خرج عبد الرحمن بن الأمير محمَّد إلى حصون ألبة والقلاع؛ وكان القائِدُ عبد الملك بن العباس؛ فافتتَحها، وقتَل الرجال، وهدَمَ البُنيان؛ وانتقل في بسائطِها من موضع إلى موضع يحطِمُ الزروع، ويقطَعُ الثمار. وأخرج أردون بن إذفونش أخاه إلى مضيق الفجِّ ليقطع بالمُسلمين، ويتعرَّضَهم فيه؛ فتقَدَّم عبد الملك فقاتَلَهم على المَضِيقِ، حتى هزمهم وقتَلَهم وبدَّدَهم؛ ثم وافَتْهم بقيَّة العساكر، وأظلَّتهم الخيلُ من كل الجهات؛ فصبر أعداءُ الله صبرًا عظيما؛ ثم انهزموا. ومنح الله المسلمينَ أكتافَهم، فقُتِلوا قتلًا ذريعًا، وقُتِل لهم تسعة عشر قومسًا من كبار قوَّادهم.
بعدَ وفاة أبو تاشفين الثاني عبد الرحمن بن أبي حمو موسى سلطان بني زيان، قام بالأمرِ بَعدَه ابنُه أبو ثابت يوسف، ولكِنَّ عَمًّا لأبي تاشفين يدعى أبا الحجَّاج يوسف قام فنزع السُّلطةَ من ابن أخيه، واحتل تلمسان عاصمةَ دولة بني زيان، فكان هذا الاختلافُ أكبَرَ فُرصة لبني مرين الذين لم يتركوا الفرصةَ تَمُرُّ عليهم، بل قاموا باحتلالِ تلمسان وإلحاق الدولة الزيانية بدولتِهم، وقاموا بتولية أبي محمد عبد الله بن أبي حمو الزياني عاملًا لهم على تلمسان.
طلب السلطان القضاة والأمراءَ فعهد إلى ولده الأمير أحمد بالسلطة من بعده، ومولده في ثاني جمادى الأولى من السنة الماضية، وله من العمر سبعة عشر شهرًا وخمسة أيام، وجعل الأمير الكبير ألطنبغا القرمشي القائِمَ بأمره، وأن يقومَ بتدبير الدولة, ثم أحضر القرمشي من حلب الأمراء الثلاثة، وهم: قجقار القردمي، وتنبك ميق، وططر، وحلفوا على ذلك، ثم حلف المماليك من الغد، ثم في ذي الحجة أثبت عهد الأمير أحمد ابن السلطان المؤيد، على قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن التفهني الحنفي، بالسلطنة، ثم نفذ على بقية القضاة.
هو الشَّيخُ العلَّامةُ الإمامُ الحافِظُ فَريدُ العَصرِ وشَيخُ الزَّمانِ، وإمامُ النُّحاةِ: أثيرُ الدين أبو حيَّان محمَّد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الغرناطي المغربي المالكيُّ ثمَّ الشافعيُّ شَيخُ البلاد المصريَّة، مَولِدُه بغرناطة في أُخريات شوال سنة 654. قرأ القرآنَ بالرِّوايات، واشتغَلَ وسَمِعَ الحديثَ بالأندلس وإفريقيَّة والإسكندريَّة والقاهرة والحجاز، وحصَّل الإجازاتِ من الشام والعراق، واجتهد في طَلَب العلم، حتى بَرَع في النحو والتصريفِ، وصار فيهما إمامَ عَصرِه، وشارَكَ في علوم كثيرة، وكان له اليَدُ الطولى في التفسيرِ والحديثِ، والشروط والفروع، وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم، خصوصًا المغاربةَ، وهو الذي جسَّرَ النَّاسَ على مُصَنَّفاتِ ابنِ مالك، ورَغَّبَهم في قراءتِها، وشَرَحَ لهم غوامِضَها، ومن أشهر مُصَنَّفاته: البحر المحيط وهو تفسيره للقرآن، ثم اختصره وسَمَّاه النهر، وله كتاب في التراجم اسمه مجاني العصر، وله تحفة الأريب في غريب القرآن، وله طبقات نحاة الأندلس، توفِّيَ في القاهرة عن 91 عامًا، وهو غيرُ أبي حيان التوحيدي الفيلسوف الصوفي المُلحِد الذي توفِّيَ سنة 414.
