الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1937 ). زمن البحث بالثانية ( 0.013 )

العام الهجري : 1353 العام الميلادي : 1934
تفاصيل الحدث:

لَمَّا بلغ الأمير فاروق سن الرابعة عشرة طلب السير مايلز لامبسون من الملك فؤاد ضرورةَ سفر ابنه الأمير فاروق إلى بريطانيا لمواصلةِ الدراسة وأصَرَّ على ذلك بشدة رافضًا أيَّ محاولة من الملك فؤاد لتأجيل سفره حتى يبلغ سن السادسة عشرة، فتقرَّر سفرُ فاروق إلى بريطانيا ولكن دون أن يلتحِقَ بكلية إيتون، بل تم َّإلحاقه بكلية وولتش للعلوم العسكرية؛ ونظرًا لكونه لم يبلغ الثامنة عشرة -وهو أحد شروط الالتحاق بكلية وولتش- فقد تم الاتفاق على أن يكون تعليمُه خارج الكلية على يد معلِّمين من نفس الكلية، وقد رافق فاروق خلال سفرِه بعثةٌ مُرافِقةٌ له برئاسة أحمد حسنين باشا؛ ليكون رائدًا له -والذي كان له دور كبير في حياته بعد ذلك- بالإضافة إلى عزيز المصري الذي كان نائبًا لرئيس البعثة وكبيرًا للمعلمين، بالإضافة إلى عمر فتحي حارسًا للأمير وكبير الياوران فيما بعد، وكذلك الدكتور عباس الكفراوي كطبيب خاص، وصالح هاشم أستاذ اللغة العربية، بالإضافة إلى حسين باشا حسني كسكرتير خاص، والذي كان وجوده عاملًا مساعدًا للأمير على الانطلاق؛ فقد شجَّعه على الذهاب إلى المسارح والسينما ومصاحبة النساء ولعب القمار، بينما كان عزيز المصري دائم الاعتراض على كل تلك التصرفات، وكان فاروق بحُكمِ ظروف نشأته القاسية والصارمة يميل إلى حسين باشا ويتمرَّدُ على تعليمات وأوامر عزيز المصري، وفي تلك الفترة كان المرض قد اشتَدَّ على الملك فؤاد، وأصبح على فراش الموت، فاقترحت بريطانيا تشكيل مجلس وصاية مكوَّن من ثلاثة أعضاء، هم: الأمير محمد علي توفيق؛ ابن عم الأمير فاروق، وقد كان ذا ميول إنجليزية، وكان يرى دائمًا أنه أحق بعرش مصر، والثاني: هو محمد توفيق نسيم باشا، رئيس الوزراء الأسبق، وهو من رجال القصر، والثالث: هو الإمام الأكبر الشيخ المراغي، وعندما علم الأمير فاروق بشدَّةِ مرض والده ورغبته في أن يرى ابنه، طلب العودةَ إلى مصر لرؤية والده ووافقت بريطانيا بعد تردُّد على عودة فاروق إلى مصر في زيارة ليعودَ بعدها لاستكمال دراسته إلَّا أنه وقبل أن يسافر فاروق إلى مصر لرؤية والده كان والده الملك فؤاد الأول قد لقِيَ ربه في 28 أبريل 1936م. وعاد فاروق إلى مصر وقطع دراستَه ليجلس على كرسي العرش.

العام الهجري : 1404 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1984
تفاصيل الحدث:

مُحمَّد عِزَّة دَروزة مُفكِّر وكاتب مُسلِم، وُلِد في نابلس في 21 حُزَيران 1887م وتُوُفِّيَ في دِمَشقَ في 26 تموز 1984م. كان أديبًا، وصحفيًّا، ومترجمًا، ومُؤرخًا، ومُفسرًا للقُرآن. نشأ في أُسرة من عشيرةِ "الفريحات" التي كانت تسكُنُ شَرْق الأُردُنِّ، وانحدرت إلى فِلَسطينَ، واستوطنتْ نابلس. كان والِدُهُ يملِكُ محلًّا لتِجارة الأقمشةِ في سُوق خان التُّجَّار القديمِ الشهيرِ في المدينةِ القديمةِ في نابلس. تلقَّى دَروزةُ تعليمَه الأساسيَّ في نابلس حيث حصل على الشَّهادة الابتدائية في سنة 1900م، التحَقَ بعدها بالمدرسة الرَّشادية، وهي مدرسةٌ ثانويَّةٌ مُتوسِّطةٌ، وتخرَّج منها بعد ثلاثِ سنواتٍ، حاصلًا على شهادتِها. قرأ كُتُبًا كثيرةً مختلفةً في مجالات الأدبِ، والتاريخِ، والاجتماعِ، والحُقوقِ، سواءٌ ما كان منها باللُّغة العربية، أو بالتُّركية التي كان يُجيدُها. يسَّرت له وظيفتُهُ في مصلحة البريدِ أن يطَّلِع على الدَّورياتِ المِصريَّةِ المُتداولةِ في ذلك الوقتِ كالأهرامِ والهِلالِ والمُؤيِّد والمُقطَّمِ والمُقتَطَف، وكان البريدُ يقوم بتوزيع هذه الصُّحُف على المشتركين بها. بدأ نشاطُ مُحمَّد عِزَّة دَروزة في مَيدان الحَرَكة الوطنيَّةِ مُبكرًا في سنة 1909م، وشارك في إنشاء الجمعيَّات الوطنيَّةِ، والأحزابِ السياسيَّةِ. مالَ دَروزةُ إلى اتِّخاذِ إجراءاتٍ مُتصاعدةٍ ضدَّ السُّلطة البريطانية ما لم تستجبْ لمطالب البِلاد، ولم تجِدْ بريطانيا لمُواجَهةِ هذه الثورة بُدًّا من اعتقاله هو وزملاءَه، ولمَّا تجدَّدت الثورة سنة 1937م كان المسؤولَ عن التخطيط السياسي للثَّورة الفِلَسطينيَّةِ، وكانت تتلقَّى أوامرها من دِمَشقَ، حيث كان يُقيم دَروزةُ وغيرُهُ من القياداتِ الفِلَسطينيَّةِ اللَّاجِئينَ إليها، وظلَّ هناك قائمًا على أمر الثَّورة الفِلَسطينيَّةِ حتى اعتقله الفَرَنْسيُّونَ بتحريضٍ من الإنجليز في عام 1939م، وحُوكِمَ أمام محكمةٍ عسكريَّةٍ، فأصدرت عليه حكمًا بالسجن، ثم أُفرِجَ عنه سنة 1941م فلجأ إلى تُركيا، وقضى هناك أربعَ سنواتٍ عاد بعدها إلى فلسطين، واستمرَّ دَروزةُ يقوم بدَورِهِ السياسيِّ في خِدْمةِ القضيَّةِ الفلسطينيَّةِ حتى اشتدَّ عليه المرضُ في سنة 1948م، فاستقالَ من عُضويَّةِ الهيئةِ العربيةِ العُليا لفلسطين، وتفرَّغ للكتابة والتأليف، وقد سجَّلَ مُذكِّراتِهِ في ستَّةِ مُجلَّداتٍ ضخمةٍ، حوتْ مسيرةَ الحركةِ العربيةِ، والقضيةَ الفلسطينيةَ خلال قرنٍ من الزَّمانِ. وكتَبَ عددًا من المُؤلَّفاتِ حول فِلَسطينَ، وحول العُروبة، والقضايا العربية، وكتَبَ أيضًا حول الإسلام، والقضايا الإسلامية، منها كتابُ: "الدُّستور القرآني والسُّنَّة النَّبويَّة في شُؤون الحياة"، وطُبع في مُجلَّدينِ كبيرَينِ. ثم وافتْهُ المنيَّةُ في دِمَشقَ بحي الرَّوضةِ في يوم الخميس 26 من تموز 1984 الموافق 28 من شوال 1404هـ.

