اهتم السلطانُ الظاهر بيبرس بأمر صفد، وأحضر العساكِرَ المجردة، ورحَّل الأمير بكتاش الفخري أميرَ سلاح بالدهليز السلطاني ونزل على صفد، وتبعه الأميرُ البندقدار والأميرُ عز الدين أوغان في جماعة، وحاصروها، هذا والسلطانُ مقيم على عكا حتى وافته العساكرُ، وعمل عدةَ مجانيقَ، ثم رحل والعساكِرُ لابسة، وساق إلى قربِ باب عكا، ووقفَ على تل الفضول، ثم سار إلى عين جالوت، ونزل على صفد يوم الاثنين ثامن شهر رمضان وحاصرها، فقدم عليه رسول متملك صور ورسل الفداوية، ورسول صاحب بيروت ورسول صاحب يافا، ورسل صاحب صهيون، وصار السلطان يباشر الحصارَ بنَفسِه، وقَدِمَت المجانيق من دمشق إلى جسر يعقوب وهو منزلة من صفد ثم نصبت المجانيقُ فرمي بها في السادس عشر، وصار السلطان يلازم الوقوف عندها وهي ترمي، وأتت العساكِرُ من مصر والشام، فنزلوا على منازلهم وفي ثاني يوم عيد الفطر: وقع الزحفُ على صفد، ودفع الزراقون النفطَ، ووعد السلطان الحجَّارين أنه من أخذ أول حجر كان له مائة دينار، وكذلك الثاني والثالث إلى العشرة، وأمر حاشيته بألا يشتغلوا بخدمته، فكان بين الفريقين قتال عظيم استُشهِدَ فيه جماعة، وكان الواحد من المسلمين إذا قُتِلَ جَرَّه رفيقه ووقف موضِعَه، وتكاثرت النقوبُ ودخل النقَّابون إليها، ودخل السلطانُ معهم، وبذل السلطانُ في هذا اليوم من المال والخِلَع كثيرًا، ونصب خيمةً فيها حكماء وجرائحية وأشربة ومآكل، فصار من يُجرَحُ من العُربان والفقهاء والفقراء وغيرهم يُحضَرُ إليها، وفي ثامنه: كانت بين الفريقين أيضًا مَقاتِلُ، وفي ليلة الرابع عشر: اشتد الزحف من الليل إلى وقت القائلة، فتفرق الناس من شدة التعب، فغضب السلطانُ من ذلك وأمر خواصَّه بالسَّوقِ إلى الصاواوين وإقامة الأمراء والأجداد بالدبابيس، وقال المسلمون على هذه الصورة، وأنتم تستريحون!! فأقيموا، وقبَضَ السلطان على نيف وأربعين أميرًا، وقيَّدَهم وسجَنَهم بالزردخاناه-خزانة السلاح-، ثم شفع فيهم فأطلَقَهم وأمرهم بملازمةِ مواضِعِهم، وضُرِبَت الطبلخاناه- الطبول والأبواق- واشتد الأمر إلى أن طلب الفرنجُ الأمان، فأمَّنَهم السلطان على ألا يخرجوا بسلاحٍ ولا لَأْمةِ حَربٍ ولا شيءٍ مِن الفضيات، ولا يُتلِفوا شيئًا من ذخائر القلعة بنارٍ ولا هدم، وأن يُفتَّشوا عند خروجهم، فإن وُجِدَ مع أحد منهم شيء من ذلك انتقَضَ العهد، ولم تزل الرسُلُ تتردد بينهم إلى يوم الجمعة الثامن عشر، ثم طلعت السناجق –رماح- الإسلاميَّة، وكان لطلوعها ساعةٌ مشهودة، هذا والسلطان راكِبٌ على باب صفد حتى نزل الفرنجُ كُلُّهم، ووقفوا بين