شرع المنصورُ في بناء الرصافة لابنه المهدي بعد مَقدَمِه من خراسان، وكان سبب بنائِها أنَّ بعضَ الجند شغَّبوا على المنصور وحاربوه على باب الذَّهبِ، فدخل عليه قُثَمُ بنُ العبَّاس، وهو شيخُهم، وله الحرمةُ والتقدُّم عندهم، فاستشاره المنصور، فقال له أن يتركَ الأمرَ له، فقام قُثَم بحيلةٍ فافترق الجند، فصارت مُضَرُ فِرقةً، وربيعةُ فرقة، والخراسانية فرقة. فقال قُثَم للمنصور: قد فرَّقتُ بين جُندِك وجعلتُهم أحزابًا، كلُّ حزبٍ منهم يخافُ أن يُحدِثَ عليك حدثًا فتضرِبَه بالحزبِ الآخر، وقد بقيَ عليك في التدبير بقيَّة، وهي أن تعبُرَ بابنِك المهدي فتُنزِلَه في ذلك الجانب، وتحَوِّل معه قطعةً من جيشِك فيصير ذلك بلدًا وهذا بلدًا، فإن فسدَ عليك أولئك ضربتَهم بهؤلاء، وإن فسدَ عليك هؤلاء ضربتَهم بأولئك، وإن فسد عليك بعضُ القبائل ضربتَهم بالقبيلة الأخرى (على مبدأ: فَرِّقْ تَسُد)، فقَبِلَ رأيه واستقام مُلكُه، وبنى الرصافة وهي في الجانب الشرقي من بغداد، وجعل لها سورًا وخندقًا، وعَمِلَ عندها ميدانًا وبستانًا، وأجرى إليها الماءَ مِن نهرِ المهدي
هو الخليلُ بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيديُّ الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن: من أئمَّة اللغة والأدب، وواضِعُ علم العروضِ، إمامُ اللغة المعروف، ولد سنة 100هـ ونشأ بالبصرة، وأخذ النحوَ والقراءةَ والحديث عن أئمَّة العربية وكِبار الرواة، رحل إلى الباديةِ فسَمِعَ الفصيحَ وجمَع الغريبَ، حتى نبغَ في اللغة فأصبح عَلَمَها المشهورَ، وعنه أخذ سيبويهِ، انكَبَّ على العلم يستنبِطُ ويُعَلِّم ويؤلِّف، مع تقشُّفٍ في المعيشة وزُهدٍ، قيل: كان أوَّلًا على مذهب الخوارج الإباضيَّة، ثم رجع إلى مذهب أهل السنَّة، وهو أوَّل من ابتكر عِلمَ العَروضِ، وابتكر المُعجَمات ووضَعَ الخَطَّ على الشَّكلِ المُستعمَل، ألَّفَ في العَروض والخَطِّ والشَّكل والنَّقط والإيقاع، وأما أهمُّ مؤلَّفاته فهو كتاب "العَين" وهو معجَمٌ مُرَتَّبٌ على حسَبِ مخارجِ الحروفِ، مُبتدئا بحرفِ العين، فسُمِّي بذلك، لكنه لم يُتِمَّه، وكان سببُ موتِه أنَّه اصطدم رأسُه بساريةٍ في المسجدِ ارتَجَّ منها دماغُه، فكانت سببَ موته.
سيَّرَ الحكم بن هشام صاحِبُ الأندلس جيشًا مع عبد الكريم بنِ مغيث إلى بلاد الفرنج، فدخل البلادَ، وبثَّ السَّرايا فجازوا خليجًا من البحر كان الماءُ قد جَزَر عنه، وكان الفرنجُ قد جعلوا أموالَهم وأهليهم وراء الخليجِ؛ ظنًّا منهم أنَّ أحدًا لا يقدِرُ أن يعبُرَ إليهم، فجاءهم ما لم يكُنْ في حِسابهم، فغَنِمَ المسلمون جميعَ مالهم، وأسَروا الرجالَ وقَتَلوا منهم فأكثروا، وسَبَوا الحريمَ، وعادوا سالِمينَ إلى عبدِ الكريم. وسَيَّرَ طائفةً أخرى، فخَرَّبوا كثيرًا من بلاد فرنسيَّة، وغَنِمَ أموال أهلها، وأسَروا الرجال، فأخبَرَه بعض الأسرى أنَّ جماعةً مِن ملوك الفرنج قد سبقوا المُسلِمينَ إلى وادٍ وعْرِ المسلَكِ على طريقِهم، فجمع عبد الكريم عساكِرَه، وسار على تعبئةٍ، وجَدَّ السَّيرَ، فلم يشعُرِ الكُفَّارُ إلَّا وقد خالَطَهم المسلمون، فوَضَعوا السيفَ فيهم فانهزموا، وغَنِمَ ما معهم وعاد سالِمًا هو ومَن معه.
