خاضت الكويت معركةَ خكيكرة مع البحرين بقيادة عبد الله بن أحمد آل خليفة وجابر بن عبد الله الصباح ضِدَّ حاكم ساحل الدمام رحمة بن جابر الجلهمي، الذي دعمه الإمامُ سعود بن عبد العزيز بن محمد حاكمُ نجد، وانتهت المعركة بانتصار البحرين والكويت, وكان من أسباب المعركة أنَّ الإمامَ سعودًا كتب إلى رحمة بن جابر الجلهمي في قطر يأمرُه فيها بالاستعداد لغزو البحرين، وكان محاربًا لآل خليفة حكام البحرين، فأرسل إليه الإمام سعود جيشًا من أهل نجد والأحساء، فاجتمعت عنده 60 سفينة ما بين كبيرة وصغيرة، فلما علم بذلك عبد الله بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين أرسل إلى حاكم الكويت الشيخ جابر بن عبد الله الصباح يستنصره، فأتاه بحرًا بالسفن فبلغت سفنهم جميعًا 200 سفينة، والتقوا عند خوير حسان بالقرب من القطيفِ، وربطوا السفن واقتتلوا فقُتِل من أهل البحرين والكويت 1000 رجل، منهم دعيج بن صباح الصباح، وراشد بن عبد الله بن أحمد آل خليفة، وقُتِل من أتباع رحمة بن جابر الجلهمي 300 رجل، وانهزم رحمة بن جابر الجلهمي.
أخذ الأميرُ صارم الدين إبراهيم بن رمضان طرسوس, وصيَّرها في طاعة السلطان المؤيد، ولكنه لم يسلِّمْها، بل جعل الخطبة للسلطان، وفي هذه السنة قدم الأمير إبراهيم بن رمضان، وابن عمه حمزة بن أحمد بن رمضان، وسائر أمراء التركمان الأوحقية، في جمع كبير، ومعهم أم إبراهيم بن رمضان، وأولاده الصغار في خمسمائة من أمرائه وأقاربه وأزلامه، فقام السلطان لهم، وخلع على إبراهيم وعلى أخيه، وحلف التركمان على الطاعة، وخلع عليهم نحوًا من مائتي خِلعة، وألبس إبراهيم بن رمضان الكلوتة، وأنعم عليه، وعلى جماعته، ثم تقرر الحال على أن الأمير قجقار نائب حلب يتوجَّه بمن معه إلى مدينة طرسوس، ويسير السلطان على جهة مرعش إلى الأبلستين، ويتوجه مصلح الدين إلى ابن قرمان بجوابه، ويعود في مستهل جمادى الأولى بتسليم طرسوس، فسار مصلح الدين صحبة نائب حلب إلى طرسوس، وكان الأمير قجقار نائب حلب لما توجه إلى طرسوس، قدم بين يديه إليها الأمير شاهين الأيدكاري متولي نيابة السلطة بها، وقد بعث ابن قرمان نجدة إلى نائبه بطرسوس الأمير مقبل القرماني، فلما بلغ مقبل مسير عساكر السلطان إليه، رحل من طرسوس وبعث إلى شاهين الأيدكاري يخبره برحيله، فدخل شاهين طرسوس وقد امتنع مقبل بقلعتها، فنزل الأمير قجقار والأمير شاهين عليها، وكتب إلى السلطان بذلك، ثم في شهر رجب في السادس والعشرين كملت عمارة القصر بقلعة حلب، وجلس فيه السلطان واستدعى مقبل القرماني ورفاقه، وضربه ضربًا مبَرِّحًا، ثم صُلِبَ هو ومن معه.
