أعلَن عُلماءُ دينٍ ليبيُّون عن تأسيسَ حزبِ (الإصلاح والتنمية) بعد أقلَّ من أُسبوعٍ على إعلانِ المَجلسِ الوطني الانتقاليِّ الليبيِّ إلغاءَ قوانينِ تَجريمِ الحزبِيَّة في عهدِ العقيدِ المخلوعِ مُعَمَّر القذافي. وأكَّدت اللَّجنةُ التأسيسيةُ في الحزبِ: أنَّه حزبٌ سياسيٌّ تنموِيٌّ مستقلٌّ يسعى للنُّهوضِ بالدَّولةِ في مُختلَف المَجالاتِ السياسِيَّة والاقتصادِيَّة والاجتماعية وَفْقَ معاييرِ وثوابِتِ الشَّريعةِ الإسلامية.
فاز مرشَّح حزب (السلام والتنمية) البروفيسور حسن شيخ محمود برئاسةِ الصومال في تصويتِ البرلَمان. وكان أكثرُ من (24) مرشَّحًا قد تنافَسوا على هذا المنصِبِ، وانتقَدَت حركةُ الشَّباب الصوماليةُ اختيارَ حسن شيخ محمود رئيسًا جديدًا للبلاد، ووصفَتْه بالخائنِ وأنَّ الانتخاباتِ جَرَت بما لا يتماشَى مع مصلحةِ الشَّعب الصومالي، وأنَّها تمثِّلُ المصالِحَ الغربيَّةَ ومصالِحَ عُملائِها في المِنطَقة.
أعلَن أحمد الطيب شيخُ الأزهرِ أنَّ شوقي إبراهيم عبد الكريم -أستاذَ الفقهِ الإسلامي والشَّريعة بجامعة الأزهر "فرع طنطا"- حَصَل على أعلى نسبةِ تصويتٍ من أعضاءِ هيئةِ كبارِ العُلَماء بالأزهر لاختيارِ مُفتِي الجمهوريَّةِ خَلَفًا لعلي جمعة، عَقِبَ إجراءِ اقتراعٍ سريٍّ خلالَ اجتماعِ الهيئةِ برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخِ الأزهر.
أعلن الرئيسُ الأمريكيُّ دونالد ترامب اعترافَ الولاياتِ المتَّحِدة بالسِّيادةِ المغربيَّة على الصَّحراءِ المغربيَّة، وقد انفردت أمريكا بهذا القرارِ ولم توافِقِ الأمَمُ المتَّحِدةُ على هذا القرارِ، وظَلَّت على موقِفِها، كما أنَّ الجزائِرَ وجَبهةَ البوليساريو التي تسعى لاستقلالِ الصَّحراء الغربيَّة رفضتا القرارَ، وكان ثمن اعتراف أمريكا بسيادةِ المغربِ على الصَّحراءِ الغربيَّة هو إعلانَ المغربِ التطبيعَ مع دولةِ الاحتلالِ إسرائيلَ.
