دخل دمشق نهبُ إبل بني مدلج من العرب، قريب ألف ناقة وحمل وفصلان صغار، تجأر بصوتها الأمهات على أولادها، وأولادها على أمهاتها، حتى حزن الناس عليهم، ثم وضعوا في خان الجورة، وفارقوا بين الفصلان وأمهاتهم بالأكل والبيع، فزادوا في الجأر إلى الله، حتى سمعت من مكان بعيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ودخل معهم عدة رؤوس مقطعة من عرب بني مدلج.
جمعَ الشريفُ غالب بن مساعد عساكِرَ كثيرةً، واستعمل عليها الشريفَ فهيد، فقصدوا قحطان وهم على ماسل الماء المعروف في عالية نجد، فتقاتلوا أشدَّ القتال، وانهزم ابن قرملة ومن معه من بني قحطان، فقُتل منهم 30 رجلًا، وأُخِذ منهم نحو 3000 من الإبل، ولَمَّا انهزموا ذهبوا مُشاةً في الصحراء ومعهم الأطفال والنساء وكادوا أن يهلِكوا من العطَشِ.
أراد الأميرُ سالمُ بنُ سبهان حاكِمُ الرياض مِن قِبَل ابنِ رشيد التخلُّصِ من عبد الرحمن بن فيصل، فدبَّرَ مؤامرةً لتنفيذها يومَ عيد الأضحى، إلَّا أن عبد الرحمن اكتشَفَها، فلما دخل ابن سبهان القصرَ على عبد الرحمنِ اعتَقَله هو ومن معه، وظل ابن سبهان في السِّجنِ إلى أن أُطلِقَ سَراحُه فيما بعدُ بطَلَبٍ مِن ابن رشيد.
تُوفِّي الأميرُ سطام بن عبد العزيز رحمه الله أميرُ مِنطَقة الرياض في مدينة الرِّياض بعد معاناةٍ طويلةٍ من مرض السرطان، وأعلَن وفاتَه الديوانُ الملكي السعودي وهو الابنُ الثلاثون من أبناء الملكِ عبد العزيز الذُّكورِ. وقد صُلِّي عليه في جامع الإمام تركي بن عبد الله بالرياض، ثم نُقِلَ إلى مكَّةَ المُكرَّمَة ليُدفَن في مقبرة العدل تنفيذًا لوصِيَّتِه.
قِيلَ لِزيدِ بنِ أَرقمَ: " كم غَزا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن غَزوةٍ؟ قال: تِسعَ عشرةَ. قِيلَ: كم غَزوتَ أنت معه؟ قال: سبعَ عشرةَ. قِيلَ: فأَيُّهم كانت أوَّلَ؟ قال: الْعُسَيْرَةُ، أَوِ الْعُشَيْرُ.
وقعت غَزوةُ العُشَيْرَةِ قبلَ وَقعةِ بدرٍ، سَلَكَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على نَقْبِ بني دِينارٍ، ثمَّ على فَيْفاءِ الخَبارِ فنزل تحت شجرةٍ ببَطْحاءَ ابنِ أَزهرَ يُقالُ لها: ذاتُ السَّاقِ. فصَلَّى عندها... وصُنِعَ له عندها طعامٌ فأكل منه وأكل النَّاسُ معه... واسْتُقِيَ له مِن ماءٍ به يُقالُ له: المُشْتَرِبُ، ثمَّ ارْتَحل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فترك الخلائقَ بيَسارهِ وسلك شُعبةً يُقالُ لها: شُعبةُ عبدِ الله... ثمَّ صَبَّ لليَسارِ حتَّى هبَط يَلْيَلَ فنزل بِمُجتَمعِه ومُجتمعِ الضَّبُوعَةِ، واسْتَقى مِن بئرٍ بالضَّبُوعَةِ، ثمَّ سلك الفَرْشَ فَرْشَ مَلَلٍ حتَّى لَقِيَ الطَّريقَ بصحيرات بِصُخَيْراتِ اليَمامِ، ثمَّ اعتدل به الطَّريقُ حتَّى نزل العُشَيْرَةَ مِن بطنِ يَنْبُعَ فأقام بها جُمادى الأُولى ولياليَ مِن جُمادى الآخرةِ، وادَع فيها بني مُدْلِجٍ وحُلفاءَهُم مِن بني ضَمْرَةَ ثمَّ رجع إلى المدينةِ ولمْ يَلْقَ كَيْدًا.
