لما دخل عبدُ الله بن الشيخ المأمون السعدي مراكشَ واستولى عليها فعَلَ فيها أعظَمَ من فعلته الأولى بفاس، فهربت شرذمة من أهل مراكش إلى جبل جيليز واجتمع هنالك منهم عصابةٌ من أهل النجدة والحمية، واتفق رأيُهم على أن يُقَدِّموا للخلافة محمدَ بن عبد المؤمن ابن السلطان محمد الشيخ، وكان رجلًا خيِّرًا ديِّنًا صيِّنًا وقورًا, ومن أحفاد السلطان محمد الشيخ المهدي السعدي، فبايعه أهل مراكش هنالك والتفوا عليه، فخرج عبد الله بن الشيخ لقتال مَن بجبل جيليز والقبض على أميرهم ابن عبد المؤمن، ولما التقى الجمعان انهزم عبد الله وولى أصحابُه الأدبار فخرج من مراكش مهزومًا سادس شوال من هذه السنة، وترك محلَّتَه وعدتَه وجلَّ جيشه، وأخذ على طريق تامسنا، وامتُحِن أصحابُه في ذَهابِهم حتى كان مُدُّ القمح عندهم بثلاثين أوقية والخبزة من نصف رطل بربع مثقال، ولم يزل أصحابه ينتَهِبون ما مرُّوا عليه من الخيام والعمود ويَسْبُون البناتِ إلى أن وصلوا إلى فاس في الرابع والعشرين من شوال، وأما محمد بن عبد المؤمن فإنَّه لما دخل مراكش واستولى عليها صفَحَ عن الذين تخلَّفوا بها من أهل المغرب من جيش عبد الله بن الشيخ، وأعطاهم الراتب فلم يعجِبْ ذلك أهلَ مراكش ونقَموا عليه إبقاءه عليهم، وكانوا نحو الألف ونصف فكتبوا سرًّا إلى السلطان زيدان بالجبل فأتاهم وخيَّم نازلًا بظاهر البلد فخرج محمد بن عبد المؤمن إلى لقائِه فانهزم ابن عبد المؤمن ودخل السلطان زيدان مراكش واستولى عليها وصفح هو أيضًا عن الفئة المتخلِّفة عن عبد الله بن الشيخ!!
وُلِد الشيخُ محمد سليمان الأشقر في قريةِ بَرقَة التَّابعةِ لمُحافظة نابُلُس في الثلاثينات من القرن الماضي، وهو من بيتِ علمٍ، وكان رحمه الله المدرِّسَ الأولَ لأخيه الدكتور المعروف الشَّيخِ عمر سليمان الأشقر... وخَرَج الشيخُ الأشقر من فِلَسطين إلى المملكة العربية السعودية، وعَمِل مدرِّسًا في جامعةِ الإمام محمد بن سعود في الرِّياض مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، ثم انتَقَل إلى المدينةِ سنةَ (1382هـ) مع الشيخِ ابن باز أيضًا، ثم رَحَل إلى الأردُنِّ، ومنها إلى الكُوَيت قبلَ أن يَحُطَّ رحاله أخيرًا في عَمَّان حيث قُبض، رحمة الله عليه. وللشيخِ الأشقر تفسيرٌ مُختصَر للقرآن الكريم وهو ((زُبدة التفسير))، وكتاب ((الواضح في أصول الفقه))، وغيرُها من الكتب.
بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةَ ذاتِ أطلح بقِيادةِ كعبِ بنِ عُميرٍ الأنصاريِّ في خمسةَ عشرَ رجلًا إلى بني قُضَاعَةَ؛ حيث كانت قد حَشدتْ جُموعًا كَبيرةً للإغارَةِ على المسلمين، فلَقوا العَدُوَّ، فدَعَوْهُم إلى الإسلامِ، فلم يَستَجيبوا لهم، وأَرشَقوهُم بالنَّبْلِ حتَّى قُتِلوا كُلُّهم إلَّا رجلًا واحدًا، فقد ارْتُثَّ مِن بين القَتْلى.
