الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3316 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 393 العام الميلادي : 1002
تفاصيل الحدث:

مَلَك يَمينُ الدَّولةِ محمودُ بنُ سبكتكين سجستانَ، وانتزَعَها مِن يدِ خلَفِ بنِ أحمدَ الصَّفَّار، وكان سبَبُ أخْذِها أنَّ يمينَ الدَّولةِ لَمَّا رحَلَ عن خلَفٍ بعد أن صالَحَه، سنة تسعينَ وثلاثمِئَة، عَهِدَ خَلَفٌ إلى ولَدِه طاهرٍ، فلمَّا استقَرَّ طاهِرٌ في المُلكِ عقَّ أباه وأهمَلَ أمْرَه، فلاطَفَه أبوه ورفَقَ به، حتى قبضَ على أبيه وسَجَنه، وبقِيَ في السِّجنِ إلى أن مات فيه، وأظهَرَ عنه أنَّه قتَلَ نَفسَه، ولَمَّا سَمِعَ عَسكَرُ خَلَف وصاحِبُ جيشِه بذلك، تغيَّرَت نيَّاتُهم في طاعتِه وكَرِهوه، وامتَنَعوا عليه في مدينتِه، وأظهروا طاعةَ يمينِ الدَّولة، وخطَبوا له، وأرسلوا إليه يطلُبونَ مَن يتسَلَّمُ المدينةَ، ففعَلَ ومَلَكَها، واحتوى عليها في هذه السَّنةِ، وعزَمَ على قَصدِ خَلَف وأخْذِ ما بيده والاستراحةِ مِن مَكْرِه. فسار إليه، وهو في حِصنِ الطاق، وله سبعةُ أسوارٍ مُحكَمة، يُحيطُ بها خَندقٌ عَميقٌ عَريضٌ، لا يُخاضُ إلَّا مِن طريقٍ على جِسرٍ يُرفَعُ عند الخَوفِ، فنازله وضايقَه فلم يصِلْ إليه، فلم يزَلْ أصحابُ يمينِ الدَّولةِ يدفعونَهم، فلمَّا رأى خلَفٌ اشتدادَ الحَربِ، وأنَّ أسوارَه تُملَكُ عليه، وأنَّ أصحابَه قد عجزوا، أرسلَ يَطلُبُ الأمانَ، فأجابه يمينُ الدَّولةِ إلى ما طلَبَ، وكَفَّ عنه، فلمَّا حَضَر عنده أكرَمَه واحتَرَمه، وأمر بالمُقامِ في أيِّ البلادِ شاء.

العام الهجري : 442 العام الميلادي : 1050
تفاصيل الحدث:

استولى الخوارجُ المُقيمونَ بجبال عُمان على مدينةِ الولاية، وسبَبُ ذلك أنَّ صاحِبَها الأمير أبا المُظَفَّر ابن الملك أبي كاليجار كان مُقيمًا بها، ومعه خادِمٌ له قد استولى على الأمورِ، وحَكَم على البلاد، وأساء السيرةَ في أهلها، فأخذ أموالَهم، فنفروا منه وأبغَضوه، وعَرَفَ إنسانٌ من الخوارجِ- يقالُ له ابنُ راشدٍ- الحالَ، فجمع مَن عنده منهم فقَصَد المدينةَ، فخرج إليه الأميرُ أبو المُظَفَّر في عساكِرِه، فالتَقَوا واقتَتَلوا، فانهزمت الخوارجُ وعادوا إلى موضِعِهم، وأقام ابنُ راشد مدَّةً يجمَعُ ويحتَشِدُ، ثم سار ثانيًا، وقاتله الديلم فأعانه أهلُ البلد لسوءِ سِيرةِ الديلم فيهم، فانهزم الديلم، وملَكَ ابنُ راشد البلد وقتل الخادِمَ وكثيرًا من الديلم، وقبض على الأميرِ أبي المظفَّر وسَيَّرَه إلى جباله مُستَظهرًا عليه، وسَجَن معه كُلَّ مَن خَطَّ بقلمٍ مِن الديلم، وأصحابَ الأعمال، وأخرب دارَ الإمارة، وقال: هذه أحقُّ دارٍ بالخراب، وأظهَرَ العدل، وأسقَطَ المكوسَ، واقتصر على رَفعِ عُشرِ ما يَرِدُ إليهم، وخطَبَ لنَفسِه، وتلقَّبَ بالراشد بالله، ولَبِسَ الصوف، وبنى موضعًا على شَكلِ مسجد، وقد كان هذا الرجلُ تَحَرَّك أيضًا أيامَ أبي القاسم بن مكرم، فسَيَّرَ إليه أبو القاسِمِ مَن منعه وحصَرَه وأزال طَمَعَه.

العام الهجري : 574 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1179
تفاصيل الحدث:

اجتمع الفِرنجُ وساروا إلى بلدِ دِمشقَ مع ملكهم، فأغاروا على أعمالِها فنهبوها وأسَروا وقَتَلوا وسَبَوا، فأرسل صلاحُ الدين فرخشاه، ولد أخيه، في جمعٍ من العسكر إليهم، وأمره إذا قاربهم يرسِلُ إليه يخبره على جناحِ طائر ليسير إليه، وتقدَّمَ إليه أن يأمُرَ أهل البلاد بالانتزاحِ مِن بين يدي الفرنج، فسار فرخشاه في عسكره يطلُبُهم، فلم يشعُرْ إلا والفرنجُ قد خالطوه، فاضطرَّ إلى القتال، فاقتتلوا أشدَّ قتال رآه الناسُ، وألقى فرخشاه نفسَه عليهم، وغَشِيَ الحربَ ولم يكلها إلى سواه، فانهزم الفرنجُ ونُصر المسلمون عليهم، وقُتِلَ مِن مُقَدَّمي الفرنج جماعةٌ، منهم همفري، كان يُضرَبُ به المثل في الشجاعة والرأي في الحرب، وكان بلاءً صَبَّه الله على المسلمين، فأراح اللهُ المسلمين مِن شَرِّه، وقُتِلَ غيرُه من أضرابِه، ولم يبلُغْ عسكر فرخشاه ألف فارس، وكذلك أغار البرنسُ صاحب أنطاكية واللاذقية على جشير المسلمين- جشير أو دشير: هي الخيلُ والبقر التي تلازِمُ المرعى ولا ترجِعُ إلى الحظيرة بالليل- بشيزر وأخذه، وأغار صاحِبُ طرابلس على جمعٍ كثيرٍ مِن التركمان، فاحتجَفَ أموالهم- استخلصها وحازها- وكان صلاحُ الدين على بانياس، فسيَّرَ ولد أخيه تقي الدين عمر إلى حماة، وابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه إلى مصر، وأمَرَهما بحفظ البلاد، وحياطة أطرافِها من العدُوِّ.