هو أمينُ الأُمَّةِ عامرُ بن عبدِ الله بن الجَرَّاح رضِي الله عنه، اشْتَهَر بكُنْيَتِه, أبي عُبيدةَ، أحدُ العشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّةِ، شَهِدَ بدرًا وأُحُدًا والمَشاهِدَ كُلَّها مع رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو مِن السَّابقين إلى الإسلامِ، وهاجَر إلى الحَبَشةِ وإلى المدينةِ أيضًا، وكان يُدْعى: القويَّ الأمينَ، آخَى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بينه وبين أبي طَلحةَ الأنصاريِّ، كان مِن القُوَّادِ الفاتحين زَمَنَ عُمَر، حيث عَيَّنهُ قائدًا لِجُيوشِ الشَّام بعدَ عَزْلِ خالدِ بن الوَليد، وكان عُمَرُ يُجِلُّهُ كثيرًا حتَّى قِيلَ: إنَّ عُمَر قال: لو كان أبو عُبيدةَ حَيًّا لاسْتَخْلَفْتُه, وقال عُمَرُ لأصحابِه يومًا: تَمَنَّوْا. فقال رجلٌ أَتَمَنَّى لو أنَّ لي هذه الدَّارَ مَملوءةٌ ذهبًا انْفقتُه في سَبيلِ الله عزَّ وجلَّ. ثمَّ قال: تَمَنَّوْا. فقال رجلٌ: أَتَمَنَّى لو أنَّها مملوءةٌ لُؤْلُؤًا وزَبَرْجَدًا أو جَوْهرًا أُنْفِقُه في سَبيلِ الله عَزَّ وجلَّ وأَتَصدَّقُ به. ثمَّ قال: تَمَنَّوْا. فقالوا: ما نَدري يا أميرَ المؤمنين. فقال عُمَرُ: أَتَمَنَّى لو أنَّ هذا الدَّارَ مملوءةٌ رِجالًا مِثلَ أبي عُبيدةَ بن الجَرَّاحِ. تُوفِّيَ في طاعون عَمْواس على المشهورِ.
في هذه السَّنَة فسَدَ الحالُ بين محمد بن أبي الساج وإسحاق بن كنداج- من كبار قادةِ الأتراك في عهد المُعتَمِد- وكانا متَّفِقَين في الجزيرة، وسببُ ذلك أنَّ ابن أبي الساج نافَرَ إسحاق في الأعمالِ، وأراد التقدُّمَ، وامتنع عليه إسحاقُ، فأرسل ابن أبي الساج إلى خِمارَوَيه بن أحمد بن طولون، صاحِبِ مصر، وأطاعه وصار معه وخطَبَ له بأعمالِه، وهي قِنَّسرين، وسيَّرَ ولده ديوداد إلى خِمارَوَيه رهينةً، فأرسل إليه خمارويه مالًا جزيلًا له ولِقُوَّاده، وسار خمارَوَيه إلى الشام، فاجتمع هو وابنُ أبي الساج ببالس، وعبَرَ ابن أبي الساج الفراتَ إلى الرقَّة، فلقيه ابن كنداج، وجرت بينهما حربٌ انهزم فيها ابن كنداج، واستولى ابن أبي الساج على ما كان لابنِ كنداج، وعبَرَ خمارويه الفراتَ ونزل الرافقة، ومضى إسحاقُ مُنهزِمًا إلى قلعة ماردين، فحصره ابنُ أبي الساج، وسار عنها إلى سنجار، فأوقع بقومٍ من الأعراب، وسار ابن كنداج من ماردين نحو الموصِل، فلقيه ابنُ أبي الساج ببرقعيد، فكَمَن كمينًا فخرجوا على ابن كنداج وقتَ القتال، فانهزم عنها وعاد إلى ماردين فكان فيها، وقَوِيَ ابنُ أبي الساج وظهر أمرُه، واستولى على الجزيرةِ والموصل، وخطَبَ لخِمارَوَيه فيها ثمَّ لنَفسِه بعدَه.
