بعد مؤامرة خلع أبي عبد الله محمد الملقب بالأيسر حاكم غرناطة -في فترة حكمه الثانية- والتي قام بها خصومه، وتولِّي أبي الحجاج يوسف بن المول الحكم، والذي كان مائلًا إلى ملك قشتالة ليساعده على انتزاع حكم غرناطة في مقابل تعهُّده بأن يحكم غرناطة باسم ملك قشتالة وتحت طاعته، تم بعد ذلك توقيعُ معاهدة بين يوسف بن المول وخوان الثاني ملك قشتالة؛ لتحقيق هذا الهدف في 7 محرم سنة 835 (16 سبتمبر 1431م) متضمنة بنودًا مهينة للطرف المسلم، نصت على إقرار من يوسف بأنه من أتباع ملك قشتالة وخُدَّامه، وتعهَّد منه بدفع جزية سنوية قدرها عشرون ألف دينار ذهبي، وإطلاق سراح الأسرى النصارى، وأن يقدِّمَ يوسف ألفًا وخمسمائة فارس إلى ملك قشتالة لمحاربة أعدائه، سواء أكانوا من النصارى أو المسلمين. وفي مقابل هذه التنازلات يتعهد الطرف القشتالي بأن يكون الصلحُ مستمرًّا طوال حكم يوسف ومَن يخلُفُه من أبنائه، وأن يُعينَه على محاربة أعدائه من المسلمين والنصارى، وطبقًا لهذه المعاهدة وتنفيذًا لبنودها تحركت القوات القشتالية لمعاونة يوسف في حربة مع السلطان الأيسر، ونشبت بينهما معركة شديدة، انتهت بهزيمة الأيسر، ودخول يوسف غرناطة بمؤازرة النصارى القشتاليين، وجلس على عرش السلطنة في جمادى الأولى من هذه السنة، وكان أول ما فعله يوسف أن جدَّد المعاهدة مع ملك قشتالة باعتباره سلطان غرناطة، وبهذه المعاهدة قَطَعت قشتالة خطوة كبيرة في سبيل تحقيق أمنيتها، وإزالة الوجود الإسلامي من إسبانيا، وهذا ما حدث بعد سنوات قليلة!!
لما رأى فرديناند الخامس ملك قشتالة أن المسلمين قد عجزوا عن أخذ الحامة ونصرة من فيها من الأسارى، وقع له الطمع في بلاد الأندلس، فأخذ في الاستعداد والخروج إليها. طلب فرديناند الخامس من أبي عبد الله محمد بن سعد الملقب بالزغل أمير مالقة إمضاء معاهدة يكون فيها أمير مالقة تابعًا لقشتالة، فرفض ذلك أمير مالقة، فقام ملك قشتالة بإعلان الحرب عليه, فلما كان جمادى الأولى من هذا العام خرج ملك قشتالة بحملة عظيمة، وقصد مدينة لوشة فنزل عليها بحملته، وكان قد اجتمع فيها جملة من نجدة رجال غرناطة حين سمعوا بخروجه إليها فلما قرب من البلد خرج إليه الرجال والفرسان فقاتلوه قتالًا شديدًا وردوه على أعقابه وقتلوا كثيرًا من النصارى وأخذوا لهم من تلك العدة التي قربوا بها من النفط وغيره من عدة الحرب، ثم إن الأمير أبا الحسن علي بن سعد أمدهم بقائد من غرناطة يقود جيشًا من الفرسان في تلك الليلة فاشتدت عند ذلك عصبة المسلمين وقويت قلوبهم فلما أصبح الصباح ورأى النصارى الزيادة في جيش المسلمين مع ما نالهم من أول الليل من الهزيمة والقتل وأخذ العدة، داخَلَهم الرعب واشتد خوفهم فأخذوا في الارتحال عنهم، فخرج إليهم المسلمون فقاتلوهم قتالًا شديدًا، فانهزم النصارى وتركوا كثيرًا من أخبيتهم وأمتعتهم وأطعمتهم وآلة حربهم، وتركوا من الدقيق شيئًا كثيرًا فاحتوى المسلمون على جميع ذلك كله وانصرف العدو مهزومًا مفلولًا إلى بلده، ففرح المسلمون بذلك فرحًا عظيمًا، وكان ذلك في السابع والعشرين من جمادى الأولى.
