عندما قوي أمر الصوصو الذين قضوا على إمبراطورية غانا ضَمُّوا إليهم أكثَرَ الممالك التي كانت تتبع لغانا، ومنها مملكة كانغابا (مالي) وقُتِلَ ملك الصوصو سومانغارو ملكهم وأولاده الأحد عشر باستثناء الصغير منهم، وهو سندياتا إذ عرف فيما بعد بماري جاطه الذي تمكن بعد أن كبر من إحراز النصر على الصوصو، وقتل فيها إمبراطور الصوصو عام 633, فانتهى أمر الصوصو وسار ماري جاطه إلى عاصمة إمبراطورية غانا ودمر ما كان بقي منها، لكنَّه ترك المسلمين، ثم شكَّلَ ماري هذا مملكةً واسعة حكَمَتْها أسرة كيتا وجعل عاصمتَه سانكاراني، وسميت نياتي واشتهرت باسم مالي، وأما أصل أسرة كيتا فيعود إلى موسى ديجيو الذي يلقب بكيتا، وهو أول من دخل الإسلام من ملوك دولة كانغابا أو ماندينغ. ثم تولى أمر أسرة كيتا أو مملكة مالي بعد ماري جاطه ابنه منسي علي، الذي عُرِفَ بالصلاح وأدى فريضة الحجِّ سنة 658.
استهلت هذه السَّنةُ وسلطانُ دمشق نجم الدين الصالح أيوب بن الكامل مخيِّم عند نابلس، يستدعي عمَّه الصالح إسماعيل؛ ليسيرَ إلى الديارِ المصريةِ؛ لأخْذِها من صاحبها العادل بن الكامل، فلما كان يومُ الثلاثاء السابع والعشرين من صفر هجم الملك الصالح إسماعيل وفي صحبته المجاهِدُ أسد الدين شيركوه صاحب حمص على دمشقَ، فدخلاها بغتةً من باب الفراديس، فنزل الصالح إسماعيل بدارِه من درب الشعارين، ونزل صاحِبُ حمص بداره، وجاء نجم الدين بن سلامة فهنأ الصالحَ إسماعيل، وأصبحوا فحاصروا القلعةَ وبها المغيث عمر بن الصالح نجم الدين، ونَقَبوا القلعة من ناحية باب الفرج، وهتَكوا حُرمَتَها ودخلوها وتسَلَّموها واعتقلوا المغيثَ في برج هنالك، ولما وصل الخبَرُ بما وقع إلى الصالح أيوب تفَرَّق عنه أصحابه والأمراء خوفًا على أهاليهم من الصالحِ إسماعيلَ، وبَقِيَ الصالح أيوب وحده بمماليكِه.
كان سَبَبُ عداوة بركة خان وهولاكو أنَّ وقعةً كانت بينهما، قُتِلَ فيها ولد هولاكو وكُسِرَ عَسكَرُه وتمزَّقوا في البلاد، وصار هولاكو إلى قلعةٍ بوسط بحيرة أذربيجان محصورًا بها، وأرسَلَ إليه بركةُ يطلُبُ منه نصيبًا مما فتحه من البلاد وأخَذَه من الأموال والأسرار، على ما جرت به عادةُ ملوكهم، فقتَلَ رُسُلَه فاشتَدَّ غَضَبُ بركة، ومما زاد الخلافَ بينهما هو إسلامُ بركة خان وغَضَبُه على هولاكو مما فَعَله ببغداد وقَتْله للخليفة العباسي المستعصم بالله، وكاتب الظاهِرَ ليتَّفِقا على هولاكو، فلمَّا بلغ ذلك السلطانَ سُرَّ به، وفرح الناسُ باشتغال هولاكو عن قَصدِ بلاد الشام، وكتب السلطانُ إلى النواب بإكرام الوافديَّة من التتار، وكانوا مائتي فارسٍ بأهاليهم، فحَسُنَت حالهم، ودخل في الإسلامِ مَن لم يُسلِمْ مِن قبلُ، وكتب السلطانُ إلى الملك بركة كتابًا، وسيَّرَه مع الفقيه مجد الدين والأمير سيف الدين كسريك.
