ظنَّ السلطان عبد العزيز بن محمود الثاني أنَّه إذا تقرَّب إلى الروس فإن ذلك سيؤثِّرُ على الدول الأوربية الغربية لتقديمِ تساهلاتٍ أكثَرَ للدولة العثمانية، فخافت الدولُ الأوربية فأشاعت عنه التبذيرَ والإسرافَ، وتولى رئيسُ مجلس الشورى أحمد مدحت باشا فكرةَ عَزلِه، كما تواطأ معه شيخُ الإسلام حسن خير الله أفندي -المنتمي لحركة تركيا الفتاة- فأصدر فتوى شرعية تفيدُ بعَزلِه, فعُزِلَ السلطان عبد العزيز في هذا العام بعد أن أمضى في الحكم ست عشرة سنة وأربعة أشهر كان يسعى خلالها إلى تقويةِ الدولةِ، ثم قُتِلَ بعد ذلك وأُشيعَ أنَّه انتحر، وتولى الخلافةَ بعده ابنُ أخيه مراد الخامس بن عبد المجيد في اليوم السابع من هذا الشهر في هذه السنة.
هو المقرئُ الشيخ محمد صديق المنشاوي، أحدُ رُوَّادِ التلاوة بمصر، تميَّز بأسلوبٍ مُمَيَّز وحزين في تلاواتِه. وُلِدَ بقرية البوري بمحافظة سوهاج بمصر، وأتمَّ حِفظَ القرآن وهو في الثامنة؛ حيث نشأ في أسرةٍ تهتَمُّ بالقرآن حفظًا وتلاوةً؛ فأبوه الشيخ صديق هو الذي علَّمه فنَّ قراءة القرآن الكريم، ذاع صِيتُ محمد ولَقِيَ قَبولًا حسنًا لعُذوبةِ صَوتِه وجماله وانفرادِه بذلك، كان متقِنًا لمقاماتِ القراءة والانفعال العميقِ مع معاني وألفاظ القرآن, ويُعدُّ المنشاوي من أشهَرِ القرَّاء في العالم الإسلامي. أصيب الشَّيخُ في آخر أيامِه بمرض دوالي المريء، ورَغمَ مَرضِه ظلَّ يقرأ القرآن حتى وافته المنية -رحمه الله- يوم الجمعة 5 ربيع الثاني من هذا العام.
وُلدَ عبدُ اللهِ الطيبُ المجذوبُ بقرية التميراب غربَ الدامر في 25 رمضانَ 1339هـ / الموافق 2 يونيو 1921م، تعلَّم بمدارس كسلا والدامر وبربر، وكلية غردون التذكارية بالخرطوم، والمدارس العُليا، ومعهدِ التربيةِ ببخت الرضا، وجامعة لندنَ بكلية التربية، ومعهدِ الدراساتِ الشرقيةِ والإفريقيةِ، نال الدكتوراه من جامعة لندنَ (SOAS) سنةَ 1950م.
وعمِلَ بالتدريس بأم درمان الأهليةِ، وكليةِ الخرطومِ الجامعيةِ، وجامعةِ الخرطومِ، وغيرِها.
تولَّى عِمادةَ كليةِ الآدابِ بجامعة الخرطوم (1961-1974م)، ثم مديرًا لجامعة الخرطوم (1974-1975)، وعُيِّن أولَ مديرٍ لجامعة جوبا (1975-1976م)، وأسَّس كلية بايرو بكانو "نيجيريا"، تُوفي في 19 ربيع الثاني 1424.
فَرَض حُوثِيُّون حِصارًا على دار الحديث بدَماَّجٍ بصَعدَةَ، وقاموا بمَنعِ دُخولِ الموادِّ الغذائيَّةِ والأدوِيَةِ، ودُخولِ الطَّلَبة المستجَدِّين، وخُروجِ الحُجَّاج لأداء الحجِّ، وقاموا بقَتلِ بعضِ طَلَبةِ العلمِ عن طريقِ القنصِ من الجبال، ثم شنُّوا هُجومًا بالقذائفِ المِدفَعية والهاون قُتِل من جرَّائِه عَشَراتٌ من أهل السُّنة، وأكثَرُهم نَزَفوا حتى الموتِ؛ إذ لا تتوفَّرُ إمكانياتٌ طِبِّيةٌ بسبب الحصارِ المطبَّقِ عليهم. وتُعتبُر دمَّاجٌ قريةً تقع في وادٍ جنوبَ شرقِ مدينة صَعدَةَ بشمالِ اليمن، وهي تابعةٌ إداريًّا لمُديريَّة الصَّفراءِ من مُحافَظة صَعدَةَ باليمن، وتَرجِع شُهرَةُ هذه البلدةِ إلى وجودِ مركزِ دارِ الحديثِ الذي أسَّسه الشَّيخُ مُقبِلُ بنُ هادي الوادِعِيُّ -رحمه الله- وكان من أهالي هذه البلدةِ.
