ظهر محمَّدُ بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، بالطالقان من خراسان، يدعو إلى الرضا من آل محمَّد، وكان ابتداءُ أمرِه أنَّه كان ملازمًا مسجدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، حسَنَ السِّيرةِ، فأتاه إنسانٌ من خراسان كان مجاورًا، فلما رآه أعجَبَه طريقُه، فقال له: أنت أحَقُّ بالإمامةِ مِن كُلِّ أحَدٍ، وحَسَّنَ له ذلك وبايعه، وصار الخُراساني يأتيه بالنَّفَرِ بعد النفر مِن حُجَّاجِ خُراسان يبايعونه، فعل ذلك مُدَّةً. فلما رأى كثرةَ مَن بايعه من خراسانَ سارا جميعًا إلى الجوزجان، واختفى هناك، وجعل الخراساني يدعو النَّاسَ إليه، فعَظُم أصحابُه، وحمله الخراسانيُّ على إظهارِ أمْرِه، فأظهره بالطالقان، فاجتمع إليه بها ناسٌ كثير، وكانت بينه وبين قوَّادِ عبدِ الله بن طاهر وقَعاتٌ بناحيةِ الطالقان وجبالِها، فانهزم هو وأصحابه، وخرج هاربًا يريدُ بعضَ كور خراسان، وكان أهلُها كاتبوه، فلما صار بنسا، وبها والدُ بعضِ مَن معه، فلمَّا بَصُرَ به سأله عن الخبَرِ فأخبره، فمضى الأبُ إلى عامِلِ نسا فأخبَرَه بأمر محمد بن القاسم، فأعطاه العامِلُ عشرةَ آلاف درهم على دَلالَتِه، وجاء العامِلُ إلى محمد، فأخذه واستوثَقَ منه، وبعثه إلى عبدِ الله بن طاهر، فسيَّرَه إلى المعتصم، فحُبِسَ عند مسرور الخادمِ الكبير، وأجرى عليه الطَّعامَ، ووكَلَ به قومًا يحفَظونَه، فلمَّا كان ليلةُ الفطرِ اشتغلَ النَّاسُ بالعيد، فهرب من الحبسِ، دُلِّيَ إليه حبلٌ مِن كوَّة كانت في أعلى البيتِ، يدخل عليه منها الضوءُ، فلما أصبحوا أتَوْه بالطعام، فلم يَرَوه، فجعلوا لِمَن دلَّ عليه مائة ألفٍ، فلم يُعرَف له خبَرٌ.
هو عُمَرُ بنُ حَفصون بن عمر بن جعفر بن دميان بن فرغلوش بن أذفونش القس, وينتمي عمر بن حفصون لأسرة من المولَّدين قوطيَّة الأصل, فجَدُّه الأعلى وقت الفتح هو القِسُّ ألفونسو، وأوَّلُ من أسلَمَ مِن أسرته هو جدُّه الرابع جعفر, وابنُ حفصون هو رأس الخوارجِ بجزيرة الأندلس, وأحدُ أشهَرِ معارضي سُلطة الدولة الأمويَّة في الأندلس، وكاد أن يغلِبَ على الأندلس، وأتعبَ السَّلاطينَ، وطال أمرُه، وعظُم البلاءُ به، وكان جَلْدًا شُجاعًا فاتكًا، وكان يتحصَّن بقلعةٍ منيعةٍ في جبل ببشتر، فتح باب الشِّقاقِ والخلاف في الأندلس، نُعِت باللَّعينِ والخبيثِ ورأسِ النفاق، أوَّل ما ثار على الأمير محمد بن عبد الرحمن عام 270 واستفحل أمرُه، ثمَّ أظهر النصرانيَّة سنة 286 فاتَّصلَت عليه المغازي. أظهَرَ الطاعات مراتٍ وقُوبِلَ بالعفوِ، ولكنه لم يلبَثْ أن يتمَرَّدْ مَرَّةً أخرى، وكان عُبيد اللهِ الفاطمي العُبَيدي اعترف به وبزعامته وأمَدَّه بالذخائرِ والأسلحة ودعا له في المساجدِ؛ كلُّ ذلك أملًا منه أن ينضمَّ للفاطميِّينَ، عاصَرَ ابنُ حفصون في ثورته أربعةً مِن الأمراء الأمويين، بدأ في عهدِ الأمير محمد بن عبد الرحمن وحتى عهد عبد الرحمن الناصر لدين الله، وسيطر خلالَها على مناطِقَ كبيرةٍ في جنوبِ الأندلس، ولاقت حركتُه ترحيبًا من أعداد كثيرةٍ مِن سُكَّانِ تلك المناطِقِ من المولَّدين والمُستعربين، وقاومتها سُلُطاتُ الدولة بحزمٍ إلى أن أنهى عبدُ الرحمن الناصِرُ لدين الله حركةَ ابن حفصون وخلفائِه تمامًا عام 316، بعد عشرِ سَنواتٍ على وفاة عُمَرَ بنِ حفصون نفسِه, ولما توفِّيَ خَلَفَه ابنُه سُلَيمانُ.