بعد أن انتصر السلطانُ العثماني سليم الأول على السلطان المملوكي قانصوه الغوري وقتَلَه في معركة مرج دابق سنة 922، سار إلى مصر، وأرسل السلطان سليم إلى السلطان الجديد طومان باي يعرِضُ عليه الصلح مقابِلَ الاعتراف بسيادة العثمانيين على مصر، غيرَ أن طومان باي رفض ذلك واستعدَّ للقتال، والتقى الطرفان أولًا على حدود بلاد الشام في معركة أولى انهزم فيها المماليك، ثم دخل العثمانيون غزةَ ثم أكملوا مسيرَهم إلى مصر حتى وصلوا إلى الريدانية على أبواب القاهرة، فجرت بين الطرفين معركةٌ انطلق فيها السلطان طومان باي المملوكي إلى مقَرِّ السلطان سليم الأول العثماني ومعه بعضُ الفرسان وقتلوا مَن حوله وأسَروا الوزير سنان باشا وقتَلَه طومان بعد ذلك، ولكن المعركةَ انتهت بانتصار العثمانيين خاصةً؛ لوجود المدافع التي معهم ثمَّ في الثامن من محرم دخل العثمانيون القاهرة، وهرب طومان باي نحو الجيزة غيرَ أنه سقط أسيرًا بأيدي العثمانيين الذين قتلوه في الحادي والعشرين من ربيع الأول من هذا العام، فكان بنهايته نهاية الدولة المملوكيَّة، ثمَّ إنَّ السلطان العثماني سليم الأول بايعه أهلُ مصر، وتنازل له الخليفة العباسي المتوكل على الله محمد بن يعقوب عن الخلافة, وبذلك أيضًا انقضت الخلافة العباسية التي دامت تحت ظلِّ المماليك قرابة المائتين وأربع وستين سنة! وانطوت من التاريخ الخلافةُ في مصر لتبدأ الخلافة من جديدٍ في إستانبول, ولَقَّب السلطانُ سليم الأول نفسَه بخادم الحرمين الشريفين أثناء خطبة الجمعة التي أُلقِيت في الجامع الكبير بحلب.
كانت الأسرة الوطاسية هي الحاكمةَ على فاس بزعامة أبي العباس أحمد بن أبي عبد الله محمد، وكانت الأسرةُ السعدية أخذت في التوسُّع بزعامة أبي العباس أحمد الأعرج وانتقلت من مراكش، وهدَّدت سلطنة الوطاسيين، فقامت بين الأسرتين حروبٌ دامت أيامًا، تعتبر وقعةُ بير عقبة من أعظم الوقعاتِ التي كانت بين الوطاسيين والسعديين، وتحدَّث بها العامة في أنديتهم كثيرًا وبالغوا في وصفِها والإخبار عنها، وقد ذكرها شعراؤهم في أزجالهم-نصوصهم- الملحونة، وهي محفوظة فيما بينهم، وذلك أنَّه لَمَّا طمى عباب السعديين على بلاد الحوز وكادوا يَلِجون على الوطاسيين دارَ مُلكِهم من فاس، نهض إليهم السلطان أبو العباس أحمد الوطاسي أواخِرَ سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة يجرُّ الشوك والمدَر في جمعٍ كثيف من الجند وقبائل العرب في حُلَلِها وظُعُنها، وجاء أبو العباس السعدي في قبائل الحوز بحللها وظعنها كذلك. فكان اللقاءُ بمشروع بير عقبة- أحد مشاريع وادي العبيد- من تادلا، فنشبت الحرب وتقاتل الناسُ وبرز أهل الحفائظ منهم والتراث، وقاتل الناسُ على حرمهم وأحسابهم وعِزِّهم، فأفنى بعضهم بعضًا إلا قليلًا، ودامت الحرب أيامًا على ما قيل إلى أن كانت الهزيمة على الوطاسيين؛ وذلك بسبب تخلي قبائل الخلوط التي كادت تكون القوةُ الأمامية للجيش الوطاسي؛ مما أدى إلى انتشار الفوضى في سائر جيش الوطاسيين, وعلى إثر هذه الهزيمة عُقِد صلحٌ بين الطرفين في مدينة تادلا يقضي بتقسيم البلاد بين الأسرتين، وبموجِبه انسحب الوطاسيون إلى فاس وبقيت تادلا بيد الشريفِ السعدي أبي العباس أحمد الأعرج، وأظهرت هذه المعركة قوةَ السعديين.
