كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبلَ عَقْدِ صُلحِ الحُديبيةِ بعَث خِراشَ بنَ أُميَّةَ الخُزاعيَّ إلى مكَّةَ، وحمَلهُ على جَملٍ له يُقالُ له: الثَّعلبُ. فلمَّا دخَل مكَّةَ عَقَرَتْ به قُريشٌ وأرادوا قَتْلَ خِراشٍ فمنَعهُم الأَحابيشُ (هم: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة) حتَّى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فدَعا عُمَرَ لِيَبعثَهُ إلى مكَّةَ، فقال: يا رسولَ الله إنِّي أَخافُ قُريشًا على نَفْسي، وليس بها مِن بني عَدِيٍّ أحدٌ يَمنعُني، وقد عَرفتْ قُريشٌ عَداوتي إيَّاها وغِلْظَتي عليها؛ ولكنْ أَدلُّك على رجلٍ هو أَعزُّ مِنِّي عُثمانَ بنِ عفَّانَ. فدَعاهُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبعَثهُ إلى قُريشٍ يُخبِرُهم أنَّه لم يأتِ لحربٍ، وأنَّه جاء زائرًا لهذا البيتِ مُعَظِّمًا لِحُرمَتِه، فخرج عُثمانُ حتَّى أتى مكَّةَ ولَقِيَهُ أَبانُ بنُ سَعيدِ بنِ العاصِ، فنزَل عن دَابَّتِه وحمَله بين يَديه ورَدِف خلفَه وأَجارهُ حتَّى بلَّغَ رِسالةَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فانطلق عُثمانُ حتَّى أتى أبا سُفيانَ وعُظماءَ قُريشٍ فبَلَّغهُم عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما أَرسلهُ به، فقالوا لِعُثمانَ: إن شِئتَ أن تَطوفَ بالبيتِ فَطُفْ به. فقال: ما كنتُ لأفعلَ حتَّى يَطوفَ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فاحْتبسَتهُ قُريشٌ عندها، فبلَغ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين أنَّ عُثمانَ قد قُتِلَ).قال ابنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما:كانت بَيعةُ الرِّضوانِ بعدَ ما ذهَب عُثمانُ إلى مكَّةَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِه اليُمنى: «هذه يدُ عُثمانَ». فضرَب بها على يدِه، فقال: «هذه لِعُثمانَ».
وقال جابرُ بنُ عبدِ الله: كُنَّا يومَ الحُديبيةِ ألفًا وأربعَ مائةٍ، فبايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعُمَرُ آخِذٌ بيدِه تحت الشَّجرةِ، وهي سَمُرَةٌ. وقال لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليومَ خيرُ أهلِ الأرضِ». ثم قال جابرٌ: لو كنتُ أُبصِرُ لأَرَيْتُكُم مَوضِعَ الشَّجرةِ.
وعن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ قال: لقد رَأيتُني يومَ الشَّجرةِ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبايِعُ النَّاسَ، وأنا رافعٌ غُصنًا مِن أَغصانِها عن رَأسِه، ونحن أربعَ عشرةَ مائةً. وقدِ اخْتلفتِ الرِّواياتُ في عَددِهم، فقال ابنُ حَجَرٍ: (والجمعُ بين هذا الاختلافِ أنَّهم كانوا أكثرَ مِن ألفٍ وأربعمائةٍ، فمَن قال: ألفًا وخمسمائةٍ جبَر الكَسرَ، ومَن قال: ألفًا وأربعمائةٍ أَلغاهُ).
لمَّا افْتَتَح سعدُ بن أبي وَقَّاص المدائنَ بَلغَه أنَّ أهلَ المَوْصِل قد اجْتَمعوا بِتَكْريت على رَجُلٍ يُقال له: الأنطاق, فكتَب إلى عُمَر بن الخطَّاب بأَمْرِ جَلُولاء، واجْتِماع الفُرْسِ بها, وبأَمْرِ أهلِ المَوْصِل, فكتَب عُمَر في قَضِيَّةِ أهلِ المَوْصِل أن يُعَيِّنَ جيشًا لِحَرْبِهم, ويُؤَمِّرَ عليه عبدَ الله بن المُعْتَمِّ, ففَصَلَ عبدُ الله بن المُعْتَمِّ في خمسةِ آلافٍ مِن المدائنِ, فسار في أربعٍ حتَّى نزَل بِتَكْريت على الأنطاقِ، وقد اجْتَمع إليه جماعةٌ مِن الرُّومِ, ومِن نَصارى العَربِ, مِن إيادٍ, وتَغْلِبَ, والنَّمِرِ, وقد أَحْدَقوا بِتَكْريت, فحاصَرهُم عبدُ الله بن المُعْتَمِّ أربعين يومًا, وزاحَفوهُ في هذه المُدَّةِ أربعةً وعشرين مَرَّةً, ما مِن مَرَّةٍ إلَّا ويَنْتَصِرُ عليهم, وراسَل عبدُ الله بن المُعْتَمِّ مَن هنالك مِن الأَعرابِ, فدَعاهُم إلى الدُّخولِ معه في النُّصْرَةِ, وفَلَّ جُموعَهم, فضَعُفَ جانِبُهُم, وعزَمَت الرُّومُ على الذِّهابِ في السُّفُنِ بأَموالِهم إلى أهلِ البلدِ, فجاءت القُصَّادُ إليه عنهم بالإجابةِ إلى ذلك, فأرسَل إليهم: إن كنتم صادِقين فيما قُلتُم فاشْهَدوا أنَّ لا إلهَ إلَّا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله, وأَقِرُّوا بما جاء مِن عند الله. فرجعت القُصَّادُ إليه بأَنَّهم قد أسلموا, فبعَث إليهم: إن كنتم صادِقين، فإذا كَبَّرْنا وحَمَلْنا على البلدِ اللَّيلةَ فأَمْسِكوا علينا أبوابَ السُّفُنِ, وامْنَعوهُم أن يَركَبوا فيها, واقْتُلوا منهم مَن قَدَرْتُم على قَتلِه, ثمَّ شَدَّ عبدُ الله وأصحابُه, وكَبَّروا تَكبيرةَ رَجُلٍ واحدٍ, وحَمَلوا على البلدِ, فكَبَّرت الأعرابُ مِن النَّاحيةِ الأُخرى, فَحَارَ أهلُ البلدِ, وأخذوا في الخُروجِ مِن الأبوابِ التي تَلِي دِجْلَة, فتَلَقَّتْهُم إيادٌ والنَّمِرُ وتَغْلِبُ, فقَتَلوهُم قتلًا ذَريعًا, وجاء عبدُ الله بن المُعْتَمِّ بأصحابِه مِن الأبوابِ الأُخَرِ, فقتَل جميعَ أهلِ البلدِ عن بَكْرَةِ أَبيهِم ولم يُسْلِم إلَّا مَن أَسلَم مِن الأعرابِ مِن إيادٍ وتَغْلِبَ والنَّمِرِ, وقد كان عُمَرُ عَهِدَ في كِتابِه إذا نُصِروا على تَكْريت أن يَبعَثوا رِبْعِيَّ بن الأفْكَلِ إلى الحِصْنَيْنِ، وهي المَوْصِل سريعًا, فسار إليها كما أَمَرَ عُمَرُ، ومعه سَرِيَّةٌ كثيرةٌ وجماعةٌ مِن الأبطالِ, فسار إليها حتَّى فاجَأَها قبلَ وُصولِ الأخبارِ إليها, فأجابوا إلى الصُّلْحِ, فضُرِبَت عليهم الذِّمَّةُ عن يَدٍ وهُم صاغِرون, ثمَّ قُسِّمَت الأموالُ التي تَحَصَّلت مِن تَكْريت, فبلَغ سَهمُ الفارسِ ثلاثةَ آلافٍ، وسَهمُ الرَّاجِل ألفَ دِرهَم، وبَعَثوا بالأخماسِ مع فُراتِ بن حَيَّانَ, وبالفَتحِ مع الحارِث بن حَسَّانَ, ووَلِيَ إِمْرَةَ حَربِ المَوْصِل رِبْعِيُّ بن الأَفْكَل ووَلِيَ الخَراجَ بها عَرْفَجَةُ بن هَرْثَمَةَ.