بعد أن تولى مراد الثاني السلطنة خلفًا لأبيه محمد جلبي رأى أنَّ عليه أن يعيد الإمارات في الأناضول إلى حظيرة الدولة العثمانية، فعَقَد هدنة مع ملك المجر مدتها خمس سنوات، وصالح أمير قرمان، وأمَّا إمبراطور القسطنطينية فطلب من مراد الثاني التعهُّدَ بعدم قتاله، وطلب منه أن يسلِّمَه اثنين من إخوته كرهائن، وأنه إذا فكر بالحرب فسيطلق سراح عم السلطان مصطفى بن بايزيد المحجوز في سلانيك، وهو المنافس لمراد الثاني في السلطنة، فرفض مراد هذا الشرط فأطلق الإمبراطور مصطفى بن بايزيد ودعمه بعشرات المراكب لحصار مدينة غاليبولي، فلم يتمكن مصطفى من مراده, فاتجه نحو أدرنة بعد أن ترك قوة محاصرة لقلعة غاليبولي، وفي أدرنة واجهه القائد بايزيد باشا فقاتله فقتله مصطفى وتابع سيره إلى مراد، ولكن كثيرًا من الأمراء الذين كانوا معه لم يطيعوه فتركوه، فعاد إلى غاليبولي؛ حيث قُبِضَ عليه فيها وقُتِلَ؛ انتقامًا لِما فعله الإمبراطور القسطنطيني.
عاد السلطانُ مراد الثاني للسلطة بعد أن ترك اعتزالَه لقتال الصليبيين في فارنا وهزمهم ثم عاد مرةً أخرى إلى مكان إقامتِه تاركًا الأمر لابنه محمد، لكن إقامتَه لم تطل أكثر من ثلاثة أشهر فاضطر للعودةِ إلى أدرنة قاعدةِ الملك، حيث استصغر قادةُ الجيش العثماني من الانكشارية السلطانَ محمد بن مراد، فعَصَوا أمره ونهَبوا المدينة، فوصل السلطانُ مراد فأدَّب القادة وأشغَلَهم بالقتالِ في بلاد اليونان، وذلك أنَّ إمبراطور القسطنطينية قسَمَ أملاكَه بين أولاده؛ إذ أعطى ابنه حنا مدينة القسطنطينية، وابنه قسطنطين بلاد المورة، أي جنوب اليونان، فسار السلطان لحرب اليونان مستعملًا المِدفَع لأول مرة، ولكنَّه لم يتمكن من فتحها بسبب تمرُّد إسكندر بك أحد أبناء أمير ألبانيا الذين عاشوا رهينةً عند السلطان عندما سلَّم أبوه البلاد للسلطان، فأظهر إسكندر الإسلامَ فلما وجد الفرصةَ مواتية بانشغال السلطان بحربه فرَّ إلى ألبانيا وطرد العثمانيين منها.
كان السلطان العثماني سليمان القانوني عازمًا على فتح جزيرة مالطة التي كانت أكبر مَعقِل للنصارى الأوروبيين في وسط البحر المتوسط، والتي سبق أن استقَرَّ فيها فرسان القديس يوحنا، فأرسل السلطانُ العثماني أسطولًا آخر بقيادة بيالي باشا نفسه، كما طلب من درغوث رايس حاكمِ طرابلس وجربة، وحسن خير الدين أن يتوجَّها على رأس أسطوليهما الإسلاميين للمشاركة في عملية مالطة وإخضاعها؛ استعدادًا لمنازلة بقية المعاقل الإسلامية بعد ذلك، فسار حسن بن خير الدين على رأس عمارة تشمل 25 سفينة وثلاثة آلاف رجل، ووصل الأسطول الإسلامي أمام مالطة يوم 18 مايو، وفرض الحصار عليها، واستمر الحصار ضيقًا شديدًا إلى أن جهَّزت المسيحية رجالها وأساطيلها ووصل المدد تحت قيادة نائب ملك صقلية برفقة أسطول تعداده 28 سفينة حربية، تحمل عددًا كبيرًا من المقاتلين، ونشبت المعركة بين الطرفين، وتمكَّن الأسطول الإسلامي من الانسحاب في 18 ربيع الأول من هذه السنة.
