف ومائة فارس، والرَّجَّالة ثمانية وأربعون ألفًا. ولم تزل دارَ الإسلام منذ فتحها عمر رضى الله عنه". وكان الأفضلُ ابن أمير الجيوش القائد الفاطمي لَمَّا بلغه نزولهم على القدس تجهَّز وسار من مصر في عشرين ألفًا، فوصل إلى عسقلان ثاني يوم الفتح، ولم يعلم. وراسل الإفرنجَ. فأعادوا الرسولَ بالجوابِ إليه، ولم يعلم المصريون بشيءٍ، فبادروا السلاحَ والخيل، وأعجلتهم الإفرنجُ فهزموهم، وقتلوا منهم من قُتل، وغنموا خيامَهم بما فيها. ودخل الأفضلُ عسقلان وتمزَّق أصحابه. فحاصرته الإفرنجُ بعسقلان، فبذل لهم ذهبًا كثيرًا. وورد المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد صحبة القاضي أبي سعد الهروي، فأوردوا في الديوان كلامًا أبكى العيون، وأوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمعة فاستغاثوا، وبكَوا وأبكَوا، وذكر ما دهم المسلمين بذلك البلدِ الشريف المعظَّم مِن قَتلِ الرجال، وسبيِ الحريم والأولاد، ونَهْب الأموال؛ فلشدة ما أصابهم أفطَروا، فأمر الخليفة أن يسير القاضي أبو محمد الدامغاني، وأبو بكر الشاشي، وأبو القاسم الزنجاني، وأبو الوفا بن عقيل، وأبو سعد الحلواني، وأبو الحسين بن سماك، فساروا إلى حلوان، فبلغهم قتلُ مجد الملك البلاساني، فعادوا من غير بلوغ أرب، ولا قضاء حاجة. واختلف السلاطين، فتمكن الفرنجُ من البلاد، فقال أبو المظفر الآبيوردي في هذا المعنى أبياتًا، منها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم
فلم يبقَ منا عرضة للمراحم
وشرُّ سلاح المرء دمع يُفيضُه
إذا الحربُ شَبَّت نارها بالصوارم
فإيهًا، بني الإسلامِ، إنَّ وراءكم
وقائعَ يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة
وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العينُ ملءَ جفونها
على هفوات أيقظت كلَّ نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم
ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الرومُ الهوانَ وأنتم
تجرُّون ذيل الخفض فِعلَ المُسالِم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمي
توارى حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبى
وسمر العوالي داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب
وقفة تظل لها الولدان شيبَ القوادم
وتلك حروب من يغِبْ عن غمارها
ليسلَمَ يقرَعْ بعدها سِنَّ نادم
سللن بأيدي المشركين قواضبًا
ستغمد منهم في الطلى والجماجم
يكاد لهن المستجن بطيبة ينادي
بأعلى الصوت يا آل هاشم".

العام الهجري : 1039 العام الميلادي : 1629
تفاصيل الحدث:

هو السلطان أبو المعالي زيدان بن أحمد المنصور الذهبي السعدي، زعيم الأشراف في المغرب الأقصى. كان في أيام أبيه مقيمًا بتادلا أميرًا عليها، تولى بعد وفاة والده المنصور سنة 1012حيث اجتمع أهل الحَل والعقد من أعيان فاس وكبرائها والجمهور من جيش المنصور على بيعة ولده زيدان، وقالوا إن المنصور استخلفه في حياته ومات في حجره، وكان المنصور قد عزل ابنه الكبير الشيخ المأمون وسجنه في مراكش لفساده وتمرده، فلما تمت البيعة لزيدان انتفض عليه أخواه أبو فارس ومحمد الشيخ المأمون، فحارباه وهزما جيشه. فلحق زيدان بتلمسان. وجعل يتنقل بين سجلماسة ودرعة والسوس ومعه فلول من جيشه، يدعو الناس إلى مناصرته على أخويه، حتى استجاب له أهل مراكش، فنادوا به سلطانًا سنة 1015, ولكن لم يلبث أن أخرجه منها أخوه المأمون سنة 1016 فلجأ إلى الجبال مدة يسيرة، وعاد فامتلك مراكش في السنة نفسها. وقويت شوكته، فاستولى على فاس سنة 1017 وأخرجه منها أنصار المأمون سنة 1018 واستمر السلطان زيدان مالكًا مراكش وأطرافها إلى أن توفي بعد أن أمضى قرابة السبع وعشرين سنة في الملك، وخلفه بعده ابنه أبو مروان عبد الملك الذي تقاتل مع أخويه الأميرين الوليد وأحمد وهزمهما.

العام الهجري : 1346 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1928
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله، من آل سعود كان رابع أبناءِ فيصل بن تركي، حصل بينه وبين ابن رشيد قتال على الرياض وتمكَّن ابن رشيد من هزيمة رجال عبد الرحمن في (المليدة) سنة 1308هـ فرحل عبد الرحمن إلى الجنوب، ونزل في قبائل (مرة) فأقام سبعةَ أشهر، وأرسل أهلَه إلى الأحساء -وكانت لا تزال في يد الترك- وجمَعَ من توسَّم فيهم النَّجدةَ وأعاد الكَرَّةَ على الرياض، فأخرج منها رجالَ ابنِ رشيد، واستولى عليها وعلى سائر العارض. فزحف عليه ابنُ رشيد، واقتتلا في (حريملاء) وظفر ابن رشيد، فرحل عبد الرحمن إلى بادية الأحساء، وأرسل أهلَه إلى (قطر) ثم إلى (البحرين) سنة 1309ه واستقَرَّ بعد ذلك في (الكويت) إلى أن استعاد ابنه عبد العزيز الرياضَ سنة 1319هـ، وعاد إليها عبدُ الرحمن وطالت حياته إلى أن شَهِدَ مُلكَ ابنه عبد العزيز يمتدُّ إلى أطراف الجزيرة العربية. كان الملك عبد العزيز يرجِعُ إلى والده في كثيرٍ من الأمور إلى أن توفي رحمه الله. وكان عبد الرحمن فيه زهدٌ وبُعدٌ عن مظاهر التَّرَف، وفي طبعه ميلٌ إلى الهوادة، وهو على جانبٍ مِن العلم؛ فقد صنَّف مناسِكَ الحج على المذاهب الأربعة بطلب من ابنِه عبد العزيز.