كانت حران لمملوك من مماليك ملكشاه اسمه قراجه، فاستخلف عليها إنسانًا يقال له محمد الأصبهاني، وخرج في العام الماضي، فعصى الأصبهاني على قراجه، ثم قُتل محمد الأصبهاني، قتَلَه غلامٌ لقراجه، فعند ذلك سار الفرنج إلى حران وحصروها، فلما سمع مُعين الدولة سقمان وشمس الدولة جكرمش ذلك، وكان بينهما حرب، أرسل كلٌّ منهما إلى صاحبه يدعوه إلى الاجتماع معه لتلافي أمر حران، ويُعلِمه أنه قد بذل نفسه لله تعالى وثوابه، فكل واحد منهما أجاب صاحبه إلى ما طلب منه، وسارا فاجتمعا على الخابور وتحالفا، وسارا إلى لقاء الفرنج، فالتقوا على نهر البليخ، وكان المصاف بينهم هناك فاقتتلوا، فأظهر المسلمون الانهزام، فتبعهم الفرنج نحو فرسخين، فعاد عليهم المسلمون فقتلوهم كيف شاؤوا، وامتلأت أيدي التركمان من الغنائم، ووصلوا إلى الأموال العظيمة؛ لأن سواد الفرنج كان قريبًا، وكان بيمند صاحبُ أنطاكية، وطنكري صاحِبُ الساحل، قد انفردا وراء جبل ليأتيا المسلمين من وراء ظهورهم إذا اشتدت الحرب، فلما خرجا رأيا الفرنج منهزمين، وسوادهم منهوبًا، فأقاما إلى الليل وهربا، فتبعهما المسلمون، وقتلوا من أصحابهما كثيرًا، وأسَروا كذلك، وأفلتا في ستة فرسان، وكان القمص كبير القساوسة- بردويل، صاحب الرها، قد انهزم مع جماعةٍ من قمامصتهم، وخاضوا نهر البليخ، فوَجِلت خيولهم، فجاء تركماني من أصحاب سقمان فأخذهم، وحمل بردويل إلى خيم صاحبه، وقد سار فيمن معه لاتباع بيمند، فرأى أصحاب جكرمش أن أصحاب سقمان قد استولوا على مال الفرنج، ويرجعون هم من الغنيمة بغير طائل، فقالوا لجكرمش: أي منزلة تكون لنا عند الناس، وعند التركمان إذا انصرفوا بالغنائم دوننا؟ وحَسَّنوا له أخذَ القُمص، فأنفذ فأخذ القمص من خيم سقمان، فلما عاد سقمان شقَّ عليه الأمر، وركب أصحابُه للقتال، فردَّهم، وقال لهم: لا يقوم فرح المسلمين في هذه الغزاة بغَمِّهم باختلافنا، ولا أؤثر شفاء غيظي بشماتة الأعداء بالمسلمين. ورحل لوقته، وأخذ سلاح الفرنج، وراياتهم، وألبس أصحابَه لُبسَهم، وأركبهم خيلَهم، وجعل يأتي حصون شيحان، وبها الفرنج، فيَخرُجون ظنًّا منهم أن أصحابهم نُصِروا، فيقتُلهم ويأخذ الحصن منهم، فعل ذلك بعدة حصون. وأما جكرمش فإنه سار إلى حران فتسلمها، واستخلف بها صاحبه. وسار إلى الرها، فحصرها خمسة عشر يومًا، وعاد إلى الموصل ومعه القمص الذي أخذه من خيام سقمان، ففاداه بخمسة وثلاثين دينارًا، ومائة وستين أسيرًا من المسلمين، وكان عدة القتلى من الفرنج يقارب اثني عشر ألف قتيل!
كان الأميرُ علي بن يحيى صاحب إفريقية لما استوحش من رجار صاحب صقلية، جدَّد الأسطول الذي له، فكثَّر عَدده وعُدده، وكاتب أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين بمراكش بالاجتماع معه على قصد جزيرة صقلية، فلما علم رجار ذلك كفَّ عن بعض ما كان يفعله، فاتفق أن عليًّا مات سنة 515، وولي ابنه الحسن، فلما دخلت سنة 516 سيَّرَ أمير المسلمين أسطولًا، ففتح نقوطرة بساحل بلاد قلورية، فلم يشكَّ رجار أن عليًّا كان سبب ذلك، فجدَّ في تعمير الشواني والمراكب، وحشد فأكثر، ومُنِع من السفر إلى إفريقية وغيرها من بلاد الغرب، فاجتمع له من ذلك ما لم يُعهَد مثله، قيل: كان ثلاثمائة قطعة، فلما انقطعت الطريق عن إفريقية توقَّع الأمير الحسن بن علي خروج العدو إلى المهدية، فأمر باتخاذ العُدد، وتجديد الأسوار، وجَمْع المقاتِلة، فأتاه من أهل البلاد ومن العرب جمع كثير، فلما كان جمادى الآخرة سنة 517 سار الأسطول الفرنجي في ثلاثمائة قطعة، فيها ألف فارس وفرس واحد، إلا أنهم لما ساروا من مرسى علي فرَّقتهم الريح، وغرق منهم مراكب كثيرة، ونازل من سَلِمَ منهم جزيرة قوصرة ففتحوها، وقتلوا من بها، وسَبَوا وغنموا، وساروا عنها، فوصلوا إلى إفريقية، ونازلوا الحصن المعروف بالديماس أواخر جمادى الآخرة، فقاتلهم طائفة من العرب كانوا هناك، والديماس حِصن منيع في وسطه حصن آخر، وهو مُشرِف على البحر، وسيَّر الحسن من عنده من الجموع إلى الفرنج، وأقام هو بالمهدية في جمع آخر يحفظها، وأخذ الفرنج حصن الديماس، وجنود المسلمين محيطة بهم، فلما كان بعد ليال اشتدَّ القتال على الحصن الداخل، فلما كان الليل صاح المسلمون صيحة عظيمة ارتجَّت لها الأرض، وكبَّروا، فوقع الرعبُ في قلوب الفرنج، فلم يشكُّوا أن المسلمين يهجمون عليهم، فبادروا إلى شوانيهم، وقتلوا بأيديهم كثيرًا من خيولهم، وغنم المسلمون منها أربعمائة فرس، ولم يسلم معهم غير فرس واحد، وغنم المسلمون جميع ما تخلَّف عن الفرنج، وقتلوا كلَّ من عجز عن الطلوعِ إلى المراكِبِ، فلما صعد الفرنج إلى مراكِبِهم أقاموا بها ثمانية أيام لا يقدِرون على النزول إلى الأرض، فلما أيسوا من خلاص أصحابهم الذين في الديماس ساروا والمسلمون يكبِّرون عليهم ويَصيحون بهم، وأقامت عساكِرُ المسلمين على حصن الديماس في أُمم لا يُحصَون كثرةً، فحَصَروه، فلم يُمكِنْهم فتحُه لحصانته وقوته، فلما عدم الماء على من به من الفرنج، وضجروا من مواصلة القتال ليلًا ونهارًا، فتحوا باب الحصن وخرجوا، فقُتِلوا عن آخِرِهم، وذلك يوم الأربعاء منتصف جمادى الآخرة من السنة، وكانت مدة إقامتهم في الحصن ستة عشر يومًا، ولما رجع الفرنج مقهورين أرسل الأمير الحسن البشري إلى سائر البلاد.