هو سيفُ الدينِ غازي بن الملك قطب الدين مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر التركي. صاحِبُ الموصِل ووالد سنجر شاه صاحِب جزيرة ابن عمر. لَمَّا مات أبوه قطب الدين، وهو على تلِّ باشر، وفي سنة ست وستين مَلَك الرقة، ونصيبين وسنجار، ثم أتى الموصِلَ، فأرسل إلى صاحبها وعَرَّفَه صحة قصده، فصالحه. ونزل الموصِلَ ودخلَها، وأقرَّ صاحبها فيها، وزوَّجَه بابنته، وعاد إلى الشام، فلما تملَّك صلاح الدين وسار إلى حلب وحاصرها، سيَّرَ إليه غازي جيشًا عليه أخوه عز الدين مسعود فكسَرَه صلاح الدين, فتجهَّز غازي وسار بنفسه، فانهزم جيشُ غازي فعاد إلى حلب، ثم رحل إلى الموصل. إلى أن مات بالسل. قال ابن الأثير: "كان مليحَ الشباب، تامَّ القامة، أبيضَ اللون، وكان عاقلًا وقورًا، قليلَ الالتفات, ولا يحِبُّ الظلم، على شُحٍّ فيه وجُبن". قال الذهبي عن سيف الدين غازي: "أدار الخمرَ والزنا ببلاده بعد موت عمِّه نور الدين، فمَقَتَه أهل الخير, وقد تاب قبل موته بيسير". توفي سيف الدين غازي بعد أن أُصيب بمرض السل آخِرَ أيامه، وطال به، ثم أدركَه في آخره السرسام- ورم في حجاب الدماغ تحدث عنه حمى دائمة- فمات في صفر. وعاش نحوًا من ثلاثين سنة وكانت ولايته عشر سنين وثلاثة أشهر، وكان لَمَّا اشتد مرضه أراد أن يعهَدَ بالملك لابنه معز الدين سنجر شاه، وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة، فخاف على الدولة من ذلك؛ لأن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان قد تمكَّن بالشام، وقَوِيَ أمره، وامتنع أخوه عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان لذلك، والإجابة إليه، فأشار الأمراءُ الأكابر ومجاهد الدين قايماز بأن يجعَلَ المُلْك بعده في عِزِّ الدين أخيه؛ لِما هو عليه من الكِبَر في السن، والشجاعة والعقل وقوة النفس، وأن يعطي ابنيه بعضَ البلاد، ويكون مرجِعُهما إلى عز الدين عمِّهما والمتولي لأمرهما مجاهد الدين قايماز، ففعل ذلك، وجعل المُلْك في أخيه، وأعطى جزيرةَ ابن عمر وقلاعها لولده سنجر شاه، وقلعة عقر الحميدية لولده الصغير ناصر الدين كسك، فلما توفي سيف الدين مَلَك بعده الموصل والبلاد أخوه عز الدين، وكان المدبر للدولة مجاهد الدين قايماز، وهو الحاكِم في الجميع، واستقَرَّت الأمور.
هي شجرةُ الدر الصالحيَّة بنت عبد الله أم خليل التركيَّة، ذاتُ حُسنٍ وظرف ودهاء وعقل، ونالت من العِزِّ والجاه ما لم تنَلْه امرأة في عصرها، كانت جاريةً اشتراها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وحَظِيَت عنده بمكانةٍ كبيرة، وكانت أمَّ ولدٍ عنده؛ فقد ولدت منه خليلًا، من أحسن الصور، فمات صغيرًا، وكانت تكونُ في خدمة الملك الصالحِ لا تفارقه حضرًا ولا سفرًا من شدة محبته لها, فأعتَقَها وتزوَّجَها. وكانت تقومُ بتدبير شؤون الدولة في أثناء مرض زوجِها، فلما تُوفى الملك الصالح بدمياط في أثناء حربه مع الإفرنج سنة 647 كتمت خبَرَ موته، وأرسلت إلى ابنه توران شاه ليتولى أمورَ الملك من بعده، إلَّا أن توران شاه هدَّدها، وطالبها بأموال الملك الصالح، فدبَّرت لقَتلِه، وبعد