هو يَزيدُ بن عبدِ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاص بن أُمَيَّة بن عبدِ شَمسِ بن عبدِ مَناف أبو خالدٍ القُرَشِي الأُمَوي، أَميرُ المؤمنين، وأُمُّهُ عاتِكَة بِنتُ يَزيدَ بن مُعاوِيَة. بُويِعَ له بالخِلافَة بعدَ عُمَر بن عبدِ العزيز في رَجب مِن سَنة إحدى ومائة، بِعَهْدٍ مِن أَخيهِ سُليمان أن يكون الخَليفَة بعدَ عُمَر بن عبدِ العَزيز رَحِمَه الله، تُوفِّي يومَ الجُمُعَة لِخَمسٍ بَقِينِ من رَجب.
تجهَّزَ لذريق ملك الفرنج بالأندلس، وجمعَ جموعَه ليسيرَ إلى مدينة طرطوشة ليحصرَها، فبلغ ذلك الحكَمَ بنَ هشامٍ صاحِبَ الأندلس، فجمع العساكِرَ وسيَّرَها مع ولده عبد الرحمن، فاجتمعوا في جيشٍ عظيمٍ، وتَبِعَهم كثيرٌ من المتطَوِّعة، فساروا فلَقُوا الفرنج في أطرافِ بلادهم قبل أن ينالوا من بلادِ المسلمينَ شيئًا، فاقتتلوا وبذلَ كُلٌّ من الطائفتين جُهدَه، واستنفَدَ وُسعَه، فأنزل الله تعالى نَصرَه على المسلمين، فانهزم الكُفَّارُ، وكثُرَ القتلُ فيهم، والأسْرُ، ونُهِبَت أموالُهم وأثقالُهم، وعاد المسلمونَ ظافرينَ غانِمينَ.
كان الفِداءُ بين المُسلِمينَ والروم، بعد أن قَتَلَت تدورة- ملكةُ الرُّومِ- من أسرى المسلمينَ اثني عشر ألفًا، فإنَّها عَرَضت النصرانيَّة على الأسرى، فمن تنَصَّرَ جعَلَتْه أسوةَ مَن قَبلَه من المتنصِّرة، ومن أبى قتَلَتْه، وأرسلت تطلُبُ المفاداةَ لِمَن بقي منهم، فأرسل المتوكِّلُ شنيفًا الخادم، فأذِنَ له فحضره واستخلف على القضاءِ ابنَ أبي الشوارب، وهو شابٌّ، ووقع الفداءُ على نهر اللامس، فكان أسرى المُسلمينَ مِن الرجال سبعمائة وخمسة وثمانين رجلًا، ومن النساء مائة وخمسًا وعشرينَ امرأة.
عاد ثمل الخادِمُ إلى طرسوس من الغَزاةِ الصائفةِ سالِمًا هو ومَن معه فلَقُوا جمعًا كثيرًا من الرومِ، فاقتتلوا فانتصر المُسلِمونَ عليهم وقتَلوا من الرومِ كثيرًا، وغَنِموا ما لا يُحصى، وكان من جملةِ ما غَنِموا أنَّهم ذبحوا من الغَنَمِ في بلاد الروم ثلاثمائة ألف رأس، سوى ما سلِمَ معهم، ولقيهم رجلٌ يُعرَفُ بابن الضحَّاك، وهو من رؤساءِ الأكراد، وكان له حصنٌ يُعرَفُ بالجعفري، فارتدَّ عن الإسلام وصار إلى ملك الروم فأجزل له العَطيَّة، وأمَرَه بالعودِ إلى حِصنِه، فلقيه المسلمونَ، فقاتلوه وأسَروه، وقتلوا كلَّ مَن معه.
هو عبدُ المَلِك بنُ نوحٍ الساماني صاحِبُ خُراسان وغزنة وما وراءَ النَّهرِ. تولَّى حُكْمَ الدَّولةَ السامانيَّةَ بعد والده, وكان في العاشرةِ مِن عُمُرِه، وكان ضعيفَ الهيبةِ ولم يَقُم بشَيءٍ للمُحافظة على وَحدةِ دَولتِهم، وكان سبَبُ مَوتِه أنَّه سقط عن فَرَسِه فوقع ميتًا وافتُتِنَت خراسان بعده، فقام بالأمرِ مِن بعده أخوه منصورُ بنُ نوح الساماني. وفي عهدِ منصور بدأت الدَّولةُ في الضَّعفِ بسبَبِ خروجِ بَعضِ القادة عن طاعتِه، وازداد نفوذُ البُويهيِّين الذين امتلكوا أهمَّ أقاليم الدَّولة السامانيَّة.
