بعد أن سيطر المهديُّون على السودان كلِّها وجاءت الأوامِرُ الإنجليزية للمصريين بالانسحابِ مِن السودان، ثمَّ أخذت إنجلترا بالعمل لاستعادة السودانِ، ووافق ذلك هزيمةَ إيطاليا أمام الحبشة، فاستنجدت إيطاليا بإنجلترا فتشَكَّل الجيشُ المصري الإنجليزيُّ، وتجمَّعَ في حلفا في ذي القعدة 1313هـ / أيار 1896م ليستعيدَ السودان، وقاد الجيشَ كتشنر الضابِطَ الإنجليزيَّ، ثم أُعطِيَت الأوامِرُ للتقَدُّمِ إلى السودان، وحدث صدامٌ أوَّلًا بين دوريةٍ مِن هذا الجيشِ والأنصارِ، ثمَّ حَدَثت معركةُ فركة في السادس والعشرين من ذي الحجة / حزيران، ولم يكن عددُ السودانيين يزيدُ على ثلاثة آلافٍ، على حين كان الجيشُ المقابِلُ عشرةَ آلاف بعتاده الكامِلِ، فقُتِلَ من السودانيين قائِدُهم حمودة ومعه ثمانمائة مقاتل، وأُسِرَ سِتُّمائة وتراجَعَ البقيَّةُ إلى دنقلة، ثمَّ جَرت اتصالاتٌ سريَّةٌ بين الضبَّاط الإنجليز وأعيان كردفان وزعيم الكبابيش وعبد الله ولد سعدٍ زعيم قبيلة الجعليين؛ لإعادة الحكم المصري، غيرَ أنَّ الجيش المصري قد أُصيب بكارثة انتشار الكوليرا في صفوفِه، ووجد أميرُ دنقلة أنَّه لا يستطيعُ الصمود أمامَ الغزاة فأخلى مدينتَه ودخَلَها كتشنر دون مقاومةٍ، ووصل مدينة مروى ومد الإنجليزُ خطًّا حديديًّا بسرعة بين حلفا وأبو حمد، وحاولت قوةٌ مهدية المقاومةَ في أبو حمد غيرَ أنَّها قد هُزِمَت أمام قوة السلاح رغمَ ما قدَّمت من تضحية، وكذلك انسحب أمير بربر إلى أم درمان، وجاءت قوةٌ من الجيش المصري من سواكِن على البحر الأحمر وتقَدَّمت نحو الداخل وأخذت مدينةَ كسلا من أيدي الإيطاليين، وذلك في 26 رجب 1315هـ / 20 ديسمبر 1897م، وانتصر كتشنر على قائدِ الجيش السوداني محمود في بلدة النخيلة على نهر عطبرة في 15 ذي القعدة 1315هـ / 6 نيسان 1898م وتقدَّم الإنجليزُ بجنودِهم المصريين نحو الجنوبِ وجَرَت معركةُ كرري في ربيع الثاني 1316هـ / أيلول 1898م وقُتِلَ فيها عشرة آلافٍ مِن الأنصارِ أتباعِ حركةِ المهديِّ، ودخل كتشنر الخرطومَ ورُفِع عليها العَلمانِ المصريُّ والإنجليزي، وتم التفاهمُ مع الفرنسيين في فاشودة.