كان أوَّل ما حضر إلى الإسكندرية في أوَّلِ هذه السنة مراكِب للإنجليز زعموا أنَّهم جاؤوا ليحمُوا الثغر من الفرنسيين، فإنَّهم في طريقهم لاحتلال مصر, ولكنَّ أهل الإسكندرية ظنُّوا أن هذه مخادعة وقالوا: هذه بلاد السلطان، لا سبيل للإنجليز ولا للفرنسيين عليها، فرحل الإنجليزُ، ومع ذلك لم يفعل أمراءُ البلد شيئًا، أما أهل الإسكندرية فجمعوا العُربان وتهيَّأ الناسُ لِمثل هذا الحدَثِ، ثم وصلت مراكبُ الفرنسيين وطلبوا القنصل وبعض أهالي البلد، فلما نزلوا إليهم عوَّقوهم، فلما دخل الليل طلعوا إلى البر ومعهم آلاتُ الحرب والعساكر، ولم يفجأ أهلَ الثغر صباحًا إلا وهم كالجراد المنتَشِر، فلم يستطع أهل الثغر ومن انضم إليهم من العُربان فِعلَ شيء أمامهم، فانهزموا إلى البيوت والحيطان، فطلبوا الأمانَ فأمَّنوهم وطلبوا جمعَ السلاح من الأهالي، ثم سار الفرنسيون إلى البر الغربي ووصلوا دمنهور ورشيد، وكان نابليون نشرَ في أنحاء مصر مع الرسُلِ قبل وصوله إلى كُلِّ بلد أنه ما جاء إلى مصر إلى ليخَلِّصَهم من ظلم المماليك والأتراك، وأنَّه يحترم الدينَ والنبيَّ صلَّى الله عليه وسلم والقرآنَ، ثمَّ في شهر صفر التقى العسكر المصريُّ مع الفرنسيين، فلم تكن ساعة إلا وانهزم مراد بيك ومن معه، وكان هذا في البحرِ، ثم ارتحل الناسُ إلى بولاق لعمل المتاريس، ثم وصل الفرنسيون إلى بر مصر، وسكن بونابرت ببيت محمد بيك الألفي بالأزبكية، ثم ملكوا مدينةَ بلبيس بغير مقاومة ولا قتال، ثم عَمِلوا ديوانًا من ستة أنفار من النصارى القبط وستة تجار من المسلمين للنظر في قضايا التجَّار والعامة.
كان محمد علي باشا والي مصر يعمَلُ على تكوين دولة كبرى على حسابِ الدولة العثمانية، فضَمَّ السودان والشام وأجزاءً من بلاد اليونان والأناضول إلى سيطرته. وكان يَعُدُّ شبهَ جزيرة العرب من المناطق التابعة لدولته؛ ولهذا لم يكن غافلًا عما يجري في نجد من حركة لإعادة الدولة السعودية. ووجد أنَّ مِمَّا يسهل عَمَلَ الحملات العسكرية أن يترأَّسَها أحدُ أفراد الأسرة السعودية. وأراد محمد علي باشا التخاطبَ مع الإمام فيصل بن تركي، فأرسل إليه دوسري بن عبد الوهاب أبو نقطة، مبعوثًا ليكونَ وسيطًا بينهما. وطلب من الإمامِ فيصل إرسالَ الخَراج إليه، وتزويد القوات المصرية المحاربة في شبه الجزيرة العربية ببعض ما تحتاج إليه. ولكن الإمام لم يشأ أن يلبِّيَ هذه الطلبات، ربما لأنَّه خَشِيَ أن تُستعمَلَ ضِدَّه مستقبلًا. وفي الوقت نفسِه اتخذ موقفًا لينًا تجاه حكومة محمد علي، فأرسل هدايا ثمينة إلى أحمد باشا ممثِّل محمد علي في الحجاز مع أخيه جلوي بن تركي، على أملِ أن يكونَ في ذلك تعبيرٌ عن حُسنِ نيَّتِه تجاه الدولة. وأبدى استعدادَه لتلبية بعضِ طلبات القوات المصرية من الإبل. لكِنَّ محمد علي لم يقتنِعْ بذلك الموقف، فجهَّز حملة عسكرية بقيادة إسماعيل بك، ووضع على رأسِها -من الناحية الشكلية- خالد بن سعود بن عبد العزيز -الشقيق الأكبر للإمام عبد الله بن سعود- وكان خالد بن سعود قد أسَرَه إبراهيم باشا عند سقوط الدرعية، وأُرسِلَ إلى مصر مع بقَّية آل سعود، ووصلت الحملةُ إلى ينبع في هذه السنة.