خرج توفيل بن ميخائيل ملِكُ الروم إلى بلادِ الإسلام، وأوقع بأهلِ زبطرة وغيرها، وكان سبَبُ ذلك أنَّ بابك لَمَّا ضَيَّقَ الأفشينُ عليه، وأشرف على الهلاك، كتب إلى مَلِك الروم توفيل يُعلِمُه أنَّ المعتَصِمَ قد وجَّهَ عساكِرَه ومقاتليه إليه، ولم يَبقَ على بابِه أحدٌ، فإن أردت الخروجَ إليه فليس في وجهِك أحدٌ يَمنَعُك؛ ظنًّا أن ذلك يخَفِّفُ عنه، فخرج توفيل في مائة ألفٍ، وقيل أكثر، منهم من الجندِ نَيِّفٌ وسبعون ألفًا وبقيَّتُهم أتباع، ومعهم من المحمِّرة الذين كانوا خرجوا بالجبالِ فلَحِقوا بالرُّومِ حين قاتَلَهم إسحاقُ بن إبراهيم بن مصعب، فبلغ زبطرة، فقتَلَ مَن بها من الرجال، وسَبى الذريَّةَ والنِّساءَ، وأغار على أهلِ ملطيَّة وغَيرِها من حصونِ المسلمين، وسبى المُسلِمات، ومَثَّلَ بمن صار في يدِه من المسلمينَ وسَمَل أعيُنَهم، وقطَعَ أنوفَهم وآذانَهم، فخرج إليهم أهلُ الثغورِ مِن الشامِ والجزيرة، إلَّا مَن لم يكن له دابَّةٌ ولا سِلاحٌ.
اجتمع الفرنج وساروا إلى بلد حوران من أعمال دمشق للغارة عليه، وبلغ الخبر إلى نور الدين محمود، وكان قد برز ونزل هو وعسكره بالكسوة، فسار إليهم مجدًّا، وقَدِمَ بجموعه عليهم، فلما عَلِموا بقُربه منهم دخلوا إلى السواد، وهو من أعمال دمشق أيضًا، ولحِقَهم المسلمون وتخَطَّفوا مَن في ساقتهم ونالوا منهم، وسار نور الدين فنزل في عشترا، وسيَّرَ منها سرية إلى أعمال طبرية، فشنُّوا الغارات عليها، فنَهَبوا وسَبَوا، وأحرقوا وخربوا، فسمع الفرنج ذلك، فرحلوا إليهم ليمنعوه عن بلادهم، فلما وصلوا كان المسلمون قد فَرَغوا من نهبِهم وغنيمتِهم، وعادوا وعبَروا النهر، وأدركهم الفرنجُ، فوقف مقابِلَهم شجعان المسلمين وحُماتهم يقاتلونهم، فاشتد القتال وصبر الفريقان، الفرنج يرومون أن يلحقوا الغنيمة فيردُّوها، والمسلمون يريدون أن يمنعونهم عنها لينجو بها من قد سار معها، فلما طال القتالُ بينهم وأبعدت الغنيمة وسلِمَت مع المسلمين، عاد الفرنج ولم يقدروا أن يستردُّوا منها شيئًا.