مقتَلِه اجتمعت الآراء على توليتها السلطنة في صفر سنة 648, وكان مماليك الصالح يخضعون لها، فمَلَّكوها بعد قتل المعظَّم توران شاه ثمانين يومًا، وكان المعِزُّ لا يقطع أمرًا دونها، ولها عليه صولةٌ، وكانت جريئةً وَقِحة، قتَلَت وزيرَها الأسعَدَ، وكانت تحجُر على الملك المعز، فأنِفَ من ذلك, ولما بَلَغَها عزمُ المعز الزواجَ مِن بنت بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل قتَلَتْه, ولما توفِّيَ لم يصَدِّقْ مماليك عز الدين بأنه توفي بغير سببٍ، وقام الأمير علم الدين سنجر الغتمي - وهو يومئذٍ شَوكةُ البحرية وشديدُهم- وبادر هو والمماليك إلى الدور السلطانية، وقبضوا على الخُدَّام والحريم وعاقبوهم، فأقَرُّوا بأن شجرة الدر أمرت مماليكَها بقتله، وعند ذلك قبضوا على شجرةِ الدر، ومحسن الجوجري، وناصر الدين حلاوة، وصدر الباز، وفر العزيزي إلى الشام، فأراد مماليكُ المعز قَتْلَ شجرة الدر، فحماها الصالحيَّة، ونُقِلَت إلى البرج الأحمر بالقلعة، ثم لما أقيم ابنُ المعز في السلطنة، حُمِلَت شجرةُ الدر إلى أمِّه في اليومِ السابع عشر، فضرَبَها الجواري بالقباقيبِ إلى أن ماتَت، وألقوها من سور القلعة إلى الخندقِ، وليس عليها سراويل وقميص، فبَقِيَت في الخندق أيامًا، ثم دفنت بعد أيام - وقد نتنت، وحُمِلَت في قفة- بتربتها قريب المشهد النفيسي، وكانت من قُوَّةِ نَفسِها، لما عَلِمَت أنها قد أحيطَ بها، أتلفت شيئًا كثيرًا من الجواهِرِ واللآلئ، كسَّرَته في الهاون، وقد قيل إنه لما سمع مماليك عز الدين أيبك بخبر وفاته أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز، فقتلوها وألقوها على مزبلةٍ غيرَ مستورةِ العورةِ.
خرَج نُعيمُ بن مُقرِّن مِن واج رُوذ في النَّاس إلى دَسْتَبى، فلَقِيَهُ الزَّيْنَبِيُّ أحدُ قادةِ الفُرْسِ بمكان يُقال له: قِها مُسالِمًا ومُخالِفًا لمَلِكِ الرَّيِّ، وقد رأى مِن المسلمين ما رأى، فأقبل مع نُعيمٍ والمَلِكُ يَومئذٍ بالرَّيِّ وهو سِيَاوَخْشُ بن مِهران، فاسْتَمَدَّ أهلَ دَنْباوَنْد وطَبَرِستان وقُومِس وجُرْجان وقال المَلِكُ: قد عَلِمْتُم أنَّ هؤلاء قد حَلُّوا بالرَّيِّ، وإنَّه لا مُقامَ لكم، فاحْتَشِدوا له. فالتقوا مع المسلمين في سَفْحِ جبلِ الرَّيِّ، فاقتتلوا به، وقد دَبَّرَ الزَّيْنَبِيُّ حِيلَةً مع نُعيمٍ حيث أَدْخلَ المدينةَ خيلًا ليلًا، ولم يَشْعُرْ القومُ بهم، وبَيَّتَهُم نُعيمٌ بَياتًا فشَغَلَهُم عن مَدينتِهم، فاقتتلوا وصَبروا له حتَّى سَمِعوا التَّكبيرَ مِن وَرائِهم، ثمَّ إنَّهم انْهَزموا فقَتَلوا منهم مَقتَلةً عظيمةً، وأفاء الله على المسلمين بالرَّيِّ نحوًا مِن فَيْءِ المدائنِ، وصالَح نُعيمُ بن مُقرِّن الزَّيْنَبِيَّ على أهلِ الرَّيِّ ومَرْزَبَهُ عليهم نُعيمٌ، فلم يَزَلْ شرفُ الرَّيِّ في أهلِ الزَّيْنَبِيِّ الأكبرِ، ومنهم شَهْرام وفَرُّخان، وسقط آل بَهْرام، وأخرب نُعيمٌ مَدينَتَهُم، وهي التي يُقال لها: العَتيقَةُ -يعني مدينة الرَّيِّ- وأَمَر الزَّيْنَبِيُّ فبَنَى مدينةَ الرَّيِّ الحديثةَ, وكتَب نُعيمٌ إلى عُمَر بالفَتحِ، وأرسَل له الأخماسَ.