العام الهجري : 500 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1106
تفاصيل الحدث:

هو سلطان المغرب أبو يعقوب يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن ترقنت الصنهاجي اللمتوني المغربي البربري، الملقَّب بأمير المسلمين، وبأمير المرابطين، وبأمير الملثمين. ولد سنة 430. كان أحدَ من ملك البلاد ودانت بطاعته العباد، واتسعت ممالكه، وطال عمره. وقلَّ أن عُمِّرَ أحد من ملوك الإسلام ما عمر. تولى إمارة البربر واستولى على المغرب ثم الأندلس والسودان، وكان يخطب لبني العباس، وهو أول من تسمى بأمير المسلمين من المرابطين، ولم يزل على حاله وعِزِّه وسلطانه إلى أن توفي سنة 500. قال ابن خلدون: "تسمَّى يوسف بن تاشفين بأمير المسلمين، وخاطَبَ الخليفة لعهده ببغداد، وهو أبو العباس أحمد المستظهر بالله العباسي، وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العربي المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر بن العربي الإمام المشهور، فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد لأمير المسلمين بالمغرب والأندلس؛ فعَقَدَ له وتضمن ذلك مكتوبًا من الخليفة منقولًا في أيدي الناس، وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم، وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير". وإنما احتاج أمير المسلمين إلى التقليد من الخليفة المستظهر بالله مع أنه كان بعيدًا عنه وأقوى شوكةً منه؛ لتكون ولايته مستندة إلى الشرع، وهذا من ورعه، وإنما تسمى بأمير المسلمين دون أمير المؤمنين أدبًا مع الخليفة حتى لا يشارِكَه في لقبه؛ لأن لقب أمير المؤمنين خاص بالخليفة, وكان أمير المسلمين حين ورد عليه التقليد من الخليفة ضرب السكةَّ باسمه ونقش على الدينار لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتحت ذلك أمير المسلمين يوسف بن تاشفين, وكتب على الصفحة الأخرى عبد الله أحمد أمير المؤمنين العباسي, وكان ملكه قد انتهى إلى مدينة أفراغة من قاصية شرق الأندلس، وإلى مدينة أشبونة على البحر المحيط من بحر الأندلس، وذلك مسيرة ثلاثة وثلاثين يومًا طولًا، وفي العرض ما يقرب من ذلك، وملك بعدوة المغرب من جزائر بني مذغنة إلى طنجة إلى آخر السوس الأقصى إلى جبال الذهب من بلاد السودان, ولم يُرَ في بلد من بلاده ولا عَمَلٍ من أعماله على طول أيامه رسمُ مَكسٍ ولا خَراجٌ، لا في حاضرة ولا في بادية إلا ما أمر الله به، وأوجب حكم الكتاب والسنة من الزكوات والأعشار وجزيات أهل الذمة وأخماس الغنائم, وقد جبى في ذلك من الأموال على وجهها ما لم يَجْبِه أحد قبله. يقال: إنه وُجِد في بيت ماله بعد وفاته ثلاثة عشر ألف ربع من الوَرِق، وخمسة آلاف وأربعون ربعًا من مطبوع الذهب, وكان زاهدًا في زينة الدنيا وزهرتها، وَرِعًا متقشِّفًا، لباسه الصوف لم يَلبَس قطُّ غيره، ومأكله الشعير ولحوم الإبل وألبانها مقتصرًا على ذلك، لم يُنقَل عنه مدة عمره على ما منحه الله من سعة الملك وخوَّله من نعمة الدنيا، وقد رد أحكام البلاد إلى القضاة وأسقط ما دون الأحكام الشرعية، وكان يسير في أعماله بنفسه فيتفقد أحوال الرعية في كل سنة، وكان محبًّا للفقهاء وأهل العلم والفضل مكرمًا لهم صادرًا عن رأيهم، يُجري عليهم أرزاقهم من بيت المال، وكان مع ذلك حسن الأخلاق متواضعًا كثير الحياء جامعًا لخصال الخير. هو الذي بنى مدينة مراكش في سنة خمس وستين وأربعمائة، اشتراها يوسف بماله الذي خرج به من الصحراء. وكان في موضعها غابة من الشجر وقرية فيها جماعة من البربر، فاختطها وبنى بها القصور والمساكن الأنيقة, وهو الذي أخذ الأندلس من ملوك الطوائف وأسر المعتمد بن عباد في أغمات.. توفي في قصره بمراكش يوم الاثنين لثلاث خلون من المحرم, وعاش سبعين سنة مَلَكَ منها مدة خمسين سنة, وكان قد عهد بالإمرة من بعده لولده علي الذي بويع له ولُقِب بأمير المسلمين كذلك.

العام الهجري : 1118 العام الميلادي : 1706
تفاصيل الحدث:

هو العلامة الأديب المحدِّث الخطيب النوازلي المسنِد أبو الوليد عبد الملك بن محمد التاجموعتي، قاضي سجلماسة، كان خطيباً حاد اللسان عالِمًا بالحديث عارفًا بالمخاطبات السلطانية، ينظِم الشعر، له فهرسة نسبها له تلميذه الشيخ المسناوي في إجازته لابن عاشر الحافي السلوي، وحج وجاور هناك سنوات، ودرَّس وألف بالحرمين الشريفين، وأجازه الحافظ البابلي والزرقاتي والخرشي وعمر الفكروني السوسي. كان إمامًا محدِّثًا، وكان له وجاهة عند السلطان في الهيبة وتوقير يناسِبُ منصب العلم، يصدع له بالحق في مَواطنه. له من التصانيف في السنَّة وعلومها رسالة في العلم النبوي سماها "ملاك الطلب في جواب أستاذ حلب".