تولَّى اللواء أمين الحافظ الرئاسة في سوريا، وذلك بعد استقالة اللواء لؤي الأتاسي. وشهد حكمُ أمين الحافظ انقلابًا عسكريًّا دمويًّا انتهى بإقصائه عن السلطة واعتقالِه، وأصبح نورُ الدين مصطفى الأتاسي رئيسًا للجمهورية، وحافظ الأسد وزيرًا للدفاع.
في هذه الحادثةِ العظيمةِ رأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الأنبياءَ، ورأى سِدرةَ المُنتهى وغيرَ ذلك مِنَ الآياتِ العظيمةِ، وفيها فُرِضتْ الصَّلواتُ الخمسُ، وهو أمرٌ تتَّفِقُ عليه رِواياتُ الصَّحيحينِ، وقد كذَّبتْ قُريشٌ وقوعَ حادثةِ الإسراءِ والمِعراجِ، وهذا أمرٌ اتَّفقتْ عليه رِواياتُ الصَّحيحينِ أيضًا، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"لقد رأيتُني في الحِجْرِ وقُريشٌ تسألُني عن مَسْرايَ، فسألَتني عن أشياءَ مِن بيتِ المَقدسِ لم أُثْبِتْها، فكُرِبْتُ كُربةً ما كُرِبْتُ مِثلَهُ قَطُّ». قال: " فرفعهُ الله لي أنظرُ إليه، ما يسألوني عن شيءٍ إلَّا أنبأتُهم به، وقد رأيتُني في جماعةٍ مِنَ الأنبياءِ، فإذا موسى قائمٌ يُصلِّي، فإذا رجلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ كأنَّه مِن رجالِ شَنُوءَةَ، وإذا عيسى ابنُ مريمَ عليه السَّلامُ قائمٌ يُصلِّي، أقربُ النَّاسِ به شَبَهًا عُروةُ بنُ مَسعودٍ الثَّقفيُّ، وإذا إبراهيمُ عليه السَّلامُ قائمٌ يُصلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ به صاحبُكم - يعني نَفْسَهُ - فحانتِ الصَّلاةُ فأَمَمْتُهُم، فلمَّا فَرَغْتُ مِنَ الصَّلاةِ قال قائلٌ: يا محمَّدُ، هذا مالكٌ صاحبُ النَّارِ، فَسلِّمْ عليه، فالتفَتُّ إليه، فبدأَني بالسَّلامِ ".
تُوفِّي شيخُ الحنابلةِ عبدُ الله بنُ عبد العزيز العَقيلُ الرَّئيس السابقُ للهيئةِ الدَّائمة بمجلسِ القضاءِ الأعلى في السُّعودية، عن عمرٍ يناهز (97) سنةً. وقد نشأ الشيخُ ابنُ عقيلٍ في كَنَفِ والدِه عبدِ العزيز العَقيلِ، الذي يُعَدُّ من أُدباء وشُعراء عُنَيزةَ المشهورين، فكان والِدُه هو معلِّمَه الأولَ. ودَرَس العلومَ الأوليَّةَ في مدرسةِ ابنِ صالحٍ، ثم في مدرسةِ الشيخِ عبدِ الله القَرعاوِيِّ. وحَفِظ القرآنَ الكريم، وعددًا من المُتونِ، مثلَ: عُمدة الحديث، ومتن زاد المُستقنِع، وألفيَّة ابنِ مالك في النحو... وغيرِها، وله عددٌ من المؤلَّفات، ومن أبرز مشايِخه الشيخُ مُحمَّدُ بنُ إبراهيم آل الشيخ، والشيخُ عبدُ الرحمن بن ناصرٍ السَّعدي، والشيخُ عبدُ الله القَرعاويُّ... وغيرُهم، وقد تولَّى عددًا من المناصبِ في حياتِه، ومنها القضاءُ في عددٍ من مدنِ المملكة، وعُيِّن عضوًا في دارِ الإفتاء ثم عُضوًا في هيئة التمييزِ، وعُيِّن رئيسًا للهيئة الدائمةِ في مجلسِ القضاء الأعلى، وعَمِل رئيسًا للهيئةِ الشَّرعية التي أُنشِئَت للنَّظرِ في مُعاملات شَركة الراجحي المَصرِفِيَّة للاستِثمار، وغيرُ ذلك من أعمالٍ تقلَّدَها في سِنِي حياتِه -رحمه الله-.
