الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2999 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 183 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 799
تفاصيل الحدث:

هو السَّيِّدُ أبو الحسن العلوي موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والِدُ الإمام علي بن موسى الرضا, المدنِيُّ، ولد سنة ثمان وعشرين ومائة بالمدينةِ ثم نزلَ بغداد,َ لقب بالكاظِمِ لكَظمِه عمَّن أساء إليه، كان مجتهدًا في العبادةِ كريمًا، قيل: إنَّ سبَبَ سَخَطِ الرشيدِ عليه هو أنَّ الرشيدَ لَمَّا زار قبرَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: السَّلامُ عليك يا عمَّاه يفتَخِرُ بذلك، فقال موسى: السَّلامُ عليك يا أبتِ. فقال الرشيدُ: هذا هو الفَخرُ يا أبا الحسَنِ, ثم لم يزَلْ ذلك في نفسِه، فحَنقَ عليه حتى استدعاه في سنة تسعٍ وسبعين وسجَنَه فأطال سَجنَه، وقيل: بل لأنَّه سَمِعَ أنَّ النَّاسَ يبايعونَ له فحَمَله معه إلى البصرةِ وحَبَسَه عند واليها عيسى بن جعفرٍ، ثمَّ نقَلَه إلى الفضلِ البرمكي، ثمَّ حَوَّله إلى السندي بن شاهك، إلى أن مات عنده ودُفِنَ في بغداد.

العام الهجري : 561 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1166
تفاصيل الحدث:

هو الزاهِدُ، صاحِبُ الكرامات والمقامات، شيخُ الحنابلة أبو محمد عبد القادر بن أبي صالح موسى بن عبد الله بن يحيى الزاهد الهاشمي القرشي العلوي الجيلي الحنبلي. ولد بجيلان سنة 470 وقيل 471. دخل بغداد سنة ثمان وثمانين، وله ثماني عشرة سنة، فقرأ الفقهَ على: أبي الوفاء بن عقيل، وأبي الخطاب، وأبي سعد المخرمي، وأبي الحسين بن الفراء، حتى أحكم الأصولَ، والفروع، والخلاف, وسمع الحديث، ومدرسته ورباطه مشهوران ببغداد. بنى أبو سعد المخرمي مدرسة لطيفة بباب الأزج، ففوض إلى عبد القادر التدريسَ فيها, فتكلَّم على الناس بلسان الوعظ وظهر له صيتٌ, فضاقت مدرسته بالناس، فكان يجلس عند سور بغداد مستندًا إلى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلقٌ كثير, وكان له سمتٌ حسنٌ، وصَمتٌ غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان فيه تزهدٌ كثير وله أحوال صالحة، ولأتباعه وأصحابه فيه مقالات، ويذكرون عنه أقوالًا وأفعالًا ومكاشَفات أكثَرُها مغالاة، وقد كان صالحًا وَرِعًا، وقد صنَّف كتاب الغنية، وفتوح الغيب، وفيهما أشياءُ حسنة، وذكر فيهما أحاديث ضعيفة وموضوعة، وبالجملة كان من سادات المشايخ، قال ابن النجار في ترجمة عبد القادر: "قرأ الأدبَ على أبي زكريا التبريزي، واشتغل بالوعظ إلى أن برز فيه, ثم لازم الخَلوة، والرياضة، والسياحة، والمجاهدة، والسهر، والمقام في الخراب والصحراء. وصحب الشيخ حماد الدباس، وأخذ عنه علم الطريق، ثمَّ إن الله تعالى أظهره للخلق، وأوقع له القبول العظيم، فعَقد مجلس الوعظ سنة 521 وأظهر الله الحكمة على لسانه, ثم جلس في مدرسة شيخه أبي سعد للتدريس والفتوى سنة 528، صنف في الأصول والفروع، وله كلام على لسان أهل الطريقة". قال: عبد الرزاق ولد عبد القادر يقول: "كتب إلي عبد الله بن أبي الحسن الجبَّائي قال: كنت أسمع كتاب «الحلية» على ابن ناصر، فرَقَّ قلبي، وقلت في نفسي: اشتهيت أن أنقَطِعَ عن الخلق وأشتغل بالعبادة. ومضيت فصليتُ خلف الشيخ عبد القادر، فلما صلى جلسنا، فنظر إلي وقال: إذا أردت الانقطاع، فلا تنقطع حتى تتفقَّه، وتجالِسَ الشيوخ، وتتأدب، ولا تنقطِعْ وأنت فريخ ما ريَّشت؛ فإن أشكلَ عليك شيء من أمر دينك تخرجُ من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك! ما يَحسُن صاحب الزاوية أن يخرُجَ من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه! ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشَّمعة يُستضاء بنوره". وقال عبد الرزاق: وُلِدَ لوالدي تسع وأربعون ولدًا، سبعة وعشرون ذكرًا، والباقي إناث". توفي وله تسعون سنة ودفن بالمدرسة التي كانت له.

العام الهجري : 21 العام الميلادي : 641
تفاصيل الحدث:

تَجمَّعَ الفُرْسُ في نَهاوَنْد بقِيادةِ ذي الحاجِبِ بعدَ أن ذهبَت أكثرُ مُدُنِهِم، وبَقَوْا فترةً على ذلك لعدمِ سَماحِ عُمَرَ رضِي الله عنه بالانسِياحِ في فارِسَ، ولكن لمَّا كَثُرَ نَقضُ العُهودِ بسببِ تَقَوِّيهِم بمَن بَقِيَ في نَهاوَنْد، شاوَر عُمَرُ المسلمين في أَمْرِ الفُرْسِ المجتمعين في نَهاوَنْد، وكان يُهِمُّ أن يَسيرَ بنفسه لمُلاقاتِهِم، فأشار عليه علِيٌّ: أنِ ابْعَثْ إلى أهلِ الكوفةِ فَلْيَسِرْ ثُلثاهُم، وكذلك تَبعثُ إلى أهلِ البَصرةِ. فقال عُمَرُ أشيروا عَلَيَّ مَن اسْتعمِلُ عليهم؟ فقالوا: أنت أفضلُنا رأيًا وأعلمُنا بأَهلِك. فقال: لأَسْتَعْمِلَنَّ عليهم رجلًا يكونُ لأوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلقاها. بعَث عُمَرُ بن الخطَّاب رضِي الله عنه السَّائبَ بن الأقْرَعِ، مَولى ثَقيفٍ -وكان رجلًا كاتبًا حاسبًا- فقال: الْحَقْ بهذا الجيشِ فكُنْ فيهم، فإن فتَح الله عليهم فاقْسِمْ على المسلمين فَيْئَهُم، وخُذْ خُمُسَ الله وخُمُسَ رَسولِه، وإن هذا الجيش أُصِيبَ، فلا أَراكَ، واذْهَبْ في سَوادِ الأرضِ، فبَطْنُ الأرضِ خيرٌ مِن ظَهرِها يَومئذٍ. وبعَث عُمَرُ إلى أهلِ الكوفةِ أن يَمُدُّوا جيشَ المسلمين فسار النُّعمانُ بقُرابةِ ثلاثين ألفًا، ومعه حُذيفةُ بن اليَمانِ، والزُّبيرُ بن العَوَّامِ، والمُغيرةُ بن شُعبةَ، والأشعثُ بن قيسٍ، وعَمرُو بن مَعْدِي كَرِبْ، وابنُ عُمَرَ، حتَّى أَتَوْا نَهاوَنْد فالْتَقوا بالفُرْسِ يومَ الأربعاءِ، فَحَثَّ النُّعمانُ النَّاسَ على القِتالِ، فأشار المُغيرةُ بن شُعبةَ أن يَتَعَجَّلَ الفُرْسَ بالقِتالِ، فقال النُّعمانُ: إنِّي شَهِدْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا لم يُقاتِل أوَّلَ النَّهارِ أَخَّرَ القِتالَ حتَّى تَزولَ الشَّمسُ، وتَهُبَّ الرِّياحُ، وتَحْضُرَ الصَّلاةُ، ويَطِيبَ القِتالُ، ويَنزِلَ النَّصْرُ، فما مَنَعَنِي إلَّا ذلك. ثمَّ دَعا: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك أن تُقِرَّ عَيْنِي اليومَ بفَتحٍ يكونُ فيه عِزُّ الإسلامِ، وذُلٌّ يُذَلُّ به الكُفَّارُ، ثمَّ اقْبِضْني إليك بعدَ ذلك على الشَّهادةِ، أَمِّنُوا يَرحمُكُم الله. فأَمَّنُوا وهُم يَبكون، ثمَّ قال النُّعمانُ: إنِّي هازُّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، فالهَزَّةُ الأُولى فَلْيَقْضِ الرَّجلُ حاجتَهُ ولْيَتوضَّأْ، والهَزَّةُ الثَّانيةُ فَلْيَرْمِ الرَّجلُ ثِيابَهُ وسِلاحَهُ، والهَزَّةُ الثَّالثةُ فاحْمِلُوا ولا يَلْوِي أحدٌ على أحدٍ، فإن قُتِلَ النُّعمانُ فلا يَلْوِي عليه أحدٌ، وإنِّي داعِ الله بدَعوَةٍ فعَزمتُ على امرئٍ إلَّا أَمَّنَ عليها، فقال: اللَّهمَّ ارْزُقْ النُّعمانَ شَهادةً بِنَصْرِ المسلمين وفَتْحٍ عليهم. فأَمَّنَ القومُ، فهَزَّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ وحَمَلَ وحَمَلَ النَّاسُ معه, وكان الأعاجمُ قد شَدُّوا أَنفُسَهُم بالسَّلاسِل لِئلَّا يَفِرُّوا، وحَمَلَ عليهم المسلمون فقاتلوهم، فرُمِيَ النُّعمانُ بِنُشَّابَةٍ فقُتِلَ رَحِمَهُ الله، فَلَفَّهُ أخوهُ سُويدُ بن مُقَرِّن في ثَوبِه، وكَتَمَ قَتْلَهُ حتَّى فتح الله عليهم، ثمَّ دفَع الرَّايةَ إلى حُذيفةَ بن اليَمانِ، وقتَل الله ذا الحاجِبِ قائِدَ الفُرْسِ، وافْتُتِحَت نَهاوَنْد، فلم يكُن للأعاجمِ بعدَ ذلك جَماعةٌ. كُتِبَ إلى عُمَرَ بالفَتحِ مع رجلٍ مِن المسلمين، فلمَّا أتاهُ قال له: أَبْشِر يا أميرَ المؤمنين بفتحِ أَعزَّ الله به الإسلامَ وأَهلَهُ، وأَذَلَّ به الكُفْرَ وأَهلَهُ. قال: فحَمِدَ الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ قال: النُّعمانُ بَعَثَكَ؟ قال: احْتَسِبْ النُّعمانَ يا أميرَ المؤمنين. قال: فبَكَى عُمَرُ واسْتَرْجَعَ، قال: ومَن وَيْحك! قال: فُلان وفُلان. حتَّى عَدَّ له ناسًا كثيرًا، ثمَّ قال: وآخرين يا أميرَ المؤمنين لا تَعرِفُهم. فقال عُمَرُ وهو يَبكي: لا يَضُرُّهم ألَّا يَعرِفَهم عُمَرُ، ولكنَّ الله يَعرِفُهم.

