ملك علاء الدين كيقباذ بن كيخسرو بن قلج أرسلان- وهو صاحب قونية وما حولها من بلاد الروم- أرزنكان، وسبب ملكه إياها أن صاحبها بهرام شاه كان قد طال مُلكُه لها، وجاوز ستين سنة، توفي ولم يزل في طاعة قلج أرسلان وأولاده بعده، فلما توفي ملك بعده ولده علاء الدين داود شاه، فأرسل إليه كيقباذ يطلب منه عسكرًا ليسير معه إلى مدينة أرزن الروم- وهي قريبة من مدينة أرزنكان- ليحصرها، ويكون هو مع العسكر، ففعل ذلك، وسار في عسكره إليه، فلما وصل قبض عليه، وأخذ مدينة أرزنكان منه، وله حصنٌ من أمنع الحصون اسمه كماخ، وفيه مستحفظ لداود شاه، فأرسل إليه ملك الروم يحصُره، فلم يقدر العسكرُ على القرب منه؛ لعُلُوِّه وارتفاعه وامتناعه، فتهدَّد داود شاه إن لم يسلم كماخ، فأرسل إلى نائبه في التسليم، فسلم القلعةَ إلى كيقباذ، وأراد كيقباذ المسير إلى أرزن الروم ليأخُذَها وبها صاحبها ابن عمه طغرل شاه بن قلج أرسلان، فلما سمع صاحبها بذلك أرسل إلى الأمير حسام الدين علي، النائب عن الملك الأشرف بخلاط، يستنجِدُه، وأظهر طاعة الأشرف، فسار حسام الدين فيمن عنده من العساكر، وكان قد جمعها من الشام، وديار الجزيرة، خوفًا من ملك الروم، خافوا أنه إذا ملك أرزن الروم يتعدى ويقصد خلاط، فسار الحاجب حسام الدين إلى الروم ومنع عنها، ولما سمع كيقباذ بوصول العساكر إليها لم يُقدِم على قصدها، فسار من أرزنكان إلى بلاده، وكان قد أتاه الخبر أن الروم الكفار المجاورين لبلاده قد ملكوا منه حصنًا يسمى صنوب، وهو من أحصن القلاع، مطِلٌّ على البحر السياه بحر الخزر، فلما وصل إلى بلاده سيَّرَ العسكر إليه وحصره برًّا وبحرًا، فاستعاده من الروم، وسار إلى أنطاكية ليشتي بها على عادته.
هو السلطان الملك المجاهد أسد الدين شيركوه الصغير، أبو الحارث بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي، صاحبُ حمص، ولَّاه إياها الملك الناصر صلاح الدين بعد موت أبيه سنة إحدى وثمانين وخمسمائة، فمكث فيها سبعًا وخمسين سنة، ولد بمصر سنة 569 وكان من أحسن الملوك سيرةً، طَهَّر بلاده من الخمور والمكوس والمنكرات، وهي في غايةِ الأمن والعدل، لا يتجاسر أحدٌ من الفرنج ولا العرب يدخلُ بلاده إلا أهانه غايةَ الإهانة، وكانت ملوكُ بني أيوب يتَّقونه؛ لأنه يرى أنه أحق بالأمرِ منهم، لأنَّ جده أسد الدين شيركوه هو الذي فتح مصرَ، وأوَّلُ من ملك منهم، شَهِدَ غزو الفرنج لدمياط، ورابَطَ عليها, وسكن المنصورةَ إلى انقضاء الغزاة، واستنقاذ دمياط, وكان شهمًا مهيبًا بطلًا شُجاعا، مِقدامًا معروفًا بالشجاعة. استخدم الحَمَام في نواحي بلاده لنقل الأخبار, وكانت بلادُه طاهرة من الخمر والمكوس, ومنعَ النساءَ من الخروج من أبواب حمص مُدَّة إمرته عليها خوفًا أن يأخذ أهل حمص أهاليهم وينزحون عنها لجَوِره, وله أخبارٌ في الظلم والتعذيب والاعتقال. إلَّا أنه كان لا يشرب الخمر أبدًا، ويلازم الصلوات في أوقاتها، ولا يُقبلُ على اللهو، بل همَّتُه في مصالح ملكه, وكان ذا رأي ودهاء, وله هيئة جميلة وجلالة وصورة مليحة، وكان الملوك يراعونه ويخافونه، وكان الملك الكاملُ قد استوحش منه واتَّهَمه بأنه أوقع بينه وبين الأشرف، فلما مات الأشرفُ وتمَلَّك الكامل دمشق، طلب من شيركوه مالًا عظيمًا، فبعث إليه نساءه يشفعن فيه، فما أجاب وقال: لا بدَّ من المال، فأيس وهيَّأَ الأموال، ولم يبقَ إلَّا تسييرها فأتته بطاقةٌ بموت الكامل، فجاء وجلس عند قبرِ الكامل وتصَرَّف في أمواله وخَيلِه، كانت وفاته بحمص، وعُمِلَ عزاؤه بجامع دمشق، واستخلف بعده ابنُه المنصور ناصِرُ الدين إبراهيم.