لَمَّا دخلت الدَّولةُ العُثمانيةُ في عِدَّةِ حُروبٍ في آنٍ واحدٍ مع الروسِ واليونانيِّين والبلغار والرومان والأرمن واليوغسلاف، أصبحت عاجزةً عن حمايةِ ولاياتِها وفَرْضِ النظامِ والتحَكُّمِ في الولاةِ الذين صاروا يَنصِبون ويَعزِلون حسَبَ نزواتِ الجُندِ في جوٍّ مشحون بالمؤامراتِ والعُنفِ. وفي كثيرٍ مِن الأحيان لم يبقَ الوالي في منصِبِه أكثَرَ مِن عام واحد، حتى إنه في الفترة ما بين سنة (1672 م-1711 م) تولى الحُكمَ أربعة وعشرون واليًا في ليبيا! ولقد مرَّت ليبيا بأوقاتٍ عصيبة عانى الليبيُّون فيها الويلاتِ نتيجةً لاضطراب الأمنِ وعدم الاستقرار، وفي هذه السَّنةِ قاد أحمد القره مانلي ثورةً شعبيةً أطاحت بالوالي العثماني، وكان أحمدُ هذا ضابطًا في الجيش العثماني، فقَرَّر تخليصَ ليبيا من الحكَّامِ الفاسدين ووضْعَ حدٍّ للفوضى، ولَمَّا كان شعب ليبيا قد ضاق ذَرعًا بالحُكمِ الصارمِ المستَبِدِّ، فقد رحَّب بأحمد القره مانلي الذي تعهَّد بحُكمٍ أفضَلَ، وقد وافق السلطانُ على تعيينه باشا على ليبيا، ومنحه قدرًا كبيرًا مِن الحُكمِ الذاتي، ولكِنَّ القره مانليين كانوا يعتبرون حتى الشؤون الخارجيَّة من اختصاصاتِهم.
في يوم الثلاثاء خامس عشر شوال قُبِضَ على رجل ادَّعى النبوة، وأنه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم الأميُّ، وأنه مُصَدِّقٌ بنبُوَّة نبيِّنا، وزعم أنَّ حروف القرآن تَنطِقُ له مع أنه أمي، وأن الذي يأتيه بالوحيِ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل، ورضوان ومالك ودرديائيل، وزعم أنه عربيٌّ من مصر، وأنه أُرسِلَ بقَتلِ الكفرة، وأن الترك يحَكِّمونه ويملكونه عليهم، وأنَّه أُنزِلَ عليه القرآن فسُجِنَ عند المجانين بالمارستان، ثم أخرجه الأميرُ بركة وسأله عن نبوَّتِه، فأخبره، فأمَرَ به فضُرِبَ حتى رجع عن قوله، ثم أُفرِجَ عنه بعد أياَّم، وقد كان يتلو من قرآنِه لنَفسِه به، ثمَّ فُقِدَ بعد ذلك.
عزَلَ الإنجليزُ السلطانَ بهادر شاه الثاني عن الحُكمِ في الهند، ونَفَوه خارج البلاد, وهو آخِرُ سلاطين الدولة الإسلامية التي حكَمَت بلاد الهند، وبعَزلِه انتهى الحكمُ الإسلامي في الهند بعد أن استمَرَّ فيها ثمانية قرون ونصف قرن. كما يعتبر بهادرُ شاه الثاني آخِرَ حكام بني تيمور في الهند، وقد استمر حُكمُ بني تيمور في الهند قرابةَ ثلاثة قرون، وباستعمار الإنجليز بلادَ الهند عانت الهند من تعسُّفِ الإنجليز وظُلْمِهم وطغيانِهم، واستنزفت الشركةُ البريطانية ثرواتِ هذه البلادِ واستعبدت أهلَها، وأسفر ذلك في النهايةِ عن ثورة وطنية ضِدَّ هذا الظلم وذلك الإجحافِ.