كان سبَب ذلك أنَّه لَمَّا وصل خبَرُ مقتل عمر بن عبيد الله، وعلي بن يحيى، أثناءَ غَزوِهما للروم للشاكريَّة والجند ببغداد وسامرَّا وما قرب منهما، وكانا من شجعان الإسلام، شَقَّ ذلك عليهم، وما لَحِقَهم من استعظامِهم قتلَ الأتراك للمتوكِّل، واستيلائِهم على أمور المسلمين، يقتلون من يريدون من الخُلَفاء، ويستخلفون من أحبُّوا من غير ديانةٍ، ولا نظَرٍ للمُسلمين، فاجتمعت العامَّة ببغداد وأخذوا في الصُّراخ، والنداء بالنفير، وانضَمَّ إليها الأبناء، والشاكرية تُظهِرُ أنَّها تطلب الأرزاق، ففَتَحوا السجون، وأخرجوا من فيها وأحرَقوا أحدَ الجسرين وقَطَعوا الآخَرَ، وانتهبوا دار بِشرٍ وإبراهيم ابنَي هارون، كاتبي محمد بن عبد الله، ثم أخرجَ أهلُ اليَسارِ من بغداد وسامرَّا أموالًا كثيرةً، ففَرَّقوها فيمن نهضَ إلى الثغور، وأقبلت العامَّةُ من نواحي الجبال وفارس والأهواز وغيرِها لغزو الروم، فلم يأمُر الخليفة في ذلك بشيءٍ ولم يوجِّهْ عسكرَه، ووثب نفرٌ من الناس لا يُدرى من هم بسامرَّا ففتحوا السجنَ، وأخرجوا من فيه، فبعث المستعينُ بالله في طَلَبِهم جماعةً من الموالي، فوثب العامَّةُ بهم فهزموهم، فركب بغا وأتامش ووصيفٌ وعامَّة الأتراك، فقَتَلوا من العامَّةِ جماعةً، فرُمِيَ وصيف بحجر، فأمَرَ بإحراق ذلك المكان، وانتهبت المغاربة، ثم سكَنَ ذلك آخرَ النهار.
لَمَّا ملك صلاح الدين نصيبين، سار إلى الموصل، وكان عزُّ الدين بن مسعود بن مودود صاحِبُها ومجاهد الدين قايماز قد جمعا العساكرَ الكثيرةَ ما بين فارسٍ وراجل، وأظهرا من السلاحِ وآلات الحصار ما حارت له الأبصارُ، وبذلا الأموالَ الكثيرة، وسار صلاحُ الدين حتى قارب الموصل، فرأى ما هاله وملأ صدرَه وصدور أصحابِه، فإنه رأى بلدًا عظيمًا كبيرًا، ولَمَّا رأى السور والفصيلَ، عَلِمَ أنَّه لا يقدر على أخْذِه، وأنَّه يعود خائبًا، ثم رجع إلى مُعسكَرِه وصَبَّحَ البلد، وكان نزولُه عليه في رجب، فنازله وضايقَه، ونزل محاذيَ باب كندة، وأنزل صاحِب الحصن بباب الجسر، وأنزل أخاه تاجَ الملوك عند الباب العمادي، وانشبَّ القتال، فلم يظفر، فنصَبَ منجنيقًا، فنصب عليه من البلدِ تسعة مجانيق، ثمَّ إن صلاح الدين رحل من قرب البلد، ونزل متأخِّرًا؛ خوفًا من البَياتِ، فإنه لقُربِه كان لا يأمنُ ذلك، ثم تردَّدت الرسل إلى عز الدين ومجاهد الدين في الصُّلحِ، فلما رأى صلاح الدين أنه لا ينالُ مِن الموصل غرضًا، ولا يحصُلُ على غير العناءِ والتعب، وأنَّ مَن بسنجار من العساكر الموصليَّة يقطعونَ طريقَ مَن يَقصِدونه من عساكِرِه وأصحابه، سار من الموصِلِ إلى سنجار.