العام الهجري : 648 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1250
تفاصيل الحدث:

أخذ الملك الناصر صاحِبُ الشام في الحَرَكةِ لأخذ مصر، بتحريضِ الأمير شمس الدين لؤلؤ الأرمني له على ذلك، فخرج الناصرُ من دمشق بعساكِرِه، يوم الأحد النصفَ من شهر رمضان، ومعه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب ثم برز الأميرُ حسام الدين أبو علي من القاهرة، وكان الوقتُ شِتاءً، وفي تاسع شوال برز الأميرُ فارس الدين أقطاي الجمدار - مقَدَّم البحرية - في جمهورِ العسكر من الترك، وسارت العساكِرُ في الحادي عشر، واجتمعت بالصالحيَّة، ثم في الثالث من ذي القعدة نزل الملِكُ المعز من قلعةِ الجبل فيمن بَقِيَ عنده من العساكرِ، وسار إلى الصالحيَّة، وبها العساكر التي خرجت قَبلَه، وترك بقلعةِ الجبل الملِكَ الأشرف موسى فاستقَرَّت عساكرُ مصر بالصالحيَّة إلى يوم الاثنينِ سابِعَه، فوصل الملكُ الناصر بعساكره إلى كراع وهي قريبة من العباسيَّة، فتقارب ما بين العسكرين وكان في ظَنِّ كل أحد أن النصرةَ إنما تكون للمَلِك الناصر على البحريَّة، لكثرة عساكِرِه ولمَيلِ أكثر عسكرِ مِصرَ إليه، فاتَّفَق أنَّه كان مع الناصر جمعٌ غفير من ممالك أبيه الملك العزيز، وهم أتراكٌ يميلون إلى البحريَّة لعِلَّة الجنسيَّة، ولكراهتهم في الأمير شمس الدين لؤلؤ مديرِ المملكة، فعندما نزل الناصِرُ بمنزلة الكراع، قريبًا من الخشبي بالرمل، رحل المعزُّ أيبك بعساكِرِ مِصرَ مِن الصالحية، ونزل اتجاهَه بسموط إلى يومِ الخميس عاشره، فركب الملكُ الناصر في العساكر، ورتَّبَ مَيمنةَ وميسرةَ وقلب جيشه، ورَكِبَ المعز، ورتَّب أيضًا عساكِرَه، وكانت الوقعةُ في الساعة الرابعة، فاتفق فيها أن الكَرَّة كانت أولًا على عساكر مصر، ثم صارت على الشاميين، وذلك أن ميمنة عسكر الشام حمَلَت هي والميسرة على مَن بإزائها حملة شديدة، فانكَسَرت ميسرة المصريين وولَّوا منهزمين، وزحف أبطالُ الشاميين وراءهم، وما لهم عِلمٌ بما جرى خلفَهم، وانكسرت ميمنةُ أهل الشام، وثبت كلُّ من القلبين واقتَتَلوا، ومر المنهزمون من عسكر مصر إلى بلاد الصعيد، وقد نُهِبَت أثقالهم، وعندما مرُّوا على القاهرة خُطِبَ بها للملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق، وخُطِبَ له بقلعة الجبل ومصر، وأما ميمنة أهل الشام فإنها لما كُسِرَت قتَلَ منهم عسكر مصر خلقًا كثيرًا في الرمل، وأسَروا أكثَرَ مما قتلوا، وتعيَّنَ الظَّفَرُ للناصر وهو ثابتٌ في القلب، واتجاهَه المعز أيبك أيضًا في القلبِ، فخاف أمراء الناصر منه أن ينحِّيَهم إذا تم له الأمر، وخامَروا عليه وفَرُّوا بأطلابِهم إلى الملك المعز، فخارت قوى الناصر من ذَهابِ المذكورين إلى الملك المعز، فحمل المعزُّ بمن معه على سناجق-رماح- الناصر، ظنًّا منه أن الناصِرَ تحتها، فحمل المعزُّ عليهم وثبتوا له، ثم انحاز إلى جانبٍ يريد الفرار إلى جهة الشوبك، ووقف الناصرُ في جمع من العزيزية وغيرهم تحت سناجقه وقد اطمأن، فخرج عليهم المعزُّ ومعه فارس الدين أقطاي في ثلاثمائة من البحرية، وقَرُبَ منه فخامر عِدَّةً مِمَّن كان مع الناصر عليه، ومالوا مع المعزِّ والبحرية، فولى الناصِرُ فارًّا يريد الشام في خاصَّتِه وغلمانِه، واستولى البحريَّةُ على سناجقه، وكسروا صناديقَه ونَهَبوا أمواله، فأمر الملكُ بضَربِ عُنُقِ الأمير شمس الدين لؤلؤ، فأخذته السيوفُ حتى قُطِّع، وضُرِبَت عنق الأمير ضياء الدين القيمري وأتيَ بالملك الصالح إسماعيل وهو راكب، فسَلَّمَ عليه الملك المعز وأوقَفَه إلى جانبه، وتمَزَّق أهل الشام كلَّ مُمَزَّق، وأما العسكر الشامي الذي كَسَر ميسرة المصريين، فإنَّه وصل إلى العباسية ونزل بها، وضَرَب الدهليز الناصريَّ هناك، وفيهم الأميرُ جمال الدين بن يغمور نائب السلطنة بدمشق وعِدَّة من أمراء الناصر، وهم لا يشكُّون أنَّ أمر المصريين قد بَطَل وزال، وأنَّ المَلِكَ الناصر مُقدِمٌ عليهم ليسيروا في خدمتِه إلى القاهرة، فبينا هم كذلك إذ وصل إليهم الخبَرُ بهروب الملك الناصر، وقَتْل الأمراء وأسْر الملوك وغيرهم، فهَمَّ طائفة منهم أن يسيروا إلى القاهرة ويستولوا عليها، ومنهم من رأى الرجوعَ إلى الشام، ثمَّ اتَّفَقوا على الرجوعِ.

العام الهجري : 467 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1075
تفاصيل الحدث:

كان مِن أَوَّلِ أَعمالِ المُقتدِي بأَمرِ الله أنَّه أَمَرَ بإخراجِ المُفْسِداتِ مِن الخَواطِئ من بغداد، وأَمَرَهُنَّ أن يُنادِينَ على أَنفُسِهِنَّ بالعارِ والفَضيحَةِ، وخَرَّبَ الخَمَّاراتِ ودُورَ الزَّوانِي والمَغانِي، وأَسكنَهُنَّ الجانِبَ الغَربيَّ مع الذُّلِّ والصَّغارِ، وخَرَّبَ أبرجةَ الحمامِ، ومَنعَ اللَّعِبَ بها، وأَمرَ الناسَ باحتِرازِ عَوراتِهِم في الحَمَّاماتِ ومَنعَ أَصحابَ الحَمَّاماتِ أن يَصرِفوا فَضَلاتِها إلى دِجلَة، وأَلزَمَهم بحَفْرِ آبارٍ لتلك المِياهِ القَذِرَة صِيانةً لماءِ الشُّرْبِ.