أُقيمَت الجمعةُ بالجامع الأزهر من القاهرة، وكانت قد بطلت منه منذ ولي قضاء مصر صدرُ الدين عبد الملك بن درباس، عن السلطان صلاحِ الدين يوسف بن أيوب، وقد ظَلَّ كذلك إلى أن سكن الأميرُ عز الدين أيدمر الحلي بجواره، فانتزع كثيرًا من أوقاف الجامع كانت مغصوبة بيد جماعة، وتبرع له بمالٍ جزيل، واستطلق له مِن السلطان الظاهر بيبرس مالًا، وعَمَرَ الواهيَ من أركانه وجدرانه، وبيَّضَه وبلَّطَه ورمَّم سقوفه، وفَرَشه واستجَدَّ به مقصورةً وعَملَ فيه منبرًا، فتنازع الناسُ فيه هل تصح إقامة الجمعة فيه أم لا، فأجاز ذلك جماعةٌ من الفقهاء، ومنع منه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن بنت الأعز وغيره، فشكى الحليُّ ذلك إلى السلطان، فكلم فيه قاضي القضاة فصَمَّم على المنع، فعَمِلَ الحلي بفتوى من أجاز ذلك وأقام فيه الجمعة، وسأل السلطانَ أن يحضُرَ فامتنع من الحضور ما لم يحضُرْ قاضي القضاة، فحضَرَ الأتابك والصاحب بهاء الدين وعِدَّة من الأمراء والفقهاء، ولم يحضُر السلطان ولا قاضي القضاة تاج الدين، وعَمِلَ الأمير بدر الدين بيليك الخازندار- ممسك خزانة المال- بالجامع مقصورةً، ورتَّبَ فيها مدرِّسًا وجماعةً مِن الفقهاء على مذهب الشافعي، ورتب محدِّثًا يُسمِعُ بالحديث النبوي والرقائق، ورتَّبَ سبعةً لقراءة القرآن العظيم، وعَمِلَ على ذلك أوقافًا تكفيه، إلَّا أن ابن كثير قال: "في ثاني عشر ربيع الأول صلى الظاهر بالجامع الأزهر الجمعة، ولم يكن تقامُ به الجمعة من زمن العبيديين إلى هذا الحين، مع أنه أول مَسجدٍ بني بالقاهرة، بناه جوهرٌ القائدُ وأقام فيه الجمعةَ، فلما بنى الحاكِمُ جامِعَه حَوَّل الجمعةَ منه إليه، وترك الأزهرَ لا جمعةَ فيه، فصار في حكم بقية المساجِدِ وشَعِثَ حالُه وتغيَّرَت أحواله، فأمر السلطانُ الظاهر بيبرس بعمارتِه وبياضِه وإقامةِ الجمعة"
ورد الخبر بمسير التتار إلى البلاد الشامية وذلك لما بلغهم من حصول الاختلاف بين المسلمين، وافترق التتار ثلاث فرق: فرقة سارت من جهة بلاد الروم ومقدمهم صمغار وتنجي وطرنجي، وفرقة من جهة الشرق ومقدمهم بيدو بن طوغاي بن هولاكو وبصحبته صاحب ماردين، وفرقة فيها معظم العسكرِ وشِرارُ المغول ومقدَّمُهم منكوتمر بن هولاكو، فخرج من دمشقَ الأميرُ ركن الدين إياجي على عسكر، وانضم مع العسكر المحاصر لشيزر، وخرج من القاهرةِ الأمير بدر الدين بكتاش النجمي على عسكر، واجتمع الجميعُ على حماة، وراسلوا الأميرَ سنقر الأشقر في إخماد الفتنة والاجتماعِ على قتال التتار، فبعث إليهم عسكرًا من صهيون أقام حول صهيون، ونزل الحاج أزدمر من شيزر وخيم تحت قلعتها، ووقعت الجفلةُ في البلاد الحلبية، فسار منها خلق كثير إلى دمشق في النصف من جمادى الآخرة، وكثُرَ الاضطراب في دمشق وأعمالها، وعزم الناسُ على تركها والمسير إلى ديار مصر، فلما كان في الحادي عشر هجمت طوائف التتار على أعمال حلب، وملكوا عينتاب وبغراس ودربساك، ودخلوا حلَبَ وقد خلت من العسكَرِ، فقتلوا ونهبوا وسَبَوا، وأحرقوا الجامِعَ والمدارس ودارَ السلطنة ودور الأمراء، وأقاموا بها يومينِ يكثرون الفساد بحيث لم يسلم منهم إلا من اختفى في المغائر والأسربة، ثم رحلوا عنها في يوم الأحد ثالث عشر عائدين إلى بلادهم بما أخذوه، وتفَرَّقوا في مشاتيهم، وتوجه السلطان قلاوون من مصر بالعساكر إلى البلاد الشاميَّة يريد لقاء التتار، بعد ما أنفق في كل أميرٍ ألف دينار، وفي كل جندي خمسَمائة درهم، واستخلف على مصر بقلعة الجبل ابنه الملك الصالح عليها، فسار السلطان إلى غزة، وقدم عليه بغزة من كان في البلاد الشامية من عساكر مصر، وقدم عليه أيضًا طائفةٌ من أمراء سنقر الأشقر فأكرَمَهم، ولم ينزل السلطانُ بغزة إلى عاشر شعبان، فرحل منها عائدًا إلى مصر، بعد أن بلغه رجوعُ التتار.
