الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 6153 ). زمن البحث بالثانية ( 0.001 )

العام الهجري : 517 العام الميلادي : 1123
تفاصيل الحدث:

هو الأميرُ محمود بن قراجا، صاحِبُ حماة، كان ظالِمًا جائرًا. سار إلى حصن أفامية فهجم على الربض بغتةً، فأصابه سهم من القلعة في يده، فاشتدَّ ألمه، فعاد إلى حماة، وقلع الزُج -الحديدة في أسفل الرمح- من يده، ثم عملت عليه، فمات منه، واستراح أهلُ عمله من ظُلمِه وجَورِه، فلما سمع طغتكين، صاحب دمشق، الخبر سيَّرَ إلى حماة عسكرًا، فمَلَكها وصارت في جملة بلاده، ورتب فيها واليًا وعسكرًا لحمايتها.

العام الهجري : 517 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1123
تفاصيل الحدث:

استولى الفرنج على خرتبرت من بلاد ديار بكر، وسبب ذلك: أن بلك بن بهرام بن أرتق كان صاحب خرتبرت، فحضر قلعة كركر، وهي تقارب خرتبرت، فسمع الفرنج بالشام الخبرَ، فسار بغدوين ملك الفرنج في جموعه إليه ليرحلَه عنها؛ خوفًا أن يَقوى بملكها، فلما سمع بلك بقُربه منه رحل إليه، والتقيا في صفر واقتتلا؛ فانهزم الفرنج وأُسِرَ مَلِكُهم ومعه جماعة من أعيان فرسانهم، وسُجنوا بقلعة خرتبرت، وكان بالقلعة أيضًا جوسلين، صاحب الرها، وغيره من مقدَّمي الفرنج كان قد أسرهم سنة 515، وسار بلك عن خرتبرت إلى حران في ربيع الأول فملكها، فأعمل الفرنج الحيلة باستمالة بعض الجند، فظهروا وملكوا القلعة، فأما الملك بغدوين فإنه مضى إلى بلاده، واتصل الخبر ببلك صاحبها، فعاد في عساكره إليها وحصرها، وضيَّق على مَن بالقلعة، واستعادها من الفرنج، وجعل فيها من الجند من يحفظها، وعاد عنها.

العام الهجري : 518 العام الميلادي : 1124
تفاصيل الحدث:

صاحبُ ألموت الكيا الحسن بن الصباح بن علي بن محمد الحميري الإسماعيلي. رأس الإسماعيلية، كان داهية وأصله من مرو، وُلِد بطوس وتتلمذ على أحمد بن عطاش من أعيان الباطنية، وكان كاتبًا لبعض الرؤساء، ثم صار إلى مصر وتلقى من دعاتهم، وعاد داعية لقومه، فكان الحسنُ مُقدَّمَ الباطنية في أصبهان دعا إلى إمامة المستنصر الفاطمي فطاف البلاد للدعوة الإسماعيلية، وقوي أمرُه حتى استولى على قلعة ألموت في قزوين، ثم ضمَّ إليها قلاعًا أخرى، وكان لا يدعو إلا غبيًّا، ومن لا يَعرِف أمور الدنيا، ويُطعِمُه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبَّط دماغُه، ثم يذكر له ما تمَّ على أهل البيت من الظلم، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقةُ والخوارج سمحوا بنفوسِهم في القتال مع بني أمية، فما سببُ تخلُّفِك بنفسك عن إمامك؟ قال الذهبي: "أنفذ ملكشاه إليه يتهدَّدُه ويأمره بالطاعة، ويأمرُه أن يكُفَّ أصحابَه عن قَتلِ العلماء والأمراء، فقال للرسول: الجوابُ ما تراه، ثم قال لجماعة بين يديه: أريد أن أنفِذَكم إلى مولاكم في حاجةٍ، فمن ينهضُ بها؟ فاشرأبَّ كل واحد منهم، وظنَّ الرسولُ أنها حاجةٌ، فأومى إلى شابٍّ، فقال: اقتل نفسَك، فجذب سكينًا، فقال بها في غَلصَمتِه، فخرَّ ميتًا، وقال لآخر: ارمِ نفسَك من القلعةِ، فألقى نفسَه فتقطَّع، ثم قال للرسول: قُلْ له: عندي من هؤلاء عشرون ألفًا، هذا حَدُّ طاعتِهم، فعاد الرسول وأخبر ملكشاه، فعَجِبَ، وأعرضَ عن كلامِهم". وقد غلت الأقطار بجرائِمِ أتباعه الباطنية، فقَتَلوا غيلةً عِدَّةً من العلماء والأمراء، وأخذوا القلاع، وحاربوا، وقطعوا الطرق، وظهروا أيضًا بالشام، والتفَّ عليهم كل شيطان ومارق، وكلُّ ماكر ومتحَيِّل. قال الغزالي في (سر العالمين): "شاهدت قصةَ الحسن بن الصباح لما تزهَّدَ تحت حصن ألموت، فكان أهلُ الحصن يتمنَّون صعوده، ويتمنَّع ويقول: أما ترون المنكرَ كيف فشا، وفسد الناسُ، فصبا إليه خلقٌ، وذهب أميرُ الحصن يتصيَّد، فوثب على الحصن فتملَّكه، وبعث إلى الأمير من قتَلَه، وكثُرَت قلاعُهم، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافِهم". هلك الحسن بن الصباح في قلعة ألموت وقام بعده بالأمر كيابرزك أميد الروذباري.

