كانت حربٌ بمدينة فاس من بلاد المغرب بين أبي زيان محمد بن أبي طريق بن أبي عنان, وقد قام بأمر الحرب الشيخ يعقوب الحلفاوي الثائر على الوزير الحاجب عبد العزيز اللباني لقتله السلطان أبا سعيد عثمان بن أبي العباس أحمد وثلاثة عشر أميرًا من إخوته وأولاده وبني إخوته, وكان اللباني قد استنصر بالشاوية، وبعث إليهم بمال كبير، فأتوه، فلم يطق الحلفاوي مقاومتهم، فأُدخل اللباني مدينة فاس بجموعه، وألويته منشورة على رأسه، وأنزله دار الحرة آمنة بنت السلطان أبي العباس أحمد، فرحل الشاوية عن المدينة، ثم قُبِضَ على اللباني، وأُسلِمَ إلى الحلفاوي، فدخل السلطان أبو زيان فاس الجديد في ربيع الآخر، وبعث بالسلطان أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد إلى الأندلس، فما كان سوى شهر حتى ثار بنو مرين على أبي زيان، وحصروه، وطلبوا الوزير أبا البقاء صالح بن صالح أن يحمل أبا عبد الله محمد المتوكل ابن السلطان أبي سعيد، فقدم الوزير به، واستمرت الحرب أربعة أشهر إلى أن فر أبو زيان ووزيره فارح، وأخذ بنو مرين البلد الجديد، وطلبوا من ابن الأحمر أن يبعث بالسلطان الكبير أبي عبد الله محمد المستنصر بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن، فبعثه إليهم، فملكوه وأطاعوه.
كان البابا بيوس الثاني ترأس اجتماع التحالف الذي عُقد في مدينة ريجنس بورغ في نيسان سنة 858 (1454م) بعد فتح محمد الفاتح القسطنطينية، وعاهدته على حرب العثمانيين ثلاثون دولة في أوربا وآسيا، ففي آسيا تحالفت دولة كرجستان جورجيا، ودولة الخرفان البيض آق قويونلو التركمانية المخالِفة للعثمانيين، والمسيطرة على إيران بزعامة حسن الطويل التتري أوزون حسن، ولكن محمد الفاتح لم يهتز لذلك التحالف، بل صمم على المواجهة، وعدم الخضوع للابتزاز، فبدأت الحرب الكبرى في سنة 867 (3 أبريل 1463م)، فهجم الفرنجة من الغرب مع بقية الأوربيين والبابوية، فتصدى للهجوم الأوربي الصدر الأعظم محمود باشا، ومات البابا في طريقه إلى الحرب سنة 867 (1464م) وخاض السلطان معارك عديدة ضد البندقية، وقاد الفاتح غزوة في صيف سنة 874 (1470م) اجتاح فيها قلاع ومواقع البندقية في بحر إيجة، وفتح جزيرة آغريبوز في بحر إيجة، وحرر الصدر الأعظم كديك أحمد باشا سواحل البحر الأبيض المتوسط التي كانت البندقية تسيطر عليها لمدة ستين ومائتين عامًا، وذلك بعد حصار استمر سبعة عشرة يومًا، وولَّد سقوط هذه الجزيرة أحزانًا كبيرة في أوربا لا تقل عن سقوط القسطنطينية؛ نظرًا لأن سيطرة العثمانيين عليها أتاحت لهم سيطرة كبيرة على سواحل البحر المتوسط؛ لذلك أعدَّت البندقية 14 مؤامرة لاغتيال السلطان حتى تموز سنة 883 (1479م) لكنها لم تنجح.