يديه فرسم بتفتيشِهم، فوجد معهم ما يناقض الأمانَ من السلاح والفضيات، ووجد معهم عِدَّةً من أسرى مسلمين أخرجوهم على أنهم نصارى، فأخذ ما وجد معهم وأُنزِلوا عن خيولهم، وجُعِلوا في خيمةٍ ومعهم من يحفظهم، وتسَلَّمَ المسلمون صفد، وولى السلطانُ قلعَتَها الأميرَ مجد الدين الطوري، وجعل الأميرَ عز الدين العلائي نائب صفد، فلما أصبح حضر إليه النَّاسُ، فشكر اجتهادَهم واعتذر إليهم مما كان منه إلى بعضِهم، وإنه ما قصَدَ إلَّا حَثَّهم على هذا الفتح العظيم، وقال: من هذا الوقتِ نتحالَلُ، وأمَرَهم فركبوا، وأُحضِرَت خيالة الفرنج وجمعٌ من صفد، فضُرِبَت أعناقهم على تل قرب صفد حتى لم يبق منهم سوى نفرينِ، أحدهما الرسول، فإنه اختار أن يقيمَ عند السلطان ويُسلِم، فأسلم وأقطَعَه السلطانُ إقطاعًا وقَرَّبَه، والآخَرُ تُرِكَ حتى يخبِرَ الفرنج ممَّا شاهده، وصَعِدَ السلطانُ إلى قلعة صفد، وفَرَّق على الأمراء العُدَد الفرنجية والجواري والمماليك، ونَقَل إليها زردخاناه من عنده، وحمل السلطانُ على كتفه من السلاح إلى داخل القلعة، فتشَبَّه به الناس ونقلوا الزردخاناه في ساعةٍ واحدة، واستدعى السلطانُ الرجال من دمشق للإقامةِ بصفد، وقرر نفقةَ رجال القلعة في الشهرِ مبلغ ثمانين ألف درهم نقرةً واستخدم على سائر بلاد صفد، وعَمِلَ بها جامعًا في القلعة وجامعًا بالربض ووقفَ على المجنون نصف وربع الحباب، وللربع الآخر على الشيخ إلياس، ووقف قريةً منها على قبر خالد بن الوليد بحمص، وفي السابع عشر: رحل السلطان من صفد إلى دمشق.
كانت هناك في جِبال أُوراس كاهِنَة مُطاعَة مِن قِبَل البَرْبَر فانْطَلق إليها حسَّانُ بن النُّعمان لِقِتالِها، وحَصَل قِتالٌ شديدٌ هُزِمَ فيه المسلمون، ووَصَل الخبرُ لعبدِ الملك فأَمَر بالانتظار حتَّى يأتيهم الأمرُ؛ ولكنَّ الرُّوم لمَّا عَلِموا بالأمرِ ساروا بأُسْطُولِهم إلى قَرْطاجَنَّة بإمْرَةِ البَطْريق يُوحَنَّا فتَمكَّن مِن دُخولِها وقسا على المسلمين ممَّا اضْطَرَّهم للهُروب للقُرى المُجاورة.
غَزَا أَسَدُ القَسْرِي جِبالَ نمروذ مَلِك القَرْقِيسِيان، مما يَلِي جِبالَ الطَّالقان، فصالَحَه نمروذ وأَسلَم على يَديهِ. وفيها غَزَا أَسَدٌ القَسْرِي الغَوْرَ -وهي جِبالُ هَراةَ- عَمَدَ أَهلُها إلى حَواصِلِهم وأَموالِهم وأَثقالِهم فجَعَلوا ذلك كُلَّه في كَهفٍ مَنيعٍ، لا سَبيلَ لِأَحَدٍ عليه، وهو مُسْتَعْلٍ جِدًّا، فأَمَر أَسَدُ بالرِّجالِ فحُمِلُوا في تَوابيت ودَلَّاهُم إليه، وأَمَر بِوَضْعِ ما هنالك في التَّوابيت ورَفَعوهم فسَلِموا وغَنِموا.
