جاء الدُّمُسْتُق مَلِكُ الروم إلى رأس العين- من أرض الجزيرةِ- في ثمانين ألفًا، فدخلها ونهب ما فيها وقتَلَ وسبى منهم نحوًا من خمسة عشر ألفًا، وأقام بها ثلاثةَ أيام، فقصدته الأعرابُ مِن كلِّ وَجهٍ، فقاتلوه قتالًا عظيمًا حتى انجلى عنها.
عقدت الدولةُ العثمانيةُ مُعاهدة استانبول مع روسيا بعد مفاوضات استمرَّت خمسة أشهر، وتضَمَّنت المعاهدة أربعةَ عشر بندًا، منها أن يكونَ ذَهابُ وإياب السفير الروسي إلى استانبول عن طريقِ البر، وليس عن طريقِ البحرِ؛ لأنَّ البحر الأسود بحرٌ عُثماني مُغلَق.
هو هِشامُ بن عبدِ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أُمَيَّة بن عبدِ شَمسٍ، أبو الوَليد القُرَشي الأُمَوي الدِّمَشقي، أَميرُ المؤمنين، بُويِعَ له بالخِلافَة بعدَ أَخيهِ يَزيد بن عبدِ الملك بِعَهْدٍ منه إليه، وذلك يوم الجُمُعة لِأَربعٍ بَقِينَ مِن شَعبان سَنةَ خمَسٍ ومائة، وكان له مِن العُمُر يَومئذٍ أربعٌ وثَلاثون سَنَة، وكان جَميلًا أَبيضَ أَحْوَل، يَخضِبُ بالسَّواد، وهو الرَّابعُ مِن وَلَدِ عبدِ الملك لِصُلْبِه الذين وَلُوا الخِلافَة، فكان هِشام آخِرَهم، وكان في خِلافَتِه حازِمُ الرَّأي، وكان ذَكِيًّا مُدَبِّرًا للأمور، له بَصَرٌ بها جَليلِها وحَقيرِها، اشْتَهَرَ هِشام في خِلافَتِه بالحِلْمِ والعِفَّة، وكان قد نَظَّمَ الدَّواوينَ وزاد في مَوارِدِ الدَّولَة، لم يكُن أَحَدٌ مِن بَنِي مَرْوان أَشَدَّ نَظَرًا في أَمرِ أَصحابِه ودَواوينِه، ولا أَشَدَّ مُبالغةً في الفَحصِ عنهم مِن هِشام. أَمرَ بِقَتلِ غَيلان القَدَري. يُؤخَذ عليه تَغافلُه عن دُعاةِ بَنِي العَبَّاس الذين نَشَطوا في عَهدِه، ولَعلَّ كَراهيَة هِشام للعُنفِ وسَفْك الدِّماء كانت سَببًا في تَغاضِيه عنهم حتَّى اسْتَفحَل أَمرُهم قُبيلَ وَفاتِه، بحيث لم يَستَطِع خُلفاؤه وَقْفَ مَدِّ الدَّعوة العَبَّاسِيَّة؛ لذا لمَّا مات هِشام اضْطرَب مُلْكُ بني أُمَيَّة، بَقي في الخِلافَة عشرين سَنَة إلَّا شَهرين، وصلَّى عليه ابنُه مَسلَمة، ودُفِنَ في الرُّصافَة.
