قَوِيَ عرب إفريقية وحصروا مدينة تونس؛ وذلك أن المنتصر أبا عبد الله محمد بن الأمير أبي عبد الله محمد بن السلطان أبي فارس عبد العزيز، لما قام في سلطنة أفريقية بعد موت جده أبي فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد، عندما كان المنتصر في سفره بنواحي تلمسان، قدم إلى مدينة تونس دار ملكه في يوم عاشوراء، وأقام بها أيامًا، ثم خرج إلى عمرة، ونزل بالدار التي بناها جده أبو فارس، وضيق على العرب ومنعهم من الدخول إلى بلاد إفريقية، وكان مريضًا، فاشتد به المرض، وفرَّ من عنده الأمير زكريا بن محمد بن السلطان أبي العباس، وأمه ابنة السلطان أبي فارس عبد العزيز بن أبي العباس، ونزل عند العرب المخالفين على المنتصر، فسار عند ذلك المنتصر من عمرة عائدًا إلى تونس، وقد تزايد مرضه، فتبعه زكريا ومعه العرب حتى نزلوا على مدينة تونس، وحصروها عدة أيام، فخرج عثمان أخو المنتصر من قسنطينة، وقدم تونس فسُرَّ به المنتصر، والفقيه أبو القاسم البرزلي مفتي البلد وخطيبها يجول في الناس بالمدينة، ويحرِّضُهم على قتال العرب، ويخرجهم فيقاتلون العرب، ويرجعون مدة أيام، إلى أن حمل العرب عليهم حملة منكرة، هزموهم، وقُتِل من الفريقين عدد كبير، كلُّ ذلك والمنتصر مُلقًى على فراشه لا يقدر أن ينهض للحرب؛ مِن شدةِ المرضِ.
هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن زيدان الحسني، أبو عبد الله، المعروف بالشيخ، والملقب بالسلطان المهدي: ثالثُ سلاطين الدولة السعدية بالسوس ومراكش. ولِدَ سنة 896. كان مع أبيه القائمِ بأمر الله في بدء ظهورِه، ثم كان مع أخيه أحمد الأعرج، وكانت كلمتُهما واحدة مدة 23 عامًا، ثم افترقت كلمتُهما، فقام محمد بخلع أخيه أحمد والقبض عليه وعلى أولاده سنة 946، واجتمعت الكلمة عليه، فباشر الجهادَ في الثغور، فافتتح حصنَ فونتي وآسفي، واختط مرسى أغادير بالسوس الأقصى سنة 947, ثم ضمَّ مراكش سنة 951 فانتقل إليها. وبعدها طمِحَت نفسه للاستيلاء على بقية المغرب والقضاء على الوطاسيين أصحابِ فاس وأطرافِها، فافتتح مكناسة الزيتون سنة 956, وقبض على أكثَرَ مَن بها من الوطاسيين وأرسلَهم مُصفَّدين إلى مراكش. وقاتل العثمانيين في تلمسان وكانوا قد استولوا عليها، فأخذها منهم، ثم امتنعوا عليه بها. وكانت قد بقيت بفاس طائفةٌ من الترك العثمانيين الذين أحضرهم أبو حسون الوطاسي، فجعلهم الشيخ المهدي جندًا على حِدَة وسمَّاهم اليشكارية- العسكر الجديد- وأرسل له السلطانُ سليمان القانوني يهنِّئُه بالمُلك ويطلب منه الدعاء له على منابر المغرب وأن يكتُبَ اسمَه على سكَّته، فرفض طلبه، ثم أرسل السلطانُ سليمان أشخاصًا اتصلوا باليشكارية فتربَّصوا الشيخ المهدي حتى قتلوه غيلةً, وكان من عظماء الرِّجال؛ مهيبًا، غزير العلم، عُنِيَ بالتفسير، وحفظ صحيح البخاري وديوانَ المتنبي.