هو الإمامُ العَلَّامة الحافِظُ الأوحَدُ، شَيخُ الإسلامِ القاضي أبو الفَضلِ عِياضُ بنُ موسى بنِ عِياضِ بنِ عَمرِو بنِ موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عِياض اليحصبي الأندلسي، ثمَّ السبتي، المالكيُّ، قاضي سبتة. أحدُ مشايخ العُلَماءِ المالكيَّة، أصلُه من الأندلُسِ انتَقَلَ جَدُّه عَمرٌو مِن الأندلُسِ إلى مدينة فاس، ثمَّ مِن فاس إلى سبتة, ووُلِدَ القاضي عياض بسبتة في النِّصفِ مِن شعبان سنة 476, لم يَحمِل القاضي العِلمَ في الحداثة، وأوَّلُ شَيءٍ أخذه عن الحافِظِ أبي علي الغساني إجازةً مُجَرَّدة، وكان يُمكِنُه السَّماعُ منه. بدأ بطلب العلمِ في الثانية والعشرين مِن عُمُرِه, ثمَّ رحل إلى الأندلس سنة 503، فاستبحَرَ مِن العُلومِ، وجمَعَ وألَّف، وسارت بتصانيفِه الرُّكبانُ، واشتُهِرَ اسمُه في الآفاقِ، حتى أصبح إمامَ وَقتِه في الحديثِ وعُلومِه، والفِقهِ واللُّغةِ والأدَبِ، وأيَّامِ الناس، وله مُصَنَّفات كثيرةٌ مُفيدةٌ شاهِدةٌ على إمامتِه، منها: الشَّفا بتعريف حقوق المصطفى، وشَرحُ مُسلِم، ومشارِقُ الأنوار، وشَرحُ حديث أم زرع، وغير ذلك، وله شِعرٌ حَسَنٌ. قال خلف بن بشكوال تلميذُه: "هو مِن أهلِ العِلمِ والتفَنُّنِ والذَّكاءِ والفَهمِ، استُقضِيَ بسبتةَ مُدَّةً طويلةً، حُمِدَت سِيرتُه فيها، ثمَّ نُقِلَ عنها إلى قضاءِ غِرناطة سنة 532، فلم يُطَوِّلْ بها، وقَدِمَ علينا قُرطُبةَ، فأخَذْنا عنه". قال الفقيهُ محمد بن حماده السبتي: "جلس القاضي للمُناظرة وله نحوٌ مِن ثمان وعشرين سنة، ووَلِيَ القضاءَ وله خمس وثلاثون سنة، كان هيِّنًا مِن غَيرِ ضَعفٍ، صُلبًا في الحَقِّ، تفَقَّه على أبي عبدِ الله التميمي، وصَحِبَ أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكُنْ أحَدٌ بسبتة في عَصرِه أكثَرَ تواليفَ مِن تواليفِه" ذكره الذهبي بقوله: "تواليفُه نَفيسةٌ، وأجَلُّها وأشرَفُها كِتابُ (الشَّفا) لولا ما قد حشاه بالأحاديثِ المُفتَعَلةِ عَمَلَ إمامٍ لا نَقْدَ له في فَنِّ الحديثِ ولا ذَوْقَ، واللهُ يُثيبُه على حُسنِ قَصْدِه، وينفَعُ بـ (شِفائِه) وقد فَعَل، وكذا فيه من التأويلاتِ البَعيدةِ ألوانًا، ونبيُّنا صَلَواتُ الله عليه وسلامُه غَنِيٌّ بمِدحةِ التَّنزيلِ عن الأحاديثِ، وبما تواتَرَ مِن الأخبارِ عن الآحادِ، وبالآحادِ النَّظيفةِ الأسانيدِ عن الواهياتِ، فلماذا يا قومِ نتشَبَّعُ بالموضوعاتِ؟ فيتطَرَّق إلينا مقالُ ذَوي الغِلِّ والحَسَدِ، ولكِنْ مَن لا يعلَمُ مَعذورٌ، فعليك يا أخي بكتاب (دلائل النبوة) للبَيهقيِّ؛ فإنَّه شِفاءٌ لِما في الصُّدور، وهُدًى ونُور" مات بمراكش يومَ الجُمُعةِ في جمادى الآخرةِ، وقيل في رمضانَ، بمدينة سبتة, ودُفِنَ بباب إيلان داخِلَ المَدينةِ.