العام الهجري : 518 العام الميلادي : 1124
تفاصيل الحدث:

لَمَّا ملك الفرنجُ مدينة صور طمعوا وقَوِيَت نفوسهم، وتيقَّنوا الاستيلاءَ على بلاد الشام، واستكثروا من الجموع، ثم وصل إليهم دبيس بن صدقة، صاحب الحلة، فأطمعهم طمعًا ثانيًا، لا سيما في حلب، وقال لهم: إن أهلها شيعة، وهم يميلون إليَّ لأجل المذهب، فمتى رأوني سلموا البلد إلي، وبذل لهم على مساعدته بذولًا كثيرة، وقال: إنني أكون هاهنا نائبًا عنكم ومطيعًا لكم، فساروا معه إليها وحصروها، وقاتلوا قتالًا شديدًا، ووطَّنوا نفوسهم على المقام الطويل، وأنهم لا يفارقونها حتى يملكوها، وبَنَوا البيوت لأجل البرد والحر، فلما رأى أهلها ذلك ضَعُفت نفوسهم، وخافوا الهلاك، وظهر لهم من صاحِبِهم تمرتاش الوهنُ والعجزُ، وقَلَّت الأقوات عندهم، فلما رأوا ما دفعوا إليه من هذه الأسباب أعملوا الرأي في طريق يتخلَّصون به، فرأوا أنه ليس لهم غيرُ قسيم الدولة البرسقي، صاحب الموصل، فأرسلوا إليه يستنجدونه ويسألونه المجيءَ إليهم ليسلِّموا البلد إليه. فجمع عساكره وقصدهم، وأرسل إلى من بالبلد، وهو في الطريق، يقول: إنني لا أقدر على الوصول إليكم، والفرنج يقاتلونَكم، إلَّا إذا سلمتم القلعة إلى نوَّابي، وصار أصحابي فيها، فإنني لا أدري ما يُقَدِّرُه الله تعالى إذا أنا لقيتُ الفرنج، فإن انهزمنا منهم وليست حلب بيدِ أصحابي حتى أحتمي أنا وعسكري بها، لم يبقَ منا أحد، وحينئذ تؤخَذُ حلب وغيرها، فأجابوه إلى ذلك، وسلَّموا القلعة إلى نوابه، فلما استقروا فيها، واستولوا عليها، سار في العساكر التي معه، فلما أشرف عليها رحل الفرنجُ عنها، وهو يراهم، فأراد مَن في مقدمة عسكره أن يحمِلَ عليهم، فمنَعَهم هو بنفسه، وقال: قد كُفِينا شَرَّهم، وحَفِظْنا بلدنا منهم، والمصلحةُ تركُهم حتى يتقرَّر أمر حلب ونُصلِحَ حالها، ونُكثر ذخائرها، ثم حينئذ نقصِدُهم ونقاتِلُهم. فلما رحل الفرنجُ خرج أهل حلب ولقُوه، وفرحوا به، وأقام عندهم حتى أصلح الأمورَ وقَرَّرها.