لما استولى النصارى الأسبان على العرائش، طمحت نفوسُهم إلى الاستيلاء على غيرها وتعزيزِها بأختها، فرأوا أنَّ المهديةَ أقربُ إليها، فبعث إليها الطاغية فيليبس الثالث من جزيرة قادس تسعين مركبًا حربية، فانتهوا إليها واستولوا عليها من غير قتال؛ لفرار المسلمين الذين كانوا بها عنها، وبعدها كتب أهل سلا إلى السلطان زيدان، فبعث إليهم أبا عبد الله العياشي الذي كان مقدمًا بوكالته على الجهاد بدكالة، وأمر أبو عبد الله أهلَ سلا بالتهيؤ للغزو واتخاذ العُدة، فلم يجد عندهم إلَّا نحوَ المائتين منها، وكانت السنون والفِتَن قد أضعَفَتها، فحضَّهم على الزيادة والاستكثار منها، فكان مبلغُ عِدَّتهم بما زادوه زهاءَ أربعمائة، ثم نهض بهم إلى المعمورة فصادف بها من النصارى غِرَّةً، فكانت بينه وبينهم حربٌ قُربُها إلى أن غربت الشمس، فقُتِل من النصارى زهاءُ أربعمائة، ومن المسلمين مائتان وسبعون، وهذه أول غزوة أوقعها في أرض الغرب بعد صدوره من ثغر آزمور، ومنها أقصرت النصارى عن الخروج إلى الغابة، وضاق بهم الحالُ، ثم إن السلطان زيدان لما بلغه اجتماعُ الناس على سيدي محمد العياشي بسلا وسلامته من غدرةِ قائدِه السنوسي، بعث إلى قائده على عسكر الأندلس بقصبة سلا المعروف بالزعروري وأمره باغتيالِه والقبض عليه، ففاوض الزعروري أشياخَ الأندلس في ذلك، فاتفق رأيُهم على أن يكون مع العياشي جماعةٌ منهم عينًا عليه وطليعةً على نيَّتِه واستخبارًا لِما هو عازم عليه وما هو طالبٌ له، فلازمه بعضُهم وشعر العياشي بذلك فانقبض عن الجهادِ ولَزِم بيته.
لَمَّا تولى براك بن عبد المحسن أمرَ بني خالد نهض بجميعِ بني خالد للغزوِ، فورد اللصافة الماء المعروف، فأغار على عُربان سبيع وغيرهم, وأخذ منهم إبلًا كثيرة، فلما بلغ الأمير سعود خبَرُ بني خالد استشار من معه في النفير أو الحضير، فأشار عليه العُربان بالنفير طمعًا في الغنيمة، فتكلم حجيلان بن حمد فقال: هؤلاء مقصِدُهم الغنيمة ونحن مقصِدُنا عزُّ الإسلام والمسلمين، فانهض بالمسلمين في ساقةِ هذه الشَّوكةِ، فإن أظفرك اللهُ بهم لم يقُمْ لبني خالد قائمةٌ حتى الحسا بيدك، وأعطاك الله من الأموال ما هو خير ممَّا في محلتهم، وهؤلاء الجنود رؤساءُ بني خالد ورجالُ شوكتهم, فنهض سعود بجيشِه وورد ماء اللصافة، فوجد آثار بني خالد صادِرة منها، فبعث العيون يقتفون آثارهم حتى أقبلوا كأنَّها قِطَع الليل، فنهض لهم سعود بجيشِه فرسانًا ورُكبانًا، فلم يثبتوا لهم ساعةً واحدةً حتى انهزموا لا يلوي أحدٌ على أحدٍ، ولا والدٌ على ولد, فتبعهم جيشُ سعود في ساقَتِهم يقتلون ويغنَمون، واستأصلوا تلك الجموعَ قتلًا ونهبًا، وانهزم براك ومعه شرذمة قليلة إلى المنتفق, وهلك من بني خالد في هذه الوقعة بين القَتلِ والظمأ خلق كثير، قيل إنهم أكثر من ألف رجل, وأخذ سعودٌ جميع ركابهم وخيلهم وأذوادهم وأمتاعهم، وجميع ما معهم، ولم يقم بعد هذه الواقعة لبني خالد قائمةٌ.