هو المشيرُ محمد رؤوف باشا بن عبدي باشا الجركسي، قائِدُ الجيش العثماني. ولِدَ في استانبول عام 1832م، وتلقَّى علومَه العسكريَّةَ في الأكاديميَّةِ الحربية في استانبول. شارك في المعارِكِ التي جرت في كُلٍّ مِن البوسنة والقَرم تحت قيادة عمر باشا. التحق بمدرسةِ سانت سير الفرنسية العسكرية، ثم التحَقَ بأركان حربِ الجيش العثماني، وحصل على رُتبة الباشوية. تمَّت ترقيته في عام 1869م إلى رتبة مُشير. تولَّى منصب الوالي في كلٍّ من كريت، وإيشكودرا، وكاستامونو، وبغداد، وسيلانيك والبوسنة. أصبح قائدًا عامًّا للجيش العثماني في أثناء حربِ البلقان في عام 1877م، ونجح في هزيمة الصربِ وحلفائِها أمام مدينة بلغراد. ولَمَّا صدر الدستور العثماني الأول عُيِّن وزيرًا للبحرية العثمانية، وقد أُصيب في إحدى المعاركِ التي كان يخوضُها، فاضطُرَّ الأطباءُ إلى بتر ساقه، ولكنَّه تحامل على نفسِه ولم يترك ميدانَ المعركة، وظلَّ مستمرًّا في قيادته للقوات العُثمانية. وقد قُوبِلَت شجاعته بالتقدير والاحترام، فأنعَمَ عليه السلطان بلقب (سِر عسكر) وهو أكبَرُ ألقاب الدولة العثمانية. عَهِد إليه السلطان العثماني بمهمَّة خاصَّة كسفير خاص فوق العادةِ لدى الإمبراطور ألكسندر الثاني قُبَيل عقد مؤتمر برلين. عاد لتولِّي قيادة الجيش العثماني مرةً أخرى، وظلَّ في هذا المنصب الهامِّ إلى أن توفي عن 82 عامًا. وهو جدُّ الوجيه المصري محمد علي رؤوف، زوج الأميرة فائزة شقيقة الملك فاروق ملك مصر السابق.
هو نوري بن سعيد بن صالح ابن الملا طه، من عشيرة القره غولي البغدادية رئيس حكومة العراق. سياسيٌّ عَسكريُّ المنشأ، فيه دهاء وعنف. ولدَ ببغداد سنة 1306هـ / 1888م، وتعلَّم في مدارسها العسكرية. وتخرَّج بالمدرسة الحربية في الأستانة (1906) ودخل مدرسة أركان الحرب فيها عام 1911م، وحضر حرب البلقان 1912 – 1913م، وشارك في اعتناق "الفكرة العربية" أيام ظهورها في العاصمة العثمانية. فكان من أعضاء جمعية العهد السرية. وقامت الثورة في الحجاز 1916م ولحِقَ بها، فكان من قادةِ جيش الشريف فيصل بن الحسين في زحفه إلى سورية. ودخل قبله دمشق. وآمن بسياسة الإنجليز. فكان المؤيِّدَ لها في البلاط الفيصلي بسورية ثم في العراق، ومجاهرًا بذلك إلى آخر حياته. تولى رئاسة الوزارة العراقية مراتٍ كثيرةً في أيام فيصل وابنه غازي وحفيده فيصل بن غازي، وائتلف مع عبد الإله بن علي: الوصي على عرش العراق في أيام فيصل الثاني. وقامت الثورة في بغداد 14 يوليو 1958م، فكان فيصل وعبد الإله من قتلاها. واختفى نوري يومًا أو يومين، ثم خرج في زيِّ امرأة، فعرفه بعضُ أهل بغداد، فقتلوه، وقيل إنه انتحر عندما اكتشفوه, وله آثارٌ كتابية مطبوعة، منها: أحاديث في الاجتماعات الصحفية، واستقلال العرب ووحدتهم، ومحاضرات عن الحركات العسكرية للجيش العربيِّ في الحجاز وسورية.
قامت إسرائيل بشنِّ غارةٍ على سوريا انتقامًا من الفدائيِّين الذين دخلوا فلسطينَ من الجبهة السورية، وأسقطت بعضَ الطائرات السورية فوق ضواحي دمشق، فأمر جمال عبد الناصر القواتِ المصريَّة أن تزحَفَ إلى سيناء، وطلب إنهاءَ عمل قوات الطوارئ الدوليَّة فيها، وأعلنت مصرُ إغلاقَ خليج العقبة أمامَ السُّفُن الإسرائيلية والسُّفُن التي تحمِلُ البضائع لها، ونصحت روسيا مصر ألَّا تبدأ هي بالهجومِ حتى يكونَ الإسرائيليون هم البادئين، وصدَّق جمال النصيحةَ فباغتةَ اليهود في صباح 27 صفر 1387هـ / 5 حزيران 1967م واستهدفوا المطاراتِ بغاراتٍ خاطفة وما هي إلا ساعة، وغدا الطيرانُ المصري مشلولًا عاجزًا! وجاءت الأوامرُ بالانسحابِ من سيناء، وكان الطيرانُ الإسرائيلي يتصيَّد المنسحبين، وطلبت مصرُ وقف إطلاق النار، وتوقَّفت الحربُ على الجبهة المصرية بعد أن خَسِرَت مصر غزة وسيناء، ودُمِّر ثمانون بالمائة من أسطولها الجوي الذي استغرق بناؤه نحو 15 سنة، ثم التفَّتْ إسرائيلُ على الجبهة الأردنية التي كانت هادئة، فاحتلَّت الضفةَ الغربية، ثم طَلَبت الأردن وقفَ إطلاق النار، فكان ذلك، فاتجَهت إسرائيلُ إلى الجبهة السورية فسقطت الجولان بأيدي اليهود، وتصيَّد اليهودُ الذين انسحبوا بشكلٍ عشوائي، واحتلَّت إسرائيلُ القنيطرة، وتوقَّف القتال، وانتصرت إسرائيلُ على الجبهات الثلاث واحدةً تِلوَ الأخرى!! وتُعرَفُ هذه الحرب في كلٍّ من سوريا والأردن باسمِ نكسة حزيران، وفي مِصرَ باسم نكسة 67، وتسمَّى في إسرائيل "حرب الأيَّام السِّتة".
كانت إنجلترا قد احتلَّت مصر، ولكِنْ مع ذلك بقي الولاةُ عليها من قِبَل الدولة العثمانية، وبقيت تابعةً اسمًا ورسميًّا للدولة العثمانية، ثم بعد أن اندلعت الحرب العالمية الأولى قامت إنجلترا بسبب ظروفِ الحرب بفَرضِ الحماية على مصر لتبعيَّتِها الرسمية للعثمانيين، ولأن العثمانيين وقفوا بجانب ألمانيا ضِدَّ الحلفاء الذين من بينهم إنجلترا، وأعلنت كذلك فَصْلَ مصر عن الدولة العثمانية رسميًّا، وخلعت الخديوي عباس حلمي، وعيَّنَت مكانه حسين كامل، ولقبته بالسلطان نكاية بسلطانِ العثمانيين ومضاهاةً له في سبيل ما لو أعلن سلطانُ العثمانيين الجهادَ، فسيُعلِنُ هذا السلطان الجهادَ، فيتشتت النَّاسُ بين الجهادين أيَّهما يتبعون، ومنعت من الاجتماعات وراقبت الصحفَ وألغت الأحزابَ، وسَخَّرت اقتصاد البلاد لمصلحة الجيش الإنجليزي، وفرضت على الشعب تعبيد الطرق وحفْر الآبار ومدِّ أنابيب المياه.
هو حبيب الله خان عبد الرحمن خان بن محمد أفضل خان بن دوست محمد خان، ولِدَ سنة 1872م، تولى إمارة أفغانستان عام 1901م، وفي عهدِه اعترفت كلٌّ من إنجلترا وروسيا باستقلال بلاد الأفغان، عندما احتلت إيطاليا ليبيا دعا حبيب الله شعبَه لدعم جهاد الليبيين ضِدَّ الاحتلال الإيطالي، وافتتح التبرعاتِ بعشرين ألف روبية، ولَمَّا اندلعت الحرب العالمية الأولى التزم الحيادَ في أفغانستان في الحرب العالمية الأولى، على الرغم من الجهود المضنية التي بذلها السلطان العثماني والألمان لحشد أفغانستان على جانبها. وهذا ما أزعج الأفغانيين الذين قاموا باغتيالِه في 1338هـ، ثم تسلَّم السلطةَ بعده ابنه الثالث أمان الله خان، وتسمى باسم ملك، وحاول التخلصَ من النفوذ الإنجليزي.