أعلن الميرزا حسين علي دعوتَه البهائية، وأنَّه الوريثُ الحقيقي للباب علي بن محمد الشيرازي مؤسِّس فرقة البابية الضالة. وفي عكَّا بذل البهاءُ جُهدًا كبيرًا في نشر دعوتِه وكسْبِ الأنصار والأتباع، فأعلن حقيقةَ شَخصِه، وأبطل ما كان يدَّعيه "الباب" حتى انسلخ هو وأتباعُه من شريعة الباب، ولم يبقَ مِن كلامه إلا ما كان فيه إشارةٌ أو إيماءة تبشِّرُ بمَقدَم البهاء، ولم يكتفِ بادعاء النبوة، بل تجاوزها إلى ادِّعاء الألوهية، وأنه القيومُ الذي سيبقى ويخلد، وأنه روح الله، وهو الذي بعث الأنبياءَ والرسُل، وأوحى بالأديان، وزعم أنَّ الباب لم يكن إلا نبيًّا مهمته التبشير بظهوره. وجعل البهاء الصلاةَ ثلاث مرات: صبحًا وظهرًا ومساء، في كل مرة ثلاث ركعات، وأبطل الصلاةَ في جماعة إلا في الصلاة على الميت، وقصَر الوضوء على غَسلِ الوجه واليدين وتلاوة دعاءين قصيرين. وحدَّد شهر الصوم بتسعة عشر يومًا من كلِّ عام الذي هو عنده تسعة عشر شهرًا. ويكون الصوم في شهر "العلاء" (21:2 مارس)، وهذا الشهر هو آخر الشهور البهائية. وجعل الحجَّ إلى مقامه في "عكا"، وهو واجب على الرجال دون النساء، وليس له زمنٌ معين أو كيفية محدَّدة لأدائه، كما غيَّر في أحكام الزواج والمواريث، وبدَّل في أحكام العقوبات، وفرض نوعًا من الضرائب على أتباعِه لتنظيم شؤونهم تقَدَّر بنسبة (19%) من رأسِ المال وتُدفَعُ مرة واحدة فقط. وكان من تعاليم "البهاء" إسقاطُ تشريع الجهاد وتحريمُ الحرب تحريمًا تامًّا، ومصادرة الحُرِّيات إلا حرية الاستماع إلى تعاليم البهاء!!
كانت السودانُ خاضعةً لحكم محمد علي باشا من عام 1237هـ /1821 م. فقامت الحركةُ المهدية في الفترة من 1299 - 1317هـ /1881 - 1899 م؛ لتخليص السودانِ مِن ظلم الحكومة المصرية الواقِعِ على السودانيين؛ حيث أعلن محمد أحمد بن عبد الله أنَّه المهدي المنتَظَر لبعث الأمَّة، فتبعه كثيرون وسيطَرَ على أغلب البلاد، وكان محمد المهدي في سنة 1298 هـ (1881 م) تلقَّب بالمهديِّ المنتظَر، وكتب إلى فقهاء السودان يدعوهم لنصرته. وانبَثَّ أتباعه (ويُعرَفون بالأنصار أو الدراويش) بين القبائل يحضُّون على الجهاد. وسمع بالمهدي رؤوف باشا المصري (حاكم السودان العام) فاستدعاه إلى الخرطوم، فامتنع, فأرسل رؤوف قوَّةً تأتيه به فانقض عليها أتباعُه في الطريق وفتَكُوا بها. وساقت الحكومةُ المصرية جيشًا لقتاله بقيادةِ جيقلر باشا البافاري، فهاجمه نحو 50 ألف سوداني وهزموه. واستولى المهديُّ على مدينة (الأبيض) سنة 1300 هـ وهاجمه جيش مصري ثالث بقيادة هيكس باشا فأُبيدَ. وهاجم بعضُ أتباعه (الخرطوم) وفيها غوردون باشا فقَتَلوه وحملوا رأسَه على حربة سنة 1302 هـ وانقاد السودان كلُّه للمهدي، وكان فَطِنًا فصيحًا قَوِيَّ الحُجَّة، إذا خطَب خَلَب الأسماع, وأقام يجمَعُ الجموع ويجَنِّد الجنود لأجل التغلب على القواتِ المصرية، وأرسل إلى الخديوي والسلطان عبد الحميد وملكة إنكلترا يشعرهم بدولته ومقرِّ سلطنته، وضَرَب النقودَ, ولكِنَّه لم يلبث أن مات بالجدري، وظلَّت حركة المهدية إلى أن قُضي عليها بجيش مصري تحت قيادة إنجليزية سنة 1317 هـ/1899م.