تُوفي الرئيسُ السابقُ محمد مرسي خِلالَ جلْسةِ محاكمتِه وهو من مواليدِ أغسطس عامَ 1951م، واسمُه الكاملُ محمد محمد مرسي عيسى العيَّاط، تولَّى رئاسةَ مصرَ في أوَّلِ انتِخاباتٍ رئاسيَّةٍ عقِبَ ثورةِ يناير منَ العامِ 2011م، ليكونَ الرئيسَ الخامِسَ لمصرَ، كان يعمَلُ أستاذًا بكليةِ الهندسةِ جامعةِ الزقازيقِ، وبدأتْ فَترتُه الرئاسيَّةُ مع إعلانِ فوزِه في الانتِخاباتِ الرئاسيَّةِ التي أُجرِيَت في 24 يونيو 2012، وتولَّى مهامَّ منصِبِه في 30 يونيو من العام 2012م، إلى 3 يوليو من العام 2013م.
وقد تُوفِّي رحمه الله داخلَ معهدِ أُمناءِ الشرطةِ في طُرةَ بالقاهرةِ ودُفِنَ فجرَ الثلاثاءِ 18 يونيو 2019م في مقبرةٍ بمدينةِ نصر شرقيَّ القاهرةِ بحضورِ أسرتِه ومُحاميه.
وُلِد الشَّيخُ يوسُفُ بنُ عبدِ اللهِ القَرَضاويُّ عامَ 1345هـ /1926م، درَس مراحِلَ تعليمِه كُلَّها في الأزهَرِ حتى حصَل فيه على درَجةِ الدُّكتوراه، ثمَّ سافر عامَ 1961م إلى دولةِ قَطَر وعَمِل فيها مديرًا للمعهدِ الدِّينيِّ الثَّانويِّ، وبعدَ استقرارِه هناك حَصَل القَرَضاويُّ على الجِنسيَّةِ القَطَريَّةِ، وفي سنةِ 1397هـ/ 1977 م تولَّى تأسيسَ وعِمادةَ كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والدِّراساتِ الإسلاميَّةِ بجامعةِ قَطَر، كما أصبح مديرًا لمركَزِ بحوثِ السُّنةِ والسِّيرةِ النَّبَويَّةِ بجامعةِ قَطَر.
أسَّس الاتِّحادَ العالَميَّ لعُلَماءِ المُسلِمين وأصبح رئيسًا له إلى قَبلِ وفاتِه بسَنَواتٍ، وكان رئيسَ المجلِسِ الأوروبِّيِّ للإفتاءِ والبُحوثِ.
له العديدُ من المؤلَّفاتِ أشهَرُها كتابُ: (فِقهُ الزَّكاةِ).
توفِّيَ في مدينةِ الدَّوحةِ بقَطَر عن عُمرٍ يناهِزُ 96 عامًا.
هو الإمامُ العلَّامةُ الفقيهُ الأصوليُّ اللُّغويُّ, عالمُ خُراسان, أبو بكر مُحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ إسماعيل الشافعيُّ، صاحِبُ التصانيفِ، المعروفُ بالقَفَّال الكبيرِ، الشَّاشيُّ نِسبةً إلى مدينة شاشَ وراءَ النَّهرِ، ولد بها سنة 271, وكان من أكابر عُلَماءِ عَصرِه بالفِقهِ والحديث واللغة، رحل إلى العراقِ والشام وخراسان، قال الحاكم عنه: "عالمُ أهلِ ما وراءَ النَّهرِ في الأصولِ ". وعنه انتشر المذهبُ الشَّافعيُّ هناك، له مصنَّفاتٌ؛ منها: أصول الفقه، ومحاسن الشريعة، وشرح رسالة الشافعي، وغيرها، كانت وفاتُه بشاش عن 74 عامًا.
قال ابنُ كَثيرٍ: "في يومِ الخَميسِ حادي عشر المُحرَّمِ حَضرَ إلى الدِّيوانِ أبو الوَفا عليُّ بنُ محمدِ بنِ عَقيلٍ العَقيليُّ الحَنبليُّ، وقد كَتبَ على نَفسِه كِتابًا يَتضمَّن تَوبتَه من الاعتِزالِ، وأنَّه رَجعَ عن اعتِقادِ كَوْنِ الحَلَّاجِ من أَهلِ الحَقِّ والخَيرِ، وأنه قد رَجعَ عن الجُزءِ الذي عَمِلَه في ذلك، وأنَّ الحَلَّاجَ قد قُتِلَ بإجماعِ عُلماءِ أَهلِ عَصرِه على زَندَقتِه، وأنَّهم كانوا مُصِيبينَ في قَتلِه وما رَمَوْهُ بهِ، وهو مُخطِئٌ، وأَشهَدَ عليه جَماعةً من الكُتَّابِ، ورَجعَ من الدِّيوانِ إلى دارِ الشَّريفِ أبي جَعفرٍ فسَلَّمَ عليه وصالَحه واعتَذرَ إليه، فعَظَّمَه"
لَمَّا استولى عبدُ المؤمن بنُ علي قائدُ المُوحِّدينَ على مراكش، أحضَرَ اليهودَ والنَّصارى، وقال: إنَّ الإمامَ المَهديَّ أمَرَني ألَّا أُقِرَّ النَّاسَ إلَّا على مِلَّةٍ واحدةٍ وهي الإسلامُ، وأنتم تَزعُمونَ أنَّ بعد الخَمسِمئة عام يظهَرُ مَن يُعضِّدُ شريعتَكم، وقد انقَضَت المُدَّةُ، وأنا مُخَيِّرُكم بين ثلاثٍ: إمَّا أن تُسلِموا، وإمَّا أن تَلحَقوا بدارِ الحَربِ، وإمَّا أن أضرِبَ رِقابَكم، فأسلم منهم طائِفةٌ، ولَحِقَ بدار الحَربِ أخرى. وأخرَبَ عبدُ المؤمِنِ الكنائسَ والبِيَعَ ورَدَّها مساجِدَ، وأبطل الجِزيةَ، وفعل ذلك في جميعِ ولاياتِه.