بعد أن توفِّيَ غالِبُ النَّاصِريُّ أميرُ مدينةِ سالم والثُّغورِ الشَّماليَّة بالأندلُسِ، وكان هو المنافِسَ لمحمد بن أبي عامر المنصور، وكان غالِبٌ قد انضَمَّ للنصارى لقتالِ المنصورِ، فبعد هذا توجَّه المنصورُ إلى ليون لحربِ مَلِكِها راميرو الذي استنصَرَ بمَلِكَي قشتالة ونافار، فحصلت بينهم حروبٌ قُربَ سيمانكس أو شنت منكش، فكانت نتيجةُ هذه المعارك انتصارَ ابنِ أبي عامر الذي تلقَّبَ بعدَ هذه المعارك بالمنصورِ.
هو الأتابك قراسنقر صاحِبُ أذربيجان وأرانية بمدينةِ أردبيل، مِن مماليكِ المَلِك طغرل بن السُّلطان مُحمَّد بن ملكشاه. كان شُجاعًا مَهيبًا، ظَلُومًا غَشومًا، عظيمَ المَحْلِ. وقد علا شأنُه على سُلطانِه السُّلطانِ مَسعود، فكان يخافُه ويداريه، وقتَلَ الوزيرَ كَمالَ الدين الرازي مِن أجلِه، وقد مات له ابنانِ تحت الزلزلة بجنزة، ومَرِضَ بالسُّلِّ، وطال به وماتَ بأردبيل.
ورد الخبر بحركة الفرنج لأخذ الشام، فتجَهَّز السلطان قلاوون الألفي للسَّفَر وركب بعساكِرِه في يوم الأحد ثامن جمادى الأولى، وتوجه من قلعة الجبل إلى دمشق، وفي يوم السبت ثاني عشر جمادى الآخرة دخل السلطان إلى دمشق، فقدم القصاد من بلاد التتار بقتل أحمد تكدار بن هولاكو ملك التتار المسلم وولاية ابن أخيه أرغون بن أبغا.
طلب الإسبان من أبي عبد الله محمد الصغير أن يضعوا قواتٍ لهم في الحمراء فرفض أبو عبد الله الصغير هذا الطلب ومنعهم من دخول غرناطة، فقام ملك قشتالة فرديناند بالزحف بقواته على أطراف غرناطة الشرقية واستولى في طريقه على بعض المدن، ومنها المنكب والبيرة وبلش وغيرها من القواعد الشمالية، مكملًا مسيرته إلى غرناطة التي بدأ يحاصرها، واستمر الحصار إلى سنة 895.
ترك هنري ملك بولونيا منصِبَه وعاد إلى فرنسا، فأوصى الخليفةُ مراد الثالث أعيانَ بولونيا بانتخاب أمير ترانسلفانيا ملكًا عليهم، ففعلوا ذلك وأصبحت بولونيا بذلك تحت حماية العثمانيين، واعترفت النمسا بذلك في معاهدة الصلحِ التي أبرمتها مع الدولة العثمانية في العام التالي، وذلك حين هجم التتارُ على الحدود البولونية، فاستنجدت بالدولة العثمانية فأعلن حمايتَها بموجبِ معاهدةٍ رسميةٍ.
تمَّت الإطاحةُ بنظام الرئيس معاوية ولد الطايع، وإنشاء مجلس عسكري يتولَّى الحُكمَ في البلاد، وكان الرئيس الموريتاني معاوية ولد الطايع، الذي يحكُم البلادَ منذ 20 عامًا، قد غادَر إلى السعودية لتقديم العزاء بوفاة الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه اللهُ- ولكنَّ الجيش منعَ الطائرة الرئاسية من الهبوط في مطار نواكشوط، فاضطرَّ الرئيسُ للتوجُّهِ إلى نيامي عاصمة النيجر.
أصدَر َالملِكُ سَلْمانُ بنُ عبدِ العزيزِ أمرًا مَلَكيًّا بتحديدِ يومِ 22 فبراير من كُلِّ عامٍ يومًا لذكرى تأسيسِ الدَّولةِ السُّعوديَّةِ، باسمِ "يوم التَّأسيس"، ويصبِحُ إجازةً رسميَّةً في البلادِ.