أهلَّت هذه السنة وخليفةُ الوقت المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله أبي عبد الله محمد، وليس له من الخلافة إلا مجرد الاسم بلا زيادة. وسلطانُ مصر والشام والحجاز الملِكُ الأشرف برسباي الدقماقي، والأمير الكبير الأتابك قجق، والدوادار الكبير صاحب الأمر والنهي في الدوادارية بل في سائر أمور الدولة, وأمير سلاح أينال النوروزي، وأمير مجلس أينال الجكمي، وأمير أخور جقمق، ورأس نوبة تغري بردي المحمودي، وحاجب الحجاب جرباش قاشق، وأستادار صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، وناظر الخاص الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، والوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن الوزير تاج الدين عبد الرزاق ابن كاتب المناخ، وكاتب السر نجم الدين عمر بن حجي الدمشقي، وناظر الجيش زين الدين عبد الباسط بن خليل، وليس لأحد في الدولة تصرُّف غير السلطان برسباي والأمير جانبك الدوادار، والقضاة: الشافعي: شمس الدين محمد الهروي. والقاضي الحنفي: زين الدين عبد الرحمن التفهني، وقاضي القضاة المالكي: شمس الدين محمد البساطي، والقاضي الحنبلي: علاء الدين علي بن مغلي، ونائب الشام سودن بن عبد الرحمن، ونائب حلب شار قطلوا، ونائب حماة جلبان أمير أخور، ونائب طرابلس قصروه، ونائب صفد مقبل الدوادار، ونائب الإسكندرية أقبغا التمرازي، وبمكة الشريف علي بن عنان والأمير قرقماس.
بعَث الحَجَّاجُ كِتابًا إلى المُهَلَّب وعبدِ الرَّحمن بن مِخْنَف يأمرُهما بِمُناهَضة الخَوارِج، فزَحَفوا إليهم وقاتلوهم شيئًا مِن قِتالٍ، فانْهَزمت الخَوارِج كأنَّهم على حامِيَة، ولم يكُن منهم قِتالٌ، وساروا حتَّى نَزلوا كازَرُون، وسار المُهَلَّبُ وابنُ مِخْنَف حتَّى نزلوا بهم، وخَنْدَقَ المُهَلَّبُ على نَفسِه، وقال لابن مِخْنَف: إن رأيتَ أن تُخَنْدِقَ عليك فافْعَل. فقال أصحابُه: نحن خَنْدَقْنا سُيوفَنا, فأتى الخَوارِجُ المُهَلَّبَ لِيُبَيِّتُوه فوجدوه قد تَحَرَّزَ، فمالوا نحو ابن مِخْنَف فوجدوه لم يُخَنْدِق فقاتلوه فانهزم عنه أصحابُه، فنزَل فقاتَل في أُناسٍ مِن أصحابِه, فقُتِلَ وقُتِلوا حوله كُلُّهم.
لَمَّا توفِّيَ الحَكَمُ بنُ عبد الرحمن بويعَ بخلافةِ الأندلُسِ ابنُه هشامٌ المؤيَّدُ بالله، وله يومئذٍ عشرُ سنينَ أو نحوها، بإشارة الوزراء والقُوَّاد, واختلفت البلادُ في أيامه، فأخذه حاجِبُه ابنُ أبي عامرٍ وحَبَسه، وحَجَبه عن النَّاسِ، فلم يكن أحدٌ يراه ولا يصل إليه، وقام المنصورُ أبو عامر بأمر الدولة القيامَ المَرضِيَّ، وعدل في الرعيَّة، وأقبلت الدُّنيا إليه، واشتغل بالغَزوِ، وفتحَ مِن بلاد الأعداءِ كثيرًا، وامتلأت بلادُ الأندلس بالغنائم والرقيق، وأدام اللهُ له الحالَ ستًّا وعشرين سنة، غزا فيها اثنتينِ وخمسينَ غَزاةً ما بين صائفةٍ وشاتيةٍ.
جهَّز أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد صاحب تونس وبلاد إفريقية وملك الحفصيين ابنَه المعتمد أبا عبد الله محمدًا، من بجاية في عسكر إلى مدينة تلمسان، فحارب مَلِكَها أبا عبد الله عبد الواحد بن أبي محمد عبد الله بن أبي حمو موسى ملك بني زيان حروبًا كثيرة، حتى ملكها في جمادى الآخرة، وخطب لنفسه ولأبيه، فزالت دولة بني عبد الواد من تلمسان بعدما ملكت مائة وثمانين سنة، وولَّى على تلمسان الأمير الزياني محمد بن أبي تاشفين عبد الرحمن الثاني.
