هو السلطانُ العثماني عثمانُ الثالث ابن السلطان مصطفى الثاني بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول. وُلِدَ السلطان عثمان سنة 1110هـ سنة 1696م وبعد أن تقلَّدَ السيف في جامعِ أبي أيوب الأنصاري على حَسَبِ العادة القديمة وأبقى كبار الموظفين في وظائفهم عيَّن في منصب الصدارة العظمى نشانجي علي باشا بدلَ محمد سعيد باشا ثم أمرَ بقَتلِه بعد أن تبين له أنه كان يرتكِبُ أنواعًا من المظالم والمغارم في حَقِّ الرعية، وعين مكانه مصطفى باشا، ثمَّ عزله وعيَّن مكانه محمد راغب باشا الشهير، وكان من فحول الرجال الذين تقلَّبوا في المناصب على اختلافها. توفِّي السلطان عثمان في السادس عشر من صفر بعد أن حكم مدة ثلاث سنين قضى فيها على الثورات والانتفاضات التي قامت في أنحاء الدولة، وخاصة ثورات الأكراد، ويُذكَر عنه أنه كان يتحسَّس أحوال الرعية ليلًا متنكِّرًا، وتولى بعده ابنُ عمه مصطفى الثالث بن أحمد الثالث.
عندما تحقَّق للإمام سعود أنَّ آل خليفة أهل البحرين والزبارة يقع منهم بعض المخالفات, فخاف أن يقع أكبَرُ من ذلك, فأرسل إليهم جيشًا واستعمل عليه الأميرَ محمد بن معيقل, ثم أتبعه بعبد الله بن عفيصان واجتمعوا ونزلوا عند الزبارة المعروفة عند البحرين، فأقاموا فيها قريبَ أربعة أشهر حتى رجع الإمام سعود من الحجِّ، فأرسل أمراءَ جيشه إلى آل خليفة يأمرونهم أن يَفِدوا على سعود فساقوهم كرهًا، فقَدِموا عليه في الدرعية، وهم الأمير سلمان بن أحمد بن خليفة، وأخوه عبد الله، وعبد الله بن خليفة وأبناؤهم، ومعهم كليب البجادي وغيره من أعوانهم, ورؤساء رعيتهم، فلما قَدِموا قرَّرَ عليهم سعود ما حدث منهم, ثمَّ اعتقل رؤساءَهم وردَّ أبناءَهم وبقيَّةَ الرعية إلى بلادهم, وكان سعودٌ لما قبض عليهم أخذ جميعَ خيلهم ونجائبهم وغير ذلك من الشوكة لهم في البحرين، والزبارة، ثم أمر فهدَ بن سليمان بن عفيصان أن يعبر إلى البحرين ضابطًا له، وجعله في بيت المال، ثم إنَّ أبناء آل خليفة نقلوا أكثر نسائِهم وأموالهم في السُّفن، ثم هربوا من الزبارة.
في الجزائر انطلق محمد المقراني مجاهدًا في سبيل الله ثائرًا على المغتصبين الفرنسيين الصليبيين، مدافعًا عن حقوق العباد، فزحف على بلدة البرج في تاريخ 28 ذي الحجة 1287هـ / 16 آذار 1871م وفي الوقت نفسِه أمر أخاه بو مرزاق بالتحرُّك في منطقة سور الغزلان، وابنَ عمِّه وصهرَه السعيد بن داود بالتحرُّك في منطقة الحضنة وبلاد أولاد نائل، وابنَ عمه الثاني بوزيد بن عبد الرحمن بالزحف إلى البرج مع خمسة عشر ألف مقاتل لدعم الثورة، غير أنه فَشِل في دخول بلدة البرج بعد حصار دام عدة أيام، ثم انتشرت ثورةُ المقراني عبر العديدِ مِن مناطق الشرق الجزائري. إلى أن اغتاله الفرنسيون سنة 1288ه ومع أنَّ ثورته لم تدُمْ كثيرًا لكنها تعتبَرُ من أكبر حركات المقاومة الجزائرية ضِدَّ الفرنسيين؛ إذ تولى قيادتَها بعد مقتل المقراني أخوه أبو مزراق، واشترك فيها أكثر من مائتي ألف مجاهد، وخاضوا أكثر من ثلاثمائة وأربعين معركة، وعمل ضدهم ما يزيد على ثمانمائة ألف مقاتلٍ فرنسي.