لَمَّا انهزَمَ القَرمطيُّ بعث المعِزُّ سَريَّةً وأمَّرَ عليهم ظالمَ بن موهوب العقيلي، فجاؤوا إلى دمشقَ فتسَلَّمَها من القرامطةِ بعد حصارٍ شديدٍ، واعتقل متولِّيَها أبا الهيجاءِ القَرمطيَّ وابنَه، ولَمَّا تفرغ أبو محمود القائِدُ مِن قتال القرامطة أقبل نحو دمشقَ فخرج إليه ظالمُ بنُ موهوب فتلَقَّاه إلى ظاهر البلَدِ وأكرَمَه وأنزله ظاهِرَ دمشق، فأفسد أصحابُ أبي محمودٍ في الغوطة ونهَبوا الفلَّاحين وقطعوا الطُّرُقات، فتحَوَّل أهلُ الغوطة إلى البلدِ مِن كثرة النَّهبِ، وجيءَ بجماعةٍ مِن القتلى فأُلقُوا فكَثُرَ الضَّجيجُ، وغُلِّقَت الأسواق، واجتَمَعت العامَّةُ للقتال، والتَقَوا مع المغاربةِ، فقُتِلَ من الفريقين جماعةٌ وانهَزَمَت العامَّةُ غيرَ مَرَّة، وأحرَقَت المغاربةُ ناحية بابِ الفراديس، وطال القتالُ بينهم إلى سنة أربعٍ وستين وثلاثمائة، وأحرِقَت البلدُ مَرَّةً أخرى بعد عزل ظالمِ بنِ موهوب وتوليةِ جَيشِ بنِ صمصامة ابنِ أخت أبي محمود، وقُطِعَت القنوات وسائِرُ المياه عن البلد، ومات كثيرٌ مِن الفُقَراء في الطُّرُقاتِ مِن الجوع والعطَشِ، ولم يزَل الحالُ كذلك حتى وليَ عليهم الطواشي ريَّان الخادم مِن جِهةِ المعز الفاطمي، فسَكَنَت النفوسُ.
حكى ابنُ الجَوزيِّ عن أبي بكرٍ الصوليِّ أنَّه قال: "النَّاسُ يقولونَ: كُلُّ سادسٍ يقومُ بأمرِ النَّاسِ مِن أوَّلِ الإسلامِ لا بُدَّ أن يُخلَعَ، قال ابنُ الجوزيِّ: فتأمَّلتُ ذلك فرأيتُه عَجَبًا: قيامُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثمَّ أبِي بكر ثمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثمانَ ثمَّ عليٍّ ثمَّ الحَسَن فتنازلَ بالخلافةِ لِمُعاوية! ثمَّ يزيدُ ومُعاويةُ بنُ يزيد ومروانُ وعبدُ المَلِك ثمَّ عبدُ الله بنُ الزُّبيرِ، فخُلِعَ وقُتِلَ! ثمَّ الوليدُ ثمَّ سُليمانُ ثمَّ عُمَرُ بنُ عبد العزيز ثمَّ يزيدُ ثُمَّ هِشامٌ ثُمَّ الوليدُ بنُ يزيد، فخُلِعَ وقُتِلَ! ولم يَنتَظِمْ لبني أميَّةَ بَعدَه أمرٌ حتى قام السَّفَّاحُ العباسيُّ ثمَّ أخوه المنصورُ ثُمَّ المهديُّ ثُمَّ الهادي ثمَّ الرَّشيدُ ثُمَّ الأمين، فخُلِعَ وقُتِلَ! ثُمَّ المأمونُ والمُعتَصِم والواثِقُ والمتوكِّلُ والمُنتَصِرُ ثمَّ المُستعينُ، فخُلِعَ ثمَّ قُتِلَ، ثمَّ المُعتَزُّ والمهتدي والمُعتَمِد والمُعتَضِد والمُكتفي ثمَّ المُقتَدِر، فخُلِعَ ثمَّ أعيدَ فقُتِلَ! ثمَّ القاهِرُ والراضي والمتَّقي والمُكتفي والمُطيع ثمَّ الطائِعُ فخُلِعَ، ثمَّ القادِرُ والقائِمُ والمُقتدي والمُستَظهِر والمُستَرشِد ثُمَّ الرَّاشِدُ، فخُلِعَ وقُتِلَ!.