لما دخل السلطان أبو عبد الله محمد الشيخ السعدي إلى فاس سنة 956 وقبض على بني وطاس بها، فرَّ أبو حسون- أخو السلطان أبي العباس أحمد الوطاسي- إلى ثغر الجزائر حقنًا لدمه ومستعينًا بالعثمانيين على السعدي، وكان العثمانيون قد استولوا على المغرب الأوسط وانتزعوه من يد بني زيان، فلم يزل أبو حسون عندهم يفتلُ لهم في الغارات والسنام ويحسِّنُ لهم بلاد المغرب الأقصى ويعظِّمُها في أعينهم ويقول: "إن المتغلِّبَ عليها قد سلبني ملكي ومُلك آبائي، وغلبني على تراث أجدادي، فلو ذهبتم معي لقتاله لكنَّا نرجو الله تعالى أن يتيحَ لنا النصر عليه ويرزُقَنا الظَّفَر به ولا تعدِمونَ أنتم مع ذلك منفعةً مِن ملء أيديكم غنائِمَ وذخائِرَ". ووعدهم بمال جزيل فأجابوه إلى ما طلب وأقبلوا معه في جيشٍ كثيف تحت راية الباشا صالح التركماني المعروف بصالح رئيس، إلى أن اقتحموا حضرةَ فاس بعد حروب عظيمة ومعاركَ شديدة، وفَرَّ عنها محمد الشيخ السعدي إلى منجاتِه، وكان دخول السلطان أبو حسون إلى فاس ثالثَ صفر من هذه السنة, ولما دخلَها فرح به أهلُها فرحًا شديدًا، وترجل هو عن فرسه وصار يعانقُ الناس؛ كبيرًا وصغيرًا، شريفًا ووضيعًا، ويبكي على ما دهمَه وأهلَ بيته من أمر السعديين، واستبشر الناسُ بمقدَمِه وتيمَّنوا بطلعتِه، وقُبض على كبير فاس يومئذ القائد أبي عبد الله محمد بن راشد الشريف الإدريسي, واطمأنت بالسلطان أبي حسون الدارُ، ثم لم يلبث إلا يسيرًا حتى كثرت شكايةُ الناس إليه بالترك وأنهم مدُّوا أيديَهم إلى الحريم وعاثوا في البلاد، فبادر أبو حسون بدفع ما اتَّفق مع الترك عليه من المال وأخرجَهم عن فاس.
كان إبراهيمُ بن محمَّدِ بن عَلِيٍّ زَعيمُ الدَّعوة العَبَّاسِيَّة قد سَجنَه مَرْوانُ ثمَّ قَتلَه، واخْتُلِف في كَيفيَّة ذلك، ثمَّ استَلَم بعدَه أَخوهُ المُلَقَّب بالسَّفَّاح عبدُ الله أبو العَبَّاس الذي تَوجَّه إلى الكوفَة فبُويِعَ له بالخِلافَة، وكانت خُراسان قد أُخْضِعَت أصلًا سابِقًا للعبَّاسِيِّين.
جاء جَرادٌ في شَعبانَ بعَددِ الرَّملِ والحَصَا، فأَكلَ الغَلَّاتِ وآذَى الناسَ، وجاعوا فطُحِنَ الخَرُّوبُ بِدَقيقِ الدُّخْنِ فأَكلوهُ، ووَقعَ الوَباءُ، ثم مَنعَ اللهُ الجَرادَ من الفَسادِ، وكان يَمُرُّ ولا يَضُرُّ، فرَخُصَت الأَسعارُ، ووَقعَ غَلاءٌ شَديدٌ بدِمشق واستَمرَّ ثلاثَ سِنين.
طَلَبَ يوسفُ بن تاشفين من الخَليفَةِ العبَّاسيِّ المُستَظهِر بالله أن يُقَلِّدَهُ البِلادَ التي فَتحَها وبَعثَ إليه بهذا الطَّلَبَ مع عبدِالله بن العربي الإشبيلي ووَلَدِه القاضي أبي بكرِ بن العربي الإمامِ المَشهورِ، فعَهِدَ الخَليفةُ لابنِ تاشفين بما طَلَبَ.
لمَّا مَلَكَ بركيارق بعدَ أَبيهِ وكان ما كان مِن قِتالِه مع عَمِّهِ تتش، ومُحاولَةِ بَعضِ العَسكرِ بالتَّحريضِ أن يَكحَلوهُ ويَسمُلوا عَينَيهِ فنَجَّاهُ الله من ذلك، ثم إنه مَرَضَ بالجُدَرِي وعاد عَمُّهُ لقِتالِه ثم شُفِيَ وقَتَلَ عَمَّهُ فأَصبحَ يَعلُو كَعبُه ويَقوَى شَأنُه ويَستَفحِل أَمرُه.
هو المَلِكُ عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود آل مقرن: مَلِكُ المملكة العربية السعودية، ومؤسِّسُ الدولة السعودية الثالثة، وأحدُ رجالاتِ العَصرِ. وُلِدَ في الرياض عام 1293هـ / 1876م، ودَولةُ آبائِه في ضَعفٍ وانحلال، وصَحِبَ أباه في رحلته إلى البادية، يطارده محمد بن عبد الله ابن رشيد، واستقَرَّ مع أبيه في "الكويت" سنة 1309ه (1891 م) وشبَّ فيها. وشنَّ الغارات على آل رشيد وأنصارهم. وفاجأ عامِلَ ابن رشيد في الرياض بوثبةٍ فاستولى عليها سنة 1319ه / 1902م، وضَمَّ إلى الرياض الخرج، والمحمل، والشعيب، والوشم، والحوطة والأفلاج ووادي الدواسر. واستولى على بلاد القصيم سنة 1324هـ, شَكَّل قواتِ الإخوان (إخوان من أطاع الله) العسكرية من خلال نظامِ الهجر التي كان لها أكبَرُ الأثر في إتمامه لتوحيد الجزيرة العربية، فأخضَعَ آل عائض أمراء عسير في الجنوب، وأزال إمارة آل رشيد في الشمال سنة 1340هـ. وكانت بينه وبين الشريف حسين بن علي أحداثٌ انتهت بالقضاء على دولة الهاشميين في الحجاز سنة 1343ه / 1925م فنودي به مَلِكًا على الحجاز وسلطانًا لنَجدٍ، وكان مِن قَبلُ يلقَّب بالأمير أو السلطان والإمام. ثار عليه بعضُ كبار قادة الإخوان فقضى على قوَّتِهم في معركة السبلة، ثم برزت فتنة "ابن رفادة" في الشمال فتمَكَّنَ مِن القضاء عليها. وفي سنة 1351ه / 1932م أعلن توحيدَ الأقطار الخاضعة له، وتسميتها "المملكة العربية السعودية"، ولم يشغَلْه خوضُ المعارك وتجهيزُ الجيوش وقمع الفتن عن تنظيم بلاده، وسنِّ ما يلائِمُها من النظم الحديثة، وإنشاء العلاقات السياسية والاقتصادية مع الدول العربية والأجنبية. واكتُشِف البترول في عهده، وكانت الدولة محدودةَ الموارد، فانتعَشَت واتجهت إلى العمران، وحلَّ الأمنُ محَلَّ الخوف في الصحاري والحواضر. وحوَّل كثيرًا من أهل الخيام إلى سكَّان قرى، وأوصل مملكتَه المترامية الأطراف بشبكاتٍ لاسلكيةٍ. وأتى بكثير من الطائرات التي سهَّلت على الناس التنقُّل، وأنشأ موانئَ وعبَّد طرُقًا. وأعفى الحجَّاجَ مِن الرُّسوم. واستكثَرَ من الأطباء والزراعيين والمدرسين، وأرسل بعثاتٍ من أبناء الحجاز ونجد إلى البلدان القريبة والبعيدة؛ لتلَقِّي العِلمِ في جامعاتها, ثم وافاه الأجَلُ رحمه الله بعد أن قضى في الملك قرابة 54 سنة، وكان قد عيَّنَ ابنَه الكبير سعودًا وليًّا للعهد، فتسَلَّمَ زِمامَ المُلكِ بعد وفاة أبيه.
دَعَا أَشْرَسُ بن عبدِ الله السُّلَمِي نائِبُ خُراسان أَهلَ الذِّمَّة بِسَمَرْقَنْد ومَن وَراء النَّهْر إلى الدُّخولِ في الإسلامِ، ويَضَع عنهم الجِزْيَة فأَجابوه إلى ذلك، وأَسلَم غالبُهم، ثمَّ طالَبَهم بالجِزْيَة فنَصَبوا له الحَرْب وقاتَلوه، ثمَّ كانت بينه وبين التُّرْك حُروبٌ كَثيرَة.
اسْتَعمَل هِشامُ بن عبدِ الملك الحَجَّاحَ بن عبدِ الله الحَكَمِيَّ على أرمينية، وعَزَل أَخاه مَسلَمَة بن عبدِ الملك، فدَخَل بِلادَ الخَزَر مِن ناحِيَة تفليس وفَتَح مَدينَتَهم البَيْضاءَ وانْصَرَف سالِمًا، فجَمَعَت الخَزَرُ وحَشَدَت وسارَت إلى بِلادِ الإسلامِ.
كان الأميرُ محمد الخامس الغني بالله أميرُ غرناطة قد بدأ الغزوَ مِن السنة الماضية على قشتالة، وفي هذه السنة استمر على ما كان عليه، فزحف بقواتِه على ولاية إشبيلية وقشتالة، وفَتَح حِصنَ آشر وهو من معاقِلِ قشتالة المعروفة، كما استولى على كثيرٍ مِن الغنائم، وسبى الكثيرَ مِن أهلِها.
في ليلة الخميس عاشر جمادى الأولى كان بمكة -شرَّفها الله- سيل عظيم بعد مطر غزير، امتلأ منه المسجد الحرام حتى دخل الكعبة، وعلا على بابها نحوَ ذراع، وهدم عمودين من عُمُد المسجد، وسقطت عدةُ دور، ومات تحت الهدم وفي السيل نحو الستين إنسانًا.