هو المُحَدِّث الإمامُ الفقيهُ الحافِظُ الأوحَدُ البارعُ: عماد الدين أبو الفداء إسماعيلُ بن الخطيب شهاب الدين أبي حفص عمر بن كثير القرشي البصروي ثم الدمشقي الشافعي، صاحِبُ التفسيرِ والتاريخِ، صِهْرُ الشيخِ أبي الحجَّاج المِزِّي، مَولِدُه بقريةٍ شرقيَّ بُصرى من أعمال دمشق في سنة 701 كان أبوه خطيبًا بها، ثم انتقل إلى دمشق في سنة 706. تفقه ابن كثير بالشيخ برهان الدين الفزاري وغيره، وصاهر الحافِظَ المزِّيَّ فأكثَرَ عنه، وأفتى ودرَّس، وناظر وبرع في الفقه والتفسير والنحو، وأمعَنَ النظر في الرجال والعِلَل، وولي مشيخةَ أم الصالح والتنكزية بعد الذهبي، ذكره الذهبيُّ في المعجم المختص فقال: "هو فقيهٌ مُتقِنٌ، ومُحَدِّث مُحَقِّق، ومفَسِّر نقَّاد، وله تصانيفُ مُفيدة يدري الفِقهَ ويَفهَمُ العربيَّة والأصول، ويحفَظُ جملةً صالحة من المتونِ والتفسيرِ والرِّجال وأحوالهم، سَمِعَ مني، وله حِفظٌ ومَعرِفة " كان قدوةَ العُلَماء والحُفَّاظ، وعُمدةَ أهلِ المعاني والألفاظ، وسَمِعَ وجَمَع، وصنف ودرَّس، وحدَّث وألَّف، وكان له اطلاعٌ عظيم في الحديث والتفسير والتاريخ، واشتهَرَ بالضبط والتحرير، وقد تتلمذ على شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميَّة، وكان على عقيدتِه؛ قال ابنُ حجر: "وقع بينَ ابنِ كثير وبين إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن أيوب بن قَيِّم الجوزية مُنازعةٌ في تدريس النَّاسِ، فقال له ابنُ كثيرٍ: أنت تكرهُني لأنَّني أشعريٌّ! فقال له: لو كان من رأسِك إلى قَدَمِك شعرٌ ما صَدَّقَك النَّاسُ في قَولِك أنَّك أشعريٌّ، وشَيخُك ابنُ تيميَّة!!" انتهى إليه علمُ التاريخ والحديث والتفسير، وله مُصنَّفات عديدة مفيدة، ومن مصنفاته: تفسير القرآن الكريم، وكتاب طبقات الفقهاء، ومناقب الإمام الشافعي رضي الله عنه، والتاريخ المسمى بالبداية والنهاية، وخرج أحاديث مختصر ابن الحاجب، وكتب على البخاري ولم يكمله، وله التكميل في الجرح والتعديل، ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل، جمع فيه بين تهذيبِ الكمالِ للمِزِّي، وميزانِ الاعتدال لشيخهِ الذهبي، مع زياداتٍ وتحرير عليهما في الجرح والتعديل. قال ابن حجر: " ولازم المزِّي وقرأ عليه تهذيب الكمال، وصاهره على ابنتِه، وأخذ عن ابن تيميَّةَ، ففُتِنَ بحُبِّه وامتُحِنَ لِسَبَبِه، وكان كثير الاستحضارِ، حَسَن المُفاكَهة، سارت تصانيفُه في البلاد في حياتِه، وانتفع بها الناسُ بعد وفاته ". توفي في يوم الخميس سادس عشرين شعبان، وكانت جنازته حافلة مشهودة، ودُفِنَ بوصية منه في تربة شيخِ الاسلام ابنِ تيميَّة بمقبرة للصوفيَّة، خارج باب النصر من دمشق. وهو غير عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن بردس البعلبكي الحنبلي المتوفى سنة 786.
لما عُزِل الشريف حسن بن عجلان بالشريف رميثة في صفر من السنة الحالية، ودخل رميثة إلى مكة لم يتعرض إليه الشريف حسن، حتى بعث ابنه بركات، وقائده شكر إلى السلطان، فقدما فكتب السلطان بإعادة الشريف حسن إلى الإمرة في ثامن عشر شهر رمضان، وجهز إليه تشريفه وتقليده، فقدما عليه وهو بجدة في ثاني شوال، فبعث إلى القواد العمرية -وكانوا باينوه من شعبان ولحقوا برميثة في مكة- يرغبهم في طاعته، فأبوا عليه وجمعوا لحربه، فسار إلى مكة وعسكر بالزاهر ظاهِرَ مكة في يوم السبت الثاني والعشرين شوال، ومعه الأشراف: آل أبي نمي، وآل عبد الكريم، والأدارسة، ومعه الأمير الشريف مقبل بن مختار الحسني أمير ينبع بعسكره، ومعه مائة وعشرون من الأتراك، فبعث إلى العمرية يدعوهم إلى طاعته، فندبوا إليه ثلاثة منهم، فلما أتوه خوَّفهم عاقبة الحرب وحذرهم، ومضوا إلى مكة فلم يعودوا إليه؛ لتماديهم وقومهم على مخالفته، فركب يوم الاثنين الرابع والعشرين من الزاهر، وخيَّم بقرب العسيلة أعلى الأبطح، وأصبح يوم الثلاثاء زاحفًا في ثلاثمائة فارس وألف راجل، فخرج إليه رميثة في قدر الثلث من هؤلاء فلما بلغ الشريف حسن إلى المعابدة، بعث يدعوهم، فلم يجيبوه فسار إلى المعلَّى ووقف على الباب ورمى من فوقه فانكشفوا عنه، وأُلقِيَت فيه النار فاحترق، وانبث أصحابُ حسن ينقبون السور ويرمون من الجبل بالنشاب والأحجار أصحاب رميثة، ثم اقتحموا السور عليهم وقاتلوهم حتى كثرت الجراحات في الفريقين، فتقدَّم بعض بني حسن وأجار من القتال، فانكف عند ذلك حسن، ومنع أصحابه من الحرب، فخرج القضاة والفقهاء والفقراء بالمصاحف والربعات إلى حسن، وسألوه أن يكفَّ عن القتال، فأجابهم بشرط أن يخرج رميثة ومن معه من مكة، فمضوا إلى رميثة وما زالوا به حتى تأخر عن موضعه إلى جوف مكة، ودخل الشريف حسن بجميع عسكره، وخيم حول بركتي المعلى، وبات بها، وسار يوم الأربعاء السادس والعشرين وعليه التشريف السلطاني ومعه عسكره، إلى المسجد، فنزل وطاف بالبيت سبعًا، والمؤذِّنُ قائم على بئر زمزم يدعو له حتى فرغ من ركعتي الطواف، ثم مضى إلى باب الصفا فجلس عنده، وقرئ تقليده إمرة مكة هناك، ثم قرئ كتاب السلطان إليه بتسلُّم مكة من رميثة، وقد حضره عامة الناس، ثم ركب وطاف البلد، ونودي بالأمان، وأجَّل رميثة ومن معه خمسة أيام، فلما مضت سار بهم إلى جهة اليمن، واستقرَّ أمر الشريف حسن بمكة على عادته، وثبت من غير منازِع.