لَمَّا كان في مستهَلِّ شَهرِ ربيع الآخر نزل السلطانُ من قلعة الجبل وعَدَّى إلى بر الجيزة ليتوجه إلى الصيدِ بالبحيرة، بعد أن ألزم الأمراءَ أن يجعلوا- في الشواني التي نجز عملها برسم الغُزاة- العِدَد والسلاحَ والرجالَ على هيئة القِتالِ؛ لِيَنظُرَ السلطان والنَّاس، ثم سار السلطان والأتابك يلبغا بالعساكِرِ مِن بر الجيزة يريدون البحيرةَ حتى نزلوا في ليلة الأربعاء سادسَ شهر ربيع الآخر بالطرانة وباتوا بها، وكانت مماليكُ يلبغا قد نَفِرَت قلوبُهم منه؛ لكثرةِ ظُلمِه وعَسفِه وتنوُّعِه في العذاب لهم على أدنى جُرمٍ، فاتفق جماعةٌ من مماليك يلبغا تلك الليلة على قَتْلِه من غير أن يُعلِموا المَلِكَ الأشرفَ هذا بشَيءٍ مِن ذلك، وركبوا عليه نِصفَ الليل، ورؤوسُهم من الأمراء: آقبغا الأحمدي الجلب، وأسندمر الناصري، وقجماس الطازي، وتغري برمش العلائي، وآقبغا جاركس أمير سلاح، وقرابغا الصرغتمشي، في جماعةٍ مِن أعيان اليلبغاوية، ولَبِسوا آلة الحرب وكبَسوا في الليل على يلبغا بخيمتِه بغتةً وأرادوا قتله، فأحسَّ بهم قبل وصولِهم إليه، فركِبَ فَرَس النوبةِ بخواصِّه من مماليكه، وهرب تحت الليل، وعَدَّى النيل إلى القاهرة، ومنع سائرَ المراكب أن يعدُّوا بأحد، واجتمع عنده من الأمراء طيبغا حاجِبُ الحجَّاب، وأيبك البدري أمير آخور، وجماعة الأمراء المقيمين بالقاهرة، وأمَّا مماليك يلبغا فإنَّهم لَمَّا عَلِموا بأن أستاذهم نجا بنَفسِه وهرب، اشتدَّ تخَوُّفُهم من أنَّه إذا ظَفِرَ بهم بعد ذلك لا يُبقي منهم أحدًا، فاجتمع الجميعُ بمن انضاف إليهم من الأمراءِ وغيرِهم وجاؤوا إلى المَلِك الأشرَفِ شعبان وهو بمُخَيَّمِه أيضًا بمَنزِلِه بالطرانة وكَلَّموه في مُوافَقَتِهم على قتالِ يلبغا فامتنع قليلًا ثم أجاب لِما في نفسه من الحزازةِ مِن حَجْرِ يلبغا عليه، وعدم تصَرُّفه في المملكة، وركِبَ السلطان بمماليك يلبغا وخاصكيَّته، فأخذوه وعادوا به إلى جهة القاهرة، وقد اجتمع عليه خلائِقُ من مماليك يلبغا وعساكر مصر، وساروا حتى وصلوا إلى ساحِلِ النيل ببولاق التكروري تجاه بولاق والجزيرة الوسطى، فأقام المَلِكُ الأشرف ببولاق التكروري يوم الأربعاء ويوم الخميس ويوم الجمعة، فلم يجدوا مراكِبَ يعدون فيها، وأما يلبغا فإنَّه لما علم أن الملك الأشرف طاوع مماليكَه وقَرَّبهم، أنزل من قلعة الجبل آنوك ابنَ الملك الأمجد حسين أخي الملك الأشرف شعبان وسَلْطَنَه ولَقَّبَه بالملك المنصور، وذلك بمُخَيَّمِه بجزيرة أروى المعروفة بالجزيرة الوسطانيَّة تجاه بولاق التكروري، حيث الملك الأشرف نازلٌ بمماليك يلبغا بالبر الشرقي والأشرف بالبر الغربي، فسَمَّتْه العوامُ سُلطان الجزيرة، ثمَّ في يوم الجمعة حضر عند الأتابك يلبغا الأمير طغيتمر النظامي والأمير أرغون ططر، فإنهما كانا يتصَيَّدان بالعباسة وانضافا بمن معهما إلى يلبغا فقَوِيَ أمره بهما، وعَدَّى إليه أيضًا جماعة من عند الملك الأشرف، وهم: الأمير قرابغا البدري، والأمير يعقوب شاه، والأمير