واجه الاستعماران البريطانيُّ والإيطاليُّ ثورةَ الزعيم محمَّد عبد الله حسن الذي تلقَّب بمهدي الصومال. الذي استطاع أن يقاوِمَ المستعمرين لمدةِ عشرين عامًا كبَّدَهم أثناءَها الخسائِرَ الفادحة. وكانت بدايةُ هذه المقاومة هذا العام. وقد استطاع محمدُ عبد الله «الملا المجنون» (لقب أطلقه عليه الإنجليز) انتزاع حَقِّ السيادة على مناطقَ عديدةٍ. وفي عام 1913م. ألحقت قواتُه هزيمةً نكراء بالقوات الإنجليزية التي كان يقودُها الكولونيل «كورفيلدو» الذي قُتِلَ أثناء المعركة. وكان محمد عبد الله حسن قد أجرى عدةَ أحلافٍ مع العثمانيين وإمبراطور الحبشة (ليدجي يسوع الذي اعتنق الإسلام وفقد جرَّاءَ ذلك عرشَه). وقد استطاع ونستون تشرشل بإصداره الأمرَ باستعمال الطيرانِ الحربيِّ ضِدَّ الزعيم الصومالي عام 1920م الذي تعرَّضَت منطقته للقَصفِ الشديد، فتكَبَّدت قواتُه خسائِرَ كبيرة إلَّا أنه نجا من الموتِ، فلجأ إلى أثيوبيا حيث توفِّيَ هناك عام 1921م. استمَرَّت مقاومةُ المهدي محمد عبد الله حسن من عام 1908م حتى عام 1920م. ونجا من الموتِ عام 1920م إلَّا أنَّ قواتِه العسكريةَ أُصيبت بانهيارٍ كاملٍ.
زادت مُضايقاتُ بعضِ رجالِ الثَّورةِ -وخاصةً جمال عبد الناصر، وجمال سالم، وصلاح سالم- لرئيس الجمهورية محمد نجيب، فكانت تُختصَرُ كلماتُه في وسائل الإعلام، بل وتُهمَلُ أحيانًا، ويُطلَبُ منه إبعادُ بعض أعوانه دون سبب، بل ويُشتَمُ أمام أنصاره ويُطلَبُ منهم إبلاغه بذلك! وأمام هذه المضايقات قَدَّم الرئيس محمد نجيب استقالتَه إلى مجلس الثورة، وبعد ثلاثة أيام صدر قرارُ مجلس قيادة الثورة بقَبولِ الاستقالة على أن يقومَ جمال عبد الناصر بكافَّةِ سلطاته حتى تحَقِّقَ الثورةُ أهدافَها بجَلاءِ المستعمِر، وقامت المظاهراتُ المؤيِّدة للرئيس محمد نجيب ولَمَّا استفحل الأمرُ قَرَّروا إعادة محمد نجيب للرئاسةِ على أساسِ تحويلِ مِصرَ إلى جمهوريةٍ نيابية باسمِ الجمهورية النيابية المصرية، وتَشكيلِ جمعية تأسيسية تمثِّلُ كافة هيئات الشعب المختلفة، وإجراء انتخابات بعد ذلك لإجراء الحياة النيابية، وقَبِلَ محمد نجيب على هذا الأساس، ثم عادت الاضطراباتُ مَرَّةً أخرى فقدم استقالتَه وحَلَّ مكانه جمال عبد الناصر، وشَكَّل وزارته الثانية في 11 شعبان 1373هـ / 17 نيسان.