انطلقت حملةُ أحمد طوسون بن محمد علي من مصرَ، ونزل طوسون على الساحِلِ الغربيِّ بجيشٍ قِوامه عشرة آلاف جندي, حرص طوسون أن يُغدِقَ الأموال والهدايا والخِلَع على شيوخ القبائل ورؤساء الجماعات التي تقطُن الموانئ الحجازية ولها نفوذ فيها؛ لتكون سندًا لقواتِه، ولتقبَلَ تأجير إبلها إلى قواته من أجل حَمل المُؤَن والعتاد من المناطق الساحلية إلى داخل البلاد، واستولى على ينبُع بدون مقاومة تذكر, ثم استدرج عبد الله بن سعود قوات طوسون إلى الأراضي النجدية من أجل إضعافِها وتشتيت قواتِها, حتى تمكنت القواتُ السعودية من إنزال هزيمةٍ كبيرة بقوات طوسون في وقعة وادي الصفراء بين المدينة والقصيم سنة1227، وقُتِل من جيش طوسون 1200 مقاتل، وبعد هذه الهزيمة اضطر طوسون إلى أن يطلُبَ العون والمساعدة من والده محمد علي باشا، ثمَّ عاد إلى ينبع وبقِيَ فيها مدَّةً ثم تقدَّم نحو المدينة، ونجح في الاستيلاءِ عليها بعد حصار دام شهرين، ثم توجَّه طوسون إلى جدة ودخلها, فاضطر عبد الله بن سعود أن يخرُجَ من مكة, فتمكن طوسون من دخول مكةَ بدون معارضة, ثمَّ استولى على الطائِفِ، لكن السعوديين عادوا وانتصروا في تَرَبة والحناكية وقطعوا طرقَ المواصلات بين مكة والمدينة، وانتشرت الأمراضُ في صفوف جيش طوسون، وأصاب الجنودَ الإعياءُ نتيجة شدة القيظ وقِلَّة المؤونة والماء، ما زاد موقف طوسون حرجًا، فرأى بعد تلك الخسائر أن يلزم خطةَ الدفاع، وأرسل إلى والده يطلُبُ المساعدة.
الأميرُ خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود أميرٌ مِن آل سعود، وهو مِن أمٍّ حبشية. نشأ بمصرَ بعد حرب إبراهيم باشا للدرعية, ولما قَوِيَ أمر الإمام فيصل بن تركي في الديار النجدية أرسل محمد علي باشا خالدًا مع قوة عسكرية يقودُها إسماعيل بك سنة 1252 هـ لقتال فيصل بن تركي، فنشبت بينهما معاركُ انتهت باستسلام فيصل لخورشيد باشا في رمضان 1255 1838 م ووجَّهه خورشيد إلى مصر، ومعه ولداه عبد الله ومحمد وأخوه جلوي بن تركي. وتولى خالدٌ الإمارة، فسيَّرَ حملة بقيادة سعد بن مطلق إلى الأراضي المجاورة لنجد، وخضعت له عددٌ من بلدان نجد عدا الخرج وبلدة الحلوة، رفض أهلها الخضوع له؛ لعِلمِهم أن حُكمَه صوريٌّ والحكم الحقيقي لمحمد علي باشا. كتب خالدُ بن سعود إلى إمام مسقط سعيد بن سلطان يطالِبُه بالجزية التي كان يؤدِّيها من قبل لأجداده آل سعود. ومال خالدُ بن سعود إلى اللَّهوِ، فنفر منه أصحابُه، وثار عليه عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان ابن سعود، فرحل خالد إلى الأحساء، فلما دخل ابن ثنيان الرياضَ واجتمع عليه أهلُ نجد مضى خالد بن سعود إلى الدمَّام ثم الكويت، ومنها إلى مكة. وتوفي بجُدة محمومًا.
