هو نقيبُ العَلَويِّينَ، أبو الحسَنِ محمَّدُ بنُ الحُسَينِ بنِ موسى بنِ مُحمَّد بنِ إبراهيم بن موسى الكاظمِ الحُسيني المُوسَوي البغدادي الشِّيعي، الشاعِرُ المُفلِق، الذي يقالُ: إنَّه أشعَرُ قُرَيشٍ، قال ابنُ خَلِّكانَ: "هو أشعَرُ الطالبيِّينَ مَن مضى منهم ومَن غَبَر، على كثرةِ شُعَرائِهم المُفلِقينَ، ولو قُلتُ: إنَّه أشعَرُ قُرَيشٍ لم أُبعِدْ عن الصِّدقِ". وُلِدَ ببغداد سنة 359ه، وتعلَّمَ فيها وبرَعَ في اللُّغةِ والأدَبِ والفِقهِ، وابتدأ بنَظمِ الشِّعرِ وله عشرُ سنين، وكان مُفرِطَ الذَّكاءِ، ولَّاه بهاءُ الدَّولة البُويهيُّ نقابةَ الطَّالبيِّينَ وسَمَّاه الشَّريفَ الرَّضيَّ، كان أبوه يتولَّى نقابةَ نُقَباءِ الطَّالبيِّينَ، ويحكُمُ فيهم أجمعين، والنَّظَر في المظالم، ثمَّ رُدَّت هذه الأعمالُ كُلُّها إلى ولَدِه الرَّضِيِّ في سنة 388 وأبوه حيٌّ. له أشعارٌ وتصانيفُ، منها: معاني القرآن، ومجاز القرآن، وهو الذي وضَعَ كتابَ نَهجِ البَلاغةِ الذي فيه الخُطَبُ التي تُنسَبُ لعليِّ بن أبي طالبٍ رَضيَ الله عنه، له ديوانٌ في أربَعِ مُجَلَّدات, توفِّيَ ببغداد عن 47 عامًا في الخامِسِ مِن مُحَرَّم، وكانت جنازتُه مشهودةً، ودُفِنَ بداره بمسجِدِ الأنباريِّ.
وصل مَلِكُ الرُّومِ إلى الشَّامِ وخافه النَّاسُ خَوفًا عظيمًا، وقصَدَ بزاعةَ فحَصَرها، وهي مدينةٌ قَريبةٌ مِن حَلَب، فمضى جماعةٌ مِن أعيانِ حَلَب إلى أتابك زنكي وهو يحاصِرُ حمص، فاستغاثوا به واستنصَروه، فسَيَّرَ معهم كثيرًا من العساكِرِ، فدخلوا إلى حَلَب ليَمنَعوها من الرُّومِ إن حَصَروها، ثمَّ إنَّ مَلِكَ الرومِ قاتل بزاعة، ونَصَب عليها منجنيقاتٍ، وضَيَّق على مَن بها فمَلَكَها بالأمانِ في الخامسِ والعشرينَ مِن رَجَب، ثم غدَرَ بأهلِها فقَتَل منهم وأسَرَ وسَبى، وكان عِدَّةُ مَن جُرِحَ فيها مِن أهلِها خَمسةُ آلافٍ وثمانمئة نفسٍ، وتنصَّرَ قاضيها وجماعةٌ مِن أعيانها نحو أربعمئة نفس؛ خوفًا مِن القَتلِ, فلِلَّهِ الأمرُ، وأقام الرومُ بعد مُلكِها عشرةَ أيَّامٍ يتطَلَّبونَ مَن اختَفى، فقيل لهم: إنَّ جَمعًا كثيرًا مِن أهلِ هذه الناحيةِ قد نزلوا إلى المغاراتِ، فدخنوا عليهم، وهَلَكوا في المغاوِرِ، "وبلغ خبَرُ احتلالِ الرومِ بزاعةَ، وقتْلِهم الذكورَ وسبْيِ النِّساءِ والصِّبيان، فاستنفر النَّاسُ السُّلطانَ للدِّفاعِ عن المُسلِمينَ في الشام، ومنعوا الخُطبةَ والخُطَباء ببغداد وقَلَعوا طوابيقَ الجوامِعِ
عندما تحقَّق للإمام سعود أنَّ آل خليفة أهل البحرين والزبارة يقع منهم بعض المخالفات, فخاف أن يقع أكبَرُ من ذلك, فأرسل إليهم جيشًا واستعمل عليه الأميرَ محمد بن معيقل, ثم أتبعه بعبد الله بن عفيصان واجتمعوا ونزلوا عند الزبارة المعروفة عند البحرين، فأقاموا فيها قريبَ أربعة أشهر حتى رجع الإمام سعود من الحجِّ، فأرسل أمراءَ جيشه إلى آل خليفة يأمرونهم أن يَفِدوا على سعود فساقوهم كرهًا، فقَدِموا عليه في الدرعية، وهم الأمير سلمان بن أحمد بن خليفة، وأخوه عبد الله، وعبد الله بن خليفة وأبناؤهم، ومعهم كليب البجادي وغيره من أعوانهم, ورؤساء رعيتهم، فلما قَدِموا قرَّرَ عليهم سعود ما حدث منهم, ثمَّ اعتقل رؤساءَهم وردَّ أبناءَهم وبقيَّةَ الرعية إلى بلادهم, وكان سعودٌ لما قبض عليهم أخذ جميعَ خيلهم ونجائبهم وغير ذلك من الشوكة لهم في البحرين، والزبارة، ثم أمر فهدَ بن سليمان بن عفيصان أن يعبر إلى البحرين ضابطًا له، وجعله في بيت المال، ثم إنَّ أبناء آل خليفة نقلوا أكثر نسائِهم وأموالهم في السُّفن، ثم هربوا من الزبارة.