العام الهجري : 518 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1124
تفاصيل الحدث:

كانت مدينةُ صور تحت حكم الفاطميين العُبيديين بمصر، ولم تَزَل كذلك إلى سنة 506، وكان الفرنجُ قد حصروها، وضَيَّقوا عليها، ونهبوا بلدَها غير مرة، فتجهَّز ملكُ الفرنج، وجمع عساكِرَه ليسيرَ إلى صور، فخافهم أهلُ صور، فأرسلوا إلى أتابك طغتكين، صاحب دمشق، يطلُبون منه أن يُرسِلَ إليهم أميرًا من عنده يتولاهم ويحميهم، ويكونُ البلد له، وقالوا له: إن أرسلتَ إلينا واليًا وعسكرًا، وإلا سلَّمْنا البلد إلى الفرنج؛ فسيَّرَ إليهم عسكرًا، وجعل عندهم واليًا اسمه مسعود، وكان شهمًا شجاعًا عارفًا بالحرب ومكايدها، وأمدَّه بعسكر، وسير إليهم ميرة ومالًا فرَّقَه فيهم، وطابت نفوس أهل البلد، ولم تُغَيَّر الخطبة للآمر بن المستعلي الفاطمي، صاحب مصر، ولا السكة، وكتب إلى الأفضل بمصر يعرِّفُه صورة الحال، ويقول: متى وصل إليها من مصر من يتولاها ويذُبٌّ عنها، سلَّمتُها إليه، ويطلب أن الأسطول لا ينقطع عنها بالرجال والقوة، فشكره الأفضل على ذلك، وأثنى عليه، وصوب رأيه فيما فعله، وجهز أسطولًا، وسيَّره إلى صور، فاستقامت أحوال أهلها. ولم يزل كذلك إلى سنة 516 بعد قتل الأفضل، فسُيِّرَ إليها أسطول على جاري العادة، وأمروا المقَدَّم على الأسطول أن يُعمِلَ الحيلة على الأمير مسعود الوالي بصور من قبل طغتكين، ويقبض عليه، ويتسلَّم البلد منه. وكان السببُ في ذلك أن أهل صور أكثروا الشكوى منه إلى الآمر العبيدي، صاحب مصر، بما يعتَمِدُه من مخالفتهم، والإضرار بهم، ففعلوا ذلك، وسار الأسطول فأرسى عند صور، فخرج مسعودٌ إليه للسلام على المقدَّم عليه، فلما صعد إلى المركب الذي فيه المقَدَّم اعتقله ونزل البلد، واستولى عليه، وعاد الأسطول إلى مصر وفيه الأمير مسعود، فأُكرِمَ وأُحسِنَ إليه وأُعيد إلى دمشق، وأما الوالي من قِبَل المصريين فإنه طيَّب قلوبَ الناس، وراسل طغتكين يخدمه بالدعاء والاعتضاد، وأن سبب ما فعل هو شكوى أهل صور من مسعود، فأحسن طغتكين الجواب، وبذل من نفسه المساعدةَ، ولما سمع الفرنج بانصراف مسعود عن صور قَوِيَ طمعهم فيها، وحدَّثوا نفوسهم بملكها، وشرعوا في الجمع والتأهُّب للنزول عليها وحَصْرها، فسمع الوالي بالخبر، فعلمَ أنَّه لا قوة له ولا طاقة على دفع الفرنج عنها؛ لقلة مَن بها من الجند والميرة، فأرسل إلى الآمر العُبيدي بذلك، فرأى أن يرُدَّ ولاية صور إلى طغتكين، صاحب دمشق، فأرسل إليه بذلك، فملك صور، ورتب بها من الجندِ وغيرهم ما ظنَّ فيه كفاية، وسار الفرنجُ إليهم ونازلوهم في ربيع الأول من هذه السنة، وضيَّقوا عليهم، ولازموا القتال، فقَلَّت الأقوات، وسَئِمَ من بها القتالَ، وضَعُفَت نفوسهم وسار طغتكين إلى بانياس ليقرُبَ منهم، ويذُبَّ عن البلد، ولعل الفرنج إذا رأوا قُرْبَه منهم رحلوا، فلم يتحركوا، ولزموا الحصار، فأرسل طغتكين إلى مصر يستنجِدُهم، فلم ينجدوه، وتمادت الأيام وأشرف أهلها على الهلاك، فراسل حينئذ طغتكين، صاحب دمشق، الفرنجَ, وقرَّر الأمر على أن يُسَلِّمَ المدينةَ إليهم، ويُمَكِّنوا مَن بها من الجند والرعية من الخروجِ منها بما يقدرون عليه من أموالهم ورحالهم وغيرها، فاستقرَّت القاعدةُ على ذلك، وفُتِحت أبواب البلد، وملكه الفرنجُ، وفارقه أهلُه، وتفرَّقوا في البلاد، وحملوا ما أطاقوا، وتركوا ما عجزوا عنه، ولم يَعرِض الفرنجُ لأحد منهم، ولم يبقَ إلا الضعيف عجز عن الحركة، وملك الفرنج البلدَ في الثالث والعشرين من جمادى الأولى، وكان سقوط صور بيد الفرنج وهنًا عظيمًا على المسلمين؛ فإنَّه من أحصنِ البلادِ وأمنَعِها.