هو مبارك بن صباح بن جابر بن عبد الله بن صباح، من عنزة، أمير الكويت، مِن الشُّجعان الدُّهاة، ولِدَ سنة 1252هـ في الكويت ونشأ فيها. كان نفوذ الكلمة فيها لأخويه (محمد، وجراح) فقتلهما سنة 1313هـ واستقام له أمر الكويت، وصار حاكِمَها المُطلَق. وهو سابع من وَلِيَها من آل الصباح. وكان للعثمانيين (الترك) شيءٌ من السلطان في الكويت، فحرَّضوا ابن الرشيد على مبارك، فظَفِرَ مبارك. فحاولوا نفيَه سنة 1315هـ بحيلة، فأرسلوا إحدى السفن لنقله، ليكونَ من أعضاء مجلس الشورى بالأستانة، فلجأ إلى الإنجليز، فأنقذوه من الأتراك، وأعلنوا حمايتَهم للكويت. وظَلَّ حاكِمًا للكويت تحت حماية الإنجليز إلى أن مات فيها بقَصرِه. كان مبارك عاليَ الهمة، طموحًا جبَّارًا مَهِيبًا، فيه حِلمٌ وكرم. لجأ آلُ سعود إليه بعد سقوطِ دولتهم الثانية، وعاش عبد العزيز بدايةَ شبابه في الكويت وتحت رعاية ابن الصباح، ساد الأمن في عهده فازدهرت الكويت تجاريًّا، وشيَّد فيها أوَّلَ مدرسة نظاميَّة، هي المدرسة المباركية، كما شُيِّد في عهده أوَّلُ المستشفيات الطبية. عانى مبارك في آخر أيامه من مرض الملاريا وتصَلُّب الشرايين، خرج من بيته إلى مجلسه في يوم وفاته بعد أن غاب عنه لعدة أيام، وقد كان يريد سماع آخر الأخبار بشأن المعارِكِ التي تحدث في العراق زمَنَ الحرب العالمية الأولى، وبعد سماعه الأخبار تناول العشاءَ وأسند رأسَه على الأريكة وغَطَّ في نوم عميق، ثم أراد حارِسُه أن يوقِظَه كي يذهب إلى البيت، فوجده قد توفِّيَ، وتولى حكمَ الكويت بعده ابنُه جابر.
أثار انتصار قوات الإخوان (إخوان من أطاع الله) في تربة وتفوقهم العسكري مخاوف الإنجليز من توسع الملك عبدالعزيز تجاه الحجاز على حساب حليفهم الشريف حسين لذلك حاولت بريطانيا تخفيف حدة الصراع والتوتر بين الحجاز ونجد والحيلولة دون تقدم آل سعود إلى الحجاز بأن طلبت منه أن يسحب قواته من الحجاز، ثم دعا اللورد كيرزون وزير الخارجية البريطانية لعقد مؤتمر في مبنى وزارة الخارجية في لندن دعا إليه مسؤولون بريطانيون مختصون بالشرق الأوسط فأشار في المؤتمر جون فيلبي سكرتير برسي كوكس المعتمد البريطاني في الخليج إلى أن الملك عبدالعزيز لن يتقدم نحو الأراضي الحجازية لأنه أكثر حكمة من أن يلحق الإساءة بعلاقته مع بريطانيا من خلال توسعه في الحجاز إلا أن كيرزون أوضح أن الموقف لا يسمح بالتكهنات والاحتمالات حول تقدم الملك عبدالعزيز نحو الحجاز واقترح إرسال مبعوث للرياض لإبلاغ الملك عبدالعزيز انزعاج بريطانيا من سوء علاقته بالهاشميين وكُلف فيلبي بتبليغ رسالة الإنجليز للملك عبدالعزيز وأمرت الخارجية البريطانية الجنرال اللنبي المندوب السامي في القاهرة أن يرسل ست طائرات حربية إلى جدة لمساعدة الحسين إذا ما حاول الملك عبدالعزيز التقدم نحو الحجاز، وعند ما أظهر الشريف حسين انزعاجه من حسن تعامل بريطانيا مع الملك عبدالعزيز أرسل اللنبي إليه يطمئنه بأن الحكومة البريطانية لن تتخذ موقفا يضر بمصالحه ويؤُخذ بعين الاعتبار شروط المعاهدة بين حكومة بريطانيا والملك عبدالعزيز التي تتعهد بموجبها حمايته والاعتراف باستقلاله ورجاء الامتناع عن إثارة أية مشكلة قد تؤدي إلى توتر العلاقات مع الملك عبدالعزيز.