كان لواء إسكندرون ضِمنَ المناطق الزرقاء التي تشمل سواحل بلاد الشام الشمالية، والتي أعطتها معاهدةُ سايكس بيكو إلى فرنسا، وكانت كذلك كيليكيا بيد فرنسا، فرغبت أن يكون لها قناة تواصُل مع الأتراك، كما للإنجليز فأعطت فرنسا -بعد مفاوضات- كيليكيا لتركيا، ورسمت الحدودَ بين سوريا وتركيا؛ حيث كان لواء إسكندرون في الأرض الشامية، ورَغِبَ مصطفى كمال في إظهار الإخلاص لأمَّتِه، فرفع طلبًا للأمم المتحدة لحَلِّ النزاع القائم بين سوريا ممثلةً بفرنسا، وبين تركيا؛ وذلك أن فرنسا تحتَلُّ لواء إسكندرون وأكثر سكانه من الأتراك، فاستجابت عصبةُ الأمم فأرسلت لجنة إلى إسكندرون، وأجرت الاستفتاءَ واتصلت بالسكَّان، وتعرفت على رغباتِهم، ومع أنَّ الاستفتاء أظهر أن نسبة الأتراك لا تزيد عن 35 % من السكَّان في اللواء إلا أنَّها أوصت بضَمِّه إلى تركيا، فتنازلت فرنسا عنه لصالح تركيا، وهو نوع من المداهنة الدولية لكسب تركيا في طرف الحُلَفاء وسَحْبِها إليهم بدَلَ أن تبقى في طرف الخصم ألمانيا، وأعطيَ اللواء استقلالًا ذاتيًّا من فرنسا وجُعِلَ تحت النفوذ التركي في 7 شوال 29 نوفمبر وأسمى الأتراكُ اللواءَ باسمِ هاتاي.
أعاد الحزبُ الشيوعي في أندونيسيا تنظيمَ نفسه مجدَّدًا بعد أن فَشِلَت ثورته الأولى عام 1367هـ، وبدأ بتقويةِ وَضْعِه وخاصةً مع مساعدة الرئيس أحمد سوكارنو لهم بالإضافة للأموال الضخمةِ من المعسكر الشيوعي، ثم أعلن الحزبُ الشيوعي أنَّه سيكون الحزبَ الوحيدَ، وأنَّه سيحوِّل البلادَ إلى دولة تسير حَسَب المنهج الشيوعي، وبدأت أعمالُ الشيوعيين الإرهابية، وأخافوا الناس؛ فهجموا على المدارس الإسلامية والشخصيات البارزة، وقرروا إعلان الثورة في 5 جمادى الآخرة / 30 أيلول، وبرَّروا ذلك بمرض الرئيس أحمد سوكارنو، وبعدم مبالاة القوات المسلحة بالأمر، وبعدم أهليةِ مجلس الجنرالات، ورغبته في الاستيلاء على السلطة، وكذلك زعمُهم حمايةَ البلاد من الرجعية والإمبريالية، وفي يوم إعلان الثورة أمر رئيسُ الحرس الجمهوري باختطاف بعض كبار الضباط، وفي اليوم التالي للثورة أذاع الشيوعيون أوَّلَ بياناتهم بالإذاعة الرسمية، ولكِنَّ وزير الدفاع الذي استطاع الإفلاتَ من محاولة القضاء عليه أعطى أوامِرَه للقضاء على الثورة الشيوعية، وانتفض الشعبُ أيضًا، ولم تمضِ ساعاتٌ حتى فَشِل الشيوعيون، وسيطرت القواتُ المسلَّحةُ على الوضع.
هو الخليفةُ أبو العَبَّاسِ أحمَدُ بنُ الأميرِ إسحاقَ بنِ المُقتَدِرِ جَعفرِ بنِ المُعتَضِدِ العباسيِّ البغداديِّ. ولِدَ سنة 336. وأمُّه اسمُها: تمني, ماتت في دولتِه، وكان أبيضَ كَثَّ اللِّحيةِ يَخضِبُ, دَيِّنًا عالِمًا متعَبِّدًا وقورًا، مِن جِلَّةِ الخُلفاءِ وأمثَلِهم. عَدَّه ابنُ الصَّلاحِ في الشَّافعيَّة؛ فقد تفَقَّه على أبي بشرٍ أحمَدُ بنُ محمَّدٍ الهَرَويِّ. قال الخطيبُ البغدادي: "كان القادِرُ باللهِ مِن السِّترِ والدِّيانةِ، وإدامةِ التهَجُّدِ باللَّيلِ وكثرةِ البِرِّ والصَّدَقات على صِفةٍ اشتُهِرَت عنه" وكان قد صَنَّفَ كِتابًا في الأصولِ ذكر فيه فضائِلَ الصَّحابةِ على ترتيبِ مَذهَبِ أهل الحديث, وأورد في كتابِه فضائِلَ عُمَرَ بنِ عبد العزيز، وإكفارَ المُعتَزِلة والقائلينَ بخَلقِ القُرآنِ, وكان الكِتابُ يُقرأُ كُلَّ جُمعةٍ في حلقةِ أصحابِ الحديث. قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ: "كان في أيَّامِ المتوكِّلِ قد عَزَّ الإسلامُ حتى ألزَمَ أهلَ الذِّمَّةِ بالشُّروطِ العُمَرِيَّة وألزموا الصِّغارَ، فعَزَّت السُّنَّة والجماعة, وقُمِعَت الجَهميَّةُ والرَّافِضةُ ونحوهم، وكذلك في أيَّامِ المُعتَضِد، والمُهتدي، والقادرِ بالله، وغيرِهم من الخُلفاِء الذين كانوا أحمَدَ سِيرةً وأحسَنَ طريقةً مِن غَيرِهم, وكان الإسلامُ في زَمَنِهم أعَزَّ، وكانت السُّنَّةُ بحَسَبِ ذلك" أمَرَ القادِرُ باللهِ بعَمَلِ مَحضَرٍ يتضَمَّنُ القَدحَ في