لمَّا افْتَتَح سعدُ بن أبي وَقَّاص المدائنَ بَلغَه أنَّ أهلَ المَوْصِل قد اجْتَمعوا بِتَكْريت على رَجُلٍ يُقال له: الأنطاق, فكتَب إلى عُمَر بن الخطَّاب بأَمْرِ جَلُولاء، واجْتِماع الفُرْسِ بها, وبأَمْرِ أهلِ المَوْصِل, فكتَب عُمَر في قَضِيَّةِ أهلِ المَوْصِل أن يُعَيِّنَ جيشًا لِحَرْبِهم, ويُؤَمِّرَ عليه عبدَ الله بن المُعْتَمِّ, ففَصَلَ عبدُ الله بن المُعْتَمِّ في خمسةِ آلافٍ مِن المدائنِ, فسار في أربعٍ حتَّى نزَل بِتَكْريت على الأنطاقِ، وقد اجْتَمع إليه جماعةٌ مِن الرُّومِ, ومِن نَصارى العَربِ, مِن إيادٍ, وتَغْلِبَ, والنَّمِرِ, وقد أَحْدَقوا بِتَكْريت, فحاصَرهُم عبدُ الله بن المُعْتَمِّ أربعين يومًا, وزاحَفوهُ في هذه المُدَّةِ أربعةً وعشرين مَرَّةً, ما مِن مَرَّةٍ إلَّا ويَنْتَصِرُ عليهم, وراسَل عبدُ الله بن المُعْتَمِّ مَن هنالك مِن الأَعرابِ, فدَعاهُم إلى الدُّخولِ معه في النُّصْرَةِ, وفَلَّ جُموعَهم, فضَعُفَ جانِبُهُم, وعزَمَت الرُّومُ على الذِّهابِ في السُّفُنِ بأَموالِهم إلى أهلِ البلدِ, فجاءت القُصَّادُ إليه عنهم بالإجابةِ إلى ذلك, فأرسَل إليهم: إن كنتم صادِقين فيما قُلتُم فاشْهَدوا أنَّ لا إلهَ إلَّا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله, وأَقِرُّوا بما جاء مِن عند الله. فرجعت القُصَّادُ إليه بأَنَّهم قد أسلموا, فبعَث إليهم: إن كنتم صادِقين، فإذا كَبَّرْنا وحَمَلْنا على البلدِ اللَّيلةَ فأَمْسِكوا علينا أبوابَ السُّفُنِ, وامْنَعوهُم أن يَركَبوا فيها, واقْتُلوا منهم مَن قَدَرْتُم على قَتلِه, ثمَّ شَدَّ عبدُ الله وأصحابُه, وكَبَّروا تَكبيرةَ رَجُلٍ واحدٍ, وحَمَلوا على البلدِ, فكَبَّرت الأعرابُ مِن النَّاحيةِ الأُخرى, فَحَارَ أهلُ البلدِ, وأخذوا في الخُروجِ مِن الأبوابِ التي تَلِي دِجْلَة, فتَلَقَّتْهُم إيادٌ والنَّمِرُ وتَغْلِبُ, فقَتَلوهُم قتلًا ذَريعًا, وجاء عبدُ الله بن المُعْتَمِّ بأصحابِه مِن الأبوابِ الأُخَرِ, فقتَل جميعَ أهلِ البلدِ عن بَكْرَةِ أَبيهِم ولم يُسْلِم إلَّا مَن أَسلَم مِن الأعرابِ مِن إيادٍ وتَغْلِبَ والنَّمِرِ, وقد كان عُمَرُ عَهِدَ في كِتابِه إذا نُصِروا على تَكْريت أن يَبعَثوا رِبْعِيَّ بن الأفْكَلِ إلى الحِصْنَيْنِ، وهي المَوْصِل سريعًا, فسار إليها كما أَمَرَ عُمَرُ، ومعه سَرِيَّةٌ كثيرةٌ وجماعةٌ مِن الأبطالِ, فسار إليها حتَّى فاجَأَها قبلَ وُصولِ الأخبارِ إليها, فأجابوا إلى الصُّلْحِ, فضُرِبَت عليهم الذِّمَّةُ عن يَدٍ وهُم صاغِرون, ثمَّ قُسِّمَت الأموالُ التي تَحَصَّلت مِن تَكْريت, فبلَغ سَهمُ الفارسِ ثلاثةَ آلافٍ، وسَهمُ الرَّاجِل ألفَ دِرهَم، وبَعَثوا بالأخماسِ مع فُراتِ بن حَيَّانَ, وبالفَتحِ مع الحارِث بن حَسَّانَ, ووَلِيَ إِمْرَةَ حَربِ المَوْصِل رِبْعِيُّ بن الأَفْكَل ووَلِيَ الخَراجَ بها عَرْفَجَةُ بن هَرْثَمَةَ.