في الثالث من شعبان ملك غياث الدين كيخسرو، صاحِبُ قونية وبلد الروم، مدينةَ أنطاكية بالأمان، وهي للرومِ على ساحِلِ البحر، وسَبَبُ ذلك أنَّه كان حَصَرَها قبل هذا التاريخ، وأطال المقامَ عليها، وهَدَّمَ عِدَّةَ أبراج من سورها، ولم يبقَ إلَّا فَتْحُها عَنوةً، فأرسل مَن بها من الروم إلى الفرنجِ الذين بجزيرة قبرص، وهي قريبةٌ منها، فاستنجدوهم، فوصل إليها جماعةٌ منهم، فعند ذلك يَئِسَ غياث الدين منها، ورَحَلَ عنها، وتَرَك طائفةً مِن عسكره بالقُربِ منها، بالجبالِ التي بينها وبين بلاده، وأمَرَهم بقَطعِ الميرة منها، فاستمَرَّ الحالُ على ذلك مُدَّةً حتى ضاق بأهلِ البلد، واشتَدَّ الأمر عليهم، فطَلَبوا من الفرنج الخروج لدفعِ المسلمين عن مضايقَتِهم، فظَنَّ الفرنجُ أنَّ الروم يريدون إخراجهم من المدينةِ بهذا السبب، فوقع الخلافُ بينهم، فاقتتلوا، فأرسل الرومُ إلى المسلمين، وطَلَبوهم ليسَلِّموا إليهم البلدَ، فوصلوا إليهم، واجتمعوا على قتالِ الفِرنجِ، فانهزم الفرنجُ ودخل المسلمون الحِصنَ فاعتَصَموا به، ثم أرسلوا يطلُبونَ غياثَ الدين، وهو بمدينةِ قونيَّة، فسار إليهم مجِدًّا في طائفةٍ مِن عسكره، فوصلها ثاني شعبان، وتقَرَّرَ الحالُ بينه وبين الروم، وتسَلَّمَ المدينة ثالثة، وحَصَر الحِصنَ الذي فيه الفرنج، وتسَلَّمَه وقَتَلَ كُلَّ من كان به مِن الفرنجِ.
كان من محاولات فرنسا للتدخُّلِ في المغرب دون أن تواجِهَ الخصومَ الأوربيين أنْ عَقَدت الاتفاقياتِ معهم، فعقدت مع إيطاليا اتفاقًا بأن تترك لها طرابلس، ثم عقدت مع بريطانيا اتفاقًا على أن تتركَ لها حرية التصرُّفِ في مصر مع بقاء معاهدة إنجلترا القديمة مع مراكش ساريةَ المفعول، ولاقت هذه الاتفاقيةُ قَبولًا أسبانيًّا لكنَّها لاقت رفضًا ألمانيًّا؛ حيث جاء الإمبراطور غليوم إلى طنجة في هذا العام وألقى خطابًا أعلن فيه صداقة ألمانيا لسلطان مراكش، ولوَّح بالتهديد لمن يعتدي على السلطان وبلادِه، وحاول إحباطَ المؤامرة الفرنسية الإنجليزية الأسبانية، ثم حاول السلطانُ عبد العزيز ومجلِسُ أعيانه أن يعرِضوا أمرَ مراكش على مؤتمرٍ دولي إضعافًا للنفوذ الفرنسي، وانعقد مؤتمرُ الجزيرة في ذي القعدة 1323ه إلى ربيع الثاني 1324هـ، وحضره ممثِّلو خمس عشرة دولة، ومِن أهمِّ ما جاء فيه أنَّه تمَّ الاعتراف بسيادة السلطان واستقلالِه ووَحدةِ أراضيه، ومساواة الدُّوَل جميعًا في تجارتها مع مراكش، وتشكيل قوةٍ من الشُّرطة لحفظ الأمن الداخلي تكونُ فرنسية أسبانية بإمرة سويسريةٍ، وتوضَعُ الجمارك تحت رقابةٍ دولية، وتوزَّعُ امتيازاتُ المشروعات الاقتصادية بين شركاتِ مختَلفِ الدول، ولم يقنَعِ المغاربة بقراراتِ هذا المؤتمر؛ لذلك ثاروا على سلطانهم وخَلَعوه.
