الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2316 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 251 العام الميلادي : 865
تفاصيل الحدث:

خرج إلى هذه الغزاةِ عبد الرحمن بن محمَّد، وتقدَّمَ حتى حلَّ على نهرِ دوبر وتوالت عليه العساكرُ من كل ناحية، فرتَّبَها ثم تقَدَّم، فاحتل بفج برذنش، وكانت عليه أربعة حصون، فتغلب العسكرُ عليها، وغنم المسلمون جميعَ ما فيها وخربوها، ثم انتقل من موضعٍ إلى موضع، لا يمُرُّ بمسكنٍ إلَّا خرَّبه، ولا موضِعٍ إلا حَرَقه، حتى اتصلَ ذلك في جميع بلادهم، ولم يبقَ لرذريق صاحب القلاع، ولا أردمير صاحب توفة، ولا لعندشلب صاحب برجية، ولا لغومس صاحب مسانقة، حِصنٌ من حصونهِم إلا وعَمَّه الخراب. ثم قصدَ الملاحة، وكانت من أجلِّ أعمال رذريق؛ فحطَّمَ ما حواليها وعفا آثارَها، ثم تقدَّمَ يوم الخروج على فج المركويز؛ فصَدَّ العسكر عنه، وتقدَّم رذريق بحشوده وعسكرِه، فحلَّ على الخندق المجاور للمركويز، وكان رذريق قد عانى توعيرَه أعوامًا، فسخَّرَ فيه أهل مملكتِه، وقطعه من جانب الهضبةِ، فارتفع جرفه، وانقطع مسلكُه، فنزل عبدالرحمن ابن الأمير محمد على وادي إبره بالعسكرِ، وعبَّأ عبد الملك للقتال؛ وعبأ المشركون، وجعلوا الكمائنَ على ميمنة الدرب وميسرته، وناهض المسلمون جموعَ المشركين بصدورهم؛ فوقع بينهم جِلادٌ شديد، وصدق المسلمون اللِّقاء، فانكشف الأعداءُ عن الخندق، وانحازوا إلى هضبةٍ كانت تليه، ثم نزل عبد الرحمن ابن الأمير محمد، ونصب فسطاطَه، وأمر الناس بالنزولِ، وضرب أبنيتهم، ثمَّ نهض المسلمون إليهم فصَدَقوهم القتال، وضرب اللهُ في وجوه المشركين ومنَحَ المسلمين أكتافَهم، فقتلوا أشَدَّ القتل، وأُسِرَ منهم جموعٌ، واستمرُّوا في الهزيمة إلى ناحية الأهزون، واقتحَموا نهر إبره باضطرارٍ في غير مخاضة، فمات منهم خلقٌ كثير غرقًا، وكان القتل والأسر فيهم من ضحى يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجبٍ إلى وقت الظهر، وسلَّمَ الله المسلمين ونصَرَهم على المشركين، وكان قد لجأ منهم إلى الوعر والغياض- عندما أخذتهم السيوفُ- جموعٌ، فتُتُبِّعوا وقُتلوا، ثم هُتِك الخندقُ وسُوِّيَ حتى سَهُل، وسلَكَه المُسلِمونَ غيرَ خائفين ولا مضغطين، وأعظم الله المنة للمسلمين بالصنعِ الجميل، والفتح الجليل، والحمد لله رب العالمين. وكان مبلغُ ما حيز من رؤوس الأعداء في تلك الوقيعة عشرينَ ألف رأس وأربعمائة رأس واثنين وسبعين رأسًا.

العام الهجري : 422 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1031
تفاصيل الحدث:

تجَدَّدَت الفِتنةُ ببغدادَ بينَ السُّنَّة والشِّيعة، وكان سبَبُ ذلك أنَّ الوزيرَ أبا القاسم عليَّ بنَ أحمد الملَقَّب بالمذكور أظهَرَ العَزمَ على الغَزاة، واستأذن الخليفةَ في ذلك، فأَذِنَ له، وكُتِبَ له منشورٌ من دار الخلافة، وأعطى عَلَمًا، فاجتمَعَ له لفيفٌ كثيرٌ، فسار واجتاز ببابِ الشعير، وطاق الحراني، وبين يديه الرِّجالُ بالسِّلاحِ، فصاحوا بذِكرِ أبي بكرٍ وعُمَرَ، رَضِيَ الله عنهما، وقالوا: هذا يومُ مُعاوية، فنافَرَهم أهلُ الكَرخِ ورَمَوهم، وثارت الفِتنةُ، ونُهِبَت دورُ اليَهودِ؛ لأنَّهم قيل عنهم إنَّهم أعانوا أهلَ الكَرخِ، فلمَّا كان الغدُ اجتمع السُّنَّةُ من الجانِبَينِ، ومعهم كثيرٌ مِن الأتراكِ، وقصدوا الكَرخَ، فأحرقوا وهَدَّموا الأسواق، وأشرف أهلُ الكَرخِ على خُطَّةٍ عظيمة. وأنكَرَ الخليفةُ ذلك إنكارًا شديدًا، ونَسَب إليهم تخريقَ عَلامتِه التي مع الغزاةِ، فركب الوزيرُ فوَقَعَت في صَدرِه آجُرَّة، فسَقَطَت عِمامَتُه، وقُتِلَ مِن أهل الكرخِ جماعةٌ، وأُحرِقَ وخُرِّبَ في هذه الفتنةِ سُوقُ العَروسِ، وسوقُ الصَّفَّارين، وسوقُ الأنماط، وسوق الدقَّاقين، وغيرها، واشتد الأمرُ، ووقع القتالُ في أصقاع البلَدِ مِن جانبيه، وقَتَلَ أهلَ الكَرخِ، ونهر طابق، والقَلَّائين– صَنعتُهم القَليُ-، وباب البصرة، وفي الجانب الشَّرقيِّ أهل سوقِ الثلاثاء، وسُوق يحيى، وباب الطاق، والأساكفة، والرهادرة، ودرب سليمان، فقُطِعَ الجِسرُ ليُفَرَّقَ بين الفريقين، ودخل العَيَّارون– والعيارون: لُصوصٌ يَمتَهِنونَ النَّهبَ والدعارةَ - البلدَ، وكَثُرَ الاستقفاءُ بها ليلًا ونهارًا. وأظهر الجندُ كراهةَ المَلِك جلالِ الدَّولة، وأرادوا قَطعَ خُطبتِه، ففَرَّقَ فيهم مالًا وحَلَفَ لهم فسَكَنوا، ثم عاودوا الشَّكوى إلى الخليفةِ منه، وطَلَبوا أن يأمُرَ بقَطعِ خُطبتِه، فلم يُجِبْهم إلى ذلك، فامتنع حينئذ جلالُ الدَّولة من الجلوس، ودامت هذه الحالُ إلى عيدِ الفِطرِ، ثمَّ حدث في شوال فتنةٌ بين أصحابِ الأكْيِسة وأصحابِ الخِلعانِ، وهما شيعةٌ، وزاد الشَّرُّ، ودام إلى ذي الحِجَّة، فنودي في الكَرخِ بإخراجِ العَيَّارين، فخرجوا، واعتَرَض أهلُ باب البصرة قومًا مِن قُمٍّ أرادوا زيارةَ مَشهدِ عليٍّ والحُسَين، فقَتَلوا منهم ثلاثةَ نَفَر، وامتنَعَت زيارةُ مَشهَدِ موسى بنِ جَعفَر.