خرج الرُّومُ إلى جَزيرةِ صقليَّةَ في جمعٍ كثير، ومَلَكوا ما كان للمُسلمين في جزيرة قلورية، وهي مجاوِرةٌ لجزيرةِ صقليَّة، وشرعوا في بناءِ المساكِنِ يَنتَظِرونَ وُصولَ مراكِبِهم وجُموعِهم مع ابنِ أخت الملك، فبلغ ذلك المُعِزَّ بنَ باديس، فجهَّزَ أسطولًا كبيرًا أربعمِئَة قطعةٍ، وحَشَد فيها، وجمع خلقًا كثيرًا، وتطَوَّعَ جَمعٌ كثير بالجهاد؛ رغبةً في الأجرِ، فسار الأسطولُ حتى قَرُبَ مِن جزيرة قوصرة، وهي قَريبةٌ مِن بَرِّ إفْريقيَّة، فخَرَجَت عليهم ريحٌ شديدة، ونَوءٌ عظيمٌ، فغَرِقَ أكثَرُهم، ولم ينجُ إلا اليَسيرُ.
شَغبَ الأتراكُ على الملك جلال الدَّولة البويهي ببغداد، وأخرجوا خيامَهم إلى ظاهِرِ البلد، ثمَّ أوقعوا النَّهبَ في عِدَّةِ مواضِعَ، فخافهم جلالُ الدَّولة، فغَيَّرَ خيامَه إلى الجانبِ الغربيِّ، وتردَّدَت الرسُلُ بينهم في الصُّلحِ، وأراد الرَّحيلَ عن بغداد، فمنَعَه أصحابُه، فراسل دبيس بن مزيد، وقرواشًا صاحِبَ الموصل، وغيرهما، وجمع عنده العساكِرَ، فاستقَرَّت القواعِدُ بينهم وعاد إلى داره، وطَمِعَ الأتراك، وآذَوُا النَّاسَ، ونهبوا وقتلوا، وفسَدَت الأمورُ بالكليَّةِ إلى حَدٍّ لا يُرجى صلاحُه.
مع وفاةِ عبدِ اللهِ بنِ قَحطانَ آخِرِ حُكَّامِ بَني يَعفُرَ، انتَهى حُكمُهم، وظلَّت البِلادُ في حالةِ فَوضى سياسيةٍ، إلى أنْ جاء إلى الحُكمِ بنو الصُّلَيحيِّ عامَ 1047م/439هـ. ومِن أبرَزِ حُكَّامِ هذه الأُسرةِ الملكةُ الحُرَّةُ أرْوى بِنتُ الصُّلَيحِ. وظلت البِلادُ مُنقَسمةً على بَعضِها، وفي هذا العَصرِ جاءَ سَلاطِنةُ هَمَدانَ لتوَلِّي السُّلطةِ في صَنعاءَ عامَ 1088م/481هـ، واستَمرَّت السُّلطةُ تنتقلُ بينَ أفرادِ الأُسرةِ الصُّلَيحيَّةِ حتى بدأ العصرُ الأيُّوبيُّ عامَ 1173م/569هـ.
سار المَلِكُ أَلب أَرسلان بن داودَ ابن أخي طُغرلبك من مدينةِ مَرو بخُراسان، وقَصَد بِلادَ فارس في المَفازَة، فلم يَعلَم به أحدٌ، ولا أَعلَم عَمَّهُ طُغرلبك، فوَصَل إلى مَدينةِ فَسا، فانصرف النَّائِبُ بها من بين يديه، ودَخلَها أَلبُ أَرسلان فقَتَل من الدَّيلم بها ألفَ رَجُل، وعددًا كثيرًا من العامَّةِ، ونَهبوا ما قَدرُه ألف ألف دينار، وأسروا ثلاثةَ آلافِ إنسانٍ، وكان الأمرُ عظيمًا. فلمَّا فَرغوا من ذلك عادوا إلى خُراسان، ولم يَلبَثوا خَوفًا من طُغرلبك أن يُرسِل إليهم، ويأخُذ ما غَنموهُ منهم.
خرج ملك من ملوك الفرنج بالأندلس، يقال له ابن ردمير، فسار حتى انتهى إلى كتندة، وهي بالقرب من مرسية، في شرق الأندلس، فحصرها، وضيَّق على أهلها، وكان أمير المسلمين علي بن يوسف حينئذ بقرطبة، ومعه جيشٌ كثير من المسلمين والأجناد المتطوعة، فسيَّرهم إلى ابن ردمير، فالتقَوا واقتتلوا أشد القتال، وهزمهم ابن ردمير هزيمة منكرة، وكثر القتل في المسلمين، واستطاع الفرنج أن يستولوا على قلعة أيوب، وهي من أشد القلاع حصانة وقوة، وكانت تمثل معقلًا هامًّا وقويًّا للمسلمين.