هو السلطان أحمد الأول بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول. ولد في 12 جمادى الثانية سنة 998 (18 ابريل سنة 1590م) تولى السلطنة بعد أبيه ولم يتجاوز سنه الرابعة عشرة إلَّا بقليل, وقام بحجز أخيه مصطفى بين الخدم والجواري. كانت أركانُ الدولة في بداية حكمه غيرَ ثابتة، فنارُ الحرب مستعرة مع النمسا غربًا, ومع الصفويين شرقًا؛ حيث كانت الحرب معهم شديدة الوطأة؛ لتولي الشاه عباس الصفوي قيادتها، مما جعلها أعظمَ من كافة الحروب السابقة, فاضطربت أحوالُ الولايات الشرقية عمومًا، وسعت كلُّ أمة من الأمم المختلفة النازلة بها للحصول على الاستقلال، وكان من أهَمِّ الحركات حركةُ الأكراد بقيادة رجل كردي يلقَّب بجان بولاد، والأمير فخر الدين المعني الثاني الدرزي، وغيرهما، لكنْ قيَّض الله للدولة في هذه الشدة الوزير مراد باشا الملقب بقويوجي الذي عُيِّن صدرًا أعظم، وكان قد تجاوز الثمانين؛ ليكون عونًا وعضدًا للسلطان الفتى، فتقلد مع كِبَرِ سِنِّه ووَهَنِ قواه قيادةَ الجيوش وحارب الثائرين بهمَّة ونشاط زائِدَينِ، فانتصر على فخر الدين الدرزي, وجان بولاد الكردي، واستمال قلندر أوغلي أحد زعماء الثورة في الأناضول، وقبض على آخر يدعى أحمد بك وقتله بعد أن فرَّق جنده بالقرب من قونية، وفي سنة 1608 م انتصر على من بقِيَ من العصاة بقرب وان، وفي السنة التالية قَتَل آخر زعماء الثورة المدعو يوسف باشا الذي كان استقَلَّ بصاروخان ومنتشا وآيدين, وبذلك عادت السكينة وساد الأمن بهمَّة هذا الشجاع الذي لُقِّب بسيف الدولة عن استحقاق, وازدادت في أيام السلطان أحمد العلاقاتُ السياسية مع دول الإفرنج، فجددت مع فرنسا العقود والعهود القديمة مع بعض زيادات طفيفة، وفي سنة 1609 جُدِّدت مع مملكة بولونيا- بولندا- الاتفاقات التي أُبرِمَت معها في زمن السلطان محمد الثالث، وأهمُّ ما بها تعهُّد بولونيا بمنع قوزاق الروسية من الإغارة على إقليم البغدان، وتعهُّد الدولة العلية بمنع تتار القرم من التعدي على حدودها، وفي سنة 1612م تحصلت ولايات الفلمنك على امتيازات تجارية تضارع ما مُنحِتَه كلٌّ من فرنسا وإنكلترا, والفلمنك هم الذين أدخلوا في البلاد الإسلامية استعمالَ التبغ (الدخان) فعارض المفتي في استعمالِه وأصدر فتوى بمنعِه، فهاج الجند واشترك معهم بعضُ مُستخدَمي السراي السلطانية، حتى اضطروه إلى إباحته! وفي الثالث والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة توفي السلطان أحمد ودُفِن عند جامع سلطان أحمد، وكانت مدة حكمه أربعة عشر عامًا, ولصِغَرِ سِنِّ ابنه عثمان الذي لم يتجاوَزْ ثلاث عشرة سنةً من عمره خالف السلطانُ أحمد العادة المتَّبَعة من ابتداء الغازي عثمان الأول بتنصيب أكبر الأولاد أو أحدهم مكان والده، فأوصى بالمُلكِ من بعده لأخيه مصطفى الأول.