قُتِلَ السلطانُ المَلِكُ المنصورُ حسام الدين لاجين ونائبُه سيف الدين منكوتمر، ليلةَ الجمعة حادي عشر ربيع الآخر، على يدِ الأمير سيف الدين كرجي الأشرفي ومَن وافقه من الأمراء، وذلك بحضورِ القاضي حسامِ الدين الحنفي وهو جالسٌ في خدمته يتحَدَّثان، وقيل كانا يلعبانِ بالشطرنج، فلم يشعُرا إلَّا وقد دخلوا عليهم فبادروا إلى السلطانِ بسُرعةٍ جَهرةً ليلةَ الجمعة فقَتَلوه وقُتِلَ نائبُه منكوتمر صبرًا صبيحة يوم الجمعةِ وألقِيَ على مزبلة، واتفق الأمراءُ على إعادة ابنِ أستاذهم المَلِك النَّاصر محمدِ بنِ قلاوون، فأرسلوا وراءَه، وكان بالكرك ونادَوا له بالقاهرة، وخُطِبَ له على المنابر قبل قدومِه، وجاءت الكتُبُ إلى نائِبِ الشامِ قبجق فوجدوه قد فَرَّ خَوفًا من غائلة لاجين، فسارت إليه البريديَّةُ فلم يدركوه إلا وقد لحِقَ بالمغول عند رأسِ العين، من أعمال ماردين، وتفارط الحالُ ولا قُوَّة إلَّا بالله، وكان سَبَبُ قتل لاجين ونائبه منكوتمر هو ما بدر منهما تجاهَ الأمراءِ؛ فإن لاجين كان قد حَلَف لهم يوم أن نَصَبوه سلطانًا بعد قتْلِه كتبغا أنَّه لن يولي منكوتمر شيئًا بل سيقَدِّمُهم فَهُم الأمراءُ, ولكِنَّ هذا ما لم يكُنْ، فقَدَّمَ مَملوكَه وجعَلَه نائبَه وأصبح يعتَقِلُ الأمراء ويقتُلُ بَعضَهم، حتى إنه في أسبوعٍ واحد قتل خمسةً مِن الأمراء، والذي لم يُقتَل أو يُعتَقَل أُبعِدَ في الولاياتِ السخيفةِ التي لا تليقُ بهم في الأماكِنِ البعيدة، وكُلُّ ذلك بتدبيرِ النائب منكوتمر؛ طمعًا منه أن يليَ السلطنة؛ لأنَّ لاجين لا ذريَّةَ له من الذكور، فأفعالُه تلك أوغَرَت عليه صدورَ الأمراء ممَّا حدا بهم إلى قتلِهما جميعًا، ثم كان دخولُ الملك الناصر إلى مصرَ يوم السبتِ رابِعَ جمادى الأولى، وكان يومًا مشهودًا، ودُقَّت البشائِرُ ودخل القضاةُ وأكابِرُ الدولة إلى القلعة، وبويع بحضرةِ عَلَم الدين أرجواش، وخُطِبَ له على المنابر بدِمشقَ وغيرها بحضرةِ أكابر العلماء والقُضاة والأُمراءِ.