بيبغا العلائي الدوادار، والأمير خليل بن قوصون، وجماعة من مماليك يلبغا الذين أمَّرَهم مثل: آقبغا الجوهري، وكمشبغا الحموي، ويلبغا شقير، في آخرين، واستمَرَّ الأتابك يلبغا وآنوك بجزيرة الوسطى، والملك الأشرف ومماليك يلبغا ببولاق التكروري، إلى أن حضر إلى الأشرفِ شَخصٌ يُعرَفُ بمحمد ابن بنت لبطة رئيس شواني السلطان، وجَهَّز للسلطانِ مِن الغربان التي عَمَّرَها برسم الغزاة نحو ثلاثينَ غُرابًا برجالها وكَسَر بروقها، وجعلها مثل الفلاةِ لأجلِ التَّعدية، فنزل فيها جماعةٌ مِن الأمراء ومن مماليك يلبغا ليعَدُّوا فيها إلى الجزيرة، فرمى عليهم يلبغا بمكاحِلِ النفط، وصار هؤلاء يرمون على يلبغا بالسهام فيردونَهم على أعقابِهم، وأخذ يلبغا ومن معه يرمون أيضًا النِّفطَ والنشاب، والأشرفيَّة لا يلتفتون إلى ذلك، بل يزيدونَ في سب يلبغا ولَعْنه وقتاله، وأقاموا على ذلك إلى عَصرِ يوم السبت، وقد قَوِيَ أمر الملك الأشرف وضَعُفَ أمر يلبغا، ثم اتفق رأيُ عساكر الملك الأشرف على تعدية المَلِك الأشرف من الورَّاق، فعدى وقتَ العَصرِ من الوراق إلى جزيرة الفيل وتتابعَتْه عساكره، فلما صاروا الجميعُ في بر القاهرة، وبلغ ذلك يلبغا، هرب الأمراءُ الذين كانوا مع يلبغا بأجمعهم وجاؤوا إلى الملك الأشرف وقَبَّلوا الأرض بين يديه، فلمَّا رأى يلبغا ذلك رجع إلى جهة القاهرة، ووقف بسوقِ الخيل من تحت قلعة الجبل، ولم يبقَ معه غير طيبغا حاجِبِ الحجَّاب الذي كان أولًا أستاداره، فوقف يلبغا ساعةً ورأى أمْرَه في إدبار، فنزل عن فَرَسِه بسوق الخيل تجاه باب الميدان، وصلَّى العصر، وحلَّ سَيْفَه وأعطاه للأميرِ طيبغا الحاجب، ثم نزل وقصَدَ بَيتَه بالكبش فرجمته العوامُّ مِن رأس سويقة منعم إلى أن وصل حيثُ اتجه، وسار الملك الأشرف شعبان بعساكره، حتى طلع إلى قلعةِ الجَبَلِ في آخر نهار السبت، وأرسل جماعةً منِ الأمراء إلى يلبغا، فأخذوه من بيتِه ومعه طيبغا الحاجِبُ، وطلعوا به إلى القلعةِ بعد المغرب، فسُجِنَ بها إلى بعدِ عشاء الآخرة، فلما أُذِّنَ للعشاء جاء جماعةٌ من مماليك يلبغا مع بعض الأمراء، وأخذوا يلبغا من سجنه وأنزلوه من القلعةِ، فلما صار بحدرة القلعة أحضروا له فَرَسًا ليركَبَه، فلما أراد الركوب ضَرَبه مملوكٌ مِن مماليكه يسمَّى قراتمر فأرمى رأسَه، ثم نزلوا عليه بالسيوفِ حتى هَبَروه تهبيرًا، وأخذوا رأسَه وجعلوها في مِشعَلِ النار إلى أن انقَطَع الدم، فلما رآه بعضُهم أنكره وقال: أخفيتُموه، وهذه رأسُ غَيرِه فرفعوه من المِشعَل، ومَسَحوه ليُعَرِّفوه أنَّه رأس يلبغا بسلعةٍ كانت خلفَ أذنه، فعند ذلك تحقَّقَ كُلُّ أحد بقتله، وأخذوا جثَّتَه فغَيَّبوها بين العروستين، فجاء الأميرُ طشتمر الدوادار فأخذ الرأسَ منهم في الليل، واستقصى على الجثَّةِ حتى أخذها، وحَطَّ الرأس على الجثة، وغَسَّلها وكفَّنَها وصلى عليه في الليل، ودفنه بتربتِه التي أنشأها بالصحراء بالقربِ مِن تربة خوند طغاى أم آنوك زوجة الناصر محمد بن قلاوون.