هو مصطفى كامل بن علي محمد، زعيمٌ سياسيٌّ وكاتبٌ مصريٌّ وأحد روَّاد التحرير في مِصرَ، وُلِدَ سنة 1291ه في قرية كتامة التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية، وكان أبوه علي محمد مِن ضبَّاطِ الجيش المصري، وقد رُزِقَ بابنه مصطفى وهو في الستينَ مِن عمره، ويعتبر مصطفى مؤسِّسَ الحزب الوطني المصري الذي تألَّف برنامجُه السياسي من عِدَّة موادَّ؛ أهمها: المطالبةُ باستقلال مصر ضِمنَ دولة الخلافةِ العثمانية، وإيجادُ دستورٍ يكفُلُ الرقابة البرلمانية على الحكومةِ وأعمالها، ونشرُ التعليم، وبثُّ الشعور الوطني. وأنشأ جريدةَ اللواء، وكان مِن المنادين بإعادة إنشاءِ الجامعة الإسلامية، كما أنَّه كان من أكبر المناهضينَ للاستعمارِ، وعُرِفَ بدورِه الكبيرِ في مجالات النهضةِ، مثل: نشر التعليم، وإنشاء الجامعة الوطنية، وكان حزبُه ينادي برابطةٍ أوثَقَ بالدولة العثمانية، وأدَّت مجهوداتُ مصطفى كامل في فَضحِ جرائم الاحتلالِ والتنديدِ بها في المحافِلِ الدولية، خاصَّةً بعد مذبحةِ دنشواي التي أدَّت إلى سقوط اللورد كرومر المندوب السامي البريطاني في مصرَ. توفِّيَ في مصر عن عمر يناهز 34 عامًا. رغم أنَّه عاش ثمانيَ سنوات فقط في القرن العشرين فإنَّ بصماته امتَدَّت حتى منتصف القرنِ.
وجَّه الرَّئيسُ الأمريكي جون كندي رسائلَ إلى رئيس الوزراء السعودي الأمير فيصل، وملك الأردن حسين، ورئيس مصر عبد الناصر، والرئيس اليمني عبد الله السلال, ضمَّنَها تصوراتِه حول سُبُل حلِّ نزاع اليمن. وقد تجاهل الرئيسُ الأمريكي الإمامَ محمد البدر وحاشيته. واقترح كندي على مصر سَحْبَ قواتها المسلَّحة من اليمن, وفي المقابل اقترح على السعودية والأردن ومشايخ وسلاطين اتحاد جنوب الجزيرة وقْفَ المساعدات للمَلَكيِّين قواتِ الإمام البدر. وفي اليوم نفسِه أعلن الأميرُ فيصل عن رفضه اقتراحَ كندي. وفي اليوم التالي رفض الرئيس جمال عبد الناصر بدوره اقتراحَ كندي, وأعلن أنَّه لن يوافق على سحب القوَّات المصرية من أراضي اليمن إلَّا إذا زال الخطرُ الذي يهدِّد اليَمَن الجُمهوري! ولم يوافِقْ على مبادرة كندي إلا الرئيس اليمني عبد الله السلال. وفي خاتمة المطاف اعتبرت واشنطن قضيةَ الملكيين مَيؤوسًا منها. وفي 14 ديسمبر/ ديسمبر 1962 أعلنت حكومةُ الجمهورية العربية اليمنية أنَّها ستُغلِق السفاراتِ والبَعَثاتِ الدبلوماسية لجميع البلدان التي لم تعترفْ بالجمهورية اليمنية. وفي 19 ديسمبر أعلنت وزارةُ الخارجية الأمريكية رسميًّا عن اعتراف الولاياتِ المتحدة بالجُمهورية اليَمَنيَّة.