نَسَبِ العُبَيديَّة، وأنَّهم منسوبونَ إلى ديصان بنِ سعيدٍ الخرَّميِّ، أخذَ عليه خُطوطَ العُلَماءِ والقُضاة والطَّالبيِّينَ، كما استتابَ فُقَهاءَ المُعتَزِلة، فأظهروا الرُّجوعَ وتبَرَّؤوا من الاعتزالِ والرَّفضِ والمقالاتِ المخالفةِ للإسلامِ. تُوفِّيَ القادِرُ بالله وكانت خلافتُه إحدى وأربعينَ سَنةً وثلاثةَ أشهُرٍ وعشرين يومًا، وكانت الخلافةُ قَبلَه قد طَمِعَ فيها الديلَمُ والأتراك، فلَمَّا وَلِيَها القادِرُ بالله أعاد جِدَّتَها، وجَدَّد ناموسَها، وألقى اللهُ هَيبَتَه في قلوبِ الخَلقِ، فأطاعوه أحسَنَ طاعةٍ وأتَمَّها، فلمَّا مات القادِرُ بالله جلَسَ ابنُه القائِمُ بأمرِ الله أبو جعفرٍ عبدُ الله، وجُدِّدَت له البيعةُ، وكان أبوه قد بايَعَ له بولايةِ العهدِ سنةَ 421، واستقَرَّت الخلافةُ له، وأوَّلُ مَن بايَعَه الشَّريفُ أبو القاسِمِ المرتضى، وأرسل القائِمُ بأمرِ اللهِ قاضيَ القُضاةِ أبا الحسَن الماوَرديَّ إلى المَلِك أبي كاليجار؛ ليَأخُذَ عليه البَيعةَ، ويَخطُبَ له في بلادِه، فأجابَ وبايَعَ، وخَطَب له في بلادِه.
أُعلِن في بنغازي عن تأسيسِ "حزبِ التجمع الوطني من أجل العدالة والديمقراطية"، وذَكَر مؤسِّسوه أنهم يسعَون لتعبئةِ اللِّيبيِّين في سبيلِ إقامةِ مؤسَّساتِ دولةٍ مَدَنيَّة، تقوم على سيادةِ القانونِ والمُساواة. وأشارت مبادئُ وأهدافُ الحزبِ إلى أنَّه تجمُّعٌ لتحقيقِ العدالةِ والسَّعيِ إليها بين كلِّ الناس وكلِّ المدنِ والمناطِق.
تطورت الأحداث في بلاد الأندلس، وأصبح اهتمام الإسبان هو توحيد أراضيهم، وانتزاع ما تبقى للمسلمين بها خصوصًا بعدما خضع الإسبان لسلطة واحدة بعد زواج إيزابيلا الكاثوليكية المتعصبة ملكة قشتالة من فرديناند ملك أراغوان، وبعد هلاك الدون جويان الثاني ملك أراغون، وتولَّى مكانه ابنه فرديناند الكاثوليكي، ضمَّ أراغون وبلنسية وصقلية وميورقة إلى قشتالة، وبينما كانت الممالك النصرانية تتَّحد في تلك الأقطار، كانت المملكة الإسلامية الوحيدة في الأندلس تزداد فتقًا على فتق؛ ليقضيَ الله أمرًا كان مفعولًا! اندفعت الممالك الإسبانية المتحدة قبيل سقوط غرناطة في تصفية الوجود الإسلامي في كل إسبانيا، حتى يفرغوا أنفسَهم ويركزوا اهتمامهم على المملكة الإسلامية الوحيدة في غرناطة، وفرضت إسبانيا أقسى الإجراءات التعسُّفية على المسلمين في محاولة لتنصيرهم وتضييق الخناق عليهم حتى يرحلوا عن بلاد الأندلس؛ نتيجة لذلك وقبل سقوط غرناطة لجأ المورسكيون-وهم الأقلية المسلمة التي بقيت في الأراضي الإسبانية بعد انتزاع حكمها من المسلمين- إلى القيام بثورات وانتفاضات في أغلب المدن الإسبانية، والتي يوجد بها أقلية مسلمة، وأُخمِدَت تلك الثورات بدون رحمة ولا شفقة من قبل السلطات الإسبانية التي اتخذت وسيلة لتعميق الكره والحقد للمسلمين، ومن جهة أخرى كان من الطبيعي أن يرنو المورسكيون بأنظارهم إلى ملوك المسلمين في المشرق والمغرب لإنقاذهم، وتكررت دعوات وفودهم ورسائلهم إليهم للعمل على إنقاذهم مما يعانوه من ظلم، وخاصة من قبل رجال الكنيسة ودواوين التحقيق (محاكم التفتيش) التي عاثت في الأرض فسادًا وأحلت لنفسها كل أنواع العقوبات وتسليطها عليهم، وكانت أخبار الأندلس قد وصلت إلى المشرق فارتج لها العالم الإسلامي، وبعث الملك الأشرف قايتباي بوفود إلى البابا وملوك النصرانية يذكِّرُهم بأن النصارى الذين هم تحت حمايته يتمتعون بالحرية، في حين أن أبناء دينه في المدن الإسبانية يعانون أشد أنواع الظلم، وقد هدد باتباع سياسة التنكيل والقصاص تجاه رعايا المسيحيين، إذا لم يكفَّ ملك قشتالة وأراغون عن هذا الاعتداء وترحيل المسلمين عن أراضيهم وعدم التعرض لهم، ورد ما أخذ من أراضيهم، ولم يستجيب البابا والملكان الكاثوليكيان لهذا التهديد من قبل الملك الأشرف قايتباي، ومارسوا خطتهم في تصفية الوجود الإسلامي في الأندلس، وجُدِّدت رسائل الاستنجاد لدى السلطان