العام الهجري : 534 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1139
تفاصيل الحدث:

حصَرَ أتابك زنكي دمشقَ مَرَّتين؛ فأمَّا المرَّة الأولى فإنَّه سار إليها في ربيعٍ الأوَّل مِن بعلبَكَّ بعد الفراغِ مِن أمرِها، وتقريرِ قواعِدِها وإصلاحِ ما تَشَعَّثَ منها، ليَحصُرَها، فنزل في البقاعِ، وأرسل إلى جمالِ الدِّينِ صاحِبِها يبذُلُ له بلدًا يقتَرِحُه ليُسَلِّمَ إليه دمشق، فلم يجِبْه إلى ذلك، فرحل وقصَدَ دمشق، فنزل على داريا ثالثَ عَشَرَ ربيع الأول فالتفَّت الطلائِعُ واقتَتَلوا، وكان الظَّفَرُ لعَسكرِ زنكي، وعاد الدِّمشقيُّونَ مُنهَزمِينَ، فقُتِلَ كثيرٌ منهم، ثم تقَدَّمَ زنكي إلى دمشق، فنزل هناك، ولَقِيَه جمعٌ كثيرٌ مِن جُندِ دِمشقَ وأحداثِها ورجَّالةِ الغوطة، فقاتلوه، فانهزم الدمشقيُّونَ، وأخَذَهم السَّيفُ، فقَتَلَ فيهم وأكثَرَ، وأسَرَ كذلك، ومن سَلِمَ عاد جريحًا. وأشرف البلدُ ذلك اليومَ على أن يُملَكَ، لكِنْ عاد زنكي عن القِتالِ وأمسك عنه عِدَّةَ أيام، وتابع الرُّسُلَ إلى صاحب دمشق، وبذل له بعلبَكَّ وحمص وغيرهما ممَّا يختاره من البلاد، فمال إلى التَّسليم، وامتنع غيرُه من أصحابِه مِن ذلك، وخَوَّفوه عاقِبةَ فِعلِه، وأن يَغدِرَ به كما غدَرَ بأهلِ بعلبك، فلمَّا لم يُسَلِّموا إليه عاود القتالَ والزَّحفَ، ثم إنَّ جمالَ الدين صاحب دمشق مَرِضَ ومات ثامِنَ شعبان، وطَمِعَ زنكي حينئذ في البلدِ، وزحف إليه زحفًا شديدًا؛ ظنًّا منه أنَّه ربَّما يقَعُ بين المُقَدَّمينَ والأمراء خلافٌ فيَبلُغُ غَرَضَه، وكان ما أمَّلَه بعيدًا، فلما مات جمالُ الدين ولي بعده مجيرُ الدين أبق وَلَدُه، وتولى تدبيرَ دَولَتِه مُعينُ الدين أنر فلم يَظهَرْ لِمَوتِ أبيه أثرٌ مع أنَّ عَدُوَّهم على باب المدينة، فلما رأى معين الدين أنَّ زنكي لا يفارِقُهم، ولا يزول عن حَصرِهم، راسَلَ الفِرنجَ، واستدعاهم إلى نُصرتِه، وأنْ يتَّفِقوا على مَنعِ زنكي عن دِمشقَ، وبذل لهم بُذولًا من جُملَتِها أن يَحصُرَ بانياس ويأخُذَها ويُسَلِّمَها إليهم، وخوَّفَهم مِن زنكي إنْ مَلَك دمشق، فعَلِموا صِحَّةَ قَولِه إنَّه إن مَلَكَها لم يَبقَ لهم معه بالشَّامِ مَقامٌ، فاجتَمَعَت الفِرنجُ وعَزَموا على السَّيرِ إلى دمشق ليَجتَمِعوا مع صاحِبِها وعَسكَرِها على قتالِ زنكي، فحين عَلِمَ زنكي بذلك سار إلى حوران خامِسَ رمضان، عازمًا على قتالِ الفِرنجِ قبل أن يجتَمِعوا بالدِّمشقيِّينَ، فلمَّا سَمِعَ الفرنجُ خَبَرَه لم يفارقوا بلادَهم، فلما رآهم كذلك عاد إلى حَصرِ دمشقَ ونزل بعذرا شماليَّها سادس شوال، فأحرَقَ عِدَّةَ قُرًى من المرج والغوطة، ورحل عائدًا إلى بلادِه، ووصل الفِرنجُ إلى دِمشقَ واجتمعوا بصاحِبِها وقد رحل زنكي، فعادوا، فسار مُعين الدين أنر إلى بانياس في عَسكرِ دِمشقَ، وهي في طاعةِ زنكي، لِيَحصُرَها ويُسَلِّمَها إلى الفرنج؛ وكان واليها قد سار قبل ذلك منها في جَمعٍ مِن جَمْعِه إلى مدينة صور للإغارةِ على بلادها، فصادفه صاحِبُ أنطاكيةَ وهو قاصِدٌ إلى دمشق نجدةً لصاحِبِها على زنكي، فاقتتلا، فانهزم المُسلِمونَ وأخَذوا واليَ بانياس فقُتِلَ، ونجا مَن سَلِمَ منهم إلى بانياس، وجمعوا معهم كثيرًا من البِقاعِ وغيرِها، وحَفِظوا القلعة، فنازلها مُعين الدين، فقاتلهم، وضَيَّقَ عليهم، ومعه طائفةٌ مِن الفِرنجِ، فأخذها وسَلَّمَها إلى الفرنج، وأمَّا الحَصرُ الثاني لدمشق، فإنَّ زنكي لَمَّا سَمِعَ الخبَرَ بحِصارِ بانياس عاد إلى بعلبك ليدفَعَ عنها مَن يحصُرُها، فأقام هناك، فلمَّا عاد عسكر دمشق، بعد أن مَلَكوها وسَلَّموها إلى الفرنج، فَرَّق أتابك زنكي عَسكَرَه على الإغارة على حوران وأعمالِ دمشق، وسار هو جريدة مع خواصِّه، فنازل دمشقَ سَحَرًا ولم يعلَمْ به أحَدٌ مِن أهلِها، فلمَّا أصبح النَّاسُ ورأوا عَسكَرَه خافوا، وارتَجَّ البَلَدُ، واجتمع العسكَرُ والعامَّةُ على السورِ وفُتِحَت الأبوابُ وخَرَج الجندُ، والرجَّالة فقاتلوه، فلم يتمَكَّن عسكرُ زنكي من الإقدامِ في القِتالِ؛ لأنَّ عامَّةَ عَسكَرِه تفَرَّقوا في البلاد للنَّهِب والتَّخريب، وإنَّما قصد دمشقَ لِئلَّا يَخرُجَ منها عَسكَرُه إلى عَسكَرِهم وهم متفَرِّقون، فلما اقتتلوا ذلك اليومَ قُتِلَ بينهم جماعةٌ ثم أحجم زنكي عنهم وعاد إلى خيامِه، ورحل إلى مرج راهط، وأقام ينتَظِرُ عودةَ عَسكَرِه، فعادوا إليه وقد ملؤوا أيديَهم من الغنائِم؛ لأنَّهم طرقوا البلادَ وأهلُها غافلونَ، فلَمَّا اجتمعوا عنده رحَلَ بهم عائدًا إلى بلادِهم.