العام الهجري : 1334 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1916
تفاصيل الحدث:

كانت مُراسلاتُ "حسين - مكماهون" التي دارت بين شَريف مكةَ الشَّريفِ حسين، ونائبِ الملِكِ البريطاني في القاهرة هنري مكماهون، تمثِّلُ مقدِّماتِ الثورةِ العربية، ومن أبرزِ أسبابِها، والتي وعدت فيها بريطانيا الشريفَ حسينًا بالمساعدة وتنصيبِه ملكًا على العربِ، وإقامةِ خلافةٍ عربيةٍ إسلاميةٍ، كما أنَّ هناك أسبابًا أخرى، منها: الضَّعفُ الذي دَبَّ في أطرافِ الدولةِ العثمانية التي كانت تحكمُ المناطِقَ العربيةَ في الشامِ والحجازِ ومصر والمغرب، ومنها النعراتُ العُنصرية التي ظهرت على يدِ الاتحاديِّين القوميِّين بشكلٍ واضح، وانتشر الظلمُ في الدولةِ على نطاقٍ واسع؛ فسياسةُ الاتحاديِّينَ هي التي أيقظت الفكرةَ القوميَّةَ العثمانيةَ، بدأ بسوء الظنِّ بالعربِ، وأسهم في ذلك بعضُ الذين يريدون تخويفَ السلطانِ العثماني من العربِ، يُشيعُ أن العربَ يريدون أن يقيموا مملكةً عربية وحدهم، وكانت شكاوى العرب تنحصِرُ في إقصاء عدد كبير منهم عن وظائفهم بالأستانة، وعدمِ دعوة العربِ لأيِّ اجتماع للتأليف بين العناصِرِ العثمانية، ولا إدخالهم في الجمعياتِ الاتحادية ولا اللِّجان المركزية، ولا حتى تعيينهم على الولاياتِ والقضاءِ في البلاد العربية، ومعارضة الاتحاديين لكلِّ مشروعٍ علمي أو أدبي في البلاد العربية، ثم بدأت بعضُ الأحزاب العربية بالظهورِ كردَّةِ فِعلٍ للقومية العثمانية؛ فعُقِدَ في باريس أول مؤتمر عربي عام 1913م، ثم تفاقم أمرُ الاتحاديين وعَظُم تشدُّدهم إلى القومية التركية، وزاد الأمرُ عندما قام جمال باشا -الذي لقِّبَ بالسفاح- بقتل عددٍ مِن الذين كَشَف أنهم يتآمرون من خلال جمعياتٍ سرية على الاستقلال عن الدولة العثمانية، وكان القوميُّون العربُ قد رأوا أن يتجمَّعوا حولَ زعيم واحد ويشكِّلوا قوةً كبيرة عربية، فرأوا في الشريفِ حُسين بن علي -شريفِ مكة وأميرِها- الشخصَ المناسب لهذه الزعامة، فأجابهم، وكان التفاهمُ معه سرًّا بواسطةِ من تمكَّن مِن بعض أعضاء الجمعيات العربية الذين هربوا من جمال باشا ووصلوا للحجاز وغيرها، فتمَّ بين زعماء العرب وجمعيَّاتهم وبعضِ المقامات العالية، ومنهم الشريف حسين، أن قرَّروا إعلان الثورة في الحجاز، وكان الشريف حسين قد تعاقد مع مكماهون على أن يكون العرب حلفاءَ للإنجليز والفرنسيين خلال الحرب العالمية الأولى، وطبعا ضد الأتراك؛ لأنها كانت ضِدَّ الحلفاء، ووعدوا الشريف حسين أن يُبقوه مَلِكًا على العرب وأن يعطوا العربَ استقلالهم، وإن كان القوميون العربُ بعد اطِّلاعهم على مراسلات حسين مكماهون أغضبهم كثيرًا تنازل الشريف حسين عن بعض البلاد العربية للإنجليز أو للفرنسيين. أعلن الشريفُ حسين الثورةَ على الدولة العثمانية، وأطلق بنفسِه في ذلك اليوم أولَ رصاصةٍ على قلعةِ الأتراك في مكة؛ إيذانًا بإعلانِ الثورة، وعزَّز حركتَه بإذاعة منشورٍ اتَّهم فيه الاتحاديِّين في تركيا بالخروج على الشريعةِ الإسلامية، وجاء فيه: "وانفصلت بلادُنا عن المملكةِ العثمانية انفصالًا تامًّا، وأعلنَّا استقلالًا لا تشوبُه شائبةُ مُداخَلة أجنبية ولا تحكُّم خارجي"، واستطاعت القواتُ الثائرة أن تستوليَ في أقلَّ من ثلاثة أشهرٍ على جميعِ مدن الحجاز الكبرى، باستثناء المدينة النبوية التي بقيت محاصَرةً إلى نهاية الحرب العالمية الأولى، ولم يلبَثْ أن بويع الشريفُ حسين ملكًا على العرب. وقد نسفت القواتُ العربية بقيادةِ الأمير الشريف فيصل سكةَ حديد الحجاز، واحتلَّت ينبع والعَقَبة، واتخذوا من العَقَبة نُقطةَ ارتكازٍ لهم، ثم أخذ فيصل يتقدَّمُ لِيُحارِبَ الأتراكَ في منطقة شرقي الأردن، وبذلك قَدَّم للحُلفاء أكبرَ مساعدة؛ حيث استطاع اللورد اللنبي قائِدُ القوات الإنجليزية أن يدخُلَ القدسَ بمعاونة العرب، كما أنَّ احتلالَ القوات العربية لمنطقة شرقي معان قد حمى ميمنة القواتِ البريطانية في فلسطين من هَجَمات الأتراك عليها في منطقة بئر سبع والخليل، وحمى خطوطَ مواصلاتها، ولم تلبَث القواتُ العربيةُ أن تقدَّمت في (ذي الحجة 1336هـ/ سبتمبر 1918م) فاحتَلَّت دمشق واصطدمت بالأتراكِ قبل أن يدخُلَها اللنبي، ولم يمضِ أكثرُ من شهر حتى زال النفوذُ العثماني من سوريا بعد أن أمضى بها أربعة قرون. والواقع أن الكثيرين قد أُصيبوا بخيبةِ أمل كبيرة، وعلى رأسِهم الشيخ محمد رشيد رضا، وذلك عندما عَلِموا بتنازل حسين عن ولايتي إسكندرون ومرسين والمناطق الشمالية السورية، ووافق على مصالح فرنسا في ولاية بيروت لِما بعد الحرب، وعلى مصالح بريطانيا في البصرة وبغداد، وأنَّ الأسطول الإنجليزي هو الذي أسقط ثغورَ جدة ورابغ وينبع وغيرها من موانئ الحجاز، وأن ثغرَ بورسودان كان القاعدةَ التي انطلق منها الأسطول الإنجليزي لدعم ثورة الشريف حسين، وازداد شعورُهم بالخيبة عندما وجدوا ضباط إنجلترا وفرنسا مثل اللنبي وكوكس وكاترو وغورو والضابط الشهير لورانس هم الذين يقودون القبائِلَ العربية، ووصل الأمرُ ببعض هؤلاء الضبَّاط في النَّيلِ من المسلمين أنه لَمَّا دخل الجنرال اللنبي القدسَ يوم 9/12/1917م قال قولَته المشهورة: الآن انتهت الحروبُ الصَّليبية! ولَمَّا دخل الجنرال غورو دمشق يوم 21/7/1920م توجَّه إلى قبر صلاح الدين الأيوبي ووقف أمامَه قائلًا: ها قد عُدنا يا صلاحَ الدين! ثم تكرَّست المرارةُ والحسرة عندما ارتفعت أعلامُ بريطانيا وفرنسا على المناطق التي قاتَلَ فيها العرب، ولم يكن بينها عَلَمُ الدولة العربية المنتظَرة! وحاول الشيخ رشيد رضا أن يلفِتَ نظرَ الشريف حسين إلى خطورة ما أقدم عليه؛ لأن العدوَّ الحقيقيَّ هو الاستعمار الغربي لا الدولةُ العثمانية، إلا أنَّ بريقَ المصلحة وأحلامَ المُلك والعَرش كانا قد سيطرا على خيال الشريف حسين، فلم يستمِعْ إلى صوتِ ناصحٍ أو حكيمٍ! وإنما أمر بمنع دخول مجلة "المنار" التي يُصدِرُها الشيخ رشيد رضا من دخول مكة. ولم يعلم العربُ باتفاقِ (سايكس – بيكو) إلا عندما أعلنه البلاشفة بعد قيام ثورتهم في روسيا 1917م، وتأكَّد العربُ أنَّ الاتفاق أهمل تأسيسَ خلافة عربية، وأعطى بعضَ أجزاء من الدولة العربية المنتَظَرة لفرنسا، وأثار هذا الاتفاقُ حفيظةَ العرب، إلا أنَّهم مضوا في ثورتهم بعد طمأنةِ البريطانيين لهم، ونجح العثمانيُّون في تصوير الشريف حسين على أنَّه خائِنٌ للإسلام متحالِفٌ مع الدُّوَل النصرانية ضِدَّ دولة إسلامية، إلَّا أن الخلافاتِ الحقيقيةَ بين العرب والإنجليز تعمَّقت وظهرت مع إطلاقِ بريطانيا لوعدِ بلفور في (المحرم 1336هـ/نوفمبر 1917م) كانت غاية الإنجليز من ثورة العرب هو ضربَ الأتراك بالعرب، بدلًا أن يخوضوا هم غمار هذه الحرب، ويدلُّ على ذلك أن الإنجليز كانوا يضغطون على الشريف حسين لبدء الثورة عندما كانت جيوش الحلفاء تستسلم للأتراك عند كوت العمارة في نيسان 1916م، وكان الحلفاءُ غير قادرين على مواجهة القوات العثمانية عند قناة السويس واليمن، فكان التعجيل بالثورة ضِدَّ العثمانيين فيه تخفيف العبء عن الإنجليز، وفعلًا أدى إعلان الثورة إلى رجحان كفة الحلفاء، وبدأت الحاميات التركية في الاستسلام بعد أن حوصِرَت واستعمل معها رجال الجيش حربَ العصابات، ثم بدأ القتال فعلًا بين العرب وجيوش العثمانيين في الحجاز في التاسع من شعبان 10 يونيو، وأعلنوا استقلالهم، وهاجموا الثكناتِ التركيةَ في مكة، وحمِيَ القتال خلال يومين، حتى تعطَّلت الصلاةُ والطواف في المسجد الحرام، وكذلك الأمرُ في جدَّة؛ دام القتال ستة أيام حتى سقطت بيدِ قوات الشريف، وفي التاسع من رمضان استسلم الأتراك في مكة، وفي ذي القعدة سقطت الطائفُ، ثم أعلن الحجازُ استقلاله عن الاتحاديين، فانتهز الإنجليز والفرنسيون الفرصة وبدؤوا في إرسال التهاني، وحتى الدول الأوربية الأخرى كروسيا وسائر الدول غير المنحازة، أما السوريون واللبنانيون فلم ينَلْهم من الثورة إلا الحصارُ والاضطهاد؛ حيث كانت كفاءتُهم الحربية ضعيفة مقارنة مع كفاءات العثمانيين في هذه المنطقة، وكانت جيوش الثورة عبارة عن ثلاثة جيوش كل واحد بقيادة ولد من أولاد الحسين، وهم فيصل، وعبد الله، وعلي، وكان مع جيش فيصل لورنس وكان يتلقى أوامِرَه من الجنرال اللنبي، ثم تألَّفت أول وزارة عربية في السابع من ذي الحجة 1334هـ/ 5 أكتوبر 1916م، ثم أمر بتأليف مجلس الشيوخ الأعلى، هذا ولم تعين الحكومة العربية، ثم تمت مبايعةُ العربِ للشريف حسين بن علي ملكًا على العرب يوم الخميس السادس من محرم 1335هـ/ 6 تشرين الأول 1916م، علما أن استنكارًا إسلاميًّا قد ورد إلى الشريف حسين عن طريق شكيب أرسلان الذي قال له: أتقاتل العربَ بالعربِ أيها الأمير حتى تكون ثمرةُ دماء قاتِلِهم ومقتولِهم استيلاء إنجلترا على جزيرة العرب، وفرنسا على سوريا، واليهود على فلسطين، وهذا ما حصل بالفعل!!