العام الهجري : 483 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1090
تفاصيل الحدث:

نَهَبَ العَربُ البَصرةَ نَهْبًا قَبيحًا، وسَببُ ذلك أنَّه وَرَدَ إلى بغداد، في بَعضِ السِّنين، رَجلٌ أَشقرُ مِن سَوادِ النِّيلِ يَدَّعِي الأَدبَ، والنَّظَرَ في النُّجومِ، ويَستَجرِي الناسَ، فلَقَّبَهُ أَهلُ بغداد تليا –أي التابع-، وكان نازلًا في بَعضِ الخاناتِ، فسَرَقَ ثِيابًا من الدِّيباجِ وغَيرِه، وأَخفَاها في خلفا، وسار بهم، فرَآها الذين يَحفَظون الطَّريقَ، فمَنَعوهُ من السَّفَر اتِّهامًا له، وحَمَلوهُ إلى المُقَدَّم عليهم، فأَطلَقَه لِحُرمَةِ العِلْمِ، فسار إلى أَميرٍ من أُمراءِ العَربِ مِن بَنِي عامرٍ، وبِلادُه مُتاخِمَة الأَحساء، وقال له: أنت تَملِك الأرضَ، وقد فَعلَ أَجدادُك بالحاج كذا وكذا، وأَفعالُهم مَشهورَةٌ، مَذكورَةٌ في التَّواريخِ، وحَسَّنَ له نَهْبَ البَصرَةِ وأَخْذَها، فجَمعَ مِن العَربِ ما يَزيدُ على عشرةِ آلافِ مُقاتلٍ، وقَصدَ البَصرَةَ، وبها العَميدُ عصمة، وليس معه من الجُنْدِ إلا اليَسيرُ، لِكَوْنِ الدنيا آمِنَةً مِن ذاعِرٍ، ولأنَّ الناسَ في جِنَّةٍ مِن هَيبَةِ السُّلطانِ، فخَرجَ إليهم في أَصحابِه، وحارَبَهم، ولم يُمَكِّنهُم من دُخولِ البَلدِ، فأَتاهُ مَن أَخبَرهُ أنَّ أَهلَ البَلَدِ يُريدونَ أن يُسلِّموهُ إلى العَرَبِ، فخاف، ففارَقَهم، وقَصدَ الجَزيرةَ التي هي مكانُ القَلعةِ بنَهرِ معقل، فلمَّا عاد أَهلُ البَلدِ بذلك فارَقوا دِيارَهم وانصَرَفوا، ودَخلَ العَربُ حينئذٍ البَصرَةَ، وقد قَوِيَت نُفوسُهم، ونَهَبوا ما فيها نَهْبًا شَنيعًا، فكانوا يَنهَبون نَهارًا، وأَصحابُ العَميدِ عصمة يَنهَبون لَيلًا، وأَحرَقوا مَواضِعَ عِدَّةً، وفي جُملَةِ ما أَحرَقوا دارانِ للكُتُبِ إحداهما وُقِفَت قبلَ أيامِ عَضُدِ الدولةِ بن بويه، وهي أَوَّلُ دارٍ وُقِفَت في الإسلامِ. والأُخرى وَقَفَها الوَزيرُ أبو مَنصورِ بن شاه مردان، وكان بها نَفائِسُ الكُتُبِ وأَعيانُها، وأَحرَقوا أيضًا النَّحَّاسِينَ وغَيرَها من الأماكنِ، وخُرِّبَت وُقوفُ البَصرَةِ التي لم يكُن لها نَظيرٌ، وكان فِعْلُ العَربِ بالبَصرَةِ أَوَّلَ خَرْقٍ جَرَى في أيامِ السُّلطانِ ملكشاه. فلمَّا فَعَلوا ذلك، وبَلغَ الخَبرُ إلى بغداد، انحَدرَ سَعدُ الدولةِ كوهرائين، وسَيفُ الدولةِ صَدقةُ بن مزيد إلى البَصرَةِ لإصلاحِ أُمورِها، فوَجَدوا العَربَ قد فارَقوها، ثم إن تليا أُخِذَ بالبَحرَينِ، وأُرسِلَ إلى السُّلطانِ، فشَهَرَهُ ببغداد سَنةَ أربع وثمانين وأربعمائة على جَمَلٍ، وعلى رَأسِه طرطور، وهو يُصفَع بالدِّرَّةِ، والناسُ يَشتُمونَه، ويَسُبُّهم، ثم أُمِرَ به فصُلِبَ.

العام الهجري : 547 العام الميلادي : 1152
تفاصيل الحدث:

اقتتل السُّلطانُ سنجر ومَلِك الغور علاءُ الدين الحسين بن الحسين أوَّلُ مُلوكِهم، فكَسَرَه سنجر وأسَرَه، ثم عَفا عنه وأطلَقَه إلى بلاده، ثمَّ إن علاء الدين قَصَدَ غزنةَ, ومَلِكُها حينئذ بهرام شاه بن إبراهيمَ بنِ مَسعودِ بنِ محمود بن سبكتكين فلم يَثبُتْ بها بين يدي علاءِ الدينِ الغوريِّ، بل فارَقَها إلى كرمان، وهي مدينةٌ بينَ غزنةَ والهندِ، وسُكَّانُها قَومٌ يُقالُ لهم أبغان، فلمَّا فارق بهرام شاه غزنةَ مَلَكَها علاء الدين، وأحسَنَ السيرةَ في أهلِها، واستعمَلَ عليهم أخاه سيف الدين سوري، وأجلسه على تخت المَملكةِ، وخَطَب لنَفسِه ولأخيه سيفِ الدِّينِ بَعْدَه، ثمَّ عاد علاءُ الدين إلى بلد الغور، وأمَرَ أخاه أن يخلَعَ على أعيانِ البَلَدِ خِلَعًا نفيسةً، ويَصِلَهم بصِلاتٍ سَنِيَّةٍ، ففَعَلَ ذلك وأحسنَ إليهم، فلمَّا جاء الشتاء ووقَعَ الثَّلجُ، وعَلِمَ أهل غزنة أنَّ الطَّريقَ قد انقطَعَ إليهم، كاتَبوا بهرام شاه الذي كان صاحِبَها، واستدعوه إليهم، فسار نحوَهم في عسكَرِه، فلما قارب البلَدَ ثار أهلُه على سيف الدين فأخذوه بغيرِ قتالٍ، وكان العلويُّونَ هم الذين تولَّوا أسْرَه، وانهزم الذين كانوا معه، فمنهم مَن نجا، ومنهم من أُخِذَ، ثمَّ إنَّهم سَوَّدوا وَجهَ سَيفِ الدين، وأركبوه بقرةً وطافوا به البلَدَ، ثمَّ صَلَبوه، وقالوا فيه أشعارًا يَهجُونَه بها وغنى بها حتى النِّساءُ، فلمَّا بلغ الخبَرُ إلى أخيه علاء الدين الحسين قال شعرًا معناه: إنْ لم أقلَعْ غزنةَ في مَرَّةٍ واحدة، فلَسْتُ الحسين بن الحسين؛ ثم توفِّيَ بهرام شاه ومَلَك بعده ابنُه خسروشاه، وتجهَّزَ علاء الدين الحُسَين وسار إلى غزنة سنة 550، فلمَّا بلغ الخبَرُ إلى خسروشاه سار عنها إلى لهاوور، ومَلَكَها علاء الدين، ونَهَبها ثلاثة أيام، وأقام بغزنةَ حتى أصلَحَها، ثم عاد إلى فيروزكوه، وتلَقَّبَ بالسُّلطانِ المُعَظَّم وحَمَلَ الجتر على عادةِ السلاطين السلجوقية، فكان خسروشاه آخِرَ مُلوك سبكتكين وبه انقَضَت دولتُهم التي دامت مائتين وثلاث عشرة سنةً تَقريبًا.

العام الهجري : 583 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1188
تفاصيل الحدث:

قُتِلَ شَمسُ الدين محمَّد بن عبد الملك المعروف بابنِ المُقَدَّم يومَ عَرَفة بعَرَفاتٍ، وهو أكبَرُ الأمراء الصلاحية، وسبَبُ قتله أنَّه لما فتَحَ المُسلِمونَ بيت المقدس طَلَب إذنًا من صلاحِ الدين ليحُجَّ ويُحرِمَ مِن القدس، ويجمَعَ في سنةٍ بين الجِهادِ والحَجِّ وزيارة الخليل- عليه السلام- وما بالشام من مشاهِدِ الأنبياء، وبين زيارةِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، فأَذِنَ له, وكان قد اجتمَعَ تلك السنة من الحُجَّاج بالشام الخَلقُ العظيم من بلاد العراق، والموصل، وديار بكر، والجزيرة، وخلاط، وبلاد الروم، ومصر وغيرها؛ لِيَجمعوا بين زيارة بيت المقدس ومكَّة، فجُعِلَ ابنُ المقدم أميرًا عليهم، فساروا حتى وصلوا إلى عرفات سالمين، ووقفوا في تلك المشاعِرِ، فلما كان عَشيَّةُ عرفةَ تجهَّزَ هو وأصحابُه ليسيروا مِن عَرَفات، فأمَرَ بضَربِ كوساته- قطعتان من نحاس تشبهان الترس الصغير، يُدَقُّ بأحدها على الآخَرِ بإيقاعٍ مخصوصٍ- التي هي أمارة الرحيل، فضربها أصحابُه، فأرسل إليه أميرُ الحاجِّ العراقي، وهو مجبر الدين طاش تكين، ينهاه عن الإفاضةِ مِن عرفات قبله، ويأمُرُه بكَفِّ أصحابه عن ضَربِ كوساته، فأرسل إليه: إني ليس لي معك تعَلُّقٌ؛ أنت أمير الحاجِّ العراقي، وأنا أميرُ الحاجِّ الشاميِّ! وكلٌّ منا يفعَلُ ما يراه ويختاره، وسار ولم يقف، ولم يسمعْ قَولَه، فلما رأى طاش تكين إصرارَه على مخالفَتِه رَكِبَ في أصحابه وأجناده، وتَبِعَه من غوغاء الحاجِّ العراقي وبطاطيهم، وطاعتهم، والعالم الكثير، والجم الغفير، وقصدوا حاجَّ الشام مهولين عليهم، فلمَّا قَرُبوا منهم خرج الأمرُ مِن الضبط، وعَجَزوا عن تلافيه، فهَجَم طماعة العراقِ على حاجِّ الشامِّ وفتَكوا فيهم، وقَتَلوا جماعةً ونُهِبَت أموالُهم وسُبِيَت جماعةٌ مِن نسائهم، إلا أنَّهن رُدِدنَ عليهم، وجُرِحَ ابنُ المقدم عِدَّةَ جراحات، وكان يكُفُّ أصحابَه عن القتال، ولو أذِنَ لهم لانتصف منهم وزاد، لكِنَّه راقب اللهَ تعالى، وحُرمةَ المكان واليوم، فلما أُثخِنَ بالجراحاتِ أخذه طاش تكين إلى خيمته، وأنزله عنده ليُمَرِّضَه ويستدرِكَ الفارِطَ في حَقِّه، وساروا تلك الليلةَ مِن عرفات، فلما كان الغدُ مات بمِنًى، ودُفِنَ بمَقبرةِ المُعلَّى.

العام الهجري : 587 العام الميلادي : 1191
تفاصيل الحدث:

دخلت سنة سبع وثمانين والسلطان بالخروبة على حصارِ الفرنج، وقَدِمَت عساكر المسلمين من الشرق ومِن بقية البلاد، فرَحَل من الخروبة لاثنتي عشرة بقيت من ربيع الأول إلى تل كيسان وتتابع مجيءُ العساكر. وكملت أبراجُ الفرنج الثلاثة، التي بَنَوها تجاه عكا في مدة سبعة أشهر، وكانت غايةً في القوة والمتانة والارتفاع حتى علت على أسوار البلد، وامتلأت بالعَدَد والعُدَّة، وطَمُّوا كثيرا من الخندق، وضايقوا البلد. واشتَدَّ خَوفُ المسلمين، واشتدت الحربُ بين الفريقين، حتى تمكَّن المسلمون مِن حَرقِ الأبراج الثلاثة بمن فيها من الفرسان، ثم خرج أهل عكا منها، فنَظَّفوا الخندق، وسَدُّوا الثغر، وغَنِموا ما كان في الأبراجِ مِن الحديد، فتَقَوَّوا به، والفرنجُ في غاية الذهول مِمَّا حدث لأبراجهم الثلاثة. وكان بين أسطولِ المصريين وبين مراكب الفرنج عِدَّة معارك، قُتِلَ فيها كثير من الفرنج. ودخل مَلِك الألمان بجيوشه إلى حدود بلاد الإسلام، وقد فَنِيَ منهم كثير، فواقَعَهم عز الدين قلج بن أرسلان السلجوقي، فانكسر منهم، فلَحِقَ به الفرنج إلى قونية وهاجَموها، وأحرقوا أسواقَها، وساروا إلى طرسوس يريدون بيت المقدس، واسترجاع ما أخَذَه منهم السلطان صلاح الدين الأيوبي من البلاد والحصون، فمات بها ملك الألمان, وقام مِن بَعدِه ابنه، فسار إلى أنطاكية. وندب السلطانُ كثيرًا مِمَّن كان معه على حربِ عكا إلى جهة أنطاكية، ووقع فيمن بَقِيَ معه مرض كثير، وأمَرَ بتخريب أسوار طبرية ويافا وأرسوف وقيسارية وصيدا وجبيل، فخرب ذلك كله، ونَقَل من كان فيها إلى بيروت وطمع الفرنجُ في السلطان لقِلَّةِ من بقي معه، فركبوا لحَربِه, فكانت للمسلمين معهم حربٌ، انكسر فيها الفرنجُ إلى خيامهم، وقُتِلَ منهم آلاف، فوَهَنَت قواهم. غيرَ أن المدد أتاهم، ونَصَبوا المجانيقَ على عكا، فتحول السلطانُ إلى الخروبة، وسار ابنُ ملك الألمان عن أنطاكية إلى طرابلس في جيوشِه، وركب منها البحرَ إلى عكا، فوصَلَ إليها سادس رمضان، فأقام عليها إلى أن هَلَك ثاني عشر ذي الحجة، بعدما حارب المسلمينَ، فلم ينَلْ منهم كبيرَ غَرَض. ودخل الشتاءُ وقد طالت مدة- البيكار- الحرب، وضجِرَت العساكر من كثرة القتال، فرحل صاحِبُ سنجار وصاحِبُ الجزيرة وصاحِبُ الموصل.

العام الهجري : 631 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1234
تفاصيل الحدث:

قصد السلطان علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو السلجوقي، صاحب بلاد الروم، مدينةَ خلاط، فخرج المَلِكُ الكامل من القاهرة بعسكره، ليلة السبت خامس شعبان، واستناب ابنَه الملك العادل، فوصل إلى دمشق، وكتب إلى ملوك بني أيوب يأمرُهم بالتجهز، للمسير بعساكرهم إلى بلاد الروم، وخرج الكامِلُ من دمشق، فنزل على سلمية في شهر رمضان، ورتَّب عساكِرَه، وسار إلى منبج، فقَدِمَ عليه عسكر حلب، وغيرُه من العساكر، فسار وقد صار معه ستة عشر ملكًا، وقيل: بل كانوا ثمانية عشر ملكًا، فعرَضَهم الكامل على إلبيرة أطلابًا بأسلحتهم، فلكثرة ما أعجب بنفسِه قال: هذه العساكر لم تجتَمِعْ لأحد من ملوك الإسلام، وأمر بها فسارت شيئًا بعد شيءٍ نحو الدربند، وقد جدَّ السلطان علاء الدين في حِفظِ طرقاته بالمقاتلة، ونزل الكامِلُ على النهر الأزرق، وهو بأول بلد الروم، ونزل عساكر الروم فيما بينه وبين الدربند وصعد الرجَّالة إلى فم الدربند، بالقرب من نور كغال، وبنوا عليه سورًا يمنع العساكِرَ من الطلوع، وقاتلوا من أعلاه، فقلَّت الأقوات عند عسكر الكامل، واتَّفَق مع قلة الأقوات وامتناع الدربند نفورُ ملوك بني أيوب من الملك الكامل، بسبب أنَّه حَفِظَ عنه أنَّه لما أعجبته كثرة عساكره بالبيرة، قال لخواصه: إن صار لنا مُلك الرومِ فإنَّا نعوض ملوك الشام والشرق مملكةَ الروم، بدل ما بأيديهم، ونجعل الشامَ والشرق مضافًا إلى مُلك مصر، فحَذِرَ من ذلك المجاهد صاحب حمص، وأعلم به الأشرف موسى صاحب دمشق، وأحضر بني عمِّه وأقاربَه من الملوك وأعلمَهم ذلك، فاتفقوا على الملك الكامل، وكتبوا إلى السلطان علاء الدين بالميلِ معه وخذلان الكامل، وسيَّروا الكتب بذلك، فاتفق وقوعُها في يد الملك الكامل، فكتمها ورحل راجعًا، فأخذ السلطانُ علاء الدين كيقباذ ملك الروم قلعةَ خرتبرت وست قلاع أخر كانت مع الملوك الأرتقية، في ذي القعدة، فاشتدَّ حنقُ الملك الكامل؛ لِما حصل على أمرائه وعساكره من صاحبِ الروم في قلاع خرتبرت، ونسب ذلك إلى أهلِه من الملوك، فتنكَّرَ ما بينه وبينهم.

العام الهجري : 643 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1245
تفاصيل الحدث:

كَثُرَت محاربة الصاحب معين الدين بن شيخ الشيوخ ومعه الخوارزمية الذين كان مجيئُهم بناءً على طلب الملك الصالحِ نجم ِالدين  أيوب صاحبِ مصر، فحاصروا دمشقَ وقطعوا عنها الميرةَ فتضايقت البلدُ، ثم أحرقوا قصرَ الحجَّاج في ثاني محرم، ورمي بالمجانيق وألحَّ بالقتال، فأحرق الصالحُ إسماعيل صاحب دمشق في ثالثه عدَّة مواضع، ونُهِبَت أموال الناس، وجرت شدائدُ إلى أن أهل شهر ربيع الأول، ففيه خرج المنصورُ صاحب حمص من دمشق، وتحدَّثَ معه بركة خان مقدم الخوارزمية في الصَّفحِ، وكذلك طلبوا إلى ابن شيخ الشيوخ الأمانَ ثم قرر أن الصالح إسماعيلَ يسلِّم دمشق، على أن يخرج منها هو والمنصور بأموالهم، ولا يعرض لأحدٍ مِن أصحابهم ولا لشيءٍ ممَّا معهم، وأن يعوَّض الصالحُ إسماعيل عن دمشق ببعلبك وبُصرى وأعمالها، وجميع بلاد السواد، وأن يكون للمنصور حمص وتدمر والرحبة، فأجاب أمين الدولة وزير دمشق إلى ذلك، وحلف الصاحِبُ معين الدين وزير مصر لهم، فخرج الصالحُ إسماعيل والمنصور من دمشق، ودخل الصاحِبُ معين الدين في يوم الاثنين ثامن جمادى الأولى، ومنع الخوارزميَّة من دخول دمشق ودبَّرَ الأمير أحسَنَ تدبير، وأقطع الخوارزميَّة الساحلَ، وخطب بدمشق وبجامعِ دمشق وعامَّة أعمالها للمَلِك الصالح نجم الدين، وسلم أيضًا الأمير سيف الدين علي بن قلج قلعة عجلون لأصحاب الملك الصالح، وقدم إلى دمشقَ، فلما وردت الأخبارُ بذلك على الملك الصالح نجم الدين أنكر على الطواشي شهاب الدين والأمراء كيف مكَّنوا الصالح إسماعيل من بعلبك، وقال: إنَّ الصاحِبَ معين الدين حَلَف له، وأما أنتم فما حلفتم، وأمَرَ الملك الصالح نجم الدين أن يسيرَ ركن الهيجاوي، والوزير أمين الدولة السامري، تحت الحوطة إلى قلعة الروضة، فسُيِّرَا من دمشق إلى مصر، واعتُقِلا بقلعة الجبل فاتفق مرض الصاحبِ معين الدين ووفاته بدمشق، في الثاني والعشرين من شهر رمضان، فكتب السلطان إلى الأمير حسام بن أبي علي الهذباني، وهو بنابلس، أن يسير إلى دمشق ويتسلمها، فسار إليها وصار نائبًا بدمشق، والطواشي رشيد بالقلعة.

العام الهجري : 689 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1290
تفاصيل الحدث:

الخلجيُّونَ أصلُهم من الترك الأفغانيين، وكانوا أسرةً مُحارِبةً، ظهر أمرُها من أيام الغزنويِّينَ، ويرى بعضُ المؤرخين أنَّهم ينتَسِبونَ إلى "قليج خان" أحدِ أصهار "جنكيز خان" والذي نزل بجبال الغورِ بعد هزيمة "خوارزم شاه"، وحرَّف اسمه بعد ذلك إلى خلج، وعُرِفَ ورثته بالخلجيون، واندمجوا في الحياةِ في "أفغانستان"، واعتنقوا الإسلامَ في عهد سلاطين الدولةِ الغزنوية، وضم الجيشُ الغزنوي فرقًا منهم أسهمت في فتح الهند. وظهر أمرُهم منذ أيامِ الدولة الغورية، وازداد نفوذُهم في عهد المماليك، وتولَّوا حكمَ إقليم البنغال، ونهضوا بالوظائفِ الكبرى في الدولةِ، وبعد وفاة غياث الدين بلبن تولى حفيدُه كيقباد الحُكمَ، وكان شابًّا لاهيًا منصرفًا عن إدارة الدولة، وهو ما أطمعَ الخلجيينَ في الإطاحة بنظام الحُكمِ في دلهي، فجمعوا أمرَهم تحت قيادة زعيمِهم فيروز، ودخلوا دلهي، وأسقطوا حكمَ بيت غياث الدين بلبن، وأعلن فيروزُ نَفسَه سُلطانًا، ولقَّب نفسَه بجلال الدين، وذلك في الثاني من جمادى الآخرة 689هـ (13 من يونيو1290م) واستطاع السلطانُ جلال الدين أن يجذِبَ القلوبَ التي كانت نافرةً منه بعد اجتياحِ قُوَّاتِه مدينةَ دلهي وقَتلِها كيقباد، وقد كان شيخًا كبيرًا في السبعينَ مِن عُمُرِه، يميلُ إلى الحِلمِ والسماحة؛ فنجح في أن يتألَّف القلوبَ مِن حوله، وبلغ من سماحتِه أنَّه عفا عن بعض الثائرين عليه، وفكَّ أغلالَهم، وأجلَسَهم بمجلِسِه، وقال لهم: كنتم زملائي، وقد جعلني اللهُ ملكًا، فأنا أشكر الله على نعمته، ولا أنسى الماضي، وأنتم بوفائِكم لأميرِكم من آلِ بلبن قد قمتُم بواجِبِكم، ولا يمكِنُ أن أحاسِبَكم على هذا الوفاءِ. وقد نجح السلطانُ جلال الدين في ردِّ غارات المغول حين عاودوا هجومَهم على الهند، وأسَرَ منهم ألوفًا، وأنزلهم بضواحي دلهي, ثم خرج في سنة 694هـ لفتح الدكن، وتمكَّنَ من التغلُّبِ على إمارة ديوكر الهندية، ودخل الدكن، فكان أوَّلَ من دخلها من سلاطينِ المسلمين، وكان من إفراطِ السلطان في حُسنِ الظن بمن حوله أن استطاع ابنُ أخيه علاء الدين محمد أن يستدرِجَه إلى مقامِه في "كره"، بدعوى مشاهدةِ بعضِ الغنائِمِ الثمينةِ التي أتى بها من الدكن، ودَبَّرَ له مَن قتَلَه قبل أن يلتقيا في 4 من رمضان 694هـ (18 يوليو 1295م).

العام الهجري : 1148 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1736
تفاصيل الحدث:

اتحدت النمسا مع روسيا لمحاربة تركيا، وكانت الدولة خارجة من حرب إيران فساقت روسيا جيوشها تحت قيادة الفلد مارشال مونيخ، حاصرت فرقةٌ منه قلعةَ أزوف (آزاق). ودخلت فرقةٌ أخرى من برزخ أورقبو، وهددت بلاد القرم، وهاجمت فرقةٌ ثالثة قلعةَ كيلبرون فاضطرت تركيا لإعلان الحرب عليها، وسار الصدر الأعظم على رأس الجيوش، وساقت النمسا جيوشها على قلعة شهر كوي، ودخلت عساكرُها بلاد البوسنة، ثمَّ تقدَّمت الجيوش التركية وقاتلت النمسا، وانتصرت عليها، وشتَّتت جيوشها في الوقائع التي حدثت في خلال سنة (1149) و (1150) و (1151) هـ، واستردَّت تركيا جهات نيش وشهر كوي، ثم هزم جيش عوض محمد باشا جيشًا ثالثًا للنمساويين، وكان يتقدَّم على ويدوين، وأحرق العثمانيون لهم سبع سفن حربية، ثم عبرت الجيوش التركية نهر الدانوب، واستولوا على أراضي باجوه وحوالي مهاديا وإقليم طمشوار، واغتنموا جميع ذخائر ومدافع النمساويين. وفتح الصدر الأعظم قلعة أوسوفا وقلعة أطه وسمندرة، فاضطرت النمسا بإزاء هذه الهزائم المتوالية أن تطلُب الصلحَ، وتدخَّلت دول فرنسا وهولندا والسويد في الأمر، وفي أثناء ذلك انتصرت الجيوشُ العثمانية في واقعة كروسكا على الجيوش النمساوية. أمَّا جيوش روسيا فقد لاقت مثلَ ما لاقت جيوش النمسا من الاندحار، وذلك في الوقائع التي حدثت بقرب شاطئ نهر بروت وجهة أورقيو، ودخل الأسطول العثماني إلى البحر الأسود تحت قيادة القبودان سليمان باشا وسحَقَ الأسطول الروسي في بحر أزوف (آزاق). فطلبت الدولتان المتحدتان الصلحَ، فعقد على أن تسلم النمسا بلغراد وجميع البلاد الواقعة على الضفة اليمنى من نهري صاوه والدانوب، وهي التي كانت استولت عليها بانتصاراتها السابقة، وأن ترُدَّ إلى الدولة العثمانية أراضي أرسوه والبلاد المسماة بالأفلاق النمساوية، وأن تترك الدولة للنمسا المواقع التي استولت عليها في هذه الحرب، وهي يانجوه وطمشوار، وأن تكون الهدنة لمدة (27) سنة. أما الصلح مع روسيا فقضى عليها بهدم قلعة أزوف وألَّا يكون لها فيما بعد مراكب حربية ولا تجارية بالبحر الأسود، وبحر أزوف معًا، وأن تعيدَ للدولة كلَّ ما فتحته من البلاد، وأن تنقل تجارتها على سفن أجنبية. وبعد هذا الصلح أبرمت الدولة معاهدة هجومية دفاعية مع السويد ضد روسيا.

العام الهجري : 1214 العام الميلادي : 1799
تفاصيل الحدث:

بعد رحيلِ نابليون بونابرت إلى فرنسا أقبلَ كليبر على تصريفِ الأمورِ بكُلِّ همَّةٍ، فأعَدَّ تنظيمَ الحكومةِ وقَسَّم القُطرَ المصريَّ إلى ثمانية أقاليم إدارية، وبادر بالكتابةِ إلى الصدر الأعظم ينفي رغبةَ فرنسا في انتزاعِ مِصرَ مِن تركيا، ويذكُرُ الأسبابَ التي جعلت فرنسا تُرسِلُ حَملتَها إلى مصرَ، وهي محاولةُ إلقاء الرُّعبِ في قلوبِ الإنجليز، وتهديدُ ممتلكاتهم في الهندِ، وإرغامُهم على قَبولِ الصلح مع فرنسا، بالإضافةِ إلى الانتقامِ ممَّا لحِقَ بالفرنسيين من أذًى على أيدي المماليك، وتخليصِ مِصرَ مِن سيطرة البكوات وإرجاعِها إلى تركيا، ثمَّ طلبَ كليبر من الصدر الأعظم فتحَ باب المفاوضات من أجلِ جلاء الفرنسيين عن مصر، وقد جرت هذه المفاوضاتُ بالفعل في مدينة العريش، وأسفَرَت عمَّا يسمَّى باتفاقية العريش (24 يناير 1800م) التي نصَّت على: جلاء الفرنسيين عن مصر بكامِلِ أسلحتِهم وعَتادِهم، وعودتهم إلى فرنسا. هدنةٌ ثلاثةَ شهور قد تطولُ مدتها إذا لزم الأمر، ويتم خلالَها نقلُ الحملة. الحصولُ من الباب العالي أو حلفائه- أي الإنجليز وروسيا- على بلادِه على أن تتعهَّدَ تركيا وحلفاؤُها بعدم التعرُّضِ لهذا الجيش بأيِّ أذًى. غيرَ أن الحكومة البريطانية عندما بلغَتْها أنباءُ مفاوضات العريش كانت قد اتخَذَت موقفًا من شأنِه تعطيلُ اتفاقية العريش عن إبرامِها؛ إذ كانت تخشى من أن يعودَ جيشُ فرنسا المحاصَر في مصر إلى ميادين القتالِ في أوروبا، فترجَحَ كِفَّةُ الجيوش الفرنسية ويختَلَّ ميزان الموقِفِ العسكري في القارة. ولَمَّا كان من المعتقد في ضوء رسائِلِ الضباط والجنود الفرنسيين إلى ذويهم في فرنسا- والتي وقعت في أيدي رجالِ البحرية البريطانية- أنَّ الحملةَ الفرنسيَّةَ تمضي ببطء داخِلَ الأراضي المصرية؛ فقد فضَّلت حكومة لندن أن يبقى الفرنسيون في مصرَ أو يُسَلِّموا أنفُسَهم كأسرى حرب؛ ولذلك أصدرت في 15 ديسمبر 1799م أوامِرَ صريحة إلى اللورد سدني سميث القائِدِ العام للأسطول البريطاني في البحر المتوسط برَفضِ أي اتفاق أو معاهدة بشأن الجلاءِ عن مصر، طالما كان هذا الاتفاقُ لا ينصُّ على ضرورة أن يسلِّمَ الفرنسيون أنفسهم كأسرى حرب تسليمًا مُطلقًا دون قيدٍ أو شرط، فأعَدَّ سدني سميث رسالةً بهذا المعنى إلى كليبر وصَلَتْه في أوائل مارس 1800م.

العام الهجري : 1263 العام الميلادي : 1846
تفاصيل الحدث:

أُسِّستِ المَملَكاتُ القُعَيْطيَّةُ في حَضرَموتَ على يَدِ عُمَرَ بنِ عَوَضِ بنِ عبدِ اللهِ القُعَيْطيِّ، والأسرةُ القُعَيْطيَّةُ تَرجعُ جُذورُها إلى قَبيلةِ يافِعٍ، فبَعدَ مَوتِ السُّلطانِ بَدرٍ أبي طُوَيرِقٍ الكَثيريِّ، دخَلَ حُلَفاؤُه مِنَ السَّلاطينِ في تَطاحُنٍ على السُّلطةِ، حتى إنَّ بَعضَ السَّلاطينِ الكَثيريِّينَ استَنجَدَ بالجيشِ الإماميِّ في صَنعاءَ، فكانَ أنْ تلاشَت تَدريجيًّا السُّلطةُ الكَثيريةُ، وأصبَحتِ الشِّحرُ وحَضرَموتُ ضِمنَ الحُكومةِ المركزيةِ في صَنعاءَ، فاضطُرَّ الكَثيريونَ إلى الاستِنجادِ بقَبائِلِ يافِعٍ ضِدَّ السُّلطةِ الإماميةِ، فتمكَّنوا مِن إخراجِها مِن حَضرمَوتَ، ولكنَّ المنطقةَ وقعت في يَدِ يافِعٍ، وانتَهتِ الدولةُ الكَثيريةُ الأولى، وظهرَ حُكمُ الطوائفِ اليافعيةِ بساحِلِ حَضرمَوتَ على أنقاضِ الكَثيريِّينَ، وبَعدَ أن قامتِ الدولةُ الكَثيريةُ الثانيةُ في القرنِ التاسعِ الهِجريِّ كانَ تركيزُ سَلاطينِها على استِعادةِ تِرْيَمَ وسَيْئُونَ مِن يَدِ اليافعيِّينَ، واستَولى أيضًا الكَثيريونَ على الشِّحرِ مِنَ اليافعيِّينَ، لكنِ استَطاعَ التحالُفُ القُعَيْطيُّ بقيادةِ عَوَضِ بنِ عُمَرَ مع الكَسَاديِّ إخراجَ الكَثيريِّينَ منها، وأصبَحتِ الشِّحرُ منذُ ذلك الحينِ جُزءًا مِنَ السَّلطنةِ القُعَيْطيَّةِ، ووُقِّعتِ اتفاقيةٌ اعتَرفوا فيها لِآلِ كَثيرٍ بتِرْيَمَ وسَيْئُونَ.
ثم وَقَعت خِلافاتٌ بينَ القُعَيْطيِّينَ والكَسَاديِّينَ، ورأت بريطانيا أنْ تَمنحَ حمايَتَها للقُعَيْطيِّ بَدَلًا مِنَ الكَسَاديِّ، وحَذَّرتِ الكَثيريِّينَ مِن مُساعدةِ الكَسَاديِّ، وسمَحَت للقُعَيْطيِّ بشَنِّ هُجومٍ على المُكَلَّا، وانتهى أمرُ الكَسَاديِّ، واعترفَت انجِلتِرا بسَلطنةِ القُعَيْطيِّ على الشِّحرِ والمُكَلَّا، ووَقَّعوا اتفاقيةَ حِمايةٍ، وكذلك فَعَلوا مع السَّلطنةِ الكَثيريةِ في حَضرَموتَ، حَكَمتِ الدولةُ الكَثيريةُ سَيْئُونَ وتِرْيَمَ، وتريس والغرف ومريمة والغَيْل، في الوقتِ الذي حَكمت فيه الدولةُ القُعَيْطيَّةُ المُكَلَّا والشِّحرَ وغَيْل أبا وزير وجميعَ بُلدانِ الشواطئِ، وتمت مُحاولاتٌ لِتَهدئةِ الوَضعِ المُحتَدِمِ بينَ الدولةِ الكَثيريةِ، والدولةِ القُعَيْطيَّةِ، لِيَتسَنَّى تنظيمُ شُؤونِ بِلادِ حَضرَموتَ، فكانت مُعاهدةُ عَدَنٍ عامَ 1336هـ، ثم كانَ في عامِ 1346هـ مؤتمرُ سِنغافورةَ، الذي أذاعت فيه الدولتان القُعَيْطيَّةُ والكَثيريةُ بَلاغًا رَسميًّا إلى أهالي حَضرَموتَ كافةً بتَجديدِ الاتِّحادِ وتَوثيقِ عُرى الصَّداقةِ والتَّعاونِ.

العام الهجري : 1340 العام الميلادي : 1921
تفاصيل الحدث:

ارتبط تأسيسُ إمارة شرقي الأردن بوصول الأمير عبد الله بن الحسين (الذي كان يشغَلُ منصب وزير خارجية الدولة العربية في الحجاز) إليها بناءً على الدعواتِ التي وُجِّهَت للشريف علي بن الحسين من قِبَل أعيان ووُجهاءِ مناطِقِ شرقي الأردن، وكذلك أعضاء حزب الاستقلال الذين جاؤوا للأردن من سوريا بعد معركة ميسلون 1920، وبعد طَردِ الملك فيصل من سوريا على يد الفرنسيين جاء أخوه عبد الله طالبًا للثأر، فلما وصل إلى مدينة معان في 21/11/1920 بعد رحلةٍ شاقة لمدة 27 يومًا مع حاشيته، و 500 من الحرس بالقطار، بدأ بدعوةِ أهالي شرق الأردن وحكوماتها المحليَّةِ للالتفافِ حولَه؛ مما حدا بالفرنسيين إلى اعتبار وصول الأمير عبد الله إلى شرق الأردن أمرًا خطيرًا يهدِّدُ وجودَها في سوريا؛ وذلك بسبب تصريح الأمير عبد الله أنه جاء لإحياء الثورة التي أُخمدت في حوران، وأنَّ قُدومَه للمشاركة في الدفاعِ عن أوطانهم، وأعلن نفسه وكيلًا للأمير فيصل. وخاطبت الحكومةُ الفرنسيةُ الحكومةَ البريطانية لممارسة ضغوطها على الملك حسين؛ لاتخاذ الخطوات الكفيلة بإيقافِ ابنه الأمير عبد الله واستعدادها للدخول إلى الأردن إذا اقتضى الأمرُ ذلك، وفعلًا قامت بريطانيا بالتوسُّط لدى الملك حسين لمنع الأمير عبد الله من القيام بأي شيء، مقابِلَ أن تحقِّقَ بريطانيا لأهالي شرقي الأردن حكمًا لأنفُسِهم تحت حكم الأمير عبد الله، وكانت بريطانيا لَمَّا عرضت على فيصل عرشَ العراق أبدى اعتراضًا أن أخاه عبد الله قد رشَّحه الشاميون لمُلْك العراق، فقام لورنس بالتفاوضِ مع عبد الله على أن يكونَ هو مَلِكًا على شرق الأردن ويترُكَ مُلك العراق لأخيه فيصل، فوافق؛ لذلك اجتمع عبد الله مع تشرشل في القدس في نيسان 1921م وعقد معه اتفاقًا لم يغِبْ عن الفرنسيين بأن تقوم في شرقي الأردن إمارةٌ ذاتُ حكومة تتمتَّعُ بالاستقلال الإداري، وتسترشد برأي المفَوَّض السامي الإنجليزي في القدس وتتقاضى من إنجلترا معونةً سنوية، ولكِنَّهم لم يعيِّنوا حدود الإمارة في صك الانتداب الذي وقَّع عليه عبد الله بن الحسين في هذه السنة، ولم يعترفوا بحدودِ إمارة شرق الأردن إلا في تصريحِ سنة 1923م.