العام الهجري : 766 العام الميلادي : 1364
تفاصيل الحدث:

رسم السلطانُ المَلِكُ الأشرف شعبان صاحِبُ مصر بإسقاط ما على الحَجِّ مِن المكوسِ بمكَّةَ في سائِرِ ما يُحمَلُ إليها من المتاجر، سوى الكارم- الأحجار الكريمة- وتجَّار الهند وتجار العراق، وأسقط المكسَ المتعَلِّق بالمأكولات، وكان المَكسُ يؤخذ من المأكولات بمكَّةَ مد حب جدي، على كل حمل من التمر اللبان الذي يصل إلى مكة، وثلاثة دنانير مسعوديَّة على كلِّ حِملِ تمر محشي يصِلُ إلى مكة، وستة مسعودية على كلِّ شاة يصل إليها، وسُدس وثمن ما يباعُ بمكَّةَ مِن السَّمن والعسل والخُضَر؛ وذلك أنه يحصى ثمنها مسعودية، فإذا عُرِفَ أخذ على كل خمسة دنانير دينار مسعودية، ويؤخذ -أيضًا- دينار مسعودية من ثمن سلة التمر إذا بيعت بالسوق من الثمار الذي باعها ليعيش منها، والمأخوذُ على التمر أولًا مِن جالبه إلى مكة، ويؤخَذُ شَيءٌ مما يباع في السوق من غيرِ ما ذكرناه، وكان الناس يقاسونَ شِدَّةً، فأزال الله تعالى جميعَ هذا بأمرِ السُّلطانِ الأشرف شعبان صاحِبِ مِصرَ، بتنبيه بعضِ أهل الخير له على ذلك، وعَوَّضَ صاحب مكَّةَ عن ذلك ثمانية وستين ألف درهم من بيت المال المعمور بالقاهرة، وألفَ أردب قمح، وقُدِّرَ ذلك في ديوان السلطان الأشرف، وأمضى ذلك الولاةُ بالديار المصرية فيما بعد.

العام الهجري : 693 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:

لَمَّا قُتِلَ المَلِكُ الأشرَفُ صلاحُ الدين خليلُ بن قلاوون بالقُربِ مِن تروجة، وعدى الأميرُ زين الدين كتبغا والأمراء، اجتمَعَ بهم الأميرُ علم الدين سنجر الشجاعي ومن كان بالقاهرةِ والقلعة من الأمراء الصالحيَّة والمنصورية، وقرَّروا سلطنةَ الناصر محمد بن قلاوون وأحضروه وعُمُرُه تسعُ سنين سوى أشهر في يومِ السبت سادس عشر المحرم وأجلَسوه على سريرِ السلطنة، ورتَّبوا الأمير زين الدين كتبغا نائب السلطنة عِوَضًا عن بيدرا، والأميرَ علم الدين سنجر الشجاعي وزيرًا ومدبرًا عِوَضًا عن ابن السلعوس، والأميرَ حُسام الدين لاجين الرومي الأستادار أطابكَ العساكر، والأميرَ رُكنَ الدين بيبرس الجاشنكير أستادارا، والأميرَ ركن الدين بيبرس الدوادار دوادارًا، وأعطِيَ إمرةَ مائة فارس وتقدمة ألف، وجعل إليه أمر ديوان الإنشاء في المكاتَباتِ والأجوبة والبريد، وأنفق في العسكرِ وحَلَفوا فصار كتبغا هو القائِمَ بجميع أمورِ الدولة، وليس للمَلِكِ الناصِرِ مِن السلطنة إلا اسمُ المَلِك من غيرِ زيادةٍ على ذلك، وسكن كتبغا بدارِ النيابة من القلعةِ، وجعل الخوانَ يُمَدُّ بين يديه.

العام الهجري : 791 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1389
تفاصيل الحدث:

عصى الأميرُ يلبغا الناصريُّ نائِبُ حَلَب على السلطان برقوق، وأمر السلطانُ بخروج العسكر إليه، ولكن الأمير قرابغا فرج الله والأمير بزلار العمري الناصري والأمير دمرداش اليوسفي والأمير كمشبغا الخاصكي الأشرفي وآقبغا قبجق، اجتمع معهم عدَّةٌ كثيرة من المماليك المنفيِّين بطرابلس، وثبوا على نائبها الأمير أسندمر المحمدي وقبضوا عليه، وقتلوا من أمراءِ طرابلس الأميرَ صلاح الدين خليل بن سنجر وابنه، وقبضوا على جماعةٍ كبيرة من أمراء طرابلس، ثمَّ دخل الجميعُ في طاعة الناصري، وكاتبوه بذلك ومَلَكوا مدينة طرابلس، ثمَّ إنَّ مماليك الأمير سودون العثماني نائِبِ حماة اتَّفَقوا على قتله، ففر منهم إلى دمشق، وأنَّ الأمير بيرم العزي حاجِبَ حجَّاب حماة سَلَّم حماة إلى الأمير يلبغا الناصري ودخل تحت طاعته، ثم تواترت الأخبار على السلطان بدخول سائر الأمراء بالبلاد الشاميَّة والمماليك الأشرفيَّة واليلبغاوية في طاعة الناصري، وكذلك الأميرُ سولي بن دلغادر أمير التركمان، ونعير أمير العربان، وغيرهما من التركمان والأعراب، دخل الجميعُ في طاعة الناصري على محاربة السلطانِ الملك الظاهر برقوق، وأنَّ الناصري أقام أعلامًا خليفتيَّة، وأخذ جميعَ القلاع بالبلاد الشاميَّة، واستولى عليها ما خلا قلعةَ الشام وبعلبك والكرك، ثم في يوم الثلاثاء أول ربيع الآخر قَدِمَ البريد بأنَّ الأمير كمشبغا المنجكي نائِبَ بعلبك دخل تحت طاعة يلبغا الناصري، وكذلك في خامِسِه قَدِمَ البريد بأن ثلاثة عشر أميرًا من أمراء دمشق ساروا إلى حلب ودخلوا في طاعة الناصري، وأما العسكر المصري الظاهري فإنه سار من غزَّةَ حتى دخل دمشق في يوم الاثنين سابع شهر ربيع الآخر، ودخلوا دمشق بعد أن تلقَّاهم نائبها الأمير حسام الدين طرنطاي، ودخلوا دمشق قبل وصول الناصري بعساكره إليها بمدة، وأقبل المماليكُ السلطانية على الفَسادِ بدمشق، واشتغلوا باللَّهوِ، وأبادوا أهلَ دمشق، حتى سَئِمَتهم أهل الشام وانطلقت الألسنةُ بالوقيعة فيهم وفي مُرسِلِهم، وبينما هم في ذلك جاءهم الخبَرُ بنزول يلبغا الناصري بعساكره على خان لاجين خارج دمشق في يوم السبت تاسع عشر شهر ربيع الآخر، فعند ذلك تهيَّأ الأمراء المصريون والشاميون إلى قتالِهم، وخرجوا من دمشق في يوم الاثنين في الحادي والعشرين إلى برزة، والتقوا بالناصري على خان لاجين، وتصافُّوا ثم اقتَتَلوا قتالًا شديدًا ثَبَت فيه كلٌّ من الفريقين ثباتًا لم يُسمَعْ بمِثلِه، ثم تكاثر العسكَرُ المصري وصَدَقوا الحملة على الناصري ومن معه، فهزموهم وغيَّروه عن موقفه، ثم تراجع عسكر الناصري وحمل بهم، والتقى العسكَرُ السلطاني ثانيًا واصطدما صدمةً هائلة ثبت فيها أيضًا الطائفتانِ وتقاتلا قتالًا شديدًا، قُتلَ فيها جماعة من الطائفتين، حتى انكسر الناصريُّ ثانيًا، ثم تراجع عسكَرُه وعاد إليهم والتقاهم ثالثَ مَرَّة، فعندما تنازلوا في المرة الثالثة والتحم القتالُ لَحِقَ الأمير أحمد بن يلبغا بعساكِرِ الناصري بمن معه من مماليكه وحواشيه، ثم تَبِعَه الأمير أيدكار العمري حاجِبُ الحجاب أيضًا بطَلَبِه ومماليكه، ثم الأمير فارس الصرغتمشي ثم الأمير شاهين أمير آخور بمن معهم، وعادوا قاتلوا العسكر المصري، فعند ذلك ضَعُفَ أمرُ العساكر المصرية وتقهقروا وانهزموا أقبحَ هزيمة، فلما ولَّوا الأدبار في أوائل الهزيمة، هَجَم مملوكٌ من عسكر الناصري يقال له يلبغا الزيني الأعور وضرب الأميرَ جاركس الخليلي بالسيف فقتَلَه وأخَذَ سَلَبَه، وترك رمَّتَه عاريةً، إلى أن كفَّنَتْه امرأة بعد أيام ودفنته، ثم مَدَّت التركمان والعرب أيديَهم ينهبون من انهزم من العسكر المصري ويقتُلون ويأسرون من ظَفِروا به، وساق الأميرُ الكبير أيتمش البجاسي حتى لحق بدمشق وتحصَّن بقلعتها، وتمزَّق العسكر المصري وذهب كأنَّه لم يكن، ودخل الناصريُّ من يومه إلى دمشق بعساكره، ونزل بالقَصرِ من الميدان، وتسَلَّم القلعة بغير قتال، وأوقع الحوطةَ على سائر العسكر، وأنزل بالأميرِ الكبير أيتمش وقَيَّده هو والأمير طرنطاي نائب الشام وسجَنَهما بقلعة دمشق، وتتبَّعَ بقيَّةَ الأمراء والمماليك حتى قبض من يومِه أيضًا على الأمير بكلمش العلائي في عدة من أعيان المماليك الظاهرية، فاعتقلهم أيضًا بقلعة دمشق، ثم مَدَّت التركمان والأجناد أيديَهم في النهب، فما عَفَوا ولا كفُّوا وتمادَوا على هذا عدة أيام، وقَدِمَ هذا الخبر على الملك الظاهر برقوق من غزة في يوم السابع والعشرين من شهر ربيع الآخر، فاضطرب الناسُ اضطرابًا عظيمًا، لا سيَّما لما بلغهم قتل الأمير جاركس الخليلي والقبض على الأمير الكبير أيتمش البجاسي، وغُلِّقَت الأسواق، وانتُهِبَت الأخباز، وتشغبت الزعر، وطغى أهلُ الفساد، هذا مع ما للنَّاسِ فيه من الشغل بدفن موتاهم، وعِظَم الطاعون بمصر، وأما السلطان الملك الظاهر برقوق فإنه لما بلغه ما وقع لعسكره وَجَمَ وتحَيَّرَ في أمره، وعَظُم عليه قتلُ جاركس الخليلي والقبض على أيتمش أكثَرَ من انهزام عسكره، فإنَّهما ويونس الدوادار كانوا هم القائمينَ بتدبير مُلكِه، وأخذ يفحصُ عن أخبار يونس الدوادار فلم يقِفْ له على خبر؛ لسرعة مجيء خبَرِ الوقعة له من مدينةِ غزة، ولم يأتِه أحَدٌ ممن باشر الواقعة، غيرَ أنَّه صَحَّ عنده ما بلغه، وبقَتلِ يونس الدوادار استشعر كلُّ أحد بذهاب مُلْك المَلِك الظاهر، ثم قدم الخبر بدخول الأمير مأمور القلمطاوي نائب الكرك في طاعة الناصري، وأنَّه سَلَّم له الكرك بما فيها من الأموال والسلاح، ثم أخذ السلطان ينقلُ إلى قلعة الجبل المناجيقَ والمكاحل والعُدَد، وأمر السلطانُ سُكَّان قلعةِ الجَبَلِ من الناس بادِّخار القوتِ بها لشهرينِ، وسار الناصريُّ بمن معه من العساكر يريد الديارَ المصريَّة، وهو يظُنُّ أنه يلقى العساكِرَ المصرية بالقرب من الشام، واستمَرَّ في سَيرِه على هِينةٍ إلى أن وصل إلى غزَّة، فتلقَّاه نائبها حسام الدين بن باكيش بالتقادُم والإقامات، فسأله الناصري عن أخبار عسكر مِصرَ، فقال: لم يَرِدْ خَبَرٌ بخروج عسكر من مصر، ثم سار الناصري من الغد يريد ديار مصر، وأرسل أمامَه جماعة كبيرة من أمرائه ومماليكِه كَشَّافة، واستمَرَّ في السير إلى أن نزلَ مدينة قطيا، وجاء الخبَرُ بنزول الناصري بعساكِرِه على قطيا، فلم يتحرك السلطان بحركة، وفي ليلة وصول الخبَرِ فَرَّ من أمراء مصر جماعة كبيرة إلى الناصري، وهي ليلةُ الثلاثاء ثامن عشرين جمادى الأولى، ثم في يوم الجمعة نزلت عساكِرُ الناصري بالبئر البيضاء، فأخذ عند ذلك عسكَرُ السلطان يتسَلَّلُ إلى الناصري شيئًا بعد شيءٍ، ثمَّ نَصَب السلطان السناجق السلطانية على أبراج القلعة، ودُقَّت الكوسات الحربية، فاجتمعت العساكِرُ جميعها، وعليهم آلةُ الحرب والسلاح، ثم ركِبَ السلطان والخليفة المتوكل على الله معه من قلعة الجبلِ بعد العصر، وسار السلطانُ بمن معه حتى وقفا خلفَ دار الضيافة، وقد اجتمع حولَ السلطان من العامَّةِ خلائِقُ لا تُحصى كثرةً، فوقف هناك ساعة، ثم عاد وطلع إلى الإسطبل السلطاني، وجلس فيه مِن غير أن يلقى حَربًا، ثم ركب السلطان ثانيًا من القلعةِ، ومعه الخليفةُ المتوكل على الله، ونزل إلى دار الضيافة، فقدم عليه الخبَرُ بأن طليعة الناصري وصلت إلى الخراب طرف الحسينية، فلقيتهم كشافة السلطان فكسَرَتهم، ثم ندب السلطانُ الأمراء فتوجَّهوا بالعساكر إلى جهة قبَّة النصر، ونزل السلطانُ ببعض الزوايا عند دار الضيافة إلى آخر النهار، ثم عاد إلى الإسطبل السلطاني وصحبته الأمراء الذين توجَّهوا لقبة النصر، والكوسات تُدَقُّ، وهم على أُهبة اللقاء وملاقاة العدو، وخاصكية السلطان حوله، والنفوطُ لا تفتُرُ، والرميلة قد امتلأت بالزعر، والعامة ومماليك الأمراء، ولم يزالوا على ذلك حتى أصبحوا يوم الاثنين، وإذا بالأمير آقبغا المارديني حاجب الحجاب والأمير جمق بن أيتمشر البجاسي والأمير إبراهيم بن طشتمر العلائي الدوادار قد خرجوا في الليل ومعهم نحو خمسمائة مملوك من المماليك السلطانية ولحِقوا بالناصري، ثم أصبح السلطانُ من الغد، وهو يوم خامس جمادى الآخرة، فَرَّ الأمير قرقماس الطشتمري الدوادار الكبير، وقرا دمرداش الأحمدي أتابك العساكر بالديار المصرية، والأمير سودون باق، أمير مجلس ولحقوا بالناصري، ولما بلغ السلطان نفاقُ هؤلاء الأمراء عليه بعد أن أنعم عليهم بهذه الأشياء، علم أن دولته قد زالت، فأغلق في الحالِ باب زويلةَ وجميع الدروب، وتعطَّلَت الأسواق، وامتلأت القاهرةُ بالزعر، واشتدَّ فسادَهم، وتلاشت الدولةُ الظاهرية وانحَلَّ أمرُها، وخاف والي القاهرة حسام الدين بن الكوراني على نفسِه، فقام من خلف باب زويلة وتوجَّه إلى بيته واختفى، وبَقِيَ الناس غوغاء، وقطع المسجونون قيودَهم بخزانة شمائل، وكَسَروا باب الحبس وخرجوا على حميةٍ جملةً واحدة، فلم يرُدَّهم أحدٌ؛ لشُغلِ كُلِّ واحد بنفسه، وكذلك فعَلَ أهل حبس الديلم، وأهلُ سجن الرحبة، هذا والسلطان إلى الآن بقلعة الجبل، والنفوطُ عَمَّالة، والكوسات تُدَقُّ حربيًّا، ثم أمر السلطان مماليكَه فنزلوا ومنعوا العامَّةَ من التوجه إلى يلبغا الناصري، فرجمهم العامَّةُ بالحجارة، فرماهم المماليكُ بالنشَّاب، وقتلوا منهم جماعةً تزيد عِدَّتُهم على عشر أنفس، ثم أقبلت طليعة الناصري مع عِدَّة من أعيان الأمراء من أصحابِه، فبَرَز لهم الأمير قجماس ابن عم السلطان في جماعة كبيرة وقاتلهم، وأكثر الرمي عليهم من فوق القلعة بالسهام والنفوط والحجارة بالمقاليع، وهم يوالون الكَرَّ والفَرَّ غَيرَ مَرَّة، وثبتت المماليك السلطانية ثباتًا جيدًا، غير أنهم في عِلمٍ بزوال دولتهم، هذا وأصحابُ السلطان تتفَرَّقُ عنه شيئًا بعد شيء، فمنهم من يتوجه إلى الناصري، ومنهم من يختفي خوفًا على نفسه، حتى لم يبقَ عند السلطان إلا جماعةٌ يسيرة ممن ذكرنا من الأمراء، فلما كان آخِرُ النهار أراد السلطان أن يسَلِّمَ نفسَه، فمنعه من بقِيَ عنده من الأمراء وخاصكيته، ثم بعد العصر من اليوم قَدِمَ جماعة من عسكر الناصري عليهم الطواشي طقطاي الرومي الطشتمري، والأمير بزلار العمري الناصري، وكان من الشجعان، والأمير ألطنبغا الأشربي، في نحو الألف وخمسمائة مقاتل يريدون القلعة، فبرز