استطاع الأمير حسن الطويل التتري الذي تزعَّم قبيلتي الخِراف البيض والخراف السود بعد توحُّدهما أن ينتزع خراسان من الأمير أبي سعيد بن محمد بن ميران شاه بن تيمورلنك بعد معركة انتهت بقتل أبي سعيد، ثم أبرم الأمير حسن هذا معاهدة مع دولة البنادقة ضد الدولة العثمانية، فأصبح قادرًا على تهديد الدولة العثمانية من ناحية المشرق، فهاجم الدولة العثمانية واحتلَّ مدينة توقات، فأرسل إليه السلطان العثماني محمد الفاتح جيشًا في هذا العام فهزمه، ثم سار السلطان الفاتح بنفسه وقاتله حتى قضى على من بقي من جيوشِه.
عندما غزا علي باشا- صاحِبُ الجزائر- تونسَ في هذه السنة، واستولى عليها وطرد منها حاكمها أحمد بن الحسن بن محمد الحفصي- ذهب أحمد إلى طاغية قشتالة مستغيثًا به، شأنُه شأن أبيه من قَبلِه، فأمَدَّه الطاغية بأسطول عظيم واشترط عليه أداء مال فالتزمه، ولما وصل الأسطول إلى ظاهر تونس اطَّلع قائده السلطان أحمد الحفصي على كتاب من الطاغية مضمونُه المشاركة في الحُكم، فأنكر أحمد ذلك وأنِفَ منه وذهب إلى صقلية فبقي بها إلى أن مات وحُمِل إلى تونس، وكان هنالك أخوه محمد بن الحسن فرضي بالمقاسمة ودخل بالنصارى معه إلى تونس سنة 981.
نزل عددٌ من الفرنج على دمياط في أربعة أغربة وبيونيين -نوعين من المراكب- فقاتلهم المسلمون على بر الطينة قتالًا كبيرًا، جُرح فيه جماعة من المسلمين، وقُتِلت خيولهم. فمضى الفرنج في آخر النهار إلى بر الطينة القديمة، ونهبوا ما كان هناك، وأتوا من الغد إلى حيث كانوا، فقاتلوا المسلمين مرة ثانية قتالًا كثيرًا، وعادوا إلى مراكبهم، فقدم في الحال غراب من أغربة المسلمين، فأحاط به الفرنج، فلم يثبت من كان في الغراب وألقَوا أنفسهم في الماء، وخلصوا إلى البر -وكانوا قريبًا منه- ثم مضوا إلى دمياط؛ فتكاثر المسلمون على الفرنج، وأخذوا منهم غراب المسلمين بعد قتال شديد، وقتلوا منهم إفرنجيينِ وأخذوا سلاحًا، فانهزم بقيتهم، وحُمِل الرأسان والسلاح إلى السلطان.
هو الخليفة أبو العباس عبدُ الله السَّفَّاح بن محمد الإمام بن علي السجاد بن عبد الله الحبر بن العباس، القرشيُّ الهاشمي أمير المؤمنين، وهو أول خلفاء العباسيين. ولِد السَّفاح سنة 105 بالحميمة ونشأ به وهي من أرض الشراة من أرض البلقاء بالشام. كان السَّفاح شابا، مليحا، مهيبا، أبيض، طويلا، وقورا. هرب أبو العباس مع أهله من جيش مروان الحمار، وأتوا الكوفة لما استفحل لهم الأمر بخراسان. حتى طُلِب أخوه إبراهيم، فقتَله مروان الحمارُ بحرَّان، فانتقلوا إلى الكوفة، فآواهم أبو سلمة الخلال في سرب بداره. بويع أبي العباس السفاح بالخلافةِ بعد مقتل أخيه إبراهيم في حياة مروان سنة ثِنتين وثلاثين ومائة، توفي بالجدري بالأنبار، وكان عمره ثلاثًا وثلاثين سنة. وقيل: ثمانيًا وعشرين سنة. وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر.