تأزَّم الأمرُ في باكستان كثيرًا -وخاصةً بعد الحربِ مع الهند- وزادت المعارَضةُ، وبدأت المطالَبةُ بتقسيم باكستان إلى إقليمين، وفُصِلَ الإقليمُ الشرقي، وزادت الاضطراباتُ، وكانت مكانةُ أيوب خان (سُنِّي) في باكستان بدأت تَضعُفُ؛ بسَبَبِ ازدياد المعارِضين لسياسته، وزاد من قوَّتِها انتقادُ وزير الخارجية ذي الفقار علي بوتو (شيعي) للمعاهدة، وفي هذه الأوضاع تأسَّس حزبُ الشعب الاشتراكي بهدف إقصاءِ أيوب خان عن السلطة، وتكَوَّنت أحزابٌ سياسيَّةٌ أخرى اجتمعت كلُّها على إسقاط حكومة أيوب خان، وأخذت شعبيَّةُ أيوب خان في الانهيارِ عندما أحسَّت قطاعاتٌ عريضةٌ من الشعب الباكستاني بفشلِه في الحُصولِ على تأييد عددٍ مِن الدول الإسلامية ذاتِ الثِّقلِ الدولي، وتدهور الموقِفُ السياسي الداخلي بسبب اشتدادِ المعارضة واندلاع المظاهراتِ الطُّلَّابية الحاشدة، فلم يجِدِ الرئيسُ أيوب خان بدًّا من اعتزالِ الحكم، فتركه وسلَّمه إلى رئيسِ هيئة أركان الحرب في الجيش الباكستاني الجنرال يحيى خان الذي تسلَّم السلطة، فشَكَّل حكومةً عَسكريةً، وفرَضَ الأحكامَ العُرفية، وحَلَّ الهيئاتِ النيابيَّة، ومَنَع الإضراباتِ والمظاهراتِ.
كانت جيبوتي (الصُّومال الفرنسي) تحت الاحتلال الفَرَنْسي الذي سامها سوءَ العذاب، ثم بعد الحرب العالمية الثانية جرى التَّصويت على دستور ديغول الخاصِّ بالمستعمرات الفرنسية، وتدخلت فرنسا بالاستفتاء لصالح قَبول الدُّستور، فأصبحت جيبوتي ضمن المجموعة الفرنسيَّة، وفي منتصف عام 1378هـ قامت مظاهراتٌ تطالب بالاستقلال الكُلِّي وتندِّد بالاستفتاء الذي لم يكن حرًّا، وجرى إضراب عامٌّ للعمال، ولكنْ قُمِع بالبطش وبقي أمرُ البلاد تحت النفوذ الفرنسي، وأُعيد تسمية المنطقة من الصومال الفرنسي إلى المنطقة الفرنسية عفر وعيسى (وهما اسما قبيلتينِ فيها)، ثم تمَّ الاتفاق أخيرًا على إجراء استفتاء شَعْبي على الاستقلال، وفي الوقت نفسه تجري انتخاباتٌ لمجموعة من النُّوَّاب في جمادى الأولى 1379هـ / أيار 1977م، وأن الاستقلال يجب أن يتبع ذلك، وبعد شهر اتَّفقت الأحزاب جميعُها على أن يضمَّها حزب واحد يحمل اسمَ التجمُّع الشَّعبي من أجل الاستقلال، وجرى الاستفتاءُ الذي أظهر التأييد التامَّ للاستقلال، وانتُخِب حسن جوليد أبتدون رئيسًا للجمهورية، وأصبحت جيبوتي مستقلة بدءًا من 11 رجب / 27 حزيران.
