وقَّع مصطفى النحاس -وهو رئيس الوزراء- ووزير الداخلية، ووزير الصحة: المعاهدةَ مع إنجلترا والتي عُرِفَت بمعاهدة 1936 وتنُصُّ على إنهاء الاحتلال العسكري والوصاية البريطانية، مع استثناء بعض القواعد العسكرية للدفاع عن وادي النيل وقناة السويس ضِدَّ أي عدوان خارجي، ووضْع الأراضي المصرية وطرق مواصلاتها ومطاراتها وموانيها تحت تصرُّف الجيش البريطاني في حالةِ قيام حرب، وتخلِّي إنجلترا عن المصالح الأجنبية، وتعهُّد إنجلترا بقَبولِ مِصرَ في عضوية عصبة الأمم، وإبقاء السودان شركةً بين مصر وإنجلترا، وتعهَّد الطرفانِ بعدم عقدِ معاهدة سياسية تتعارَضُ مع مضمون هذه المعاهدة، ومُدَّة المعاهدة عشرون سنة، ويعاد النظرُ بعدها فيها. وعاد مصطفى النحاس من لندن إلى مصر وبدأ يروِّجُ المعاهدةَ ويدعو إلى تأييدها، وأطلق عليها اسمَ معاهدة الشرف والاستقلال. فانشَقَّ أحمد ماهر وفهمي النقراشي عن حزب الوفدِ وشَكَّلا الهيئةَ السعديةَ، وألقيت قنبلةٌ على دُورٍ للسينما يرتادُها ضباط إنجليز ذهب ضحيَّتَها عددٌ من القتلى، وتعرَّض النحَّاسُ لمحاولة اغتيالٍ.
أثناء إقامة المفتي الحاج أمين الحسيني في ألمانيا بعد فراره من الإنجليز أيامَ الحرب العالمية الثانية سَمِعَ بالمآسي التي حلَّت بالشعب البوسني المسلم عندما تصارعت عليه القوميتان الكرواتية والصربية؛ حيث اجتمع بزعماء بوسنة وهرسك، وبعد البحثِ معهم ومع قيادة القوات الألمانية في كيفية المحافظةِ على حياة البشناق (البسنويين) ومَنْع وقوع المذابح فيهم، وافقت الحكومة الألمانية على تجنيد الشبَّان منهم وتسليحهم للدفاعِ عن أنفسِهم وعائلاتهم، كذلك اتَّفق المفتي مع السلطات الألمانية على إنشاء معهد للأئمة لتوزيعهم على وحدات الفِرَق البوسنية الذين زاد عددُهم عن 100 ألف مقاتل، وقد أنشأ المعهد واختير له عدد من علماء البشناق؛ لتوجيه أولئك الأئمة، وأنشأ المفتي كذلك بالاتفاق مع الألمان معهدًا آخر في (دردسن)؛ لتخريج الأئمة الأذربيجانيين والقوقازيين وغيرهم، وبذلك زاد عدد المجندين في بلاد المحور من عرب وبوسنيين وأذربيجانيين وغيرهم على مائتي ألف مقاتل، استطاعوا أن يمنعوا المجازِرَ عنهم وعن جميع مُسلِمي البلقان وشرق أوروبا.
تُوفِّي وليُّ العهدِ السُّعودي الأميرُ سلطان بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله في نيويورك. وكان الأميرُ سلطان قد غادر المملكةَ إلى الولايات المتحدة للعلاجِ، وصُلِّي عليه بعد صلاةِ العصرِ يومَ الثلاثاء الموافقَ (27 من ذي القَعدة)، في مسجد الإمامِ تركي بن عبد الله بمدينة الرياض. وكان قد بدأ حياتَه السياسيَّةَ بتولِّي إمارةِ مِنطَقة الرياض عامَ (1947)، وعُيِّن وزيرًا للزراعةِ والمياهِ عامَ (1953) ثم المُواصَلاتِ عامَ (1955). وعُيِّن وزيرًا للدِّفاع في أكتوبر عامَ (1962)، ثم عُيِّن نائبًا ثانيًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء، بالإضافة إلى مسؤوليَّتِه كوزيرٍ للدِّفاع. وبعد وفاةِ الملك فهد عُيِّن وليًّا لعهدِ أخيه الملكِ عبد الله ونائبًا أولَ لرئيسِ مجلسِ الوزراءِ مع احتفاظِه بمَنصبِ وزيرِ الدفاع. وكان أوَّلَ ظُهورٍ له في مَحفِلٍ دوليٍّ بعد تولِّيه ولايةَ العهدِ خلالَ اجتماعاتِ الجمعيَّةِ العامَّةِ للأُمم المتَّحدة، حين ألقى كلمةَ بلادِه أمامَ الجمعيَّةِ في (15 سبتمبر 2005).