العام الهجري : 3 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 625
تفاصيل الحدث:

قال ابنُ كَثيرٍ في تَفسيرِ قولِه تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} هذا كان يومَ حَمراءِ الأسدِ، وذلك أنَّ المشركين لمَّا أصابوا ما أصابوا مِن المسلمين -أي يومَ أُحُدٍ-كَرُّوا راجِعين إلى بلادِهم، فلمَّا استَمرُّوا في سَيْرهِم تَنَدَّمُوا لِمَ لا تَمَّموا على أهلِ المدينةِ وجعلوها الفَيْصلةَ. فلمَّا بلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم نَدَبَ المسلمين إلى الذِّهابِ وراءَهُم ليُرْعِبَهم ويُرِيَهُم أنَّ بهِم قُوَّةً وجَلَدًا، ولم يأذنْ لأَحَدٍ سِوَى مَن حضر الوَقعةَ يومَ أُحُدٍ، سِوَى جابرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنه فانْتدبَ المسلمون على ما بهِم مِنَ الجِراحِ والإثْخانِ طاعةً لله عزَّ وجلَّ ولِرسولِه صلى الله عليه وسلم. عن عائشةَ رضي الله عنها أنَّها قالت في قولِه تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} قالت لِعُروةَ: يا ابنَ أُختي، كان أَبَواكَ منهم: الزُّبيرُ، وأبو بكرٍ، لمَّا أصابَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما أصابَ يومَ أُحُدٍ، وانصرف عنه المشركون، خاف أن يَرجِعوا، قال: «مَن يَذهبُ في إثْرِهِم» فانْتدَبَ منهم سبعون رجلًا، قال: كان فيهم أبو بكرٍ، والزُّبيرُ". قال ابنُ كُثيرٍ عَقِبَ ذِكرِ هذا الحديثِ: (وهذا السِّياقُ غريبٌ جِدًّا، فإنَّ المشهورَ عند أصحابِ المغازي أنَّ الذين خرجوا مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى حَمراءِ الأسدِ كُلُّ مَن شَهِدَ أُحُدًا، وكانوا سبعمائةٍ، قُتِلَ منهم سبعون، وبَقِيَ الباقون). والظَّاهرُ أنَّه لا تَخالُف بين قولي عائشةَ وأصحابِ المغازي؛ لأنَّ معنى قولِها: فانْتدَبَ لها سبعون. أنَّهم سبَقوا غيرَهُم، ثمَّ تلاحَق الباقون.
وموقعُ حمراءِ الأسدِ على بُعْدِ ثمانيةِ أَميالٍ مِنَ المدينةِ.

العام الهجري : 298 العام الميلادي : 910
تفاصيل الحدث:

هو أحمدُ بنُ يحيى بن إسحاق الراوندي نسبةً إلى راوند بلدةٍ مِن أصبهان، ولد عام 210, فيلسوف مجاهرٌ بالإلحاد، له مناظراتٌ ومجالسُ مع علماء الكلام، انفرد بمذاهِبَ نُقِلَت عنه في كتبه، كالقول بالحُلوليَّة، وتناسُخ رُوح الإله في الأئمَّة، وكان يلازِمُ الرافضةَ والملاحِدةَ، فإذا عوتِبَ قال: "أنا أريدُ أن أعرِفَ مذاهبَهم"، ثم كاشَفَ وناظَرَ، وصنَّف في الزندقة- لعنه اللهُ- قيل: إنَّ أباه كان يهوديًّا فأظهَرَ الإسلامَ، قال ابن حجر: "كان أوَّلًا مِن متكَلِّمي المعتَزِلة، ثم تزندقَ واشتَهَر بالإلحادِ" وقيل: إنه كان لا يستقِرُّ على مذهبٍ ولا يَثبُتُ على شيءٍ، ويقال: كان غايةً في الذكاءِ، قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي: "كنتُ أسمع عنه بالعظائمِ، حتى رأيتُ له ما لم يَخطُرْ مِثلُه على قلبٍ" وهو أحدُ مشاهير الزنادقة، طلبه السلطانُ فهرب إلى ابن لاوي اليهودي بالأهواز، وصَنَّفَ عنده مصنَّفات، منها كتاب "الدامغ للقرآن" وضعه ليطعنَ به في القرآنِ، وفي النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم. ثمَّ لم يلبث إلَّا أيامًا حتى مرِضَ ومات, وكتابٌ في الرَّدِّ على الشريعةِ سمَّاه "الزمردة"، قال ابن عقيل: "عجبي كيف لم يُقتَلْ وقد صنَّف «الدامغ»" قال بعضُ اليهودِ للمُسلمينَ: لا يُفسِدَنَّ عليكم هذا كتابَكم، كما أفسَدَ أبوه علينا التوراةَ". واختُلِفَ في موته، فقيل: مات وهو عند اليهوديِّ، وقيل: بل صُلِبَ، عاش أكثَرَ مِن ثمانين سنة، فلا رَحِمَه الله. وجازاه بما يستحِقُّه.

العام الهجري : 521 العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

عزُّ الدين مسعود بن آقسنقر البرسقي السلجوقي توفي في هذه السنة, واتَّفق أن موته كان بالرحبة، وسببُ مسيره إليها أنه لما استقامت أمورُه في ولايته، وراسل عز الدين السلطان محمودًا، وطلب منه ولايةَ ما كان أبوه يتولاه من الموصل وغيرها، أجابه السلطان إلى ما طلب، فرتَّب الأمور وقررها، فكثُرَ جنده، وكان شجاعًا شهمًا، عالي الهمة محًّبا للجهاد, فطمع في التغلب على بلاد الشام، فجمع عساكره، وسار إلى الشام يريد قَصْدَ دمشق، فابتدأ بالرحبة، فوصل إليها ونازلها، وقام يحاصِرُها، فأخذه مرضٌ حاد وهو محاصِرٌ لها، فتسلَّم القلعة، ومات بعد ساعة، وبقي مطروحًا على بساط، وتفرَّق جيشه، ونهب بعضُهم بعضًا، فأراد غلمانُه أن يقيموا ولَدَه، فأشار الوزير أنوشروان بالأتابك زنكي لحاجة الناس إلى من يقوم بإزاء الفرنجِ.