العام الهجري : 397 العام الميلادي : 1006
تفاصيل الحدث:

كان أبو ركوة من سُلالةِ هِشامِ بنِ عبدِ الملك بنِ مروان الأموي، واسمُه الوليد، هرب مِن الأندلُسِ وقصَدَ مِصرَ، بعد أن استبَدَّ المنصورُ ابنُ أبي عامرٍ بالحُكمِ في الأندلُس, وإنَّما لُقِّبَ بأبي رَكْوة؛ لرَكْوةٍ (سقاءٍ صغيرٍ) كان يصحَبُها في أسفارِه على طريقةِ الصُّوفيَّةِ، وقد سَمِعَ أبو رَكوةَ الحديثَ بالدِّيارِ المِصريَّة، ثمَّ أقام بمكَّةَ ثُمَّ رحَل إلى اليمَنِ ثمَّ دخل الشَّامَ، وهو في غُضونِ ذلك يبايِعُ مَن انقاد له، ممَّن يرى عنده هِمَّةً ونهضةً للقيام في نُصرةِ ولَدِ هِشامٍ، ثمَّ إنه أقام ببعضِ بلادِ مِصرَ في محلَّةٍ من محالِّ العَرَب، يُعَلِّمُ الصِّبيانَ ويُظهِرُ التقَشُّفَ والعبادةَ والوَرَع، ويخبِرُ بشَيءٍ مِن المُغَيَّبات، حتى خضعوا له وعَظَّموه جِدًّا، ثمَّ دعا إلى نَفسِه وذكَرَ لهم أنَّه الذي يُدعى إليه مِن الأُمَويِّين، فاستجاب له بنو قرَّةَ وغيرُهم، وسَبَبُ استجابتهم أنَّ الحاكمَ بأمرِ الله كان قد أسرَفَ في مِصرَ في قَتلِ القُوَّاد، وحَبْسِهم، وأخْذِ أموالِهم، وسائِر القبائِلِ معه في ضَنكٍ وضِيقٍ، ويودُّونَ خُروجَ المُلْك عن يَدِه، وكان الحاكِمُ في الوَقتِ الذي دعا أبو رَكوةَ بني قرَّةَ قد آذاهم، وحَبَس منهم جماعةً مِن أعيانِهم، وقتَلَ بَعضَهم، فلمَّا دعاهم أبو رَكوةَ انقادوا له. وكان بينَ بني قرَّةَ وبين زناتةَ حُروبٌ ودِماءٌ، فاتَّفَقوا على الصُّلحِ ومَنْعِ أنفُسِهم من الحاكِمِ العُبَيديِّ، فاجتمعوا على بيعةِ أبي ركوة، وخاطَبوه بأميرِ المُؤمِنينَ، ولُقِّبَ بالثَّائِرِ بأمرِ اللهِ المُنتَصِر من أعداء الله، ودخَلَ برقةَ في جَحفلٍ عَظيمٍ، فجمع له أهلُها نحوًا مِن مِئَتي ألفِ دينار، ونقَشُوا الدَّراهِمَ والدَّنانيرَ بألقابِه، فالتَفَّ على أبي ركوة من الجنودِ نحوٌ مِن سِتَّةَ عَشَرَ ألفًا، فلما بلغَ الحاكِمَ أمْرُه وما آل إليه حالُه، عَظُمَ عليه الأمرُ، وأهمَّتْه نَفسُه ومُلكُه، وعاود الإحسانَ إلى النَّاسِ، والكَفَّ عن أذاهم، ثمَّ بعث إليه جيشًا بقيادةِ ينال الطويل التركي الذي انهزم أمامَ أبي ركوةِ، وقُتِلَ ينال، فانتشَرَ ذِكرُ أبي رَكوةَ، وعَظُمَت هَيبتُه، وأقام ببرقةَ، وترَدَّدَت سراياه إلى الصعيدِ وأرضِ مِصرَ، وقام الحاكِمُ مِن ذلك وقَعَد، وسُقِطَ في يَدِه، ونَدِمَ على ما فَرَّط، وفَرِحَ جُندُ مِصرَ وأعيانُها بأمرِ أبي ركوة، وعَلِمَ الحاكِمُ بذلك، فاشتَدَّ قَلَقُه، وأظهَرَ الاعتذارَ عن الذي فعَلَه، وكتب النَّاسُ إلى أبي رَكوةَ يَستدعونَه، ومِمَّن كتَبَ إليه الحُسَينُ بنُ جوهر المعروف بقائِدِ القُوَّاد، فسار حينئذٍ عن برقةَ إلى الصَّعيدِ، وعَلِمَ الحاكِمُ، فاشتَدَّ خَوفُه، وبلغ الأمرُ كُلَّ مَبلغٍ، وجمَعَ عساكِرَه واستشارهم، وكتَبَ إلى الشَّامِ يَستدعي العساكِرَ فجاءته، وفَرَّقَ الأموالَ والدَّوابَّ والسِّلاحَ، وسَيَّرَهم وهم اثنا عشرَ ألفَ رجلٍ بين فارسٍ وراجلٍ، سِوى العرب، بقيادة الفَضلِ بنِ عبد الله الذي استطاع بعد عدَّةِ وقائِعَ أن يَهزِمَ أبا ركوةَ، فأسَرَه وأكرَمَه حتى أدخَلَه مِصرَ، ثم حُمِلَ أبو رَكوةَ على جَملٍ مُشهَّرًا به وبأصحابِه، ثُمَّ قُتِلَ وصُلِبَ، ثمَّ أكرمَ الحاكِمُ الفَضلَ وأقطَعَه أقطاعًا كثيرة، ثمَّ اتَّفَق مَرَضُ الفَضلِ فعاده الحاكِمُ مَرَّتين، فلمَّا عوفِيَ قَتَلَه شَرَّ قِتلةٍ.

العام الهجري : 744 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1343
تفاصيل الحدث:

أمر نائِبُ السُّلطانِ الأميرُ الحاج آل ملك والي القاهرة بأن يُنزَل إلى خزانة البنود بالقاهرة، ويُحتاطَ على ما بها من الخَمرِ والبغايا، ويخرج مَن فيها من النَّصارى الأسرى، ويريق ما هناك من الخُمور، ويخرِّبها حتى يجعَلَها دكًّا، وسبَبُ ذلك أنَّ خِزانةَ البنود كانت يومئذٍ حانةً، بعدما كانت سجنًا يُسجَنُ فيه الأمراءُ والجُندُ والمماليك، كما أنَّ خِزانةَ شمائِل سجنٌ لأرباب الجرائِمِ من اللصوصِ وقُطَّاع الطريق، فلما كانت دولةُ السلطان الملك الناصر محمَّد بن قلاوون بعد عَودِه من الكرك، وشُغِفَ بكثرةِ العماراتِ، اتَّخَذ الأسرى وجَلَبَهم إلى مصر من بلاد الأرمن وغيرها، وأنزَلَ عِدَّةً كثيرةً منهم بقلعة الجبل، وجماعةً كثيرة بخزانة البنود، فملأ أولئك الأرمن خزانةَ البنود حتى بطل السِّجنُ بها، وعَمَرها السلطانُ الناصر مساكِنَ لهم، وتوالدوا بها، وعَصَروا الخمورَ بحيث إنَّهم عصروا في سنة واحدة اثنتين وثلاثين ألف جَرَّة، باعوها جِهارًا، وكان لحمُ الخنزير يُعَلَّقُ عندهم على الوضم، ويباعُ مِن غيرِ احتشامٍ، واتَّخَذوا عندهم أماكِنَ لاجتماع النَّاسِ على المحَرَّمات، فيأتيهم الفُسَّاق ويظَلُّونَ عندهم الأيامَ على شُربِ الخُمورِ ومُعاشرة الفواجِر والأحداثِ، ففَسَدت حُرَمٌ كثيرةٌ من الناسِ وكثيرٌ مِن أولادِهم وجماعةٌ مِن مماليك الأمراءِ فسادًا شَنيعًا، حتى إنَّ المرأةَ إذا تركت أهلَها أو زوجَها، أو الجاريةَ إذا تركت مواليَها، أو الشَّابَّ إذا ترك أباه، ودخل عند الأرمن بخزانةِ البنودِ، لا يقدِرُ أن يأخُذه منهم، ولو كان مَن كان! فقام الأميرُ الحاج آل ملك في أمرِهم، وفاوض السُّلطانَ المَلِكَ الناصِرَ محمدَ بن قلاوون في فسادِهم غيرَ مرة، فلم يجِبْه إلى أن أكثَرَ عليه، فغَضِبَ السلطان عليه، وقال له: يا حاج! كم تشتكي مِن هؤلاء، إن كان ما يُعجِبُك مُجاوَرَتَهم انتَقِلْ عنهم! فشَقَّ ذلك عليه، وركِبَ إلى ظاهر الحُسَينية واختار مكانًا، وعَمَره دارًا، وأنشأ بجانِبِها جامعًا، وحَمَّامًا ورَبْعًا وحوانيت، وبَقِيَت في نفسِه حزازاتٌ حتى أمكنَتْه القدرةُ منهم، وانبسَطَت يدُه فيهم بكونِه نائِبَ السُّلطانِ، فنزل والي القاهرةِ ومعه الحاجِبُ وعِدَّةٌ من أصحاب النائِبِ، وهجموا خزانةَ البنود، وأخرجوا جميعَ سُكَّانِها، وكَسَروا أوانيَ الخَمرِ، فكانت شيئًا يجِلُّ وَصفُه كثرةً، وهدموها واشترى أرضَها الأميرُ قماري مِن بيت المالِ، وتقَدَّمَ إلى الضياء المحتَسِب أن يناديَ بتَحكيرِها، فرَغِبَ النَّاسُ في أرضها واحتكَروها، وبَنَوها دُورًا وطواحينَ وغَيرَها، فكان يومُ هَدمِ خزانة البنود يومًا مَشهودًا من الأيامِ المشهورةِ المذكورة، عَدَلَ هَدْمُها فتحَ طرابلُس وعكا؛ لكثرةِ ما كان يُعمَلُ فيه بمعاصي اللهِ! ثمَّ طلب النائِبُ الأميرُ الحاج واليَ القلعةِ، وألزَمَه أن يفعَلَ ذلك ببيوت الأسرى من القلعةِ، فمضى إليها وكَسَّر جِرارَ الخَمرِ التي بها، وأنزلهم من القلعةِ، وجعَلَهم مع نصارى خزانةِ البنود في مَوضِعٍ بجوار الكوم، فيما بين جامِعِ ابن طولون ومصر، فنزلوه واتخَذوا به مساكِنَهم، وكانت الأسرى التي بالقلعة من خواصِّ الأسرى، وعليهم كان يعتَمِدُ السلطان المَلِكُ الناصر محمد بن قلاوون في أمر عمائِرِه، وكانوا في فَسادٍ كبيرٍ مع المماليكِ وحرَمِ القلعةِ، فأراح الله منهم، ثم رسم الأميرُ الحاج آل ملك النائب بتتَبُّع أهل الفساد، فمَنَع الناسَ مِن ضَربِ الخِيَم على شاطئ النيلِ بالجزيرةِ وغَيرِها للنُّزهة، وكانت محلَّ فَسادٍ كبيرٍ؛ لاختلاطِ الرِّجالِ فيها بالنِّساءِ، وتعاطيهم المُنكَرات.

العام الهجري : 73 العام الميلادي : 692
تفاصيل الحدث:

هي ذاتُ النِّطاقَيْنِ، وهي زَوجةُ الزُّبير، ووالدةُ عبدِ الله بن الزُّبير، وكانت قد شَهِدَت اليَرْموك مع زَوجِها وابْنِها، بَقِيَت في مكَّة بعدَ أن طَلَّقَها الزُّبيرُ في عَهْدِ عُثمان بن عفَّان، وكانت قد عَمِيَت رضي الله عنها وبَلَغت المائةَ سَنةٍ مِن عُمُرِها، وخَبرُها مع الحَجَّاج مشهور بشأنِ ابْنِها عبدِ الله، وقد تُوفِّيت بعدَ مَقْتَلِ ابْنِها بِشَهرين، وكانت مِن آخرِ المُهاجِرات موتًا، فرضِي الله عنها وعن أَبِيها وابْنِها.

العام الهجري : 10 العام الميلادي : 631
تفاصيل الحدث:

إبراهيمُ ابنُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وأمُّهُ مارِيَةُ القِبْطِيَّةُ، وقد كان جَميعُ أَولادِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن خَديجةَ رضي الله عنها، ما عَدا إبراهيمَ فمِن مارِيَةَ القِبطيَّةِ المِصريَّةِ رضي الله عنها، قال أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه: «ما رَأيتُ أحدًا كان أَرحمَ بالعِيالِ مِن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. قال: كان إبراهيمُ مُسْتَرْضِعًا له في عَوالي المَدينةِ، فكان يَنطلِقُ ونحن معه فيَدخُلُ البيتَ وإنَّه لَيُدَخَّنُ، وكان ظِئْرُهُ قَيْنًا، فيَأخُذهُ فيُقَبِّلُهُ، ثمَّ يَرجِع. قال عَمرٌو: فلمَّا تُوفِّيَ إبراهيمُ قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ إبراهيمَ ابْنِي، وإنَّه مات في الثَّدْيِ، وإنَّ له لَظِئْرَيْنِ تُكَمِّلانِ رَضاعَهُ في الجنَّةِ». عن المُغيرةِ بنِ شُعبةَ قال: كَسَفتِ الشَّمسُ على عَهدِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يَومَ مات إبراهيمُ، فقال النَّاسُ: كَسَفتِ الشَّمسُ لِمَوتِ إبراهيمَ. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ لا يَنْكَسِفانِ لِمَوتِ أَحدٍ ولا لِحَياتِه، فإذا رَأيْتُم فصَلُّوا، وادْعوا الله». عن أبي بَكرةَ قال: خَسَفتِ الشَّمسُ على عَهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فخرَج يَجُرُّ رِداءَهُ حتَّى انْتَهى إلى المسجدِ، وَثابَ النَّاسُ إليه، فصلَّى بهم رَكعتينِ، فانْجَلتِ الشَّمسُ، فقال: «إنَّ الشَّمسَ والقَمرَ آيتانِ مِن آياتِ الله، وإنَّهما لا يَخْسِفانِ لِمَوتِ أَحدٍ، وإذا كان ذاك فصَلُّوا وادْعوا حتَّى يُكْشَفَ ما بكم». وذاك أنَّ ابْنًا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مات يُقالُ له: إبراهيمُ. فقال النَّاسُ في ذاك. وُلِدَ له إبراهيمُ بالمدينةِ مِن سُرِّيَّتِهِ مارِيَةَ القِبطيَّةِ، سَنَةَ ثَمانٍ مِن الهِجرةِ، وبَشَّرَهُ به أبو رافعٍ مَولاهُ، فوَهَبَ له عَبدًا، ومات طِفلًا قَبلَ الفِطامِ، واخْتُلِف هل صلَّى عليه أم لا؟ على قَولين.