هو نور مُحمَّد تراقي أوَّلُ رئيسٍ لأفغانستانَ بعدَ الانقِلابِ الشُّيوعيِّ على مُحمَّد داود. وُلِدَ تراقي عامَ 1335هـ 1917م في قريةِ (ميدو) في ولاية غَزْنة، وسافَرَ في 1353هـ / 1934م إلى الهِنْد، وبَقِيَ في بومباي 4 سنواتٍ، وهناك اعتنَقَ الفِكْر الشيوعيَّ، وعندما رجَعَ إلى بلادِهِ عَمِلَ في مُؤسَّسة السُّكَّر التِّجاريَّةِ بوزارةِ الماليَّة، والتَحَقَ أيضًا بجامعةِ كابلَ، ثم ابتُعِثَ إلى أمريكا كمُلحَقٍ ثَقافيٍّ سنةَ 1373هـ، وبقي هناك مُدَّة أربَعِ سنواتٍ، ثم عاد إلى أفغانستانَ، وأسَّسَ عام 1385هـ / 1965م أوَّلَ نواةٍ للحِزْب الشُّيوعي الأفغانيِّ، وكان اللقاءُ الأوَّلُ في بيتِهِ، وانتُخِبَ أمينًا عامًّا للحِزْب بالإجماعِ، وفَشِلَ في الانتخاباتِ العامَّةِ التي جَرَتْ، وتسلَّمَ الحُكمَ نتيجةَ انقِلابٍ على الرئيس مُحمَّد داود، وتسلَّم تراقي رئاسةَ الجُمهوريةِ في جُمادى الأولى 1398هـ / نيسان 1978م واحتفَظَ لنفسه برئاسةِ الحُكومةِ، وعيَّنَ بابرك كارمل نائِبَهُ، واشتدَّتْ في عَهدِهِ أعمالُ العُنفِ في البلادِ، وجرتِ الدِّماءُ، وساد الإرهابُ، وخاف الناسُ، أمَرَ نورُ محمد تراقي بإخراج مُحمَّد داود من السجن، وقُتِلَ هو بعد قَتلِ أبنائِهِ الـ 29 أمامه، كما قَتَل جميعَ مُستشاريه ورجال حُكومتِهِ، كان محمد تراقي يُتقِن لُغةَ الأوردو، واللغةَ الإنجليزيَّةَ إضافةً إلى لُغتِهِ البَشْتو، وألَّفَ عددًا من الكُتُب، منها: (البقرةُ الصَّفْراء)، و (تعالَوْا لنبدأَ العَمَلَ)، و (اللَّحْم المُجفَّفُ)، وكُلُّها استِهْزاءٌ بالإسلامِ. وينتمي هو إلى قَبيلةِ البَشْتو، وكانت نهايةُ محمد تراقي على يَدِ صديقِهِ ورَفيقِهِ حفيظ الله أمين إثْرَ عَودتِهِ من (هافانا) عاصمةِ كوبا.