العام الهجري : 541 العام الميلادي : 1146
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ عبدُ المؤمن جيشًا إلى جزيرة الأندلس، فمَلَكوا ما فيها مِن بلاد الإسلامِ. وسَبَبُ ذلك أنَّ عبدَ المؤمِنِ لَمَّا كان يحاصِرُ مراكش جاء إليه جماعة من أعيان الأندلُسِ، منهم أبو جعفر أحمد بن محمد بن حمدين، ومعهم مكتوبٌ يتضَمَّنُ بيعة أهلِ البلاد التي هم فيها لعبدِ المؤمِنِ ودُخولهم في زُمرةِ أصحابِه المُوحِّدينَ، وإقامتهم لأمره، فقَبِلَ عبدُ المؤمِنِ ذلك منهم، وشَكَرَهم عليه، وطَيَّبَ قُلوبَهم، وطَلَبوا منه النُّصرةَ على الفِرنجِ، فجَهَّزَ جَيشًا كثيفًا وسَيَّرَه معهم، وعَمَر أسطولًا وسَيَّرَه في البحر، فسار الأسطولُ إلى الأندلس، وقَصَدوا مدينةَ إشبيليَّةَ، وصَعِدوا في نَهرِها، وبها جيشٌ مِن الملثَّمينَ، فحَصَروها برًّا وبحرًا ومَلَكوها عَنوةً، وقُتِلَ فيها جماعةٌ، وأَمِنَ النَّاسُ فسَكَنوا واستولت العساكِرُ على البلاد، وكان لعبدِ المؤمِنِ مَن بها.

العام الهجري : 71 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 690
تفاصيل الحدث:

لمَّا تَمَكَّنَ عبدُ الملك مِن الشَّام أراد أن يَضُمَّ لها العِراقَ، وقد قِيلَ: إن أَهلَها كاتَبوا عبدَ الملك لِيَسيرَ إليهم، وكانت العِراقُ مع ابنِ الزُّبير وواليها مُصعَبُ أَخوهُ، فسار إليه بِنَفسِه فلمَّا عَلِمَ مُصعبٌ بذلك سار إليه ومعه إبراهيمُ بن الأَشْتَرِ، وكان على المَوصِل والجزيرةِ، فلمَّا حضَر عنده جَعلَه على مُقدِّمَتِه وسار حتَّى نزل باجُمَيرَى، وهي قريبٌ مِن أَوانا، وهي مِن مَسْكِن، فعَسْكَرَ هناك، وسار عبدُ الملك وعلى مُقدِّمتِه أخوه محمَّدُ بن مَرْوان، وخالدُ بن عبدِ الله بن خالدِ بن أُسَيْدٍ، فلمَّا تَدانَى العَسْكرانِ أَرسَل عبدُ الملك إلى مُصعَبٍ رجلًا مِن كَلْبٍ وقال له: أَقْرِئْ ابنَ أُختِك السَّلامَ -وكانت أُمُّ مُصعَبٍ كَلبيَّةً- وقُلْ له يَدَعُ دُعاءَهُ إلى أَخيهِ، وأَدَعُ دُعائي إلى نَفْسي، ويَجْعَل الأمرَ شُورى. فقال له مُصعَبٌ: قُلْ له السَّيفَ بيننا. فقَدَّمَ عبدُ الملك أخاهُ محمَّدًا، وقَدَّمَ مُصعَبٌ إبراهيمَ بن الأشْتَرِ، فالْتَقيا فتَناوَش الفَريقانِ فقُتِلَ صاحِبُ لِواءِ محمَّدٍ، وجعَل مُصعَبٌ يَمُدُّ إبراهيمَ، فأزال محمَّدًا عن مَوقِفِه، فوَجَّهَ عبدُ الملك عبدَ الله بن يَزيدَ إلى أخيهِ محمَّدٍ، فاشْتَدَّ القِتالُ، فقُتِلَ مُسلِم بن عَمرٍو الباهليُّ والدُ قُتيبَة، وهو مِن أصحابِ مُصعَبٍ، وتَقَدَّمَ أهلُ الشَّام فقاتَلهم مُصعَبٌ ثمَّ عرَض عبدُ الملك الأمانَ على مُصعَبٍ فأَبَى وبَقِيَ يُقاتِلُهم، ثمَّ إنَّ كثيرًا خَذلوا مُصعبًا، وقِيلَ: لم يَبْقَ معه سِوى أربعةٍ، وكَثُرَت الجِراحاتُ بمُصْعَب فضَرَبهُ رجلٌ -يُقالُ له: عبيدُ الله بن زيادِ بن ظِبْيان التَّميميُّ- فقَتلَهُ وحمَل رَأسَهُ إلى عبدِ الملك.

العام الهجري : 549 العام الميلادي : 1154
تفاصيل الحدث:

سُئِلَ شَيخُ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ عن المَشهَدِ المَنسوبِ إلى الحُسينِ رضي الله عنه بمَدينةِ القاهرةِ:هل هو صَحيحٌ أم لا؟ وهل حُمِلَ رَأسُ الحُسينِ إلى دِمشقَ، ثم إلى مصر، أم حُمِلَ إلى المَدينَةِ من جِهَةِ العِراقِ؟ وهل لِمَا يَذكُرهُ بعضُ الناسِ مِن جِهَةِ المَشهَدِ الذي كان بعَسقلان صِحَّةٌ أم لا؟ ومَن ذَكَرَ أَمرَ رَأسِ الحُسينِ، ونَقْلِه إلى المَدينةِ النَّبويَّةِ دون الشامِ ومصر؟ ومَن جَزَمَ مِن العُلماءِ المُتقدِّمينَ والمُتأخِّرينَ بأن مَشهدَ عَسقلانَ ومَشهدَ القاهرةِ مَكذوبٌ، وليس بصَحيحٍ؟ وليَبسُطوا القَولَ في ذلك لأَجلِ مَسِيسِ الضَّرورَةِ والحاجةِ إليه، مُثابِينَ مَأجُورِينَ. فأجاب: "الحمدُ لله، بل المَشهدُ المَنسوبُ إلى الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما الذي بالقاهرةِ كَذِبٌ مُختَلقٌ، بلا نِزاعٍ بين العُلماءِ المَعروفِينَ عند أَهلِ العِلمِ، الذين يَرجِع إليهم المسلمون في مِثلِ ذلك لِعِلْمِهِم وصِدْقِهم. ولا يُعرَف عن عالِمٍ مُسَمَّى مُعروفٌ بعِلْمٍ وصِدْقٍ أنه قال: إن هذا المَشهدَ صَحيحٌ. وإنما يَذكرُه بعضُ الناسِ قَوْلًا عمَّن لا يُعرَف، على عادةِ مَن يَحكِي مَقالاتِ الرَّافِضَةِ وأَمثالِهم مِن أَهلِ الكَذِب. فإنهم يَنقُلونَ أَحاديثَ وحِكاياتٍ، ويَذكُرون مَذاهِبَ ومَقالاتٍ. وإذا طالَبتَهُم بمَن قال ذلك ونَقَلَهُ، لم يكُن لهم عِصمَةٌ يَرجِعُون إليها. ولم يُسَمُّوا أَحَدًا مَعروفًا بالصِّدقِ في نَقلِه، ولا بالعِلمِ في قَولِه، بل غايةُ ما يَعتَمِدون عليه أن يقولوا: أَجمَعَت الطائِفَةُ الحَقَّةُ. وهُم عند أَنفُسِهم الطائِفةُ الحَقَّة، الذين هم عند أَنفُسِهم المؤمنين، وسائرُ الأُمَّةِ سِواهُم كُفَّارٌ. وهكذا كلُّ ما يَنقُلونَه من هذا البابِ. يَنقُلون سِيَرًا أو حِكاياتٍ وأَحاديثَ، إذا ما طالَبتَهُم بإسنادِها لم يُحيلُوكَ على رَجُلٍ مَعروفٍ بالصِّدقِ، بل حَسْبُ أَحَدِهم أن يكون سَمِعَ ذلك مِن آخرَ مِثلِه، أو قَرأَهُ في كِتابٍ ليس فيه إسنادٌ مَعروفٌ، وإن سَمُّوا أَحَدًا، كان من المَشهُورِين بالكَذِبِ والبُهتان. لا يُتَصَوَّر قَطُّ أن يَنقُلوا شيئًا مما لا يُعرَف عند عُلماءِ السُّنَّةِ إلا وهو عن مَجهولٍ لا يُعرَف، أو عن مَعروفٍ بالكَذِب. ومن هذا البابِ نَقْلُ الناقلِ: أن هذا القَبرَ الذي بالقاهرةِ مَشهدُ الحُسينِ رضي الله عنه؛ بل وكذلك مَشاهدُ غيرُ هذا مُضافَةٌ إلى قَبرِ الحُسينِ رضي الله عنه، فإنه مَعلومٌ باتِّفاقِ الناسِ: أن هذا المَشهدَ بُنِيَ عامَ بِضعٍ وأربعين وخمسمائة، وأنه نُقِلَ مِن مَشهدٍ بعَسقلانَ، وأن ذلك المَشهدَ بعَسقلانَ كان قد أُحدِثَ بعدَ التِّسعين والأربعمائة. فأَصلُ هذا المَشهدِ القاهريِّ: هو ذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ. وذلك العَسقلانيُّ مُحْدَثٌ بعدَ مَقتلِ الحُسينِ بأَكثرَ من أربعمائة وثلاثين سَنَةً، وهذا القاهريُّ مُحْدَثٌ بعدَ مَقتَلِه بقَريبٍ من خمسمائة سَنَةٍ. وهذا مما لم يُتنازَع فيه اثنان ممَّن تَكلَّم في هذا البابِ من أَهلِ العِلمِ، على اختِلافِ أَصنافِهم، كأَهلِ الحَديثِ، ومُصَنِّفِي أَخبارِ القاهرةِ، ومُصَنِّفِي التَّواريخِ. وما نَقَلَهُ أَهلُ العِلمِ طَبقَةٌ عن طَبقَةٍ. فمِثلُ هذا مُستَفيضٌ عندهم. وهذا بينهم مَشهورٌ مُتَواتِرٌ، سَواءٌ قِيلَ: إن إضافَتَهُ إلى الحُسينِ صِدقٌ أو كَذِبٌ، لم يَتَنازَعوا أنه نُقِلَ من عَسقلانَ في أواخرِ الدولةِ العُبيديَّةِ. وإذا كان أَصلُ هذا المَشهدِ القاهريِّ مَنقولٌ عن ذلك المَشهدِ العَسقلانيِّ باتِّفاقِ الناسِ وبالنَّقْلِ المُتَواتِر؛ فمن المَعلومِ أن قَولَ القائلِ: إن ذلك الذي بعَسقلانَ هو مَبْنِيٌّ على رَأسِ الحُسينِ رضي الله عنه قَوْلٌ بلا حُجَّةٍ أَصلًا. فإن هذا لم يَنقُلهُ أَحَدٌ من أَهلِ العِلمِ الذين مِن شَأنِهم نَقلُ هذا. لا من أَهلِ الحَديثِ، ولا من عُلماءِ الأَخبارِ والتَّواريخِ، ولا من العُلماءِ المُصَنِّفين في النَّسَبِ؛ نَسَبِ قُريشٍ، أو نَسَبِ بَنِي هاشِمٍ ونَحوِه. وذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ، أُحدِثَ في آخِرِ المائةِ الخامسةِ، لم يكُن قَديمًا، ولا كان هناك مَكانٌ قَبلَه أو نَحوَه مُضافٌ إلى الحُسينِ، ولا حَجَرٌ مَنقوشٌ ولا نَحوُه ممَّا يُقالُ: إنه عَلامةٌ على ذلك. فتَبَيَّنَ بذلك أن إِضافةَ مِثلِ هذا إلى الحُسينِ قَوْلٌ بلا عِلمٍ أصلًا. وليس مِن قائِلٍ ذلك ما يَصلُح أن يكون مُعتَمَدًا، لا نَقْلٌ صَحيحٌ ولا ضَعيفٌ، بل لا فَرقَ بين ذلك وبين أن يَجيءَ الرَّجلُ إلى بَعضِ القُبورِ التي بأَحَدِ أَمصارِ المسلمين، فيَدَّعِي أن في واحدٍ منها رَأسَ الحُسينِ، أو يَدَّعِي أن هذا قَبرُ نَبِيٍّ من الأَنبياءِ، أو نحوَ ذلك ممَّا يَدَّعِيهِ كَثيرٌ من أَهلِ الكَذِبِ والضَّلالِ. وإذا كان ذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ قد قال طائفةٌ: إنه قَبرُ بَعضِ النَّصارَى، أو بَعضِ الحَواريِّينَ –وليس مَعَنَا ما يَدُلُّ على أنه قَبرُ مُسلِمٍ، فَضلًا عن أن يكون قَبرًا لرَأسِ الحُسينِ- كان قَولُ مَن قال: إنه قَبرُ مُسلِمٍ –الحُسينِ أو غَيرِه- قَوْلًا زُورًا وكَذِبًا مَردودًا على قائلِه. فهذا كافٍ في المَنْعِ مِن أن يُقال: هذا مَشهدُ الحُسينِ. ثم نقول: بل نحن نَعلَم ونَجزِم بأنه ليس فيه رَأسُ الحُسينِ، ولا كان ذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ مَشهَدًا للحُسينِ، من وُجُوهٍ مُتعدِّدَةٍ: منها: أنه لو كان رَأسُ الحُسينِ هناك لم يَتأَخَّر كَشْفُه وإِظهارُه إلى ما بعدَ مَقتَلِ الحُسينِ بأكثرَ من أربعمائة سَنَةٍ. ودَولةُ بَنِي أُمَيَّة انقَرَضَت قبلَ ظُهورِ ذلك بأَكثرَ من ثلاثمائة وبِضعٍ وخمسين سَنَةً. وقد جاءت خِلافَةُ بني العبَّاسِ وظَهَرَ في أَثنائِها من المَشاهِدِ بالعِراقِ وغَيرِ العِراقِ ما كان كَثيرٌ منها كَذِبًا. وكانوا عند مَقتَلِ الحُسينِ بكَربَلاء قد بَنوا هناك مَشهدًا. وكان يَنتابُه أُمراءُ عُظماءُ، حتى أَنكرَ ذلك عليهم الأئمَّةُ. وحتى إن المُتوَكِّل لمَّا تَقدَّموا له بأَشياءَ يُقال: إنه بالَغَ في إِنكارِ ذلك وزادَ على الواجبِ. دَعْ خِلافةَ بَنِي العبَّاسِ في أَوائلِها، وفي حالِ استِقامَتِها، فإنهم حينئذٍ لم يكونوا يُعَظِّمونَ المَشاهِدَ، سَواءٌ منها ما كان صِدقًا أو كَذِبًا، كما حَدَثَ فيما بعدُ؛ لأن الإسلامَ كان حينئذٍ ما يَزالُ في قُوَّتِه وعُنفُوانِه. ولم يكُن على عَهدِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وتابِعيهم من ذلك شيءٌ في بِلادِ الإسلامِ، لا في الحِجازِ، ولا اليَمنِ، ولا الشامِ، ولا العِراقِ، ولا مصر، ولا خُراسان، ولا المَغربِ، ولم يكُن قد أُحدِثَ مَشهدٌ، لا على قَبرِ نَبِيٍّ، ولا صاحِبٍ، ولا أَحَدٍ من أَهلِ البيتِ، ولا صالِحٍ أَصلًا، بل عامَّةُ هذه المَشاهِدِ مُحْدَثَةٌ بعدَ ذلك. وكان ظُهورُها وانتِشارُها حينَ ضَعُفَت خِلافةُ بني العبَّاسِ، وتَفَرَّقَت الأُمَّةُ، وكَثُرَ فيهم الزَّنادِقَةُ المُلَبِّسُونَ على المسلمين، وفَشَت فيهم كَلِمةُ أَهلِ البِدَعِ، وذلك في دَولةِ المُقتَدِر في أَواخرِ المائَةِ الثالثةِ، فإنه إذ ذاك ظَهَرَت القَرامِطَةُ العُبيدِيَّةُ القَدَّاحِيَّة بأَرضِ المَغربِ. ثم جاؤوا بعدَ ذلك إلى أَرضِ مصر. فإذا كان مع كلِّ هذا لم يَظهَر حتى