اشتَدَّ الغلاءُ بإفريقيَّةَ مِن سنة 537 إلى سنة اثنتين وأربعين حتى أكَلَ النَّاسُ بعضُهم بعضًا، وخَلَت القرى، ولحِقَ كثيرٌ مِن النَّاسِ بجزيرة صقلية، فاغتنمَ رجار مُتمَلِّكُها الفُرصةَ وبعث جرج، مُقَدَّم أسطولِه، فنزل على المهديَّة ثامِنَ صفر سنة 542، وبها الحَسَنُ بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، ففَرَّ بأخَفِّ حِملِه وتَبِعَه الناس، فدخل جرج المهديَّةَ بغيرِ مانعٍ، واستولى على قَصرِ الأمير حَسَن، وأخذ منه ذخائِرَ نَفيسةً وحظايا بديعاتٍ، وعزم حَسَن على المجيءِ إلى مصر، فقَبَضَ عليه يحيى بن العزيز، صاحِبُ بجاية، ووكَلَ به وبأولادِه، وأنزله في بعضِ الجزائر، فبَقي حتى ملك عبدُ المؤمنِ بنُ علي بجاية سنة 547، فأحسنَ إلى الأمير حسن وأقَرَّه في خدمتِه، فلَمَّا مَلَك المهديَّةَ تقَدَّمَ إلى نائبه بها أن يقتديَ برأيِ حَسَن ويَرجِعَ إلى قوله، وكان عِدَّةُ مَن ملك منهم من زيري بن مناد إلى الحَسَن تسعةَ ملوك، ومُدَّةُ ولايتهم 208 سنوات، من سنة 335 إلى سنة 543, وفيها بَعَثَ رجار بن رجار مَلِكُ جزيرة صقلية إلى المهديَّة أُسطولَه، مائتين وخمسين من الشواني، مع جرجي بن ميخائيل، فجَدَّ في حِصارِها حتى أخَذَها في صفر، ومَلَك سوسة وصفاقس، وملك رجار بونة.
كان عبد الله بن علي في الصائفة في الجنود حين مات السفَّاح، وكان المنصور يخشى أن يثورَ عليه، ولَمَّا وصل الكتاب إلى عبد الله بموت السفَّاح وهو في الصائفة دعا لنفسه، وذلك أنَّه قال: إنَّ السفاحَ لَمَّا أراد قتلَ مروان انتدب الناسَ من يقتُلُه من أهل بيته- يعني بيت العباسيين- فإنَّه يكونُ وليَّ عَهدِه، فانتدب لذلك عبد الله، فهو الأحق بالأمر من المنصورِ، فبايعه بعضُ قوَّاده، فسار إلى الكوفة وحاصرها أربعينَ يومًا، ولَمَّا رجع المنصور من الحجِّ ومعه أبو مسلم الخرساني، سيَّرَه لقتال عبد الله، فاقتتلوا وبَقُوا على ذلك خمسة أشهر، ثم مكَرَ بهم أبو مسلم فانهزم جيش عبد الله وفرَّ، وبقي متخفِّيًا بالبصرة إلى أن أعطى الأمانَ أبو مسلم.
وَرَدَ رسولُ صاحبِ مكَّةَ محمدِ بن أبي هاشمٍ، ومعه وَلَدُه، إلى السُّلطانِ ألب أرسلان، يُخبِرُه بإقامةِ الخُطبةِ للخَليفةِ القائمِ بأَمرِ الله وللسُّلطانِ بمكَّةَ، وإِسقاطِ خُطبَةِ الفاطميِّ صاحبِ مصر، وتَرْكِ الأَذانِ بِحَيَّ على خَيرِ العَملِ، فأَعطاهُ السُّلطانُ ثلاثينَ ألف دِينارٍ، وخِلَعًا نَفيسَةً، وأَجرَى له كلَّ سَنَةٍ عَشرةَ آلاف دِينارٍ، وقال: إذا فَعلَ أَميرُ المَدينَةِ مهنأ كذلك، أَعطَيناهُ عشرينَ ألف دِينارٍ، وكلَّ سَنةٍ خَمسةَ آلاف دِينارٍ. فلم يَلتَفِت المُستَنصِر لذلك لِشُغلِه بِنَفسِه ورَعِيَّتِه مِن عِظَمِ الغَلاءِ والجوعِ، عِلمًا بأنه في هذه السَّنَةِ ضاقت النَّفَقَةُ على أَميرِ مكَّةَ فأَخذَ الذَّهَبَ من أَستارِ الكَعبةِ والمِيزابِ وبابِ الكَعبةِ، فضَرَبَ ذلك دَراهِمَ ودَنانيرَ، وكذا فَعلَ صاحبُ المَدينةِ بالقَناديلِ التي في المَسجدِ النَّبَوِيِّ.