كان فيليب الثاني قد تشجَّع لاحتلال تونس؛ بسبب لجوء السلطان الحفصي أبي العباس الثاني- الذي حكم تونس سنة 942- إليه، وطلب منه المساعدة في إخماد الثوراتِ فاشترط فيليب إعطاءَهم امتيازاتٍ كبيرة تتيح لهم سكنَ جميع أنحاء تونس، ويتنازلُ لهم عن عناية وبنزرت وحلق الواد, فرفض أبو العباس الشروطَ، ولكنَّ أخاه محمد بن الحسين قَبِلَها بعد ذلك, فخرج (دون خوان) أخو الملك من جزيرة صقلية في رجب 981, على رأس أسطول مكون من 138 سفينة تحمِلُ خمسة وعشرين ألف مقاتل، ونزل بقلعة حلق الواد التي كانت تحتلُّها إسبانيا، ثم باغَتَ دون خوان تونسَ واحتلَّها وخرج أهلُها إلى وادي تونس فارين بدينِهم من شرِّ الإسبان، كما انسحب الحاكِمُ العثماني إلى القيروان، فلما دخل الإسبان تونس نهبوها وأخربوا جامع الزيتونة فيها، ونهَبوا الكتُبَ النادرة فيها وطرحوا أكثَرَها في الشوارع لتُداس تحت أقدام الجنود!
بعد انتهاءِ أبي مروان عبد الملك ابن الشيخ السعدي من ضَمِّ فاس, تقدَّم إلى البلاد المراكشية قاصدًا حرب ابن أخيه محمد المتوكل على الله وتشريده عنها، ولما سَمعَ ابنُ أخيه بخروجه إليه وقصْده إياه، تهيأ لملاقاته وسار إلى منازلته، فالتقى الجمعان بموضعٍ يسمى خندق الريحان، على مقربة من وادي شراط من أحواز سلا، فكانت الهزيمة أيضًا على المتوكل على الله، وتبعه عمُّه أبو العباس أحمد المنصور خليفةُ أخيه أبي مروان يومئذ، فلما سمع المتوكل باتباعِه بعد بلوغِه إلى مراكش فرَّ عنها إلى جبل درن، وأسلم له مراكش، فدخلها أحمد نائبًا عن أخيه وأخذ له البيعةَ على أهلها، ثم لحق به السلطانُ أبو مروان فدخلها يوم الاثنين تاسع عشر ربيع الثاني من هذه السنة، وأقام بها أيامًا ثم خرج في طلب ابن أخيه، فعَمِيَت عليه أنباؤه! فعاد أبو مروان إلى مراكش وأقام بها.
كان وجود الأشراف في المغرب قديمًا, لكن لم يتسنَّ لهم تسلم القيادة إلا في هذه الفترة التي مثَّل الشرفاء فيها سلالة السعديين، والتي جاءت من الجزيرة العربية أواخر القرن الثامن الهجري، وأول من وصل العرش منهم هو محمد المهدي القائم بأمر الله بن عبد الرحمن بن علي، وهو الذي أخرج الوطاسيين نهائيًّا من فاس، ومن جهة أخرى لم تنقطع الهجمات الصليبية من البرتغال والأسبان على السواحل، ومع ذلك استطاع السعديون الحسنيون أن ينشروا نفوذهم في جميع أنحاء المغرب مانعين العثمانيين من مدِّ نفوذهم إليها، ثم إن أمر الأسرة بدأ يضمحل، وخاصة بعد وفاة أحمد العباس بن عبد الملك سنة 1064هـ وكان هناك فرع آخر في المغرب من الأسرة نفسها أعلن دعواه في العرش، ثم إن ولدي محمد الثاني بن محمد الشريف، وهما الرشيد وأبو النصر إسماعيل، أنقذا المغرب من الفوضى وأعاد ثانيهما على الأخص سلطة الشرفاء إلى جميع البلاد بعد أن قضى على سلطات الحكام الصغار وعلى تمردات البربر.