قصد دبيس والسلطانُ طغرل بغدادَ ليأخذاها من يد الخليفة، فلما اقتربا منها برز إليهما الخليفةُ في جحفلٍ عظيم، والناسُ مُشاةٌ بين يديه إلى أول منزلة، ثم ركب الناسُ بعد ذلك، فلما أمست الليلةُ التي يقتتلون في صبيحتها، ومِن عزمهم أن ينهبوا بغداد، أرسل الله مطرًا عظيمًا، ومرض السلطان طغرل في تلك الليلة، فتفَرَّقت تلك الجموع ورجعوا على أعقابهم خائبين خائفين، والتجأ دبيس وطغرل إلى الملك سنجر وسألاه الأمان من الخليفة، والسلطان محمود، فحَبَس سنجر دبيسًا في قلعة خدمةً للمسترشد.
بعد أن تمكَّنَ الأتابك عِمادُ الدين زنكي مِن انتزاعِ الرَّها مِن يَدِ الصَّليبيِّينَ قام مَلِكُ القُدسِ بتَوجيهِ رِسالةِ استغاثةٍ إلى البابا أوجين الثَّالث، فكان لها الأثَرُ القَويُّ في الأوساطِ البابويَّة، فقَرَّرَ البابا تأليفَ حَملةٍ صليبيَّةٍ ثانيةٍ، وكَلَّفَ القِدِّيس برنارد كليرفو بالدَّعوةِ لهذه الحملةِ، فقام بعَقدِ عِدَّةِ مُؤتمرات في مُدُنِ فَرنسا وألمانيا يدعو فيها لحَملةٍ صَليبيَّةٍ جَديدةٍ، فأثار حماسَ النَّاسِ فأقبلوا للتطَوُّعِ في الحملةِ، ومنهم تألَّفَت الحملةُ الصَّليبيَّةُ الثانيةُ.
كان العادِلُ بن أيوب قد أرسل إلى أخيه صلاحِ الدين يطلُبُ منه مدينةَ حَلَب وقلعَتَها بعد أن مَلَكَها، فأجابه إلى ذلك، وأمَرَه أن يخرج معه بأهلِه وماله فالتقى به في الكرك، ثم سيَّر صلاح الدين ابن أخيه تقي الدين إلى مصرَ نائبًا عنه؛ ليتولى ما كان أخوه العادِلُ يتولاه، وبعد أن رحل صلاحُ الدين عن الكرك استصحب معه أخاه العادل إلى دمشق، وأعطاه مدينةَ حلب وقلعتها وأعمالها، ومدينة منبج وما يتعلَّقُ بها، وسيَّرَه إليها في شهر رمضان، وأحضَرَ ولده الظاهِرَ منها إلى دمشق.
كان سُلطان شاه أخو خوارزم شاه قد تعَرَّض إلى بلاد غياث الدين ومعز الدين مَلِكَي الغورية، من خراسان، فتجهَّزَ غياث الدين وخرج من فيروزكوه إلى خراسان سنة خمس وثمانين وخمسمائة، فبَقِيَ يتردد بين بلاد الطالقان، وبنجدة، ومرو، وغيرها يريد حربَ سلطان شاه، فلم يزَلْ كذلك إلى أن دخلت سنة ست وثمانين، فجمع سلطان شاه عساكِرَه وقصد غياث الدين، فتصافَّا واقتتلا، فانهزم سلطان شاه، وأخذ غياث الدين بعضَ بلاده وعاد إلى غزنة.
كانت وقعةٌ بين الأمير بلبان الطباخي أحد مماليك المَلِك المنصور، ونائِبِه بحصنِ الأكراد وبينَ أهلِ حصنِ المرقب، بسَبَبِ أخذِهم قافلةَ تجارةٍ قُتِلَ فيها عِدَّةٌ من مماليك بلبان، وجُرِحَ هو في كَتِفِه، فاستأذنَ بلبان السُّلطان في الإغارةِ على بلَدِ المرقب، لِما اعتمده أهلُه من الفساد عند وصول التتر إلى حلب، فأذِنَ له السلطان في ذلك، فجمع بلبان الطباخي عساكرَ الحصون، وسار إلى المرقَب، ولم يزَلْ عليه حتى أخذَه بعد حروبٍ شديدةٍ في يوم الجمعة تاسع عشَرَ ربيع الأول، واستقَرَّ الطباخي نائبًا به.