بُويِعَ خادمُ الحرَمَين الشريفَين المَلِكُ سَلمان بنُ عبد العزيز آل سعود مَلِكًا للمملكة العربيَّة السعوديَّة، وكان قد قضى أكثرَ من عامَين ونصفٍ وليًّا للعهد ونائبًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء، كما بَقِيَ حِينَها في منصبِهِ وزيرًا للدِّفاع. وُلِد سلمانُ بن عبدِ العزيز في الخامسِ من شوَّال سنةَ (1354هـ) المُوافِق (31 ديسمبر 1935م) في الرِّياض، وهو الابنُ الخامِسُ والعشرون لمؤسِّس المملكة العربيَّة السعودية المَلِك عبد العزيز آل سعود رحمه الله. تَمَّ تعيينُه بدايةً أميرًا لمِنطَقة الرياض بالنيابة وهو في التَّاسعةَ عشرةَ من العمرِ بتاريخ (11 رجب 1373هـ) الموافقِ (16 مارس 1954م)، وبعد عامٍ واحدٍ عُيِّن أميرًا لمنطقة الرياض برُتْبةِ وزيرٍ، وذلك بتاريخِ (25 شعبان 1374هـ) الموافق (18 إبريل 1955م)، واستمرَّ أميرًا لمِنطَقةِ الرِّياض لأكثرَ من خمسةِ عُقُود، ثم عُيِّن وليًّا للعهدِ ونائبًا لرئيسِ مجلسِ الوُزراء ووزيرًا للدِّفاعِ ثم ملكًا للمملكة العربية السعودية.
وُلِد المشيرُ محمَّد حُسَين طنطاوي، القائِدُ العامُّ السَّابقُ للقوَّاتِ المُسلَّحةِ المِصريَّةِ عام 1935. عَمِل وزيرًا للدِّفاعِ والإنتاجِ الحربيِّ. وكان من أُسرةٍ نوبيَّةٍ. تخرَّج في الكُلِّيَّةِ الحربيَّةِ المصريَّةِ سنة 1956م، ثمَّ كليةِ القادةِ والأركانِ. شارك في حرِب 1967م، وحربِ الاستنزافِ، وحربِ أكتوبر 1973م؛ حيث كان قائِدَ وحدةِ مُقاتلةٍ بسلاحِ المُشاةِ. وبعد الحربِ حصل على نُوطِ الشَّجاعةِ العَسكريِّ، ثمَّ عَمِل في عام 1975 مُلحَقًا عسكريًّا لمصرَ في باكستانَ، ثمَّ في أفغانستانَ. تدرَّج في المناصِبِ حتى أصبح وزيرَ الدِّفاعِ والقائِدَ العامَّ لـلقُوَّاتِ المُسلَّحةِ في عام 1991م، وحصل على رُتبةِ المشيرِ في 1993م.
تولَّى رئاسةَ مِصرَ مُؤقَّتًا بصِفتِه رئيسَ المجلِسِ الأعلى للقُوَّاتِ المُسَلَّحةِ بعد تنحِّي الرَّئيسِ السَّابقِ حُسني مبارك في 11 فبراير 2011م، وظلَّ حتى تسلَّم الرَّئيسُ محمَّد مرسي منصِبَه في 1 يوليو 2012م.
أُحيل للتَّقاعُدِ في 12 أغسطس 2012، ومُنِح قِلادةَ النِّيلِ، وعُيِّنَ مُستشارًا لرئيسِ الجُمهوريَّةِ.