العام الهجري : 519 العام الميلادي : 1125
تفاصيل الحدث:

قصد دبيس والسلطانُ طغرل بغدادَ ليأخذاها من يد الخليفة، فلما اقتربا منها برز إليهما الخليفةُ في جحفلٍ عظيم، والناسُ مُشاةٌ بين يديه إلى أول منزلة، ثم ركب الناسُ بعد ذلك، فلما أمست الليلةُ التي يقتتلون في صبيحتها، ومِن عزمهم أن ينهبوا بغداد، أرسل الله مطرًا عظيمًا، ومرض السلطان طغرل في تلك الليلة، فتفَرَّقت تلك الجموع ورجعوا على أعقابهم خائبين خائفين، والتجأ دبيس وطغرل إلى الملك سنجر وسألاه الأمان من الخليفة، والسلطان محمود، فحَبَس سنجر دبيسًا في قلعة خدمةً للمسترشد.

العام الهجري : 519 العام الميلادي : 1125
تفاصيل الحدث:

جمع قسيمُ الدولة البرسقي صاحب الموصل عساكِرَه وسار إلى الشام، وقصد كفر طاب وحصَرَها، فمَلَكها من الفرنج، وسار إلى قلعة عزاز، وهي من أعمال حلب من جهة الشمال، وصاحبها جوسلين الفرنجي، فحصرها، فاجتمعت الفرنج؛ فارِسُها وراجِلُها، وقصدوه ليُرحلوه عنها، فلقيهم وضرب معهم مصافًّا، واقتتلوا قتالًا شديدًا صبروا كلهم فيه، فانهزم المسلمون وقُتِل منهم وأُسِر كثير، وكان عدد القتلى أكثر من ألف قتيل من المسلمين، وعاد منهزمًا إلى حلب، فخلف بها ابنه مسعودًا، وعبر البرسقي الفراتَ إلى الموصل؛ ليجمعَ العساكر ويعاوِدَ القتال.

العام الهجري : 520 العام الميلادي : 1126
تفاصيل الحدث:

عَظُم شأن ابن ردمير الفرنجي بالأندلس، واستطال على المسلمين، فخرج في عساكر كثيرة من الفرنج، وجاس في بلاد الإسلام، وخاضها، حتى وصل قرب قرطبة، وأكثر النهبَ والسبيَ والقتل، فاجتمع المسلِمونَ في جيش عظيم زائد الحد في الكثرة، وقصدوه، فلم يكن له بهم طاقة، فتحصَّن منهم في حصن منيع له اسمه أرنيسول، فحصروه، وكبسهم ليلًا، فانهزم المسلمون، وكثُرَ القتل فيهم، وعاد إلى بلاده.