والمقصودُ بالتأسيسِ بدايةُ تأسيسِ الإمامِ محمَّدِ بنِ سُعودٍ قَبلَ ثلاثةِ قُرونٍ -مُنتصَفَ عام 1139هـ، الموافِق شَهْرَ فبراير من عامِ 1727م- للدَّولةِ السُّعوديَّةِ الأُولى.
كان بَطنُ فَزارةَ يُريدُ اغتيالَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فبَعَث رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَريَّةً على رَأسِها: أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ رَضي اللهُ عنه فأغار عليهم، وقَتَل وأسَر وسَبَى، وكان مِن شَياطينِهم أُمُّ قِرْفةَ التي جهَّزَت ثلاثين فارِسًا من أهلِ بَيتِها لاغتيالِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقُتِلوا وسُبيَتِ ابنَتُها، ففَدَى بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعضَ أُسارَى المسلمين في مكةَ.
أخرج الإمامُ مسلمٌ في «صَحيحِه» عن سَلَمةَ بنِ الأكوَعِ رَضي اللهُ عنه قال: غَزَونا فَزارةَ، وعلينا أبو بَكرٍ؛ أمَّرَه رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علينا؛ فلمَّا كان بيننا وبين الماءِ ساعةٌ أمَرَنا أبو بَكرٍ فعَرَّسنا ثم شنَّ الغارةَ، فوَرَدَ الماء، فقَتَل مَن قَتَل عليه، وسَبَى، وأنظُرُ إلى عُنُقٍ من النَّاسِ، فيهِمُ الذَّراري فخَشيتُ أن يَسبِقوني إلى الجبلِ، فرَمَيتُ بسهمٍ بينهم وبين الجبلِ. فلمَّا رَأوُا السَّهمَ وَقَفوا، فجِئتُ بهم أسوقُهم. وفيهمُ امرَأةٌ من بني فَزارةَ عليها قَشْعٌ من أدَمٍ -أي: ثَوبٌ من الجِلدِ-، معها ابنةٌ من أحسَنِ العَرَبِ، فسُقتُهم حتى أتيتُ بهم أبا بَكرٍ، فنَفَلَني أبو بكرٍ ابنَتَها. فقَدِمنا المدينةَ، وما كَشَفتُ لها ثَوبًا، فلَقيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في السُّوقِ، فقال: "يا سَلَمةُ، هَبْ لي المَرأةَ". فقلتُ: "يا رسولَ الله، والله لقد أعجَبَتني، وما كَشَفتُ لها ثَوبًا"، ثم لَقيَني رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الغَدِ في السُّوقِ، فقال لي: "يا سَلَمةُ، هَبْ لي المَرأةَ للهِ أبوكَ!" فقلتُ: هي لك يا رسولَ الله، فوالله ما كَشَفتُ لها ثَوبًا. فبَعَث بها رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى أهلِ مكةَ، ففَدَى بها ناسًا من المسلمين، كانوا أُسِروا بمكةَ.