اجتمَعَ كثيرٌ مِن الأُمَراءِ وأصحابِ الأطرافِ على الخُروجِ عن طاعةِ السُّلطانِ مَسعود، فسار المَلِكُ داود بن السُّلطان محمود في عسكَرِ أذربيجان إلى بغداد، فوصَلَها رابِعَ صَفَر، ونزل بدارِ السُّلطان، ووصل أتابك عماد الدين زنكي بَعدَه مِن المَوصِل، ووصل يرنقش بازدار صاحِبُ قزوين وغيرها، والبقش الكبيرُ صاحب أصفهان، وصَدقةُ بنُ دبيس صاحِبُ الحلة، ومعه عنترُ بنُ أبي العسكر الجاواني يدَبِّرُه، ويُتَمِّمُ نَقصَ صِباه، وابنُ برسق، وابن الأحمديلي، وخرج إليهم مِن عَسكَرِ بغدادَ كج أبه والطرنطاوي وغيرهما، وجعل المَلِكُ داود في شحنكية بغداد يرنقش بازدار، وقبض الخليفةُ الراشِدُ بالله على ناصحِ الدَّولة أبي عبد الله الحَسَن بن جهير أستاذ الدار، وهو كان السَّبَبَ في ولايتِه، وعلى جَمالِ الدولةِ إقبالِ المسترشدي، وكان قد قَدِمَ إليه من تكريت، وعلى غيرِهما من أعيانِ دَولتِه، فتغَيَّرَت نِيَّاتُ أصحابِه عليه وخافوه. فأمَّا جَمالُ الدَّولةِ؛ فإنَّ أتابك زنكي شَفَعَ فيه شفاعةً تحتها إلزامٌ، فأُطلِقَ وصار إليه ونزل عنده، وخرج موكِبُ الخليفةِ مع وزيرِه جلالِ الدينِ أبي الرضا بن صدقة إلى عمادِ الدِّينِ زنكي لتَهنئتِه بالقدوم، فأقام الوزيرُ عنده، وسأله أن يمنَعَه من الخليفةِ فأجابه إلى ذلك، وعاد الموكِبُ بغير وزير، وأرسل زنكي مَن حَرَسَ دارَ الوزيرِ مِن النَّهبِ، ثم أصلحَ حالَه مع الخليفة، وأعاده إلى وزارتِه. وكذلك أيضًا عبَرَ عليه قاضي القضاة الزينبي، وسار معه إلى الموصِل، ثمَّ إنَّ الخليفةَ جَدَّ في عمارةِ السُّورِ، فأرسل المَلِكُ داود مَن قَلَع أبوابَه، وأخرب قطعةً منه، فانزعج الناسُ ببغداد، ونقلوا أموالَهم إلى دارِ الخلافة، وقُطِعَت خُطبةُ السُّلطان مسعود، وخُطِبَ للملك داود وجَرَت الأيمانُ بين الخليفة والملك داود وعمادِ الدينِ زنكي، وأرسل الخليفةُ إلى زنكي ثلاثين ألفَ دينار ليُنفِقَها، ووصل الملِكُ سلجوق شاه إلى واسط فدخَلَها وقَبَض على الأميرِ بك أبه ونهَبَ مالَه وانحدَرَ زنكي إليه لدَفْعِه عنها واصطلحا وعاد زنكي إلى بغداد وعبَرَ إلى طريق خراسان، وحثَّ على جمعِ العساكِرِ للِقاءِ السُّلطانِ مَسعود، وسار المَلِكُ داود نحو خراسانَ أيضًا، فنَهَب العسكَرُ البلادَ وأفسدوا، ووصلت الأخبارُ بمَسيرِ السُّلطان إلى بغداد لقِتالِ الملك، وفارق الملِكُ داود وزنكي، فعاد زنكي إلى بغداد، وفارق المَلِكُ داود، وأظهر له أن يمضيَ إلى مراغة إذ فارقَ السُّلطان مسعود إلى همذان، فبرز الراشِدُ بالله إلى ظاهِرِ بغدادَ أوَّلَ رمَضان، وسار إلى طريقِ خُراسان، ثم عاد بعد ثلاثةِ أيَّامٍ ونزل عند جامِعِ السُّلطانِ، ثمَّ دخل إلى بغداد خامِسَ رَمَضان، وأرسَلَ إلى داود وسائرِ الأُمَراء يأمُرُهم بالعَودِ إلى بغداد، فعادوا، ونزلوا في الخيامِ، وعَزَموا على قِتالِ السُّلطان مسعودٍ مِن داخِلِ سورِ بغداد، ووصَلَت رسُلُ السُّلطان مسعود يبذُلُ مِن نفسِه الطاعةَ والمُوافَقةَ للخليفة والتهديدَ لِمَن اجتمع عنده، فعرض الخليفةُ الرِّسالةَ عليهم، فكُلُّهم رأى قتاله، فقال الخليفة: وأنا معكم على ذلك.