أرسل الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم بكِتابٍ إلى قَيصرِ الرُّومِ وكان حاملَ الكِتابِ هو دِحيةُ بنُ خَليفةَ الكَلبيُّ، فلمَّا كان مِن قَيصرَ ما كان أجاز دِحيةَ بنَ خَليفةَ الكَلبيَّ بمالٍ وكِسوَةٍ، ولمَّا كان دِحيةُ بحِسْمَى في الطَّريقِ لَقِيَهُ ناسٌ مِن جُذَامَ، فقَطعوها عليه، فلم يتركوا معه شيئًا، فجاء دِحيةُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قبلَ أن يَدخُلَ بيتَه فأخبرَهُ، فبعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم زيدَ بنَ حارثةَ إلى حِسْمَى، وهي وَراءَ وادي القُرى، في خمسمائةِ رجلٍ، فشَنَّ زيدٌ الغارةَ على جُذامَ، فقَتل فيهم قتلًا ذَريعًا، واسْتاقَ نَعَمَهُم ونِساءَهُم، فأخذ مِنَ النَّعَمِ ألفَ بَعيرٍ، ومِنَ الشَّاةِ خمسةَ آلافٍ، والسَّبْيِ مائةً مِنَ النِّساءِ والصِّبيانِ. وكان بين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وبين قَبيلةِ جُذامَ مُوادَعةٌ، فأسرعَ زيدُ بنُ رِفَاعةَ الجُذاميُّ أَحَدُ زُعماءِ هذه القَبيلةِ بتَقديمِ الاحْتِجاجِ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكان قد أَسلمَ هو ورِجالٌ مِن قومِه، ونَصَروا دِحيةَ حين قُطِعَ عليه الطَّريقُ، فقَبِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم احْتِجاجَهُ، وأَمَر بِرَدِّ الغَنائمِ والسَّبْيِ.
بعدَ أن فُتِحَت نَهاوَنْد أَمَرَ عُمَرُ بن الخطَّاب بالانْسِياح في فارِسَ كُلِّها، وأُعْطِيَت الأوامرُ لِسبعَةِ أُمَراء بالتَّوَغُّلِ في أَعماقِ فارِسَ، فسار النُّعمانُ بن مُقَرِّن إلى هَمْدان ففَتَحها، ثمَّ إلى الرَّيِّ "طِهْران اليوم" ففَتَحها ثمَّ قُوس فأخَذَها سِلْمًا أخوهُ سُويدٌ، ثمَّ جاءَ هو إلى جُرجان وطَبَرِستان وصالَحوه، ثمَّ بعضِ بِلادِ أَذْرَبِيجان، وأمَّا سُراقةُ بن عَمرٍو فذهَب إلى بابِ الأبوابِ على سَواحلِ بحرِ الخَزَرِ، وسار الأَحْنَفُ بن قيسٍ إلى خُراسان ففتح هَراة عَنْوَةً، ثمَّ إلى مَرْو، ثمَّ بَلْخ حتَّى أصبح الأحنفُ سَيِّدَ خُراسان، واتَّجه عُثمانُ بن أبي العاصِ إلى إصْطَخْر وفتَح جَزيرةَ بَرْكاوان وإصْطَخْر وشِيراز، واتَّجه سارِيةُ بن زنيم وقاتَل بعضَ حُشودِ الفُرْس، وفيها الحادِثةُ المشهورة التي قال فيها عُمَرُ مِن المدينةِ: يا سارِيَةَ، الجَبَلَ. أمَّا عاصمُ بن عَمرٍو سار إلى سِجِسْتان ففتَحها ودخَل زَرَنْج فصالَحُوه بعدَ حِصارٍ طويلٍ، وأمَّا سُهَيل بن عَدِيٍّ ففتَح كَرْمان، وانْطلَق الحكيمُ بن عُميرٍ إلى مُكْران وفتَحها، واتَّجه عُتبةُ بن فَرْقَدٍ إلى شَمالِ غَربِ فارِسَ فافْتَتَحَها.