كان أوَّل ما حضر إلى الإسكندرية في أوَّلِ هذه السنة مراكِب للإنجليز زعموا أنَّهم جاؤوا ليحمُوا الثغر من الفرنسيين، فإنَّهم في طريقهم لاحتلال مصر, ولكنَّ أهل الإسكندرية ظنُّوا أن هذه مخادعة وقالوا: هذه بلاد السلطان، لا سبيل للإنجليز ولا للفرنسيين عليها، فرحل الإنجليزُ، ومع ذلك لم يفعل أمراءُ البلد شيئًا، أما أهل الإسكندرية فجمعوا العُربان وتهيَّأ الناسُ لِمثل هذا الحدَثِ، ثم وصلت مراكبُ الفرنسيين وطلبوا القنصل وبعض أهالي البلد، فلما نزلوا إليهم عوَّقوهم، فلما دخل الليل طلعوا إلى البر ومعهم آلاتُ الحرب والعساكر، ولم يفجأ أهلَ الثغر صباحًا إلا وهم كالجراد المنتَشِر، فلم يستطع أهل الثغر ومن انضم إليهم من العُربان فِعلَ شيء أمامهم، فانهزموا إلى البيوت والحيطان، فطلبوا الأمانَ فأمَّنوهم وطلبوا جمعَ السلاح من الأهالي، ثم سار الفرنسيون إلى البر الغربي ووصلوا دمنهور ورشيد، وكان نابليون نشرَ في أنحاء مصر مع الرسُلِ قبل وصوله إلى كُلِّ بلد أنه ما جاء إلى مصر إلى ليخَلِّصَهم من ظلم المماليك والأتراك، وأنَّه يحترم الدينَ والنبيَّ صلَّى الله عليه وسلم والقرآنَ، ثمَّ في شهر صفر التقى العسكر المصريُّ مع الفرنسيين، فلم تكن ساعة إلا وانهزم مراد بيك ومن معه، وكان هذا في البحرِ، ثم ارتحل الناسُ إلى بولاق لعمل المتاريس، ثم وصل الفرنسيون إلى بر مصر، وسكن بونابرت ببيت محمد بيك الألفي بالأزبكية، ثم ملكوا مدينةَ بلبيس بغير مقاومة ولا قتال، ثم عَمِلوا ديوانًا من ستة أنفار من النصارى القبط وستة تجار من المسلمين للنظر في قضايا التجَّار والعامة.
هو نور مُحمَّد تراقي أوَّلُ رئيسٍ لأفغانستانَ بعدَ الانقِلابِ الشُّيوعيِّ على مُحمَّد داود. وُلِدَ تراقي عامَ 1335هـ 1917م في قريةِ (ميدو) في ولاية غَزْنة، وسافَرَ في 1353هـ / 1934م إلى الهِنْد، وبَقِيَ في بومباي 4 سنواتٍ، وهناك اعتنَقَ الفِكْر الشيوعيَّ، وعندما رجَعَ إلى بلادِهِ عَمِلَ في مُؤسَّسة السُّكَّر التِّجاريَّةِ بوزارةِ الماليَّة، والتَحَقَ أيضًا بجامعةِ كابلَ، ثم ابتُعِثَ إلى أمريكا كمُلحَقٍ ثَقافيٍّ سنةَ 1373هـ، وبقي هناك مُدَّة أربَعِ سنواتٍ، ثم عاد إلى أفغانستانَ، وأسَّسَ عام 1385هـ / 1965م أوَّلَ نواةٍ للحِزْب الشُّيوعي الأفغانيِّ، وكان اللقاءُ الأوَّلُ في بيتِهِ، وانتُخِبَ أمينًا عامًّا للحِزْب بالإجماعِ، وفَشِلَ في الانتخاباتِ العامَّةِ التي جَرَتْ، وتسلَّمَ الحُكمَ نتيجةَ انقِلابٍ على الرئيس مُحمَّد داود، وتسلَّم تراقي رئاسةَ الجُمهوريةِ في جُمادى الأولى 1398هـ / نيسان 1978م واحتفَظَ لنفسه برئاسةِ الحُكومةِ، وعيَّنَ بابرك كارمل نائِبَهُ، واشتدَّتْ في عَهدِهِ أعمالُ العُنفِ في البلادِ، وجرتِ الدِّماءُ، وساد الإرهابُ، وخاف الناسُ، أمَرَ نورُ محمد تراقي بإخراج مُحمَّد داود من السجن، وقُتِلَ هو بعد قَتلِ أبنائِهِ الـ 29 أمامه، كما قَتَل جميعَ مُستشاريه ورجال حُكومتِهِ، كان محمد تراقي يُتقِن لُغةَ الأوردو، واللغةَ الإنجليزيَّةَ إضافةً إلى لُغتِهِ البَشْتو، وألَّفَ عددًا من الكُتُب، منها: (البقرةُ الصَّفْراء)، و (تعالَوْا لنبدأَ العَمَلَ)، و (اللَّحْم المُجفَّفُ)، وكُلُّها استِهْزاءٌ بالإسلامِ. وينتمي هو إلى قَبيلةِ البَشْتو، وكانت نهايةُ محمد تراقي على يَدِ صديقِهِ ورَفيقِهِ حفيظ الله أمين إثْرَ عَودتِهِ من (هافانا) عاصمةِ كوبا.