لهم الأمير بطا الطولوتمري الظاهري الخاصكي، والأمير شكر باي العثماني الظاهري، وسودون شقراق في نحو عشرين مملوكًا من الخاصكية الظاهرية، وتلاقوا مع عسكر الناصري فصدموهم صدمةً واحدة كسروهم فيها وهزموهم إلى قبة النصر، ولم يُقتَلْ منهم غير سودون شقراق؛ فإنَّه أُمسِكَ وأُتي به إلى الناصري فوسَّطه، ولم يَقتُل الناصريُّ في هذه الوقعة أحدًا غيره، لا قبله ولا بعده- يعني صَبرًا- غيرَ أن جماعة كبيرة قُتِلوا في المعركة، وورد الخبَرُ بنصرتهم على الملك الظاهر، فلم يغتَرَّ بذلك، وعلم أنَّ أمرَه قد زال، فأخذ في تدبيرِ أمره مع خواصه، فأشار عليه من عنده أن يستأمِنَ من الناصري، فعند ذلك أرسل الملك الظاهر الأمير أبا بكر بن سنقر الحاجب والأمير بيدمر المنجكي شاد القصر بالنمجاة إلى الأمير يلبغا الناصري أنْ يأخذا له أمانًا على نفسِه، ويترققا له، فسارا من وقتهما إلى قبة النصر، ودخلا على الناصري وهو بمخَيَّمه، واجتمعا به في خلوةٍ، فأمَّنَه على نفسه، وأخذَ منهما منجاة الملك- سيف خاص بالملك أو السلطان- وقال: الملك الظاهر أخونا وخشداشنا- زميلنا في المهنة- ولكِنَّه يختفي بمكان إلى أن تُخمَدَ الفتنة، فإنَّ الآن كل واحد له رأي وكلام، حتى ندَبِّرَ له أمرًا يكون فيه نجاتُه، فعادا بهذا الجواب إلى الملك الظاهر برقوق، وأقام السلطانُ بعد ذلك في مكانه مع خواصِّه إلى أن صلى عشاء الآخرة، وقام الخليفةُ المتوكل على الله إلى منزله بالقلعةِ على العادة في كلِّ ليلة، وبقي الملك الظاهر في قليل من أصحابه، وأذِنَ لسودون النائب في التوجُّه إلى حال سبيله والنظَرِ في مصلحة نفسه، فودَّعَه وقام ونزل من وقته، ثم فَرَّق الملك الظاهر بقيَّة أصحابه، فمضى كلُّ واحد إلى حال سبيله، ثم استتر الملك الظاهر وغيَّرَ صِفَتَه، حتى نزل من الإسطبل إلى حيث شاء ماشيًا على قَدَمَيه، فلم يَعرِفْ له أحد خبرًا، وانفَضَّ ذلك الجمع كلُّه في أسرع ما يكون، وسكَنَ في الحال دَقُّ الكوساتِ ورَمْيُ مدافع النفط، ووقعَ النَّهبُ في حواصل الإسطبل، حتى أخذوا سائِرَ ما كان فيه من السروج واللجم وغيرها والعبي، ونهبوا أيضًا ما كان بالميدان من الغَنَمِ الضأن، وكان عِدَّتُها نحو الألفي رأس، ونُهِبَت طباق المماليك بالقلعة، وطار الخبَرُ في الوقت إلى الناصري، فلم يتحَرَّك من مكانه، ودام بمخَيَّمه، وأرسل جماعةً من الأمراء من أصحابه، فسار من عسكره عِدَّةٌ كبيرة واحتاطوا بالقلعة، وأصبح الأمير يلبغا الناصري بمكانه، وهو يوم الاثنين خامس جمادى الآخرة، وندب الأمير منطاش في جماعة كبيرة إلى القلعة، فسار منطاش إلى قلعة الجبل في جموعه، وطلع إلى الإسطبل السلطاني، فنزل إليه الخليفةُ المتوكل على الله أبو عبد الله محمد، وسار مع منطاش إلى الناصري بقبَّة النصر، حتى نزل بمخَيَّمه، فقام الناصري إليه وتلقَّاه وأجلسه بجانبه ووانسه بالحديث، وأمَّا الناصري فإنه لَمَّا نزل إليه الخليفة وأكرمه، وحضَرَ قضاة القضاة والأعيان للهناء، أمَرَهم الناصري بالإقامة عنده، وأنزل الخليفةَ بمُخَيَّم، وأنزل القضاةَ بخَيمةٍ أخرى ثم طلب الناصريُّ مَن عنده من الأمراء والأعيان وتكَلَّم معهم فيما يكون، وسألهم فيمن يُنصَب في السلطنةِ بعد الملك الظاهر برقوق، فأشار أكابِرُهم بسلطنة الناصري، فامتنع الناصريُّ مِن ذلك أشدَّ امتناع، وهم يُلِحُّونَ عليه ويقولون له: ما المصلحةُ إلَّا ما ذكَرْنا، وهو يأبى، وانفَضَّ المجلس من غير طائل، ثم استدعى الأميرُ الكبير يلبغا الناصري الأمراءَ واستشارهم فيمن ينصِبُه في سلطنة مصر، فكَثُر الكلام بينهم، وكان غَرَضُ غالب الأمراء سلطنة الناصري ما خلا منطاش وجماعة من الأشرفية، حتى استقَرَّ الرأي على إقامة الملك الصالح أمير حاج ابن الملك الأشرف شعبان في السلطنة ثانيًا، بعد أن أعيا الأمراءَ أمرُ الناصري في عدم قبوله السلطنةِ، وهو يقول: المصلحةُ سَلطنةُ الملك الصالح أمير حاج؛ فإن الملك الظاهر برقوقًا خلَعَه من غير مُوجِبٍ، فطلعوا في الحال من الإسطبل إلى القلعة، واستدعَوا الملك الصالح وسَلْطَنوه، وغيَّروا لَقَبَه بالملك المنصور، وأما الملك الظاهر برقوق فإنه دام في اختفائِه إلى أن قُبِضَ عليه بعد أيام متخفيًا في بيت مملوك له، ثم رُسِمَ بسجنه إلى الكرك، فأخرج إليها وسُجِنَ هناك بعد أن حَكَم مصر أميرًا كبيرًا وسُلطانًا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يومًا، وزالت دولةُ الملك الظاهر كأن لم تكن، فكانت مُدَّة تحَكُّمه منذ قُبِض على الأمير طَشْتَمُر الدوادار في تاسع ذي الحجة سنة 779، إلى أن جلس على تخت الملك وتلقَّب بالملك الظاهر في تاسع عشر شهر رمضان سنة 784، أربع سنين وتسعة أشهر وعشرة أيام، ويقال له في هذه المدة الأمير الكبير أتابك العساكر، ومن حين تسلطَنَ إلى أن اختفي ست سنين، وثمانية أشهر، وسبعة عشر يومًا، فيكون مدة حكمه أميرًا وسلطانًا إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وسبعة وعشرين يومًا، وترك مُلْكَ مِصرَ وله نحو الألفي مملوك اشتراهم، سوى المُستخدَمينَ.

العام الهجري : 409 العام الميلادي : 1018
تفاصيل الحدث:

سار يمينُ الدَّولةِ إلى الهندِ غازيًا، واحتَشَد وجَمَع، واستَعَدَّ وأعَدَّ، وسبَبُ هذا أنَّ بيدا أكبَرَ مُلوكِ الهند قَوِيَ أمْرُه واستمال إليه كُلَّ مَن كان يمينُ الدَّولةِ قد هَزَمَهم ووعَدَهم بإعادةِ مُلكِهم لهم، فتجَهَّزَ يمينُ الدَّولة للغَزوِ، وقصَدَ بيدا، وابتدأ في طريقِه بالأفغانيَّةِ، وهم كُفَّارٌ، فغَنِمَ المُسلِمونَ مِن أموالِهم الكثيرُ، ثمَّ واصَلَ المَسيرَ، وبلَغَ إلى مكانٍ لم يَبلُغْه فيما تقَدَّمَ مِن غَزَواتِه، وعَبَرَ نَهرَ كنك، ولم يَعبُرْه قَبلَها، فأتاه في الطَّريقِ خَبَرُ مَلِكٍ مِن مُلوكِ الهِندِ يقال له تروجنبال قد سار مِن بينِ يديه مُلتَجِئًا إلى بيدا ليحتَمِيَ به عليه، فطوى المَراحِلَ، فلَحِقَ تروجنبال ومَن معه، رابِعَ عَشَرَ من شَعبان، فاقتتلوا وانهزم تروجنبال ومَن معه، وكَثُر فيه القَتلُ والأسْرُ، وأسلَموا أموالَهم وأهلِيهم، فغَنِمَها المسلمون، وانهزم مَلِكُهم جريحًا، وتحيَّرَ في أمْرِه، وأرسل إلى يمينِ الدَّولة يطلُبُ الأمانَ فلم يُؤَمِّنْه، ولم يقنَعْ منه إلَّا الإسلام، وقتَلَ مِن عساكِرِه ما لا يُحصى، وسار تروجنبال ليلحَقَ ببيدا، فانفَرَدَ به بعضُ الهنودِ فقَتَلَه. فلما رأى ملوكُ الهند ذلك تابعوا رسُلَهم إلى يمينِ الدَّولةِ يَبذُلونَ له الطاعةَ والإتاوةَ. وسار يمينُ الدَّولة بعد الوقعةِ إلى مدينة باري، وهي من أحصَنِ القِلاعِ والبِلادِ وأقواها، فرآها مِن سُكَّانِها خاليةً، وعلى عُروشِها خاويةً، فأمَرَ بهَدمِها وتخريبِها وعَشْر قِلاعٍ معها مُتَناهية الحَصانة، وقتَلَ مِن أهلِها خلقًا كثيرًا، وسار يطلُبُ بيدا المَلِك، فلَحِقَه وقد نزل إلى جانبِ نهرٍ، وأجرى الماءَ مِن بين يديه فصار وحْلًا، وتَرَك عن يمينِه وشماله طريقًا يَبسًا يقاتِلُ منه إذا أراد القِتالَ، وكان عِدَّةُ مَن معه ستَّةَ وخمسينَ ألف فارس، ومِئَةَ ألفٍ وأربعةً وثمانينَ ألفَ راجلٍ، وسبعَمئة وستةً وأربعين فيلًا، فأرسل يمينُ الدَّولة طائفةً من عَسكَرِه للقِتالِ، فأخرج إليهم بيدا مِثلَهم، ولم يزَلْ كُلُّ عَسكرٍ يَمُدُّ أصحابَه، حتى كثُرَ الجمعان، واشتَدَّ الضَّربُ والطعان، فأدرَكَهم اللَّيلُ وحجز بينهم، فلمَّا كان الغَدُ بكَّرَ يمينُ الدَّولة إليهم، فرأى الدِّيارَ منهم بلاقِعَ، ورَكِبَ كُلُّ فرقةٍ منهم طريقًا مخالِفًا لطريق الأخرى. ووجد خزائِنَ الأموالِ والسِّلاحِ بحالها، فغَنِموا الجميعَ، واقتفى آثارَ المُنهَزِمين، فلَحِقوهم في الغِياضِ والآجامِ، وأكثَروا فيهم القَتلَ والأسْرَ، ونجا بيدا فريدًا وحيدًا، وعاد يمينُ الدَّولة إلى غزنةَ مَنصورًا.