العام الهجري : 72 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 692
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ عبدُ الملك بن مَرْوان الحَجَّاج بن يوسُف الثَّقفيَّ إلى عبدِ الله بن الزُّبير رضي الله عنه، وبعَث معه له أمانًا إنْ هو أطاعَ، فبَقِيَ الحَجَّاج مُدَّةً في الطَّائفِ يَبعَثُ البُعوثَ تُقاتِل ابنَ الزُّبير وتَظْفَرُ عليه. فكتَب الحَجَّاجُ إلى عبدِ الملك يُخبِرُه: بأنَّ ابنَ الزُّبير قد كَلَّ وتَفَرَّق عنه أَصحابُه, ويَسْتَأذِنُه بمُحاصَرةِ الحَرَمِ ثمَّ دُخولِ مكَّة، فأَمَدَّهُ عبدُ الملك بطارِقِ الذي كان يُحاصِر المدينةَ، ولمَّا حَصَرَ الحَجَّاجُ ابنَ الزُّبير نَصَبَ المَنْجَنيقَ على أبي قُبَيْسٍ ورَمَى به الكَعبةَ، وكان عبدُ الملك يُنْكِر ذلك أيَّامَ يَزيدَ بن مُعاوِيَة، ثمَّ أَمَرَ به، وحَجَّ ابنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما تلك السَّنةَ فأَرسَل إلى الحَجَّاجِ: أنِ اتَّقِ الله، واكْفُفْ هذه الحِجارةَ عن النَّاسِ؛ فإنَّك في شَهْرٍ حَرامٍ وبَلَدٍ حَرامٍ، وقد قَدِمَت وُفودُ الله مِن أَقطارِ الأرضِ لِيُؤَدُّوا فَريضةَ الله ويَزْدادوا خيرًا، وإنَّ المَنْجنيق قد منعهم عن الطَّوافِ، فاكْفُفْ عن الرَّمْيِ حتَّى يَقْضوا ما يجب عليهم بمكَّة. فبَطَّلَ الرَّمْيَ حتَّى عاد النَّاسُ مِن عَرَفات وطافوا وسَعَوْا، ولم يَمْنَعْ ابنُ الزُّبير الحاجَّ مِن الطَّوافِ والسَّعْيِ، فلمَّا فرَغوا مِن طَوافِ الزَّيارةِ نادَى مُنادِي الحَجَّاجِ: انْصَرِفوا إلى بِلادِكم، فإنَّا نَعودُ بالحِجارَةِ على ابنِ الزُّبيرِ المُلْحِدِ. فأصاب النَّاسَ بعد ذلك مَجاعةٌ شديدةٌ بسَببِ الحِصارِ، فلمَّا كان قُبَيْلَ مَقْتَلِه تَفَرَّقَ النَّاسُ عنه، وخَرجوا إلى الحَجَّاجِ بالأمانِ، خرَج مِن عنده نحو عشرةِ آلاف، وكان ممَّن فارَقَه ابْناهُ حَمزةُ وخُبيبٌ، وأَخَذا لِأَنْفُسِهما أَمانًا، فقال عبدُ الله لابْنِه الزُّبيرِ: خُذْ لِنَفسِك أمانًا كما فعل أَخَواك، فَوَالله إنِّي لأُحِبُّ بَقاءَكُم. فقال: ما كنتُ لِأَرْغَبَ بِنَفسِي عنك. فصَبَر معه فقُتِلَ وقاتَلهم قِتالًا شديدًا، فتَعاوَرُوا عليه فقَتَلوهُ يومَ الثُلاثاءِ مِن جُمادَى الآخِرة وله ثلاثٌ وسبعون سَنةً، وتَوَلَّى قَتْلَهُ رجلٌ مِن مُرادٍ، وحمَل رَأسَهُ إلى الحَجَّاج، وبعَث الحَجَّاجُ بِرَأسِه، ورَأسِ عبدِ الله بن صَفوان، ورَأسِ عُمارةَ بن عَمرِو بن حَزْمٍ إلى المدينةِ، ثمَّ ذهَب بها إلى عبدِ الملك بن مَرْوان، وأخَذ جُثَّتَهُ فصَلَبَها على الثَّنِيَّةِ اليُمْنَى بالحُجُونِ، ثمَّ بعدَ أن أَنْزَلَهُ الحَجَّاجُ عن الخَشبةِ بعَث به إلى أُمِّه، فغَسَّلَتْهُ، فلمَّا أَصابَهُ الماءَ تَقَطَّعَ، فغَسَّلَتْهُ عُضْوًا عُضْوًا فاسْتَمْسَك، وصلَّى عليه أخوه عُروةُ، فَدَفَنَتْهُ.