على الرغم من تنازُلِ الحسين لابنه علي فإنَّ الوضع في مكة لم يكن يسير لصالحِ الأشراف؛ لذلك غادر علي بن الحسين وحكومته مكةَ عندما تيقَّنوا عدم مقدرتهم منعَ قوات الإخوان عن دخول مكة بعد انهيار قوات الشريف في معركة الهدا. فتمكَّن الإخوان من دخول مكة بأسلحتِهم مُلَبِّين مُحرِمين بعُمرة بدون أي مقاومة تُذكَرُ، وأرسل قائدَا الإخوان سلطانُ بن بجاد وخالد بن لؤي رسائِلَ إلى معتمدِيِ الدول وقناصِلِها في جدة يخبرونَهم بدخولهم مكة، ويستفسرون عن موقِفِهم تجاه الحرب. فتلقَّوا ردًّا من معظم القناصل الأوروبية يُعلِمون سلطان بن بجاد بوقوفهم على الحياد التام إزاء الحرب القائمة في الحجاز، وفي 8 جمادى الأولى وصل الملك عبدالعزيز إلى مكة قادمًا من الرياض، فدخلها محرِمًا وأتاه أهلُ مكة مبايعين.
كان رضا خان بهلوي من ضباط الجيش القاجاري، وسرعان ما أبدى كفاءةً عالية فأصبح قائدًا لفرقة القوزاق، وكان طموحًا جدًّا وفي غاية الذكاء. وكانت البلاد تترنَّح، فصمَّم على إنقاذها، فقام بانقلاب عسكري، وأسقط الوزارة سنة 1340 هـ/1921م وأسندها لسياسيٍّ إيراني شهير هو ضياء الدين طباطبائي، وذلك ليحكُمَ مِن ورائه، وتتوارى أهدافُه الديكتاتورية. فتولى وزارة الحربية ثمَّ رئاسة الوزراء، ثم خطا رضا خان خطوتَه الكبيرة في ربيع الأول عام 1344ه فأسقط الأسرةَ القاجارية، ونصَّب نفسه شاهًا لإيران، وهو أول ملوك الدولة البهلوية في إيران، وامتدت فترة حكمه من 1925 حتى 1941، وغيَّرَ اسم الدولة من فارس إلى إيران، وتنازل عن عرشه عام 1941؛ بسبب رفضه الانحيازَ للحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
تولَّى الأمين زروال رئاسة الجزائر، وقد وُلد بمدينة باتنة عاصمة الأوراس التي شهِدَت اندلاعَ ثورة التحرير، التحَق بجيش التحرير الوطني، وعمرُه لا يتجاوزُ 16سنةً، حيثُ شارَكَ في حرب التحرير بين 1957م – 1962م، وبعد الاستقلالِ تلقَّى تكوينًا عسكريًّا في الاتحاد السوفييتي، ثم في المدرسة الحربية الفرنسية سنةَ 1974م، ممَّا أتاح له تَقَلُّد عدَّة مسؤولياتٍ على مستوى الجيش الوطني الشعبي؛ إذ إنه اختير قائدًا للمدرسة العسكرية بـباتنة، فالأكاديمية العسكرية بـشرشال، ثم تولَّى قيادة النواحي العسكرية، وعُيِّن بعدَها قائدًا للقوات البريَّة بقيادة أركان الجيش الوطني الشعبي، عُيِّن بعد ذلك سفيرًا في رومانيا سنةَ 1990م، ثم وزيرًا للدفاع الوطني في 10 يوليو 1993م، ثم عُيِّن رئيسًا للدولة لتسيير شؤون البلاد طوالَ المرحلة الانتقالية في 30 يناير 1994م.