هي أُمُّ المؤمنين سَوْدَةُ بنتُ زَمْعَةَ بن قيسِ بن عبدِ شَمسِ بن عبدِ وُدٍّ، وأُمُّها الشَّموسُ بنتُ قيسِ بن عَمرِو بن زيدِ بن لَبيدٍ، تَزوَّجها السَّكرانُ بن عَمرِو بن عبدِ شَمسِ بن عبدِ وُدٍّ، وأَسلمَت بمكَّةَ قديمًا وبايَعَت، وأَسلَم زَوجُها السَّكرانُ بن عَمرٍو، وخرَجا جميعًا مُهاجِرين إلى أرضِ الحَبشةِ في الهِجرَةِ الثَّانيةِ، قَدِمَ السَّكرانُ بن عَمرٍو مكَّةَ مِن أرضِ الحَبشةِ ومعه امْرأتُه سَودَةُ بنتُ زَمْعةَ فتُوفِّيَ عنها بمكَّةَ، فلمَّا حَلَّتْ أَرسَل إليها رَسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فخَطَبَها فقالت: أَمْرِي إليك يا رسولَ الله. فقال رَسولُ الله: (مُرِي رجلًا مِن قَومِك يُزَوِّجُكِ). فأَمَرَت حاطِبَ بن عَمرِو بن عبدِ شَمسِ بن عبدِ وُدٍّ فزَوَّجَها، فكانت أوَّلَ امْرأةٍ تَزوَّجها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعدَ خَديجةَ، وهاجرت إلى المدينةِ، وهي التي وَهَبَت يَومَها إلى عائشةَ بعدَ أن أَسَنَّتْ وكَبِرَتْ، وتُوفِّيَتْ في آخرِ خِلافةِ عُمَرَ بن الخطَّاب رضِي الله عنهُما جميعًا.
اسْتُهِلَّ هذا العام والنَّاسُ مُتَواقِفون لِقتال الحَجَّاج وأصحابه بِدَيْرِ قُرَّة، وابنُ الأشعث وأَصحابُه بِدَيْرِ الجَماجِم، والمُبارَزة في كُلِّ يَومٍ بينهم واقِعَة، وفي غالبِ الأيَّامِ تكون النُّصْرَة لأهلِ العِراق على أهلِ الشَّام، إذا حصَل له ظَفَرٌ في يوم مِن الأيَّام يَتقدَّم بجَيشِه إلى نَحْرِ عَدُوِّهِ، وكان له خِبرَةٌ بالحربِ، وما زال ذلك دَأْبُه ودَأْبُهم حتَّى أَمَر بالحَمْلَةِ على كَتيبةِ القُرَّاء; لأنَّ النَّاس كانوا تَبَعًا لهم، وهُم الذين يُحَرِّضُونهم على القِتال، والنَّاس يَقْتَدُون بهم، فصَبَر القُرَّاء لِحَمْلَةِ جَيشِه، ثمَّ جمَع الحَجَّاجُ الرُّماةَ مِن جَيشِه وحَمَل بهم على كَتيبةِ القُرَّاء، وما انْفَكَّ حتَّى قَتَل منهم خَلْقًا كثيرًا، ثمَّ حَمَل على جَيشِ ابن الأشعث فانْهَزَم أصحابُ ابن الأشعث وذَهَبوا في كُلِّ وَجْهٍ، وهَرَب ابنُ الأشعث ومَن معه إلى بلادِ رتبيل مَلِك التُّرْك فأَكْرَمَهُم, كان الحَجَّاجُ يومَ ظَهَرَ على ابن الأشعث بِدَيْرِ الجَماجِم نادَى مُنادِيه في النَّاس: مَن رَجَع فهو آمِن، ومَن لَحِقَ بِقُتَيْبَة بن مُسلِم بالرَّيِّ فهو آمِن. فلَحِقَ به خَلْقٌ كثيرٌ ممَّن كان مع ابنِ الأشعثِ، فأَمَّنَهم الحَجَّاجُ، ومَن لم يَلْحَق به شَرَعَ الحَجَّاجُ في تَتَبُّعِهِم، فقَتَل منهم خَلْقًا كثيرًا.