سَيَّرَ عبدُ المؤمن قائِدُ الموحِّدينَ جَيشًا كثيفًا، نحو عشرينَ ألفَ فارسٍ، إلى الأندلُسِ مع أبي حَفصٍ عُمَرَ بن أبي يحيى الهنياتي، وسَيَّرَ معهم نساءَهم، فكُنَّ يَسِرْنَ مُفرَداتٍ عليهن البَرانِسُ السُّودُ، ليس معهنَّ غَيرُ الخَدَمِ، ومتى قَرُبَ منهن رجلٌ ضُرِبَ بالسياط، فلما قَطَعوا الخليجَ ساروا إلى غرناطةَ وبها جمعُ المرابطين، فحَصَرَها عُمَرُ وعَسكَرُه، وضَيَّقوا عليها، فجاء إليه أحمَدُ بنُ ملحان، صاحِبُ مدينة آش وأعمالها، بجماعته، ووحَّدوا، وصاروا معه، وأتاهم إبراهيمُ بن همشك بن مردنيش، صاحبُ جيان، وأصحابُه، ووحدوا، وصاروا أيضًا معه، فكَثُرَ جَيشُه، وحَرَّضوه على المسارعة إلى ابن مردينش، مَلِك بلاد شرق الأندلس، لِيَبغَتَه بالحصار قبل أن يتجَهَّزَ، فلما سمع ابن مردنيش ذلك خاف على نفسِه، فأرسل إلى ملك برشلونة مِن بلاد الفرنج، يُخبِرُه ويَستَنجِدُه ويَستَحِثُّه على الوصول إليه، فسار إليه الفرنجيُّ في عشرة آلاف فارس، وسار عسكَرُ عبد المؤمن، فوصلوا إلى حمة بلقوارة، فسَمِعوا بوصول الفِرنجِ، فرجع وحَصَرَ مدينةَ المرية- وهي للفرنج- عِدَّةَ شُهورٍ، فاشتَدَّ الغَلاءُ بالعَسكَرِ، وعَدِمَت الأقواتُ، فرحَلوا عنها وعادوا إلى إشبيليَّةَ فأقاموا بها.
لمَّا مَلَكَ أبو سَعيدٍ عليُّ بنُ عبدِ المُؤمنِ غرناطة جَمعَ الجُيوشَ وسار إلى مَدينةِ المِريَةِ، وهي بأَيدِي الفِرنجِ، أَخَذوها من المسلمين سَنةَ 542هـ، فلمَّا نازَلَها وَافاهُ الأُسطولُ مِن سَبتَة وفيه خَلْقٌ كَثيرٌ من المسلمين، فحَصَروا المِريَةَ بَرًّا وبَحرًا، وجاء الفِرنجُ إلى حِصنِها، فحَصَرَهُم فيها ونَزَلَ عَسكرُه على الجَبلِ المُشرِف عليها، وبَنَى أبو سَعيدٍ سُورًا على الجَبلِ إلى البَحرِ، وعَمِلَ عليه خَندقًا، فصارَت المَدينةُ والحِصنُ الذي فيه الفِرنجُ مَحصُورِينَ بهذا السُّورِ والخَندَق، ولا يُمكِن مَن يُنجِدُهُما أن يَصِلَ إليهما، فجمع الأذفونشُ مَلِكُ الفِرنجِ بالأَندلسِ، والمَعروفُ بالسليطين، اثني عشر ألف فارس من الفِرنجِ، ومعه محمدُ بن سعدِ بن مردنيش في سِتَّةِ آلافِ فارس من المسلمين، وراموا الوُصولَ إلى مَدينةِ المِريَةِ ودَفْعَ المسلمين عنها، فلم يُطيقوا ذلك، فرَجعَ السليطين وابنُ مردنيش خائِبينَ، فماتَ السليطين في عَوْدِه قبلَ أن يَصِلَ إلى طُليطِلَة. وتَمادَى الحِصارُ على المِريَةِ ثلاثةَ أَشهُر، فضاقَت المِيرةُ، وقَلَّت الأَقواتُ على الفِرنجِ، فطَلَبوا الأَمانَ لِيُسلِّموا الحِصنَ، فأَجابَهم أبو سعيدٍ إليه وأَمَّنَهُم، وتَسلَّم الحِصنَ، ورَحلَ الفِرنجُ في البَحرِ عائِدينَ إلى بِلادِهم فكان مِلْكُ الفِرنجِ لِمريَةِ عشرَ سِنينَ.
