بعدَ فَتْحِ تُونُس اقْتَضَتْ الحاجَةُ لِبِناءِ مَسجِد للصَّلاة ونَشْر الدِّين الإسلاميِّ بين أهالي تُونُس، بَنَي أوَّلَ مَسجِد فيها الشَّيْخُ الأمينُ حَسَّان بن النُّعْمان الغَسَّانيُّ فاتِحُ تُونُس وقَرْطاجَنَّة، وسُمِّيَ بـ (جامِع الزَّيْتونَة) لأنَّ مَوْقِعَه كانت به شَجَرَة زَيْتون عندَ صَوْمَعَة كان يَتَعَبَّد فيها راهِبٌ نَصْرانيٌّ، وقِيلَ: إنَّ السَّبَب في تَسْمِيَتِه بهذا الاسم هو لِكَثْرَةِ شَجَر الزَّيْتون بالقُرْبِ مِن مَكان الجامِع عندَ بِنائِه، ثمَّ في سنة 116هـ قام والي أفريقيا الأميرُ عُبيدُ اللّه بن الحَبْحاب بِتَوْسِعَة وإِعْمار الجامِع، وأَحْكَم وَضْعَه على أساسٍ فَخْمٍ، وزاد في ضَخامَتِه. وفي سنة 250هـ بَنَى أبو إبراهيم أحمدُ الأَغْلَبِيُّ في عَهْدِ الخَليفَة المُسْتَعين باللّه قُبَّةَ الجامِع. وفي سنة 381هـ قام أبو الفَتْح المَنْصور بن أبي الفُتُوح يُوسُف بن زِيرِي ثاني مُلوك الصَّنْهاجِيِّين بِتَرْمِيم قُبَّةِ بَهْوِ الجامِع. وفي سنة 747هـ في أيَّام محمَّد المُسْتَنْصِر بن أبي زكريَّا زُوِّدَ الجامِع بالماءِ عن طَريقِ بِناء قَناطِر، وقام أُمَراءُ الشِّيعَة المَهْدِيَّة وبَنُو حَفْص سَلاطين تُونُس بالاهْتِمام بهذا الجامِع، وكان الانْتِهاء من العَمَل به في عَهْد الحاكِم الأغلبيِّ زِيادَة اللّه الثَّاني. وفي سنة 1312هـ /1894م بُنِيَت مِئْذَنَة الجامِع مَكانَ المِئْذَنَة القَديمَة مِن قِبَلِ المُهَنْدِس سُليمان النيقرو. وفي سنة 1357هـ /1939م حَصَل آخِرُ تَرْمِيم للجامِع.
هو السلطانُ الملك العادل نور الدين أبو الحارث، أرسلان شاه بن مسعود بن مودود بن أتابك عماد الدين زنكي بن آقسنقر، صاحب الموصل, وابنُ صاحبها، كان ملكًا شَهمًا، عارفًا بالأمور، جبارًا سافكًا للدماء بخيلًا. انتقل إلى مذهب الشافعي، ولم يكن في بيته شافعيٌّ سواه. وبنى المدرسة المعروفة به بالموصل للشافعية، قل أن توجد مدرسة في حسنها. كان سريع الحركة في طَلَبِ الملك، إلَّا أنه لم يكن له صبرٌ؛ فلهذا لم يتَّسِع ملكه، ولما احتُضِرَ أمر أن يرتب في الملك ولده الملك القاهر مسعود، وأعطى ولده عماد الدين زنكي قلعتين، وجعل تدبيرَ مملكتهما إلى فتاه بدر الدين لؤلؤ. وكان مرضه قد طال، ومزاجه قد فسد، وكانت مُدَّة ملكه سبع عشرة سنة وأحد عشر شهرًا، وكان شهمًا شجاعًا، ذا سياسة للرعايا، شديدًا على أصحابه، فكانوا يخافونه خوفًا شديدًا، وكان ذلك مانعًا من تعدي بعضِهم على بعض، وكان له همة عالية، أعاد ناموس البيت الأتابكي وجاهَه وحُرمَتَه، بعد أن كانت قد ذهبَت، وخافه الملوك؛ ولما اشتد مرضه وأيس من نفسه أمره الأطباء