العثماني بايزيد الثاني بن محمد الفاتح، فوصلته رسالةٌ منهم يذكرون فيها آلامَهم ومعاناتهم ويسألونه الخلاص، ومما كتبه بعض أهل الجزيرة بعد استيلاء الكفر على المدن الأندلسية للسلطان بايزيد خان الثاني ما نصه بعد سطر الافتتاح: الحضرة العلمية، وصل الله سعادتها وأعلى كلمتها ومهد أقطارها وأعز أنصارها وأذل عداتها، حضرة مولانا وعمدة ديننا ودنيانا، السلطان الملك الناصر ناصر الدين والدنيا، سلطان الإسلام والمسلمين، قامع أعداء الله الكافرين، كهف الإسلام وناصر دين نبينا محمَّد صلى الله عليه وسلم، محيي العدل ومنصف المظلوم ممن ظلم ملك العرب والعجم والترك والديلم، ظِل الله في أرضه، القائم بسنته وفرضه، ملك البرين وسلطان البحرين حامي الذمار وقامع الكفار، مولانا وعمدتنا مولانا بايزيد، لا زال ملكه موفور الأنصار مخلد المآثر والآثار مشهور المعالي والفخار، مستأثرا من الحسنات بما يضاعف الله الأجر الجزيل في الدار الآخرة والثناء الجميل، والنصر في هذه الدار، ولا بَرِحت عزماته العلية مختصة بفضائل الجهاد مجردة من أعداء الدين من بأسها ما يروي صدور السمر والصفاح وألسنة السلاح باذلة نفائس الذخائر في المواطن التي تألف فيها الأخيار مفارقة الأرواح للأجساد، سالكة سبيل السابقين الفائزين برضا الله وطاعته يوم يقوم الأشهاد:
سلام كريم دائم متجدد
أخص به مولاي خير خليفة
سلام على مولاي ذي المجد والعلا
ومن ألبس الكفار ثوب المذلة
سلام على من وسع الله ملكه
وأيده بالنصر في كل وجهة
سلام على مولاي من دار ملكه
قسنطينة أكرم بها من مدينة
سلام على من زين الله ملك
بنجد وأترك من أهل الرعاية
سلام عليكم شرف الله قدركم
وزادكم ملكا على كل ملة....
وكان السلطان بايزيد يعاني من العوائق التي تمنعه من إرسال المجاهدين، بالإضافة إلى مشكلة النزاع على العرش مع أخيه الأمير جم، وما أثار ذلك من مشاكل مع البابوية في روما وبعض الدول الأوربية، ومع ذلك قام السلطان بايزيد بتقديم المساعدة وتهادن مع السلطان قايتباي لتوحيد الجهود من أجل مساعدة غرناطة ووقَّعا اتفاقًا بموجبه يرسل السلطان بايزيد أسطولًا على سواحل صقلية باعتبارها تابعة لمملكة إسبانيا، وأن يجهز السلطان المملوكي قايتباي حملات أخرى من ناحية أفريقيا، وبالفعل أرسل السلطان بايزيد أسطولًا عثمانيًّا تحول إلى الشواطئ الإسبانية، وقد أعطى قيادته إلى كمال رايس الذي أدخل الفزع والخوف والرعب في الأساطيل النصرانية في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي، كما شجع السلطان بايزيد المجاهدين في البحر بإبداء اهتمامِه وعطفه عليهم، وكان المجاهدون العثمانيون قد بدؤوا في التحرك لنجدة إخوانهم المسلمين، وفي نفس الوقت كانوا يغنمون الكثير من الغنائم السهلة الحصول من النصارى، كذلك وصل عددٌ كبير من هؤلاء المجاهدين المسلمين أثناء تشييد الأسطول العثماني، ودخلوا في خدمته بعد ذلك أخذ العثمانيون يستخدمون قوتهم البحرية الجديدة في غرب البحر المتوسط بتشجيع من هؤلاء المجاهدين، وهذا الذي كان في وُسع السلطان بايزيد الثاني فعلُه.
لَمَّا أتت صلاحُ الدين البِشارةَ بهزيمة الإسبتارية والدواية، وقَتْل مَن قُتِل منهم، وأسْر مَن أُسِرَ في صفوريَّة، عاد عن الكرك إلى العسكَرِ الذي مع وَلَدِه الملك الأفضل، فنزل بالأقحوانةِ بقرب طبرية، وتقَدَّم صلاح الدين حتى قارب الفرنجَ، فلم يَرَ الفرنج من يمنَعُهم من القتال، ونزل جريدةً إلى طبرية وقاتلَهم، ونقَّبَ بعض أبراجها، وأخذَ المدينة عَنوةً في ليلة، ولجأ من بها إلى القلعةِ التي لها، فامتنعوا بها، وفيها صاحبتُها، فنهَبَ المدينةَ وأحرَقَها، فقَوِيَ عَزمُ الروم على التقَدُّم إلى المسلمين وقتالِهم، فرحلوا من مُعسكَرِهم الذي لَزِموه، وقَرُبوا من عساكِرِ الإسلام، فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبريَّةَ إلى عسكره، وكان قريبًا منه، وإنما كان قَصدُه بمحاصرةِ طبريَّةَ أن