العام الهجري : 520 العام الميلادي : 1126
تفاصيل الحدث:

في هذه السنة عَظُم أمر الإسماعيلية بالشام، وقَوِيت شوكتهم، وملكوا بانياس في ذي القعدة منها، وسببُ ذلك أن بهرام بن أخت الأسداباذي، داعيَ الباطنية بحلب والشام، لَمَّا قُتِل خالُه ببغداد هرب إلى الشام، وصار داعيَ الإسماعيلية فيه، وكان يتردد في البلاد، ويدعو أوباش الناس وطغامَهم إلى مذهبه، فاستجاب له منهم من لا عقلَ له، فكثُر جمعه، إلا أنه يُخفي شخصَه فلا يُعرَف، وأقام بحلب مدة، ونفر إلى إيلغازي صاحبها، وأراد إيلغازي أن يعتَضِدَ به لاتقاء الناس شَرَّه وشر أصحابه؛ لأنهم كانوا يقتلون كل من خالفهم، وقصد من يتمسَّك بهم، وأشار إيلغازي على طغتكين، صاحب دمشق، بأن يجعلَه عنده لهذا السبب، فقبل رأيه، وأخذه إليه، فأظهر حينئذ شخصه -بهرام داعية الباطنية الإسماعيلية- وأعلن دعوته، فكثر أتباعُه من كل من يريد الشرَّ والفساد، ووافقه الوزيرُ طاهر بن سعد المزدقاني، وإن لم يكن على عقيدته؛ قصدًا للاعتضاد به على ما يريد، فعَظُم شَرُّه واستفحل أمره، وصار أتباعه أضعافَ ما كانوا، فلولا أن عامة دمشق يغلب عليهم مذهب أهل السنة، وأنهم يشدِّدون عليه فيما ذهب إليه، لَمَلَك البلدَ، ثم إن بهرام رأى من أهل دمشق فظاظةً وغلظةً عليه، فخاف عاديتَهم، قال الذهبي: "كان طغتكين سيفًا مسلولًا على الفرنج، ولكن له خرمة كان قد استفحل البلاءُ بداعي الإسماعيلية بهرام بالشام، وكان يطوف المدائنَ والقلاع متخفيًا، ويُغوي الأغتام والشطَّار، وينقاد له الجهَّال، إلى أن ظهر بدمشق بتقرير قرَّره صاحب ماردين إيلغازي مع طغتكين، فأخذ يُكرِمُه، ويبالِغُ اتقاء لشَرِّه، فتَبِعه الغوغاء والسفهاء والفلاحون، وكثُروا، ووافقه الوزير طاهر المزدقاني، وبث إليه سره، ثم التمس من الملك طغتكين قلعةً يحتمي بها، فأعطاه بانياس سنة 520، فعَظُم الخطب، وتوجَّع أهلُ الخير، وتستَّروا مِن سَبِّهم، وكانوا قد قتلوا عدةً من الكبار، فتصدى لهم تاج الملوك بوري بن طغتكين، فقتل الوزير كمال الدين طاهر بن سعد المزدقاني، ونصب رأسه، وركب جندَه، فوضعوا السيفَ بدمشق في الملاحدة الإسماعيلية، فكبسوا منهم في الحال نحوًا من ستة آلاف نفس في الطرقات، وكانوا قد تظاهروا، وتفاقم أمرهم، وراح في هذه الكائنة الصالحُ بالطالح. وأما بهرام فتمرَّد وعتا وقَتَل شابًّا من أهل وادي التيم اسمه برق، فقام عشيرته، وتحالفوا على أخذ الثأر، فحاربهم بهرام، فكَبَسوه وذبحوه، وسَلَّمَت الملاحِدةُ بانياس للفرنج، وذَلُّوا. وقيل: إن المزدقاني كان قد كاتب الفرنج ليُسَلِّمَ إليهم دمشق، ويعطوه صور، وأن يهجموا البلد يوم جمعة، ووكل الملاحدةَ تغلق أبواب الجامع على الناس، فقتله لهذا تاج الملوك، وقد التقى الفرنجَ وهزمهم، وكانت وقعةً مشهودة. وفي سنة 520 أقبلت جموع الفرنج لأخذ دمشق، ونزلوا بشقحب، فجمع طغتكين التركمانيين وشطار دمشق، والتقاهم في آخر العام، وحَمِيَ القتال، ثم فرَّ طغتكين وفرسانه عجزًا، فعطفت الرجَّالةُ على خيام العدو، وقَتَلوا في الفرنج، وحازوا الأموالَ والغنائم، فوقعت الهزيمةُ على الفرنج، ونزل النصرُ".