سيَّر سلمان باشا والي العراق العساكِرَ الكثيرة من العراق والأكراد والمحمرة، ومعهم من البوادي عُربان المنتفق مع رئيسِهم حمود بن ثامر، وعُربان آل بعيج، والزقاريط وآل قشعم، وجميع بوادي العراق، وعربان شمر والظفير، وسار معه أهل الزبير وما يليهم، وجعل على قيادةِ الحملة وزيره علي كيخيا، واتفق له قوةٌ هائلة من المدافع والقنابر وآلات الحروب، واجتمع معه جموع كثيرة، حتى قيل إنَّ الخيل الذي يعلَّقُ عليها ثمانية عشر ألف, فسار علي كيخيا بجميع تلك الجموع وقصد الأحساءَ، فلما نزل فيها تابعَه أهلُ المبرز والهفوف وقرى الشرق وجميع نواحيه، ونقضوا العهدَ مع دولة الدرعيَّة, وامتنع على حملةِ علي كيخيا قصر الصاهود بالمبرز وحصْن الهفوف، فزحف بجنوده على قصرِ الصاهود وحاصره شهرين، وبذل كُلَّ الأسباب لفتحِ بسوق الأبطال والرمي المتواصِلِ بالمدافع والقنابر، وحفر حفرًا في السورِ ملأها بالبارود، ثمَّ ثوَّرها عليهم دون طائلٍ حتى وقع فيهم الفشلُ، ولم يكن في داخل هذا القصر إلَّا 100 رجل أكثَرُهم من نجد مع سليمان بن محمد بن ماجد الناصر من أهل ثادق، وكان يتصف بالشجاعة فثبت هو ومن معه ولم يعطُوا الدنيَّةَ لعدُوِّهم حتى بطَلَ كَيدُهم ووقع في قلوبِ الكيخيا وعساكره الملَلُ والتخاذل, فارتحلوا راجعين وتركوا الأحساءَ، وانهزم معهم أهلُ الأحساء الخائنون الذين نقضوا العهد، وتركوا محالَّهم وأمتعتَهم وأموالهم، وقيل: لَمَّا أراد الكيخيا ومن معه الارتحال جمعوا سلالِمَهم وزحَّافات الخشب والجذوع التي أعدوها لحفر الحفر والجدران، وشيئًا من خيامهم ومتعهم وطعامهم وأشعلوا فيه النيران. أما الذين امتنعوا على الكيخيا في قصر الهفوف فرئيسُهم إبراهيم بن عفيصان لم يقع عليهم حصارٌ، ولكن حاولوا مرارًا عديدة لفتحِه ولم يحصلوا على طائلٍ, وكان الأميرُ سعود قد سار بأهل نجدٍ من البادي والحاضر وقصد الأحساءَ، فلما عَلِمَ برجوع الكيخيا رحل من مكانِه, ونزل على ثاج الماء المعروف في ديار بني خالد، فجمع اللهُ بينه وبين الكيخيا على غير ميعادٍ، فنزل الكيخيا الشباك ماء قريب من ماء ثاج, فجرى بينهم محاولة خيل وطراد، وأقاموا على ذلك أيامًا، ثم ألقيَ في قَلبِ الكيخيا وجنودِه الرعبُ ووقع فيهم الفشَلُ وطلبوا الصلح، وأنَّ كُلًّا من الفريقين يرحل على عافية وحقن دماء. وصالحهم سعود على ذلك وارتحلوا إلى أوطانِهم، ثم رحل سعودٌ ونزل الأحساء ورتَّب حصونَه وثغوره، وأقام فيه قريبًا من الشهرين، واستعمل فيه أميرًا سليمان بن محمد بن ماجد الناصر، ثم رحل سعود إلى وطنِه قافلًا.
انتهت الحربُ العالمية الأولى ووُضِعَت العراق تحت الانتداب البريطاني، فأظهر الإنجليزُ الفساد من مجاهرة لشرب الخمور، وممارسة الزنا والاختلاط والسير في الطرقات بدون حشمة، بالإضافة لنظرة الاستعلاء بزعمهم أنَّهم جاؤوا ليرفعوا مستوى السكَّان والأخذ بأيديهم نحو الاستقلالِ، ولكن العراقيين (غير اليهود والنصارى الذين صاروا يصِرُّون على أن يبقوا تحت رعاية بريطانيا) كانوا ينظرون إلى الإنجليز نظرةَ ازدراء وكراهية ورغبة في الانتقام والثورة، فحدثت في بعض المناطق هنا وهناك عملياتٌ مثل ما حدث في النجف؛ حيث قُتِلَ مارشال قائد القوات الإنجليزية، وقُتِلَ في إقليم زاخو في الشمال النقيب بعسن الذي أراد رفع النصارى فوق المسلمين، وقُتِلَ الحاكم الإنجليزي في العمادية وتكَرَّرت مثل هذه العمليات، وخاصة بين العشائر، سواء في الشمال في منطقة الأكراد، أو في الجنوب في لواء المنتفق، حتى كانت بعضُ الاحتفالات يُلقى فيها الخطب الحماسية أو بعض الأشعار الحماسية التي تُشعِلُ نار الثورة فتتحَرَّك، وبقيت هكذا تغلي نفوس العراقيين حتى اندلعت ثورةُ العشرين حين اعتُقِل الشيخ شعلان أبو الجون شيخ قبائل بني حجيم، فهاجمت القبيلة مقرَّ الحاكم وخلَّصت الشيخ شعلان منهم، وكانت هذه الحادثة الشرارةَ لاندلاع الثورة العراقية. مرت الثورة في مراحل ثلاث: أولاها: تتمثل في الأحداث التي مهَّدت للثورة، وهي الأحداث التي جرت في بغداد وكربلاء ودير الزور وتلعفر والموصل، والثانية: تتمثل في الثورة المسلَّحة التي انطلقت في الرميثة في الثلاثين من حزيران 1920 ثم عمَّت منطقة الفرات الأوسط. أما الثالثة: فتتمثل في انتشار الثورة في مناطِقِ العراق الأخرى كديالي والغراف وغيرهما. وتعَدُّ الثورة في منطقة الفرات الأوسط بمثابة العمود الفقري لثورة العشرين كلها؛ ففي هذه المنطقة حصلت الانتصاراتُ الكبرى للثورة، كما أنَّ هذه المنطقة هي التي تحمَّلت العبءَ الأكبر من التضحيات في الأنفس والأموال، وصمدت للقتال فترة طويلة نسبيًّا نحو ثلاثة أشهر، وبعد أن عمَّت الثورة منطقةَ الفرات الأوسط أقام العراقيون سلطاتٍ محلية، ثم انتقلت إلى بعقوبة وديالي وأربيل وكركوك وخانقين، وقد تمكن الإنجليز من القضاء عليها بسهولة وفي خلال وقت قصير. هاجم رجال القبائل الكوفةَ واستولوا على قرية الكفل، وقتل الثوارُ مئةً وثمانين مستعمرًا وأسَروا مئة وستين، كما استولوا على عتادٍ حربيٍّ وذخيرة، وأغرقوا الباخرةَ فلاي في شطِّ الكوفة، كما سيطر رجالُ القبائل على المسيب وكربلاء والنجف وسدة الهندية، والجديرُ بالذِّكرِ أنَّ هذه الثورة التي عمَّت أرجاء القطر العراقي شارك فيها على السواء السُّنَّة والشيعة. أخذت النجدات الإنجليزية تصِلُ إلى العراق حتى وصل من القوات الغازية 133 ألف مقاتل، وبدأت تستعيد المدن شيئًا فشيئًا حتى أنهوا تلك الثورةَ، وبعد ثلاثة أشهر أعلِنَ العفوُ العامُّ.