لما مات نورُ الدين محمود زنكي، صاحِبُ الشام، اجتمعت الفرنجُ وساروا إلى قلعة بانياس من أعمال دمشق فحصروها، فجمع شمسُ الدين محمد بن المقدم الوصيُّ على الملك الصالح بن نور الدين محمود العسكرَ عنده بدمشق، فخرج عنها، فراسَلَهم، ولاطَفَهم، ثم أغلظ لهم بالقول، وقال لهم: إن أنتم صالحتُمونا وعدتُم عن بانياس، فنحن على ما كنَّا عليه، وإلا فنُرسِلُ إلى سيف الدين، صاحِبِ الموصل، ونصالِحُه، ونستنجده، ونرسِلُ إلى صلاح الدين بمصر فنستنجِدُه، ونقصِدُ بلادكم من جهاتها كُلِّها، فعَلِموا صِدقَه، فصالحوه على شيءٍ مِن المال أخذوه وأسرى أُطلِقوا كانوا عند المسلمينَ وتقَرَّرت الهُدنة، فلما سَمِعَ صلاح الدين بذلك أنكره واستعظمه، وكتب إلى الملك الصالح والأمراء الذين معه يُقَبِّحُ لهم ما فعلوه ويبذُلُ مِن نفسه قصْدَ بلاد الفرنج ومقارعتهم وإزعاجُهم عن قصدِ شَيءٍ مِن بلاد الملك الصالح.
هو المَلِكُ المُعظَّم فخر الدين شمس الدولة توران شاه بن أيُّوب أخو السلطان صلاح الدين. كان أكبَرَ من صلاح الدين في السنِّ. وكان يرى في نفسه أنَّه أحقُّ بالمُلك من صلاح الدين يوسف، وكان يبدو منه كلامٌ يقدح في صلاح الدين وتبلغه عنه، ومع ذلك كان صلاح الدين يُحسِنُ إليه. شهد معه مواقِفَ مشهودة محمودة، وهو الذي افتتح بلادَ اليمن عن أمر صلاح الدين، فمكث فيها حينًا واقتنى منها أموالًا جزيلة، ثم عاد من اليمن، فاستنابه صلاح الدين على دمشق مدة، ثم سار إلى مصر فاستنابه على الإسكندرية فلم توافقْه، وكانت تعتريه القوالنج، فمات في هذه السنة، ودفن بقصر الإمارة فيها، ثم نقلته أختُه ست الشام بنت أيوب فدفنته بتربتها التي بالشامية البرانية, ولَمَّا بلغ موته أخاه صلاح الدين بن أيوب وهو مخيِّم بظاهر حمص، حَزِن عليه حزنًا شديدًا. كان توران شاه شجاعًا جوادًا مُمَدَّحًا حَسَن الأخلاق.
كان حسام الدين صاحب مدينة أرزن الروم من ديار بكر لم يزل مصاحبًا للملك الأشرف، مشاهدًا جميع حروبه وحوادثه، وينفِقُ أمواله في طاعته، ويبذل نفسَه وعساكره في مساعدته، فهو يعادي أعداءه، ويوالي أولياءه، ومن جملة موافقته أنه كان في خلاط لَمَّا حصرها جلال الدين، فأسره جلالُ الدين، وأراد أن يأخذ منه مدينة أرزن، فقيل له: إن هذا من بيت قديمٍ عريق في الملك، وإنه ورث أرزن هذه من أسلافِه، وكان لهم سواها من البلاد فخرج الجميعُ من أيديهم، فعطف عليه ورقَّ له، وأبقى عليه مدينة أرزن، وأخذ عليه العهودَ والمواثيق أنه لا يقاتِلُه، فلما جاء الملك الأشرف وعلاء الدين محاربين لجلال الدين لم يحضُرْ معهم في الحرب، فلما انهزم جلال الدين سار شهاب الدين غازي بن الملك العادل، وهو أخو الأشرف، وله مدينة ميافارقين، ومدينة حاني، وهو بمدينة أرزن، فحصره بها، ثم ملكها صلحًا، وعوَّضَه عنها بمدينة حاني من ديار بكر.
استهلت هذه السَّنةُ وسلطانُ دمشق نجم الدين الصالح أيوب بن الكامل مخيِّم عند نابلس، يستدعي عمَّه الصالح إسماعيل؛ ليسيرَ إلى الديارِ المصريةِ؛ لأخْذِها من صاحبها العادل بن الكامل، فلما كان يومُ الثلاثاء السابع والعشرين من صفر هجم الملك الصالح إسماعيل وفي صحبته المجاهِدُ أسد الدين شيركوه صاحب حمص على دمشقَ، فدخلاها بغتةً من باب الفراديس، فنزل الصالح إسماعيل بدارِه من درب الشعارين، ونزل صاحِبُ حمص بداره، وجاء نجم الدين بن سلامة فهنأ الصالحَ إسماعيل، وأصبحوا فحاصروا القلعةَ وبها المغيث عمر بن الصالح نجم الدين، ونَقَبوا القلعة من ناحية باب الفرج، وهتَكوا حُرمَتَها ودخلوها وتسَلَّموها واعتقلوا المغيثَ في برج هنالك، ولما وصل الخبَرُ بما وقع إلى الصالح أيوب تفَرَّق عنه أصحابه والأمراء خوفًا على أهاليهم من الصالحِ إسماعيلَ، وبَقِيَ الصالح أيوب وحده بمماليكِه.