العام الهجري : 520 العام الميلادي : 1126
تفاصيل الحدث:


لما توفِّي أبو حمير سبأ بن أحمد بن المظفر بن علي الصليحي سنة 495، وهو آخر الملوك الصليحيين الباطنية، أرسل المأمون البطائحي الرافضي وزير الفاطميين بمصر علي بن إبراهيم بن نجيب الدولة، فوصل إلى جبال اليمن سنة 513، وقام بأمر الدعوة والمملكة التي كانت بيد سبأ، وبقيَ ابن نجيب الدولة حتى أرسل الآمر الفاطمي وقبض عليه بعد سنة 520، فانتقل الملك والدعوة باليمن إلى آل الزريع بن العباس بن المكرم. وآل الزريع هم أهلُ عدن، وهم شيعةٌ إسماعيلية من همذان بن جشم، وهؤلاء بنو المكرم يعرفون بآل الذيب، وكانت عدن لزريع بن العباس بن المكرم، ولعمه مسعود بن المكرم، فقتلا على زبيد مع الملك المفضل، فولي بعدهما ولداهما، وهما أبو السعود بن زريع، وأبو الغارات ابن مسعود، وبقيا حتى ماتا، وولي بعدهما محمد بن أبي الغارات، ثم ولي بعده ابنه علي بن محمد بن أبي الغارات مقام علي بالدملوة، فمات بالسُّل، وملك بعده أخوه المعظم محمد بن سبأ، ثم ملك بعده ابنه عمران بن محمد بن سبأ، وكانت وفاة محمد بن سبأ سنه 548، ووفاة عمران بن محمد بن سبأ في شعبان سنة 560، وخلف عمران ولدين طفلين هما محمد وأبو السعود ابنا عمران. سنة 557 ظهر ابن مهدي واستولى على زبيد وأعمالها، ثم قويت شوكة ولده مهدي، وأغار على الجند وبواديها، وقَتَل من قتل في تلك النواحي، ثم أخذ جبال اليمن وقَتَل فيها قتلًا ذريعًا، وفي سنة 562 استولى على مخلاف الجند، وزالت على يد المهدي دولةُ آل زريع من المخلاف، ثم زال بقيةُ ملك آل زريع في اليمن على يد الأيوبيين.

العام الهجري : 520 العام الميلادي : 1126
تفاصيل الحدث:

أمر الوزير المختص أبو نصر أحمد بن الفضل، وزير السلطان سنجر، بغزوِ الباطنية، وقَتْلهم أين كانوا، وحيثما ظُفِر بهم، ونَهْب أموالهم، وسَبْي حريمهم، وجهَّز جيشًا إلى طريثيت، وهي لهم، وجيشًا إلى بيهق من أعمال نيسابور، وكان في هذه الأعمال قرية مخصوصة بهم اسمها طرز، ومقَدَّمُهم بها إنسان اسمه الحسن بن سمين، وسيَّرَ إلى كل طرف من أعمالهم جمعًا من الجند، ووصَّاهم أن يقتلوا من لقوه منهم، فقصد كل طائفة إلى الجهة التي سُيِّرَت إليها؛ فأما القرية التي بأعمال بيهق فقصدها العسكر، فقتلوا كلَّ من بها، وهرب مُقَدَّمُهم، وصَعِدَ منارة المسجد وألقى نفسه منها فهلك، وكذلك العسكر المُنفَذ إلى طريثيت قتَلوا من أهلها فأكثروا، وغَنِموا من أموالهم وعادوا.