هو الأمير ألوغ بك بن القان معين الدين شاه رخ، ابن الطاغية تيمورلنك كوركان بن أيتمش قنلغ بن زنكي بن سنيا بن طارم بن طغريل بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا بن التاخان، المغولي الأصل، من طائفة جغتاي، وقيل: اسمه تيمور على اسم جدِّه، وقيل: محمد. صاحب سمرقند، فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية، والهيئة، والهندسة، طوسي زمانه، وهو حنفيُّ المذهب. ولد في حدود 790، ونشأ في أيام جدِّه، وتزوج في أيامه, ولما مات جدُّه تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولَّاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيِّفًا وثلاثين سنة، وعمل بها رصدًا عظيمًا انتهى به إلى سنة وفاته، وقد جمع لهذا الرَّصد علماء هذا الفنِّ من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموالَ، وأجرى لهم الرواتبَ الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهُرِعَ إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار، ويُرسِلُ يطلب من سمِعَ به. هذا مع علمه الغزير وفضله الجمِّ واطلاعه الكبير وباعه الواسعِ في هذه العلوم، مع مشاركةٍ جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، والتاريخ، وأيام الناس. قيل: إنه سأل بعض حواشيه: ما تقول الناس عنِّي؟ وألحَّ عليه، فقال: يقولون: إنك ما تحفظ القرآنَ الكريم، فدخل من وقته وحَفِظَه في أقل من ستة أشهر حفظًا مُتقَنًا. وكان أسنَّ أولاد أبيه، واستمَرَّ بسمرقند إلى أن خرج عن طاعتِه ولدُه عبد اللطيف، وسببه أنه لما ملك ألوغ بك هراة طَمِعَ ابنه عبد اللطيف أن يوليَه هراة فلم يفعل، وولَّاه بلخ، ولم يعطِه من مال جدِّه شاه رخ شيئًا. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمِه مسيكًا كوالده لا يصرف المال إلا بحقه، فسأمَتْه أمراؤه لذلك، وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعتِه، وكان في نفسه ذلك، فانتهز الفرصة وخرج عن الطَّاعة، وبلغ أباه الخبر فتجرَّد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنِّه أن ولده لا يثبُت لقتالِه، فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك ولدُه سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهرًا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون المُلك لولدِه، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولدَه في ذلك فأذن له، ودخل سمرقند وأقام بها، إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرًا في حضرة والده ألوغ بك، فعظم ذلك عليه، فإنَّه كان في طاعته وخدمته حيث سار، ولم يمكِنْه الكلام فاستأذن ولده عبد اللطيف في الحجِّ فأذن له، فخرج قاصدًا للحجّ إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، وقد حذَّر بعض الأمراء ابنَه منه، وحسَّن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتُلَه، فدخل عليه مخيَّمه واستحيا أن يقول: جئتُ لقَتْلِك، فسلَّم عليه ثم خرج، ثم دخل ثانيًا وخرج، ثم دخل ففطن ألوغ بك، وقال له: لقد علمتُ بما جئتَ به فافعل ما أمَرَك به، ثم طلب الوضوء وصلَّى، ثم قال: واللهِ لقد علمت أنَّ هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يومِ وُلِدَ، ولكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيشُ بعدي إلَّا خمسة أشهُرٍ ثم يقتل أشرَّ قِتلةٍ، ثم سلَّم نفسَه فقُتِل، وقُتِلَ ولدُه عبد اللطيف بعد خمسة أشهر!!