توفي الملك الأوحد نجم الدين والدنيا أيوب بن السلطان الملك العادل أبي بكر، صاحب خلاط بتركيا في أيام أبيه الملك العادل، مَلَكَ خلاط ونواحيها، فظلم وعسَف وسفك الدماء بها, وقيل إنه قتل ثمانية عشر ألف نَسَمة بخلاط عندما أخذها، فابتُلي بأمراضٍ مزمنة، فتمنى الموتَ، فمات قبل الكهولة, وكان قد استزار أخاه الملك الأشرف موسى من حران، فأقام عنده أيامًا، واشتد مرضُه فطلب الأشرف الرجوع إلى حران، فقال له الأوحدُ: يا أخي لم تلِحُّ في الرواح، والله إني ميت وأنت تأخذ البلادَ مِن بعدي، فكان كذلك! وملك الأشرف بعد موته خلاط وأحبَّه أهلُها، كلُّ ذلك في حياة أبيهما الملك العادل، فكانت مدَّة تملك الأوحد خلاط أقلَّ من خمس سنين.
حدَثَت مُواجَهاتٌ بين قواتِ الحكومةِ النيجيرِيَّةِ وأعضاءِ الجَماعةِ الإسلاميةِ في شمال البلادِ "بوكو حرام"، استمَرَّت خمسةَ أيَّامٍ، وقُتِل فيها أكثرُ من (780) شخصًا. وكانت مدينةُ مايدوجوري عاصمةَ ولاية بورنو معقِلُ زعيمِ الجماعة محمد يوسف قد شَهِدت أعنفَ العملياتِ القتاليَّةِ.
هو الأمير سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، الناشري العراقي صاحب الحلة السيفية. كان يتشيع هو وأهل بيته، ويقال له ملك العرب. وكان ذا بأس وسطوة، كريمًا ذا ذمام، عفيفًا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبًا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قطُّ ولا تسرَّى، وقيل: إنه لم يشرب مُسكِرًا ولا سَمِعَ غناءً ولا قصد التسوُّقَ في طعام، ولا صادر أحدًا من أصحابه، وكان تاريخ العرب الأماجد كرمًا ووفاءً، وكانت داره ببغداد حرمَ الخائفين. اختطَّ مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وسكنها الشيعة، وكان قد عَظُم شأن صدقة، وعلا قدره، واتسع جاهه، واستجار به صغار الناس وكبارهم، فأجابهم، وكان كثير العناية بأمور السلطان محمد، والتقوية ليده، والشدِّ منه على أخيه بركيارق، حتى إنه جاهر بركيارق بالعداوة، ولم يبرحْ على مصافاة السلطان محمد، وزاده محمد إقطاعًا، من جملته مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة. ثم أفسد ما بينهما العميدُ أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي، ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب الباطنية، وقيل: إنما كان مذهبه التشيع لا غير، ووافق أرغون السعدي أبا جعفر العميد، وأما سبب قتله فإن السلطان محمدًا قد سخط على أبي دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وآبة، فهرب منه وقصد صدقة فاستجار به فأجاره، فأرسل السلطان يطلب من صدقة أن يسلِّمَه إلى نوابه، فلم يفعل، وظهر منه أمورٌ أنكرها السلطان, فأنفذ الخليفةُ المستظهر بالله إلى صدقة ينهاه عن الخروج على السلطان، وتردَّدت الرسل بين الخليفة وصدقة, فما سمع صدقة، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فتوجَّه السلطان إلى العراق ليتلافى هذا الأمر، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولَّوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجُرِح فرسه المهلوب، وكان عديمَ المثَل، وهرب وزيره على فرس له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربةُ سيف في وجهه، وقُتِلَ صدقة، وحُمل رأسه إلى بغداد. وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، فيهم جماعة من أهل بيته، وأُسِرَ ابنه دبيس ووزيره وعِدَّةٌ من أهله، وكان عمره تسعًا وخمسين سنة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة، وحُمِل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام, ثم عاد السلطان إلى بغداد، ولم يَصِل إلى الحلة، وأرسل إلى البطيحة أمانًا لزوجة صدقة، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيسًا، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها.