العام الهجري : 373 العام الميلادي : 983
تفاصيل الحدث:

قال أبو حيَّان التوحيديُّ: " سألني وزيرُ صمصام الدَّولة بن عضُدِ الدولة عن زيد بن رفاعة في حدود سنة 373 قال: لا أزالُ أسمَعُ مِن زيد بن رفاعة قولًا يَريبُني، ومذهبًا لا عهد لي به، وقد بلغني أنَّك تغشاه وتجلِسُ إليه وتُكثِرُ عنده. ومن طالت عشرتُه لإنسانٍ أمكَنَ اطِّلاعُه على مستكنِّ رأيه. فقلت: أيُّها الوزيرُ، عنده ذكاءٌ غالِبٌ، وذهن وقَّاد. قال: فعلى هذا ما مذهَبُه؟ قلت: لا يُنسَبُ إلى شيءٍ، لكنه قد أقام بالبصرةِ زمانًا طويلًا وصادف بها جماعةً لأصنافِ العِلمِ، فصَحِبَهم وخَدَمهم، وكانت هذه العُصابةُ قد تألَّفَت بالعِشرة وتصافَتْ بالصَداقةِ، واجتمعت على القُدسِ والطَّهارة والنصيحةِ، فوضعوا بينهم مذهبًا زعموا أنَّهم قرَّبوا به الطريقَ إلى الفوز برضوانِ الله، وذلك أنهم قالوا: إنَّ الشريعةَ قد تدنَّسَت بالجَهالاتِ واختَلَطت بالضَّلالاتِ، ولا سبيل إلى غَسلِها وتطهيرِها إلَّا بالفَلسفةِ!!! وزَعموا أنَّه متى انتظَمَت الفلسفةُ اليونانيَّة والشَّريعة العربية فقد حصل الكَمالُ، وصنفوا خمسين رسالة في خمسينَ نَوعًا من الحكمة، ومقالةً حاديةً وخمسين جامعةً لأنواعِ المقالات على طريقِ الاختصارِ والإيجازِ، وسمَّوها "رسائل إخوان الصَّفا" وكتَموا فيها أسماءَهم وبثُّوها في الورَّاقينَ ووَهبوها للنَّاسِ، وحَشَوا هذه الرسائلَ بالكَلِمات الدينيَّة، والأمثال الشرعيَّة، والحروف المجتَمِعة، والطُّرُق الممَوَّهة، وهي مبثوثةٌ مِن كُلِّ فنٍّ بلا إشباعٍ ولا كفايةٍ، وفيها خرافات وكنايات، وتلفيقات وتلزيقات، فتَعِبوا وما أغْنَوا، وغَنَّوا وما أطرَبُوا، ونسَجُوا فهَلْهَلوا، ومَشَطوا ففَلْفَلوا!! وبالجملة فهي مقالاتٌ مُشوِّقاتٌ غيرُ مستقصاةٍ، ولا ظاهرة الأدلة والاحتجاج". ولما كتم مصنِّفو رسائل إخوان الصفا أسماءَهم، اختلف النَّاسُ في الذي وضعها، ولا تزال مصدرَ خِلافٍ بين عُلَماءِ الإسلام والتساؤل حولَ الانتماء المذهبيِّ للجماعة؛ فالبعض اعتبَرَهم من أتباع المدرسة المعتزِليَّة، والبعض الآخر اعتبرهم من نِتاجِ المدرسةِ الباطنيَّة، وذهب البعض الآخر إلى وصْفِهم بالإلحادِ والزندقة. قال الذهبي عنها: "حُبِّبَ إلى أبي حامدٍ الغزالي إدمانُ النَّظرِ في كتابِ "رسائل إخوان الصفا" وهو داءٌ عُضالٌ، وجَرَبٌ مُرْدٍ، وسمٌّ قتَّالٌ، ولولا أنَّ أبا حامد من كبارِ الأذكياء، وخِيارِ المُخلِصين، لتَلِفَ؛ فالحَذارِ الحَذارِ مِن هذه الكتبِ، واهربوا بدينِكم من شُبَهِ الأوائلِ، وإلَّا وقَعْتُم في الحَيرةِ، فمن رام النَّجاةَ والفوزَ فلْيَلزم العبوديَّة، ولْيُدمِن الاستغاثةَ باللهِ، ولْيَبتَهِلْ إلى مولاه في الثَّباتِ على الإسلامِ، وأن يُتوفَّى على إيمانِ الصَّحابةِ, وسادةِ التابعين، واللهُ المُوَفِّق، فبُحسنِ قَصدِ العالِمِ يُغفَرُ له وينجو، إن شاء اللهُ".

العام الهجري : 474 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1082
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ، العَلَّامةُ، الحافظُ، ذو الفُنونِ، القاضي أبو الوَليدِ سُليمانُ بنُ خَلَفِ بنِ سعدِ بن أيُّوبَ التَّجيبيُّ الأندَلُسيُّ، القُرطُبيُّ، الباجيُّ، الفَقِيهُ المالكيُّ، صاحبُ التَّصانيفِ. وَلِدَ سَنةَ 403هـ أَصلُه من مَدينةِ بطليوس، فتَحوَّل جَدُّهُ إلى باجةَ -بُليدَة بقُربِ إشبيلية- فنُسِبَ إليها، وليست باجة المدينةَ التي بإفريقية، التي يُنسَب إليها الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ الله بنُ محمدِ بن عليٍّ الباجيُّ، وابنُه الحافظُ الأَوحَدُ أبو عُمرَ أحمدُ بنُ عبدِ الله بن الباجيِّ، وهُما من عُلماءِ الأندَلُس أيضًا. كان أبو الوَليدِ أَحَدَ الحُفَّاظِ المُكثِرينَ في الفِقهِ والحَديثِ، سَمِعَ الحَديثَ ورَحلَ فيه إلى بِلادِ المَشرقِ فسَمِعَ هناك الكَثيرَ، واجتَمعَ بأَئمَّةِ ذلك الوَقتِ، كالقاضي أبي الطَّيِّبِ الطَّبريِّ، وأبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ، وجاوَرَ بمكَّةَ ثلاثَ سِنينَ مع الشيخِ أبي ذَرٍّ الهَرويِّ، وأَقامَ ببغدادَ ثلاثَ سِنينَ، وبالمَوصِل سَنةً عند أبي جَعفرٍ السمنانيِّ قاضِيها، فأَخذَ عنه الفِقهَ والأُصولَ، وسَمِعَ الخَطيبَ البغداديَّ وسَمِعَ منه الخَطيبُ أيضًا، ثم عاد إلى بَلدِه بعدَ ثلاث عشرة سَنةً بِعِلمِ غَزيرٍ، حَصَّلَهُ مع الفَقرِ والتَّقَنُّعِ باليَسيرِ، وتَولَّى القَضاءَ هناك، ويُقالُ: إنَّه تَولَّى قَضاءَ حَلَب أيضًا. له مُصنَّفاتٌ عَديدةٌ منها: ((المُنتقَى في الفِقْه)), و((المعاني في شرح الموطأ))، و((إحكام الفُصول في أَحكام الأُصول))، و((الجَرْح والتَّعديل))، وغيرُ ذلك، قال القاضي عِياض: "آجَرَ أبو الوَليدِ نَفسَه ببغداد لِحِراسَةِ دَربٍ، وكان لمَّا رَجعَ إلى الأندَلُسِ يَضرِب وَرَقَ الذَّهَبِ للغَزْلِ، ويَعقِد الوَثائقَ، قال لي أَصحابُه: كان يَخرُج إلينا للإقراءِ وفي يَدهِ أَثَرُ المَطرَقَةِ، إلى أن فَشَا عِلمُه، وهَيَّتَت الدنيا به -أي شَهَرَتهُ وأَظهرَت اسمَه-، وعَظُمَ جاهُه، وأُجزِلَت صِلاتُه، حتى تُوفِّي عن مالٍ وافرٍ، وكان يَستَعمِلُه الأَعيانُ في تَرَسُّلِهم، ويَقبلُ جَوائِزَهم، وَلِيَ القَضاءَ بمَواضِعَ من الأندَلُس" قال الأَميرُ أبو نصرٍ: "أمَّا الباجي ذو الوِزارَتَينِ فَفَقِيهٌ مُتكَلِّمٌ، أَديبٌ شاعِرٌ، سَمِعَ بالعراقِ، ودَرَسَ الكلامَ، وصَنَّفَ, وكان جَليلًا رَفيعَ القَدرِ والخَطَرِ، قَبْرُه بالمرية", وقال القاضي أبو عليٍّ الصَّدَفيُّ: "ما رَأيتُ مِثلَ أبي الوليدِ الباجي، وما رَأيتُ أَحدًا على سَمْتِه وهَيئَتِه وتَوقيرِ مَجلِسِه". وقد جَرَت بينه وبين ابنِ حَزمٍ مُناوَأَةٌ شَديدةٌ كما جَرَت بينهما مُناظراتٌ كَثيرةٌ، قال القاضي عِياض: "كَثُرَت القالةُ في أبي الوليدِ لِمُداخَلَتِه للرُّؤساءِ" تُوفِّي بالمرية ليلةَ الخميسِ بين العِشاءَينِ التاسع والعشرين من رجب وعُمرُه إحدى وسبعون سَنةً.