هو الشيخ خضر بن أبي بكر المهراني العدوي وهو شيخ السلطان الظاهر بيبرس، كان حظيًّا عنده مُكرَّمًا لديه، له عنده المكانة الرفيعة، كان السلطان ينزل بنَفسِه إلى زاويته التي بناها له في الحُسَينية، في كل أسبوع مرة أو مرتين، وبنى له عندها جامعًا يخطب فيه للجمعة، وكان يعطيه مالًا كثيرًا، ويطلق له ما أراد، ووقف على زاويته شيئًا كثيرًا جِدًّا، وكان معظَّمًا عند الخاص والعام بسبب حبِّ السلطان وتعظيمه له، وكان يمازِحُه إذا جلس عنده، وكان فيه دينٌ وصلاح. كان صاحب حالٍ ونفس قوية، وكان يتكهَّن كحالِ الكهان، وله مكاشفات يخبر بها الظاهِرُ؛ ولهذا كان السلطانُ يقَرِّبُه، أخبر الظاهر بسلطنَتِه قبل وقوعِها، فلهذا كان يعظِّمُه ويزوره ويُطلِعُه على غوامِضِ أسراره ويستصحِبُه في أسفاره، سأله وهو محاصِرٌ أرسوف: متى تؤخَذُ؟ فعين له اليومَ، فوافق ذلك، وكذلك صفد وقيسارية, ولما عاد إلى الكرك سنة خمس وستين استشاره في قَصدِها، فأشار عليه ألَّا يقصدها ويتوجه إلى مصر، فخالفه وتوجَّه فوقع عند بركة زيزا وانكَسَرَت فَخِذُه, وقال في بعلبك والظاهِرُ على حصن الأكراد: يأخذُه السلطان بعد أربعين يومًا، فوافق ذلك. وقد دخل الشيخ خضر مرة كنيسة القمامة بالمقدس فذَبَحَ قِسِّيسَها بيده، ووهب ما فيها لأصحابِه، وكذلك فعَلَ بالكنيسة التي بالإسكندرية وهي من أعظم كنائِسِهم، نهبها وحوَّلها مسجدًا ومدرسة أنفق عليها أموالًا كثيرةً مِن بيت المال، وسَّماها المدرسة الخضراء، وكذلك فعل بكنيسة اليهود بدمشق، دخلها ونهب ما فيها من الآلات والأمتعة، ومد فيها سماطًا، واتخذها مسجدًا مُدَّةً، ثم سعوا إليه في رَدِّها إليهم وإبقائها عليهم، ثم اتفق في هذه السنة أنه وقعت منه أشياءُ أُنكِرَت عليه وحُوقِقَ عليها عند السلطان الظاهر، فظهر له منه ما أوجب سجنه، كاللُّواط والزِّنا وغيره، وقيل مخالطته لبنات الأمراءِ حتى أصبَحْنَ لا يستَتِرْنَ منه فافتتَنَ بهن ووقع منه القبائِحُ، فأمر السلطان بإعدامِه، فقال له إن بيني وبينك أيامًا قلائل، فسجنه من عام 671هـ إلى هذا العام، فأمر بقَتلِه، وكانت وفاته في هذه السنة، ودُفِنَ بزاويته سامحه الله، وقد كان السلطانُ يحبُّه محبة عظيمة حتى إنه سمى بعض أولاده خضرًا موافقة لاسمه، وإليه تُنسَبُ القبة التي على الجبل غربي الربوة التي يقال لها قبة الشيخ خضر.