مَشهدٌ للحُسينِ بعَسقلانَ، مع العِلمِ بأنه لو كان رَأسُه بعَسقلانَ لكان المُتقَدِّمون من هؤلاءِ أَعلمَ بذلك من المُتأخِّرين، فإذا كان مع تَوَفُّرِ الهِمَمِ والدَّواعِي والتَّمَكُّنِ والقُدرَةِ لم يَظهَر ذلك، عُلِمَ أنه باطِلٌ مَكذوبٌ، مِثلُ ما يَدَّعِي أنه شَريفٌ عَلَوِيٌّ. وقد عُلِمَ أنه لم يَدَّعِ هذا أَحَدٌ من أَجدادِه، مع حِرصِهِم على ذلك لو كان صَحيحًا، فإنه بهذا يُعلَم كَذِبُ هذا المُدَّعِي، الوجهُ الثاني: أن الذين جَمَعوا أَخبارَ الحُسينِ ومَقتَلِهِ مِثلُ أبي بكرِ بن أبي الدنيا، وأبي القاسمِ البَغَويِّ وغَيرِهما لم يَذكُر أَحَدٌ منهم أن الرَّأسَ حُمِلَ إلى عَسقلانَ ولا إلى القاهرةِ. وقد ذَكَرَ نحوَ ذلك أبو الخَطَّابِ بنُ دُحيةَ في كِتابِه المُلَقَّب بـ ((العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور)) ذَكَرَ أن الذين صَنَّفُوا في مَقتَلِ الحُسينِ أَجمَعوا أن الرَّأسَ لم يَغتَرِب، وذَكَرَ هذا بعدَ أن ذَكَرَ أن المَشهَدَ الذي بالقاهرةِ كَذِبٌ مُختَلَق، وأنه لا أَصلَ له، وبَسَطَ القَولَ في ذلك، كما ذَكَرَ في يومِ عاشُوراءَ ما يَتَعلَّق بذلك. الوجهُ الثالث: أن الذي ذَكَرَهُ مَن يُعتَمَد عليه مِن العُلماءِ والمُؤرِّخين: أن الرَّأسَ حُمِلَ إلى المَدينةِ، ودُفِنَ عند أَخيهِ الحَسَنِ. ومن الَمعلوم: أن الزُّبيرَ بنَ بَكَّارٍ، صاحِبَ كتابِ ((الأنساب)) ومحمدَ بنَ سَعدٍ كاتِبَ الواقِديِّ صاحِبَ ((الطبقات))، ونَحوَهُما مِن المَعروفين بالعِلمِ والثِّقَةِ والاطِّلاعِ، أَعلمُ بهذا البابِ، وأَصدَقُ فيما يَنقُلونَه من الجاهِلين والكَذَّابين، ومِن بَعضِ أَهلِ التَّواريخِ الذين لا يُوثَق بِعِلْمِهِم ولا صِدْقِهِم، بل قد يكون الرَّجلُ صادِقًا، ولكن لا خِبرةَ له بالأَسانيدِ حتى يُمَيِّزَ بين المَقبولِ والمَردودِ، أو يكون سَيِّءَ الحِفْظِ أو مُتَّهَمًا بالكَذِبِ أو بالتَّزَيُّدِ في الرِّوايَةِ، كحالِ كَثيرٍ من الإخبارِيِّين والمُؤَرِّخين، لا سيما إذا كان مِثلَ أبي مِخنَفٍ لُوطِ بنِ يحيى وأَمثالِه. ومَعلومٌ أن الواقِديَّ نَفسَهُ خَيرٌ عند الناسِ من مِثلِ هِشامِ بنِ الكلبيِّ، وأَبيهِ محمدِ بنِ السائبِ وأَمثالِهِما، وقد عُلِمَ كَلامُ الناسِ في الواقديِّ، فإن ما يَذكُرهُ هو وأَمثالُه إنما يُعتَضَدُ به، ويُستَأنسُ به، وأما الاعتِمادُ عليه بمُجرَّدِهِ في العِلمِ فهذا لا يَصلُح. فإذا كان المُعتَمد عليهم يَذكُرون أن رأسَ الحُسينِ دُفِنَ بالمَدينةِ، وقد ذَكَرَ غَيرُهم أنه إما أن يكون قد عادَ إلى البَدَنِ، فدُفِنَ معه بكَربَلاء، وإما أنه دُفِنَ بحَلَب، أو بدِمشق أو نحوَ ذلك من الأَقوالِ التي لا أَصلَ لها، ولم يَذكُر أَحَدٌ ممَّن يُعتَمَد عليه أنه بعَسقلانَ – عُلِمَ أن ذلك باطِلٌ، إذ يُمتَنَع أن يكون أَهلُ العِلمِ والصِّدقِ على الباطلِ، وأَهلُ الجَهلِ والكَذِبِ على الحَقِّ في الأُمورِ النَّقلِيَّةِ، التي إنما تُؤخَذ عن أَهلِ العِلمِ والصِّدقِ، لا عن أَهلِ الجَهلِ والكَذِبِ. الوجهُ الرابع: أن الذي ثَبَتَ في صَحيحِ البُخاريِّ: أن الرَّأسَ حُمِلَ إلى قُدَّامِ عُبيدِ الله بن زِيادٍ، وجَعَلَ يَنكُت بالقَضيبِ على ثَناياهُ بحَضرَةِ أَنسِ بنِ مالكٍ، وفي المُسنَدِ: أن ذلك كان بحَضرَةِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيةَ. وهذا باطِلٌ. فإن أبا بَرزَةَ، وأَنسَ بنَ مالكٍ كانا بالعِراقِ، لم يكُونَا بالشامِ، ويَزيدُ بن مُعاوِيةَ كان بالشامِ، لم يكُن بالعِراقِ حِينَ مَقتلِ الحُسينِ، فمَن نَقَلَ أنه نَكَتَ بالقَضيبِ ثَناياهُ بحَضرَةِ أَنسٍ وأبي بَرزَةَ قُدَّامَ يَزيدَ فهو كاذِبٌ قَطْعًا، كَذِبًا مَعلومًا بالنَّقلِ المُتواتِرِ. ومَعلومٌ بالنَّقلِ المُتَواتِرِ: أن عُبيدَ الله بنَ زيادٍ كان هو أَميرُ العِراقِ حين مَقتلِ الحُسينِ، وقد ثَبَتَ بالنَّقلِ الصَّحيحِ: أنه هو الذي أَرسلَ عُمرَ بنَ سعدِ بن أبي وَقَّاصٍ مُقَدَّمًا على الطائفَةِ التي قاتَلَت الحُسينَ، وكان عُمَرُ قد امتَنَع من ذلك، فأَرغَبَهُ ابنُ زيادٍ وأَرهَبَهُ حتى فَعَلَ ما فَعَلَ. والمَقصودُ هنا أن نَقْلَ رَأسِ الحُسينِ إلى الشامِ لا أَصلَ له زَمَنَ يَزيدَ. فكيف بِنَقْلِه بعدَ زَمَنِ يَزيدَ؟ وإنما الثابتُ هو نَقْلُه من كَربَلاء إلى أَميرِ العِراقِ عُبيدِ الله بن زيادٍ بالكُوفةِ. والذي ذَكَرَ العُلماءُ: أنه دُفِنَ بالمَدينَةِ. الوجهُ الخامس: أنه لو قُدِّرَ أنه حُمِلَ إلى يَزيدَ، فأيُّ غَرَضٍ كان لهم في دَفنِه بعَسقلانَ، وكانت إذ ذاكَ ثَغْرَةً يُقيمُ به المُرابِطون؟ فإن كان قَصْدُهُم تَعْفِيَةَ خَبَرِهِ فمِثلُ عَسقلانَ تُظهِرُهُ لكَثرَةِ مَن يَنتابُها للرِّباطِ. وإن كان قَصْدُهُم بَركَةَ البُقعَةِ فكيف يَقصِدُ هذا مَن يُقال: إنه عَدُوٌّ له، مُسْتَحِلٌّ لِدَمِهِ، ساعٍ في قَتْلِه؟! ثم مِن المَعلومِ: أن دَفْنَهُ قَريبًا عندَ أُمِّهِ وأَخيهِ بالبَقيعِ أَفضلُ له. الوجهُ السادس: أن دَفْنَهُ بالبَقيعِ هو الذي تَشهَدُ له عادَةُ القَومِ. فإنهم كانوا في الفِتَنِ، إذا قَتَلوا الرَّجُلَ -لم يكُن منهم- سَلَّمُوا رَأسَهُ وبَدَنَهُ إلى أَهلِه، الوجهُ السابع: أنه لم يُعرَف قَطُّ أن أَحَدًا، لا مِن أَهلِ السُّنَّةِ، ولا من الشِّيعَةِ، كان يَنتابُ ناحِيةَ عَسقلانَ لأَجلِ رَأسِ الحُسينِ، ولا يَزورونَهُ ولا يَأتونَهُ. كما أن الناسَ لم يكونوا يَنتابون الأَماكِنَ التي تُضافُ إلى الرَّأسِ في هذا الوَقتِ، كمَوضِعٍ بحَلَب. فإذا كانت تلك البِقاعُ لم يكُن الناسُ يَنتابونَها ولا يَقصِدونَها، وإنما كانوا يَنتابون كَربَلاء؛ لأن البَدَنَ هناك، كان هذا دَليلًا على أن الناسَ فيما مضى لم يكونوا يَعرِفون أن الرَّأسَ في شَيءٍ من هذه البِقاعِ، ولكن الذي عَرَفوهُ واعتَقَدوهُ هو وُجودُ البَدَنِ بكَربَلاء، حتى كانوا يَنتابونَهُ في زَمنِ أَحمدَ وغَيرِه، حتى إن في مَسائِلِه، مَسائلَ فيما يُفعَل عند قَبرِه، ذَكَرَها أبو بكرٍ الخَلَّالُ في جامِعِه الكَبيرِ في زِيارَةِ المَشاهِدِ. ولم يَذكُر أَحَدٌ من العُلماءِ أنهم كانوا يَرون مَوضِعَ الرَّأسِ في شيءٍ من هذه البِقاعِ غيرَ المَدينةِ. فعُلِمَ أن ذلك لو كان حَقًّا لكان المُتقَدِّمون به أَعلمَ. ولو اعتَقَدوا ذلك لعَمِلُوا ما جَرَت عادَتُهم بعَمَلِه، ولأَظهَروا ذلك وتَكَلَّموا به، كما تَكَلَّموا في نَظائِرِهِ. فلمَّا لم يَظهَر عن المُتقَدِّمين –بقَوْلٍ ولا فِعْلٍ- ما يَدُلُّ على أن الرَّأسَ في هذه البِقاعِ عُلِمَ أن ذلك باطِلٌ، والله أعلم. الوجهُ الثامن: أن يُقال: ما زال أَهلُ العِلمِ في كلِّ وَقتٍ وزَمانٍ يَذكرون في هذا المَشهَدِ القاهريِّ المَنسوبِ إلى الحُسينِ: أنه كَذِبٌ مُبِينٌ، كما يَذكرون ذلك في أَمثالِه من المَشاهِدِ المَكذوبَةِ؛ فقد ذَكَرَ أبو الخَطَّابِ بن دُحيةَ في كِتابِه ((العِلم المشهور)) في هذا المَشهَدِ فَصْلًا مع ما ذَكَرَهُ في مَقتلِ الحُسينِ مِن أَخبارٍ ثابتَةٍ وغيرِ ثابتَةٍ، ومع هذا فقد ذَكَرَ أن المَشهَدَ كَذِبٌ بالإجماعِ، وبَيَّنَ أنه نُقِلَ من عَسقلانَ في آخرِ الدُّوَلِ العُبيديَّةِ، وأنه وُضِعَ لأَغراضٍ فاسِدَةٍ، وأنه بعدَ ذلك بقَليلٍ أَزالَ الله تلك الدَّولةَ وعاقَبَها بنَقيضِ قَصْدِها. وما زال ذلك مَشهورًا بين أَهلِ العِلمِ حتى أَهلِ عَصْرِنا، مِن ساكِنِي الدِّيارِ المِصريَّةِ، القاهرَةِ وما حَولَها والله أعلم. ".