هو شيخُ الإسلام الحافظ العلامة أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى بن معطي العبدوسي المالكي، مفتي فاس وعالِمُها ومحَدِّثُها. قال فيه السيوطي: "كان عالِمًا بارعًا صالحًا مشهورًا" وقال الشيخ أحمد زروق الفاسي: "كان أبو محمد العبدوسي عالِمًا صالحًا مفتيًا، حُملتُ إليه وأنا رضيع ولم أزل أتردَّدُ إليه في ذلك السن؛ لكون جدتي تقرأُ عليه مع أختيه فاطمة وأم هانئ، وكانتا فقيهتين صالحتين، وكان قطبًا في السخاءِ، إمامًا في نصح الأمة، أمات كثيرًا من البِدَع بالمغرب، وأقام الحدود والحقوق وتولَّى آخِرَ أمره خطابةَ جامع القرويين، ثم توفى سنة تسع وأربعين، وكان أكثر علمه فقهَ الحديث، سمعت شيخنا القوري يقول: إنهم حسبوا الخارج من يده والداخل فيها فوجدوا الخارج أكثر، وحدَّثنا أنه حَفِظَ مختصر مسلم للقرطبي في كل خميس خمسة أحاديث، وشهرةُ أخلاقه وسخائه أبينُ من أن تُذكَر، كان لا يدَّخِر شيئًا حتى لم يوجَدْ يوم مات إلا بدنان وإحرامان ودراعتان إحداهما للأمير يحيى بن زيان، فقال: هكذا يكون الفقيهُ وإلا فلا. وكان يشترط العزلَ في النكاحِ، فرارًا من الولدِ؛ لفساد الزمانِ، قالوا: وكان لا تفارِقُ كُمَّه الشمائلُ عاملًا بها، وحَدَّثَت زوجته أنه كان يعمل الخوصَ خُفيةً ويعطيه لمن لا يعرفُ أنَّها له يبيعُها، ثم يتقَوَّتُ بها في رمضان، ومناقبُه كثيرة جمع فيها بعض أصحابنا تأليفًا ذكر فيه كثيرًا, وكان العبدوسي أقوى من جَدِّه موسى في العمل، وإنَّ جَدَّه أقوى منه في العلم, وكان شيخ الجماعة الفقهاء والصوفية، وتخرَّج به جماعةٌ، كالفقيه المحقق ابن آملال، والفقيه القوري، وأبي محمد الورياجلي، وغيرهم" قال شمس الدين السخاوي: كان أبو محمد هذا واسِعَ الباع في الحفظ، وليَ الفُتيا بالمغرب الأقصى، وإمامة جامع القرويين بفاس، ومات فجأة وهو في صلاةٍ"
تدفقت بعض القبائل المغربية وخاصة قبائل لمطة إلى الضفة اليسرى لنهر النيجر عند مدينة دندي، وسيطرت هذه القبائل على الزرَّاع من أهل صنغي الذين رحَّبوا بهم ليحموهم من الصيادين الذين كانوا يعتدون عليهم، ونجح هؤلاء الوافدون الجدد في تكوين أسرة حاكمة استفادت من علاقاتها التجارية مع غانة وشمال أفريقيا، وكان لهذه العلاقة أثر بعيد في تحويل ملوك صنغي إلى الإسلام وانتشاره في غربي قارة أفريقيا. كانت صنغاي في بداية أمرها دويلة صغيرة تحت حكم مالي غرب نهر النيجر في المنطقة الواقعة شمال بنين وغربي نيجيريا، ثم انتقلت مع نهر النيجر إلى الشمال وانتقلت معها عاصمتها، فكانت في البداية في دندي ثم كوكيا ثم رأى ملوك الصنغاي أن ينقلوا حاضرة ملكهم إلى جاو لتكون على مقربة من طرق القوافل الرئيسية, ولما كانت الصنغاي تحت حكم مالي قد قدمت رهائن لضمان بقاء خضوعها، ولكن لم يلبث الرهائن وهما ولدا الملك صنغاي زايا سبيًا- وولداه هما علي كولن وسليمان نار- وكانا طفلين يوم أخذا كرهائن، ثم لما كَبِرا استطاعا الفرار من مالي ووصلا إلى جاو وأنقذا مدينتهما من الحامية المالية، وأسَّسا مملكة جديدة أخذت تتوسع على حساب مملكة مالي التي بدأ الضعف يدب فيها، وكان علي كولن أول ملوك الدولة الجديدة، لكنه مات فخلفه أخوه سليمان نار، ثم عادت مملكة صنغاي تتبع اسميًّا لمالي، ولكن ما زال أمر الصنغاي يقوى، وقام ملكهم محمد دوغو بحملة ضد مالي واستطاع أن يتخلص من سيطرة الماليين عليهم، ثم خلفه ابنه سني علي الذي يعد مؤسس مملكة صنغاي المنفصلة؛ حيث احتل مدينة تومبكتو وطرد الطوارق منها، كما أخضع منطقة النيجر كلها مستوليًا على مدينة جني باسطًا نفوذه على منطقة ياتنغا مقر قبائل الموش، فكان هذا العمل إعلان قيام مملكة صنغاي المنفصلة.