بعدَ الانقلابِ على شيخ مجيب الرحمن واغتيالِه في أغسطس تولَّى رئاسة بنغلاديش مشتاق أحمد، وفي 29 شوال / 3 تشرين الثاني قام انقلابٌ ضدَّه بعد أن بقي في الرئاسة فقط ثلاثةَ أشهرٍ، وقاد الانقلابَ العميدُ خالد مشرف الذي أُحضر منَ الهندِ، وكان قائدًا سابقًا لحاميةِ دكا ويوالي الهند، وكان قد عُيِّن رئيسًا لهيئة الأركان، ولكنَّه لم يتولَّ السلطة سوى أربعةِ أيامٍ حتى حدث انقلابٌ آخر أقصاه عن الرئاسةِ، واستولى على السلطةِ ثلاثةُ رؤساء هيئة الأركان، ثم ولَّوْا عليهم رجلًا غيرَ سياسيٍّ هو عبد الستار محمد صايم رئيس قضاة المحكمةِ العليا.
هو ثابتُ بنُ سِنانِ بنِ ثابتِ بن قُرَّة بن مروان، أبو الحسن الحرَّانيُّ الأصلِ الصَّابئُ، ثم البغدادي الطبيبُ المؤرِّخُ. كان يلحَقُ بأبيه في صناعةِ الطِّبِّ، وجَدُّه هو ثابت بن قرة الصابئ فيلسوفُ عَصرِه, وكان صيرفيًّا، يتوقَّدُ ذَكاءً، فبرع في علمِ الأوائل وصار منجِّمَ المعتَضِد, وكان أخوه إبراهيمُ بنُ سنان من الأذكياءِ البارعين في صناعة الطب. صنف أبو الحسَنِ ثابت بن سنان تاريخًا كبيرًا على الحوادث والوقائع التي تَمَّت في زمانه من سنة 295 بداية عهد المُقتَدِر إلى حين وفاتِه، وقد أحسن فيه، وخدَمَ بالطِّبِّ الراضيَ بالله وجماعةً مِن الخلفاء قبله, وكان أبو الحسن ببغداد في أيَّامِ مُعِزِّ الدولة بنِ بُوَيه طبيبًا عالِمًا نبيلًا، يُقرأُ عليه كُتُب بقراط وجالينوس، وقد سلك مسلَك جَدِّه ثابت بن قرة في نَظَرِه في الطبِّ والفلسفةِ والهندسة وجميع الصناعات الرياضيَّة للقدماء. قال عن نفسه: "أنه كان وولدُه في خدمة الراضي بالله، وأنَّه خدم بصناعةِ الطِّبِّ المتَّقيَ بنَ المقتدر بالله، وخدم أيضًا المستكفيَ بالله والمطيعَ لله, وفي سنة 313 قلَّدَني الوزيرُ الخاقاني البيمارستانَ الذي اتخَذَه ابنُ الفُرات بدرب المفضل " وكان ثابت بن سنان خالَ هلالِ بنِ المحسن بن إبراهيم الصابئ الكاتِبِ البليغِ, قال الذهبي: "إن ثابت بن قُرَّة إليه المُنتَهى في علوم الأوائل، حَقِّها وباطِلِها. صنَّفَ تصانيفَ كثيرةً, وكان بارعًا في فن الهيئة والهندسة. وله عَقِبٌ ببغداد على دينِ الصابئة. فكان ابنُه إبراهيم بن ثابت رأسًا في الطب، وأمَّا حفيده صاحب التاريخ المشهور ثابت بن سنان فكان أيضًا علَّامة في الطبِّ تَركَنُ النفسُ إلى ما يؤرِّخُه. مات على كُفرِه".