العام الهجري : 1395 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1975
تفاصيل الحدث:

وُلِد شيخ مجيب الرحمن عام 1920م في قرية تونجيبار تبعد 97 كم جنوب غربي دكا، درس مجيب الرحمن في مدارس الإرسالياتِ التنصيريةِ وتربَّى فيها وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة كالكوتا، كما حصل على شهادة في القانون من جامعة دكا. كان أحد مؤسِّسي رابطة "عوامي" العام 1949م، وكان مؤيدًا انفصال باكستان عن الهند. استطاع شيخ مجيب بعد نُشوب حربٍ أهلية شرسةٍ بين شطري باكستان الغربيِّ والشرقيِّ أن ينفصلَ بالشطر الشرقيِّ؛ ففي عام 1970م قاد شيخ مجيب حزبَه إلى فوزٍ كاسحٍ في الانتخاباتِ، فأعلن بعد فوز حزبه قيامَ دولةِ بنغلاديش منفصلةً عن باكستان الغربية التي عانت من مشاكل سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة؛ فاضطرَّ الرئيس الباكستاني يحيى خان (شيعي) أن يسافرَ إلى الجناح الشرقي من باكستانَ، ويعتقلَ مجيب الرحمن، فتسلَّم رئاسة بنغلاديش نصر الإسلامِ، أما رئاسةُ الحكومة فتسلَّمها تاج الدين أحمد، ولما أُطلق سراح مجيب الرحمن سافر فورًا إلى لندن وأجرى مباحثات مع رئيس وزراء بريطانيا، ثم عاد إلى دكا عاصمة بنغلاديش على طائرة هنديةٍ، فتولَّى رئاسة الوزراء بنفسه، وجعل من منصب رئيس الجمهورية صورة شرفية، ثم أعلن مجيب الرحمن قطعَ علاقة دولتِه بباكستانَ الغربيةِ، فعرض عليه ذو الفقار بوتو التنازلَ له عن السلطةِ في سبيل المحافظة على وحدةِ باكستان لكنَّه رفض، فأصدر دستورًا مؤقتًا ركَّز فيه سلطاتِ الحكم بيده، وتولَّى مجيب وزاراتِ الدفاع والداخليةِ والإعلامِ وشؤون مجلس الوزراء، ثم قرَّر أن يتولَّى رئاسة البلاد في يناير 1975، وركَّز جميع السلطات في يديه، ثم اعتمد نظام الحزب الواحدِ، وطارد المعارضةَ السياسيةَ وجمَّد الدستور، وحلَّ جميع التنظيمات السياسية، وفرض الرقابةَ على الصحافةِ، كل هذه الأمور قوَّت جبهة المعارضين ضدَّه وضد سياساتِه، وفي العام الذي تولَّى فيه رئاسة الدولة حدث انقلابٌ عسكري في 15 أغسطس قام به الجيشُ ضده، وانتهى الأمر بمقتلِه، وقد ترك شيخ مجيب الرحمن خَلْفه ابنتَه شيخة حسينة التي قادت المُعارضة، وفاز حزبُها رابطة عوامي في انتخابات 1996م.

العام الهجري : 1425 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 2004
تفاصيل الحدث:

هو قَدْري بن صَوْقَل بن عَبْدُول بن سِنَان المشهور بعبد القادر الأرناؤوط، وُلد سنةَ 1347هـ بقرية «فريلا» في «إقليم كوسوفا» من بلاد الأرنؤوط في ما كان يُعرف بيوغوسلافيا، والألبانيون يُسمُّون هذا الإقليم: كوسوفا، والصرب يقولون: كوسوفو، والأرنؤوط جِنسٌ يندَرِجُ تحته شعوبٌ كثيرةٌ من الألبان واليوغسلاف وغيرهم هاجَرَ سنةَ 1353هـ من جرَّاء اضطهاد المحتلِّين الصرب إلى دِمَشقَ بصحبةِ والدِه وبقيَّةِ عائلته، وكان عمرُه آنذاكَ ثلاثَ سنواتٍ، ترعرع الشيخ في دِمَشق الشام، وتلقَّى تعليمَه أولَ الأمر في مدرسة «الإسعاف الخيري» بدِمَشق بعد دراسة سَنتينِ في مدرسة «الأدب الإسلامي» بدِمَشق. وبعد نهاية المرحلة الابتدائية تركَ العلم لغرض العمَلِ لحاجته للمال، فعمِلَ «ساعاتيًّا» في تصليح الساعات في محلة «المسكية» بدِمَشق، وكان يعمل في النهارِ، ويدرُس القرآنَ والفقهَ مساءً، وانضمَّ إلى حلقة الشيخ عبد الرزاق الحلبي، رغبةً في تعلُّم علوم الشرعِ واللغةِ والأدبِ، تقلَّد الخطابة، فكان خطيبًا في جامع «الدِّيوانية البَرَّانيَّة» بدِمَشق، ثم خطيبًا في جامع «عمر بن الخطاب»، ثم انتقَلَ إلى منطقة «الدحاديل» بدِمَشق، وكان خطيبًا في جامع «الإصلاح»، ثم انتقل إلى جامع «المُحمَّدي» بحيِّ الـمِـزَّة، لكنَّ الشيخَ بَقيَ يُلقي دروسَه في معهد الأمينية (وهي مدرسة قديمة للشافعية)، وبَقيَ يقوم بالتدريس والوعظ، ويُنبِّهُ الناس إلى السُّنة الصحيحة، ويَدْعوهم إلى ضرورة ترك البِدَع والمخالَفات في الشريعة، هذا مع انكبابه على التحقيق والتأليف وتدريسه العلمَ للناس، وإلقاء المحاضرات، كان الشيخ سَلَفيَّ العقيدة، لا يلتزم مذهبًا فقهيًّا مُعيَّنًا، وإنَّما يعمَل بالكتابِ والسُّنة على منهج السلَف الصالحِ -رِضوانُ الله عليهم- ومن كُتبه وتحقيقاته: إتمام تحقيق كتاب ((غاية المنتهى)) في الفقه الحنبلي، وتحقيق كتاب ((جامع الأصول)) لابن الأثير، وتحقيق كتاب ((زاد المعاد)) لابن القَيِّم، و((زاد المسير في علم التفسير)) لابن الجَوْزي، و((المبدع في شرح المقنع)) لابن مفلح، و((رَوْضة الطالبين)) للنووي، و((الشفا)) للقاضي عياض، و((قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة))، وغيرها، تُوفيَ في دِمَشق فجرَ الجمُعة 13شوال 1425، ودُفن بمقبرة الحقلة، وكانت جنازته مشهودةً رحمه اللهُ.