في هذه السَّنَة وَقَع الطَّاعون بالشَّام، وفيها وَقَع بخُراسان قَحْطٌ شَديدٌ، فكَتَب الجُنيدُ المُرِّيُّ إلى الكور بِحَمْلِ الطَّعام إلى مَرْو، أَعْطَى الجُنيدُ رَجُلًا دِرْهَمًا فاشْتَرَى به رَغيفًا، فقال لهم أَتَشْكون الجُوعَ ورَغيفٌ بِدِرْهَم؟ لقد رَأَيْتُني بالهِنْدِ وإنَّ الحَبَّة مِن الحُبوب لَتُباع عددًا بِدِرْهَم.
كانت فتنةٌ عَظيمةٌ بعَسكَرِ غياث الدين، مَلِك الغور وغزنة، وهو بفيروزكوه، عَمَّت الرعية والملوك والأمراء، وسَبَبُها أن الفخر محمد بن عمر بن الحسين الرازي، الإمامُ المشهور، الفقيهُ الشافعيُّ، فارق بهاءَ الدين صاحِبَ باميان وقَصَد غياثَ الدين الغوري خال بهاء الدين، فالتقاه وبجَّلَه وأنزله، وبنى له مدرسةً، وقَصَده الفُقَهاءُ من النواحي، فعظم ذلك على الكرَّامية، وهم خلقٌ بهراة، وكان أشد الناس عليه ابنَ عم غياث الدين وزَوج بنته، الملك ضياء الدين، فاتفق حضورُ الفُقَهاء الكرَّامية والحنفية والشافعيَّة، وفيهم فخر الدين الرازي، والقاضي مجد الدين عبد المجيد بن عمر بن القدوة، وهو من الكرَّامية الهيصمية، وله عندهم محلٌّ كبير لزُهدِه وعِلمِه وبيته، فلمَّا اجتمعوا عند غياث الدين بفيروزكوه للمناظرة. فتكلَّم الرازي، فاعترض عليه ابن القدوة، وطال الكلامُ، فقام غياث الدين فاستطال عليه الفَخرُ، وسَبَّه وشَتَمَه، وبالغ في أذاه، وابن القدوة لا يزيد على أن يقولَ: لا يفعل مولانا إلا وأخذك الله، أستغفر الله؛ فانفصلوا على هذا، وقام ضياءُ الدين في هذه الحادثة وشكا إلى غياثِ الدين، وذَمَّ الفخرَ، ونسبه إلى الزندقة ومَذهَب الفلاسفة، فلم يُصْغِ غياث الدين إليه، فلما كان الغدُ وعظ ابن عم المجد بن القدوة بالجامِعِ، فلما صَعِدَ المنبرَ قال بعد أن حمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم: لا إله إلا اللهُ، ربَّنا آمَنَّا بما أنزلْتَ واتَّبَعْنا الرَّسولَ فاكتُبْنا مع الشَّاهِدينَ، أيُّها الناسُ، إنَّا لا نقولُ إلا ما صَحَّ عندنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما عِلمُ أرسطاطاليس، وكفريَّات ابن سينا، وفلسفة الفارابي، فلا نعلَمُها، فلأيِّ حالٍ يُشتَمُ بالأمس شيخٌ من شيوخ الإسلام يَذُبُّ عن دين الله، وعن سُنة نبيه؟! وبكى وضَجَّ النَّاسُ، وبكى الكرَّامية واستغاثوا، وأعانهم مَن يُؤثِرُ بُعدَ الفخر الرازي عن السلطان، وثار النَّاسُ من كل جانب، وامتلأ البلدُ فِتنةً، وكادوا يَقتَتِلون، ويجري ما يَهلِكُ فيه خلقٌ كثير، فبلغ ذلك السلطان، فأرسل جماعةً مِن عنده إلى الناسِ وسَكَّنَهم، ووعدهم بإخراجِ الفَخرِ الرازي من عندهم، وتقَدَّمَ إليه بالعَودِ إلى هراة، فعاد إليها.