جَزيرَة في بَحرِ الرُّوم، وهي مِن أَكبَر الجَزائِر ما عَدا جَزيرَة صِقِلِّيَّة وأَقْرِيطِش، وهي كَثيرَة الفَواكِه، ولمَّا فَتَح موسى بِلادَ الأَندَلُس سَيَّرَ طائِفَةً مِن عَسكَرِه في البَحرِ إلى هذه الجَزيرَة فدَخَلوها، وعَمَدَ النَّصارى إلى ما لهم مِن آنِيَة ذَهَب وفِضَّة فأَلْقوا الجَميعَ في المِيناء الذي لهم، وجعلوا أَموالَهم في سَقْفٍ بَنوه للبَيْعَة العُظمى التي لهم تحت السَّقْف الأوَّل، وغَنِمَ المسلمون فيها ما لا يُحَدُّ ولا يُوصَف.
في هذه السَّنةِ أظهر المأمونُ أوَّلَ بِدَعِه الشنيعةِ، فأمر مناديًا ينادي: بَرِئَت الذمَّةُ ممَّن ذكر معاويةَ بنَ أبي سفيان بخيرٍ أو فضَّلَه على أحدٍ مِن الصَّحابة، وينادي: إنَّ أفضَلَ الخَلقِ بعد رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم عليُّ بنُ أبي طالب. وقيل: كان المأمون يبالِغُ في التشيُّعِ، لكنَّه لم يتكلَّمْ في الشَّيخينِ بسُوءٍ، بل كان يترضَّى عنهما ويعتقِدَ إمامتَهما.
أرسل العلاءُ بن أحمد- عاملُ أرمينية- إلى المؤيَّد بخمسة آلاف دينار ليُصلِحَ بها أمرَه، فبعث عيسى بن فرخانشاه إليها فأخذها, فأغرى المؤيَّد الأتراك بعيسى وخالَفَهم المغاربة، فبعث المعتزُّ إلى المؤيَّد وأبي أحمد، فأخذَهما وحبَسَهما وقيَّدَ المؤيَّد، وأدرَّ العطاء للأتراك والمغاربة. وقيل: إنَّه ضرَبَه أربعينَ مقرعةً، وخلعه بسامرَّاءَ وأخذ خَطَّه بخلعِ نَفسِه.
سيَّرَ خفاجة ابنَه محمدًا على الحراقات، وسيَّرَ سريَّةً إلى سرقوسة، فغَنِموا وأتاهم الخبَرُ أنَّ بِطريقًا قد سار من القسطنطينية في جمعٍ كثيرٍ، وغَنِم المسلمونَ منهم غنائمَ كثيرة، فرحل خفاجة إلى سرقوسة فأفسَدَ زَرعَها وغَنِم منها وعاد إلى بلرم، وسيَّرَ ابنه محمدًا في البحر، مُستهَلَّ رجَب، إلى مدينة غيطة، فحَصَرها وبثَّ العساكِرَ في نواحيها، فغَنِم وشحَن مراكِبَه بالغنائم، وانصرف إلى بلرم في شوَّال.
عزَّ على علماء الأندلس انتهاكُ الحكَمِ بنِ هشام للحُرُمات، وأْتَمَروا ليخلعوه، ثم جيَّشوا لقتاله، وجَرَت بالأندلس فتنةٌ عظيمة على الإسلام وأهلِه- فلا قوة إلا بالله- فلمَّا هَمَّ العُلَماءُ بخلعِ الحَكَمِ، قالوا: إنَّه غيرُ عدلٍ، ونكَثُوه في نفوس العوامِّ، وزعموا أنَّه لا يحِلُّ المُكثُ ولا الصبرُ على هذه السيرةِ الذَّميمةِ، وكان ممن تقدَّمَ العلماءَ في الدعوةِ لخلعِ الحكَمِ بن هشام يحيى بن يحيى الليثي، وطالوتُ المعافري, وعوَّلَ أهلُ العلم على تقديمِ أحدِ أهل الشورى بقرطبة، وهو أبو الشماس أحمد بن المنذر بن عبدالرحمن الداخل ابن عمِّ الحكم بن هشام؛ لِما عرفوا من صلاحِه وعَقلِه، ودينِه، فقصدوه، وعرَّفوه بالأمر، فأبدى الميلَ إليهم والبُشرى بهم، وقال لهم: أنتم أضيافي الليلةَ؛ فإنَّ الليلَ أستَرُ. وناموا، وقام هو إلى ابنِ عَمِّه الحكَمِ، فأخبَرَه بشأنهم، فاغتاظ لذلك، وقال: جئتَ لسَفكِ دمي أو دمائِهم، وهم أعلامٌ، فمن أين نتوصَّلُ إلى ما ذكرت? فقال: أرسِلْ معي من تثِقُ به ليتحقَّقَ. فوجَّه من أحبَّ، فأدخلهم أحمدُ في بيته تحت سِترٍ، ودخل الليلُ، وجاء القَومُ، فقال: خبِّروني مَن معكم? فقالوا: فلانٌ الفقيهُ، وفلانٌ الوزير. وعَدُّوا كبارًا، والكاتِبُ يكتب حتى امتلأ الرَّقُّ، فمَدَّ أحدُهم يدَه وراء السترِ، فرأى القومَ، فقام وقاموا، وقالوا: فعلْتَها يا عدوَّ الله. فمَن فَرَّ لحينِه نجا، ومن لا، قُبِضَ عليه، فكان ممَّن فَرَّ: عيسى بن دينار الفقيه، ويحيى بن يحيى الفقيه صاحِبُ مالك، وقرعوس بن العباس الثَّقفي, وقبض على ناس كمالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم الخولاني، ويحيى بن مُضَر الفقيه، وأمثالهم من أهل العلمِ والدين، في سَبعةٍ وسبعين رجلًا، فضُرِبَت أعناقُهم وصُلِبوا, وأضاف إليهم الحكَمُ عَمَّيه؛ كُليبًا وأميَّة، فصُلِبا، وأحرق القلوبَ عليهم، وسار بأمرِهم الرِّفاقُ، وعَلِمَ الحكمُ أنَّه محقودٌ من الناس كلهم، فأخذ في جمعِ الجُنود والحشَمِ، وتهيَّأ، وأخذت العامَّةُ في الهياجِ، واستأسد النَّاسُ، وتنَمَّروا، وتأهَّبوا. واستفحل الشَّرُّ.
كان الحاكِمُ العُبَيديُّ صاحِبُ مِصرَ يواصِلُ الرُّكوبَ وتتصَدَّى له العامَّةُ، فيَقِفُ عليهم ويسمَعُ منهم. وكان النَّاسُ في ضنكٍ مِن العَيشِ معه. فكانوا يدسُّونَ إليه الرِّقاعَ المختومةَ بالدُّعاءِ عليه والسَّبِّ له ولأسلافِه، حتى إنَّهم عَمِلوا تمثالَ امرأةٍ مِن كاغد بخُفٍّ وإزارٍ ثمَّ نَصَبوها له، وفي يَدِها قصَّةً. فأمَرَ بأخْذِها مِن يَدِها، ففتَحَها فرأى فيها العظائمَ، فقال: انظُروا مَن هذه. فإذا هي تمثالٌ مَصنوعٌ. فتقَدَّمَ بطَلَبِ الأمراءِ والعُرَفاء فحَضَروا، فأمَرَهم بالمصيرِ إلى مِصرَ لِنَهبِها وحَرقِها بالنَّارِ وقَتلِ أهلِها, فتوجَّهوا لذلك، فقاتل المصريونَ عن أنفُسِهم بحَسَبِ ما أمكَنَهم. ولحِقَ النَّهبُ والحريقُ الأطرافَ والنواحيَ التي لم يكُنْ لأهلِها قُوَّةٌ على امتناعٍ، ولا قدرةٌ على دفاعٍ. واستَمَرَّت الحربُ بين العبيدِ والرَّعيَّة ثلاثةَ أيام، وهو يركَبُ ويُشاهِدُ النَّارَ، ويَسمَعُ الصِّياح. فيَسأل عن ذلك، فيُقال له: العَبيدُ يَحرِقونَ مِصرَ. فيتوجَّعُ ويقولُ: مَن أمَرَهم بهذا؟ لعَنَهم اللهُ, فلما كان في اليومِ الثَّالثِ اجتمَعَ الأشرافُ والشُّيوخُ إلى الجامِعِ ورَفَعوا المصاحِفَ، وعَجَّ الخَلقُ بالبُكاءِ والاستغاثةِ بالله. فرَحِمَهم الأتراكُ وتقاطَروا إليهم وقاتَلوا معهم. وأرسلوا إلى الحاكِمِ يقولونَ له: نحن عبيدُك ومماليكُك، وهذه النَّارُ في بلَدِك وفيه حَرَمُنا وأولادُنا، وما عَلِمْنا أنَّ أهلَها جَنَوا جنايةً تَقتَضي هذا، فإن كان باطِنٌ لا نَعرِفُه عَرِّفْنا به، وانتَظِرْ حتى نُخرِجَ عيالَنا وأموالَنا، وإن كان ما عليه هؤلاء العَبيدُ مُخالِفًا لرأيِك أطلِقْنا في مُعامَلتِهم بما نعامِلُ به المُفسِدينَ. فأجابهم: إنِّي ما أردتُ ذلك ولا أَذِنتُ فيه، وقد أَذِنتُ لكم في الإيقاعِ بهم، وأرسل للعبيدِ سِرًّا بأنْ كونوا على أمْرِكم، وقَوَّاهم بالسِّلاحِ، فاقتَتَلوا وعاودوا الرِّسالةَ: إنَّا قد عَرَفْنا غَرَضَك، وإنَّه إهلاكُ البَلدِ، ولَوَّحوا بأنَّهم يَقصِدونَ القاهرةَ، فلما رآهم مُستَظهرينَ، رَكِبَ حِمارَه ووقف بين الفَريقينِ، وأومأ إلى العَبيدِ بالانصرافِ، وسَكَنَت الفتنةُ، وكان قَدْرُ ما أُحرِقَ مِن مِصرَ ثُلُثَها، ونُهِبَ نِصفُها. وتتَبَّع المِصريونَ مِن أَسَرَ الزَّوجاتِ والبَناتِ، فاشتَرَوهنَّ مِن العَبيدِ بعد أن اعتُدِيَ عليهنَّ، حتى قَتَل جماعةٌ أنفُسَهنَّ مِن العارِ. ثمَّ زاد ظُلمُ الحاكِمِ، وعَنَّ له أن يَدَّعي الرُّبوبيَّةَ، كما فعَلَ فِرعونُ، فصار قَومٌ مِن الجُهَّالِ إذا رأوه يقولونَ: يا واحد يا أحد، يا محيي يا مميت.
بعد أن اتَّفَق الأمراءُ بأن يكون الأمرُ كُلُّه للسلطان وأنَّه هو الذي يديرُ السَّلطنةَ بنَفسهِ مِن رأيه، استبَدَّ بالأمر وقَرَّبَ إليه الأمير طاز، وكان قد شُغِفَ بأخيه جنتمر كثيرًا، واستبعد الأميرَ شيخون كليًّا، بل زاد الأمرُ أنَّ السلطان قد اتفق مع إخوة طاز على أن يقبِضَ عليه وعلى صرغتمش يومَ العيد، وكان طاز قد توجَّه إلى البُحيرة في هذه الأيام للصيدِ، بعد ما قرر مع السلطان ما ذُكر، فركب السلطانُ في يوم الأحد أوَّلَ شوال لصلاة العيد في الإسطبل على العادةِ، وقَرَّر مع كلتاي وجنتمر وأصَرَّ على ما يفعلونَه، وأمَرَ بمائة فرس فشُدَّت وأوقِفَت، فلم يحضُرْ شيخو صلاةَ العيد، وكان قد بلغه جميعُ ما تقرر من نيَّة السلطان القبضَ عليه، فباتوا ليلة الاثنين على حَذَر، وأصبحوا وقد اجتمع مع الأميرِ شيخو من الأمراء صرغمتش وطقطاي، ومَن يلوذ بهم، وركبوا إلى تحت الطبلخاناه، ورسموا للآصر علم بضَرب الكوسات، فضُرِبت حربيًّا، فركب جميعُ العسكر تحت القلعة بالسلاحِ وصَعِدَ الأمير تنكربغا والأمير أسنبغا المحمودي إلى القلعة، وقبضا على السلطانِ الصالح صلاح الدين وسَجَناه مقيَّدًا، فزال ملكُه في أقل من ساعةٍ، وصَعِدَ الأمير شيخو ومن معه من الأمراء إلى القلعة، وأقامت أطلابُهم على حالها تحت القلعة، وقَبَضَ الأميرُ شيخو على إخوة الأمير طاز، واستشار فيمن يقيمُه للسلطنة، وصَرَّح هو ومن معه بخلع المَلِك الصالح صلاح الدين، فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام، فاقتضى رأي الأمير شيخو وسائر الأمراء إعادة السلطان الناصر