في يومِ عَرَفةَ بعَرَفةَ وقعت فتنةٌ بين العَرَبِ والحُجَّاج من قَبلِ الظُّهرِ إلى غروبِ الشَّمسِ، قُتِلَ فيها جماعةٌ، وسَبَبُها أنَّ الشَّريفَ رُميثة بن أبي نُمي أميرَ مكَّةَ شكا من بني حَسَن إلى أميرِ الحاجِّ، فركِبَ أميرُ الحاجِّ في يوم عرفة بعرفة لحَربِهم، وقاتَلَهم وقَتَلَ مِن التُّركِ سِتَّة عشر فارسًا، وقَتَل من جماعةِ بني حسن عِدَّة، وانهزم بقيَّتُهم، فنفر النَّاسُ مِن عَرَفةَ على تخوُّف، ولم يُنهَبْ لأحدٍ شَيءٌ، ولا تزال بنو حَسَن بمِنًى، ثمَّ رحل الحاجُّ بأجمَعِهم يومَ النَّفرِ الأوَّل، ونزلوا الزاهِرَ خارجَ مكة، وساروا منه ليلًا إلى بطنِ مرو، وقيل غير ذلك، فقيل إنه لما كان يومُ عرفة تنافر أشرافُ مكَّةَ مع الأجناد من مِصرَ، فركبوا لحَربِهم بُكرةَ النهار، ووقفوا للحَربِ صَفَّين، فمشى الشريفُ عجلان بينهم، فلم تُطِعْه الأشرافُ، وحملوا على الأجنادِ وقاتلوهم، فقُتِلَ منهم ومن العامَّة جماعة، وأبلى الشريفُ عجلان بن عقيل وأبلى كذلك الأميرُ أيدمر بلاءً عظيمًا، فعاتبه بعضُ مماليك الأمير بشتاك، ورماه بسَهمٍ في صدره ألقاه عن فَرَسِه، وقُتِلَ معه أيضًا جماعة، وآلَ الأمرُ إلى نهبِ شيءٍ كثير، ثم تراجَعَ عنهم الأشرافُ.
هو الشيخُ الإمام الثبت العلامة الفقيهُ المحدِّث الشيخ عمر بن علي بن يحيى بن مصطفى الطحلاوي المالكي الأزهري، تفقه على الشيخ سالم النفراوي وحضر دروس الشيخ منصور المنوفي، والشهاب ابن الفقيه، والشيخ محمد الصغير الورزازي، وغيرهم، وسمع الحديثَ عن الشهابين أحمد البابلي والشيخ أحمد العماوي، وأبي الحسن علي بن أحمد الحريشي الفاسي، وتمهَّر في الفنون ودرَّس بالجامع الأزهر وبالمشهد الحُسيني، واشتهر أمرُه وطار صيته، وأشير إليه بالتقدُّمِ في العلوم، وتوجَّه إلى دار السلطنة في قضاء مهمة لأمراء مصر، فقوبل بالإجابة وألقى هناك دروسًا في الحديث في آيا صوفيا، وتلقى عنه أكابرُ العلماء هناك في ذلك الوقت، وصُرف معزَّزًا مقضيًّا حوائجه، وذلك سنة 1147. ولما تمم عثمان كتخدا القزدغلي بناء مسجده بالأزبكية في تلك السنة عيَّن الطحلاوي للتدريس فيه، وذلك قبل سفره إلى الديار الرومية، وكان مشهورًا في حسن التقرير وعذوبة البيان وجودة الإلقاء، وقرأ الموطأ وغيرَه بالمشهد الحسيني، وأفاد وأجاز الأشياخ, وكان للناس فيه اعتقادٌ حسنٌ، وعليه هيبةٌ ووقار وسكونٌ، ولكلامه وقْعٌ في القلوب. توفي ليلة الخميس حادي عشر صفر من هذه السنة، وصُلي عليه في الأزهر في مشهد حافل.