وقَعَت في هذه السَّنةِ وَقعةٌ عَظيمةٌ في أهل طليطِلة، وذلك أنَّهم خرجوا إلى طلبيرة، فخرج إليهم قائِدُها مسعود بن عبد الله العريف، بعد أن كمَنَ لهم الكمائِنَ، فقتلهم قتلًا ذريعًا، وبعث إلى قُرطبةَ بسَبعمائة رأسٍ مِن رؤوس أكابِرِهم، ثم في سنة 244هـ خرج الأميرُ محمَّد بنَفسِه إلى طليطلة، وعدَدُهم قد قَلَّ، بتواتر الوقائِعِ عليهم، ونزولِ المصائبِ بهم، فلم تكن لهم حربٌ إلا بالقنطرة. ثم أمر الأميرُ بقَطع ِالقنطرة، وجَمَع العُرَفاء من البنَّائين والمُهندسين، وأداروا الحيلةَ مِن حيث لا يشعُرُ أهل طليطلة. ثم نزلوا عنها، فبينما هم مجتَمِعونَ بها، إذ اندَقَّتْ بهم، وتهدَّمَت نواحيها، وانكفأتْ بمن كان عليها من الحُماة والكُماة، فغَرَقوا في النهرِ عن آخرهم. فكان ذلك من أعظَمِ صُنعِ اللهِ فيهم. ثم في سنة 245هـ دعا أهلُ طليطلة إلى الأمانِ، فعقَدَه الأميرُ لهم، وهو الأمانُ الأوَّلُ.
هو الحافِظُ الإمامُ المُجَوِّد العَلَّامة شيخُ الحرم: أبو ذر عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ بنِ مُحمَّد بن عبد الله بن غفير بن محمد، الأنصاريُّ الخُراساني الهَرَوي المالكي، صاحِبُ التصانيفِ، وراوي الصَّحيحِ عن الثلاثة: المستملي، والحَمَوي، والكشميهني. وُلِد سنة 355. سمع الكثيرَ ورحل إلى الأقاليم، وسكن مكَّة، ثمَّ تزوَّجَ في العرب، وكان يحُجُّ كلَّ سنة ويقيمُ بمكَّةَ أيَّام الموسم ويسمعُ النَّاس، ومنه أخذَ المغاربةُ مذهبَ الأشعريِّ عنه، وكان يقولُ إنَّه أخذ مذهَبَ مالكٍ عن الباقِلَّاني، كان حافِظًا، له تصانيفُ منها: تفسير القرآن، وله مُستدرَك على الصحيحين. قال أبو بكر الخطيب: "قَدِمَ أبو ذر بغداد، وحَدَّث بها وأنا غائب، وخرج إلى مكَّة، وجاور، ثم تزوَّجَ في العرب، وأقام بالسرواتِ، فكان يحُجُّ كل عام، ويحَدِّثُ، ثمَّ يرجع إلى أهله، وكان ثقةً ضابطًا دَيِّنًا، مات بمكَّةَ"
أُلْزِمَ الرَّوافِضُ بِتَركِ الأذانِ بحَيّ على خَيرِ العَملِ، وأُمِروا أن يُنادِي مُؤذِّنُهم في أذانِ الصُّبحِ، وبعدَ حَيَّ على الفَلاحِ: الصَّلاةُ خَيرٌ مِن النَّوْم. مَرَّتينِ، وأُزِيلَ ما كان على أَبوابِ المساجدِ ومَساجِدِهم مِن كتابة: محمدٌ وعَلِيٌّ خَيرُ البَشرِ. ودَخلَ المُنشِدونَ من بابِ البَصرَةِ إلى بابِ الكَرخِ، يُنشِدونَ بالقَصائدِ التي فيها مَدحُ الصَّحابَةِ، وذلك أنَّ نَجْمَ الرَّافِضَة اضْمَحَلَّ، لأنَّ بني بُويه كانوا حُكَّامًا، وكانوا يُقَوُّونَهُم ويَنصُرونَهُم، فزالوا وبادوا، وذَهبَت دَولتُهم، وجاء بَعدَهم قَومٌ آخرون مِن الأَتراكِ السَّلجوقِيَّة الذين يُحِبُّونَ أَهلَ السُّنَّةِ ويُوالونَهُم ويَرفَعون قَدرَهُم، واللهُ المَحمودُ أبدًا على طُولِ المَدَى. وأَمَرَ رَئيسُ الرُّؤساءِ الوالي بِقَتلِ أبي عبدِ الله بن الجَلَّابِ شَيخِ الرَّوافِض، لِمَا كان تَظاهَر به من الرَّفْضِ والغُلُوِّ فيه، فقُتِلَ على بابِ دُكَّانِه، وهَرَب أبو جَعفرٍ الطُّوسيُّ ونُهِبَت دارُه.