العام الهجري : 548 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1153
تفاصيل الحدث:

كانت الحَربُ بين عَسكَرِ عبدِ المُؤمِنِ والعَرَبِ عند مدينة سطيف، وسَبَبُ ذلك أنَّ العَرَبَ- وهم بنو هلالٍ، والأبتح، وعدي، ورياح، وزغب، وغيرهم من العرب- لَمَّا مَلَك عبدُ المؤمِنِ بلادَ بني حَمَّاد اجتَمَعوا من أرض طرابلس إلى أقصى المغرب، وقالوا: إنْ جاوَرَنا عبدُ المؤمِنِ أجلانا من المَغرِبِ، وليس الرأيُ إلَّا إلقاءَ الجِدِّ معه، وإخراجَه من البلاد قبل أن يتمَكَّنَ، وتحالَفوا على التعاوُنِ والتَّضافُرِ، وألَّا يَخونَ بَعضُهم بعضًا، وعَزَموا على لقائِه بالرِّجالِ والأهلِ والمالِ؛ ليُقاتِلوا قِتالَ الحريم، واتَّصَل الخبَرُ بالملك رجار الفرنجي، صاحِبِ صقَليَّة، فأرسل إلى أمراءِ العَرَبِ، وهم محرز بن زياد، وجبارة بن كامل، وحسن بن ثعلب، وعيسى بن حسن وغيرهم يَحُثُّهم على لقاءِ عبدِ المؤمنِ ويَعرِضُ عليهم أن يُرسِلَ إليهم خمسةَ آلاف فارس من الفِرنجِ يُقاتِلونَ معهم على شَرطِ أن يُرسِلوا إليه الرَّهائِنَ، فشَكَروه وقالوا: ما بنا حاجةٌ إلى نَجدَتِه ولا نَستَعينُ بغير المُسلِمينَ، وساروا في عددٍ لا يحصى، وكان عبدُ المؤمن قد رحل من بجاية إلى بلادِ المغرب، فلَمَّا بلغه خبَرُهم جَهَّزَ جَيشًا من الموحِّدينَ يزيدُ على ثلاثين ألفَ فارس، واستعمل عليهم عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ الهنتاني، وسعدَ اللهِ بنَ يحيى، وكان العَرَبُ أضعافَهم، فاستجَرَّهم الموحِّدونَ وتَبِعَهم العَرَبُ إلى أن وصلوا إلى أرض سطيف بين جبال، فحَمَلَ عليهم جَيشُ عبد المؤمن فجأةً والعَرَبُ على غيرِ أُهبةٍ، والتقى الجَمعانِ، واقتتلوا أشَدَّ قتالٍ وأعظَمَه، فانجَلَتِ المعركةُ عن انهزامِ العَرَبِ ونُصرةِ المُوحِّدينَ، وتَرَك العَرَبُ جميعَ ما لهم من أهلٍ ومالٍ وأثاثٍ ونَعَمٍ، فأخذ الموحِّدونَ جميعَ ذلك، وعاد الجيشُ إلى عبدِ المُؤمِنِ بجَميعِه، فقَسَّمَ جميعَ الأموالِ على عَسكَرِه، وتَرَك النِّساءَ والأولادَ تحت الاحتياط، وكَّلَ بهم من الخَدَمِ الخِصيانِ مَن يَخدُمهم ويقومُ بحَوائِجِهم، وأمَرَ بصِيانتِهم، فلمَّا وصلوا معه إلى مراكش أنزَلَهم في المساكنِ الفَسيحةِ، وأجرى لهم النَّفَقاتِ الواسِعةَ، وأمَرَ عبدُ المؤمِنِ ابنَه مُحمَّدًا أن يكاتِبَ أُمَراءَ العَرَبِ ويُعلِمُهم أنَّ نِساءهم تحت الحِفظِ والصِّيانة، وأمَرَهم أن يَحضُروا ليُسَلِّمَ إليهم أبوه ذلك جَميعَه، وأنَّه قد بذل لهم الأمانَ والكَرامةَ، فلمَّا وَصَلَ كِتابُ مُحَمَّدٍ إلى العَرَبِ سارعوا إلى المسيرِ إلى مراكش، فلمَّا وصلوا إليها أعطاهم عبدُ المؤمِنِ نِساءَهم وأولادَهم، وأحسن إليهم وأعطاهم أموالًا جزيلةً، فاستَرَقَّ قُلوبَهم بذلك، وأقاموا عنده، وكان بهم حَفِيًّا، واستعان بهم على ولايةِ ابنِه مُحمَّدٍ للعَهدِ.

العام الهجري : 615 العام الميلادي : 1218
تفاصيل الحدث:

لما عاد الفرنجُ من حصار الطور أقاموا بعكَّا إلى أن دخلت هذه السَّنةُ، فساروا في البحرِ إلى دمياط، فوصَلوا في صفر، فأرسوا على بر الجيزة، بينهم وبين دمياط النيل، فإنَّ بعض النيل يصب في البحر المالح عند دمياط، وقد بني في النيل برجٌ كبير منيع، وجعلوا فيه سلاسِلَ من حديد غلاظ، ومدُّوها في النيل إلى سورِ دمياط لتَمنَعَ المراكِبَ الواصلة في البحرِ المالح أن تصعَدَ في النيل إلى ديار مصر، ولولا هذا البرجُ وهذه السلاسل لكانت مراكِبُ العدو لا يقدِرُ أحَدٌ على مَنعِها عن أقاصي ديارِ مِصرَ وأدانيها، فلمَّا نزل الفرنجُ على بر الجيزة، وبينهم وبين دمياط النيل، بَنَوا عليه سورًا، وجعلوا خندقًا يمنعُهم من يريدهم، وشرعوا في قتال من بدمياط، وعملوا آلات ومرمات، وأبراجًا متحركة يزحفون بها في المراكب إلى البرج الذي في النيل ليقاتلوه ويملكوه، وكان البرجُ مشحونًا بالرجال، وقد نزل الملك الكامِلُ بن الملك العادل، وهو صاحِبُ ديار مصر، بمنزلة تُعرَفُ بالعادلية، بالقرب من دمياط، والعساكِرُ متصلة من عنده إلى دمياط، ليمنع العدُوَّ من العبور إلى أرضهم، وأدام الفرنجُ قتال البرج وتابعوه، فلم يظفروا منه بشيءٍ، وكُسِرَت مرماتهم وآلاتهم، ومع هذا فهم ملازمون لقتاله، فبَقُوا كذلك أربعة أشهر، ولم يقدروا على أخذه، ثم تمكنوا من أخذه فقطعوا السلاسِلَ لتدخُلَ مراكبُهم من البحر المالح في النيل ويتحكموا في البر، فنصب الملك الكامِلُ عِوَضَ السلاسلِ جسرًا عظيمًا امتنعوا به من سلوكِ النيل، ثم إنهم قاتلوا عليه أيضًا قتالًا شديدًا، كثيرًا، متتابعًا حتى قطعوه، فلما قطع أخذ الملكُ الكامل عدَّةَ مراكب كبار وملأها وخرَقَها وغَرَقها في النيل، فمَنَعت المراكِبَ من سلوكه، فلما رأى الفرنج ذلك قصدوا خليجًا هناك يُعرَف بالأزرق، كان النيل يجري فيه قديمًا، فحفروا ذلك الخليج وعَمَّقوه فوق المراكبِ التي جُعِلَت في النيل، وأجروا الماء فيه إلى البحر المالحِ، وأصعدوا مراكِبَهم فيه إلى موضعٍ يقال له بورة، على أرض الجيزة أيضًا، مقابل المنزلةِ التي فيها الملك الكامل ليقاتلوه من هناك، فإنَّهم لم يكن لهم إليه طريقٌ يقاتلونه فيها، كانت دمياط تحجز بينهم وبينه، فلما صاروا في بورة حاذوه فقاتلوه في الماء، وزحفوا غيرَ مَرَّة، فلم يظفروا بطائل، ولم يتغيَّرْ على أهل دمياط شيءٌ؛ لأن الميرة والأمداد متَّصلة بهم، والنيلُ يحجُز بينهم وبين الفرنج، فهم ممتَنِعون لا يصلُ إليهم أذى، وأبوابُها مفتحة، وليس عليها من الحَصرِ ضِيقٌ ولا ضرر.