لمَّا أصاب خالدٌ يومَ الوَلَجَةِ ما أصاب مِن نَصارى بكرِ بن وائلٍ الذين أعانوا الفُرْسَ غَضِبَ لهم نَصارى قَوْمِهم، فكاتَبوا الفُرْسَ، واجتمعوا على أَلَّيْس وعليهم عبدُ الأسودِ العِجْليُّ وكتَبَ أَرْدَشِير إلى بهمن جاذُوَيْهِ يأمُرهُ بالقُدومِ على نَصارى العربِ بأُلَّيْس، فقَدِمَ بهمن جاذُوَيْهِ جابانَ إليهم، فاجتمع على جابان نَصارى العربِ مِن أهلِ الحِيرَةِ. وكان خالدٌ لمَّا بَلغَهُ تَجَمُّعُ نَصارى بكرٍ وغيرِهم سار إليهم ولا يَشعُرُ بِدُنُوِّ جابان. فلمَّا طلَع جابانُ بأُلَّيْس قالت العَجَمُ له: أَنُعاجِلُهُم أم نغدي النَّاس ولا نُريهِم أَنَّا نَحْفَلُ بهم، ثمَّ نُقاتِلهم؟ فقال جابانُ: إن تَركوكُم فتَهاوَنوا بهم. فعَصَوْهُ وبَسَطوا الطَّعامَ، وانتهى خالدٌ إليهم وحطَّ الأثقالَ، فلمَّا وُضِعت تَوجَّه إليهم، وطلَب مُبارزةَ عبدِ الأسودِ وابنِ أَبْجَرَ ومالكِ بن قيسٍ، فبرَز إليه مالكٌ مِن بينهم، فقَتلَهُ خالدٌ وأَعجَل الأعاجمَ عن طعامِهم. فقال لهم جابانُ: حيث لم تَقدِروا على الأكلِ فسُمُّوا الطَّعامَ، فإن ظَفرتُم فأَيْسَرُ هالِكٍ، وإن كانت لهم هَلكوا بأَكْلِهِ. فلم يفعلوا، واقتتلوا قِتالًا شديدًا، والمشركون يَزيدُهم ثُبوتًا تَوقُّعُهم قُدومِ بهمن جاذُوَيْهِ، فصابَروا المسلمين، فقال خالدٌ: اللَّهمَّ إن هَزمتَهُم فعَلَيَّ أن لا أَسْتَبْقِي منهم مَن أَقدِر عليه حتَّى أُجري مِن دمائهِم نَهرَهُم. فانهزمت فارِسُ فنادى مُنادي خالدٍ: الأُسَراءُ الأُسَراءُ، إلَّا مَن امتنع فاقتلوه. فأقبل بهم المسلمون أُسَراء، ووَكَّل بهم مَن يَضرِب أعناقَهُم يومًا وليلةً. فقال له القَعْقاعُ وغيرُه: لو قتلتَ أهلَ الأرضِ لم تَجْرِ دِماؤهُم، فأَرْسِلْ عليها الماءَ تَبَرَّ يَمينُك، ففعَل فَسالَ النَّهرُ دَمًا عَبيطًا، فلذلك سُمِّيَ نَهْرَ الدَّمِ إلى اليومِ، ووقَف خالدٌ على الطَّعامِ وقال للمسلمين: قد نَفَّلْتُكُموه، فتَعشَّى به المسلمون، وجعَل مَن لم يَرَ الرِّقاقَ يقول: ما هذه الرِّقاقُ البِيضُ؟
هو عَمرُو بن العاصِ بن وائلِ بن هاشِم بن سُعَيْدِ –بالتصغير- بن سهمِ بن عَمرِو بن هُصَيْص بن كعبِ بن لُؤَيٍّ القُرشيُّ السَّهميُّ، أميرُ مِصْرَ، يُكَنَّى أبا عبدِ الله، وأبا محمَّد، أَسلَم قبلَ الفتحِ في صَفَر سنة ثمانٍ، وقِيلَ: بين الحُديبيَة وخيبر، ولمَّا أَسلَم كان النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُقَرِّبُه ويُدْنِيهِ لِمَعرفتِه وشَجاعتِه. ووَلَّاهُ غَزوةَ ذاتِ السَّلاسِل، وأَمَدَّهُ بأبي بكرٍ وعُمَر وأبي عُبيدةَ بن الجَرَّاح، ثمَّ اسْتَعمَله على عمَّان، فمات صلَّى الله عليه وسلَّم وعَمرٌو هو أميرُها، ثمَّ كان مِن أُمراءِ الأجنادِ في الجِهادِ بالشَّام في زمن عُمَر، وهو الذي افتتَح قِنَّسْرين، وصالَح أهلُ حَلَب ومَنْبِج وأَنْطاكِيَة، ووَلَّاهُ عُمَرُ فِلَسْطين، ووُلِيَّ عَمرٌو إمِرَةَ مِصْرَ في زمن عُمَر بن الخطَّاب، وهو الذي افتَتَحها وأبقاهُ عُثمانُ قليلًا ثمَّ عزَلهُ ووَلَّى عبدَ الله بن أبي سَرْحٍ، ثمَّ لم