لما تخلص الخادم كردبازو من السلطان سليمان شاه بسَجنه ثم قتله، أرسل إلى إيلدكز، صاحب آران وأكثر بلاد أذربيجان، يستدعيه إليه ليخطُبَ للملك أرسلان شاه الذي معه، وبلغ الخبر إلى إينانج صاحب بلاد الري، فسار ينهب البلادَ إلى أن وصل إلى همذان، فتحصن كردبازو، فطلب منه إينانج أن يعطيه مصافًا، فقال: أنا لا أحاربك حتى يصل الأتابك الأعظم إيلدكز. وسار إيلدكز في عساكره جميعًا يزيد على عشرين ألف فارس، ومعه أرسلان شاه بن طغرل بن محمد بن ملكشاه، فوصل إلى همذان، فلقِيَهم كردبازو، وأنزله دار المملكة، وخطب لأرسلان شاه بالسَّلطنة بتلك البلاد، وكان إيلدكز قد تزوَّجَ بأم أرسلان شاه، وهي أم البهلوان بن إيلدكز، وكان إيلدكز أتابكَه، والبهلوان حاجبَه، وهو أخوه لأمه، وكان إيلدكز هذا أحدَ مماليك السلطان مسعود، واشتراه في أول أمره، فلما ملك أقطعَه أران وبعض أذربيجان، واتفق الحروب والاختلاف، فلم يحضر عنده أحد من السلاطين السلجوقية، وعظُمَ شأنُه وقَوِيَ أمرُه، وتزوج بأم الملك أرسلان شاه، فولدت له أولادًا منهم البهلوان محمد، وقزل أرسلان عثمان، فلما خطَبَ له بهمذان أرسل إيلدكز إلى بغداد يطلب الخطبة لأرسلان شاه أيضًا، وأن تعاد القواعِدُ إلى ما كانت عليه أيام السلطان مسعود، فأُهين رسوله وأعيد إليه على أقبح حالة، وأما إينانج صاحب الري فإن إيلدكز راسله ولاطفه فاصطلحا وتحالفا على الاتفاق، وتزوج البهلوان بن إيلدكز بابنة إينانج ونُقِلَت إليه بهمذان.
اجتمَعَ كثيرٌ مِن الأُمَراءِ وأصحابِ الأطرافِ على الخُروجِ عن طاعةِ السُّلطانِ مَسعود، فسار المَلِكُ داود بن السُّلطان محمود في عسكَرِ أذربيجان إلى بغداد، فوصَلَها رابِعَ صَفَر، ونزل بدارِ السُّلطان، ووصل أتابك عماد الدين زنكي بَعدَه مِن المَوصِل، ووصل يرنقش بازدار صاحِبُ قزوين وغيرها، والبقش الكبيرُ صاحب أصفهان، وصَدقةُ بنُ دبيس صاحِبُ الحلة، ومعه عنترُ بنُ أبي العسكر الجاواني يدَبِّرُه، ويُتَمِّمُ نَقصَ صِباه، وابنُ برسق، وابن الأحمديلي، وخرج إليهم مِن عَسكَرِ بغدادَ كج أبه والطرنطاوي وغيرهما، وجعل المَلِكُ داود في شحنكية بغداد يرنقش بازدار، وقبض الخليفةُ الراشِدُ بالله على ناصحِ الدَّولة أبي عبد الله الحَسَن بن جهير أستاذ الدار، وهو كان السَّبَبَ في ولايتِه، وعلى جَمالِ الدولةِ إقبالِ المسترشدي، وكان قد قَدِمَ إليه من تكريت، وعلى غيرِهما من أعيانِ دَولتِه، فتغَيَّرَت نِيَّاتُ أصحابِه عليه وخافوه. فأمَّا جَمالُ الدَّولةِ؛ فإنَّ أتابك زنكي شَفَعَ فيه شفاعةً تحتها إلزامٌ، فأُطلِقَ وصار إليه ونزل عنده، وخرج موكِبُ الخليفةِ مع وزيرِه جلالِ الدينِ أبي الرضا بن صدقة إلى عمادِ الدِّينِ زنكي لتَهنئتِه بالقدوم، فأقام الوزيرُ عنده، وسأله أن يمنَعَه من الخليفةِ فأجابه إلى ذلك، وعاد الموكِبُ بغير وزير، وأرسل زنكي مَن حَرَسَ دارَ الوزيرِ مِن النَّهبِ، ثم أصلحَ حالَه مع الخليفة، وأعاده إلى وزارتِه. وكذلك أيضًا عبَرَ عليه قاضي القضاة الزينبي، وسار معه إلى الموصِل، ثمَّ إنَّ الخليفةَ جَدَّ في عمارةِ السُّورِ، فأرسل المَلِكُ داود مَن قَلَع أبوابَه، وأخرب قطعةً منه، فانزعج الناسُ ببغداد، ونقلوا أموالَهم إلى دارِ الخلافة، وقُطِعَت خُطبةُ السُّلطان مسعود، وخُطِبَ للملك داود وجَرَت الأيمانُ بين الخليفة والملك داود وعمادِ الدينِ زنكي، وأرسل