العام الهجري : 617 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1220
تفاصيل الحدث:

بعد استيلاء المغول على بخارى وما كان فيها منهم رحلوا نحو سمرقند وقد تحقَّقوا عجز خوارزم شاه عنهم، وهم بمكانه بين ترمذ وبلخ، واستصحبوا معهم من سَلِمَ من أهل بخارى أسارى، فساروا بهم مشاةً على أقبح صورة، فكلُّ من أعيا وعجز عن المشي قتلوه، فلما قاربوا سمرقند قدَّموا الخيَّالة، وتركوا الرجَّالة والأسارى والأثقال وراءهم، حتى تقدموا شيئًا فشيئًا، ليكون أرعبَ لقلوب المسلمين؛ فلما رأى أهل البلد سوادهم استعظموه، فلما كان اليومُ الثاني وصل الأسارى والرجالة والأثقال، ومع كل عشرةٍ من الأسارى عَلَم، فظن أهل البلد أن الجميعَ عساكر مقاتلة، وأحاطوا بالبلدِ وفيه خمسون ألف مقاتل من الخوارزمية، وأما عامة البلد فلا يحصون كثرة، فخرج إليهم شجعان أهله، وأهل الجلد والقوة رجالة، ولم يخرج معهم من العسكر الخوارزمي أحدٌ؛ لما في قلوبهم من خوف هؤلاء الملاعين، فقاتلهم الرجَّالة بظاهر البلد، فلم يزل التتر يتأخَّرون، وأهل البلد يَتبَعونهم، ويطمعون فيهم، وكان الكفار قد كمنوا لهم كمينًا، فلما جاوزوا الكمين خرج عليهم وحال بينهم وبين البلد، ورجع الباقون الذين أنشبوا القتال أولًا، فبَقُوا في الوسط، وأخذهم السيفُ من كل جانب، فلم يسلَمْ منهم أحد، قتلوا عن آخرهم، وكانوا سبعين ألفًا على ما قيل، فلما رأى الباقون من الجند والعامة ذلك ضَعُفت نفوسهم وأيقنوا بالهلاك، فقال الجند: وكانوا أتراكًا: نحن من جنس هؤلاء ولا يقتلوننا، فطلبوا الأمان، فأجابوهم إلى ذلك، ففتحوا أبوابَ البلد، ولم يقدِر العامة على منعهم، وخرجوا إلى الكفَّار بأهلهم وأموالهم، فقال لهم الكفار: ادفعوا إلينا سلاحَكم وأموالكم ودوابَّكم ونحن نسيركم إلى مأمنِكم، ففعلوا ذلك، فلما أخذوا أسلحتهم ودوابهم وضعوا السيف فيهم وقتلوهم عن آخِرِهم، وأخذوا أموالَهم ودوابَّهم ونساءهم، فلما كان اليوم الرابع نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم، ومن تأخَّرَ قتلوه، فخرج جميعُ الرجال والنساء والصبيان، ففعلوا مع أهل سمرقند مثل فعلِهم مع أهل بخارى من النهب، والقتل، والسبي، والفساد، ودخلوا البلدَ فنهبوا ما فيه، وأحرقوا الجامِعَ وتركوا باقي البلد على حاله، وافتضُّوا الأبكار، وعذَّبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال، وقتلوا من لم يصلح للسبي، وكان ذلك في المحرَّم، وكان خوارزم شاه بمنزلته كلمَّا اجتمع إليه عسكر سيره إلى سمرقند، فيرجعون ولا يقدرون على الوصولِ إليها.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

عاود التتر الخروج إلى الري، وجرى بينهم وبين جلال الدين حروب كثيرة، كان أكثرها عليه، وفي الأخير كان الظفر له وكانت أول حرب بينهم فيها عجائب غريبة، وكان هؤلاء التتر قد سخط ملكُهم جنكيزخان على مُقدَّمهم، وأبعده عنه، وأخرجه من بلاده، فقصد خراسان، فرآها خرابًا، فقصد الريَّ ليتغلب على تلك النواحي والبلاد، فلقيه بها جلال الدين، فاقتتلوا أشدَّ قتال، ثم انهزم جلال الدين وعاد ثم انهزم، وقصد أصفهان، وأقام بينها وبين الري، وجمع عساكره ومَن في طاعته، فكان فيمن أتاه صاحب بلاد فارس، وهو ابن أتابك سعد ملك بعد وفاة أبيه، وعاد جلال الدين إلى التتر فلَقِيَهم، فبينما هم مصطفون كلُّ طائفة مقابل الأخرى انعزل غياث الدين أخو جلال الدين فيمن وافقه من الأمراء على مفارقةِ جلال الدين، واعتزلوا، وقصدوا جهةً ساروا إليها، فلما رآهم التتر قد فارقوا العسكر ظنُّوهم يريدون أن يأتوهم من وراء ظهورهم ويقاتلوهم من جهتين، فانهزم التتر لهذا الظنِّ وتَبِعَهم صاحب بلاد فارس، وأمَّا جلال الدين فإنه لما رأى مفارقة أخيه إياه ومن معه من الأمراء ظنَّ أن التتر قد رجعوا خديعة ليستدرجوه، فعاد منهزمًا، ولم يجسر أن يدخل أصفهان؛ لئلا يحصره التتر، فمضى إلى سميرم، وأما صاحب فارس فلما أبعد في أثر التتر، ولم ير جلال الدين ولا عسكره معه، خاف التتر فعاد عنهم، وأما التترُ فلما لم يروا في آثارهم أحدًا يطلبُهم وقفوا، ثم عادوا إلى أصفهان، فلم يجدوا في طريقهم من يمنَعُهم، فوصلوا إلى أصفهان فحصروها، وأهلها يظنون أنَّ جلال الدين قد عدم، فبينما هم كذلك والتتر يحصرونَهم إذ وصل قاصد من جلال الدين إليهم يعرفُهم سلامته، ويقول: إني أدور حتى يجتَمِعَ إليَّ من سلم من العسكر وأقصدُكم ونتفق أنا وأنتم على إزعاج التتر وترحيلهم عنكم، فأرسلوا إليه يستدعونه إليهم، ويعدونه النصرةَ والخروج معه إلى عدوه، وفيهم شجاعة عظيمة، فسار إليهم واجتمع بها، وخرج أهل أصفهان معه، فقاتلوا التتر، فانهزم التترُ أقبَحَ هزيمة، وتبعهم جلال الدين إلى الريِّ يقتُلُ ويأسر، فلما أبعدوا عن الري أقام بها، وأرسل إليه ابن جنكيزخان يقول: إن هؤلاء ليسوا من أصحابنا، إنما نحن أبعدناهم عنا، فلمَّا أمن جانب ابن جنكيزخان أمن وعاد إلى أذربيجان.