حسن؛ لِما كان يبلغُهم عنه من ملازمتِه في مُدَّةِ حَبسِه للصلوات الخمس والإقبال على الاشتغالِ بالعِلم ِ،حتى إنَّه كتب بخَطِّه كِتابَ دلائل النبوة للبيهقي، فاستدَعَوا الخليفة وقُضاة القضاة، وأحضَروا السلطان من مَحبَسِه، وأركَبوه بشعار المملكة، ومشى الأمراء كلهم وسائر أرباب الدولة في رِكابِه، حتى جلَسَ على تخت الملك، وبايعه الخليفةُ، فقَبَّلوا له الأرضَ على العادة، وذلك في يوم الاثنين ثاني شهر شوال، وبات الأمراءُ في الأشرفية من القلعة، وسُجِنَ المَلِكُ الصَّالِحُ صلاح الدين حيث كان أخوه الملك الناصر حسن مَسجونًا!!
بعد أن سيطر المهديُّون على السودان كلِّها وجاءت الأوامِرُ الإنجليزية للمصريين بالانسحابِ مِن السودان، ثمَّ أخذت إنجلترا بالعمل لاستعادة السودانِ، ووافق ذلك هزيمةَ إيطاليا أمام الحبشة، فاستنجدت إيطاليا بإنجلترا فتشَكَّل الجيشُ المصري الإنجليزيُّ، وتجمَّعَ في حلفا في ذي القعدة 1313هـ / أيار 1896م ليستعيدَ السودان، وقاد الجيشَ كتشنر الضابِطَ الإنجليزيَّ، ثم أُعطِيَت الأوامِرُ للتقَدُّمِ إلى السودان، وحدث صدامٌ أوَّلًا بين دوريةٍ مِن هذا الجيشِ والأنصارِ، ثمَّ حَدَثت معركةُ فركة في السادس والعشرين من ذي الحجة / حزيران، ولم يكن عددُ السودانيين يزيدُ على ثلاثة آلافٍ، على حين كان الجيشُ المقابِلُ عشرةَ آلاف بعتاده الكامِلِ، فقُتِلَ من السودانيين قائِدُهم حمودة ومعه ثمانمائة مقاتل، وأُسِرَ سِتُّمائة وتراجَعَ البقيَّةُ إلى دنقلة، ثمَّ جَرت اتصالاتٌ سريَّةٌ بين الضبَّاط الإنجليز وأعيان كردفان وزعيم الكبابيش وعبد الله ولد سعدٍ زعيم قبيلة الجعليين؛ لإعادة الحكم المصري، غيرَ أنَّ الجيش المصري قد أُصيب بكارثة انتشار الكوليرا في صفوفِه، ووجد أميرُ دنقلة أنَّه لا يستطيعُ الصمود أمامَ الغزاة فأخلى مدينتَه ودخَلَها كتشنر دون مقاومةٍ، ووصل مدينة مروى ومد الإنجليزُ خطًّا حديديًّا بسرعة بين حلفا وأبو حمد، وحاولت قوةٌ مهدية المقاومةَ في أبو حمد غيرَ أنَّها قد هُزِمَت أمام قوة السلاح رغمَ ما قدَّمت من تضحية، وكذلك انسحب أمير بربر إلى أم درمان، وجاءت قوةٌ من الجيش المصري من سواكِن على البحر الأحمر وتقَدَّمت نحو الداخل وأخذت مدينةَ كسلا من أيدي الإيطاليين، وذلك في 26 رجب 1315هـ / 20 ديسمبر 1897م، وانتصر كتشنر على قائدِ الجيش السوداني محمود في بلدة النخيلة على نهر عطبرة في 15 ذي القعدة 1315هـ / 6 نيسان 1898م وتقدَّم الإنجليزُ بجنودِهم المصريين نحو الجنوبِ وجَرَت معركةُ كرري في ربيع الثاني 1316هـ / أيلول 1898م وقُتِلَ فيها عشرة آلافٍ مِن الأنصارِ أتباعِ حركةِ المهديِّ، ودخل كتشنر الخرطومَ ورُفِع عليها العَلمانِ المصريُّ والإنجليزي، وتم التفاهمُ مع الفرنسيين في فاشودة.