بعد أن توقَّف زحفُ الجيش السعودي على اليمن بقيادة الأمير سعود والأمير فيصل، استدعى الملكُ عبد العزيز عبدَ اللهِ ابنَ الوزير إلى الطائِفِ، وأطلَعَه على برقية الإمام يحيى -التي أرسلها بعد انهيار قوات جيشه- ثمَّ أملى الملك عبد العزيز على ابن الوزير ومن حضر من المستشارين السعوديين فقراتٍ أشبَهَ بالمواد التي تُبنى عليها معاهدةٌ للصلح، فتولى المستشارون وابن الوزير صياغتَها، فكانت معاهدة الطائف، ثم جرى توقيعها في جدة -بعد أن اطَّلع الإمامُ يحيى على نصها- في 6 صفر 1353ه - 21/ 5/ 1934م. على أن تكون الحُديدة لليمن، وجازان ونجران وعسير وتوابعها للسعودية، وقد وقَّعه نيابةً عن الملك عبد العزيز ابنُه الأمير خالد بن عبد العزيز، ونيابة عن الإمام يحيى عبدُ الله بن أحمد الوزير، وقد نصت المعاهدة على 23 مادة وملحق فيه خمس مواد، وممَّا ورد في هذه المعاهدة:
1/ تنتهي حالة الحرب القائمة بين البلدين بمجرَّد توقيع المعاهدة، وتنشأ فورًا بينهما حالةُ سلم دائم وصداقة وطيدة، وأُخوَّة إسلامية عربية دائمة.
2/ يعترف كل منهما للآخر باستقلالِ كُلٍّ من المملكتين استقلالًا تامًّا مطلقًا، ويُسقِطُ كلٌّ منهما أيَّ حَقٍّ يدعيه في قسم أو أقسام من بلاد آخر خارج الحدود القطعية المبينة في صلب هذه المعاهدة.
3/ خطُّ الحدود الذي يفصل بين بلاد كلٍّ مِن الفريقين المتعاقدين موضَّحٌ بالتفصيل الكافي كما هو في نص المعاهدة، ويعتبر هذا الخط حدًّا فاصلا قطعيًّا بين البلاد التي تخضع لكل منهما.
4/ نظرًا لرغبة الفريقين في دوام السلم والطمأنينة يتعهدان تعهدًا متقابلًا بعدم إحداث أي بناء لحصون في مسافة خمسة كيلومترات في كل جانب من جانبي الحدود في كل المواقع والجهات على طول خط الحدود.
5/ يتعهَّدُ كل من الفريقين بأن يسحب جندَه فورًا عن البلاد التي أصبحت بموجِبِ هذه المعاهدة تابعة للفريق الآخر، مع صون الأهلين والجند عن كل ضرر.
6/ يتعهد كل من الفريقين بأن يمنع كُلٌّ منهما أهاليَ مملكته عن كلِّ ضَررٍ وعدوان على أهالي المملكة الأخرى في كل جهةٍ وطريق، وبأن يمنعَ الغزوَ بين أهل البوادي من الطرفين، ويَرُدَّ كلَّ ما ثبت أخذه بالتحقيق الشرعي من بعد إبرام هذه المعاهدة، وضمان ما تَلَف وبما يلزم بالشَّرعِ فيما وقعَ من جناية قَتلٍ أو جرحٍ، بالعقوبة الحاسمة على من ثبت منهم العدوان.
7/ يتعهد كل من الفريقين تعهدًا متقابلًا بأن يمتنعا عن الرجوع للقوة لحلِّ المشكلات بينهما، وبأن يعملا جهدَهما لحلِّ ما يمكنُ أن ينشأ بينهما من الاختلاف، سواء كانت سببه ومنشؤه هذه المعاهدة، أو تفسير كل أو بعض موادها، أم كان ناشئًا عن أي سبب آخر بالمراجعات الودِّية.
وَلَّى مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان عُبيدَ الله بن زيادٍ على خُراسان فبلَغ بِيكَنْد وأَرْغَم خاتون أَميرَةَ بُخارى على الصُّلْحِ؛ ولكنَّها اسْتَنجدَت بالتُّرْكِ فأرسلوا جيشًا أَلْحَقَ به المسلمون الهَزيمةَ، فأُرْغِمت على طَلَبِ الصُّلْحِ، وكان مُعاوِيَةُ قد وَلَّى سعيدَ بن عُثمان بن عفَّان إمارةَ خُراسان بَدَل عُبيدِ الله فدخَل الجيشُ بُخارى بقِيادَتِه.