هو الشيخ شبلي حبيب الله بن سراج الدولة النعماني، أحد علماء الهند. اعتنى به والدُه الشيخ "حبيب الله"؛ حيث كان من العلماء، فنشأ محبًّا للعلم. رحل شبلي في طلب العلم، وتنقل بين لكنو ودلهي ولاهور ورامبور وسهارنبور وغيرها من المدن الهندية، فدرس الأدب والفقه، والحديث وعلوم الفارسية والأدبية والعربية، كما درس الهندسة والمنطق والفلسفة، وتلقَّى العلم على عدد من شيوخ الهند، منهم الشيخ "محمد فاروق الجرياكوتي"، والشيخ "أحمد علي"، والشيخ "إرشاد حسين"، والشيخ "فيض الحسن". وعندما بلغ التاسعة عشرة من عمره سنة (1293هـ/1876م) قرَّر شبلي أداء فريضة الحج، وهناك اتصل بعددٍ مِن علماء الحجاز، وأتم تعليمَه بالأراضي المقدسة، ثم عاد بعد ذلك إلى "أعظم كره" حيث عمل بالمحاماة لفترة قصيرة، ولكنه لم يستطع أن يندمِجَ في تلك المهنة طويلًا، وسرعان ما تركها ليعمَلَ بوظيفة أخرى، إلا أنه لم يستطِعْ أن يعيش بعيدًا عن البحث والدراسات، فدعاه حنينه للعلم وشوقه للمعرفة إلى التفرغ للقراءة والاطلاع، فترك الوظائف العامة وعكَفَ على المطالعة والدراسة والبحث، ثم ما لبث أن بدأ في الكتابة والتصنيف، وظهرت مواهبه وقدراته في التأليف ونظْم الشعر، وبدأ اسمُه يلمع ويشتهر ذِكرُه بين قراءة الأردية والفارسية. عَمِلَ في جامعة عليكرة، واشتغل بالدعوةِ والدفاع عن الإسلام، وشارك في تأسيسِ ندوة العلماء بمدينة لكنو.
الملِكُ خالد بن عبد العزيز -رحمه الله- هو رابعُ مَن تولَّى ملِكَ المملكة العربية السُّعودية، بعْدَ أبيه الملِك عبد العزيز وأخوَيه سُعود وفَيصل، وقد تولَّى حُكمَ السُّعودية عقِب اغتيالِ أخيه فَيصل سنة 1395هـ - 1975م، وشهِدَ عهدُه ازدهارًا اقتصاديًّا كبيرًا للسُّعودية؛ بسَببِ ارتفاعِ أسعار النِّفط، وما صاحَب ذلك مِن انفتاحٍ على العالَم الخارجي بصورةٍ أكبرَ بكثيرٍ مِن السابق، وقد حاوَل الملِك خالدٌ الحدَّ من الآثار الجانبيةِ لهذا الانفتاحِ قدْر استطاعتِه؛ حيث دعا إلى السَّير ببُطْء في مَجال التصنيع؛ للحدِّ مِن تَنامي التدخُّل الأجنبي في البلاد، خاصةً وأن عددَ العمالةِ الأجنبية الغربيةَ قد تضاعَفَ خمْسَ مرَّات خلالَ سبعِ سنواتٍ. وقد وقعَتَ في عهْد الملِك خالدٍ حادثتانِ في غاية الخُطورة والأهمية؛ أولهما: الثَّورة الخُمينيةُ في إيرانَ، والتي أطاحت بالملَكِية هناك، وذلك سنةَ 1399هـ، والحادثةُ الثانيةُ: حادثة جُهميان العتيبيِّ، واقتحامه المسجدَ الحرامَ مع مُدَّعي المهْدِية محمد القحطاني، وذلك سنةَ 1400هـ. وكان الملِك خالدٌ يُعاني مِن مَرَضٍ بالقلْب، فما زال يَتزايد عليه المرضُ حتى مات رحمه الله في 21 شعبان 1402 هـ - 13 يونيه 1982م، أثناءَ استعدادِه لرحلة علاجٍ بالخارج، ثم بُويع الملِكُ فهدٌ مَلِكًا للمملكة العربية السُّعودية عقِبَ وفاة الملِك خالد بن عبد العزيزِ.