العام الهجري : 520 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

تراسل السلطان محمود والخليفة بشأن السلطان سنجر، وأن يكونا عليه، فلما علم بذلك سنجر كتب إلى ابن أخيه محمود ينهاه ويستميلُه إليه، ويحذِّره من الخليفة، وأنه لا تُؤمَنُ غائلتُه، وأنه متى فرغ مني دار إليك فأخَذَك، فأصغى إلى قول عمِّه ورجع عن عزمه، وأقبل ليدخل بغداد عامَه ذلك، فكتب إليه الخليفةُ ينهاه عن ذلك لقلةِ الأقوات بها، فلم يَقبَل منه، وأقبل إليه، فلما أزِفَ قدومُه خرج الخليفة من داره وتجهَّز إلى الجانب الغربي فشَقَّ عليه ذلك وعلى الناس، ودخل عيد الأضحى فخطب الخليفة الناسَ بنفسه خطبةً عظيمة بليغة فصيحة جدًّا، وكبَّر وراءه خطباء الجوامع، وكان يومًا مشهودًا، ولما نزل الخليفة عن المنبر ذبح البدنة بيده، ودخل السرادِقَ وتباكى الناس ودعوا للخليفة بالتوفيقِ والنصر، ثم دخل السلطان محمود إلى بغداد يوم الثلاثاء الثامن عشر من ذي الحجة، فنزلوا في بيوت الناس وحصل للناس منهم أذًى كثير في حريمهم، ثم إنَّ السلطان راسل الخليفة في الصلح فأبى ذلك الخليفة، وركب في جيشه وقاتل الأتراك ومعه شرذمةٌ قليلة من المقاتلة، ولكن العامةَ كلهم معه، وقتَلَ من الأتراك خلقًا، ثم جاء عماد الدين زنكي في جيشٍ كثيف من واسط في سفن إلى السلطان نجدةً، فلما استشعر الخليفةُ ذلك دعا إلى الصلح، فوقع الصلحُ بين السلطان والخليفة، وأخذ السلطان محمود يستبشر بذلك جدًّا، ويعتذر إلى الخليفة المسترشد بالله مما وقع، ثم خرج في أول السنة الآتية إلى همذان لمرضٍ حصل له.

العام الهجري : 520 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

لما وصل السلطان إلى بغداد في العشرين من ذي الحجة، ونزل بباب الشماسية، ودخل بعضُ عسكره إلى بغداد، ونزلوا في دُورِ الناس، شكا الناسُ ذلك إلى السلطان، فأمر بإخراجِهم، وبَقِيَ فيها مَن له دار، وبقي السلطانُ يراسل الخليفة بالعود، ويطلب الصلحَ، وهو يمتنِعُ، وكان يجري بين العسكرين مناوشة، والعامة من الجانب الغربي يسبون السلطانَ أفحش سَبٍّ. ثم إن جماعة من عسكر السلطان دخلوا دار الخلافة، ونهبوا التاج، وحُجَر الخليفة، أول المحرم، وضجَّ أهل بغداد من ذلك، فاجتمعوا ونادوا الغزاة، فأقبلوا من كلِّ ناحية، ولما رآهم الخليفة خرج من السرادق والشمسة على رأسه، والوزير بين يديه، وأمر بضربِ الكوسات والبوقات، ونادى بأعلى صوته: يا آلَ هاشم! وأمر بتقديم السفن، ونَصْب الجسر وعبرَ الناسُ دفعةً واحدة، وكان له في الدار ألفُ رجل مختفين في السراديب، فظهروا، وعسكرُ السلطانِ مُشتَغِلون بالنهب، فأسر منهم جماعة من الأمراء، ثم عبر الخليفةُ إلى الجانب الشرقي، ومعه ثلاثون ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد، وأمر بحفر الخنادق، فحُفِرت بالليل، وحفظوا بغداد من عسكر السلطان، ووقع الغلاءُ عند العسكر، واشتدَّ الأمر عليهم، وكان القتالُ كلَّ يوم عليهم عند أبواب البلدِ وعلى شاطئ دجلة، وعزم عسكر الخليفة على أن يكبِسوا عسكر السلطان، فغدر بهم الأميرُ أبو الهيجاء الكردي، صاحب إربل، وخرج كأنَّه يريد القتال، فالتحق هو وعسكرُه بالسلطان. وقَدِمَ عماد الدين زنكي بقواتٍ ضخمة نجدةً للسلطان فأجاب المسترشد بالله للصُّلحِ.