يفارِقَ الفرنج مكانَهم للتمكُّنِ مِن قتالهم، وكان المسلمونَ قد نزلوا على الماء، والزَّمانُ قَيظٌ شديدُ الحر، فوجد الفرنجُ العَطشَ، ولم يتمكنوا من الوصولِ إلى ذلك الماء من المسلمين، وكانوا قد أفنَوا ما هناك من ماءِ الصهاريج ولم يتمكَّنوا من الرجوع خوفًا مِن المسلمين، فبَقُوا على حالهم إلى الغد، وهو يوم السبت، وقد أخذ العطشُ منهم، وأصبح صلاحُ الدين والمسلمونَ يوم السبت لخمسٍ بَقِينَ مِن ربيع الآخر، فرَكِبوا وتقَدَّموا إلى الفرنج، فركب الفرنجُ، ودنا بعضُهم من بعضٍ إلَّا أن الفرنجَ قد اشتَدَّ بهم العَطَشُ وانخَذَلوا، فاقتتلوا، واشتَدَّ القتال، وصبر الفريقان، ورمى المسلمونَ مِن النشاب ما كان كالجراد المنتَشِر، فقَتَلوا من خيول الفرنج كثيرًا. والفرنج قد جمعوا نفوسَهم براجِلِهم وهم يقاتلون سائرينَ نحو طبرية، لعَلَّهم يردون الماء. فلما عَلِمَ صلاح الدين مَقصِدَهم صَدَّهم عن مرادِهم، وكان بعضُ المتطَوِّعة من المسلمين قد ألقى في تلك الأرض نارًا، وكان الحشيش كثيرًا فاحترق، وكانت الريحُ على الفِرنجِ، فحَمَلت حَرَّ النار والدُّخان إليهم، فاجتمع عليهم العَطَشُ وحَرُّ الزمانِ وحَرُّ النار، والدُّخانُ، وحَرُّ القتال، فلما انهزم القُمُّص-كبير القساوسة- سُقِطَ في أيديهم وكادوا يستسلِمونَ، ثمَّ عَلِموا أنَّهم لا ينجِّيهم من الموتِ إلَّا الإقدام عليه، فحملوا حملاتٍ مُتداركة كادوا يزيلونَ بها المسلمينَ، على كثرتِهم، عن مواقِفِهم، لولا لُطفُ الله بهم، إلَّا أن الفرنجَ لا يَحمِلونَ حملةً فيَرجِعونَ إلَّا وقد قُتِلَ منهم، فوهنوا لذلك وهنًا عظيمًا، فأحاط بهم المسلمون إحاطةَ الدائرة بقُطرِها، فارتفع من بَقِيَ مِن الفرنج إلى تلٍّ بناحية حطين، وأرادوا أن ينصِبوا خيامَهم، ويجمُّوا نفوسَهم به، فاشتد القتالُ عليهم من سائر الجهات، ومنعوهم عمَّا أرادوا، ولم يتمَكَّنوا من نصب خيمةٍ غيرَ خيمةِ مَلِكِهم، وأخذ المسلمونَ صَليبَهم الأعظمَ الذي يسمُّونَه صليبَ الصلبوت، ويذكرون أنَّ فيه قطعة من الخَشَبة التي صُلِبَ عليها المسيحُ عليه السَّلامُ- بزَعمِهم- فكان أخذُه عندهم من أعظَمِ المصائب عليهم، وأيقنوا بعده بالقَتلِ والهلاك، هذا والقَتلُ والأسرُ يَعمَلانِ في فرسانهم ورجالتِهم، فبَقِيَ الملك على التلِّ في مقدار مائة وخمسين فارسًا من الفُرسان المشهورين والشُّجعان المذكورين، وكان سبَبُ سقوط الفرنج لَمَّا حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشًا، وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحَمَلاتِ مِمَّا هم فيه، فلما لم يجِدوا إلى الخلاصِ طريقًا، نزلوا عن دوابِّهم وجلسوا على الأرض، فصَعِدَ المسلمون إليهم، فألقوا خيمةَ الملك، وأسرُوهم عن بَكرةِ أبيهم، وفيهم الملِكُ وأخوه والبرنس أرناط، صاحِبُ الكرك، ولم يكن للفرنجِ أشَدُّ منه عداوةً للمسلمين، وأسَروا أيضًا صاحِبَ جبيل، وابن هنفري، ومقدم الداوية، وكان من أعظم الفرنجِ شأنًا، وأسروا أيضًا جماعةً مِن الداوية، وجماعةً من الإسبتارية، وكثُرَ القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظُنُّ أنهم أَسَروا واحدًا، ومَن يرى الأسرى لا يظُنُّ أنهم قتلوا أحدًا! فلما فرغ المسلمونَ منهم نزل صلاح الدين في خيمتِه، وأحضر مَلِكَ الفرنجِ عنده، وبرنس أرناط صاحِبَ الكرك، وأجلس المَلِك إلى جانبه وقد أهلَكَه العَطَشُ، فسقاه ماءً مثلوجًا، فشَرِبَ، وأعطى فَضْلَه برنس صاحب الكرك، فشَرِبَ، فقال صلاح الدين: إنَّ هذا الملعون لم يشرَبِ الماءَ بإذني فينالَ أماني؛ ثمَّ كلَّم البرنس، وقَرَّعه بذنوبه، وعَدَّد عليه غَدَراتِه، وقام إليه بنفسه فضَرَبَ رَقَبتَه، وقال: كنتُ نَذَرتُ دفعتَينِ أن أقتُلَه إن ظَفِرتُ به: إحداهما لَمَّا أراد المسيرَ إلى مكة والمدينة، والثانية لَمَّا أخذ القافلةَ غدرًا، فلما قتَلَه وسُحِبَ وأُخرِجَ، ارتعدت فرائص الملك، فسَكَّن جأشَه وأمَّنَه.