غزا سعودُ بن عبد العزيز حرمة واستنفر معه أهلَ البلدان مشاةً وركبانًا، ونزل على بلدة حرمة وحصرها حصارًا شديدًا، وقطع نخلَ قاضيها عبد الله بن المويس- ابن عم الشيخ المجدِّد، لكنه من ألدِّ أعداء الدعوة (ت1175)- ومَلَك الأمير سعود أكثَرَ نخلها وأقام عليها أيامًا يباكرهم القتالَ، فلما اشتد عليهم الحصارُ ألقى الله الرعب في قلوبهم، فأرسلوا إلى سعود وطلبوا الصلحَ فأبى إلا أن تكون بلدتُهم فيئًا، أو يزيل ما في البلدِ مِن المحذورِ ومِن الرجالِ وغيرِهم، فصالحهم على ذلك, ولَمَّا كتب لوالده الإمام عبد العزيز كتب إليه أنَّ أهلَ هذه القرية تكرَّر منهم نقضُ العهد، وهي محذورةٌ كلُّها، فاهدِمْها ودمِّرْها، فأمر سعود بهدمِها، فهدم سورَها وبعض بيوتِها، وأمَر على أناس من أهلِها ممن أثار الشرَّ على المسلمين أن يرحَلوا عنها، فارتحل كثيرٌ منهم المجمعة، والبعض الآخر إلى الزلفي.
إنَّ مما قام به الإنجليز في الهند لتوطيدِ بقائهم وسيطرتهم فيها أنْ عَمِلوا على إنشاءِ الفِرَق الضالَّة، أو على الأقلِّ دعمها أو السكوت عنها وتَرْكها تنشُرُ ضلالها، فكان مما عَمِلَته أن شجَّعَت مرزا غلام أحمد القادياني على إحياءِ ما دعا إليه المَلِك المغولي في الهند جلال الدين أكبر شاه المتوفَّى عام 1014ه. فأنشأ مرزا غلام القاديانية، وكتب البراهينَ الأحمدية، ثم تطوَّر أمره فادَّعى عام 1322هـ أنَّه المهدي المنتظَرُ، وأعلن أنَّ الإنجليز هم أولو الأمر، فيَجِبُ طاعتهم، ولا يصِحُّ الخروجُ عليهم ولا قتالُهم ولا الجهاد ضِدَّهم مع أحدٍ، وعَمِلَ على التوفيق بين الأديان، فادعى أنَّه يتقَمَّصُ روح المسيح عليه السلام وروحَ الإله كرشنا ربِّ الخير عند الهندوس!! وأصبح له أتباعٌ, وقَوِيَ أمرُه، وكان البريطانيون يدعمونه ويحمونه، ثم لَمَّا توفِّيَ عام 1326هـ انقَسَمت جماعتُه إلى قسمين: الأحمدية وتدَّعي أنه كان رجلًا مُصلِحًا، والقاديانية: وتقول بنبُوَّتِه وتدعو إلى ما كان عليه من أفكارٍ ومعتقداتٍ باطلةٍ.