غَزَا الجَرَّاح بن عبدِ الله الحَكَمي بِلادَ الخَزَر شمال القوقاز، وهم إيرانيون، فاجْتَمَع الخَزَرُ والتُّرْك مِن ناحِيَة اللَّان، فلَقِيَهم الجَرَّاح فيمَن معه مِن أَهلِ الشَّام وأذربيجان، فاقْتَتَلوا أَشَدَّ قِتالٍ رَآهُ النَّاسُ، فصَبَر الفَريقان، وتَكاثَرَت الخَزَرُ والتُّرْكُ على المسلمين فاسْتُشْهِد هو ومَن معه مِن الجُنْدِ بأردبيل، ولمَّا قُتِلَ الجَرَّاح طَمِعَ الخَزَرُ وأَوْغَلوا في البِلادِ حتَّى قاربوا المَوْصِل، وعَظُمَ الخَطْبُ على المسلمين. فلمَّا بَلَغ ذلك هِشامَ بن عبدِ الملك بَعَث سَعيدَ بن عَمرٍو الحَرَشِي بجَيْشٍ وأَمَرَهُ بالإسراعِ إليهم، فلَحِقَ التُّرْكَ وَهُم يَسيرون بأَسارَى المسلمين نحو مَلِكِهم خاقان، فاسْتَنْقَذ منهم الأَسارَى ومَن كان معهم مِن نِساء المسلمين، ومِن أَهلِ الذِّمَّةِ أيضًا، وقَتَل مِن التُّرْك مَقْتَلَةً عَظيمَةً جِدًّا، وأَسَر منهم خَلْقًا كثيرًا فقَتَلهم صَبْرًا، ولم يَكْتَفِ الخَليفَة بذلك حتَّى أَرسَل أخاه مَسلمَةَ بن عبدِ الملك في أَثَر التُّرْك، فسار إليهم في بَرْدٍ شَديدٍ وشِتاءٍ عَظيمٍ، فوَصَل إلى بابِ الأَبوابِ،وسار بمن معه في طَلَبِ الأَتراك ومَلِكِهم خاقان.
هو مَرْوانُ بن محمَّد بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أُميَّة، القُرَشي الأُمَوي (مَرْوان الحِمار) أبو عبدِ الملك، أَميرُ المؤمنين، آخِرُ خُلَفاء بَنِي أُميَّة، بُويِعَ له بالخِلافَة بعدَ قَتلِ الوَليدِ بن يَزيد، وبعدَ مَوتِ يَزيد بن الوَليد ثمَّ قَدِمَ دِمَشق، وخَلَع إبراهيمَ بن الوَليد، واسْتَتَبَّ له الأَمرُ في صَفَر سَنَة سَبعٍ وعِشرين ومائة, وكان يُقالُ له: مَرْوان الجَعْدي، نِسبَةً إلى رَأي الجَعْدِ بن دِرهَم، وقِيلَ: كان الجَعْدُ مُؤَدِّبَه وإليه نُسِب. ويُلَقَّب بالحِمارِ لِصَبرِهِ في الحَربِ, وَلَّاهُ هِشام نِيابَةَ أذربيجان وأرمينية والجَزيرَة في سَنَة أربع عشرة ومائة، ففَتَح بِلادًا كَثيرَة وحُصونًا مُتعدِّدَة في سِنين كَثيرَة، وكان لا يُفارِق الغَزْوَ، قاتَل طَوائِفَ مِن النَّاس والتُّرك والخَزَر واللَّان وغَيرَهم، فكَسَرهُم وقَهَرهُم، وقد كان شُجاعًا، بَطَلًا مِقدامًا، حازِمَ الرَّأي، وهو آخِرُ مَن مَلَك مِن بَنِي أُميَّة، كانت خِلافَتُه منذُ سَلَّمَ إليه إبراهيمُ بن الوَليد إلى أن بُويِعَ للسَّفَّاح خمس سِنين وشَهرًا، وبَقِيَ مَرْوانُ بعدَ بَيْعَةِ السَّفَّاحِ تِسعةَ أَشهُر.