العام الهجري : 520 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

اجتمعت الفرنجُ وملوكُها وقمامصتها وجنودها وساروا إلى نواحي دمشق فنزلوا بمرج الصفر عند قرية يقال لها سقحبا بالقرب من دمشق، فعظم الأمرُ على المسلمين واشتدَّ خوفُهم، وكاتَبَ طغتكين أتابك دمشق أمراءَ التركمان من ديار بكر وغيرها وجمعهم، وكان هو قد سار عن دمشق إلى جهة الفرنج، واستخلف بها ابنَه تاج الملوك بوري فكان بها، كلما جاءت طائفة أحسن ضيافتَهم وسَيَّرهم إلى أبيه، فلما اجتمعوا سار بهم طغتكين إلى الفرنج فالتقوا أواخر ذي الحجة واقتتلوا، واشتد القتالُ، فسقط طغتكين على فرسه، فظن أصحابُه أنه قتل، فانهزموا وركب طغتكين فرسَه ولحقهم وتبعهم الفرنجُ وبقي التركمان لم يقدِروا أن يلحقوا بالمسلمين في الهزيمة، فتخلفوا، فلما رأوا فرسان الفرنج قد تبعوا المنهزمين وأن معسكرهم وراجِلَهم ليس له منعٌ ولا حامٍ، حملوا على الرجَّالة فقتلوهم، ولم يسلم منهم إلا الشريد، ونهبوا معسكرَ الفرنج وخيامَهم وأموالَهم وجميع ما معهم، وفي جملته كنيسة وفيها من الذهب والجواهر ما لا يُحصى كثرةً، فنهبوا ذلك جميعه وعادوا إلى دمشق سالِمين لم يعدم منهم أحد. ولما رجع الفرنج من أثر المنهزمين ورأوا رجالتَهم قتلى وأموالهم منهوبة تمُّوا منهزمين لا يلوي الأخُ على أخيه، وكان هذا من الغريب أن طائفتين تنهزمان كلُّ واحدةٍ منهما من صاحبتِها.

العام الهجري : 521 العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

هو أبو سعيد آقسنقر البرسقي الغازي، الملقَّب قسيم الدولة سيف الدين، وكان مملوكًا تركيًّا صاحب الموصل والرحبة وتلك النواحي، ملَكَها بعد مودود بن التونتكين، وكان مودود بالموصل وببلاد الشام من جهة السلطان محمد بن ملكشاه السلجوقي، فقُتِل مودود سنة 507، وآقسنقر يومئذ شحنة بغداد، كان ولَّاه إياها السلطان محمد في سنة 498، فلما قتل مودود أرسل السلطان محمد البرسقي واليًا على الموصل وأمره بالاستعداد لقتال الفرنج بالشام، فوصل إلى الموصِل وملكها وغزا، ودفع الفرنج عن حلب وقد ضايقوها بالحصار، فلما استنجد به أهلها، فأجابهم ونادى الغزاة، ولما أشرف على حلب تقهقرت الفرنج، ورتَّب أمور البلد، وأمدَّهم بالغلَّات، ورتَّب بها ابنه فيها، ثم عاد إلى الموصل وأقام بها إلى أن قُتل. وهو من كبراء الدولة السلجوقية، وله شهرة كبيرة بينهم. كان عادلًا حميد الأخلاق، شديد التدين، محبًّا للخير وأهله، مُكرِمًا للفقهاء والصالحين، ليِّنًا حسن المعاشرة، ويرى العدل ويفعله، وكان من خير الولاة؛ يحافظ على الصلوات في أوقاتها، ويصلي من الليل متهجِّدًا، عالي الهمة، كان من خيار الولاة, وكان شجاعًا محل ثقة الخلفاء والملوك وتقديرهم. قتلته الباطنية بجامع الموصل يوم الجمعة التاسع من ذي القعدة سنة 520، قتله الباطنية في مقصورة الجامع بالموصل، وقيل: إنهم جلسوا له في الجامع بزي الصوفية، فلما انفتل من صلاته قاموا إليه وأثخنوه جراحًا؛ وذلك لأنه كان تصدى لاستئصال شأفتهم وتتبَّعَهم وقتل منهم عصبةً كبيرة، وتولى ولَدُه عز الدين مسعود موضِعَه، ثم توفي يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من جمادى الآخرة سنة 521، وملك بعده عماد الدين زنكي بن آقسنقر, وكان من مماليك السلطان طغرلبك أبي طالب محمد، وكان من أمراء السلاجقة المشار إليهم فيها، المعدودين من أعيانهم.