تغيَّرت سياسةُ الحكومة البريطانية في حَجمِ دَعمِها للشريف حسين بعد نهاية الحرب العظمى، فأصبح الدعمُ مرهونًا بالمحافظة على ميزان القوى داخل الجزيرة العربية، والتي يمثِّلُ الشريف حسين أحد أطرافها في الحجاز، مع أطراف أخرى منهم الملك عبدالعزيز في نجد، وابن رشيد في حائل، وغيرهم. ففي هذا العام حدثت أزمةٌ مالية للشريف حسين عندما قلَّصت بريطانيا دعْمَها الماديَّ الذي كان قد بلغ وقت الحرب ما يزيد على 200 ألف جنيه استرليني إلى 27 ألف جنية هذا العام، فأدَّى هذا إلى تدهور الوضع الاقتصادي في الحجاز؛ لذلك أخذ الشريف يبحث عن مواردَ مالية، مثل: فرض الضرائب على التجار والأهالي، وقطع المعونة التي كان يقدِّمُها للقبائل البدوية الخاضعة لسلطانه، فأثار هذا حالةً من عدم الاستقرار والفوضى في الحجاز، وأخذت القبائل تقطع الطرقَ على قوافل الحجِّ والتجَّار وتقوم بالسلب والنهب؛ مما أدى إلى ضعف سلطان الشريف حسين على الحجاز!
عُقِدَ اجتماع الجمعية العمومية في أحد أروقة القصر، وحضره نحو 800 من علماء ورؤساء حضر وبدو، بينما قاطَعَ زُعماءُ الإخوان (إخوان من أطاع الله) اجتماعَ الجمعية العمومية استنادًا إلى أن مؤتمر الرياض فيه الكفاية، بعد أن ثبت لهم رفضُ الإنجليز هدمَ المخافر، وبالتالي أصبح على الإمام أن يشُنَّ الجهاد أو ينتدب المسلمون أنفسهم للجهاد. فلم يحضُرْ فيصل الدويش ولا سلطان بن بجاد، وأناب فيصل الدويش ابنه عزيز. افتتح الملِكُ المؤتمر بخطبةٍ شرح فيها جهودَه من استرداد الرياض إلى الوقت الحاضر، وبعد أن انتهى من خطبته عرض على الحاضرين تنازُلَه عن العرش ووجوب اختيار غيرِه مِن آل سعود، وأنَّه يعاهِدُهم أنه سيساعِدُ من يختارونَه، فلم يقبل الحضور بتنازُلِه، وأجمعوا على ضرورة بقائه في السلطة، وجدَّدوا له البيعةَ والسمع والطاعة، ثمَّ بيَّن نتائجَ مفاوضاته مع الإنجليز وتمسُّكَهم بالمخافر، وحَمَّل الدويش مسؤولية بنائِها بسبَبِ تعَدِّيه على الحدود العراقية النجدية.
أرسَلَ الاتِّحادُ السُّوفيتي الجيشَ الأربعينَ لِدَعْمِ نِظام بابرك كارمل الشيوعي في كابُل، والذي قام بانقلابٍ اغتِيلَ فيه الرئيسُ الشيوعي حفيظ الله أمين الذي اتُّهِم بأنه "عميل لِلأمريكانِ". جاء كارمل إلى السُّلطة بعد عِدَّة انقلاباتٍ شَهِدتها أفغانستانُ على إثر سُقوط الملَكِيَّة في يوليو 1973م، بعد انقلاب عسكريٍّ قام به محمدُ داود ابن عم الشاه محمد ظاهر وزَوْج شَقيقته، الذي أعلَنَ جُمهورية أفغانستانَ الديمقراطيةَ، وفي 1978م انقلَبَ تراقي على محمد داود وقتَلَه، ثم وقَعَ انقلابٌ على تراقي بقيادةِ رئيسِ الوزراء حَفيظ الله أمين سنة 1979م وقتَلَه، ثم قام كارمل بالانقلابِ الأخيرِ على حَفيظ الله. وقد لقِيَ التَّدخُّل السوفيتي إدانةً دوليةً -خُصوصًا من قِبَل الولايات المتحدة- تجسَّدت في مُقاطعة الألعابِ الأولمبيَّةِ التي جَرَت في مُوسكو في 19 يوليه 1980م، ولم تَنسحِبِ القوَّات السوفيتية إلا في 15 فبراير 1989م بموجِب اتِّفاقِ جِنيف في 14 إبريل 1988م.