يَزَلْ عَمرٌو بغيرِ إمْرَةٍ إلى أن كانت الفِتنَة بين عَلِيٍّ ومُعاوِيَة، فلَحِقَ بمُعاوِيَة فكان معه يُدَبِّرُ أمْرَهُ في الحربِ إلى أن جَرى أَمْرُ الحَكَمَيْنِ، ثمَّ سار في جيشٍ جَهَّزَهُ مُعاوِيَةُ إلى مِصْرَ فوَلِيَها لمُعاوِيَة مِن صَفَر سنة ثمانٍ وثلاثين إلى أن مات سنة ثلاثٍ وأربعين على الصَّحيح. تُوفِّي وهو ابنُ تِسعين سنة. وفي صحيحِ مُسلمٍ مِن رِواية عبدِ الرَّحمن بن شِماسَةَ قال: فلمَّا حَضَرَت عَمرَو بن العاصِ الوَفاةُ بَكى، فقال له عبدُ الله بن عَمرٍو ابنُه: ما يُبكيكَ؟ فذَكر الحديثَ بطُولِه في قِصَّةِ إسلامِه، وأنَّه كان شديدَ الحياءِ مِن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم لا يَرفَعُ طَرْفَه إليه. وذكَرها ابنُ عبدِ الحَكَم في فُتوحِ مِصْر، وزاد فيها أشياء مِن رِواية ابنِ لَهِيعَةَ.
هو يَزيدُ بن مُعاوِيَة بن أبي سُفيان الأُمَويُّ القُرشيُّ الدِّمشقيُّ، وُلِدَ في 23 رمضان 26 هـ في خِلافَة عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه في قَريةِ الماطِرُون، وأُمُّهُ مَيْسونُ بنتُ بَحْدَل الكَلْبِيَّةُ، طَلَّقَها مُعاوِيَةُ فيما بعدُ. عاش فَترةً مِن حياتِه في البادِيَةِ بين أخوالِه، تَوَلَّى الخِلافَة بعدَ وَفاةِ والدِه في سنة 60 للهِجرَةِ، ولم يُبْقِ مِن مُعارِضي تَوْلِيَتِهِ الخِلافَة غيرَ الحُسينِ بن عَلِيٍّ، وعبدِ الله بن الزُّبيرِ. حدَث في عَهدِه ثلاثةُ حوادِث في سنة 61هـ، وقَعةُ كَرْبَلاء التي قُتِلَ فيها الحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنه بعدَ تَحريضِ شِيعَةِ العِراق له بالخُروجِ إليهم ثمَّ تَخَلّيهم عنه. والثَّاني سنة 63 هـ مُعارضَةُ عبدِ الله بن الزُّبير في الحِجاز، وما تَرَتَّب عليها مِن اسْتِباحَةِ الحَرَمِ واحْتِراقِ الكَعبَةِ. والثَّالث مُعارضَةُ أهلِ المدينةِ سنة 63 هـ على يَزيدَ وخَلْعُ بَيْعَتِه ممَّا أَدَّى إلى حِصارِ المدينةِ ثمَّ اسْتِباحَتِها في وَقعةِ الحَرَّةِ. تُوفِّي يَزيدُ بن مُعاوِيَة أثناءَ حِصارِ الجيشِ لمكَّة، وكان هو في الشَّامِ وقد كان عَهِدَ لابنِه مُعاوِيَة بن يَزيدَ بالخِلافَة مِن بَعدِه, وبعدَ وَفاةِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة تَبايَنَت الآراءُ حول شَخْصِيَّتِه. والنَّاسُ فيه طَرَفان ووَسَطٌ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ: "إنَّه كان مَلِكًا مِن مُلوكِ المسلمين، له حسنات وسَيِّئات، ولم يُولد إلَّا في خِلافَة عُثمانَ، ولم يكُن كافرًا؛ ولكن جَرى بِسبَبِه ما جَرى مِن مَصرَعِ الحُسينِ، وفعَل ما فعَل بأهلِ الحَرَّةِ، ولم يكُن صاحبًا ولا مِن أوْلِياءِ الله الصَّالحين، وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العَقلِ والعِلْمِ والسُّنَّةِ والجَماعةِ. ثمَّ افْتَرقوا ثلاث فِرَق: فِرْقَة لَعَنَتْهُ، وفِرْقَة أَحَبَّتْهُ، وفِرْقَة لا تَسُبُّهُ ولا تُحِبُّهُ، وهذا هو المنصوصُ عن الإمامِ أحمد، وعليه المُقْتَصِدون مِن أصحابِه وغيرِهم مِن جَميعِ المسلمين.