في باكستان، سار ضياءُ الحق في سياستِهِ الأوَّليَّةِ باتجاهينِ يكادانِ يكونانِ متناقضينِ: اتجاه بالتقرُّب إلى أمريكا، واتجاه إسلاميٌّ، فدعَّم المجاهدين الأفغانَ، وهذا ما كانت أمريكا راضيةً عنه ثأرًا لها من روسيا التي دعَّمت الفيتناميين ضِدَّها، ثم إنَّ ضياء الحق في أواخر أيَّامه بدَت رغبتُه في تطبيق الشريعة، حيث أخذ يُصرِّح مُتسائِلًا: بماذا يُجيب اللهَ يوم القيامة، إذا سأله عن عدم تطبيقه للشريعة، وأخَذ يعمل لذلك، وقرَّر إجراء استفتاء عام 1990م ليعرف ثقة الشعب وتجاوبَهُ السياسيَّ، ولكن هذا ما لا يرضي أمريكا، وخاصَّة أن أزمة أفغانستان انتهت، فعرضت أمريكا على ضياء الحق شِراءَ دبَّابات أمريكية وأحضرَتْها لباكستان لرؤيتها، ومعرفة مزاياها على أرض الواقع، وتحدَّد الموعد وكان سِرِّيًّا جِدًّا، فخرَجَ الرئيسُ ضياء الحق، ومعه السفير الأمريكي في باكستان، والمُلحَق الأمريكي لشؤون الدفاع، والخبيرُ بسلاح الصواريخ، ولم يخطُرْ ببال ضياء الحق أيُّ مكيدةٍ بما أنه برُفقة هَذينِ الأمريكيَّينِ، ثم بعد انتهاء العُروض استقلُّوا الطائرةَ التي ستتوجَّه إلى مطار راولبندي، وما إن أقلعتِ الطائرةُ حتى سقطت مُنفجرةً محترقةً بمن فيها، وذلك في 5 محرم 1409هـ / 17 آب 1988م وكان المتهمون كُثُرًا، فالرُّوس، والهنودُ، والأفغانُ الشيوعيُّون بسبب مُساعدة ضياء الحق للأفغانِ، وإيرانُ بسبب الخلاف في تطبيق الإسلام، أو الشيعة وخاصَّة بعد مقتل عارف حسين الحُسَيني رئيس حركة تنفيذ الفقه الجعفري في باكستان، واليهودُ بسبب مواقف ضياء الحق ضدَّ دولتِهم، والباكستانيُّون العسكريُّون الذين يُريدون السُّلطة، وأمريكا، ثم وحسب الدُّستور الباكستاني تسلَّم الرئاسة رئيسُ الجمعيَّةِ الوطنيَّةِ غلام إسحاق غلام.
خرج المهديُّ بنفسِه إلى تونُسَ وقرطاجَنَّة وغيرِهما يرتادُ موضعًا على ساحِلِ البحر يتَّخِذُ فيه مدينةً، وكان يجِدُ في الكتُبِ خروجَ أبي يزيدَ على دولته، ومن أجلِه بنى المهديَّةَ، فلم يجِدْ مَوضِعًا أحسَنَ ولا أحصَنَ مِن موضع المهديَّة، وهي جزيرةٌ متَّصِلةٌ بالبَرِّ كهيئة كفٍّ متَّصِلةٍ بزِندٍ، فبناها وجعلها دار مُلكِه، وجعل لها سورًا مُحكَمًا وأبوابًا عظيمةً، وزْنُ كُلِّ مِصراعٍ مائةُ قنطارٍ، وكان ابتداءُ بنائها يوم السبت لخمسٍ خَلَونَ مِن ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة، فلَّما ارتفع السورُ أمَرَ راميًا أن يرميَ بالقوس سهمًا إلى ناحية المغرب، فرمى سهمَه فانتهى إلى موضِعِ المُصلَّى، فقال: إلى موضعِ هذا يَصِلُ صاحِبُ الحِمارِ، يعني أبا يزيدَ الخارجيَّ؛ لأنّه كان يركب حمارًا، وكان يأمُرُ الصُّنَّاعَ بما يعملون، ثمَّ أمر أن يُنقَرَ دار صناعة في الجبلِ تَسَعُ مائةَ شيني- مركب بَحَري- وعليها بابٌ مُغلَقٌ؛ ونقَرَ في أرضِها أهراءً للطعامِ، ومصانِعَ للماء، وبنى فيها القصورَ والدُّورَ، فلما فرغ منها قال: "اليومَ أمَّنتُ على الفاطميَّات"، يعني بناتِه، وارتحل إليها، ولَمَّا رأى إعجابَ الناس بها، وبحصانتها، كما يقول: هذا لساعةٍ مِن نهار، وكان كذلك لأنَّ أبا يزيد وصل إلى موضعِ السهم، ووقف فيه ساعةً، وعاد ولم يظفَرْ.