كَثُرَ عَبَثُ العُربان ببلاد الصعيد بقيادة الأحدب محمد بن واصل شيخ عرك، فجمع جمعًا كبيرًا، وتسمَّى بالأمير، فقَدِمَ الخبر في شعبان بأنهم كَبَسوا ناحيةَ ملوي، وقتلوا بها نحو ثلاثمائة رجل، ونهبوا المَعاصِرَ، وأخذوا حواصِلَها وذَبحوا أبقارَها، وأنَّ عَرَب منفلوط والمراغة وغيرهم قد نافقوا، وقَطَعوا بعض الجسور بالأشمونين، فوقع الاتفاقُ على الركوب عليهم بعد تخضيرِ الأراضي بالزراعة، وكُتِبَ إلى الولاة بتجهيز الإقامات برًّا وبحرًا، فأخذَ العرب حِذْرَهم، فتفَرَّقوا واختَفَوا، وقَدِمَت طائفة منهم إلى مصر، فأُخِذوا، وكانوا عشرة، فقُبِضَ ما وجد معهم من المال، وحَمل الأمير جندار، فإنهم كانوا فلَّاحيه، وأُتلِفوا، فلما برز الحاجُّ إلى بركة الحجَّاج ركب الأمير شيخو، وضرب حلقةً على الركب، ونادى مَن كان عنده بدويٌّ وأخفاه، حَلَّ دَمُه، وفَتَّش الخيام وغيرها، فقَبض على جماعة، فقتل بعضهم وأفرج عن بَعضٍ، ثمَّ لما عاد السلطان إلى الجيزة كُبِسَت تلك النواحي، وحُذِّرَ الناس من إخفاء العربان، فأُخِذَ البحري والبري، وقُبِضَت خيول تلك النواحي وسيوفُ أهلها بأسْرِها، وعُرِضَت الرجال، فمن كان معروفًا أُفرج عنه، ومن لم يعرف أقِرَّ في الحديد وحُمِل إلى السجنِ، ورُسِمَ أنَّ الفلاحين تبيعُ خُيولَهم بالسوق، ويوردون أثمانَها ممَّا عليهم من الخراجِ فبِيعَت عِدَّةُ خيول، وأُورِدَ أثمانها للمُقطِعين، والفَرَس الذي لم يُعرَف له صاحِبٌ حُمِلَ إلى إسطبل السلطان، وكُتِبَ للأمير عز الدين أزدمر، الكاشِفِ بالوجه البحري، أن يركَبَ ويكبِسَ البلادَ التي لأرباب الجاه، والتي يأويها أهلُ الفسادِ، فقَبَض على جماعةٍ كثيرة ووسَّطَهم، وساق منهم إلى القاهرةِ نحو ثلاثمائة وخمسين رجلًا، ومائة وعشرين فرسًا، وسلاحًا كثيرًا، ثم أحضَرَ الأميرُ أزدمر من البحيرة ستمائة وأربعين فرسًا، فلم يبقَ بالوجه البحري فرس، ورُسِمَ لقضاة البر وعُدولِه بركوب البغال والأكاديش، ثم كُبِسَت البهنسا وبلاد الفيوم، فركِبَ الأميران طاز وصرغتمش، بمن معهما إلى البلاد، وقد مَرَّ أهلها، واختفى بعضهم في حفائِرَ تحت الأرض، فقبضوا النِّساء والصبيان، وعاقبوهم حتى دلوهم على الرجال، فسَفَكوا دماء كثيرين، وعُوِقَب كثيرٌ من الناس بسبب من اختفى، وأُخِذَت عدة أسلحة، فحَشَد الأحدب بن واصل شيخ عرك جموعَه، وصَمَّم على لقاء الأمراء، وحَلَف أصحابه على ذلك، وقد اجتمع معه عرَبُ منفلوط، وعَرَبُ المراغة وبني كلب وجهينة وعرك، حتى تجاوزت فرسانُه عشرة آلاف فارس تحمِلُ السلاح، سوى