العام الهجري : 320 العام الميلادي : 932
تفاصيل الحدث:

غزا الناصِرُ مدينة طُلَيطلة غَزاتَه الثانيةَ التي فُتِحَ فيها عليه، وكان أهل طليطلة لَمَّا أخذهم الحصار، واشتَدَّ عليهم التَّضييق، ولازمهم القُوَّادُ، استنجدوا بالمشركين، ورَجَوا نصرهم لهم، فلم يغنوا عنهم فتيلًا، ولا كشَفوا عنهم عذابًا، ولا جَلَبوا إليهم إلَّا خِزيًا وهوانا. وخرج القُوَّادُ المُحاصِرون لهم إلى الكَفَرة، فهزموهم وفَرَّقوا جموعهم، وانصرفوا مُوَلِّينَ على أعقابهم، خاذلينَ لِمن انتصر بهم، ورجا الغِياثَ مِن قِبَلِهم، فلما يئس أهلُ طُلَيطِلة أن ينصُرَهم أحدٌ مِن بأس الله الذي عاجَلَهم، وانتقامِه الذي طاوَلَهم، عاذوا بصَفحِ أمير المؤمنين، وسألوه تأمينَهم، وضَرَعوا إليه في اغتفارِ ذنوبهم، فخرج لاستنزالِ أهل طليطلة، وتوطيدِ طاعتِه فيها، وإحكامِ نَظَرِه بها، ثم أمَّنَ أهلَ طُلَيطِلة، وخرجوا إلى العسكَرِ، ونالوا المرافِقَ فيه، وابتاعوا المعايشَ التي طال ما أجهَدَهم عدَمُها، ومنَعَهم الحصارُ منها؛ فعَرَفوا غِبطةَ ما صاروا إليه من الأمنِ بعد الخوفِ، والسَّعةِ إثرَ الضِّيقِ، والانبساطِ بعد طول الانقباضِ، ثم ركب الناصرُ إلى طليطلة في اليومِ الثاني مِن نُزولِه بمَحَلَّتِه عليها، ودخَلها وجال في أقطارها, فرأى مِن حصانتِها، وشَرَفِ قاعدتِها، وانتظامِ الجبال داخِلَ مدينتها، وامتناعِها من كل الجهاتِ بواديها ووَعْرِها، وطِيبِ هوائها وجَوهرِها، وكثرة البشَرِ بها، ما أكثَرَ له من شكْرِ الله عزَّ وجَلَّ على ما منَحَه فيها، وسهَّلَ له منها، وعلم أنَّه لولا ما أخذ به مِن الجِدِّ والعزمِ في أمرها، لَمَا مُلِكَت مع حصانتِها ومَنعتِها, ولِما اعتاده أهلُها من مداخلة المشركينَ ومُوالاتهم، والاستمداد على الخُلَفاء بهم، فكم أعيَتْ طُلَيطِلة الملوكَ، وامتنعت من العساكِرِ، ثم بنى فيها بناءً مُحكَمًا مُتقَنًا؛ ليكونَ مُستقَرًّا للقُوَّادِ الملازمينَ فيها، وملأها رجالًا وعُدَّةً وسِلاحًا. وركب إليها النَّاصِرُ، وأمر بهَدمِ ما وجب هدمُه في المدينة، وترَدَّد عليها ثمانيةَ أيَّامٍ حتى أكمَلَ فيها ما دَبَّرَه، واطمأنت بأهلِ المدينة الدار، ثم قفل الناصِرُ من طليطلة إلى قرطبة، ودخلها لعشرٍ بقين من شعبان، وقد استتَمَّ في غزاته ستة وثلاثين يومًا.

العام الهجري : 478 العام الميلادي : 1085
تفاصيل الحدث:

بعدَ أن قامَ ألفونسو السادسُ –أدفونش- بالاستِيلاءِ على طُليطلة بدأَ بتَهديدِ إشبيلية، فأَرسلَ كِتابًا لصاحِبِها المُعتَمِد بن عبَّاد قال فيه: "مِن الإمبراطورِ ذي الملتين المَلِكِ أدفونش بن شانجة، إلى المُعتَمِد بالله، سَدَّدَ الله آراءَه، وبَصَّرَهُ مَقاصِدَ الرَّشادِ. قد أَبصرتَ تَزَلزُلَ أَقطارِ طُليطلة، وحِصارَها في سالفِ هذه السِّنين، فأَسلَمتُم إخوانَكم، وعَطَّلتُم بالدَّعَةِ زَمانَكم، والحَذِرُ مَن أَيقظَ بالَه قبلَ الوُقوعِ في الحِبالَة. ولولا عَهدٌ سَلَفَ بيننا نَحفظُ ذِمامَه نَهَضَ العَزمُ، ولكنَّ الإنذارَ يَقطَع الأعذارَ، ولا يَعجَل إلَّا مَن يَخاف الفَوْتَ فيما يَرومُه، وقد حَمَّلنَا الرِّسالةَ إليك البرهانس، وعندَه مِن التَّسديدِ الذي يَلقَى به أَمثالَك، والعَقلِ الذي يُدَبِّر به بِلادَك ورِجالَك، ما أَوجَبَ استِنابَتَه فيما يَدِقُّ ويَجِلُّ". فلمَّا قَدِمَ الرَّسولُ أَحضرَ المُعتَمِدُ الأكابرَ، وقُرئ الكِتابُ، بَكَى أبو عبدِ الله بنُ عبدِ البَرِّ وقال: قد أَبصرَنا ببَصائِرِنا أن مآلَ هذه الأَموالِ إلى هذا، وأن مُسالَمَةَ اللَّعينِ قُوَّةٌ بلاده لبلاده، فلو تَضافَرنا لم نُصبِح في التلافِ تحتَ ذُلِّ الخِلافِ، وما بَقِيَ إلا الرُّجوعُ إلى الله والجِهادُ. وأمَّا ابن زيدون وابن لبون فقالا: الرَّأيُ مُهادَنتُه ومُسالمَتُه. فجَنَحَ المُعتَمِدُ إلى الحَربِ، وإلى استِمدادِ مَلِكِ البَربرِ ابنِ تاشفين، فقال جَماعةٌ: نَخافُ عليك من استِمدادِه. فقال: رَعْيُ الجِمالِ خَيرٌ مِن رَعْيِ الخَنازيرِ". فرَدَّ على الأدفونش يَتهدَّدهُ و يَتَوعَّدهُ, ثم اتَّفقَ المُعتَمِدُ بن عبَّاد صاحِبُ أشبيلية والمُتوكِّلُ بن الأَفطَس صاحِبُ بطليموس وعبدُالله بن بلقين أَميرُ غِرناطة، على إرسالِ وَفْدٍ من القُضاةِ والأَعيانِ إلى يُوسفَ بن تاشفين يَدعونَهُ إلى الحُضورِ إلى الأندلسِ لِقِتالِ النَّصارَى ويَستَنصِرونَه على ألفونسو السادس، فلمَّا استَجابَ ابنُ تاشفين لِطَلَبِهم إرسال أَرسلَ رِسالةً إلى ألفونسو يَدعوهُ فيها إلى الإسلامِ أو الجِزيَةِ أو الحَربِ، فاختارَ الحَربَ.