الخليفةُ إلى زنكي ثلاثين ألفَ دينار ليُنفِقَها، ووصل الملِكُ سلجوق شاه إلى واسط فدخَلَها وقَبَض على الأميرِ بك أبه ونهَبَ مالَه وانحدَرَ زنكي إليه لدَفْعِه عنها واصطلحا وعاد زنكي إلى بغداد وعبَرَ إلى طريق خراسان، وحثَّ على جمعِ العساكِرِ للِقاءِ السُّلطانِ مَسعود، وسار المَلِكُ داود نحو خراسانَ أيضًا، فنَهَب العسكَرُ البلادَ وأفسدوا، ووصلت الأخبارُ بمَسيرِ السُّلطان إلى بغداد لقِتالِ الملك، وفارق الملِكُ داود وزنكي، فعاد زنكي إلى بغداد، وفارق المَلِكُ داود، وأظهر له أن يمضيَ إلى مراغة إذ فارقَ السُّلطان مسعود إلى همذان، فبرز الراشِدُ بالله إلى ظاهِرِ بغدادَ أوَّلَ رمَضان، وسار إلى طريقِ خُراسان، ثم عاد بعد ثلاثةِ أيَّامٍ ونزل عند جامِعِ السُّلطانِ، ثمَّ دخل إلى بغداد خامِسَ رَمَضان، وأرسَلَ إلى داود وسائرِ الأُمَراء يأمُرُهم بالعَودِ إلى بغداد، فعادوا، ونزلوا في الخيامِ، وعَزَموا على قِتالِ السُّلطان مسعودٍ مِن داخِلِ سورِ بغداد، ووصَلَت رسُلُ السُّلطان مسعود يبذُلُ مِن نفسِه الطاعةَ والمُوافَقةَ للخليفة والتهديدَ لِمَن اجتمع عنده، فعرض الخليفةُ الرِّسالةَ عليهم، فكُلُّهم رأى قتاله، فقال الخليفة: وأنا معكم على ذلك.
حاوَلَ بَعضُ الأمراء القضاءَ على برقوق وقَتْلَه، لكنَّه استطاع أن يقبِضَ عليهم ويسجِنَهم، ولكنه استمَرَّ بعد مَسْك هؤلاء في تخوف عظيم، واحترز على نفسه من مماليكِه وغيرِهم غايةَ الاحتراز، فأشار عليه بعد ذلك أعيانُ خشداشيته- زملاء مهنته- وأصحابه مثل أيتمش البجاسي، وألطنبغا الجوباني أمير مجلس، وقردم الحسني، وجركس الخليلي ويونس النوروزي الدوادار وغيرهم أن يتسلطَنَ ويحتَجِبَ عن الناس ويستريح ويُريحَ مِن هذا الذي هو فيه من الاحترازِ مِن قيامه وقعودِه، فجَبُنَ عن الوثوب على السلطنةِ وخاف عاقبةَ ذلك، فاستحَثَّه الأمراء، فاعتذر بأنه يهابُ قُدَماءَ الأمراء بالديار المصرية والبلاد الشامية، فركِبَ سودون الفخري الشيخوني حاجِبُ الحُجَّاب ودارَ على الأمراء سرًّا حتى استرضاهم، وما زال بهم حتى كلَّموا برقوقًا في ذلك وهَوَّنوا عليه الأمرَ وضَمِنوا له أصحابَهم من أعيان النواب والأمراء بالبلاد الشامية، وساعدهم في ذلك موتُ الأمير آقتمر عبد الغني؛ فإنَّه كان من أكابر الأمراء، وكان برقوقٌ يجلس في الموكِبِ تحتَه لِقِدَم هِجرتِه، وكذلك بموتِ الأمير أيدمر الشمسي؛ فإنه كان أيضًا من أقران اقتمر عبد الغني، فماتا في سنة واحدة، فعند ذلك طابت نفسُه وأجاب، وصار يقَدِّمُ رِجلًا ويؤخر أخرى، حتى كان يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان من هذه السنة طلع الأمير قطلوبغا الكوكائي أمير سلاح وألطنبغا المعلم رأس نوبة إلى السلطان الملك الصالح أمير حاج فأخذاه من قاعة الدهيشة وأدخلاه إلى أهلِه بالدور السلطانيَّة، وأخذا منه النمجاة- سيف خاص بالملك أو السلطان- وأحضراها إلى الأتابك برقوقٍ العثماني، وقام بقيَّةُ الأمراء من أصحابه على الفور وأحضروا الخليفةَ والقُضاة وسَلْطَنوه، وخُلِعَ الملك الصالح من السلطنة، فكانت مُدَّة سلطنته على الديار المصرية سنة واحدة وسبعة أشهر تنقُصُ أربعة أيام، على أنَه لم يكن له في السلطنة من الأمر والنهي لا كثيرٌ ولا قليل، أما السلطان المَلِكُ الظاهر فهو أبو سعيدٍ سَيفُ الدين برقوق بن آنص العثماني اليلبغاوي الشركسي، القائم