العام الهجري : 643 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1246
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ الحافظُ الكبيرُ، محَدِّث العراق، ومؤرِّخُ العصر، محبُّ الدين، أبو عبد الله محمَّد بن محمود بن حسن بن هبة الله بن محاسن بن النجار البغدادي, مولِدُه سنة 578. كان والدُه مقدمَ النجَّارين بدار الخلافة، وكان من العوام. أولُ سماع لابن النجار سنة ثمان وثمانين، وأول دخولِه في الطلب وهو حَدَثٌ سنة ثلاث وتسعين، سمع الكثيرَ ورحل شرقًا وغربًا، وهو صاحب كتاب ذيل التاريخ المعروف جعَلَه ذيلًا لتاريخ بغداد للخطيب البغدادي. قال ابن النجار في أول (تاريخه): "كنت وأنا صبيٌّ عَزَمتُ على تذييل (الذيل) لابنِ السَّمعاني، فجمعتُ في ذلك مسوَّدة، ورحلت وأنا ابن ثمان وعشرين سنة، فدخلت الحجازَ والشام ومصر والثغر وبلاد الجزيرة والعراق والجبال وخراسان، وقرأت الكتبَ المطولات، ورأيتُ الحفَّاظَ، وكنتُ كثير التتبُّع لأخبار فضلاء بغداد ومَن دخَلَها". قال الذهبي: "ساد ابنُ النجَّار في هذا العلم, واشتهر، وكتب عمَّن دَبَّ ودرج من عالٍ ونازل، ومرفوعٍ وأثَر، ونظمٍ ونَثر، وبرَعَ وتقدم، وصار المشارَ إليه ببلده، ورحل ثانيًا إلى أصبهان في حدود العشرينَ، وحجَّ وجاور، وعمل (تاريخًا) حافلًا لبغداد ذيَّلَ به على الخطيب واستدرك عليه فيه، وهو في مائتي جزء، ينبئ بحِفظه ومعرفتِه، وقد قرأتُ عليه (ذيل التاريخ) وكان مع حفظِه فيه دينٌ وصيانةٌ ونُسُك". وقد شرع في كتابة التاريخ وعمره خمس عشرة سنةً، وقرأ بنفسِه على المشايخِ كثيرًا حتى حصل نحوًا من ثلاثة آلاف شيخٍ، من ذلك نحوٌ من أربعمائة امرأة، وتغَرَّب ثماني وعشرين سنة، ثم جاء إلى بغداد وقد جمع أشياءَ كثيرة، من ذلك القَمَر المنير في المسند الكبير، يذكُرُ لكلِّ صحابيٍّ ما روى، وكَنز الأيام في معرفة السُّنَن والأحكام، والمختَلِف والمؤتَلِف، والسابق واللاحق، والمتَّفِق والمفترِق، وكتاب الألقاب، ونهْج الإصابة في معرفة الصَّحابة، والكافي في أسماء الرِّجال، وغير ذلك مما لم يتمَّ أكثرُه, وله أخبارُ مكَّة والمدينة وبيت المقدس، وغُرَر الفوائد وأشياء كثيرة جدًّا، وذكر أنَّه لما عاد إلى بغداد عُرِضَ عليه الإقامة في المدارس فأبى وقال: معي ما أستغني به عن ذلك، وكانت وفاتُه يوم الثلاثاء الخامس من شعبان، وله من العمر خمسٌ وسبعون سنة وصُلِّيَ عليه بالمدرسة النظامية، وشهِدَ جنازته خلقٌ كثير، وكان ينادى حول جنازته هذا حافِظُ حديث رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، الذي كان ينفي الكذبَ عنه، ولم يترك وارثًا.

العام الهجري : 672 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1274
تفاصيل الحدث:

هو الفيلسوف الرياضي الفلكي نصير الدين أبو جعفر محمد بن عبد الله الطوسي، كان يقال له المولى نصير الدين، ويقال الخواجا نصير الدين، اشتغل في شبيبتِه وحصَّل علم الأوائلِ جيدًا، وصَنَّف في ذلك في علم الكلامِ، وشرح الإشارات لابن سينا، حتى كان رأسًا في علم الأوائل، لا سيَّما معرفة الرياضة وصنعة الأرصاد، فإنه فاق بذلك على الكبار. اشتغل في بداية أمرِه على المعين سالم بن بدران المصري المعتزلي، المتشيِّع الرافضي فنزع فيه عروق كثيرة منه، حتى أفسد اعتقادَه، وزَرَ نصير الدين لأصحاب قلاع ألموت من الإسماعيلية، ثم وزر لهولاكو، وكان ذا حُرمة وافرة ومنزلةٍ عاليةٍ عند هولاكو, وكان معه في واقعة بغداد، وقيل إنه أشار على هولاكو خان بقتل الخليفةِ بعد أن كان أحدُ منجِّمي هولاكو حذَّره من مغبة ذلك، وكان يطيعُه فيما يشير به, وجعله هولاكو على أوقافِ بغداد يتصَرَّف فيها كيف يشاء, فابتنى بمدينةِ مراغة قُبَّة رصد عظيمة ورتَّبَ فيها الحكماء من المنجِّمين والفلاسفة والمتكلمين والفقهاء والمحدثين والأطباء وغيرهم من أنواع الفضلاء، وجعل لهم الجامكيَّة- الراتب- واتخذ فيها خزانةً عظيمة عالية، فسيحةَ الأرجاء وملأها بالكتب التي نُهِبَت من بغداد والشام والجزيرة، حتى تجمَّعَ فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلد. وكان سمحًا، كريمًا، حليمًا حسن العشرةِ، غزيرَ الفضائل، جليلَ القدر، لكنَّه على مذهب الأوائِلِ في كثيرٍ مِن الأصول، نسأل الله الهدى والسَّداد. وله شعرٌ جيد قوي, وله كتابُ أخلاق ناصري بالفارسية ألَّفه لمتملك الإسماعيليَّة لما كان وزيرًا له في ألموت، وله كتاب تجريد العقائد بالعربية، وهو في الفلسفة وعلم الكلام، وله إثبات العقل الفعال وشرح كتاب المجسطي (المنطق) وغير ذلك. قال ابن القيم: " صارع محمد الشهرستانى ابن سينا في كتاب سماه "المصارعة" أبطل فيه قولَه بقدم العالم وإنكار المعاد، ونفى علمَ الرب تعالى وقدرته، وخلقه العالم، فقام له نصير الإلحاد وقعد، ونقَضَه بكتاب سماه "مصارعة المصارعة" ووقَفْنا على الكتابين نصر فيه: أن الله تعالى لم يخلق السموات والأرض في ستة أيام. وأنه لا يعلم شيئًا، وأنه لا يفعل شيئًا بقدرته واختياره، ولا يبعث من في القبور, وبالجملة فكان هذا الملحِدُ هو وأتباعه من الملحدين الكافرين بالله، وملائكته، وكتبه، ورسوله، واليوم الآخر". توفي في بغداد في ثاني عشر ذي الحجة، وله خمس وسبعون سنة.

العام الهجري : 808 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1405
تفاصيل الحدث:

في شهر جمادى الآخرة، أوله الثلاثاء، وفيه مرض السلطان الملك المنصور، وفي يوم الجمعة رابعه: عادت الخيول من الربيع، وظهر بين أهل الدولة حركة، فكَثُرت القالة، وبات المماليك تسعى بعضها إلى بعض، فظهر الملك الناصر في بيت الأمير سودن الحمزاوي، وتلاحق به كثير من الأمراء والمماليك، ولم يطلع الفجر حتى ركب السلطان بآلة الحرب، وإلى جانبه ابن غراب، وعليه آلة الحرب، وسار بمن اجتمع إليه يريد القلعة، فقاتله سودن المحمدي أمير أخور، وإينال باي بن قجماس، وبيبرس الكبيري، ويشبك بن أزدمر، وسودن المارديني، قتالًا ليس بذاك، ثم انهزموا، وصعد السلطان إلى القلعة، فكانت مدة عبد العزيز سبعين يومًا، فعاد السلطان الملك الناصر زين الدين فرج ابن الملك الظاهر برقوق إلى الملك ثانيًا؛ وذلك أنه لما فُقِد من القلعة وصار إلى بيت سعد الدين بن غراب، ومعه بيغوت، قام له بما يليق به، وأعلم الأمير يشبك به، فخفي على أهل الدولة مكانه، ولم يعبؤوا به، وأخذ ابن غراب يدبر في القبض على الأمير إينال باي، فلم يتمَّ له ذلك، فلما تمادت الأيام قرر مع الطائفة التي كانت في الشام من الأمراء، وهم يشبك، وقطلو بغا الكركي، وسودن الحمزاوي في آخرين، أنه يخرج إليهم السلطان، ويعيدونه إلى المُلك؛ لينفردوا بتدبير الأمور؛ وذلك أن الأمير بيبرس الأتابك قويت شوكته على يشبك، وصار يتردد إليه، ويأكل على سماطه، فعزَّ عليه وعلى أصحابه ذلك، فما هو إلا أن أعلمهم ابن غراب بالخبر، فوافقوه على ذلك، وواعد بعضهم بعضًا، فلما استحكم أمرهم، برز الناصر نصف ليلة السبت خامس جمادى الآخرة من بيت ابن غراب، ونزل بدار الأمير سودن الحمزاوي، واستدعى الناس، فأتوه من كل جهة، وركب وعليه سلاحه، وابن غراب إلى جانبه، وقصد القلعة، فناوشه من تأخر عنه من الأمراء قليلًا، ثم فرُّوا، فملك السلطان القلعة بأيسر شيء؛ وذلك أن صوماي رأس نوبة كان قد وكل بباب القلعة، فعندما رأى السلطان فتح له، فطلع منه، وملك القصر، فلم يثبت بيبرس ومن معه، ومرُّوا منهزمين، فبعث السلطان بالأمير سودن الطيار في طلب الأمير بيبرس فأدركه خارج القاهرة، فقاتله وأخذه وأحضره إلى السلطان، فقيَّده وبعثه إلى الإسكندرية فسُجِن بها، واختفى الأمير إينال باي بن قجماس، والأمير سودن المارديني.