فيها خرج أهل خراسان على المنصور مع الأستاذ سيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاثمئة ألف مقاتل من بين فارس وراجل، سائرُهم من أهل هراة وباذغيس وسجستان، واستولى على أكثر خراسان، وعَظُم الخطبُ فنهض لحربه الأخثم المروروذي. فقتل الأخثم واستُبيح عسكُره، فوجه المنصورُ- وهو بالراذان- خازمَ بن خزيمة إلى المهديِّ، فولَّاه المهدي محاربةَ أستاذ سيس وضمَّ إليه القُوَّاد. فسار حازم بن خزيمة في جيشٍ عظيم فالتقى الجمعان وصبَرَ الفريقان وقُتِلَ خلقٌ كثير، حتى قيل إنه قُتِلَ في هذه الوقعةِ سبعون ألفًا وأَسَروا أربعةَ عشر ألفًا، وانهزم الأستاذ سيس في طائفةٍ إلى جبل, ثم أمرَ حازم بالأسرى فضُرِبَت أعناقُهم كلِّهم، وكانوا أربعة عشر ألفًا، ثمَّ حاصر أستاذ سيس مدَّةً. ثم نزل على حُكمِهم، فقُيِّدَ هو وأولادُه، ثم أُعدم, وأُطلِقَ أصحابُه، وكانوا ثلاثينَ ألفًا. وكتب إلى المهديِّ بذلك، فكتب المهديُّ إلى المنصور، وقيل إن أستاذ سيس ادَّعى النبوةَ وأظهَرَ أصحابُه الفِسقَ وقطْعَ السبيلِ. وقيل: إنه جد الخليفة المأمون أبو أمه وهي مراجل بنت سيس كانت إحدى إيماء الرشيد أنجبت منه المأمون فقط.
هو يحيى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان يحيى ممَّن نجا يوم فخٍّ بمكَّة عام 169هـ فهرب إلى اليمن، ثم لمصر، ثم بغداد، ثم نزل ببلاد الديلم، واتَّبَعه خلقٌ كثيرٌ وجَمٌّ غفير، وقَوِيَت شوكتُه، وارتحل إليه الناسُ من الكور والأمصار، فانزعج لذلك الرشيدُ وقَلِقَ من أمره، فنَدَب إليه الفضلَ بن يحيى بن خالد بن برمك، فسار الفضلُ إليه وكاتَبَه بأنَّه سيسعى له بالأمانِ إن هو خرجَ مُطيعًا وأغرى صاحِبَ الديلم أن يعطيَه ألف ألف درهم إن هو سعى إلى إخراجِ يحيى للصُّلحِ، فطلب يحيى أن يكتُبَ له الرشيدُ بخَطِّ يده الأمانَ، فلما وصل الخبَرُ للرشيد سُرَّ بذلك وكتب له الأمانَ، وأشهد عليه القُضاةَ والفقهاءَ ومَشيخةَ بني هاشم، وبعثه ومعه الهدايا والأموال، ثم جاء يحيى ودخل بغدادَ بهذا الأمانِ، وأكرَمَه الرشيدُ، ثم لم يلبث الرشيدُ فتنكَّرَ ليحيى مرَّةً أخرى فحَبَسَه في سرداب حتى مات عام 180هـ، وقد كَثُرت الروايات في سبَبِ مَوتِه؛ قيل: جَوَّعَه حتى مات، وقيل: عُذِّبَ، وقيل: بل مات دون دافِعٍ، وقيل غيرُ ذلك.