هو الفضلُ بنُ الربيعِ بنِ يونُسَ، الحاجِبُ الأميرُ أبو الفضل، مولِدُه سنة أربعين ومائة، وكان حاجبًا للرشيد ووزيرًا له، ولَمَّا مات الرشيدُ استولى على الخزائِنِ وقَدِمَ بها إلى الأمينِ محمَّد ببغداد ومعه البُردة والقَضيبُ والخاتَم، فأكرمه الأمينُ وفَوَّض إليه أمورَه، فصار إليه الأمرُ والنهي، ولَمَّا خلعَ الأمينُ أخاه المأمونَ مِن ولاية عهدِ الخلافة، استخفى ثم ظهرَ في أيامِ المأمونِ، فأعاده المأمونُ إلى رتبتِه إلى أن مات.
أوَّلُ بَدْءِ نُشوءِ جُذورِ الفِتنَةِ هو بخُروجِ عبدِ الله بن سَبَإٍ يَهوديٍّ مِن صَنْعاءَ، أَظهَرَ الإسلامَ ثمَّ رحَل إلى الكوفةِ والبَصرَةِ والشَّامِ يُحاوِلُ أن يُؤثِّرَ في النَّاسِ؛ لكن لم يَلْقَ تَجاوُبًا حتَّى رحَل إلى مِصْرَ وبدَأ يُشَكِّكُ في عَقيدةِ النَّاسِ، ويَزْعُم عَودةَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّه أَحَقُّ بالعَودةِ مِن عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ بدَأ بالدَّعوَةِ لعَلِيِّ بن أبي طالبٍ، فزَعَم أنَّ له الوِصايَةَ، ثمَّ بدَأ بالطَّعْنِ في خِلافةِ عُثمانَ، ثمَّ انْضَمَّ إلى القافِلَةِ بعضُ الذين تَكلَّموا في سعيدِ بن العاصِ أميرِ الكوفةِ، فرَحَلوا للجزيرةِ، وكان عبدُ الله بن سَبَإٍ يُراسِل كلَّ مَن استطاع أن يُؤثِّرَ عليه في الأمْصارِ، وكان عُثمانُ قد اسْتَشار أُمَراءَهُ في هؤلاء المُنحَرِفين، فاسْتَقَرَّ رأيُ عُثمانَ على تَرْكِهِم، حتَّى جاء وفدُ مِصْرَ مُعتَمِرًا وفي نِيَّتِهم مُناقشةُ عُثمانَ وخَلْقُ البَلْبَلَةِ في المدينةِ، وقد كان ذلك أوَّلَ حُدوثِ فِتنَةِ قَتْلِ عُثمانَ بالشَّكْلِ الواضحِ.
كان آخِرَ مَن تولَّى من أمراء الأغالبةِ زيادةُ الله الثالثُ الذي قتل أباه وتولى بعده عام 290، لكنَّه كان منصرفًا إلى اللَّهوِ والمُجون، فقويَ أمرُ أبي عبدالله الشيعي الحُسَين بن أحمد بن زكريَّا الصنعاني الذي رحل إلى المغربِ بعد أن مهَّدَ له الطريقَ والدَّعوةَ فيها رجلانِ قبله، وكان بينه وبين بني الأغلَبِ حروبٌ، وكان الأحولُ بنُ إبراهيم الثاني الأغلبي- عمُّ زيادةِ الله- لأبي عبدالله الشيعي بالمرصاد, ولكِنَّ زيادةَ اللهِ قتَلَ عَمَّه الأحول، فقَوِيَ أمرُ أبي عبدالله الشيعي أكثَرَ، وجهرَ بالدَّعوةِ إلى المهدي، فلما أحس زيادةُ الله بالضَّعفِ آثَرَ الهروبَ، فجمع الأموالَ وهرب إلى مصرَ، ثم حاول دخولَ بغداد فلم يُؤذَنْ له، فرجع إلى مصر ووعدوه بأن يجمَعوا له الرجالَ والمالَ ليعودَ فيأخُذَ بثأره، فلما طال انتظارُه رحل إلى بيت المقدِسِ وسكن الرملة وتوفِّيَ فيها، فكانت مدَّةُ دولةِ الأغالبة مائةً واثنتي عشرة سنة.