هو السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ المأمون بن أحمد المنصور الذهبي، ملك السعديين في المغرب الأقصى. كان المأمونُ وَلِيَّ عهد أبيه المنصور وخليفتَه على فاس وأعمالها سائرَ مدة أبيه، وكان للمنصور اعتناءٌ تام به واهتمامٌ بشأنه حتى قيل إن المنصور كان لا يختِمُ على صندوق من صناديق المال إلا قال: "جعل الله فتحَه على يد ابنِه الشيخ رجاءَ أن يقوم بالأمر بعدَه، فلم يُقدَّرْ له، وخرج الأمرُ عن مرادِه؛ فقد أساء المأمون السيرةَ وأضَرَّ بالرعية، قال اليفرني: "كان فسيقًا خبيث الطويَّة مُولَعًا بالعبث بالصبيان، مدمنًا للخمر سفاكًا للدماء غير مكتَرِث بأمور الدين من الصلاة وشرائطها، ولَمَّا ظهر فساده وبان للناس عَوارُه، نهاه وزير أبيه القائد أبو إسحاق إبراهيم السفياني عن سوء فعلِه، فلم ينتَهِ واستمر على قبح سيرتِه، فأعاد عليه اللومَ فلَجَّ في مذهبِه، ولما أكثَرَ عليه مِن التقريع سقاه السمَّ فكان فيه حَتفُه, فلما كثرت قبائحُ المأمون وترددت الشكايات لأبيه، كتب إليه لينكَفَّ عن غيِّه وينزجر عن خبثِه، فما زاده التحذيرُ إلا إغراءً، فلما رأى المنصور أنه لم يكترثْ بأمرِه ولم ينزجِرْ عن قبائحه، عزم على التوجُّه إلى فاس بقصد أن يمكُرَ به ويؤدِّبَه بما يكون رادعًا له، فلما سمع الشيخ بذلك جمع عساكِرَه وهيأَ جنده لمدافعة أبيه، فتحيَّل عليه أبوه حتى أسَرَه ثم سجنه في مكناسة، وظل في سجنِه حتى أخرجه أخوه أبو فارس ليحارِبَ به أخاهما زيدان، وتمكن الشيخ وتغلب على أخيه زيدان، ثم على أبي فارس، وسيطر على حكم المغرب، فظلم الرعيةَ وأسرف على نفسِه إلى أن توفي في هذا العام. بعد تذمُّر وسخَط أهل تطوان ونواحيها من أفعال الشيخ المأمون، اجتمع أعيانُ القوم وتآمروا على قتل الشيخ وأتباعه، فقُتِل السلطان الشيخ المأمون في وسط محلَّتِه المعروفة بفج الفرس, وانتُهِبت تلك المحلة وتفرَّقت جموعه, وتولى بعده أخوه زيدان في حُكم المغرب.
هو السلطانُ أحمد الثالث بن السلطان محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول، المولود في 3 رمضان سنة 1083/ 23 ديسمبر سنة 1673 وعند تعيينه سلطانًا للدولة وزع أموالًا طائلة على الانكشارية، وسلم لهم في قتل المفتي فيض الله أفندي لمقاومته لهم في أعمالهم, فلما استقرَّت الأحوال وعادت السكينة اقتصَّ السلطان أحمد من رؤوس الانكشارية، فقتل منهم عددًا ليس بقليل، وعزل في 6 رجب سنة 1115 الصدرَ الأعظم نشانجي أحمد باشا الذي انتخبه الانكشارية وقت ثورتهم، وعين بدلًا عنه زوج أخته داماد حسن باشا, وعلى الرغم من مصاهرته للسلطان وما أتاه من الأعمال النافعة كتجديد الترسانة وإنشاء كثير من المدارس من أن يكون هدفًا لدسائس المفسدين أرباب الغايات الذين لا يروق في أعينهم وجود أعنَّة الأمور في قبضة رجل حازم يحول بينهم وبين ما يشتهون، فأعملوا فكرهم وبذلوا جهدَهم حتى تحصلوا على عزله في 28 جمادى الأولى 1116 وكثُر من بعده تغييرُ الصدور تبعًا للأهواء, ومما يُذكر في تاريخ السلطان أحمد الثالث أنه أدخل المطبعة في بلاده، وأسس دار طباعة في الآستانة بعد إقرار المفتي وإصداره الفتوى بذلك، مشترطًا عدم طبع القرآن الشريف خوفا من التحريف؛ واسترجاع إقليم المورة وقلعة آزاق، وفتح عدة ولاياتٍ مِن مملكة العجم, ولَمَّا ظهر من السلطان أحمد عدم الميل لحرب دولة الفرس والرغبة في الصلح معهم ثار عليه الانكشارية، فقتلوا الصدر الأعظم والمفتي وأمير البحر، ثم عزلوا السلطان ونصبوا ابن أخيه محمود الأول بن مصطفى الثاني, وبقي السلطان أحمد معزولًا إلى أن توفِّيَ هذه السنة.