هو الحاج سير أحمدو بلو بن الأمير إبراهيم بن فودي: زعيمٌ سياسيٌّ نيجيري شمالي. مفكرٌ إسلاميٌّ سياسي كان من أبرز قادةِ مقاومة الاستعمار الإنجليزي. وُلِدَ سنة 1909م بقرية رابا، وتعلَّم في كُتَّابها سنتين، ثم أخذه أخوه إلى مدينة صكتو؛ لِيُلحِقَه بمدرسةٍ ابتدائية هناك، فدرس فيها القرآنَ الكريم، والحساب، واللغة الإنجليزية، والتاريخ، لكنَّه أبدى أسَفَه حين رأى أنَّ التاريخَ الذي يَدرسُه تاريخ إنجلترا بدلًا من تاريخ بلادِه. كان جادًّا في دراسته ما جعَله بعد خمسِ سنين يتخرَّجُ بتفوق على أقرانه، وفي عام 1926م انتقل إلى كلية المعلِّمين في كاتسينا؛ ليتخرَّج معلِّمًا، فعاد إلى مدرسته الأولى في صكتو ليدرِّسَ بها اللغةَ الإنجليزية، والهندسة، ومبادئ اللغة العربية، وفي عام 1934م عيَّنه السُّلطان رئيسًا لمركز (رابا) مسقط رأسِه بعد وفاة ابن عمِّه، فكان أصغرَ رئيسٍ من بين 45 رئيسًا؛ إذ كان عمره 24 سنةً، فكان أوَّلُ عملٍ أقدَمَ عليه هو مكافحةَ الجهل والأميَّة في قريته، حتى إنه لم يكُنْ فيها مَن يَعرف القراءةَ والكتابةَ سواه، فأنشَأ مدرسةً تولَّى التَّدريسَ فيها بنفسه، فلمَّا تعلَّم عددٌ من أهل القرية القراءة والكتابة فَتح فصولًا أخرى، حتى بُنيت أوَّلُ مدرسةٍ نظاميَّة في القرية. في عام 1938م انتقل أحمد بلو إلى (غسو)، وقد عيَّنه السلطان الحاج أبو بكر تفاوة بيليوا رئيسُ وزراء حكومة اتحاد نيجيريا مُشرفًا على 14 مركزًا في سلطنة صكتو، وبهذا اكتسب بلو مهاراتٍ إدارية. ولما أُعلِنَت الحربُ العالمية الثانية عُيِّن بلو ضابطًا للحرب في صكتو. وفي عام 1948م سافر بلو إلى لندن؛ لدراسة نظُمِ الحكم المحلي، وفي عام 1949م ذهب إلى عاصمة نيجيريا لاجوس لأوَّلِ مرة حين توفي وزير صكتو، وأصبح يمثِّل صكتو، وحين بدأت إجراءاتُ تعديل الدستور النيجيري اجتمع الشماليون في (كدونا)، واختاروا مندوبَين منهم للاشتراك في هذا العمل المهم، وكان أحدهما: أحمدو بلو. وفي عام 1953م تقلَّد وزارتَيْ تطوير المجتمع والحكومة المحلية، وفي أكتوبر 1954م أصبح بلو رئيسًا لوزراء الإقليم الشمالي، وظل في هذا المنصب حتى تم اغتياله رحمه الله.
هو طاهِرُ بنُ الحسينِ بنِ مُصعَبِ بن رُزَيق الأمير، مُقَدَّمُ الجُيوشِ، ذو اليمينَينِ، أبو طلحة الخزاعي، ولد طاهِرٌ في بوشنج سنة 159هـ القائم بنصرِ خلافة المأمون؛ فإنه ندبه لحربِ أخيه الأمين فسار في جيشٍ لَجِب، وحاصر الأمينَ فظَفِرَ به وقتله صبرًا، فمُقِت لتسَرُّعِه في قتله. وكان شهمًا مَهِيبًا داهيةً، جوادًا مُمَدَّحًا. كان مع فَرطِ شجاعته عالِمًا خطيبًا مفَوَّهًا بليغًا شاعرًا، بلغ أعلى الرُّتَب. استعمل المأمونُ طاهر بن الحسينِ على المشرق سنة 205هـ، من مدينة السلام ِإلى أقصى عمل المشرِق من خراسان، وكان قبل ذلك يتولَّى الشُّرَط بجانبي بغداد ومعاون السَّواد، مات طاهر بن الحسين من حُمَّى أصابته، ووُجِدَ في فراشه ميتًا.
سار المأمونُ بنفسه لِغَزوِ الرُّومِ؛ لأنه ربما شعر أنَّ النَّاسَ قد ركنت للرفاهيةِ وضَعُفَت عندهم رُوحُ الجهادِ، كما أنَّ الفُرقةَ بدأت تعصِفُ بينهم بريحِها المُنتِنة؛ مما شجَّعَ كثيرًا من المتمرِّدينَ على الخروج، فسار مِن بغداد على طريقِ المَوصِل، حتى صار إلى منبج، ثم إلى دابق، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى المصيصة وطرسوس، ودخل منها إلى بلاد الرُّوم، ودخل ابنُه العبَّاسُ مِن ملطية، فأقام المأمونُ على حِصنِ قرَّة حتى افتتحه عَنوةً، وهَدَمه، وقيل: إنَّ أهله طلبوا الأمانَ فأمَّنَهم المأمون، وفتح قبله حِصنَ ماجدة بالأمان، ووجَّه أشناس إلى حصنِ سندس، فأتاه برئيسِه، ووجَّه عجيفا وجعفرًا الخياطَ إلى صاحِبِ حِصنِ سناذ، فسَمِعَ وأطاع، ثم قفل راجعًا إلى دمشق.