العام الهجري : 1360 العام الميلادي : 1941
تفاصيل الحدث:

ثورةُ رشيد عالي الكيلاني هي سلسلةُ الأحداث الدستورية التي تصاعدت بسببِ تضارُبِ مدارس الحُكم الملكي في العراق وتياراتِه ما بين التيارِ الوطني الثوري التحرري، والتيار الليبرالي الميَّال لممالأة الإنجليز، في وقت كان العراقُ يمثِّل زعامةً ومدرسةً سياسيةً يُعتَدُّ بها في المنطقة العربية، فلما تفاقمت الأمورُ في الحكومة العراقية وتأزَّمت بسبب موقِفِ العراق من الحرب العالمية الثانية وموقِفِها من الدول المتحارِبة، وكذلك بسبب رفض إنجلترا تسليحَ العراق، شعرت إنجلترا بما يُساوِرُ نفوس العراقيين وما يختَلِجُها من الاستياء من سياستها في العراق، وكرههم للحكومة العراقية الموالية للمحتَلِّ ودورانها في فلَكِها، فأرادت بريطانيا أن تُخفِّفَ من وطأة هذه الكراهية عليها وعلى أعوانها، ورأت أن تُسلِّمَ الحُكمَ للمعارضة، وقد برز بين رجال المعارَضة رشيد عالي الكيلاني -المعروف بوطنيته وعدم ارتياحه للإنجليز- وأن تعمَلَ ما في وُسعِها ليدورَ في فلَكِها، وربما يحدِثُ هذا فيما إذا قرَّبه أعوانُها، وأظهرت رضاها عن ذلك، ولَمَّا لم تستطع تنفيذَ خططها بجَلبِه إلى دائرة سياستها أبرزت كيفيةَ تسلُّم الكيلاني الحكم، وأنه قد تمَّ عن ترشيح أصدقائها. وتبعًا لهذا فقد رشَّحه نوري السعيد والوصي معًا لتسلُّم السلطة، غير أن رشيد الكيلاني لم يعتَمِدْ على هذا الترشيح، وإنما كان يرتكِزُ على قاعدة قوية؛ فالشعبُ يَدعَمُه، والجيش يُؤيِّدُه، وإضافةً إلى هذا فقد أخذ تعهدًا من رجال السياسة سواء الذين يناوِئونه؛ أمثال نوري السعيد، وتوفيق السويدي، وعلي جودت الأيوبي، وجميل المدفعي، أم الذين يؤيدونَه؛ أمثال ناجي شوكت، وناجي السويدي. ورُفِعَ هذا التعهُّد إلى الوصي فأيَّده، وبذا كانت الأرضُ التي يقف عليها رشيد عالي الكيلاني صلبةً، وخاب فألُ إنجلترا من كل النواحي؛ فمن ناحية ابتهج الشعب به، وضَمِنَ سلامة الخط، فأبدى الكيلاني مُعارضتَه للسياسة البريطانية، وأخذ يُصرِّح بذلك، ومن ناحية ثانية لم تستطع إنجلترا جرَّ رشيد عالي الكيلاني إلى سياستها، بل أبدى قوَّةً في الشخصية، وأظهر استقلاليَّتَه؛ حيث رفض قطْعَ العلاقة مع إيطاليا التي أعلنت الحربَ ضِدَّ إنجلترا وفرنسا، وهذا ما أغضب إنجلترا أشَدَّ الغضب؛ إذ أحسَّت أن العراقَ ليست تحت نفوذها، ولا تسيرُ برأيها، غيرَ أنَّه من الجانب الآخر قد ألهب هذا التصرُّفُ الشعبَ في العراق حماسةً لموقِفِ حكومته، وهذا ما زاده مُعارضةً للسياسة الإنجليزية. وانهارت فرنسا أمام الألمان، فطار الشعبُ فرحًا ليس حبًّا بالألمان، ولكن كرهًا لفرنسا ولسياستها الاستعمارية، وفي الواقع فقد زادت الدعايةُ لدول المحور في العراق رغبةً في هزيمة الحلفاء، ولم تُقصِّر المفوضية الإيطالية بذلك، وحتى توقعت إنجلترا أن تستأنِفَ العراق عَلاقتها مع ألمانيا، وهذا ما خَشِيَته أشدَّ الخشية، واستشاطت إنجلترا غضبًا وأخذت تعمل للتخلُّص من حكومة رشيد عالي الكيلاني، وكان لها ما أرادت؛ إذ أوعزت إنجلترا لأعوانها بالانسحاب من الوزارة، فكان عليها أن تستقيلَ وتُفسِحَ المجالَ لحكومة جديدة وأرادت إنجلترا أن تخرُجَ من المأزق الذي وقَعَت فيه بتسليم رشيد الكيلاني الحكم، وأرادت أن تخرجَ من المأزق بهدوءٍ ولا تعطي السلطةَ لأحدِ أعوانها؛ فقد يؤدى إلى مظاهرات وربما تندلع ثورة، وبمجرد أن طلب الوصيُّ من الكيلاني أن يقَدِّمَ استقالة حكومته حتى اهتَزَّ الوضع وتحرَّك الجيشُ وقامت مظاهراتٌ تطالب بتحقيق رأي الكيلاني بحَلِّ المجلس النيابي، وإجراء انتخابات جديدة، وتشَكَّلت وزارة طه الهاشمي، وهو قريب من المعارضة، وفي الخامس من ربيع الأول 1360هـ اجتمع في معسكر الرشيد رشيد علي الكيلاني: رئيس الحكومة، واللواء أمين زكي: رئيس الأركان، وبعض الضباط، وأعلنوا الاستنفارَ بالمعسكر وقرَّروا القيام بانقلابٍ إذا رفضت حكومةُ طه الهاشمي الاستقالةَ، وهي الحكومة التي ترضى عنها بريطانيا ويؤيِّدُها الوصيُّ على الملك عبد الإله بن علي، ثمَّ طلبوا منه التفاهُمَ مع الكيلاني لتشكيل وزارة جديدة، فأبى ثم أُجبِرَ على الاستقالة، ولما أُعلِمَ الوصي بذلك هرب متسللًا ودعا طه أعضاء وزارته للاجتماع به، وكان الجيش قد دخل المدينةَ وسيطر على المداخل الرئيسة وحاصر قصر الوصي الذي هرب منه، ثم في صباح 6 من ربيع الأول ذهب رشيد الكيلاني إلى دار طه لإقناعه بالانضمام لحركتِهم فوجدوا الوزارةَ ما زالت مجتَمِعةً، فجرى نقاشٌ حادٌّ ثم اجتمع الرأي على إبقاء الوزارة في الحكمِ، وألا يتدخَّل الجيش في السياسة، ويتعهد المدنيون والعسكريون على السواء بأن يقبَلوا بما يتم الاتفاق عليه، ويُطلَب من الوصي العودة للعاصمة، الذي كان قد انتقل إلى البصرة، ثم عاد رشيد الكيلاني والضباط فسَحَبوا الثقة من حكومة طه، وقرَّر الجيش تحمُّل المسؤولية في هذه المرحلة الحَرِجة, وقام رشيد باستدعاء المستشار الإنجليزي بوزارة الداخلية، وأعلمه أن حكومة طه الهاشمي استقالت والوصي غائب، وبذلك فالجيش هو مصدرُ السلطة، وقد أوكل الجيشُ لرشيد الأمرَ وهرب الوصي ومن معه إلى فلسطين، وتمَّ عَزلُ الوصي عبد الإله، وتعيين وصي جديد هو الشريف شرف الذي قَبِلَ استقالة حكومة طه الهاشمي، وسُرَّ الشعب بحركة رشيد عالي الكيلاني، وأما إنجلترا فقد عَدَّت هذا عملًا غير مشروع فقررت التخلُّصَ من حركته بالقوة، فطلبت من الهند إرسالَ قوات فنزلت رغم أنف الحكومة الجديدة، وحاصر الجيشُ العراقي قاعدةَ الحبانية الجوية، وفي 5 ربيع ثاني وزَّعت السفارة البريطانية منشورًا تتهم فيه الكيلاني وقادةَ الجيش أنهم باعوا أنفسهم للألمان والطليان، وأنها خوَّلت سفيرها اتخاذ ما يراه مناسِبًا، وفي الغد صباح 6 ربيع الثاني بدأ الهجومُ الجوي الإنجليزي وضَرْب المواقع العراقية وقصَفَت معسكر الرشيد، وأعلن المفتي الفلسطيني الجهادَ، وجاءت قواتٌ ألمانية تُعِين العراقيين بحكم عدائها لبريطانيا ضِمنَ الحرب العالمية الثانية إلَّا أنَّ قَصْفَها ليس جادًّا بالنسبة لَمَّا عُرٍف عن السلاح الجوي الألماني، ثم تدخَّلت قوات برية إنجليزية من الأردن، فقام رشيد الكيلاني بتشكيلِ لجنة الأمن الداخلي واتصل بالسياسيين لوقف القتال، وفي 6 جمادى الأولى رحل رشيد الكيلاني ومفتي فلسطين وغيرهم إلى طهران، وفي 7 جمادى الأولى وافق أمينُ العاصمة أرشد العمري على شروطِ هدنة قاسية على العراقيين؛ لأنَّهم لم يعودوا قادرين على مقاومة الإنجليز، فلم يكن لهم خيارٌ غير القبول بالهدنة، وعاد الوصي عبد الإله ونوري السعيد ومن معهما من أعوان الإنجليز إلى بغداد على متن طائرة بريطانية، وبهذا انتهت حركةُ رشيد عالي الكيلاني التي تعلَّقَت بها آمال العراقيين في التخَلُّص من الاستعمار البريطاني بمساعدة أعداء بريطانيا المتمَثِّل في الألمان والطليان.