أراد السلطان مراد الثاني بن محمد جلبي أن يعيد الإمارات في الأناضول إلى سيادة الدولة العثمانية بعد عدوان تيمورلنك على تلك المنطقة؛ ولذلك عقد هدنة مع ملك المجر لمدة خمس سنوات، كما صالح أمير القرامان، وبدأ يتجه لأوروبا مستأنفًا حركة الجهاد ومؤدبًا للأوربيين الذين أساؤوا للعثمانيين أيام المحنة التي حلَّت بهم أيام السلطان بايزيد. وفتح المجر وأخذ الجزية من أمير الصرب مع تقديم فرقة من جنود الصرب لمساعدة السلطان في حروبه، واستعاد مدينة سلانيك (سالونيك) والأفلاق وألبانيا، وعندما تجهز لحصار القسطنطينية نقض أمراءُ أوربا العهد معه، فاتجه إليهم مرة أخرى، فأدَّب ملك المجر وأمير الأفلاق وأمير الصرب، واستعاد مدينة سلانيك عام 833 من البندقية، وكان إمبراطور القسطنطينية قد تنازل عنها لهم، وقد حاصرها السلطان خمسة عشر يومًا، واعترف أمير الأفلاق بسيادة العثمانيين على بلاده عام 836.
بعد أن استطاع العثمانيون فتحَ بودابست عاصمة المجر, وتعيين الخليفة سليمانِ القانوني أميرَ ترانسلفانيا جان زابولي عليها, ادَّعى الأمير فرديناند أخو ملك النمسا شارلكان أحقيَّةَ ملك المجر بدلَ جان الذي وضعه سليمان القانوني، فهجم عليه وهزم الملِكَ جان الذي استنجد بسليمان، فسار إليه الخليفة فهرب فرديناند متجهًا إلى فيينا، فتبعه الخليفة سليمان وتابع في ضغطِه حتى بلغت جيوشه أسوار فيينا عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وألقى عليها الحصار في محرَّم من هذه السنة، إلَّا أن طول خطوط المواصلات وتحوُّل (شارل كنت) من قتال فرانسوا إلى التصالح معه للتفرُّغ لحرب العثمانيين ولإنقاذ عاصمة الهايسبورج جعل من المستحيل على سليمان القانوني فتحَ هذه العاصمة، وزاد ذلك دخولُ فصل الشتاء في مطلع سنة 937هـ ونفاد الذخيرة المدفعية؛ كلُّ ذلك أدى لتراجع الخليفة سليمان عنها، بينما استمر الصراع بين سليمان والقوى الأوروبية المؤيدة لملك المجر؛ من أجل السيطرة على هذه المملكة حتى وفاة سليمان.
هو الشيخُ الإمام أبو العباس أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري، شيخ جامع الأزهر، وأحد عُلماء مصر المُكثرين من التصنيف، ولِدَ بدمنهور سنة 1101هـ - 1589م. تعلَّم في الأزهر حتى تولى مشيخَتَه. فقد اشتغل بالعلمِ، وجدَّ في تحصيلِه، واجتهد في تكميلِه، وأجازَه علماء المذاهب الأربعة، وسمحوا له بتدريسِ الفِقهِ على المذاهب الأربعة, حتى سُمِّي بالمَذهبي. كانت له حافظةٌ وذاكرةٌ عجيبة, قيل عنه إنه: "أعلمُ أهل عصره بالديار المصريةِ في جميع الفنون النَّقلية والعقلية, وإنه بحرٌ لا ساحِلَ له" كان مُهابًا لدى الأمراء؛ لكونه قوَّالًا للحق، أمَّارًا بالمعروف، سمحًا بما عنده من الدنيا، وقَصَده الملوك والولاة من كلِّ حَدبٍ مِن طَرفِ الدولة, وله مصنَّفات كثيرة، منها: النفع العزيز في صلاح السلطان والوزير، ونهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، والفيض العميم في معنى القرآن العظيم، ومنهج السلوك في نصيحة الملوك، ومشاركات في الطب والكيمياء. توفي في القاهرة.