بالانحدار إلى الحامة المعروفة بعين القيارة، وهي بالقرب من الموصل، فانحدر إليها، فلم يجِدْ بها راحة، وازداد ضعفًا، فأخذه بدر الدين وأصعده في الشبارة إلى الموصل، فتوفي في التاسع والعشرين من رجب. في الطريق ليلًا ومعه الملاحون والأطباء بينه وبينهم ستر، وكان مع بدر الدين عند نور الدين مملوكان، فلما توفي نور الدين قال لهما: لا يسمع أحدٌ بموته، وقال للأطباء والملاحين: لا يتكلم أحد، فقد نام السلطانُ، فسكتوا، ووصلوا إلى الموصل في الليل، فأمر الأطباءَ والملاحين بمفارقة الشبارة؛ لئلَّا يَرَوه ميتًا، وأبعدوا، فحمله هو والمملوكان، وأدخله الدار، وتركه في الموضع الذي كان فيه ومعه المملوكان، ونزل على بابه من يثقُ به لا يمكِّن أحدًا من الدخول والخروج، وقعد مع الناس يمضي أمورًا كان يحتاجُ إلى إتمامها، فلما فرغَ مِن جميع ما يريدُه أظهَرَ موتَه وقت العصر، ودُفِنَ ليلًا بالمدرسة التي أنشأها مقابلَ داره، وضبط البلدَ تلك الليلة ضبطًا جيدًا واستقَرَّ الملك لولده، وقام بدر الدين بتدبير الدولة والنظر في مصالحِها.
خرج الملِكُ الأشرَفُ مِن دمشق من يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى، فدخل حَلَب في الثامن عشر، وخرج منها في رابعَ جمادى الآخرة يريدُ قلعةَ الروم فنزل عليها يومَ الثلاثاء ثامِنَه، ونصب عشرينَ منجنيقًا ورمى عليها، وعُمِلَت النقوبُ وعَمِلَ الأمير سنجر الشجاعي نائب دمشق سلسلةً وشَبَكَها في شراريفِ القلعة وأوثق طرفَها بالأرض، فصعد الأجنادُ فيها وقاتلوا قتالًا شديدًا، ففتح اللهُ القلعةَ يوم السبت حادي عشر رجب عَنوةً، وقَتَلَ من بها من المقاتلة، وسَبى الحريمَ والصبيان، وأخذ منها بترك الأرمن وكان بها فأُسِر، وكانت مدة حصارِها ثلاثة وثلاثين يومًا، وقد سماها السلطانُ قلعةَ المسلمين فعرفت بذلك، وحَمَل إليها زردخاناه- خزانة الأسلحة- وألفين ومائتي أسير، واستُشهِدَ عليها الأمير شرف الدين بن الخطير، فلما وردت البشائِرُ إلى دمشق بفتحِ قلعة الروم زُيِّنَت البلد ودُقَّت البشائر، ورتَّبَ السلطان الأميرَ سنجر الشجاعي نائبَ الشام لعمارة قلعة المسلمين، فعَمَر ما هدَّمَته المجانيق والنقوب، وخَرَّب رَبضَها، وعاد السلطانُ راجعًا يوم السبت الثامن عشر، فأقام بحلب إلىَ نصف شعبان، وعزل قرا سنقر عن نيابة حلَب، وولَّى عِوَضَه الأميرَ سيف الدين بلبان الطباخي المنصوري، ورتَّبَ بها الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الموصلي شاد الدواوين، ورحل السلطان إلى دمشق، فدخلها في الثانية من يوم الثلاثاء العاشر من شعبان، وبين يديه بترك الأرمن صاحبُ قلعة الروم وعِدَّة من الأسرى.