هو الحافِظُ لدينِ الله عبدُ المجيد بنُ الأمير أبي القاسم بن المستنصر بالله الفاطمي العُبَيدي حاكِمُ مصر، كان في جميعِ مُدَّةِ حُكمِه محكومًا عليه، يَحكُمُ عليه وزراؤُه، حتى إنَّه جَعَلَ ابنَه حسنًا وزيرًا ووَلِيَّ عَهدِه فحَكَمَ عليه واستبَدَّ بالأمرِ دونَ أبيه وقَتَلَ كثيرًا مِن أُمَراءِ دَولةِ أبيه وصادَرَ كثيرًا، فلما رأى الحافِظُ ذلك سقى الحسَنَ سُمًّا فمات. توفِّيَ الحافِظُ بعد أن أصابه مَرَضٌ شديدٌ، وقد ثارت فِتنةٌ بين العَسكَرِ والريحانيَّة أصحاب الحَسَن، وهَمُّوا بخَلعِ الحافِظِ، فنُقِلَ إلى قصر لؤلؤة وهو مَريضٌ فمات به، وكانت مُدَّةُ حُكمِه عشرينَ سَنةً إلَّا خمسة أشهر، وولِيَ الحُكمَ بَعدَه في مصرَ ابنُه الظَّافِرُ بأمرِ اللهِ أبو مَنصورٍ إسماعيلُ بنُ عبد المجيد الحافِظ، وبُويِعَ له في اليوم الذي مات فيه الحافِظُ لدين الله، وعُمُرُه سَبعَ عَشرةَ سَنةً وأربعة أشهر وعشرة أيام، بوَصيِّةٍ مِن أبيه له بالحُكمِ، وكان أصغَرَ أولادِه.
في رمضانَ من هذه السنة كانت وقعةُ ابن رشيد رئيس الجبل على أهل عُنيزة، وذلك أنَّ عبد الله بن سليم بن زامل أميرَ عنيزة أخذ إبلًا لابن رشيد، فطلب منه الأداء، فأبى عليه وحَذَّره وأنذَرَه، فجهَّز ابنُ رشيد إليهم أخاه عبيد في 250 مطية وخمسين من الخيل، فأغار على غَنَم عنيزة قريبًا من البلد، ففزع أهلُ عنيزة، وكان ابن رشيد قد جعل لهم كمينًا، فلما نشب القتالُ خرج عليهم الكمين فولَّوا منهزمين، واستولى عبيد وقومه على أكثَرِ الفَزع، فقتلوا في المعركة كثيرًا من رجالهم، منهم الأمير عبد الله بن سليم وإخوته وبنو عمه، قتَلَهم صبرًا، وأمسك منهم رجالًا وربطهم وأنفَذَهم إلى أخيه عبد الله في الجبل، فركب إليه عبد العزيز بن الشيخ العالم عبد الله أبا بطين، فألفى عليه في الجبل فأطلق له رجالًا وكساهم.
غَزا نَصرُ بن سِيار أَميرُ خُراسان غَزَوات مُتعدِّدَة في التُّرك، وأَسَرَ مَلِكَهم كور صول في بَعضِ تلك الحُروب وهو لا يَعرِفُه، فلمَّا تَيَقَّنه وتَحَقَّقه، سأَل منه كور صول أن يُطلِقَه على أن يُرسِلَ له أَلفَ بَعير مِن إِبِل التُّرك -وهي البَخاتي- وأَلفَ بِرْذَون، وهو مع ذلك شَيخٌ كَبيرٌ جِدًّا، فشاوَرَ نَصرُ مَن بِحَضرَتِه مِن الأُمراء في ذلك، فمنهم مَن أشار بإطلاقه، ومنهم مَن أشار بِقَتلِه. ثمَّ سأله نَصرُ بن سِيار كم غَزوَتَ مِن غَزوَة؟ فقال: ثِنْتَينِ وسبعين غَزوَة. فقال له نَصر: ما مِثلُك يُطلَق، وقد شَهِدتَ هذا كُلَّه. ثمَّ أَمَر به فضُرِبَت عُنقُه وصَلَبَه، فلمَّا بَلَغ ذلك جَيشَه مِن قَتلِه باتوا تلك اللَّيلةَ يَجْعَرُون ويَبْكون عليه، وجَذُّوا لِحاهُم وشُعورَهم وقَطَعوا آذانَهم وحَرَقوا خِيامًا كَثيرة، وقَتَلوا أَنعامًا كَثيرَة، فلمَّا أَصبحَ أَمَرَ نَصرٌ بإِحراقِه لِئَلَّا يأخذوا جُثَّتَه، فكان حَرقُه أَشَدَّ عليهم مِن قَتلِه، وانصرفوا خائِبين صاغِرين خاسِرين، ثمَّ كَرَّ نَصر على بِلادِهم فقَتَل منهم خَلقًا وأَسَر أُمَمًا لا يُحصون كَثرَةً.