بدولة الشراكسة بالدِّيارِ المصرية، وهو السلطان الخامس والعشرون من ملوك الترك بالديار المصرية، والثاني من الشراكِسة، إن كان المَلِكُ المظَفَّر بيبرس الجشنكير شركسيًّا؛ فقد قيل إن أصله تركي، وعليه فبرقوق هذا هو الأول من ملوك الشراكسة، وهو الأصحُّ، جلس على تخت الملك في وقت الظهر من يوم الأربعاء تاسع عشر شهر رمضان بعد أن اجتمع الخليفةُ المتوكل على الله أبو عبد الله محمد والقضاة وشيخُ الإسلام سراج الذين عمر البلقيني، وخطب الخليفة المتوكل على الله خطبة بليغة، ثم بايعه على السَّلطنةِ وقَلَّدَه أمورَ المملكة، ثم بايعه من بعدِه القضاة والأمراء، ثم أُفيضَ على برقوق خِلعة السلطنة، وهي سوداء خليفتية على العادة، وأشار السراجُ البلقيني أن يكون لَقَبُه الملك الظاهر؛ فإنَّه وقت الظهيرة والظهور، وقد ظهر هذا الأمرُ بعد أن كان خافيًا، فتلَقَّبَ بالملك الظاهر، وبه يبدأُ عهد المماليك البُرجية وينتهي عهدُ المماليك البحريَّة، ويُذكَرُ أن أصله من بلاد الشركس، ثمَّ أُخِذَ من بلاده وبِيعَ بمدينة قرم، فاشتراه خواجا عثمان بن مسافر وجلبه إلى مصر فاشتراه منه الأتابك يلبغا العمري الخاصكي الناصري في حدود سنة 764 وقبلها بيسير وأعتَقَه وجعله من جملة مماليكِه، واستمَرَّ أمره حتى صار أتابكَ العساكِرِ.
والشراكسة شعب مسلم موطنه الأصلي مرتفعات القوقاز بين البحر الأسود وبحر قزوين.
بعد أن تسلطن الظاهر جقمق أصبح الأمير قرقماس هو أتابك العساكر وهو الأمير الكبير، ثم في ربيع الآخر ثارت عدة من المماليك القرانصة الذين قاموا مع السلطان العزيز يوسف بن برسباي قبل ذلك على الأشرفية، وطلبوا الآن من السلطان الزيادة في مرتباتهم، فنزل إليهم الأمير قرقماس ووعدهم بأن يكلم السلطان بذلك، ولكنهم أبوا إلَّا أن يقاتلوا السلطان واستطاعوا أن يقنعوا الأمير قرقماس بأن يكون معهم ضِدَّ السلطان، فلبسوا سلاحهم ولبس هو الآخر أيضًا، وأتاه كثير من الأشرفية، وساروا به حتى وقف بالرميلة تجاه باب السلسلة، وهم في اجتماعهم مختلفة آراؤهم، وعندما وقف تجاه باب السلسلة من القلعة سار بعض أتباعه ونادى في القاهرة على لسانه بمجيء المماليك إلى الأمير قرقماس، وأنه ينفق فيهم مائتي دينار لكل واحد، وبمجيء الزعر إليه وأنه يعطي كل واحد منهم عشرين دينارًا، فعَظُم جمعُه، بحيث توهَّم كثير من الناس أن الأمر له، وكان السلطان عند ذلك في نفر قليل، فبادر بنزوله من القصر إلى المقعد الذي بجانب باب السلسلة، ومعه المال، وبعث بجماعة للقتال، فوقعت الحربُ بين الفريقين مرارًا، والجراح فاشية فيهم، وقد قُتِل جماعة وتعَيَّن الغلب لقرقماس ومن معه، إلا أن عدة من الأمراء فرُّوا عنه، وصعدوا من باب السلسلة إلى السلطان، فسُرَّ بهم، ثم أقبل أيضًا من جهة الصليبة عدة أمراء، ووقفوا تجاه قرقماس في هيئة أنهم جاؤوا ليقاتلوا معه، ثم ساقوا خيولهم بمن معهم، ودخلوا باب السلسلة، وصاروا مع السلطان، فازداد بهم قوة، هذا وقد دُقَّت الكوسات -قطعتان من نحاس يدق بإحداهما على الأخرى بإيقاع مخصوص- السلطانية حربيًّا بالطبلخاناه من القلعة، وقامت ثلاثة مشاعلية على سور القلعة تنادي من كان في طاعة السلطان فليحضُرْ وله من النفقة كذا وكذا، ونثر مع ذلك السلطان من المقعد على العامة ذهبًا كثيرًا، وصار يَقِفُ على قدميه ويحَرِّض أصحابه على القتال، فأقبلت الفرسان نحوه شيئًا بعد شيء