الرجَّالة المعَدَّة، فإنَّها لا تعَدُّ ولا تحصى لكثرتِها، ثم رحل الأمير شيخو عن أسيوط، وبعث الأمير مجد الدين الهذبانى ليؤمِّنَ بنى هلال أعداء عرك، ويُحضِرَهم ليقاتلوا عرك أعداءَهم، فانخدعوا بذلك، وفَرِحوا به، وركبوا بأسلحتِهم، وقَدِموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو فأمر بأسلحَتِهم وخيولهم فأُخِذَت بأسْرِها، ووضَعَ فيهم السَّيفَ، فأفناهم جميعًا، ثم قاتلوا العَرَبَ الباقين على دفَعات يقتلونهم، وأسَروا منهم الكثيرَ واستَرَقُّوا الأولادَ والحريم، وهلك من العرب خلائقُ بالعطش، ما بين فرسان ورجَّالة وجَدَّ المجَرَّدون في طلبهم، فسَلَبوهم، وصَعِدَ كثيرٌ منهم إلى الجبال، واختَفَوا في المغائر، فقَتَلَ العسكرُ وأَسَر، وسبى عددًا كثيرًا، وارتَقَوا إلى الجبال في طَلَبِهم، وأضرَموا النيران في أبواب المغائر، فمات بها خلقٌ كثير من الدخان، وخرج إليهم جماعةٌ، فكان فيهم من يُلقي نَفسَه من أعلى الجبل ولا يُسَلِّم نَفسَه، ويرى الهلاكَ أسهَلَ مِن أخذ العدوِّ له، فهلك في الجبالِ أُمَمٌ كثيرة وقُتِلَ منهم بالسيف ما لا يُحصى كثرةً، حتى عُمِلَت عدة حفائر ومُلِئَت من رمَمِهم، وأَنتَنَت البرِّيَّةُ من جِيَفِ القتلى ورِمَمِ الخَيلِ، وكان الأحدَبُ قد نجا بنفسِه، فلم يُقدَرْ عليه، ومن حينئذ أَمِنَت الطرقات برًّا وبحرًا، فلم يُسمَعْ بقاطع طريق بعدها، ووقع الموتُ فيمن تأخَّرَ في السجون من العُربان، فكان يموتُ منهم في اليوم من عشرين إلى ثلاثين، حتى فَنُوا إلا قليلًا، وفي شهر ربيع الأول قَدِمَ الأحدب محمد بن واصل، شيخ عرك من بلاد الصعيد، طائعًا، وكان من خَبَرِه أنه لما نجا وقت الهزيمة، وأُخِذَت أمواله وحَرَمُه، ترامى بعد عَودِ العسكر على الشَّيخِ المعتقد أبى القاسم الطحاوي، فكتب الشيخ في أمره إلى الأمير شيخو، يسأل العفوَ عنه وتأمينَه، على أنَّه يقومُ بدَركِ البلاد، ويلتَزِمُ بتحصيل جميع غِلالِها وأموالِها، وما يحدُثُ بها من الفَسادِ فإنَّه مُؤاخَذٌ به، وأنَّه يقابِلُ نواب السلطان من الكُشَّاف والولاة، فكُتِب له أمانٌ سُلطاني، وكُوتِبَ بتطييب خاطِرِه وحضوره آمنًا، فسار ومعه الشيخ أبو القاسم، فأكرم الأمراءُ الشَّيخَ، وأكرموا لأجله الأحدَبَ، وكان دخولُه يومًا مشهودًا، وتمثَّل الأحدَبُ بين يدي السلطان، وأنعم عليه السلطانُ وألبسه تشريفًا وناله من الأمراءِ إنعامٌ كثيرٌ، وضَمِنَ منهم درك البلاد على ما تقدَّمَ ذِكرُه، فرُسِمَ له بإقطاعٍ، وعاد الأحدب إلى بلاده بعد ما أقام نحو شهرٍ.