قَدِمَ الخبر على السلطان المؤيد شيخ المحمودي بخروج قاني باي نائب الشام عن الطاعة، ثم ورد الخبر بخروج الأمير طرباي نائب غزة عن الطاعة وتوجُّهِه إلى الأمير قاني باي المحمدي نائب دمشق، فعند ذلك ندب السلطان الأمير يشبك المؤيدي المشد ومعه مائة مملوك من المماليك السلطانية، وبعثه نجدةً للأمير ألطنبغا العثماني، ثم ورد الخبر ثالثًا بعصيان الأمير تنبك البجاسي نائب حماة وموافقته لقاني باي، وكذلك الأمير إينال الصصلاني نائب حلب ومعه جماعة من أعيان أمراء حلب، ثم ورد الخبر أيضًا بعصيان الأمير سودون بن عبد الرحمن نائب طرابلس والأمير جانبك الحمزاوي نائب قلعة الروم، ولما بلغ الملك المؤيد هذا الخبر استعَدَّ للخروج إلى قتالهم بنفسه، ولما كان في سادس جمادى الآخرة ركب الأمير بيبغا المظفري أتابك دمشق، وناصر الدين محمد بن إبراهيم بن منجك، وجلبان الأمير آخور, وأرغون شاه، ويشبك الأيتمشي في جماعة أخر من أمراء دمشق يسيرون بسوق خيل دمشق، فبلغهم أن يلبغا كماج كاشف القبلية حضر في عسكر إلى قريب داريا، وأنَّ خَلْفَه من جماعته طائفة كبيرة، وأن قاني باي خرج إليه وتحالفا على العصيان، ثم عاد قاني باي إلى بيت غرس الدين، فاستعد المذكورون ولبسوا آلة الحرب، ونادوا أجناد دمشق وأمراءها بالحضور، وزحفوا إلى نحو قاني باي، فخرج إليهم قاني باي بمماليكه وبمن انضمَّ معه من أصاغر الأمراء وقاتلهم من بكرة النهار إلى العصر حتى هزمهم، ومرُّوا على وجوههم إلى جهة صفد، ودخل قاني باي وملك مدينة دمشق، ونزل بدار العدل من باب جابية، ورمى على القلعة بالمدافع، وأحرق جملون دار السعادة، فرماه أيضًا من القلعة بالمجانيق والمدافع، فانتقل إلى خان السلطان وبات بمخيمه وهو يحاصر القلعةَ، ثم أتاه النواب، فنزل تنبك البجاسي نائب حماة على باب الفرج، ونزل طرباي نائب غزة على باب آخر، ونزل على باب جديد تنبك دوادار قاني باي، وداموا على ذلك مدةً، وهم يستعدون، وقد ترك قاني باي أمر القلعة إلى أن بلغه وصول العسكر، وسار هو والأمراء من دمشق، وكان الأمير ألطنبغا العثماني بمن معه من أمراء دمشق والعشير والعربان نائب صفد قد توجه من بلاد المرج إلى جرود، فجَدَّ العسكر في السير حتى وافَوا الأمير قاني باي قد رحل من برزة، فنزلوا هم على برزة، وتقدم منهم طائفة فأخذوا من ساقته أغنامًا وغيرها، وتقاتلوا مع أطراف قاني باي، فجرح الأمير أحمد بن تنم صهر الملك المؤيد في يدِه بنشابة أصابته، وجُرِح معه جماعة أخرى، ثم عادوا إلى ألطنبغا العثماني، وسار قاني باي حتى نزل بسلمية في آخرها، ثم رحل إلى حماة، ثم رحل منها واجتمع بالأمير إينال الصصلاني نائب حلب، واتفقوا جميعًا على التوجه إلى جهة العمق لما بلغهم قدوم السلطان الملك المؤيد لقتالهم، وسيروا أثقالهم، فنادى نائب قلعة حلب بالنفير العام، فأتاه جُلُّ أهل حلب، ونزل هو بمن عنده من العسكر الحلبي، وقاتل إينال وعساكره فلم يثبتوا، وخرج قاني باي وإينال إلى خان طومان، وتخطف العامة بعضَ أثقالهم، وأقاموا هناك ثم في يوم الجمعة الثاني والعشرين شهر رجب ركب السلطان بعد صلاة الجمعة من قلعة الجبل بأمرائه وعساكره المعينين صحبته للسفر يريد البلاد الشامية، ومعه الخليفة وقاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي لا غير، وسار السلطان حتى وصل إلى غزة في تاسع عشرين شهر رجب، وسار منها في نهاره، وكان قد خرج الأمير قاني باي من دمشق في السابع والعشرين ودخل الأمير ألطنبغا العثماني إلى دمشق في ثاني شعبان، وقُرِئَ تقليده، وسار السلطان مجدًّا من غزة حتى دخل دمشق في يوم الجمعة سادس شعبان، ثم خرج من دمشق بعد يومين في أثر القوم، وقدم بين يديه الأمير أقباي الدوادار في عسكر من الأمراء وغيرهم كالجاليش، فسار أقباي أمام السلطان والسلطان خلفه إلى أن وصل أقباي قريبًا من تل السلطان، ونزل السلطان على سرمين، وقد أجهدهم التعب من قوة السير وشدة البرد، فلما بلغ قاني باي وإينال الصصلاني وغيرهما من الأمراء مجيء أقباي، خرجوا إليه بمن معهم من العساكر، ولقوا أقباي بمن معه من الأمراء والعساكر وقاتلوه، فثبت لهم ساعة ثم انهزم أقبح هزيمة، وقَبَضوا عليه وعلى الأمير برسباي الدقماقي وعلى الأمير طوغان دوادار الوالد، وهو أحد مقدَّمي الألوف بدمشق، وعلى جماعة كبيرة، وتمزَّقت عساكرهم وانتُهِبت، وأتى خبر كسرة الأمير أقباي للسلطان فتخوَّف وهمَّ بالرجوع إلى دمشق وجَبُن عن ملاقاتهم؛ لقلة عساكره، حتى شجَّعه بعض الأمراء أرباب الدولة، وهونوا عليه أمر القوم، فركب بعساكره من سرمين، وأدركهم وقد استفحل أمرُهم، فعندما سمعوا بمجيء السلطان انهزموا ولم يثبتوا، وولَّوا الأدبار من غير قتال، فعند ذلك اقتحم السلطانية عساكرَ قاني باي، وقبض على الأمير إينال الصصلاني نائب حلب، وعلى الأمير تمان تمر اليوسفي المعروف بأرق أتابك حلب، وعلى الأمير جرباش كباشة حاجب حجاب حلب، وفر قاني باي واختفى، أما سودون بن عبد الرحمن نائب طرابلس، وتنبك البجاسي نائب حماة، وطرباي نائب غزة، وجانبك الحمزاوي نائب قلعة الروم، والأمير موسى الكركري أتابك طرابلس وغيرهم؛ فقد ساروا على حمية إلى جهة الشرق قاصدين قرا يوسف صاحب بغداد وتبريز، ثم ركب الملك المؤيد ودخل إلى حلب في يوم الخميس الرابع عشر شهر رجب وظفر بقاني باي في اليوم الثالث من الوقعة، فقيده ثم طلبهم الجميع، فلما مثلوا بين يدي السلطان فعند ذلك أمر بهم الملك المؤيد، فرُدُّوا إلى أماكنهم وقُتِلوا من يومهم الأربعة: قاني باي، وإينال، وتمان تمر أرق، وجرباش كباشه، وحُمِلت رؤوسهم إلى الديار المصرية على يد الأمير يشبك شاد الشرابخاناه، فرُفِعوا على الرماح، ونودي عليهم بالقاهرة: هذا جزاء من خامر على السلطان، وأطاع الشيطان، وعصى الرحمن، ثم عُلِّقوا على باب زويلة أيامًا، ثم حُملوا إلى الإسكندرية فطيف بهم أيضًا هناك، ثم أعيدت الرؤوس إلى القاهرة وسُلِّمت إلى أهاليها.