شَنَّت الفَصائِلُ المُسلَّحةُ الفِلَسطينيَّةُ بقيادةِ (حركة حماس) عمليَّةً عسكريَّةً مباغِتةً وواسِعةً تحتَ اسمِ عمليَّةِ "طوفان الأقصى" اختَرَقت فيها السِّياجَ الحُدوديَّ، وهاجمَت من عِدَّةِ نِقاطٍ المُستوطَناتِ والثُّكْناتِ الإسرائيليَّةَ في مِنطَقةِ غِلافِ غَزَّةَ، واحتجزَت عَدَدًا من المُستوطنينَ والجنودِ رهائِنَ مِن أجلِ عَمَليَّاتِ تبادُلِ الأسرى؛ قامت بعَدهَا دَولةُ الاحتلالِ الإسرائيليِّ -وبِدَعمٍ أمريكيٍّ وغَربيٍّ واسِعٍ- بإعلانِ الحَربِ على قِطاعِ غَزَّةَ، وتنفيذِ هَجَماتٍ عَنيفةٍ ووَحشيَّةٍ استمَرَّت مدَّةً زمنيَّةً طويلةً مارست خِلالَها جرائِمَ حَربٍ عديدةً، وقَطْعًا لإمداداتِ المياهِ والغذاءِ والدَّواءِ، وأدَّت إلى إبادةٍ جماعيَّةٍ لسُكَّانِ غَزَّةَ، وقَتلِ النِّساءِ والأطفالِ، ودمارِ المساجِدِ والمدارِسِ والمُستَشفياتِ، وهَدَمِ المنازِلِ على ساكِنيها من المدنيِّينَ، وجُوبِهَت بمقاوَمةٍ شَرِسةٍ مِن الفَصائِلِ المُسلَّحةِ الفِلَسطينيَّةِ
لم يكتَفِ بيبرسُ الجاشنكيري بمُلكِ مِصرَ، بل ذهب يطلُبُ مِن الملك الناصِرِ المخلوعِ ما بيَدِه في الكرك، وذلك بتحريضِ وتخويفِ الأمراء له من الناصِرِ، فأصبح يريدُ أن يجرِّدَ النَّاصِرَ مِن كُلِّ شَيءٍ، فكان هذا من أسبابِ عَودةِ النَّاصِرِ لطَلَبِ المُلك، حيث حَبَس الناصِرُ مغلطاي رسولَ المظَفَّر بيبرس الذي جاء لأخذِ باقي أموالِ ومماليك الناصِرِ من الكرك، فخاف المظَفَّر بيبرس من ذلك، واشتهر بالدِّيارِ المِصريَّة حركةُ الملك الناصر محمَّد وخروجه من الكرك، فماجت النَّاسُ، وتحرك الأميرُ نوغاي القبجاقي، وكان شجاعًا مِقدامًا حادَّ المزاجِ قَوِيَّ النفس، وكان من ألزامِ الأمير سلار النائب، وتواعَدَ مع جماعةٍ مِن المماليك السلطانية أن يَهجُمَ بهم على السُّلطانِ الملك المظَفَّر إذا رَكِبَ ويَقتُلَه، فلما ركبَ المظَفَّر ونزل إلى بركةِ الجُبِّ استجمع نوغاي بمن وافقه يريدون الفَتكَ بالمظَفَّر في عودِه من البركة، وتقرب نوغاي من السلطانِ المظَفَّر بيبرس قليلًا قليلًا، وقد تغيَّرَ وجهُه وظهر فيه أماراتُ الشَّرِّ، ففطن به خواصُّ المظفر وتحَلَّقوا حول المظفر، فلم يجِدْ نوغاي سبيلًا إلى ما عزم عليه، وعاد المَلِكُ المظفر إلى القلعة فعَرَّفه ألزامه ما فَهِموه من نوغاي، وحَسَّنوا له القبضَ عليه وتقريرَه على من معه، فاستدعى المَلِكُ المظفَّر الأميرَ سلار وعرَّفه الخبَرَ، وكان نوغاي قد باطَنَ سلار بذلك، فحَذَّر سلار المَلِكَ المظَفَّر وخَوَّفَه عاقبةَ القَبضِ على نوغاي، وأن فيه فسادَ قلوب جميع الأمراء، وليس الرأيُ إلَّا الإغضاء فقط، وقام سلار عنه، فأخذ البرجيَّة بالإغراء بسلار وأنه باطَنَ نوغاي، ومتى لم يقبِضْ عليه فسد الحالُ، وبلغ نوغاي الحديثُ، فواعد أصحابَه على اللَّحاقِ بالملك الناصر، وخرج هو والأميرُ مغلطاي القازاني الساقي ونحو ستين مملوكًا وقت المغرب عند غَلقِ باب القلعة في ليلةِ الخميس خامس عشر جمادى الآخرة من هذه السنة، وقيلَ في أمر نوغاي