داخلة في طاعته، وتركت قرقماس، والحرب مع هذا كله قائمة بين الفريقين ضربًا بالسيوف، وطعنًا بالرماح، إلا أن الرمي من القلعة على قرقماس ومن معه بالنشاب كثيرٌ جدًّا، مع رمى العامة لهم بالحجارة في المقاليع؛ لبغضها في قرقماس وفي الأشرفية، فتناقص جمعهم، وتزايد جمع السلطان إلى قبيل العصر، فتوجه بعض الأشرفية وأخذوا في إحراق باب مدرسة السلطان حسن؛ ليتمكنوا من الرمي على القلعة من أعلاها، فلم يثبت قرقماس، وفَرَّ وقد جُرِح، فثبتت الأشرفية وقاتلت ساعة، حتى غُلِبت بالكثرة عليها، فانهزمت بعدما قُتِل من الفرسان والرجالة جماعة، وجُرح الكثير، فممن جُرح من السلطانية الأمير تغري بردي المعروف بالمؤذي حاجب الحجاب من طعنة برمح في شدقه، والأمير أسنبغا الطيارى الحاجب في آخرين، فكانت هذه الوقعة من الحروب القوية بحسب الوقت، إلا أن قرقماس جرى فيها على عادته في العجلة والتهور، ففاته الحزم، وأخطأه التدبير من وجوه عدة؛ ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ} وعندما انهزم القوم ندب السلطان الأمير أقبغا التمرازي أمير سلاح في جماعة؛ لطلب المنهزمين، فتوجه نحو سرياقوس خشية أن يمضوا إلى الشام، فكانوا أعجز من ذلك، ولم يجد أحدًا فعاد، ثم قُبِض على الأمير قرقماس، ثم سُجِن بالإسكندرية، ثم قُتِل بعد عدة أشهر.
هو الأفضل أبو علي بن الأفضل بن بدر الجمالي وزير الحافظ لدين الله العلوي، صاحب مصر. ولد بعسقلان. كان داهيةً، تغلَّب على المُلك وحَجَر على الحافظ وردَّ على المصادِرين أموالهم، فحَمِد له المصريون ذلك. وكتَبَ اسمه على السكة، ودعا على المنابر للقائم في آخر الزمان، واستمر إلى أن قتله أحد مماليك الحافظ، بظاهر القاهرة. وسبب قتله: أنه كان قد حجر على الحافظ، ومنعه أن يحكُمَ في شيء من الأمور؛ قليل أو جليل، وأخذ ما في قصر الحافظ إلى داره، وأسقط من الدعاء ذكر إسماعيل الذي هو جدهم، وإليه تُنسَب الإسماعيلية، وأسقط من الأذان حي على خير العمل، ولم يخطب للحافظ، وأمر الخطباء أن يخطبوا له بألقاب كتبها لهم، وهي: "السيد الأفضل الأجَلُّ، سيد مماليك أرباب الدول، والمُحامي عن حوزة الدين، وناشر جناح العدل على المسلمين الأقربين والأبعدين، ناصر إمام الحق في حالتي غيبته وحضوره، والقائم بنصرته بماضي سيفه وصائب رأيه وتدبيره، أمين الله على عباده، وهادي القضاة إلى اتباع شرع الحق واعتماده، ومرشد دعاة المؤمنين بواضح بيانه وإرشاده، مولي النعم، ورافع الجور عن الأمم، ومالك فضيلتي السيف والقلم، أبو علي أحمد بن السيد الأجل الأفضل، شاهنشاه أمير الجيوش"، وكان إماميَّ المذهب، يُكثِرُ ذم الآمر والتناقص به، فنفرت منه شيعة العلويين ومماليكهم، وكرهوه، وعزموا على قتله، فخرج في العشرين من المحرم إلى الميدان يلعب بالكرة مع أصحابه، فكمن له جماعة منهم مملوك فرنجي كان للحافظ، فخرجوا عليه، فحمل الفرنجي عليه فطعنه فقتله، وحزُّوا رأسه، وخرج الحافظ من الخزانة التي كان فيها، ونهب الناس دارَ أبي علي، وأخذوا منها ما لا يُحصى، وركب الناس والحافظ إلى داره، فأخذ ما بقي فيها وحمله إلى القصر وجُدِّدت يومئذ البيعة للحافظ بالحكم، فلما بويع استوزر أبا الفتح يانس الحافظي في ذلك اليوم بعينه، ولقب أمير الجيوش، وكانت مدة حكم أبي علي بن الأفضل سنة وشهرًا وعشرة أيام؛ ثم حُمِل بعد قتله ودُفن بتربة أمير الجيوش، ظاهر باب النصر.