هو الإمامُ عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله، من آل سعود كان رابع أبناءِ فيصل بن تركي، حصل بينه وبين ابن رشيد قتال على الرياض وتمكَّن ابن رشيد من هزيمة رجال عبد الرحمن في (المليدة) سنة 1308هـ فرحل عبد الرحمن إلى الجنوب، ونزل في قبائل (مرة) فأقام سبعةَ أشهر، وأرسل أهلَه إلى الأحساء -وكانت لا تزال في يد الترك- وجمَعَ من توسَّم فيهم النَّجدةَ وأعاد الكَرَّةَ على الرياض، فأخرج منها رجالَ ابنِ رشيد، واستولى عليها وعلى سائر العارض. فزحف عليه ابنُ رشيد، واقتتلا في (حريملاء) وظفر ابن رشيد، فرحل عبد الرحمن إلى بادية الأحساء، وأرسل أهلَه إلى (قطر) ثم إلى (البحرين) سنة 1309ه واستقَرَّ بعد ذلك في (الكويت) إلى أن استعاد ابنه عبد العزيز الرياضَ سنة 1319هـ، وعاد إليها عبدُ الرحمن وطالت حياته إلى أن شَهِدَ مُلكَ ابنه عبد العزيز يمتدُّ إلى أطراف الجزيرة العربية. كان الملك عبد العزيز يرجِعُ إلى والده في كثيرٍ من الأمور إلى أن توفي رحمه الله. وكان عبد الرحمن فيه زهدٌ وبُعدٌ عن مظاهر التَّرَف، وفي طبعه ميلٌ إلى الهوادة، وهو على جانبٍ مِن العلم؛ فقد صنَّف مناسِكَ الحج على المذاهب الأربعة بطلب من ابنِه عبد العزيز.
تمكن الملك عبد العزيز بعد اجتماع الشعراء أن يُلحِقَ بالإخوان هزائِمَ مُتلاحِقةً حتى فرَّ الدويش ونايف بن حثلين إلى الكويت، كما هرب أعدادٌ من الإخوان إلى داخل الحدود العراقية خوفًا وهربًا من ابن سعود الذي أرسل إلى ديكسون الوكيل السياسي في الكويت يحتَجُّ على السماح للإخوان باللجوء إلى العراق والكويت وشرق الأردن، فأجابه بأنَّه سيعيدهم إلى نجدٍ، وفي 9 شعبان نُقِلَ زعماء الإخوان الثلاثة: فيصل الدويش، وجاسر بن لامي، ونايف بن حثلين بالطائرة إلى البصرة، ثمَّ وُضِعوا في بارجة بريطانية، وطالب الملِكُ عبد العزيز بتسليمهم له، فوصل إلى مُعسكَرِه بالقرب من الكويت وفدٌ بريطاني تفاوض معه بشأنِ تسليم الزعماء الثلاثة، واستمرت المفاوضات أسبوعًا، وفي يوم 27 من شعبان تم تسليمُ الزعماء الثلاثة في معسكر ابن سعود القريب من الكويت، وأمر الملك عبدالعزيز بسَجنِهم في الرياض ثمَّ نُقِلوا إلى سجن الأحساء ليُسجَنوا فيه مع سلطان بن بجاد، وفي عام 1350هـ توفِّي فيصل الدويش، وأما الثلاثة البقية فقد ماتوا عام 1353هـ، وبنهاية هذا العام انتهت أعمالُ الإخوان على حدود العراق والكويت وشرق الأردن، وتلاشت حركتُهم تمامًا، ودخل البدو تحت خيمة الدولة الحديثة، وتوافقوا مع السكَّان الحَضَر.