أجبرت إنجلترا حكومةَ مِصرَ على سَحبِ جَيشِها من السودانِ بعد انتصارِ ثورة المهدي، وقاد كيتشنر مع عددٍ مِن الضباط الإنجليز حملةَ الجيش المصري لإعادةِ احتلال السودان من عام 1896م حتى عام 1898م؛ حيث انهزم المهديُّون في معركةِ أم درمان الفاصلة، فأجبر الإنجليز مصرَ على توقيع اتفاقية هذا العام (بحجَّة أن السودان قد أُعيدَ فتحه بدعمٍ مِن البلدين) فنصَّت الاتفاقيَّةُ على رفع العَلَمين المصري والإنجليزي. وعلى تعيينِ حاكمٍ عَسكريٍّ للسودان تختارُه بريطانيا ويعَيِّنُه الخديوي، ويفصل بالطريقة ذاتها. وكان كيتشنر أولَ حاكمٍ عسكريٍّ عامٍّ هناك، كما احتفظ لمصرَ في السودان بفرقةٍ عسكرية, وفي عام 1924م بدأت التظاهراتُ والاحتجاجات تعُمُّ مصر والسودان، أدَّت إلى اغتيال الحاكم العام للسودان أثناءَ زيارتِه لمصر، فاستغل الإنجليزُ مقتلَ اللواء الإنجليزي لي أوليفير فيتزماورس ستاك السردار (قائد) الجيش المصري في السودان، ما أدَّى إلى ردٍّ عنيفٍ تمثَّل بمنع مشاركة مصر في حُكمِ السودان حسَبَ معاهدة 1899م، فأجبر الإنجليزُ حُكومةَ مِصرَ على سحبِ فرقتِها العسكرية من السودان، ولكِنَّ بعضَ الوحدات المصرية ما لَبِثَت أن عادت بعد معاهدة 1936م. وفي الفترةِ التي نالت فيها مِصرُ استقلالها، تنامت حركاتُ المعارَضة في السودان. وقد نجح البريطانيون في مَطلَعِ العشرينايت في تكوين تيارٍ سوداني قوي معادٍ لمصرَ، وحمل شعار: «السودانُ للسودانيين» وأدَّت التحوُّلاتُ السياسية السودانية في الثلاثينيات إلى تصدُّعِ هذا الحِلْف، ذلك أنَّ نفوذَ حَركةِ المهدي وقُوى تحالفِها مع البريطانيين أدَّى هذا إلى إثارةِ حَفيظةِ الميرغني الذي قرَّر نكايةً بالإنجليز التحالُفَ مع القوى الوطنية «مؤتمر الخريجين» وراحوا ينادون من جديدٍ بالوَحدةِ مع مصر، إلَّا أنَّ خيبات الأمل والضَّرَبات التي كسرت الصورةَ المثالية لمصر عند السودانيين توالت، وخاصةً عند الشباب الذي سافر للتعلم في القاهرة. وكانت الضربةُ الثانيةُ بعد معاهدة 1936م بين مصر وبريطانيا التي أعادت إلى مصرَ شيئًا من نفوذِها على السودان. فقد صدمت هذه المعاهدةُ السودانيين؛ لأنَّها لم تذكُرْ لهم أيَّ دور، هذا ما أعاد بعثَ الحركة الوطنية التي وإن كانت تتطلَّعُ إلى مصر، إلَّا أنَّها أدركت أنَّ مِصرَ لا يمكِنُ الاعتماد عليها كليًّا لتعَبِّرَ عن صوت السودانيين. بعد ذلك حصل منعطَفٌ كبير وهو ثورة 23 يوليو 1952م في مصر، وبروز اللواء محمد نجيب، الذي كان يتمَتَّعُ بشعبية واسعة في السودان؛ حيث اعتُبِرَ أنَّه نِصفُ سودانيٍّ، وبعده مجيء جمال عبد الناصر، فأعطت هذه الثورةُ دفعةً قويةً لتيار الوَحدةِ بعد تراجُعِه كثيرًا. وكانت الثورةُ مُتجاوِبةً مع الوَحدويِّين السودانيين، وكان قادتُها على قدر كبير من التفَهُّم والوعي لمطامِحِ الحركة الوطنية السودانية، وتمكَّنوا في الوقت نفسِه من طمأنة حزبِ الأمة والاستقلاليين إلى نوايا مصرَ، ولم يتردَّدوا في توقيعِ اتفاق مع كلِّ الأحزاب السودانية في عام 1953م لمنح السودان حقَّ تقريرِ مَصيرِه.