العام الهجري : 835 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1431
تفاصيل الحدث:

بعد مؤامرة خلع أبي عبد الله محمد الملقب بالأيسر حاكم غرناطة -في فترة حكمه الثانية- والتي قام بها خصومه، وتولِّي أبي الحجاج يوسف بن المول الحكم، والذي كان مائلًا إلى ملك قشتالة ليساعده على انتزاع حكم غرناطة في مقابل تعهُّده بأن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة وتحت طاعته، تم بعد ذلك توقيعُ معاهدة بين يوسف بن المول وخوان الثاني ملك قشتالة؛ لتحقيق هذا الهدف في 7 محرم سنة 835 (16 سبتمبر 1431م) متضمنة بنودًا مهينة للطرف المسلم، نصت على إقرار من يوسف بأنه من أتباع ملك قشتالة وخُدَّامه، وتعهَّد منه بدفع جزية سنوية قدرها عشرون ألف دينار ذهبي، وإطلاق سراح الأسرى النصارى، وأن يقدِّمَ يوسف ألفًا وخمسمائة فارس إلى ملك قشتالة لمحاربة أعدائه، سواء أكانوا من النصارى أو المسلمين. وفي مقابل هذه التنازلات يتعهد الطرف القشتالي بأن يكون الصلحُ مستمرًّا طوال حكم يوسف ومَن يخلُفُه من أبنائه، وأن يُعينَه على محاربة أعدائه من المسلمين والنصارى، وطبقًا لهذه المعاهدة وتنفيذًا لبنودها تحركت القوات القشتالية لمعاونة يوسف في حربة مع السلطان الأيسر، ونشبت بينهما معركة شديدة، انتهت بهزيمة الأيسر، ودخول يوسف غرناطة بمؤازرة النصارى القشتاليين، وجلس على عرش السلطنة في جمادى الأولى من هذه السنة، وكان أول ما فعله يوسف أن جدَّد المعاهدة مع ملك قشتالة باعتباره سلطان غرناطة، وبهذه المعاهدة قَطَعت قشتالة خطوة كبيرة في سبيل تحقيق أمنيتها، وإزالة الوجود الإسلامي من إسبانيا، وهذا ما حدث بعد سنوات قليلة!!‏

العام الهجري : 114 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 732
تفاصيل الحدث:


وَلَّى هِشامُ بن عبدِ الملك عبدَ الرَّحمن الغافِقِي إمارَةَ الأَندَلُس فتَأَهَّبَ لِفَتحِ بِلادِ الغال (فرنسا) فدَعا العَرَبَ مِن اليَمَن والشَّام إلى مُناصَرَتِه فأَقْبَلوا إليه، فاجْتاز جِبالَ البِرانس بجَيْشٍ مِن العَرَب والبَرْبَر، وأَوْغَل في مُقاطَعَتي اكيتانيا ووبرغونية وبوردو، ثمَّ تَقدَّم يُريدُ الإيغال داخِلَ البِلادِ، فجَمَع له شارل مارتل جُموعَه وأَلَّفَ جَيشًا كَبيرًا مِن الغاليين والجرمن فنَشَبَت حَرْبٌ دامِيَة شَديدَة في بواتيه بِقُرْبِ نَهرِ اللوار، وقد اسْتُشْهِد فيها عبدُ الرَّحمن الغافِقِي ومعه الكَثيرُ مِن جَيشِه الذي هُزِمَ وانْسَحَب لَيلًا ولم يَبْق للمسلمين في بِلادِ الغال سِوى مُقاطَعة سبتمانيا.

العام الهجري : 338 العام الميلادي : 949
تفاصيل الحدث:

هو أبو الحسَنِ عليُّ بنُ بُوَيه، وهو أكبر أولاد بُوَيه، وأوَّلُ مَن تمَلَّك منهم، وكان عاقلًا حاذقًا حميد السيرة رئيسًا في نفسه. كان أولُ ظهورِه في سنة 322, فلما كان في هذا العام 338 قَوِيَت عليه الأسقامُ وتواترت عليه الآلامُ، فأحسَّ من نفسه بالهلاك، ولم يُفادِه ولا دفَعَ عنه أمرَ اللهِ ما هو فيه من الأموالِ والمُلك وكثرةِ الرِّجال والأموالِ، ولا رَدَّ عنه جيشُه من الديلم والأتراك والأعجام، مع كثرةِ العَدَد والعُدد، بل تخَلَّوا عنه أحوجَ ما كان إليهم، فسُبحانَ اللهِ المَلِك القادِرِ، القاهرِ العلَّام! ولم يكن له ولدٌ ذكَرٌ، فأرسل إلى أخيه ركن الدولةِ يستدعيه إليه ووَلَده عَضُد الدولة، ليجعَلَه وليَّ عَهدِه من بعده، فلمَّا قدم عليه فرِحَ به فرحًا شديدًا، وخرج بنفسِه في جميع جيشِه يتلقَّاه، فلمَّا دخل به إلى دار المملكة أجلسَه على السريرِ وقام بين يديه كأحدِ الأُمَراء؛ ليرفَعَ مِن شأنه عند أمرائِه ووزرائِه وأعوانه. وكان يومًا عظيمًا مشهودًا. ثم عقَدَ لعَضُد الدولة البيعةَ على ما يملِكُه من البلدان والأموال، وتدبيرِ المَملكة والرجال. وفيهم مِن بعضِ رُؤوسِ الأمراءِ كراهةٌ لذلك، فشَرَعَ في القبضِ عليهم، وقَتَلَ مَن شاء منهم وسَجَنَ آخرين، حتى تمهَّدَت الأمورُ لعضد الدولة. ثم كانت وفاةُ عماد الدولة بشيراز في هذه السنة، عن سبعٍ وخمسين سنةً، وكانت مُدَّةُ مُلكِه ست عشرة سنة، وكان من أقوى الملوك في زمانِه، وكان ممن حاز قَصَبَ السَّبقِ دون أقرانه، وكان هو أميرَ الأمراء، وبذلك كان يكاتِبُه الخلفاءُ، ولكِنَّ أخاه معز الدولة كان ينوبُ عنه في العراق والسواد.