اقتَسَم أصحابُ الأطرافِ والرُّؤَساءُ حُكمَ بلادِ الأندلُسِ، وصاروا طوائِفَ مُتناحِرةً، فقُرطبةُ استولى عليها أبو الحَسَنِ بنُ جهور، وكان مِن وزراء الدَّولة العامريَّة، وبقِيَ كذلك إلى أن مات سنةَ خمسٍ وثلاثين وأربعِمِئَة، وقام بأمِرِ قُرطبةَ بَعدَه ابنُه أبو الوليد مُحمَّدُ بنُ جهور، وأمَّا إشبيليَّةُ فاستولى عليها قاضيها أبو القاسمِ مُحمَّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ عَبَّاد اللخمي. لَمَّا انقَسَمَت مملكةُ الأندلُسِ، شاع أنَّ المؤيَّدَ هشامَ بنَ الحَكَمِ الذي اختفى خبَرُه قد ظهر وسار إلى قلعةِ رباح، وأطاعه أهلُها، فاستدعاه ابنُ عَبَّاد إلى إشبيليَّة، فسار إليه وقام بنَصرِه، وأمَّا بطليوس فقام بها سابورُ الفتى العامريُّ، وتلقَّبَ سابور بالمنصورِ، ثم انتَقَلت من بعدِه إلى أبي بكر مُحمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ مَسلَمةَ، المعروفِ بابنِ الأفطس، وتلَقَّبَ بالمظَفَّر، وأصلُ ابنِ الأفطَسِ مِن بربر مِكناسة، وأمَّا طُلَيطِلةُ فقام بأمْرِها ابنُ يعيشَ، ثمَّ صارت إلى إسماعيلَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عامر بنِ ذي النون، وتلَقَّب بالظَّافِرِ بحَولِ الله، وأصلُه من البربَرِ، ثمَّ ملَكَ بعدَه ولَدُه يحيى بنُ إسماعيلَ، ثُمَّ أخَذَت الفِرنجُ منه طُلَيطِلةَ في سنة 477، وصار هو ببلنسيَّة، وأقام هو بها إلى أن قتَلَه القاضي ابنُ جحاف الأحنف. وأمَّا سَرقَسطة والثَّغرُ الأعلى، فصارت في يدِ مُنذِرِ بنِ يحيى، ثمَّ صارت سَرقَسطة وما معها بعدَه لوَلَدِه يحيى بنِ مُنذِر بن يحيى، ثم صارت لسُليمانَ بنِ أحمَدَ بنِ مُحمَّد بن هود الجذاميِّ، وتلقَّبَ بالمُستعين بالله، وأمَّا طرطوشة فوَلِيَها لَبيبُ بنُ الفتى العامريِّ. وأمَّا بلنسيَّة فكان بها المنصورُ أبو الحَسَنِ عبدُ العزيز المغافري، ثم انضاف إليه المريةُ، ثمَّ مَلكَ بعدَه ابنُه مُحمَّدُ بنُ عبدِ العزيز، ثم غَدَرَ به صِهرُه المأمونُ بنُ ذي النُّون، وأخَذَ المُلكَ مِن محمَّدِ بنِ عبدِ العزيز في سنة 457. وأمَّا السَّهلةُ فمَلَكَها عَبُّود بنُ رزين، وأصلُه بربري. وأمَّا دانية والجزائرُ فكانت بيَدِ المُوفَّقِ بنِ أبي الحُسَينِ مُجاهِد العامريِّ. وأمَّا مرسيَّةُ فوَلِيَها بنو طاهرٍ، واستقامت لأبي عبدِ الرَّحمنِ منهم، إلى أن أخَذَها منه المُعتَمِدُ بنُ عباد. ثمَّ عصى بها نائبُها عليه، ثمَّ صارت للمُلَثَّمين. وأمَّا المرية فمَلَكَها خيران العامريُّ، ثم ملك المريةَ بعدَه زُهَيرٌ العامريُّ، واتسَعَ مُلكُه إلى شاطبة، ثمَّ قُتِلَ وصارت مملكَتُه إلى المنصورِ عبدِ العزيز بن عبد الرَّحمنِ المنصورِ بنِ أبي عامر، ثمَّ انتقَلَت حتى صارت للمُلَثَّمينَ, وأمَّا غِرناطةُ فمَلَكَها حبوسُ بنُ ماكس الصِّنهاجيُّ, وأمَّا مالقة فمَلَكَها بنو عليِّ بنِ حَمُّود العَلَويُّ، فلم تَزَلْ في مَملكةِ العَلَويِّينَ يُخطَبُ لهم فيها بالخِلافةِ، إلى أن أخَذَها منهم باديسُ بنُ حبوس صاحِبُ غرناطة. فهذه صورةُ تَفَرُّقِ ممالكِ الأندلُسِ، بعد ما كانت مُجتَمِعةً لخُلَفاءِ بني أمَيَّةَ.