بدأ في اليمَن تنفيذ مشروع الوَحْدة الاندماجيَّة الفَوْريَّة، عندما وصل وفدٌ من صنعاءَ برئاسة الرئيس علي عبد الله صالح للمُشارَكة في احتفالات ذِكرى جَلاء الاستعمار البريطاني عن الجنوب اليَمَني (1967م)، لكنَّ الزيارةَ لم تنتهِ إلَّا وقد تمَّ التوقيع على اتفاق يَقْضي بإحالة مشروع دستور يَمَن الوَحْدة الجديد على برلمان كل شطر، تمهيدًا لإجراء استفتاءٍ شَعبي عليه، وهو ما كان يَعْني قيامَ وَحْدة اندماجيَّة فَوْريَّة لم يكُنْ أحدٌ يتوقَّعُها، وجَرى حديث انفراديٌّ بين زَعيمَيْ شطرَيِ اليمَن آنذاك: علي عبد الله صالح، وعلي سالم البيض، وانتهى باتِّفاقهما على تحقيق وَحْدة اندماجيَّة، وعادت الوَحْدة بين شطرَيِ اليَمَن الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليَمَن الديمقراطيَّة الشعبيَّة في العام 1410/ 1990، ليُشكِّلا الجمهورية اليَمَنية، وفي بداية عهد الوَحْدة واجَهَ اليَمَنُ الجديدُ تحديًا خطيرًا تمثَّلَ في تداعيات الاحتلال العراقي للكويت، واستقدام القوات الدوليَّة لتحرير الكويت والدفاع عن منابع النفطِ، كما شهِد اليَمَن في العام الأوَّل للوَحْدة صراعًا سياسيًّا وفكريًّا بين التيار الإسلامي وأنصاره، وبين الحزب الاشتراكي وأنصاره، حولَ جُملة من القوانين والتوجُّهات الدستورية، ثم اختلفت أطراف النظام الحاكم، ممَّا أدَّى إلى اشتعال حرب بين الدولتَينِ في العام 1994، وانتصرت الجمهورية العربية اليَمَنية (الشماليَّة) في هذة المعارك، وتم إعادة الوَحْدة.
قام الصِّدِّيقُ أبو بكرٍ رضِي الله عنه بعَقْدِ أربعةِ أَلوِيةٍ لفَتْح بِلادِ الشَّام بعدَ أن فَرَغَ مِن حُروبِ الرِّدَّةِ، وجعَل قِيادَتَها لأبي عُبيدةَ بن الجَرَّاحِ، ووِجْهَتُه حِمْصُ، وعَمرِو بن العاصِ ووِجْهَتُه فِلسطينُ، وشُرَحْبِيلِ بن حَسَنَةَ ووِجْهَتُه الأُرْدُنُّ، ويَزيدَ بن أبي سُفيانَ ووِجْهَتُه دِمشقُ. وقد أَدَّتْ هذه الجُيوشُ دورَها الفعَّالَ في مُقاتلةِ الرُّومِ وانتصروا في مَواقعَ كثيرةٍ، وكان الرُّومُ في جَميعِها أكثرَ عددًا وعُدَّةً.