هو المَلِكُ فيصل الأوَّلُ بن الحسين بن علي الحسني الهاشمي، أبو غازي ملك العراق. ولِدَ بالطائف سنة 1300هـ، وترعرع في خيام بنى عتيبة في بادية الحجاز. ورحل مع أبيه حين أُبعِدَ إلى الأستانة سنة 1308هـ، وعاد معه سنة 1327هـ، واختير نائبًا عن مدينة جدة في مجلس النواب العثماني سنة 1913م، فأخذ ينتقِلُ بين الحجاز والأستانة. زار دمشق سنة 1916م، وأقسم يمين الإخلاص لجمعية "العربية الفتاة" السرية. ولَمَّا ثار والده على الدولة العثمانية سنة 1916م تولى فيصل قيادةَ الجيش الشمالي. ثم سمِّي قائدًا عامًّا للجيش العربي المحارب في فلسطين إلى جانب القوات البريطانية، ودخل سورية سنة 1918م، محرم 1337هـ بعد جلاء الترك عنها، فاستقبله أهلُها استقبال المنقِذ. وسافر إلى باريس نائبًا عن والده في مؤتمر الصلح. وعاد إلى دمشق في أوائل سنة 1920م، فنودي به ملكًا دستوريًّا على البلاد السورية سنة 1338هـ - 8/ 3/ 1920م، فلما احتلَّ الجيش الفرنسي سورية طردوه من سوريا فرحل إلى أوربا، فأقام في إيطاليا ثم انتقل إلى إنجلترا. وكانت الثورة على الإنجليز
لا تزال مشتعلة في العراق، فدعته الحكومةُ البريطانية لحضور مؤتمر عقدَتْه في القاهرة (سنة 1921م) برئاسة ونستون تشرشل، وتقرَّر ترشيحُه لعرشِ العراق مقابِلَ التوقيع على معاهدة تقوم مقامَ صَكِّ الانتداب، فقَبِلَ، فانتقل إلى بغداد، ونودي به ملكًا للعراق سنة 1339ه/1921م فانصرف إلى الإصلاح الداخلي، بوضع دستور للبلاد، وإنشاء مجلس للأمة. وأقام العلاقات بين العراق وبريطانيا على أسس معاهدات 1922- 1926- 1927 و1930. كان الملك فيصل في سويسرا في مستشفى برن، ثم لَمَّا تعافى رجع للعراق بسبب ثورة الآشوريين، ثم رجع إلى أوربا للاستجمامِ إلَّا أنَّ بعض الأطباء نصحه بدخول المستشفى مع أنَّ حالته الصحية كانت جيدة، وهذا ما ولَّد عند البعض أنَّ موتَه لم يكن طبيعيًّا؛ حيث توفِّيَ بعد دخوله المستشفى، فنُقِلَ جثمانه إلى بغداد ودفن فيها بعد أن قضى في الملك اثنتا عشرة سنة وخمسة أشهر، ثم بويع ابنه غازي ملكًا على العراق يوم وصول خبر وفاة أبيه، وكان عمره يومذاك اثنتين وعشرين سنة.
بدَأ عبدُ الملك بن مَرْوان في بِناءِ مَسجِد قُبَّةِ الصَّخرَةِ في بيتِ المَقْدِس. وقِيلَ: إنَّ عبدَ الملك بن مَرْوان حين قَرَّرَ بِناءَ قُبَّةٍ عالِيَةٍ تُغَطِّي الصَّخرَةَ رصَد لِبِنائِها خَراجَ مِصْرَ لِسَبْعِ سِنين، وحين أُنْفِقَت هذه الأموالُ على البِناءِ بَقِيَ منها مائةُ ألفِ دِينارٍ، فأَمَر عبدُ الملك بن مَرْوان أن يُصْنَعَ بها صَفائِح ذَهَبيَّة تُكْسَى بها القُبَّةُ مِن الخارجِ.