هو المَلِكُ المنصور، حاجِبُ الممالك الأندلسيَّة، أبو عامر، محمَّدُ بن عبد الله بن أبي عامر مُحمَّد بن وليد المعافري القَحطاني القُرطُبي، قَدِمَ قُرطبةَ شابًّا لطلَبِ العِلمِ والأدَبِ، وكان عنده هِمَّةٌ عاليةٌ، وكَّلَتْه زوجةُ الحاكِمِ المُستنصِر صبحَ البكشنجية أمورَها وإدارةَ ضياعِها وبَقِيَ يترقَّى حتى تولَّى الشُّرطةَ والإشرافَ على الأموالِ، ثمَّ صار وكيلًا لوليِّ العَهدِ هشامٍ، فلمَّا تسَلَّمَ هِشامٌ المؤيَّد المُلكَ وكان صَغيرًا تدبَّر الأمورَ كُلَّها وضبَطَها أشَدَّ ضَبطٍ, فكان القائِمَ بأعباءِ دَولةِ الخليفةِ المروانيِّ المؤيَّدِ باللهِ هِشامِ بنِ الحَكَمِ أميرِ الأندلُسِ، استُخلِفَ المؤيَّدُ وهو ابنُ تِسعِ سنينَ. فكانت مقاليدُ الأمورِ إلى الحاجِبِ ابنِ أبي عامرٍ, الذي استمالَ الأمراءَ والجَيشَ بالأموالِ، ودانَت لهيبتِه الرِّجالُ، وتلقَّبَ بالمنصورِ، واتخذَ الوُزراءَ لنَفْسِه، أمَّا المؤيَّدُ فكان معه صورةً بلا معنًى، بل كان مَحجوبًا لا يجتَمِعُ به أميرٌ ولا كَبيرٌ، بل كان أبو عامرٍ يَدخُلُ عليه قَصرَه، ثمَّ يخرجُ فيقولُ: رسمَ أميرُ المؤمنينَ بكذا وكذا، فلا يخالِفُه أحَدٌ، وإذا كان بعد سَنةٍ أو أكثَر، أركَبَه فَرَسًا، وجعل عليه بُرنُسًا، وحولَه جواريه راكبات، فلا يعرِفُه أحدٌ مِن بينهِنَّ، يخرُجُ يتنَزَّهُ في الزَّهراءِ، ثمَّ يعودُ إلى القَصرِ على هذه الصِّفةِ. كان ابنُ أبي عامرٍ مِن رجالِ الدَّهرِ: رأيًا وحَزمًا، ودَهاءً وإقدامًا. عَمَد أوَّلَ تغَلُّبِه على الدَّولةِ إلى خزائنِ كُتُبِ الحَكَم المُستنصِر، فأبرز ما فيها من تصانيفِ الأوائِلِ والفَلاسِفة- حاشا كتُبِ الطِّبِّ والحسابِ- بمَحضَرٍ من العُلَماءِ، ثمَّ أمرَ بإفرازِ ما فيها وأمَرَ بإحراقِها، فأُحرِقَت، وطُمِرَ بعضُها؛ فعَلَ ذلك تحبُّبًا إلى العوامِّ، وتقبيحًا لِمَذهَبِ الحَكَم. وكان لابنِ أبي عامرٍ مَجلِسٌ في الأسبوعِ يجتَمِعُ إليه فيه الفُضَلاءُ للمُناظرةِ، فيُكرِمُهم ويحتَرِمُهم ويَصِلُهم، ويُجيزُ الشُّعَراءَ، وكان بطلًا شُجاعًا، حازِمًا سائِسًا، غزَّاءً عالِمًا، جَمَّ المحاسِنِ، كثيرَ الفُتوحات، عاليَ الهِمَّة، دام في المملكةِ نَيِّفًا وعشرينَ سَنةً، وكان كثيرَ الغَزوِ للفِرنجة، بلَغَت غَزَواتُه خِلالَ حُكمِه نيِّفًا وخمسينَ غَزوةً، انتصر فيها كلِّها، وكثُرَ السَّبيُ أيامَه, حتى بِيعَت بنتُ عَظيمٍ مِن عُظَماءِ الرُّومِ ذات حُسنٍ وجمالٍ بعشرين دينارًا. دانت له الجزيرةُ, وأَمِنَت به وبعَدلِه وبحُبِّه للجِهادِ والغَزوِ، توفِّيَ بأقصى الثُّغورِ مَبطونًا في مدينةِ سالمٍ في إحدى الغَزَواتِ عن 66 عامًا، ولَمَّا توفِّيَ الحاجِبُ المنصورُ ابنُ أبي عامرٍ، قام في مَنصِبِه ابنُه الملَقَّبُ بالمظَفَّرِ: أبو مروانَ عبد الملك بن محمَّد. وجرى على مِنوالِ والِدِه، فكان ذا سَعدٍ عَظيمٍ، وكان فيه حَياءٌ مُفرِطٌ يُضرَبُ به المَثَلُ، ومع ذلك كان مِنَ الشُّجَعانِ المذكورينَ، فدامَت الأندلُس في أيَّامِه في خيرٍ وخِصبٍ وعِزٍّ إلى أن مات في صَفَر سنة 399. وقام بتدبيرِ دولةِ المؤيَّدِ باللهِ الناصِرُ عبدُ الرَّحمنِ أخو المظَفَّرِ المَعروفُ بشنشول.