بعدَ أن فَرَّ يزدجردُ مِن المدائنِ وسار بِاتِّجاهِ حُلوان، والْتَفَّ مَن الْتَفَّ حولَه خِلالَ مَسيرِه فأَمَّرَ عليهم مِهرانَ وأقاموا بجَلُولاء، وتَحَصَّنوا فيها، وحَفروا الخَنادِقَ حولَها، فبعَث سعدٌ إلى عُمَر يُخبِره بذلك، فأَمَرَهُ أن يُقيمَ بالمدائنِ، ويُرْسِل إليهم هاشمَ بن عُتبةَ بن أبي وَقَّاص، فسار إليهم هاشمٌ وحاصَرهُم، واشْتَدَّ القِتالُ، وكانت النَّجدات تَصِلُ إلى الطَّرفين حتَّى فتَح الله على المسلمين، وقد قتَلوا مِن الفُرْسِ الكثيرَ.
فَتَحَ يَزيدُ بن المُهَلَّب قَلْعَةَ نَيْزَك، وكان يَزيد قد وَضَع على نَيْزَك العُيونَ، فلمَّا بَلَغَهُ خُروجُ نَيْزَك عنها سار إليها فحاصَرَها فمَلَكَها وما فيها مِن الأموال والذَّخائِر، وكانت مِن أَحْصَن القِلاعِ في زَمانِها، وكان نَيْزَك إذا رآها سَجَدَ لها تَعْظِيمًا لها، كَتَبَ يَزيدُ بن المُهَلَّب إلى الحَجَّاجِ بالفَتْحِ: أَنَّا لَقِينَا العَدُوَّ فمَنَحَنا اللهُ أَكْتافَهُم، فقَتَلْنَا طائِفَة، وأَسَرْنا طائِفَة، ولَحِقَت طائِفَة بِرُؤوسِ الجِبال وعَراعِر الأَوْدِيَة، وأَهْضام الغِيطان وأَثْناء الأَنْهار.
بلغ أبا جعفر المنصور ما فعله الدَّيلمُ بالمسلمين وقتْلُهم منهم مقتلةً عظيمةً، فوجَّه إلى البصرة حبيبَ بن عبد الله بن رغبان، وعليها يومئذ إسماعيلُ بن عليٍّ، وأمره بإحصاءِ كلِّ مَن له فيها عشرةُ آلاف درهم فصاعدًا، وأن يأخُذَ كلَّ من كان ذلك له بالشُّخوصِ بنَفسِه لجهاد الدَّيلم، ووجَّه آخر لمثل ذلك إلى الكوفة. ثم سيَّرَ أبو جعفر النَّاسَ من الكوفة والبصرة والجزيرة والموصل إلى غزو الديلم، واستعمل عليهم محمد بن أبي العباس السفَّاح.
كانت قلعةُ بركوي المتاخِمةُ للأرمن في يَدِ أبي الهيجاء بن ربيب الدَّولة، ابنِ أخت وهسوذان بن مملان، فتنافَرَ هو وخاله، فأرسل خالُه إلى الرومِ فأطمعهم فيها، فسَيَّرَ مَلِكُ الروم إليها جمعًا كثيرًا فمَلَكوها، فبلغ الخبَرُ إلى الخليفة العباسي القائمِ بأمرِ الله، فأرسل إلى أبي الهيجاءِ وخالِه مَن يُصلِحُ بينهما ليتَّفِقا على استعادةِ القلعةِ، فاصطلحا، ولم يتمَكَّنا من استعادتِها، واجتمع إليهما خلقٌ كثيرٌ مِن المتطَوِّعة، فلم يقدروا على ذلك؛ لثباتِ قَدَمِ الرُّومِ بها.
أنشأها القاضي أستاذ دار الخليفة المستعصم الصاحب محيي الدين ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي أيَّامَ الملك الصالح عماد الدين، كان قد حصل على أموالٍ وكراماتٍ من بني أيوب بالشامِ- أثناء قيامه بالسِّفارة بين الخليفة وبني أيوب- ابتنى بها المدرسةَ الجوزيَّة بالنشابين بدمشق بسوق القمح بالقرب من الجامِعِ، وقد نسب إليها ابنُ قَيِّم الجوزيَّة رحمه الله، فهو إمامُها ووالدُه كان قَيِّمَها.