لقد كانت عدن محطَّ أنظار كثيرٍ مِن الدول الطامعة في إرساء قواعدَ لها على البحر الأحمر والخليج العربي، ومن ثَمَّ السيطرة على المحيط الهندي، والحصول على السيطرة الاقتصادية والسياسية في تلك المنطقة، فتوالت على عدن الكثيرُ مِن القوات والدول المستعمرة، وكان من أهمِّ تلك الدول بريطانيا؛ حيث قامت ببعض المقَدِّمات لاحتلالِ عدن، فأرسلت في بداية الأمر الكابتن هينز أحدَ ضباط البحرية إلى منطقةِ خليج عدن في عام 1835م؛ وذلك لمعرفة مدى صلاحية المنطقة لتكونَ قاعدةً بحريةً ومستودعًا للسفن البريطانية، وقد أشار هينز في تقريره إلى ضرورة احتلال عدن لأهميَّتِها الاستراتيجية. وكان لا بد للإنجليز من سَبَبٍ يبررون به احتلالهم لعدن، فكان أن وقَعَت حادثة استغلوها استغلالًا كبيرًا؛ ففي عام 1873م جنحت سفينةٌ هندية تسمى: (دريادولت) وكانت ترفَعُ العلم البريطاني بالقُربِ من ساحل عدن، فادعى الإنجليز أنَّ سكَّان عدن هاجموا السفينةَ ونهبوا بعضَ حمولتِها، وأن ابن سلطان لحج وعدن كان من المحَرِّضين على نهب السفينة. ثم لما مضى حوالي شهر من حدوث ذلك وزادت كذلك رغبةُ بريطانيا للسيطرة على البحر الأحمر وجَعْل عدن كمحطةٍ تعمل على تمويل سُفُنِها بالوقودِ، وجعْلها قاعدةً عسكرية تهيمِنُ على المنطقة العربية، قام حينها (كوماندر هينز) قائد السفينة (بالينورس) في البحر الأحمر بكتابةِ تقريرٍ إلى (سيرتشارلز مالكولم) مدير البحرية البريطانية في الهندية في 6 يوليو1837م، قال فيه: "يشَرِّفني أن أعلِمَكم أنه لدى وجودي في عدن خلال شهر إبريل تبيَّنتُ أن البضاعة التي تمت استعادتها من السفينة المحطَّمة (دريادولت) التي تحمل العلم الإنكليزي والعائدة إلى مدراس كانت مطروحةً في السوق بأقَلَّ مِن ثُلُثِ قيمتِها". فأرسلت الحكومةُ البريطانية الكابتن هينز لإجراءِ مفاوضات مع سلطان لحج ولكنها باءت بالفشَلِ بعد محاولة سلطان لحج إعادةَ البضائع المسروقة، ودفع قيمة ما تلف أو بِيعَ منها، إلا أن هينز لم يوافِقْ لأن بريطانيا كانت تريد عدن نفسَها. وفي عام 1839م نفسه أعدَّت حكومة الهند البريطانية عِدَّةَ إجراءات للاستيلاء على عدن، وقامت بعض المناوشات بين العرب في عدن وبعض جنودِ السفن البريطانية المسَلَّحة التي رابطت بالقُربِ مِن ساحل عدن انتظارًا لوصول السفن الباقية، وبعد ثلاثة أيام في 19 يناير 1839م قَصَفَت مدفعية الأسطول البريطاني مدينةَ عدن ولم يستطِعِ الأهالي الصمودَ أمام النيران الكثيفةِ، وسقطت عدن في أيدي الإنجليز بعد معركةٍ غير متكافئة بين أسطولِ وقوَّات الإمبراطورية البريطانية من جانبٍ، وقوات قبيلة العبدلي من جانب آخر. وبدأت متاعِبُ الحكم المصري في اليمن بعد سقوطِ عدن في أيدي البريطانيين؛ فقد بدأ هينز اتصالاته بمشاريعِ المناطق الجنوبية الواقعة تحت نفوذ المصريين، يُغريهم بالهدايا والمرتَّبات ويحثُّهم على التمَرُّد على الجيش المصري، ولكن الأحوال تطورت بسرعةٍ بعد تحالُف الدول الكبرى ضِدَّ محمد علي، وانتهى الأمر بانسحاب القوات المصرية من اليمن في عام 1840م، وانفردت بريطانيا وحدها بمقَدَّرات جنوب اليمن كُلِّه، وبدأت إنجلترا عشيَّةَ احتلالها لعدن في تنفيذ سياسةِ التهدئة في المنطقة حتى تضمَنَ استقرار الأمور في عدن بما يحقِّقُ مصالحها الاستراتيجية والتجارية والبحرية، فعقدت مع سلطان لحج معاهدةً للصداقة ومنحَتْه راتبًا سنويًّا إلا أن هذا لم يُجْدِ نفعًا؛ حيث حاول سلطان لحج استعادة عدن ثلاثَ مرات في عامي1840و1841م لكن تلك المحاولات لم تنجَحْ؛ للفارق الهائل في تسليحِ القوتين. وكان الحاكِمُ البريطاني إذا قامت إحدى القبائِلِ على الإنجليز يثيرُ قبيلةً أخرى عليها. وقد جاء في الكتاب الذي أرسلَتْه شركة الهند الشرقية البريطانية إلى الكابتن هينز المقيم في عدن، جاء فيه ما يلي: (حَرِّضِ القبيلةَ الموالية على القبيلة المعادية، فلا تحتاج إلى قواتٍ بريطانية، وإنه وإن كان هَدْرُ الدماء مما يؤسَفُ له، فمِثلُ هذه السياسة تفيدُ الإنجليز في عدن؛ لأنَّها توسِّعُ الثُّلمةَ بين القبائل) كما استغل الكابتن هينز اليهودَ في المنطقة حتى يكونوا عيونًا له على العرب عِلمًا بأنه كان في عدن ما يقارِبُ من 180 يهوديًّا، ويعترف هينز بأن أحسن من ينقل الأنباءَ إليهم هم اليهود؛ لِما عُرِفَ عنهم، وهو قد وظَّفَهم لحسابه، وهؤلاء اليهود قد وافوا الكابتن هينز بكل صغيرة وكبيرة في اليمن أكمَلَ، ومن ضمنها عدن وقعطبة وتعز ولحج، مقابل مبالغ تافهة. ولم يكن الاستيلاءُ على عدن هو غايةَ ما تبغيه بريطانيا في المنطقة، وإنما كان هذا الاستيلاءُ بمثابة نقطة للتوسُّعِ، وبداية الانطلاقِ لتأكيد النفوذ البريطاني في جنوبِ اليمن والبحر الأحمر وعلى الساحل الشرقي الإفريقي، وكذلك لإبعاد أي ظِلٍّ لِقوًى أخرى.