تعرَّض وفدٌ من آل خليفة (عتوب الزبارة) في البحرين إلى اعتداءٍ أدى إلى وقوعِ قتال بين أتباعِ آل خليفة والبحارنة, فقُتِل أحد أتباع الخليفة، فغَضِب أهلُ الزبارة نتيجةً لذلك فأرسلوا سفينةً صغيرة للبحرين؛ للأخذ بثأر القتيل، فتمكنوا من قتلِ غريمِهم وقتلوا معه خمسةَ أشخاص, فجهَّز ناصِرُ آل مذكور- التابع لحكم الزنديين في بوشهر- سفُنًا حربية تحتوي على خمسة آلاف مقاتلٍ، وتولى ابنُ أخيه محمد بن سعدون آل مذكور القيادةَ، فحاصروا الزبارةَ لمدة شهر، انتهت بمعركةٍ حاميةِ الوطيسِ، فانهزمت قواتُ الشيخ ناصر، واضطروا إلى الانسحابِ، وقُتل في تلك الوقعةِ الشيخُ محمد آل مذكور قائد الحملة، وكان ذلك في 18 جمادى الآخرة 1197هـ ما إن انهزمت قوات آل مذكور عن الزبارة حتى انضمَّت قبائل قطر إلى العتوب، وهي الجلاهمة، وآل مسلم، وآل بنعلي، وآل سودان، وآل مرة، وآل بوعينين، والقبيسات، وآل سليط، والمنانعة، والسادة؛ حيث شرع أحمد آل خليفة بتنظيمِ صفوف قواتِه لاحتلال البحرين وأخذِها من آل مذكور. ثم بادر عتوب الكويت بالتوجُّه إلى البحرين في قوةٍ مكونة من ستة جلابيت وعددٍ من القوارب المسلحة أرسلها الشيخ عبد الله الصباح لدَعمِ أقاربه العتوب, تدفَّقت تلك الجموع إلى البحرين وأجبروا حاميَتَها على الاستسلام يوم 28 شعبان 1197 هـ/ 28 يوليو 1783م. حاول الشيخ ناصر آل مذكور استرجاع جزيرة البحرين بعد استيلاء العتوب على جزيرة البحرين بدعمٍ مِن العثمانيين، حاول إقناع الحكومة الفارسية في بوشهر أهمية استرجاع جزيرة البحرين من يدِ العتوب التابعين لحاكم الكويت الشيخ عبد الله بن صباح بن جابر آل صباح، ولكِنَّ انشغال الحكومة الفارسية بالحروبِ والفِتَن التي أعقبت مقتل كريم خان زند حالت دون ذلك.
جمع الشريفُ غالب صاحِبُ مكَّةَ جموعًا كثيرةً مِن باديتِه وحاضرته، واستعمل عليهم أميرًا الشريفَ ناصر بن يحيى، وسار من مكة، فلما بلغ خبرُهم الإمامَ عبد العزيز بن محمد بن سعود، أمر محمد بن حمود بن ربيعان ومن تبعه من عُربان عتيبة, وفيصل الدويش ومن تبعه من مطير, وربيع بن زيد أميرَ جميع الدواسر الحاضرة والبادية، وأمر أيضًا عربان السهول وعربان سبيع وعربان العجان وغيرهم من بوادي نجد؛ أمرهم جميعًا أن ينزلوا على هادي بن قرملة رئيس قحطان وعُربانه، فاجتمعت تلك البوادي والجنودُ قُرب الجمانية: الماء المعروف عند جبل النير في عالية نجد، وتلك العُربان يشربون من مياه قريبةٍ منها، ثمَّ إن الشريف ناصر سار بالجموع والعساكرِ العظيمةِ ومعهم مِدفَعٌ، ونزلوا على ماء الجمانية، واجتمع عليه كثيرٌ من عربان الحجاز بأموالها وعيالها، فالتقت الجنودُ على ماء الجمانية، والتحم القتال بين الفريقين واقتتلوا أشدَّ القتال، وكثُرَ القتلى في الفريقين، فقتل من الجميع نحو 100 رجل, فحمل هادى بن قرملة بمن معه على جنودِ الشريف ناصر، فولَّوا منهزمين على أعقابِهم، فلَحِقَهم أولئك البوادي والجنود يقتُلون ويَغنَمون، فقُتِلَ منهم نحوُ ثلاثمائة رجل, وغَنِمَ منهم إبلًا وأموالًا كثيرة, وخيمةَ الشريف ومِدفَعَه، وانهزم الشريف ومن معه إلى أوطانِهم، وتفَرَّقت عُربانه، وعُزِلت الأخماس وأرسلوها إلى الإمام عبد العزيز. وكان الإمامُ عبد العزيز قد بعث محمَّدَ بن معيقل ردءًا لابن قرملة وعونًا له, فانفضَّ الأمر وانقضى عند مجيئه, فحثَّ ابن معيقل السيرَ في أثر الشريف ناصر وعُربانه، وأدرك بني هاجر وهم على الماء المعروف بالقنصلية قرب بلد تربة، فشَنَّ عليهم الغارةَ وقاتلهم، فانهزموا وقَتَل منهم 40 رجلًا، وأخَذَ جميعَ أموالِهم.