العام الهجري : 607 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1211
تفاصيل الحدث:

هو السلطانُ الملك العادل نور الدين أبو الحارث، أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن أتابك عماد الدين زنكي بن آقسنقر، صاحب الموصل, وابنُ صاحبها، كان ملكًا شَهمًا، عارفًا بالأمور، جبارًا سافكًا للدماء بخيلًا. انتقل إلى مذهب الشافعي، ولم يكن في بيته شافعيٌّ سواه. وبنى المدرسة المعروفة به بالموصل للشافعية، قل أن توجد مدرسة في حسنها. كان سريع الحركة في طَلَبِ الملك، إلَّا أنه لم يكن له صبرٌ؛ فلهذا لم يتَّسِع ملكه، ولما احتُضِرَ أمر أن يرتب في الملك ولده الملك القاهر مسعود، وأعطى ولده عماد الدين زنكي قلعتين، وجعل تدبيرَ مملكتهما إلى فتاه بدر الدين لؤلؤ. وكان مرضه قد طال، ومزاجه قد فسد، وكانت مُدَّة ملكه سبع عشرة سنة وأحد عشر شهرًا، وكان شهمًا شجاعًا، ذا سياسة للرعايا، شديدًا على أصحابه، فكانوا يخافونه خوفًا شديدًا، وكان ذلك مانعًا من تعدي بعضِهم على بعض، وكان له همة عالية، أعاد ناموس البيت الأتابكي وجاهَه وحُرمَتَه، بعد أن كانت قد ذهبَت، وخافه الملوك؛ ولما اشتد مرضه وأيس من نفسه أمره الأطباء بالانحدار إلى الحامة المعروفة بعين القيارة، وهي بالقرب من الموصل، فانحدر إليها، فلم يجِدْ بها راحة، وازداد ضعفًا، فأخذه بدر الدين وأصعده في الشبارة إلى الموصل، فتوفي في التاسع والعشرين من رجب. في الطريق ليلًا ومعه الملاحون والأطباء بينه وبينهم ستر، وكان مع بدر الدين عند نور الدين مملوكان، فلما توفي نور الدين قال لهما: لا يسمع أحدٌ بموته، وقال للأطباء والملاحين: لا يتكلم أحد، فقد نام السلطانُ، فسكتوا، ووصلوا إلى الموصل في الليل، فأمر الأطباءَ والملاحين بمفارقة الشبارة؛ لئلَّا يَرَوه ميتًا، وأبعدوا، فحمله هو والمملوكان، وأدخله الدار، وتركه في الموضع الذي كان فيه ومعه المملوكان، ونزل على بابه من يثقُ به لا يمكِّن أحدًا من الدخول والخروج، وقعد مع الناس يمضي أمورًا كان يحتاجُ إلى إتمامها، فلما فرغَ مِن جميع ما يريدُه أظهَرَ موتَه وقت العصر، ودُفِنَ ليلًا بالمدرسة التي أنشأها مقابلَ داره، وضبط البلدَ تلك الليلة ضبطًا جيدًا واستقَرَّ الملك لولده، وقام بدر الدين بتدبير الدولة والنظر في مصالحِها.

العام الهجري : 385 العام الميلادي : 995
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الحافِظُ المَجَوِّد, شيخُ الإسلام, عَلَمُ الجهابِذةِ, أبو الحسَنِ عليُّ بنُ عُمَرَ بنِ أحمد بن مهدي بن مسعود بن دينار بن عبد الله الدَارَقُطنيُّ، الحافِظُ الكبير، المقرئُ المحَدِّث, كان عالِمًا حافِظًا فقيهًا على مذهَبِ الإمام الشافعي. أخذ الفِقهَ عن أبي سعيدٍ الاصطخريِّ الفقيهِ الشافعي. كانت ولادتُه في ذي القَعدة سنة 306. والدَّارَقُطنيُّ بفتحِ الدالِ المُهملة وبعدَ الألف راءٌ مفتوحة ثم قافٌ مَضمومة نسبةً إلى دار قُطْن محلَّة كبيرة ببغداد. كان من بحورِ العِلمِ, ومن أئمَّة الدنيا, انتهى إليه الحِفظُ ومَعرفةُ عِلَل الحديث ورجالِه, مع التقَدُّم في القراءاتِ وطُرُقِها, وقُوَّة المشاركة في الفِقهِ والاختلافِ والمغازي وأيَّام الناس, وغير ذلك. أستاذُ الصناعةِ في عِلمِ الحديثِ والعِلَل، سَمِعَ الكثير، وجمع وصَنَّف وألفَّ وأجاد وأفاد، وأحسنَ النَّظَرَ والتعليلَ والانتقادَ والاعتقاد، وكان فريدَ عَصرِه، ونسيجَ وحْدِه، وإمامَ دَهرِه في أسماءِ الرِّجالِ وصناعةِ التَّعليلِ، والجَرحِ والتعديلِ، وحُسْنِ التَّصنيفِ والتأليفِ، والاطلاعِ التَّامِّ في الدراية، له كتابُه المشهورُ: (السُّنَن) من أحسَنِ المصَنَّفات في بابِه، وله كتابُ العِلَل بيَّنَ فيه الصَّوابَ مِن الدَّخَلِ، والمتَّصِلَ مِن المُرسَل، والمُنقَطِعَ والمُعضَل، وكتابُ الأفراد، وله غير ذلك من المصَنَّفات، وكان مِن صِغَرِه موصوفًا بالحِفظِ الباهِرِ، والفَهمِ الثَّاقِبِ، والبَحرِ الزَّاخر، وقال الحاكِمُ أبو عبد الله النَّيسابوري: "لم يَرَ الدَّارَقُطنيُّ مِثلَ نَفسِه"، وقد اجتمع له مع معرفةِ الحديثِ العِلمُ بالقراءاتِ والنَّحوِ والفِقهِ والشِّعرِ، مع الإمامةِ والعَدالةِ، وصِحَّةِ اعتقاد. قال أبو بكر البرقاني: كان الدَّارَقُطني يُملي عليَّ العِلَلَ مِن حِفظِه. قلت- والكلام للذهبي-: إن كان كتابُ "العلل" الموجود قد أملاه الدَّارقُطنيُّ مِن حِفظِه كما دلَّت عليه هذه الحكاية, فهذا أمرٌ عظيمٌ يُقضَى به للدَّارَقُطني أنَّه أحفَظُ أهلِ الدُّنيا، وإن كان قد أملى بعضَه مِن حِفظِه, فهذا ممكِنٌ، وقد جمَعَ قبلَه كتابَ " العِلَل " عليُّ بنُ المَديني حافِظُ زَمانِه". وقد كانت وفاتُه في يوم الثلاثاء السابِعَ مِن ذي القَعدة، وله من العُمُرِ سبعٌ وسبعون سنة ويومان، ودُفِنَ مِن الغد بمقبرة باب الدير قريبًا من قبرِ معروفٍ الكَرخيِّ- رَحِمَهما الله.