العام الهجري : 1244 العام الميلادي : 1828
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامة الشيخُ عبد العزيز بن الشيخ الإمام حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر من آل معمر أهل العُيَينة، وهم من بين سعد بن زيد مناة بن تميم، وُلِدَ في الدرعية مركزِ الحركة العلمية في ذلك الحين سنة 1203هـ ونشأ في وسط العلماء العاملين الذين كانت تزخَرُ بهم الدرعيةُ ونجد في ذلك الزمنِ، فكان من شيوخِه والِدُه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والشيخ الإمام عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والشيخ العلامة المؤرخ أبو بكر حسين بن غنام، والشيخ أحمد بن حسين بن رشيد بن عفالق الحنبلي نزيل الدرعية، وغيرهم من العلماء، فمَهَر في جميعِ العلوم والفنون فصار عالِمًا محَقِّقًا وفقيهًا متبحرًا، له اليد الطولى والباع الواسع في التصنيف والتأليف ونشْر العلم وتخريجِ الكثير من الطلاب، والرَّد على المعارضين، وله عِدَّةُ مصَنَّفات وفتاوى ورسائل وأشعار، ومن أشهر مصنَّفاتِه وأجَلِّها الكتابُ المسمى: منحة القريب العجيب في الرد على عُبَّاد الصليب، ومن مصنَّفاته أيضًا: اختصار نظم ابن عبد القوي للمُقنِع. أخذ عنه العلم وانتفع به كثيرٌ من العلماء، وفي زمَنِه جرى على الديار النجدية والدولةِ السعودية ما جرى من التقتيل والتخريبِ، فدُمِّرَت الدرعية وتشَتَّت علماؤها وقادةُ الدعوة الذين كانوا بها؛ أخرجهم إبراهيم باشا من أوطانِهم ونفاهم إلى مِصرَ، وفر الشيخُ عبد العزيز بن معمر من الدرعية إلى البحرين، وكان لا يزال شابًّا في العقد الثالث من عمرِه، فأقام بها ولم تنقَطِعْ صلته بآل الشيخ الذين نُقِلوا إلى مصرَ، فكان يكاتب الشيخ عبد الرحمن بن حسن بأشعارٍ يتوجَّعُ فيها على ما حَلَّ بنجدٍ مِن الدمار والخراب. أرسل شيخُ البحرين عبد الله بن خليفة عليه شُبهةً كتَبَها قسيس نصراني إنجليزي عجز عن الردِّ عليها علماءُ البحرين والأحساء، فتناوله الشيخ عبد العزيز وأمعن النظرَ فيه وقال: تأخذونَ مني دحض هذه الشبهةِ بعد شهر إن شاء الله تعالى، فلبث شهرًا وأتمَّ الردَّ وبعث به إلى الأميرِ وفَرحَ به أشَدَّ الفَرَحِ، ودُعِيَ القسيس الإنكليزي وأعطاه الردَّ، فلما طالعه عَجِبَ له واندهش جدًّا لِما كان يظنه من عجز ِعلماء البحرين، وقال: هذا الرد لا يكونُ مِن هنا وإنما يكون من البحر النجدي، فقال له الأمير: نعم، إنه أحَدُ طلبة العلم النجديين. أقام الشيخ عبد العزيز في البحرين حتى توفِّيَ فيها.

العام الهجري : 1246 العام الميلادي : 1830
تفاصيل الحدث:

كان محمد علي باشا والي مصر يطمَعُ أن يوسِّعَ أملاكَه ويرغَبُ في ضَمِّ الشام إليه، ولَمَّا فَرَّ عددٌ من الهاربين من التجنيد إلى الشام والتجؤوا إلى عبد الله باشا والي عكَّا، ومنهم من هرب من الضرائب الفادحة، فتذرَّع محمد علي بهذه الذريعة للدُّخول إلى الشام، وكان قد راسل الخليفةَ بنيَّتِه، ولكِنَّ الخليفةَ لم يوافِقْه على ذلك، ولكِن محمد علي لم يصغِ إليه، بل أرسل جيشًا بريًّا بقيادة ابنه إبراهيم، وسيَّرَ حملةً بحرية في جمادى الأولى من عام 1247هـ. أما البرية التي سبقَتْها فقد استطاعت احتلالَ غَزَّة ويافا والقدس ونابلس والتقتا في حيفا، ثم سار إبراهيمُ وحاصر عكا برًّا وبحرًا، فكلَّف الخليفةُ عثمان باشا والي حلب بقتالِ إبراهيم، فسار إليه فترك إبراهيمُ الحصارَ لقوَّةٍ صغيرة، وسار لملاقاتِه، فالتقيا قرب حمص فهزَمَه إبراهيم، ورجع إبراهيم للحصارِ حتى تمكن من دخول عكَّا، ثم انطلق شمالًا، ويُذكَرُ أنَّه قد أعلن نصارى بلاد الشام بأنَّ إبراهيم باشا صديق لهم، وأبدوا استعدادًا تامًّا لمساعدته، كما أن ابراهيم باشا قد ألغى كافة القيود المفروضة على النصارى واليهود فقط في كل بلدٍ سيطر عليه تحت دعوى المساواةِ والحرية، ثم سير الخليفة جيشًا آخر لقتال إبراهيم بقيادة حسين باشا، ولكنه هُزِمَ أيضًا، فدخل المصريون حلب وتراجع حسين باشا حتى تحصَّن في ممرِّ بيلان -الطريق الطبيعي للأناضول. وعلى الرغم من أن جيشَ إبراهيم باشا قد تمكَّن من هزيمة الجيش العثماني واستطاع أن يستكمِلَ سيطرته على الشام إلَّا أن العثمانيين قد تمكَّنوا من إثارة الأهالي ضِدَّ ابراهيم باشا، مستغلِّين العديدَ من الأسباب، سواء كانت دينية، أو اقتصادية، خصوصًا بعد أن ضيَّق إبراهيم باشا الخناقَ على المسلمين في حين مَنَحَ حرياتٍ واسعةً للنصارى واليهود، لقد فتح إبراهيم باشا البابَ على مصراعيه لدخول البَعَثات التبشيرية الفرنسية والأمريكية، وألغى كافَّةَ القوانين الاستثنائية وجميعَ ما كان يسري على النصارى وَحدَهم، ويَعتَبِر بعضُ الكتَّاب أن عام 1249هـ / 1834م عامَ تحوُّلٍ تاريخي؛ حيث عاد اليسوعيون، وتوسَّعت البَعَثات الأمريكية، وتمَّ نَقلُ مطبعة الإرسالية الأمريكية من مالطة إلى بيروت، وأُسِّسَت مدرسة للبنات في بيروت على يد "إيلي سميث" وزوجته، وزُوِّدَت بعض الأديرة بمطابِعَ أخرى في إطار حرص الدول الأوروبية على حَصرِ المطابِعِ في يد المسيحيين فقط؛ حتى تتمكَّنَ من تحقيق أهدافِها، في ظِلِّ عَجزِ المسلمين عن امتلاكِ وسيلة التعبير عن آرائِهم، أو نشر أفكارهم في هذا المجال!!