هو الإمامُ عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، آخِرُ أئمَّةِ الدولة السعودية الأولى، وآخِرُ حاكمٍ اتَّخَذ من الدرعية عاصمةً للدولة السعودية، وكان عبدُ الله بن سعود ذا سيرةٍ حسنةٍ مقيمًا للشرائع آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكرِ كثيرَ الصَّمتِ حَسَن السَّمتِ، باذِلَ العطاء موقِّرًا للعلماء، وكان صالحَ التدبير في مغازيه، ثبت في مواطِنِ اللقاء وهو أثبَتُ مِن أبيه في مصابرةِ الأعداء، وكانت سيرتُه في مغازيه وفي الدرعية في مجالس الدروس، وفي قضاء حوائجِ الناس وغير ذلك على سيرةِ أبيه سعود. بعد أن تمَّت المصالحةُ بينه وبين إبراهيم باشا بيومين على أن يسَلِّمَ نفسَه مقابِلَ حَقنِ دماءِ أهل الدرعية أمر الباشا إبراهيمُ الإمامَ عبدَ الله بن سعود أن يتجهَّز للمسير إلى السلطانِ، ثم أمر رشوان أغا ومن معه من العساكِرِ والدويدار ومن معه من العسكر أن يتجهَّزوا للمسير معه، ورحل عبدُ الله من الدرعية وليس معه من قومِه إلَّا ثلاثة رجال أو أربعة، وقابل في مِصرَ محمد علي باشا، ثم بعد يومين سافر إلى استانبول، حيث قُتِل هناك في آيا صوفيا بعد وصولِه بقليلٍ، ولم يفِ السُّلطانُ بوعودِه، ورجع إبراهيمُ من الجزيرة في الحادي والعشرين من صفر من عام 1235هـ بعد أن استمَرَّ حُكمُه أربعَ سنوات, ثم إنَّ إبراهيم باشا لم يفِ بشروط الصُّلحِ التي أعطاها لعبد الله مقابِلَ استسلامِه، وسَفَّره للسلطان، فبعد سفر الإمام إلى مصر استمرَّ الباشا وجنودُه في الدرعية لتخريبِها، ففَرَّق قواتِه في نواحي الدرعية لهَدمِ الأسوارِ والحُصونِ ومصادرة الأرزاق، ثم إحراقها وتدميرِها وقطْع نخيلها قبل المغادرة، وبعد مغادرة الباشا الدرعية خلى الجو لمحمد بن مشاري بن معمر، وكان من أغنياء الدرعية، فاستولى على أكثر مناطِقِها، فقدم مشاري بن سعود فتولَّى الحكمَ في سنة 1235هـ ثمَّ بعد عدةِ أشهرٍ قَبَض عليه ابنُ معمر وسَلَّمه للعثمانيين فقَتَلوه، وعاد هو لحكم الدرعيةِ.
هو الإمامُ العلَّامة الفقيه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سلطان بن خميس، الملقَّب كأسلافه أبا بُطَيْن -بضم الباء وفتح الطاء وسكون الياء- من عوائل قحطان، العائذي نسبًا، الحنبلي مذهبًا، النجدي بلدًا، فقيه الديار النجديَّة في عصرِه، وإمامٌ من أئمة العلم في زمنه, ولِدَ الشيخ في بلدة الروضة من بلدان سدير، لعشر بقين من ذي القعدة سنة 1194هـ, ونشأ بها وقرأ على عالمها محمد بن الحاج عبد الله بن طراد الدوسري الحنبلي، فمَهَر في الفقه، ثم رحل إلى شقراء عاصمةِ الوشم بنجد واستوطنها، وقرأ على قاضيها الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله الحُصين تلميذِ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، قرأ عليه في التفسير والحديث والفِقهِ وأصول الدين، حتى برع في ذلك كله، وأخذ عن العلَّامة أحمد بن حسن بن رشيد العفالق الأحسائي الحنبلي، وعن الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر التميمي. رحل إلى الشام، ثمَّ عاد في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، فولَّاه قضاء الطائفِ، وبقي فيها مدة ثم رجع إلى شقراء وصار قاضيًا لها ولجميع بلدان الوشم، ولَمَّا تولى الإمام فيصل الحكمَ رغب إليه أهلُ القصيم أن يبعَثَ إليهم الشيخ أبا بطين قاضيًا لهم ومدرسًا، فبعثه الإمام فيصل وبَقِيَ عندهم إلى سنة 1370هـ حين رجع من عنيزة إلى شقراء، ومكث فيها إلى أن توفي فيها سنة 1383هـ. له "مجموعة رسائل وفتاوى" و"مختصر بدائع الفوائد" و"الانتصار للحنابلة" و"تأسيس التقديس في كشف شبهات ابن جرجيس". وقد أخذ عنه العلمَ بالقصيم وشقراء كثيرٌ من طلبة العلم.