كان سببَ ذلك أنَّ أحمد بن طولون قد أدمن الغزوَ بطرسوس قبل أن يليَ مصر، فلمَّا ولِيَ مِصرَ كان يؤثِرُ أن يلي طرسوس ليغزوَ منها أميرًا، فكتب إلى أبي أحمدَ الموفَّق يطلُبُ ولايتَها، فلم يجبه إلى ذلك، واستعمل عليها محمد بن هارون التغلبي، فركب في سفينةٍ في دجلة فألقتها الريحُ إلى الشاطئ، فأخذه أصحابُ مساور الشاري فقتلوه، واستعمَلَ عِوَضَه محمد بن علي الأرمني، وأضيفَ إليه أنطاكية، فوثب به أهلُ طرسوس فقتلوه، فاستعمل عليها أرخوز بن يولغ بن طرخان التركي، فسار إليها وكان غِرًّا جاهلا فأساء السِّيرة، وأخَّرَ عن أهل لؤلؤة أرزاقَهم ومِيرتَهم، فضَجُّوا من ذلك، وكتبوا إلى أهل طرسوس يشكُونَ منه ويقولون: إن لم تُرسلوا إلينا أرزاقَنا ومِيرَتَنا وإلَّا سَلَّمْنا القلعةَ إلى الروم. فأعظم ذلك أهلُ طرسوس وجمعوا من بينهم خمسةَ عشر ألف دينار ليحمِلوها إليهم، فأخذها أرخوز ليحمِلَها إلى أهل لؤلؤة، فأخذها لنَفسِه، فلما أبطأ عليهم المالُ سَلَّموا القلعة إلى الروم، فقامت على أهلِ طرسوس القيامةُ؛ لأنَّها كانت شبحًا في حَلقِ العَدُوِّ، ولم يكن يخرجُ للروم في بَرٍّ أو بحر إلَّا رأوه وأنذروا به؛ واتَّصل الخبَرُ بالمعتمِد، فقَلَّدَها أحمد بن طولون، واستعمل عليها من يقومُ بغزو الروم ويحفَظُ ذلك الثَّغرَ.
هو الأميرُ محمدُ بنُ عبد الله بن علي بن رشيد، من شمر، أكبَرُ أمراءِ آل رشيد أيامَ حُكمِهم في حائل وما حولها. كان أبوه عبدُ الله قد لجأ إلى آل سعودٍ وأقامه الأميرُ فيصل بن تركي بن عبد الله أميرًا على حائل، وتوفِّيَ بها سنة 1263هـ، وخلفه ابنُه طلال فتوفي سنة 1283 وخَلَفه أخوه متعب فقتله ولَدَا أخيه بندر وبدر ابنا طلال سنة 1285، وقام محمد سنة 1288 فقتل خمسةً من أبناء أخيه طلال بينهم بندر وبدر، وترك سادسًا لهم اسمه نايف لصغر سنه، وتوطَّدَت له الإمارة. وامتَدَّ حُكمُه إلى أطراف العراق ومشارف الشام، ونواحي المدينة واليمامة وما يلي اليمن. وغلب على نجدٍ، وانتهز فرصةَ الخلاف بين أمراء آلِ سعود، فأدخل نجدًا في طاعتِه بعد أن قضى على دولتِهم في مرحلتها الثانية سنة 1309ه. وأَمِنَت المسالك في أيامِه، وفكَّرَ في إنشاءِ ميناء بحريٍّ لنجد، فحالت منيَّتُه دون ذلك. توفِّيَ بحائلٍ ولم يُعقِب ولدًا، فلمَّا مات خلفه ابنُ أخيه عبد العزيز بن متعب الذي قُتِلَ في المواجهة مع الملك عبد العزيز في معركة روضة مهنا بالقصيم سنة 1324.
هو أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن المرشد بن علي، الحموي الأصل، المصري المولد والدار والوفاة، ولد في الرابع من ذي القعدة سنة 576 بالقاهرة. وكان أبوه يكتب فروض النساء والرجال، ناظم التائية, وهي قصيدة طويلةٌ أكثر من سبعمائة بيت في السلوك على طريقة المتصوفة المنسوبين إلى الاتحاد، وقد تكلَّمَ فيه غير واحد من المشايخ بسبب قصيدته المشارِ إليها، وقد ذكره الذهبي وحطَّ عليه فقال: "إن لم يكن في تلك القصيدةِ صريحُ الاتحاد الذي لا حيلةَ في وجوده، فما في العالم زندقةٌ ولا ضلال، اللهمَّ ألهمنا التقوى، وأعذنا من الهوى، فيا أئمَّة الدين ألا تغضبون لله؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله". مات وقد قارب السبعين، توفي بالقاهرة في يوم الثلاثاء الثاني من جمادى الأولى، ودفن من الغد بسفح المقطم، وقبره معروف به يُقصَد للزيارة، وكان قد سافر إلى مكة وبقي فيها قرابة الخمسة عشر سنة متصلًا فيها بالصوفية، ولكن له شطحات كثيرة في قصائده على عادة المتصوفة، وخاصة في هيامِهم وغزلهم مع قَصدِهم الذاتَ الإلهيَّةَ- تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا.