العام الهجري : 12 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 634
تفاصيل الحدث:

سار خالدُ بن الوَليد رضِي الله عنه بجُيوشِه المُجتمعَة إلى الفِراض على تُخوم الشَّام والعِراق والجَزيرة، وتَعاوَن الفُرْسُ والرُّومُ ضِدَّ المسلمين, فأقام هنالك شهرَ رمضانَ مُفْطِرًا لِشُغلِه بالأعداءِ، ولمَّا بلَغ الرُّومَ أمرُ خالدٍ ومَصيرُهُ إلى قُرْبِ بِلادِهم حَمُوا وغَضِبوا وجَمَعوا جُموعًا كثيرةً، ثمَّ ناهَدوا خالدًا فحالت الفُراتُ بينهم، فقالت الرُّومُ لخالدٍ: اعْبُرْ إلينا. وقال خالدٌ للرُّومِ: بل اعْبُروا أنتم. فعَبَرت الرُّومُ إليهم، فاقتتلوا هنالك قِتالًا عظيمًا بليغًا، ثمَّ هزَم الله جُموعَ الرُّومِ وتَمَكَّنَ المسلمون مِن اقْتِفائِهم، فقُتِلَ في هذه المعركةِ مِن الفُرْسِ والرُّومِ والعَربِ المُتَنَصِّرَةِ أكثر مِن مائةِ ألفٍ، وأقام خالدٌ بعدَ ذلك بالفِراضِ عشرةَ أيَّام، ثمَّ رَتَّبَ لرُجوعِ جَيشِه للحِيرَةِ، ثمَّ  اتَّجَه مع بعضِ جُنْدِه للحَجِّ دون عِلْمِ أَحدٍ بهم.

العام الهجري : 34 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 655
تفاصيل الحدث:

أوَّلُ بَدْءِ نُشوءِ جُذورِ الفِتنَةِ هو بخُروجِ عبدِ الله بن سَبَإٍ يَهوديٍّ مِن صَنْعاءَ، أَظهَرَ الإسلامَ ثمَّ رحَل إلى الكوفةِ والبَصرَةِ والشَّامِ يُحاوِلُ أن يُؤثِّرَ في النَّاسِ؛ لكن لم يَلْقَ تَجاوُبًا حتَّى رحَل إلى مِصْرَ وبدَأ يُشَكِّكُ في عَقيدةِ النَّاسِ، ويَزْعُم عَودةَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّه أَحَقُّ بالعَودةِ مِن عيسى صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ بدَأ بالدَّعوَةِ لعَلِيِّ بن أبي طالبٍ، فزَعَم أنَّ له الوِصايَةَ، ثمَّ بدَأ بالطَّعْنِ في خِلافةِ عُثمانَ، ثمَّ انْضَمَّ إلى القافِلَةِ بعضُ الذين تَكلَّموا في سعيدِ بن العاصِ أميرِ الكوفةِ، فرَحَلوا للجزيرةِ، وكان عبدُ الله بن سَبَإٍ يُراسِل كلَّ مَن استطاع أن يُؤثِّرَ عليه في الأمْصارِ، وكان عُثمانُ قد اسْتَشار أُمَراءَهُ في هؤلاء المُنحَرِفين، فاسْتَقَرَّ رأيُ عُثمانَ على تَرْكِهِم، حتَّى جاء وفدُ مِصْرَ مُعتَمِرًا وفي نِيَّتِهم مُناقشةُ عُثمانَ وخَلْقُ البَلْبَلَةِ في المدينةِ، وقد كان ذلك أوَّلَ حُدوثِ فِتنَةِ قَتْلِ عُثمانَ بالشَّكْلِ الواضحِ.