هو السُّلطانُ الشهيدُ الملك المظفر، سيفُ الدين قطز محمود بن عبد الله التركي المعزي. كان أنبَلَ وأخَصَّ مماليك الملك المعز عز الدين أيبك التركماني، ثم صار نائِبَ السلطنة لوَلَدِه المنصور, ثالثِ سلاطين دولة المماليك في مصرَ والشام. كان شابًّا أشقرَ وافِرَ اللحية, فارسًا شجاعًا بطلًا، سائِسًا، دَيِّنًا، حازمًا، حسَنَ التدبيرِ، محَبَّبًا إلى الرعيَّة. كثير الخير ناصحًا للإسلام وأهله، وكان الناسُ يحبُّونَه ويدعون له كثيرًا. هزم التتار، وطهَّر الشام منهم يومَ عين جالوت، وهو الذي كان قَتَلَ فارس الدين أقطاي الجمداري، ويقال: إن قطز ابن أخت السلطان خوارزم شاه جلال الدين، وإنه حُرٌّ واسمُه محمود بن ممدود. لما قُتِلَ أستاذُه المعز عز الدين أيبك قام في توليةِ ولده المنصور علي، فلما سَمِعَ بأمر التتار خاف أن تختَلِفَ الكلمة لصِغَرِ سِنِّ المنصور علي, ودعا إلى نفسه، فبويع في ذي القعدة سنة 657، ثم سار إلى التتار فجعل اللهُ على يديه نصرة الإسلام والمسلمين. وكان اجتماعه مع عدوه في العشر الأخير من رمضان يوم الجمعة، حيث كان فيه نصرُ الإسلام والمسلمين. قال ابن كثير: "لما كان يومُ المعركة بعين جالوت قُتِلَ جوادُه فترجَّلَ وبَقِيَ واقفًا على الأرض ثابتًا، والقتالُ يعمل في المعركة، وهو في موضِعِ القَلبِ، فلما رآه بعضُ الأمراء ترجَّل عن فرسه وحَلَف على السلطان ليركبَنَّها فامتنع، وقال لذلك الأمير: ما كنتُ لأحرِمَ المسلمينَ نَفعَك. ولم يزَلْ كذلك حتى جيءَ له بخيلٍ فرَكِبَه! فلامه بعض الأمراء وقال: يا خوند (يا سيد) لم لا ركبتَ فَرسَ فلان؟ فلو أنَّ بعض الأعداء رآك لقتلَكَ وهلك الإسلامُ بسَبَبِك، فقال: أمَّا أنا فكنتُ أروح إلى الجنة، وأمَّا الإسلامُ فله ربٌّ لا يضيعه، قد قُتِلَ فلان وفلان وفلان حتى عد خَلقًا من الملوك، فأقام للإسلامِ مَن يحفظُه غيرهم، ولم يضيِّع الإسلام", ولما قدم دمشقَ في شوال أقام بها العَدلَ ورتَّبَ الأمور، وأرسل بيبرس خلف التتار ليخرِجَهم ويطرُدَهم عن حلب، ووعَدَه بنيابتِها فلم يفِ له لما رآه من المصلحةِ، فوقعت الوحشةُ بينهما, فلما فرَغ المظَفَّر من الشام ثم رجع إلى الديار المصرية والعساكر الإسلامية في خدمته، كان الأميرُ ركن الدين بيبرس البندقداري قد اتَّفَق مع جماعةٍ مِن الأمراء على قتله، فلما وصلَ بين القرابي والصالحيَّة ضرب دهليزه وساق خَلفَ أرنب، وساق معه أولئك الأمراءَ فشَفَعَ عنده ركن الدين بيبرس في شيءٍ فشَفَّعَه، فأخذ يده ليُقَبِّلَها فأمسَكَها وحمل عليه أولئك الأمراءُ بالسيوف فضربوه بها، وألقوه عن فرَسِه ورشقوه بالنشَّاب حتى قتلوه ودفن بالقصر، وكان قُتله يوم السبت سادس عشر من ذي القعدة، وكانت مُدَّة ملكه من حين عَزَل ابنَ أستاذه المنصور عليِّ بن المعز التركماني إلى هذه المدة، وهي أواخِرُ ذي القعدة نحوًا من سنة، رحمه الله وجزاه عن الإسلامِ وأهله خيرًا.
هي أكبرُ الجُزُرِ اليُونانيَّة، وخامسُ أكبرِ جَزيرة في البحرِ الأبيضِ المتوسِّط، وصَل المسلمون إلى كَرِيت في وقتٍ مُبَكِّر، إذ ضرَبوا الحِصارَ عليها ولم يَنتصِف القَرنُ الأوَّلُ الهجريُّ بعدُ؛ ولكنَّهم لم يَتمكَّنوا مِن فَتحِها، إذ أن قُوَّتَهم البَحريَّة لم تكُن قد تكامَلَت بعدُ. رَوَى البَلاذُرِيُّ: غَزا جُنادةُ بن أبي أُمَيَّة أَقْرِيطِش، فلمَّا كان زمن الوَليدِ بن عبدِ الملك فتَح بعضَها ثمَّ أغلق، وغَزاها حُمَيدُ بن مَعْيوفٍ الهَمْدانيُّ في خِلافَة الرَّشيدِ ففتَح بعضَها، وكان المسلمون قد شُغِلوا بالقِتالِ في جَبَهاتٍ أُخرى، مما أعان على بَقاءِ حُكْمِ الرُّومِ في كَرِيت؛ ولكنَّه لم يكُن وَطِيدَ الدَّعائِم للاخْتِلاف في مَذاهِب الدِّين بين الحاكِمين والمَحْكومين.
لمَّا قَرُبَت وَفاةُ سُليمان كان يُريد أن يَعْهَد لِوَلَدِهِ داود؛ لكنَّ رَجاء بن حَيْوَة صَرَفَهُ عن ذلك، فسَأَلَهُ عن عُمَر بن عبدِ العزيز فأَثْنَى رَجاءُ عليه، فجَعَل سُليمانُ الأَمْرَ لِعُمَر بن عبدِ العزيز، ثمَّ لِيَزيد بن عبدِ الملك بَعدَهُ، فكان لِرَجاء الفَضْل في إحْكام ذلك بعدَ مَوتِ سُليمان، فقرأ عليهم كِتابَ سُليمان بعدَ أن أَخَذَ البَيْعَةَ على الكِتابِ منهم، ثمَّ أَجْلَس عُمَرَ بن عبدِ العزيز على المِنْبَر بعدَ أن صَلَّى عُمَرُ على سُليمان، ثمَّ انْتَقل إلى دارِ الخِلافَة بعدَ أن فَرَغَت مِن أَهلِ سُليمان وبايَعَه كذلك عبدُ العزيز بن الوَليد، وبذلك تَمَّت له الخِلافَةُ.
قام شارلِمان ملكُ الفرنجة بالإغارةِ على الأندلس شمالًا، وذلك بالاتِّفاق مع حليفِه سليمان بن يقظان ابن الأعرابي أمير سرقسطة، واستولى على بنبلونه، ثمَّ اتَّجه نحو سرقسطة، فخرج سليمان لاستقبالِه وتسليمه المدينةَ، لكنَّ المدينة أُغلِقَت بوجهِ الجيوشِ، وتسلَّمَ السلطة الحسين بن يحيى الأنصاري، وهو الذي أعان سليمان في الخروجِ على عبد الرحمنِ الداخِلِ، لكنه أحَبَّ الانفرادَ بإمارة سرقسطة، فاضطرَّ شارلمان بالانسحاب، وأخذ معه سليمانَ كرهينةٍ؛ لأنَّه ظَنَّ أنَّ هذه خُدعةٌ منه في إفشال حملتِه على الأندلس، فتَبِعَ ولداه الجيشَ واستنقذا والدَهما، وعادا ولكنْ بعد فترة قتله يحيى الأنصاري، وأصبح هو أميرَ سرقسطة.