أرسل الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم بكِتابٍ إلى قَيصرِ الرُّومِ وكان حاملَ الكِتابِ هو دِحيةُ بنُ خَليفةَ الكَلبيُّ، فلمَّا كان مِن قَيصرَ ما كان أجاز دِحيةَ بنَ خَليفةَ الكَلبيَّ بمالٍ وكِسوَةٍ، ولمَّا كان دِحيةُ بحِسْمَى في الطَّريقِ لَقِيَهُ ناسٌ مِن جُذَامَ، فقَطعوها عليه، فلم يتركوا معه شيئًا، فجاء دِحيةُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يَدخُلَ بيتَه فأخبرَهُ، فبعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زيدَ بنَ حارثةَ إلى حِسْمَى، وهي وَراءَ وادي القُرى، في خمسمائةِ رجلٍ، فشَنَّ زيدٌ الغارةَ على جُذامَ، فقَتل فيهم قتلًا ذَريعًا، واسْتاقَ نَعَمَهُم ونِساءَهُم، فأخذ مِنَ النَّعَمِ ألفَ بَعيرٍ، ومِنَ الشَّاةِ خمسةَ آلافٍ، والسَّبْيِ مائةً مِنَ النِّساءِ والصِّبيانِ. وكان بين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وبين قَبيلةِ جُذامَ مُوادَعةٌ، فأسرعَ زيدُ بنُ رِفَاعةَ الجُذاميُّ أَحَدُ زُعماءِ هذه القَبيلةِ بتَقديمِ الاحْتِجاجِ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان قد أَسلمَ هو ورِجالٌ مِن قومِه، ونَصَروا دِحيةَ حين قُطِعَ عليه الطَّريقُ، فقَبِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم احْتِجاجَهُ، وأَمَر بِرَدِّ الغَنائمِ والسَّبْيِ.
لَمَّا توقَّفَ الحجُّ مِن العِراقِ عِدَّةَ سَنَواتٍ مُتَتالياتٍ خَوفًا مِن الأعرابِ قُطَّاعِ الطُّرُقِ، قَصَد النَّاسُ يَمينَ الدَّولةِ محمودَ بنَ سبكتكين وقالوا له: أنت سُلطانُ الإسلامِ وأعظَمُ مُلوكِ الأرض، وفي كلِّ سَنةٍ تَفتَحُ مِن بلادِ الكُفرِ ما تُحِبُّه، والثَّوابُ في فَتحِ طَريقِ الحَجِّ أعظَمُ، وقد كان الأميرُ بَدرُ بنُ حسنويه، وما في أمرائِك إلَّا مَن هو أكبَرُ منه شأنًا، يُسَيِّرُ الحاجَّ بمالِه وتدبيرِه عشرينَ سَنةً، فتقَدَّمَ ابنُ سبكتكين إلى قاضيه أبي مُحمَّدٍ الناصحي بالتأهُّبِ للحَجِّ، ونادى في أعمالِ خُراسان بالحَجِّ، وأطلق للعَرَبِ ثلاثينَ ألفَ دينارٍ سَلَّمَها إلى النَّاصحيِّ المذكورِ غيرَ ما للصَّدَقاتِ، فحَجَّ بالنَّاسِ أبو الحَسَن ِالأقساسي، فلمَّا بلغوا فيدَ حاصَرَتْهم العرَبُ، فبذل لهم القاضي النَّاصحي خمسةَ آلافِ دينارٍ، فلم يَقنَعوا وصَمَّموا على أخذِ الحافي، فرَكِبَ رأسَهم جَمَّازُ بنُ عديٍّ، وقد انضم عليه ألفا رجُلٍ مِن بني نبهان، وأخذ بِيَدِه رمحًا وجال حولَ الحاجِّ، وكان في السَّمَرْقنديِّينَ غُلامٌ يُعرَفُ بابنِ عَفَّان، فرماه بسَهمٍ فسَقَط منه مَيِّتًا وهَرَب جَمعُه، وعاد الحاجُّ في سلامةٍ.