بعد خروج عبد الله بن فيصل من الرياض وسيطرة أخيه سعود على الحكم فيها، توجه عبد الله لعدد من الجهات طلبًا للمساعدة ضِدَّ أخيه سعود، فاتصل بآل سليم في القصيم، وابن رشيد في حائل، ولَمَّا لم يجد منهم العون أرسل إلى العراق عبد العزيز أبا بُطين ومعه ثلاث رسائل، الأولى لمدحت باشا والي بغداد، والثانية إلى خليل بك والي البصرة، والثالثة إلى السيد محمد الرفاعي نقيب الأشراف، يطلب من الحكومة العثمانية المساعدةَ ضِدَّ أخيه سعود، فاستغل مدحت هذا العرضَ فشجَّع السلطان عبد العزيز بن محمود الثاني على المبادرة بدخول الأحساء قبل أن تدخُلَ تحت النفوذ البريطاني بطلب من سعود بن فيصل، فأذن له السلطان بذلك، فجهز حملة من 5000 جندي بقيادة نافذ باشا واستعان بناصر السعدون رئيس المنتفق وعبد الله بن صباح حاكم الكويت وبني خالد، وأشرَفَ مدحت باشا بنفسه على الحملة للاطمئنان على نجاحِها. أبحرت الحملةُ من البصرة في ربيع الأول من هذا العام بحُجَّة انتزاع الأحساء من سعود بن فيصل وتسليمها لأخيه عبد الله، فوصلت القطيف واحتلَّتها دون مقاومة تذكَرُ، ثم تقدمت إلى الأحساء واحتلتها الحملة في 18 رجب، وأطلق عليها ولاية نجد طمعًا في مد العثمانيين حكمَهم إلى الرياض. بعد أن استتب الوضع للعثمانيين في الأحساء أعلن نافذ باشا أن سياسة الدولة ترمي إلى احتلال الرياض من سعود وأنَّه سيعمل على إعادة عبد الله بن فيصل إلى الحكم برتبةِ (قائم مقام)، وأن الدولة ستعَيِّن القضاة والولاة على المقاطعات، وحَدَّدت الضرائب التي ستُأخذ من الرعايا بالزكاة الشرعية، كما أجرت تنظيماتٍ في القوة العسكرية، فوضعت في الأحساء 5000 جندي نظامي، وأعلن مدحت باشا نهايةَ حكم آل سعود على الأحساء وحنث بوعده لعبد الله بن فيصل!!
وُلِد الشَّيخُ محمَّد علي الصابوني عام 1930 بمدينة حلب، وتعلَّم على يد والِدِه الشَّيخ جميل الصَّابوني أحَدِ عُلَماءِ حَلَب، ودرَس علومَ اللُّغةِ والدِّينِ على يَدِ شُيوخِ المدينةِ؛ مِثلُ محمد سعيد الإدلبي، ومحمد راغب الطبَّاخ. التحق بثانويَّةِ حَلَب الشرعيَّة (الخسروية)؛ حيث درَسَ علومَ التفسير والحديثِ والِفقهِ، والعلومَ الطبيعيَّةَ، وتخرج منها عام ١٣٦٨هـ الموافق 1949م، ثمَّ أكمل دراستَه في الأزهَرِ على نفقَتِها؛ حيث نال شهادةَ كُلِّيَّة الشَّريعة عام ١٣٧١هـ الموافق 1952م، وحصل على درجة التخَصُّص "العالِمية" في القضاءِ الشَّرعيِّ عام ١٣٧٣هـ الموافق 1954م.
بعد أن أنهى دراستَه في الأزهَرِ عاد الشَّيخ إلى سوريا وعَمِلَ أستاذًا لمادَّةِ الثَّقافةِ الإسلاميَّةِ في ثانويات حَلَب، وبَقِيَ في مهنةِ التدريسِ حتى عام ١٣٨٢هـ الموافق 1962م. بعد ذلك انتُدِبَ إلى المملكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ لكي يعمَلَ أستاذًا مُعارًا من قِبَل وزارةِ التربيةِ والتعليمِ السُّوريَّةِ، وذلك للتدريسِ بكُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والدِّراساتِ الإسلاميَّةِ، وكليَّةِ التربيةِ بالجامعةِ بمكَّةَ المكَرَّمة، فقام بالتدريسِ قُرابةَ ثلاثين عامًا. قامت بعدها جامعةُ أُمِّ القرى بتعيينِه باحثًا عِلْميًّا في مركَزِ البحثِ العِلميِّ وإحياءِ التراثِ الإسلاميِّ، ثم عَمِلَ بعد ذلك في رابطةِ العالمِ الإسلاميِّ كمستشارٍ في هيئةِ الإعجازِ العِلميِّ في القرآنِ والسُّنَّةِ، ومكث فيها عِدَّةَ سَنَواتٍ.
كان له دَرسٌ يوميٌّ في المسجِدِ الحرامِ بمكَّةَ المكرَّمةِ، ودرسٌ أُسبوعيٌّ في التفسيرِ في أحَدِ مَساجِدِ مدينةِ جُدَّة وبرنامج تفسيرِ القُرآنِ الكريمِ في التلفزيونِ السعوديِّ.
تولَّى رئاسةَ رابِطةِ العُلَماءِ السُّوريِّين، وله العديدُ من الكُتُبِ، أبرَزُها "صفوة التفاسير" و "مختَصَر تفسير ابن كثير"، و "مختَصَر تفسير الطَّبري"، و"التبيان في علوم القرآن"، و "روائع البيان في تفسير آيات الأحكام"، و "قبس من نور القرآن". تُوفِّيَ -رحمه الله- في تركيا عن عمر تجاوز الـ 90 عامًا.