وهروبِه وجهٌ آخَرُ، ثم أرسل خَلفَهم المَلِكُ المظَفَّر بيبرس مَن يعيدُهم، ولكن لم يَقدِروا عليهم وعادوا إلى مصر، أمَّا هؤلاء لَمَّا وصلوا إلى الناصر محمد وأعلموه بالأمرِ قَوِيَ في نفسه الرجوعُ للمُلكِ، فكاتب النوابَ فأجابوه بالسَّمعِ والطَّاعةِ، وأخذ المَلِكُ النَّاصِرُ في تدبيرِ أمرِه، وبينما المظَفَّر في ذلك ورد عليه الخبَرُ من الأفرم بخروجِ المَلِك الناصِرِ مِن الكرك، فقَلِقَ المظَفَّر من ذلك وزاد توَهُّمه؛ ونفَرَت قلوبُ جماعةٍ مِن الأمراء والمماليك منه، وخَشُوا على أنفُسِهم، واجتمع كثيرٌ من المنصوريَّة والأشرفيَّة والأويراتية وتواعدوا على الحَربِ، وأمَّا الملك المظَفَّر بيبرس هذا فإنَّه أخذ في تجهيزِ العساكِرِ إلى قتال المَلِك الناصِرِ محمد بن قلاوون حتى تمَّ أمرُهم وخرجوا مِن الدِّيارِ المِصريَّة في يوم السَّبتِ تاسِعَ شهر رجب وعليهم خمسةُ أمراء من مُقَدَّمي الألوفِ، فلم يكُنْ إلَّا أيامٌ وورد الخبر ثانيًا بمسير الملك الناصِرِ محمد من الكرك إلى نحو دمشق، فتجهَّزَت عسكر المظَفَّر بيبرس في أربعة آلاف فارس وخرجوا من القاهرة في العشرين من شعبان إلى العبَّاسة، ثمَّ إنَّ المظَفَّر أخذَ عَهدًا من الخليفة العباسي بمصر أنَّه هو السلطانُ، ولكن قَدِمَ عليه الخبَرُ في خامس عشرين شعبان باستيلاء الملك الناصر على دِمشقَ بغيرِ قِتالٍ، فعَظُمَ ذلك على المَلِك المظفَّر وأظهر الذِّلَّة، وخرجت عساكِرُ مِصرَ شيئًا بعد شيءٍ تريد المَلِكَ الناصِرَ حتى لم يبقَ عنده بالدِّيارِ المصريَّة سوى خواصِّه من الأمراء والأجناد، فلما كان يوم الثلاثاء سادس عشر رمضان استدعى الملِكُ المظَفَّر الأمراءَ كُلَّهم واستشارهم فيما يفعل، فأشار الأمير بيبرس الدوادار المؤرخ والأمير بهادر آص بنزوله عن المُلكِ والإشهادِ عليه بذلك كما فعله المَلِكُ الناصر، وتسير إلى الملك الناصر بذلك وتَستَعطِفُه، وتخرُجُ إلى إطفيح بمن تثِقُ به، وتقيمُ هناك حتى يَرِدَ جوابُ الملك الناصِرِ عليك فأعجبه ذلك، وقام ليجَهِّزَ أمْرَه، وبعث بالأميرِ بيبرس الدوادار إلى المَلِك الناصر محمد يُعَرِّفه بما وقع، وقيل إنه كتب إلى الملك الناصر يقولُ: " والذي أعَرِّفُك به أني قد رجعت أقلِّدُك بغيك؛ فإن حبستَني عددتُ ذلك خلوةً، وإن نفيتَني عددتُ ذلك سياحةً، وإن قتلتَني كان ذلك لي شهادةً" فلما سمع الملك الناصر ذلك، عَيَّنَ له صهيون ثمَّ اضطربت أحوالُ المظَفَّر بيبرس وتحَيَّرَ، وقام ودخل الخزائِنَ، وأخذ من المال والخيل ما أحَبَّ، وخرج من يومِه مِن باب الإسطبل في مماليكِه وعِدَّتُهم سبعُمائة مملوك، ومعه من الأمراءِ عِدَّةٌ، وعَلِمَت العوام بذلك فأخذوا باللَّحاقِ بهم وضَرْبِهم، وفي يوم الجمعة تاسع عَشَرِه خُطِبَ على منابر القاهرة ومِصرَ باسمِ الملك الناصر، وأُسقِطَ اسمُ الملك المظفر بيبرس هذا وزال مُلكُه، ولما فارق القلعةَ أقام بإطفيح يومين؛ ثم اتَّفَق رأيه ورأي أيدمر الخطيري وبكتوت الفتاح إلى المسير إلى بُرقة، وقيل بل إلى أسوان، ثم أمر الناصِرُ بإحضاره.