هو الأميرُ أحمد بن محمد آل خليفة، الملقَّب بالفاتِحِ؛ لأنَّه يعتبَرُ المؤسِّسَ لإمارة البحرين والمثَبِّت الحقيقيَّ لحكم آل خليفة في الجزيرة البحرينية وشبه الجزيرة القطرية، وهو عتبي عنزي أسدي، من آلِ خليفةٍ، ولِدَ بالكويت في النصف الأول من القرن الثامن عشر، انتقل مع والده على رأس الأسرة إلى قطر عام (1175هـ/1762م) حيث أسَّسوا الزبارة كانت إقامته بالزبارة (على الساحل المقابل للبحرين) مع أخيه شيخ الزبارة خليفة بن محمد، الذي كان ذهب للحَجِّ فناب عنه أخوه أحمد، فنشبت حينها فتنةٌ بين أهل البحرين وبين أهل الزبارة التي انتهت بانتصارِ أهلِ الزبارة، وبالتالي دخل أحمد البحرين، واستولى عليها سنة 1197، وجاء الخبَرُ بوفاة أخيه خليفة في مكة، فأصبح أحمد هو الآمِرَ الفعليَّ، فحكم البحرين واعتُبِرَ مؤسِّسَها، وبقي متنقلًا بين البحرين والزبارة مقويًا شأنَه فيهما إلى أن توفي في هذه السنةِ، ودُفِن في المنامة، فخَلَفه بعده ابنُه سليمان.
إنَّ مما قام به الإنجليز في الهند لتوطيدِ بقائهم وسيطرتهم فيها أنْ عَمِلوا على إنشاءِ الفِرَق الضالَّة، أو على الأقلِّ دعمها أو السكوت عنها وتَرْكها تنشُرُ ضلالها، فكان مما عَمِلَته أن شجَّعَت مرزا غلام أحمد القادياني على إحياءِ ما دعا إليه المَلِك المغولي في الهند جلال الدين أكبر شاه المتوفَّى عام 1014ه. فأنشأ مرزا غلام القاديانية، وكتب البراهينَ الأحمدية، ثم تطوَّر أمره فادَّعى عام 1322هـ أنَّه المهدي المنتظَرُ، وأعلن أنَّ الإنجليز هم أولو الأمر، فيَجِبُ طاعتهم، ولا يصِحُّ الخروجُ عليهم ولا قتالُهم ولا الجهاد ضِدَّهم مع أحدٍ، وعَمِلَ على التوفيق بين الأديان، فادعى أنَّه يتقَمَّصُ روح المسيح عليه السلام وروحَ الإله كرشنا ربِّ الخير عند الهندوس!! وأصبح له أتباعٌ, وقَوِيَ أمرُه، وكان البريطانيون يدعمونه ويحمونه، ثم لَمَّا توفِّيَ عام 1326هـ انقَسَمت جماعتُه إلى قسمين: الأحمدية وتدَّعي أنه كان رجلًا مُصلِحًا، والقاديانية: وتقول بنبُوَّتِه وتدعو إلى ما كان عليه من أفكارٍ ومعتقداتٍ باطلةٍ.
هو السلطانُ محمد الخامس رشاد بن عبد المجيد الأول بن محمود الثاني عبد الحميد الأول بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني. ولِدَ سنة 1844 باستانبول، وهو السلطان الخامس والثلاثون للدولة العثمانية، تولى الحكمَ بعد خلع أخيه عبد الحميد الثاني 1909م، وكان عمره 65 عامًا. أعيد تفعيلُ الدستور بعد تنصيبِه، وسيطر الاتحاديون على جميعِ مقاليد الحكمِ، ولم يبق للخليفة من الحكمِ إلا اسمُه، وأعلن السلطان محمد رشاد الجهادَ الإسلاميَّ على الحُلَفاء رغمًا عنه بأمر من الاتحاديين، وهُزِمت الدولة العثمانية في الحرب بجانب ألمانيا، وتوفِّيَ قبل أن تستسلم الدولة في الحرب العالمية الأولى بعدة أشهرٍ مِن هذا العام، بعد أن أمضى في الخلافة الصوريةِ قرابةَ الثماني سنوات، ثم تولى بعده أخوه محمد السادس وحيد الدين.