سار السليطين- وهو الأذفونش مَلِكُ طليطلة وأعمالِها، وهو مِن مُلوك الجلالقة، نوعٌ من الفرنج- في أربعينَ ألفَ فارسٍ إلى مدينةِ قُرطُبةَ، فحَصَرَها، وهي في ضَعفٍ وغَلاءٍ، فبَلَغَ الخبَرُ إلى عبدِ المؤمن وهو في مراكش، فجَهَّزَ عَسكرًا كثيرًا، وجعَلَ مُقَدَّمَهم أبا زكرياء يحيى بن يرموز، ونفَذَهم إلى قُرطُبةَ، فلَمَّا قَرُبوا منها لم يَقدِروا أن يلقَوا عسكَرَ السليطين في الوطاءِ، وأرادوا الاجتماعَ بأهلِ قُرطُبةَ ليَمنَعوها لخَطَرِ العاقبةِ بعد القتال، فسَلَكوا الجِبالَ الوَعْرةَ والمضايقَ المُتشَعِّبةَ، فساروا نحوَ خمسة وعشرين يومًا في الوَعرِ في مسافة أربعةِ أيَّامٍ في السَّهلِ، فوصلوا إلى جَبَلٍ مُطِلٍّ على قرطبة، فلمَّا رآهم السليطين وتحَقَّقَ أمرَهم رحَلَ عن قُرطُبةَ، فلما رحل الفرنجُ خرَجَ منها أميرُها لوَقتِه وصَعِدَ إلى ابنِ يرموز، وقال له: انزِلوا عاجلًا وادخُلوا البلد؛ ففعلوا، وباتوا فيها، فلما أصبحوا من الغَدِ رأوا عَسكَرَ السليطين على رأسِ الجَبَلِ الذي كان فيه عَسكَرُ عبد المؤمن، فقال لهم أبو الغمر: "هذا الذي خِفتُه عليكم؛ لأني عَلِمتُ أنَّ السليطين ما أقلَعَ إلَّا طالبًا لكم، فإنَّ مِن المَوضِعِ الذي كان فيه إلى الجَبَلِ طَريقًا سهلةً، ولو لَحِقَكم هناك لنال مرادَه منكم ومِن قُرطُبةَ"، فلمَّا رأى السليطين أنَّهم قد فاتوه عَلِمَ أنَّه لم يَبقَ له طَمَعٌ في قُرطُبةَ، فرحل عائدًا إلى بلادِه، وكان حَصرُه لقُرطُبةَ ثلاثةَ أشهُرٍ.
سار صلاحُ الدين إلى شقيف أرنون، وهو من أمنَعِ الحصون، ليحصُرَه، فنزل بمرج عيون، فنزل صاحِبُ الشقيف، وهو أرناط صاحب صيدا، وكان أرناط هذا من أعظَمِ النَّاسِ دهاءً ومكرًا، فدخل إليه واجتمع به، وأظهر له الطاعةَ والمودة، وقال إنَّه سيُسَلِّمُ له الحِصنَ، فظن صلاحُ الدين صِدقَه، فأجابه إلى ما سأل، فاستقر الأمرُ بينهما أن يسلِّمَ الشقيفَ في جمادى الآخرة، وأقام صلاح الدين بمرج عيون ينتظر الميعاد، وكان أرناط في مدة الهدنة يشتري الأقواتَ مِن سوق العسكَرِ والسلاحَ وغير ذلك مما يُحصِّن به شقيف، فلما قارب انقضاءُ الهدنة تقدَّمَ صلاح الدين من مُعسكَرِه إلى القرب من شقيف أرنون، وأحضر عنده أرناط وقد بَقِيَ من الأجل ثلاثة أيام، فقال له في معنى تسليمِ الشقيف، فاعتذر بأولادِه وأهله، وأنَّ المركيس لم يمكِّنْهم من المجيء إليه، وطلب التأخيرَ مُدَّةً أخرى، فحينئذ عَلِمَ السلطان مَكْرَه وخداعه، فأخذه وحبسه، وأمَرَه بتسليم الشقيف، فطلب قسيسًا- ذكَرَه- لحَملِه رسالةً إلى من بالشقيف ليُسَلِّموه، فأحضروه عنده، فسارَّه بما لم يعلموا، فمضى ذلك القسيسُ إلى الشقيف، فأظهر أهلُه العصيان، فسيَّرَ صلاح الدين أرناط إلى دمشقَ وسَجَنَه، وتقَدَّم إلى الشقيف فحصَره وضَيَّقَ عليه، وجعل عليه من يحفَظُه ويمنَعُ عنه الذخيرة والرِّجال.