هو تاجُ الدين الشيخُ حسن بزرك بن حسين بن أقبغا بن أيلكان التتري، سِبطُ أرغون بن أبغا بن هولاكو بن طولون بن جنكيزخان ملك التتار صاحب " الياسق " والأحكام التركية، وهو والِدُ أويس، وكان يقال له حسن الكبير؛ تمييزًا له عن حسن بن تمرتاش, وهو أوَّلُ حُكَّام آل جلائر, كان حَسَنٌ الكبير زوجَ خاتون بغداد بنت الجوبان، فلم يزل بوسعيد إلى أن طلقها وأخذها منه قهرًا وأبعده، فلما مات بوسعيد عاد فمَلَك بغداد وأقام بها وجرت له مع التتارِ حروبٌ كثيرة ومع أولاد تمرتاش النصر فيها, ووقع في ولايته على بغداد الغلاءُ المفرط حتى بيع الخبزُ بصنج الدراهم، ونزح الناس عن بغداد، وقام هو بالمُلكِ أحسَنَ قيامٍ، ونشر العدل إلى أن تراجعَ الناس إليها، ولما كان في سنة 749 توجَّهَ إلى تُستَر ليأخُذَ من أهلها قطيعةً قَرَّرها عليهم فأخذها وعاد فوجد نوَّابه في بغداد قد وجدوا في رواق الغزر ببغداد ثلاثة قدورٍ مثل قدور الهريسة طول كل جبٍّ منها نحو ذراعين ونصف، والثلاثة مملوءة ذهبًا مِصريًّا وصوريا ويوسيفا وفي بعض سكة الناصر البغدادي، فيقال: جاء وزن ذلك أربعين قنطارًا بالبغدادي، ومات الشيخ حسن في سنة 757 وكان سياسيًّا وحكيمًا، فلم يُعلِنْ نَفسَه سلطانًا في العراق بل أعلن ولاءه لسلطان المماليك في مصر؛ لِيَضمَنَ حمايتَهم له من أي عدوان قد يتعرض له من المغول المجاورين لدولته من جهة الشرق، وكانت مدته سبع عشرة سنة، ثم قام بالأمر بعده ابنُه أويس بهادر خان خلفًا له.
أمر المعتمِدُ موسى بن بغا الكبيرَ بالمسير إلى حرب صاحبِ الزنج، فسيَّرَ إلى الأهواز عبد الرحمن بن مفلح، وإلى البصرة إسحاقَ بن كنداجيق، وإلى باذاورد إبراهيمَ بن سيما، وأمرهم بمحاربة صاحب الزنج، فلما وَليَ عبد الرحمن الأهوازَ سار إلى محاربة عليِّ بن أبان المهلبي، فتواقعا فانهزم عبدُالرحمن؛ ثم استعَدَّ وعاد إلى عليٍّ، فأوقع به وقعةً عظيمةً قَتَل فيها من الزنج قتلًا ذريعًا وأسَرَ خلقًا كثيرًا، وانهزم عليُّ بن أبان والزنج، ثم أراد رَدَّهم فلم يرجِعوا من الخوفِ الذي دخلهم من عبد الرحمن، فلمَّا رأى ذلك أذِنَ لهم بالانصرافِ، فانصرَفوا إلى مدينة صاحِبِهم، ووافى عبد الرحمن حِصنَ مهديٍّ ليُعسكِرَ به، فوجَّه إليه صاحِبُ الزنجِ عليَّ بن أبان، فواقعه فلم يقدر عليه، ومضى يُريدُ الموضِعَ المعروف بالدكة، وكان إبراهيمُ بن سيما بالباذاورد، فواقعه عليُّ بن أبان، فهزمه علي بن أبان، ثم واقعه ثانيةً، فهزمه إبراهيمُ، فمضى عليٌّ في الليل ومعه الأدلَّاء في الآجام، حتى انتهى إلى نهر يحيى، وانتهى خبَرُه إلى عبد الرحمن، فوجَّه إليه طاشتمر في جمعٍ من