في أوَّلِ رمضان وصَلَت الأخبار إلى دمشق أنه أُجرِيَت عينُ ماء إلى مكَّةَ شَرَّفَها اللهُ وانتفَعَ الناس بها انتفاعًا عظيما، وهذه العين تُعرِفُ قديمًا بعين باذان، أجراها الأميرُ سيف الدين جوبان المغولي نائب السلطان أبي سعيد بن خربندا مَلِك التتار من بلادٍ بعيدة حتى دخَلَت إلى نفس مكة، ووصلت إلى عند الصَّفا وباب إبراهيم، واستقى الناسُ منها فقيرُهم وغَنِيُّهم وضعيفُهم وشريفُهم، كلُّهم فيها سواء، وارتفق أهلُ مكة بذلك رفقًا كثيرًا،ولله الحمد والمنَّة، وكانوا قد شرعوا في حَفرِها وتجديدها في أوائِلِ هذه السنة إلى العشر الأخير من جمادى الأولى، واتَّفَق أن في هذه السنة كانت الآبارُ التي بمكة قد يَبِسَت وقلَّ ماؤها، وقَلَّ ماء زمزم أيضًا، فلولا أنَّ الله تعالى لطَفَ بالنَّاسِ بإجراء هذه القناة لنزح عن مكَّةَ أهلُها، أو هلَكَ كَثيرٌ مِمَّا يقيمُ بها.
بادر الإمامُ فيصل بن تركي إلى عَزْلِ أمير عنيزة في هذه السنة؛ وذلك لاعتقاده بأنه أغرى شريفَ مكة محمد بن عون بغزوِ نجد، وفتح له أبوابَ بلدتِه. وأمَّر الإمامُ فيصل على عنيزة ناصرَ بن عبد الرحمن السحيمي. فناصَبَ آلُ سليم أسرةُ الأمير المعزول أسرةَ السحيمي الأميرِ الجديد العداءَ، وحاولوا بزعامةِ عبد الله بن يحيى بن سليم اغتيالَ السحيمي، والاستيلاءَ على قصرِ الإمارة، ولكِنَّ محاولتهم باءت بالفشلِ، فهربوا من عُنيزة واحتموا بأميرِ بُرَيدة، وألزمهم الإمام فيصل بن تركي بالقدومِ إليه في الرياض؛ ليرى فيهم، وقَتَل السحيمي أميرَ عنيزة السابق. وأمر الإمام فيصل بن تركي السحيمي بالحضورِ إليه ليحاكَمَ مع عبد الله بن يحيى بن سليم ومن معه عند قاضي الرياضِ.
هو الأمير عبد العزيز بن متعب بن عبد الله العلي الرشيد مِن الجعفر من قبيلة شمر من أمراء آل رشيد أصحاب حائل وما حولها بنجد. وَلِيَها بعد وفاة عمه محمد بن عبد الله الرشيد سنة 1315هـ، كان من أشجع العرب في عصره، وأصلَبِهم عودًا. بدأ حكمه في ظل قبولٍ تامٍّ له من قِبَل الأهالي وأفراد أسرته، وكان ذا ميول عسكرية وتوسُّعية، فاهتمَّ كثيرًا بالشأنِ العسكريِّ وكوَّن جيشًا عَزَّز به جميعَ مناطق نفوذه. له وقائِعُ وغاراتٌ كثيرة مع مبارك بن صباح صاحب الكويت، والملك عبد العزيز بن سعود، وأمير المنتفق. وفي أيامه استرجع منه الملك عبد العزيز مدينةَ الرياض سنة 1319هـ، وظلَّ ابن رشيد يصاوِلُ خصومَه، ويقابِلُ الغارات بمثلها، إلى أن قُتِلَ في روضة المهنا بالقصيم. خَلَفَه في إمارة حائل بعد مقتله ابنُه متعب.
انتقل المَلِكُ علي بن الحسين إلى جُدَّة قبل دخول قوات الإخوان (إخوان من أطاع الله) مكة، واتخذها عاصمة لمملكته، ولَمَّا استقر الملك عبدالعزيز في مكة حاول أن ينهيَ قضية جُدَّة مع علي بن الحسين بالسِّلمِ، لكِنَّه رفض، ففرض السلطانُ الحصارَ عليه في الوقت الذي كان قادة الإخوان (إخوان من أطاع الله) يطالبون وبشدةٍ اقتحام جدة مع تقديم الضمانات بالمحافظة على سلامة الرعايا الأجانب وقناصِلِهم، لكِنَّه رُفِض طلبُهم، واستمر الحصار سنةً إلى أن قبِلَ علي بن الحسين الاستسلامَ بوساطة بريطانية، وتم التوقيعُ على شروط الاستسلام والذي يتضمَّنُ تسليمَ علي بن الحسين جدَّة للسلطان عبد العزيز، والاعتراف به سلطانًا على نجد ومكة مقابِلَ أن يخرج منها مع أسرته وأمواله ورجالِه وحاشيته سالِمين، وضمان سلامة الرعية، وإصدار عفوٍ عام لهم، ويمثِّلُ هذا الاستسلام نهايةَ حكم الهاشميين في الحجاز.