ارتحل زكرَوَيه من نهر المثنية يريد الحاجَّ، فبلغ السَّلمان، وأقام ينتَظِرُهم، فبلغت القافلةُ الأولى واقصةَ سابِعَ المحرَّم، فأنذرهم أهلُها وأخبَروهم بقرب القرامطة، فارتحلوا لساعتِهم، وسار القرامطةُ إلى واقصة، فسألوا أهلَها عن الحاجِّ، فأخبَروهم أنَّهم ساروا فاتَّهَمهم زكرويه، فقتل العلافةَ، وأحرق العلَف، وتحصَّن أهل واقصة في حِصنِهم، فحصرهم أيامًا ثم ارتحل عنهم نحو زبالة، ولقيَ زكرَوَيه القرمطيُّ قافلةَ الخراسانية بعُقبة الشيطان راجعينَ مِن مكة، فحاربهم حربًا شديدةً، فلما رأى شدةَ حَربِهم سألهم: هل فيكم نائبُ للسلطان؟ فقالوا: ما معنا أحَدٌ. قال: فلستُ أريدكم؛ فاطمأنُّوا وساروا، فلما ساروا أوقع بهم، وقتَلَهم عن آخِرِهم، ولم ينجُ إلَّا الشريد، وسَبَوا من النَّاسِ ما أرادوا وقَتَلوا منهم، وكتب من نجا من الحُجَّاج من هذه القافلةِ الثانية إلى رؤساءِ القافلة الثالثة من الحُجَّاج يُعلِمونهم ما جرى من القرامطة، ويأمرونَهم بالتحَذُّر، والعدولِ عن الجادَّة نحو واسط والبصرة، والرجوعِ إلى فيد والمدينةِ إلى أن تأتيَهم جيوش السلطان، فلم يسمعوا ولم يُقيموا، وسارت القرامطةُ مِن العَقَبة بعد أخذِ الحاجِّ، وقد طموا الآبار والبِرَك بالجِيَف، والأراب، والحجارة، بواقصة، والثعلبية، والعقبة، وغيرها من المناهِل في جميع طريقِهم، وأقام بالهيبر ينتظر القافلةَ الثالثة، فساروا فصادفوه هناك، فقاتَلَهم زكرويه ثلاثة أيام، وهم على غيرِ ماء، فاستسلموا لشدةِ العطش، فوضع فيهم السَّيفَ وقتلهم عن آخرهم، وجمع القتلى كالتَلِّ، وأرسل خلف المنهزمينَ مَن يبذلُ لهم الأمان، فلما رجعوا قتَلَهم، وكان نساء القرامطة يَطُفنَ بالماء بين القتلى يَعرِضْنَ عليهم الماء، فمن كلَّمَهنَّ قَتَلْنَه، فقيلَ إنَّ عدة القتلى بلغت عشرين ألفًا ولم ينجُ إلَّا من كان بين القتلى فلم يُفطَنْ له فنجا بعد ذلك، ومن هرب عند اشتغالِ القرامطة بالقتل والنهب، فكان من مات من هؤلاء أكثَرُ ممَّن سلم ومن استعبدوه، وكان مبلغُ ما أخذوه من هذه القافلة ألفي ألف دينارٍ.