الموالي، فلم يصِلْ إليه؛ لامتناعه بالقصب والحلافي، فأضرمها عليه نارًا فخرجوا منها هاربينَ، فأُسِر منهم أسرى، وانصرف أصحابُ عبد الرحمن بالأسرى والظَّفَر، ثم سار عبد الرحمن نحوَ عليِّ بن أبان بمكانٍ نزل فيه، فكتب علي إلى صاحِبِ الزنج يستمِدُّه، فأمَدَّه بثلاثَ عشرة شذاة، ووافاه عبد الرحمن، فتواقعا يومَهما، فلما كان الليلُ انتخَبَ عليٌّ من أصحابِه جماعةً ممَّن يثِقُ بهم وسار وترك عسكرَه ليُخفِيَ أمرَه، وأتى عبد الرحمن من ورائه فبَيَّتَه، فنال منه شيئًا يسيرًا، وانحاز عبد الرحمن فأخذ عليٌّ منهم أربع شذوات، وأتى عبد الرحمن دولاب فأقام به، وسار طاشتمر إلى عليٍّ فوافاه وقاتله، فانهزم عليٌّ إلى نهر السدرة، وكتب يستمِدُّ عبد الرحمن، فأخبَرَه بانهزام عليٍّ عنه، فأتاه عبد الرحمن وواقع عليًّا عند نهر السدرة وقعةً عظيمةً، فانهزم علي إلى الخبيث، وعسكر عبدُ الرحمن، فكان هو وإبراهيم بن سيما يتناوبان المسيرَ إلى عسكر الخبيث فيُوقعان به، وإسحاق بن كنداجيق بالبصرة، وقد قطَعَ الميرةَ عن الزنج، فكان صاحِبُهم يجمع أصحابَه يوم محاربة عبد الرحمن وإبراهيم، فإذا انقَضَت الحرب سيَّرَ طائفةً منهم إلى البصرة يقاتِلُ بهم إسحاق، فأقاموا كذلك بضعةَ عشر شهرًا إلى أن صرف موسى بن بغا عن حرب الزنج، ووَلِيَها مسرور البلخي.
إنَّ الملك الظاهر يلباي الإينالي لما تسلطن وتم أمره غطَّاه المنصب، وصار كالمذهول، ولزم السكوتَ وعدم الكلام، وضَعُف عن بتِّ الأمور، وردْع الأجلاب، بل صارت الأجلاب في أيامه كما كانت أولًا وأعظم، فلم يَحسُن ذلك ببال أحد، وصار الأمير خيربك الدوادار الثاني هو صاحب الحل والعقد في مملكته، وإليه جميعُ أمور المملكة، وشاع ذلك في الناس والأقطار، فبهذا وأشباهه اضطربت أحوالُ الديار المصرية، ولما كان عصر يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى، وطلعت الأمراء الألوف إلى القلعة ليبيتوا بالقصرِ على العادة، امتنعت المؤيدية عن الطلوع بمن وافقهم ما خلا الأمير جانبك الإينالي الأشرفي المعروف بقلقسيز أمير مجلس، وهو كبير الأشرفية الكبار يومئذ، واستمالت الظاهرية أيضًا الأمير جانبك قلقسيز الأشرفي أمير مجلس، فمال إليهم، ووعدهم بممالأة خشداشيته- زملائه- الأشرفية إليهم، وخذلان يشبك الدوادار، فعند ذلك صار الملك الظاهر يلباي وحده أسيرًا في أيدي القلعيين، فلما أصبحوا يوم الخميس خامس جمادى الأولى أعلن الأمير يشبك الفقيه الوثوب على الخشقدمية، ولبسوا آلة الحرب، وركب بمن معه من المؤيدية والأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، والسيفية، واجتمع عليهم خلائقُ من كل