هو الإمامُ المنصور نجاح الدين أبو الحسن علي بن صلاح بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن منصور بن حجَّاج بن يوسف الحسني، الرسي المدعو بأمير المؤمنين، إمامُ الزيدية ورأسُهم.
صاحبُ صنعاء باليمن، أقام في الإمامة بعد أبيه ستًّا وأربعين سنة وثلاثة أشهر، وأضاف إلى صنعاء وصعدة عدة من حصون الإسماعيلية، أخذها منهم بعد حروب وحصار. مات في سابع صفر، فقام بعده ابنه الإمام الناصر صلاح الدين محمد بعهده إليه وبيعة الجماعة له، فمات بعد ثمانية وعشرين يومًا في الخامس والعشرين شهر ربيع الأول، فأجمع الزيدية بعده على رجل منهم يقال له صلاح بن علي بن محمد بن أبي القاسم وبايعوه، ولقَّبوه بالمهدي، وهو من بني عم الإمام المنصور، وقام بأمره قاسم ابن سنقر على أن يكون الحُكمُ له، فعارضه الإمام وصار يحكُمُ بما يؤدي إليه اجتهاده، ولا يلتفت إلى ابن سنقر، فثار عليه بعد ستة أشهر رجل يقال له محمد بن إبراهيم الساودي، وأعانه ابن سنقر، وقبضا عليه وسجناه في قصر صنعاء، ووكل به محمد بن أسد الأسدي، وقام قاسم بالأمر، فدبرت زوجةُ الإمام المهدي في خلاصِه، ودفعت إلى الأسدي الموكل به ثلاثة آلاف أوقية، فأفرج عنه، وخرج به من القصر، وسار إلى معقل يسمى ظفار، وفيه زوجة المهدي، ومضى الأسدي إلى معقل يسمى دمر، وهو من أعظم معاقل الإسماعيلية التي انتزعها الإمام المنصور علي بن صلاح، وأقام المهدي مع زوجته بظفار، ثم جمع الناس وسار إلى صنعاء، فوقع بينه وبين ابن سنقر وقعة، انكسر فيها الإمامُ وتحصَّن بقلعة يقال لها تلى، فلما بلغ ذلك زوجته ملكت صعدة، وأطاعها من بها من الناس، فاضطرب أمر ابن سنقر، وكان الناس مخالفين عليه، فأقام ولدًا صغيرًا وهو ابن بنت الإمام المنصور علي وأبوه من الأشراف الرسية، فازداد الناس نفورًا عنه وإنكارًا عليه، واستدعَوا الإمام المهدي إلى صعدة، فقدمها وبايعه الأشراف بيعة ثانية، حتى تم أمره، وبعث إلى أهل الحصون يدعوهم إلى طاعته، فأجابوه، وانفرد ابن سنقر بصنعاء وحدها على كرهٍ من أهلها، وبُغضٍ له.
هو الملك نادر شاه الأفشار التركماني، ويعرف كذلك باسم "نادر قـُلي بگ" ولد نادر شاه في محرم 1100هـ/ 22 نوفمبر 1688م وجلس على العرش في شوال 1148هـ وهو مؤسِّس الأسرة الأفشارية التي حكمت إيران. كانت قبيلةُ أفشار هي إحدى القبائل التركمانية التي فرَّت من وجه المغول تاركةً تركستان، واستقرت في أذربيجان، فأرسل الشاه إسماعيل الصفوي قِسمًا من هذه القبيلة إلى الجزء الشمالي من خراسان وأسكنهم فيها بالقرب من منبع نهر كوبكان. كان أول أمر نادر شاه من قطَّاع الطرق, ثم جمع رجاله ورأى من مصلحته العمل كقائد عسكر لطهماسب الثاني آخر شاهات الدولة الصفوية, كان لنادر شاه الفضلُ في حركة المقاومة العسكرية لتحرير إيران من الاحتلال الأفغاني، وبعد نجاحه أخذ اسمُه يصعد في إيران حتى انتهى به الأمر إلى أن نصَّب نفسه شاهًا لإيران بعد أن عزل طهماسب الثاني, وأعلن نهايةَ الدولة الصفوية في إيران. عُرف نادر شاه بأنه محارب عسكري مشهور بحملاته العسكرية, ويعدُّ واحدًا من أكبر الغزاة الفاتحين في تاريخ إيران الحديث، حيث قام بعدة حملات ناجحة في الهند وأفغانستان وضِد الدولة العثمانية وآسيا الوسطى، وحَسَبت له روسيا حسابه كقوَّة فتية في المنطقة، وتحالفت معه ضد العثمانيين. فلما زادت قسوةُ نادر شاه ورأى الناس ظلمَه وتعسُّفَه، خافه الأمراء فتآمروا على قتلِه، وفي جملتهم بعضُ القواد من الأفشار، وكان منهم رئيسُ الحرس الذي أعانهم فدخلوا عليه وهو نائم فقتلوه في سريره ليلة 11 من جمادى الثانية, ثم أرسلوا وراءَ علي شاه ابن أخي نادر شاه فحكَّموه على إيران، لكنه كان ضعيفًا خاملًا، فجاء أخوه إبراهيم الذي حكم العراق باسمه وعزله، وكان علي شاه قد قَتَل كل آل نادر عدا حفيدًا له اسمه شاه رخ ميرزا، وأما إبراهيم فلم يدُم طويلًا حتى قتله حرَّاسه وولَّوا مكانه شاه رخ الصغير، لكن قائد الجيوش ميرزا محمد أسَرَه وسمل عينيه وأعيد بعد فترة، حيث جاء علي خان رئيس جيش إيران فأخرجه من سجنه وأعاده، لكنه رضي ببلاد خراسان وحسبُ, وصارت إيران في قبضة كريم خان زند، وأخذت الولايات تستقِلُّ واحدة تلو الأخرى.