العام الهجري : 226 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 841
تفاصيل الحدث:

هو أبو عِقالٍ الأغلَبُ بن إبراهيم بن أغلب، أخو زيادة الله، كانت ولايتُه من قِبَل المعتَصِم بالله، وهو رابِعُ أمراء إفريقية مِن بني الأغلَبِ، ولم تطُلْ مُدَّةُ أيامِه، كانت ولايتُه سنتين وسبعةَ أشهر وسبعة أيَّام, لَمَّا تولَّى أبو عقالٍ أحسَنَ إلى الجند، وأزال مظالمَ كثيرةً، وزاد العُمَّالَ في أرزاقهم، وكَفَّ أيديَهم عن الرعية، وقطَعَ النَّبيذَ والخَمرَ عن القيروان. وكانت أيَّامُه أيَّامَ دَعةٍ وسكونٍ سوى عام 224هـ؛ انتفَضَ بعضُ الخوارجِ فسَيَّرَ إليهم عيسى بن ربعان فأخضَعَهم، ولَمَّا توفِّيَ ولِيَ أبو العباسِ محمَّد بن الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب بلادَ إفريقيَّة بعد وفاةِ والده، ودانت له إفريقيَّة.

العام الهجري : 1190 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1776
تفاصيل الحدث:

فشلت الحملة الأسبانية، التي انعقد لواؤها للسيطرة على الجزائر، وكانت الحملةُ تتكوَّن من 22 ألف جندي، وخَسِرَ الأسبان في هذه الحملة 7 آلاف قتيل، وهو ما أثار استياءَ الملك كارلوس الثالث في مدريد، في حين أقام العثمانيون الأفراحَ في إستانبول بهذا النصر.

العام الهجري : 699 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1300
تفاصيل الحدث:

بعد أن انهزم جيشُ المماليك من التتار في موقعةِ السلمية في ربيع الأول، وبعد ما حصل لأهل دمشق من الخوفِ الشديد، زاد الأمر أنَّه في ليلة الأحد ثاني ربيع الآخر كسر المحبوسون بحَبسِ أبي الصغير الحبسَ وخرجوا منه على حميةٍ، وتفرقوا في البلدِ، وكانوا قريبًا من مائتي رجل فنَهَبوا ما قدروا عليه وجاؤوا إلى باب الجابية فكسروا أقفالَ الباب البراني وخرَجوا منه إلى بر البلد، فتفَرَّقوا حيث شاؤوا لا يقدِرُ أحد على رَدِّهم، وعاثت الحرافشة- كالشُّطَّار والعيَّارين في بغداد- في ظاهرِ البلد، فكسروا أبواب البساتين وقلعوا من الأبوابِ والشبابيك شيئًا كثيرًا، وباعوا ذلك بأرخَصِ الأثمان، هذا وسلطانُ التتار قد قصد دمشقَ بعد الوقعة، فاجتمع أعيانُ البلد والشيخ تقي الدين ابنُ تيميَّةَ في مشهدِ عليٍّ، واتفقوا على المسير إلى قازان لتلَقِّيه، وأخْذِ الأمانِ منه لأهل دمشق، فتوجَّهوا يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر فاجتَمَعوا به عند النبك، وكلَّمَه الشيخُ تقي الدين كلامًا قويًّا شديدًا فيه مصلحةٌ عظيمةٌ عاد نفعُها على المسلمين. ذكر ابن كثير: "أنَّ شَيخَ الإسلامِ تقيَّ الدينِ ابن تيميَّةَ قال لترجمانِ قازان: قل للقان: أنت تزعُمُ أنَّك مسلِمٌ ومعك مؤذِّنونَ وقاضٍ وإمامٌ وشَيخٌ على ما بلَغَنا، فغزَوْتَنا وبلَغْتَ بلادَنا على ماذا؟! وأبوك وجَدُّك هولاكو كانا كافرينِ وما غزَوَا بلادَ الإسلام، بل عاهَدوا قومَنا، وأنت عاهَدْتَ فغَدَرْتَ وقُلْتَ فما وفَيْتَ! قال: وجَرَت له مع قازان وقطلوشاه وبولاي أمور ونُوَب، قام ابن تيمية فيها كُلِّها لله، وقال الحَقَّ ولم يخشَ إلا الله عزَّ وجَلَّ. قال: وقَرَّب إلى الجماعةِ طَعامًا فأكلوا منه إلَّا ابنَ تيميَّةَ، فقيل له: ألا تأكُلُ؟ فقال: كيف آكُلُ مِن طعامِكم وكلُّه مما نهَبْتُم من أغنامِ النَّاسِ وطَبَختُموه بما قطَعْتُم من أشجارِ النَّاسِ؟! قال: ثمَّ إن قازان طلَبَ منه الدعاءَ، فقال في دعائه: "اللهم إن كان هذا عبدُك محمود إنَّما يقاتِلُ لتكونَ كَلِمَتُك هي العُليا وليكونَ الدِّينُ كُلُّه لك، فانصُرْه وأيِّدْه ومَلِّكْه البِلادَ والعبادَ، وإن كان إنما قام رياءً وسُمعةً وطَلبًا للدنيا ولتكونَ كَلِمتُه هي العليا ولِيُذِلَّ الإسلامَ وأهلَه، فاخذُلْه وزلزِلْه ودَمِّرْه واقطَع دابِرَه" قال: وقازان يؤمِّنُ على دعائه، ويَرفَعُ يديه. قال: فجعَلْنا نجمَعُ ثيابَنا خوفًا من أن تتلوَّثَ بدَمِه إذا أمَرَ بقَتلِه!! قال: فلمَّا خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى وغيره: كدتَ أن تُهلِكَنا وتُهلِكَ نَفسَك، واللهِ لا نَصحَبُك من هنا، فقال: وأنا واللهِ لا أصحَبُكم. قال: فانطلَقْنا عُصبةً وتأخَّرَ هو في خاصَّةِ نَفسِه ومعه جماعةٌ من أصحابه، فتسامَعَ به الأمراءُ من أصحاب قازان فأتوه يتبَرَّكونَ بدعائه، وهو سائِرٌ إلى دمشق، وينظُرونَ إليه، قال: والله ما وصل إلى دمشقَ إلَّا في نحو ثلثمائةِ فارسٍ في رِكابِه، وكنت أنا من جملةِ مَن كان معه، وأمَّا أولئك الذين أبوا أن يصحبوه فخرج عليهم جماعةٌ من التتر فشَلحوهم عن آخِرِهم!!"، ودخل المسلمونَ ليلتئذٍ مِن جهة قازان فنزلوا بالبدرانيَّة وغُلِّقَت أبوابُ البلد سوى باب توما، وخَطَب الخطيبُ بالجامع يوم الجمعةِ، ولم يَذكُرْ سُلطانًا في خُطبتِه، وبعد الصلاةِ قَدِمَ الأمير إسماعيل ومعه جماعةٌ مِن الرسُلِ فنزلوا ببستان الظاهر عند الطرن، وحضر الفرمان بالأمان وطِيفَ به في البلد، وقرئ يومَ السبتِ ثامِنَ الشهر بمقصورة الخطابة، ونُثِرَ شَيءٌ من الذهب والفضة، وفي ثاني يوم من المناداة بالأمان طُلِبَت الخيولُ والسلاح والأموال المخبَّأة عند الناس من جهةِ الدولة، وجلس ديوان الاستخلاصِ إذ ذاك بالمدرسة القيمريَّة، وفي يوم الاثنين عاشِرَ الشهر قَدِمَ سيف الدين قبجق المنصوري الذي كان هرب إلى التتارِ، فنزل في الميدان واقترب جيشُ التتر وكَثُرَ العَيثُ في ظاهر البلد، وقُتِلَ جماعةٌ وغَلَت الأسعارُ بالبلد جِدًّا، وأرسل قبجق إلى نائب القلعة ليسَلِّمَها إلى التتر فامتنع أرجواش من ذلك أشدَّ الامتناع، فجمع له قبجق أعيانَ البلد فكَلَّموه أيضًا فلم يجبهم إلى ذلك، وصَمَّمَ على ترك تسليمِها إليهم وبه عَينٌ تَطرفُ؛ فإنَّ الشَّيخَ تقيَّ الدين ابن تيمية أرسل إلى نائب القلعةِ يقول له ذلك، لو لم يبقَ فيها إلَّا حَجَرٌ واحِدٌ فلا تسَلِّمْهم ذلك إن استطعْتَ، وكان في ذلك مصلحةٌ عظيمة لأهل الشامِ؛ فإن الله حَفِظَ لهم هذا الحِصنَ والمَعقِلَ الذي جعله الله حِرزًا لأهل الشام التي لا تزال دارَ إيمانٍ وسُنَّةٍ، حتى ينزِلَ بها عيسى بنُ مريم، وفي يوم دخول قبجق إلى دمشقَ دخل السلطانُ ونائبُه سلار إلى مصرَ، كما جاءت البطاقة بذلك إلى القلعة، ودُقَّت البشائرُ بها، فقَوِيَ جأش الناس بعضَ قُوَّةٍ، وفي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر خُطِبَ لقازان على منبر دمشقَ بحضور المغول بالمقصورةِ ودُعِيَ له على السُّدَّة بعد الصلاة، وقرئ عليها مرسومٌ بنيابة قبجق على الشام، وذهب إليه الأعيان فهنَّؤوه بذلك، فأظهر الكرامةَ وأنه في تعَبٍ عظيمٍ مع التتر، وفي يوم السبت النصف من ربيع الآخر شرعت التتارُ وصاحب سيس في نهب الصالحيَّة ومسجدِ الأسديَّة ومسجد خاتون ودار الحديث الأشرفيَّة بها، واحترق جامعُ التوبة بالعقيبية، وكان هذا من جهةِ الكرج والأرمن من النصارى الذين هم مع التَّتارِ قَبَّحَهم الله، وسَبَوا من أهلِها خلقًا كثيرًا وجمًّا غفيرًا، وجاء أكثَرُ الناس إلى رباط الحنابلة، فاحتاطت به التتار فحماه منهم شيخُ الشيوخ، وأعطى في الساكِنِ مال له صورة ثم اقتحموا عليه فسَبَوا منه خلقًا كثيرًا من بنات المشايخ وأولادِهم، ولما نُكِب دير الحنابلة في ثاني جمادى الأولى قتلوا خلقًا من الرجال وأسَروا من النساء كثيرًا، ونال قاضيَ القضاةِ تقيَّ الدين ابنَ تيميَّةَ أذًى كثيرٌ، ويقال إنَّهم قتلوا من أهل الصالحية قريبًا من أربعمائة، وأسَروا نحوًا من أربعة آلاف أسير، ونُهِبَت كتب كثيرة من الرباط الناصري والضيائية، وخزانة ابن البزوري، وكانت تباعُ وهي مكتوبٌ عليها الوقفيَّة، وفعلوا بالمزَّة مثل ما فعلوا بالصالحية، وكذلك بداريا وبغيرها، وتحصَّن الناسُ منهم في الجامِعِ بداريا ففتحوه قسرًا وقتلوا منهم خلقًا وسَبَوا نساءَهم وأولادهم، وخرج الشيخُ ابنُ تيمية في جماعةٍ مِن أصحابه يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر إلى مَلِك التتر قازان، وعاد بعد يومينِ ولم يتَّفِق اجتماعُه به، حجَبَه عنه الوزير سعد الدين والرشيد مشير الدولة المسلماني ابن يهودي، والتزما له بقضاءِ الشغلِ، وذكرَا له أن التَّتر لم يحصل لكثيرٍ منهم شيءٌ إلى الآن، ولا بُدَّ لهم من شيءٍ، واشتهر بالبلد أن التتر يريدون دخولَ دمشقَ، فانزعج الناسُ لذلك وخافوا خوفًا شديدًا، وأرادوا الخروجَ منها والهرب على وجوههم، وأين الفرارُ ولات حينَ مَناصٍ!! وقد أُخِذَ من البلد فوق العشرةِ آلاف فرس، ثمَّ فُرِضَت أموال كثيرة على البلدِ مُوزَّعةً على أهل الأسواقِ، كلُّ سوقٍ بحَسَبِه من المال، وشرع التتر في عمل مجانيقَ بالجامِعِ لِيَرموا بها القلعةَ مِن صحن الجامِعِ، وغُلِّقَت أبوابُه ونزل التتار في مشاهِدِه يحرسونَ أخشاب المجانيق، وينهَبونَ ما حوله من الأسواقِ، وأهلُ البلدِ قد أذاقَهم اللهُ لباسَ الجوعِ والخَوفِ بما كانوا يصنعونَ، فإنَّا لله وإنا إليه راجعون، والمصادراتُ والتراسيمُ والعقوباتُ عمالة في أكابِرِ أهلِ البلدِ ليلًا ونهارًا، حتى أُخِذَ منهم شيء كثير من الأموال والأوقاف، كالجامِعِ وغيره، ثم جاء مرسومٌ بصيانة الجامِعِ وتوفيرِ أوقافه وصَرْف ما كان يؤخذُ من خزائن السلاحِ إلى الحجاز، وقرئ ذلك المرسومُ بعد صلاة الجمعة بالجامع في تاسع عشر جمادى الأولى، وفي ذلك اليوم توجَّه السلطان قازان وترك نوَّابَه بالشام في ستين ألف مقاتلٍ نحو بلاد العراق، وجاء كتابُه: إنا قد تركنا نوَّابَنا بالشامِ في ستين ألف مقاتلٍ، وفي عَزْمنا العودُ إليها في زمن الخريف، والدخولُ إلى الديار المصرية وفَتْحُها، وقد أعجَزَتْهم القلعةُ أن يصلوا إلى حجَرٍ منها، وخرج سيف الدين قبجق لتوديع قطلوشاه نائب قازان وسار وراءه وضُرِبَت البشائر بالقلعة فرحًا لرحيلهم، ولم تُفتَح القلعة، وأرسل أرجواش ثاني يومٍ من خروج قبجق إلى الجامعِ، فكسروا أخشاب المنجنيقات المنصوبةِ به، وعادوا إلى القلعةِ سريعًا سالمين، واستصحبوا معهم جماعةً ممَّن كانوا يلوذون بالتتر قهرًا إلى القلعة، منهم الشريفُ القمي، وهو شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد بن أبي القاسم المرتضي العلوي، وجاءت الرسلُ من قبجق إلى دمشق، فنادوا بها: طَيِّبوا أنفُسَكم وافتَحوا دكاكينَكم وتهيَّؤوا غدا لتلقِّي سلطان الشام سيف الدين قبجق، فخرج الناسُ إلى أماكنهم فأشرفوا عليها فرأوا ما بها من الفسادِ والدَّمارِ، وانفَكَّ رؤساء البلد من التراسيمِ بعد ما ذاقوا شيئًا كثيرًا!!

العام الهجري : 430 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1039
تفاصيل الحدث:

كان جَدُّ السلاجقةِ بغاق من مشايخِ التُّركِ القُدَماء، الذين لهم رأيٌ ومَكيدة ومكانةٌ عند مَلِكهم الأعظَم، ونشأ ولدُه سلجوق نجيبًا شَهمًا، فقَدَّمه المَلِك ولقَّبه شباسي، فأطاعَتْه الجيوشُ وانقاد له النَّاسُ بحيث تخوَّفَ منه المَلِك وأراد قَتْلَه، فهرب منه إلى بلادِ المسلمين، فلمَّا خالط المسلمينَ أسلم فازداد عِزًّا وعلُوًّا، ثم توفِّيَ عن مِئَة وسبع سنين، وخلَّف من الأبناء أرسلان وميكائيل وموسى، فأمَّا ميكائيل فإنه اعتنى بقتالِ الكُفَّار من الأتراك، حتى قُتِلَ شَهيدًا، وخَلَّفَ ولديه طغرلبك محمد، وجعفر بك داود، فعَظُم شأنُهما في بني عَمِّهما، واجتمع عليهما التركُ مِن المؤمنين، وهم تُركُ الإيمانِ الذين يقول لهم النَّاسُ ترُكمان، وهم السَّلاجقة بنو سلجوق.