طائفة، ومالت زعر الديار المصرية إليهم، وبلغ مَن بالقلعة أمرهم، فخافوهم خوفًا شديدًا، ولَبِسوا هم أيضًا آلة الحرب، ونزلوا بالسلطان الملك الظاهر يلباي إلى مقعد الإسطبل السلطاني المطل على الرميلة، وشرعوا في قتال الأمير يشبك بمن معه في الأزقة والشوارع بالصليبية، وأصبح يوم الجمعة سادس جمادى الأولى والقتال قائم بين الفريقين بشارع الصليبية من أول النهار إلى آخره، فلما جاء الليل ليلة السبت أدخل يلباي إلى مبيت الحراقة، وبات به على هيئة عجيبة، إلى أن أصبح النهار وأخذوه وطلعوا به إلى القصر الأبلق، وحبسوه في المخبأة التي تحت الخرجة، بعد أن طلعوا به ماشيًا على هيئة الخَلعِ من السلطنة ثم سُجِنَ بعد ذلك بسجن الإسكندرية إلى أن توفي في العام التالي وقد جاوز السبعين من عمره، وأخذ الناس في سلطنة الملك الظاهر تمربغا، وزال ملك يلباي هذا كأنه لم يكن، وكانت مدة ملكه شهرين إلا أربعة أيام، ليس له فيها إلا مجرد الاسم فقط، أما السلطان الجديد الظاهر أبو سعيد تمربغا فجلس بصدر المقعد بالإسطبل السلطاني المعروف بالحراقة، وحضر الخليفة المستنجد بالله أبو المظفر يوسف، والقاضي الشافعي والقاضي الحنفي، وتخلف المالكي لتوعكه، والحنبلي لإبطائه، وحضر غالب أرباب الدولة والأعيان وبايعوه بالسلطنة، فقام من وقته ودخل مبيت الحراقة، ولبس خلعة السلطنة السواد الخليفتي.
كان العثمانيون وقائِدُهم خير الدين بربروسا وحسن الطوشي قد انشغلوا بمحاربة الأسبان في الجزائر والمغرب فترةً طويلةً من الوقت، جَعَلت فرسان القديس يوحنا (وهم بقايا الإسبتارية الصليبيين المطرودين من فلسطين ثم من قبرص ورودس سنة 928) يسيطرون على طرابلس سنة 942 بعد خروجهم من رودس بأمر البابا, واستمرَّ الحالُ حتى وفاة خير الدين بربروسا، وتمَّ تعيينُ طرغود أو «طرغوت، أو طرغول» باشا في منصب قبطان الأساطيل العثمانية. وبعد الاستغاثات التي وجَّهها سكَّان ليبيا إلى السلطان العثماني باعتباره خليفةً للمسلمين، وَضَع سنان باشا وطرغوت باشا خطةً مُحكَمةً لتحرير طرابلس من فرسان القديس يوحنا، وذلك بالهجوم البري من ناحية الشرق يقودُه والي مصر سنان باشا،وهجوم بحري يقوم به طرغود باشا بالأساطيل العثمانية من ناحية الشمال، ففرضا عليها حصارًا دام أسبوعًا واحدًا، وبحركة الكمَّاشة المحكمة استطاع العثمانيون بدعمٍ من المجاهدين الليبيين تحريرَ طرابلس في 12 شعبان سنة 958هـ، الموافق 15 أغسطس 1551م. دخلت ليبيا منذ 1551م عهدًا جديدًا، اتفق المؤرخون على تسميته بالعهد العثماني الأول، والذي انتهى سنة 1711م، عندما استقلَّ أحمد باشا القره مانلي بزمام ولاية ليبيا.