بويع المعتمِدُ على الله- وهو أحمد بن المتوكِّل على الله- بالخلافةِ في دار الأمير يارجوخ، وذلك قبل خلعِ المهتدي بأيامٍ، ثم كانت بيعةُ العامَّة. وفي صفر من السنة التالية عَقدَ المعتمِدُ لأخيه أبي أحمد على الكوفةِ وطريق مكة والحرمين واليمن، وأضاف إليه في رمضان نيابةَ بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وفارس، وأذِنَ له أن يتصَرَّف في ذلك كلِّه.
كان أميرُ الحُجَّاج العراقيين الشَّريفان أبو الحسن محمد بن عبد الله، وأبو عبد الله أحمد بن عمر بن يحيى العلويان، فجرى بينهما وبين عساكِرِ المِصريِّين من أصحابِ ابنِ طغج حربٌ شديدة، وكان الظَّفَرُ لهما، فخطَبَ لمُعِزِّ الدولة بمكَّة، فلما خرجا من مكَّة لَحِقَهما عسكرُ مِصرَ، فقاتَلَهما، فظفرا به أيضًا.
وردت أخبارٌ في مكَّةَ شَرَّفَها الله تعالى بأنَّ نارًا ظَهَرَت في أرضِ عَدَن في بعض جبالِها بحيث إنَّه يطير شَرَرُها إلى البحر في الليل، ويصعدُ منها دخانٌ عظيم في أثناء النهار، فما شَكُّوا أنها النارُ التي ذكر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أنها تظهرُ في آخِرِ الزمان، فتاب الناسُ وأقلعوا عمَّا كانوا عليه من المظالمِ والفسادِ، وشرعوا في أفعالِ الخير والصَّدَقاتِ.
في سادس ربيع الآخر مات الأمير بدر الدين بيليك النائب، واتهم أن المَلِكَ السعيد سَمَّه؛ وذلك أنه اختصَّ بجماعة من المماليك الأحداث، ومن بعده اضطربت أمورُ الملك السعيد، وأقام الملك السعيد بعده في نيابةِ السلطنة الأمير شمس الدين آقنسنقر الفارقاني، وكان حازمًا، فضم إليه جماعة منهم شمس الدين أقوش، وقطليجا الرومي، وسيف الدين قلج البغدادي، وسيف الدين بيجو البغدادي، وعز الدين ميغان أمير شكار، وسيف الدين بكتمر السلاح دار, فثقَّل الأمير آقسنقر على خاصكية السلطان، فحدثوا السلطانَ في أمره، واستعانوا بالأمير سيف الدين كوندك الساقي، وكان الملك السعيد قد قَدَّمَه وعظَّمَه لأنه ربِّيَ معه في المكتب، فقبض على آقسنقر الفارقاني وهو جالسٌ في باب القلة، وسُجِنَ وأهين ونُتِفَت لحيته وضُرِب، ثم أُخرج بعد أيام يسيرة ميتًا، فاستقر بعده في النيابة الأمير شمس الدين سنقر الألفي المظفري، فكرهه الخاصكية وقالوا، هذا ما هو من الظاهريَّة وخيلوا الملك السعيد منه أنه يريد أن يثور بخشداشيته- زملاء مهنته- مماليك الملك المظفر قطز، فعزله سريعًا، وولى الأمير سيف الدين كوندك الساقي نيابة السلطة وهو شابٌّ، فعضده الأمير سيف الدين قلاوون الألفي ومال إليه، وكان من جملة المماليك السلطانية الخاصكية شخصٌ يعرف بلاجين الزيني، وقد غلب على الملك السعيد في سائر أحوالِه، وضم إليه عدة من الخاصكية، وأخذ لاجين لهم الإقطاعات والأموال الجزيلة، وتنافر كوندك النائب ولاجين، فتوغرت بينهما الصدور، وأعمل كل منهما مكرهَ في أذية الآخر، وضم النائبُ إليه جماعة من الأمراء الكبار، وصار العسكرُ حزبين، فآل الأمرُ إلى ما آل إليه من الفساد، وتغير السلطانُ على الأمراء، وقبض في السابع عشر على الأمير جودي القيمري الكردي فنفرت منه قلوبُ الأمراء لا سيما الصالحيَّة: مثل الأمير سيف الدين قلاوون، والأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير علم الدين سنجر الحلبي، والأمير بدر الدين، بيسري، وأقرانهم فإنهم كانوا يأنفون من تمَلُّك الملك الظاهر عليهم، ويرون أنهم أحقُّ منه بالملك، فصار ابنه الملك السعيد يضَعُ من أقدارهم، ويقَدِّمُ عليهم مماليك أصاغر، ويخلو بهم وكانوا صِباحَ الوجوه، ويعطهيم مع ذلك الأموال الكثيرة، ويسمَعُ من رأيهم ويُبعِدُ الأمراءَ الكبار، واستمر الحالُ على هذا إلى أن كان يوم الجمعة الخامس عشر، فقبض السلطان على الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، والأمير بدر الدين بيسري، وسجنهما بالقلعة ثلاثة وعشرين يومًا، فزادت الوحشة بينه وبين الأمراء، ودخل خالُه الأمير بدر الدين محمد بركة خان إلى أختِه أم السلطان، وقال لها: قد أساء ابنك التدبير بقبضه على مثل هؤلاء الأمراء الأكابر، والمصلحةُ أن تردِّيه إلى الصواب، لئلا يَفسُد نظامُه وتَقصُر أيامه، فلما بلغ الملك السعيد ذلك قبض عليه واعتقله، فلم تزل به أمه تعنِّفُه وتتلطف به، حتى أطلقهم وخلع عليهم وأعادَهم إلى ما كانوا عليه، وقد تمسَّكَت عداوته من قلوبهم، وتوهَّم منه بقية الأمراء، وخَشُوا أن يعامِلَهم كما عامل الأميرَ بيليك الخازندار- ممسك خزنة المال- مع حفظه له المُلك وتسليم الخزائن والعساكر إليه، فلم يكافئْه إلا بأن قتله بالسمِّ، فاجتمع الأمراء وهموا أن يَخرُجوا عنه إلى بلاد الشام، ثم اتفقوا وصعدوا إلى قلعة الجبل، ومعهم مماليكُهم وألزامهم وأجنادُهم وأتباعهم، ومن انضَمَّ إليهم من العساكر، فامتلأ منهم الإيوانُ ورحبة القصر، وبعثوا إلى الملك السعيد: بأنَّك قد أفسدت الخواطِرَ، وتعرضتَ إلى أكابر الأمراء، فإما أن ترجِعَ عما أنت عليه، وإلا كان لنا ولك شأن، فلاطفهم في الجوابِ وتنَصَّلَ مما كان منه، وبعث إليهم التشاريفَ فلم يلبسوها، وترددت الأجوبةُ بينهم وبينه إلى أن تقرَّر الصلحُ، وحلف لهم إنَّه لا يريد بهم سوءًا، وتولى تحليفَه الأمير بدر الدين الأيدمري فَرَضُوا وانصَرَفوا.
هو أبو محمَّد زيادةُ الله بن إبراهيم بن الأغلب أو زيادةُ الله الأوَّل، أميرُ إفريقيَّة، وكان أفصَحَ أهلِ بَيتِه لسانًا وأكثَرَهم أدبًا، وكان يقولُ الشعر، ويرعى الشعراءَ، كانت ولايته من قِبَل المأمون سنة 201هـ، فطالت أيَّامُه واستقام الأمر, وبنى زيادةُ الله في أيَّامِه سُورَ القيروان ودار سوسة وقنطرة باب الربيع، وحِصنَ الرباط بسوسة، وجامعَ القيروان بعد هَدمِه، وأنفق عليه سِتَّة وثمانين ألف دينار، وفتح جزيرةَ صقلِّيَّة على يد قاضيه أسَدِ بن الفرات. كان عمُرُه يوم مات إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر وثمانية أيام، وكانت إمارتُه إحدى وعشرين سنة وسبعة أشهر، وولِيَ بعده أخوه أبو عقالٍ الأغلبُ بنُ إبراهيم بن الأغلب.