مُحمَّد عِزَّة دَروزة مُفكِّر وكاتب مُسلِم، وُلِد في نابلس في 21 حُزَيران 1887م وتُوُفِّيَ في دِمَشقَ في 26 تموز 1984م. كان أديبًا، وصحفيًّا، ومترجمًا، ومُؤرخًا، ومُفسرًا للقُرآن. نشأ في أُسرة من عشيرةِ "الفريحات" التي كانت تسكُنُ شَرْق الأُردُنِّ، وانحدرت إلى فِلَسطينَ، واستوطنتْ نابلس. كان والِدُهُ يملِكُ محلًّا لتِجارة الأقمشةِ في سُوق خان التُّجَّار القديمِ الشهيرِ في المدينةِ القديمةِ في نابلس. تلقَّى دَروزةُ تعليمَه الأساسيَّ في نابلس حيث حصل على الشَّهادة الابتدائية في سنة 1900م، التحَقَ بعدها بالمدرسة الرَّشادية، وهي مدرسةٌ ثانويَّةٌ مُتوسِّطةٌ، وتخرَّج منها بعد ثلاثِ سنواتٍ، حاصلًا على شهادتِها. قرأ كُتُبًا كثيرةً مختلفةً في مجالات الأدبِ، والتاريخِ، والاجتماعِ، والحُقوقِ، سواءٌ ما كان منها باللُّغة العربية، أو بالتُّركية التي كان يُجيدُها. يسَّرت له وظيفتُهُ في مصلحة البريدِ أن يطَّلِع على الدَّورياتِ المِصريَّةِ المُتداولةِ في ذلك الوقتِ كالأهرامِ والهِلالِ والمُؤيِّد والمُقطَّمِ والمُقتَطَف، وكان البريدُ يقوم بتوزيع هذه الصُّحُف على المشتركين بها. بدأ نشاطُ مُحمَّد عِزَّة دَروزة في مَيدان الحَرَكة الوطنيَّةِ مُبكرًا في سنة 1909م، وشارك في إنشاء الجمعيَّات الوطنيَّةِ، والأحزابِ السياسيَّةِ. مالَ دَروزةُ إلى اتِّخاذِ إجراءاتٍ مُتصاعدةٍ ضدَّ السُّلطة البريطانية ما لم تستجبْ لمطالب البِلاد، ولم تجِدْ بريطانيا لمُواجَهةِ هذه الثورة بُدًّا من اعتقاله هو وزملاءَه، ولمَّا تجدَّدت الثورة سنة 1937م كان المسؤولَ عن التخطيط السياسي للثَّورة الفِلَسطينيَّةِ، وكانت تتلقَّى أوامرها من دِمَشقَ، حيث كان يُقيم دَروزةُ وغيرُهُ من القياداتِ الفِلَسطينيَّةِ اللَّاجِئينَ إليها، وظلَّ هناك قائمًا على أمر الثَّورة الفِلَسطينيَّةِ حتى اعتقله الفَرَنْسيُّونَ بتحريضٍ من الإنجليز في عام 1939م، وحُوكِمَ أمام محكمةٍ عسكريَّةٍ، فأصدرت عليه حكمًا بالسجن، ثم أُفرِجَ عنه سنة 1941م فلجأ إلى تُركيا، وقضى هناك أربعَ سنواتٍ عاد بعدها إلى فلسطين، واستمرَّ دَروزةُ يقوم بدَورِهِ السياسيِّ في خِدْمةِ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ حتى اشتدَّ عليه المرضُ في سنة 1948م، فاستقالَ من عُضويَّةِ الهيئةِ العربيةِ العُليا لفلسطين، وتفرَّغ للكتابة والتأليف، وقد سجَّلَ مُذكِّراتِهِ في ستَّةِ مُجلَّداتٍ ضخمةٍ، حوتْ مسيرةَ الحركةِ العربيةِ، والقضيةَ الفلسطينيةَ خلال قرنٍ من الزَّمانِ. وكتَبَ عددًا من المُؤلَّفاتِ حول فِلَسطينَ، وحول العُروبة، والقضايا العربية، وكتَبَ أيضًا حول الإسلام، والقضايا الإسلامية، منها كتابُ: "الدُّستور القرآني والسُّنَّة النَّبويَّة في شُؤون الحياة"، وطُبع في مُجلَّدينِ كبيرَينِ. ثم وافتْهُ المنيَّةُ في دِمَشقَ بحي الرَّوضةِ في يوم الخميس 26 من تموز 1984 الموافق 28 من شوال 1404هـ.
خرج المعتَمِدُ على الله، وجلس للقُوَّادِ والقُضاةِ ووجوهِ النَّاس، وأعلَمَهم أنَّه خلع ابنَه المفَوِّضَ إلى الله جعفرًا من ولايةِ العهد، وجعل ولايةَ العَهدِ للمُعتَضِد بالله أبي العباسِ أحمدَ بنِ الموفَّق، وشَهِدوا على المفَوِّض أنه قد تبرَّأ من العهد، وأسقط اسمَه من السِّكَّة، والخِطبة، والطراز، وغير ذلك، وخُطِبَ للمُعتَضِد، وكان يومًا مشهودًا.
في المحرم دخل الحَجيجُ بغداد، وقد خرج مؤنِسٌ الخادِمُ إلى الحجِّ فيها في جيشٍ كثيفٍ؛ خوفًا من القرامِطةِ، ففرح المسلمون بذلك وزُيِّنَت بغداد يومئذٍ وضُرِبَت الخيام والقِباب لمؤنسٍ الخادم، وقد بلغ مؤنسًا في أثناء الطريق أنَّ القرامطةَ أمامه، فعدل بالنَّاسِ عن الجادة، وأخذ بهم في شعابٍ وأوديةٍ أيَّامًا.