لم يكن صالح رايس والي الجزائر يهتمُّ قبل كلِّ شيء إلا بمحاربة الإسبان، ولا يهدفُ من وراء أي عملٍ إلَّا جمعَ القوى الإسلامية من أجلِ تطهير البلاد من الوجودِ الأوروبي الصليبي، فكان يرى قبل كل شيءٍ وجوبَ طردِ الإسبانِ مِن وهران، لكن كيف يتسنَّى له ذلك وسلطانُ السعديين بالمغرب يترقَّبُ به الفُرَص، وسلطانُ قلعة بني عباس ببلاد مجانة يُعلنُ انفصاله واستقلاله، ترامت لصالح رايس يومئذٍ الأنباءُ عن ضعفِ القوى الإسبانية بمدينة مجانة، علاوةً عن معاناةِ الحامية بالضيقِ، فرأى صالح أن يغتنمَ الفرصةَ وأن يبدأ بتطهير الشرقِ من الإسبان قبل أن يُطهِّرَ الغربَ، ولعلَّ انقاذ بجاية سيكون له أثرٌ في عودة مُلك بجاية إلى حظيرة الوحدةِ الإسلامية تحت ضغطِ السكَّان، سار صالح رايس في ربيع أول من هذه السنة نحو مدينة بجاية على رأسِ قوةٍ كبيرةٍ بنحو ثلاثين ألف رجلٍ عزَّزهم في الطريقِ بالمجاهدين في إمارةِ كوكو، فوطَّدت الجيوشَ العثمانية وحاصروا المدينة، بينما جاء الأسطولُ العثماني يحمِلُ الأسلحة والمدافِعَ بجانب الجيشِ، وصوَّب المسلمون قذائفَهم على القلعة ودارت معركةٌ عنيفة، ونجح صالح رايس في انتزاعِ بجاية من الإسبان, ولم يستطع حاكم نابولي من نجدةِ حاكمِها في الوقتِ المناسب، كما استسلم الحاكِمُ الإسباني للقوَّات العثمانية.
وقعَت هذه الغَزوةُ بعدَ غَزوةِ الأحزابِ مُباشرةً، وكان سببُها نقضَ بني قُريظةَ العهدَ الذي بينهم وبين النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بتَحريضٍ مِن حُيَيِّ بنِ أَخطبَ النَّضْريِّ. وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أَرسلَ الزُّبيرَ لِمعرفةِ نِيَّتِهم، ثمَّ أَتبَعهُ بالسَّعدَيْنِ –سَعدِ بنِ عُبادةَ وسَعدِ بنِ مُعاذٍ- وابنِ رَواحةَ، وخَوَّاتِ بنِ جُبيرٍ لِذاتِ الهدفِ ليَتأكَّدَ مِن غَدرِهم. وقد أمَر الله تعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، بقِتالِهم بعدَ عَودتِه مِنَ الخَندقِ ووَضْعِهِ السِّلاحَ، فأَوْصى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ أصحابَهُ أن يَتوجَّهوا إلى بني قُريظةَ، وقال لهم: (لا يُصَلِّيَنَّ أَحدُكم العَصرَ إلَّا في بني قُريظةَ). كما في رِوايةِ البُخاريِّ، أو (الظُّهرَ) كما في رِوايةِ مُسلمٍ. فضرَب الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم الحِصارَ على بني قُريظةَ لمُدَّةِ خمسٍ وعِشرين ليلةً على الأرجحِ، حتَّى نزلوا على حُكمِ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، فأَحَبَّ أن يَكِلَ الحُكمَ عليهم إلى واحدٍ مِن رُؤساءِ الأَوْسِ؛ لأنَّهم كانوا حُلفاءَ بني قُريظةَ، فجعل الحُكمَ فيهم إلى سعدِ بنِ مُعاذٍ، فلمَّا دَنا مِنَ المسلمين قال الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم للأنصارِ: قوموا إلى سَيِّدِكُم -أو خَيرِكُم- ثمَّ قال: إنَّ هؤلاءِ نزلوا على حُكمِك. قال -أي سعدُ بنُ مُعاذٍ-: تُقْتَلُ مُقاتِلَتُهم، وتُسْبى ذَرارِيُّهُم، وتُقْسَمُ أَموالُهم. فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: قَضيتَ بحُكمِ الله تعالى. ونَفَّذَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم هذا الحُكمَ فيهم، وكانوا أَربعمائةٍ على الأرجحِ. ولم يَنْجُ إلَّا بعضُهم، ثمَّ قَسَّمَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم أَموالَهم وذَراريَّهُم بين المسلمين.
هو قانونٌ أصدرَتْه وزارة رياض باشا، في عهدِ الخديوي توفيق، ونصَّ على تخصيص أكثَرَ مِن نصف إيرادات مصر السنوية لتسديدِ الديون لصالح الدائنين الأجانب. وكانت نتائجُ قانون التصفية: (أ) زيادةُ التدخُّل الأجنبي (ب) سوءُ الأحوال الاقتصاديةِ في البلاد.