لَمَّا سار سيفُ الدين غازي، صاحِبُ الموصل، ومَلَك البلادَ الجزريَّةَ، أرسل صلاح الدين أيضًا إلى المَلِك الصالح يعتبُه حيث لم يُعلِمْه قصد سيف الدين بلادَه وأخْذَها، ليحضُرَ في خدمته ويكُفَّ سيف الدين، وكتب إلى كمالِ الدين والأمراء يقول: "لو أنَّ نور الدين يعلَمُ أنَّ فيكم من يقومُ مقامي، أو يثِقُ به مِثلَ ثِقتِه بي، لسلم إليه مصر التي هي أعظَمُ ممالكه وولاياته، ولو لم يُعجِّلْ عليه الموت لم يعهَدْ إلى أحد بتربيةِ ولَدِه والقيام بخدمته غيري، وأراكم قد تفَرَّدتُم بمولاي وابنِ مولاي دوني، وسوف أصِلُ إلى خدمته، وأجازي إنعامَ والدِه بخدمةٍ يظهَرُ أثَرُها، وأجازي كلًّا منكم على سوءِ صنيعه في ترك الذَّبِّ عن بلادِه".
رسم السلطانُ المَلِكُ الأشرَفُ أنَّ الأشرافَ بالديارِ المِصريَّة والبلاد الشامية كُلَّهم يَسِمونَ عمائِمَهم بعلامةٍ خَضراءَ بارزةٍ للخاصَّةِ والعامَّةِ؛ إجلالًا لحَقِّهم وتعظيمًا لقَدْرِهم؛ ليُقابَلوا بالقَبولِ والإقبالِ، ويَمتازوا عن غَيرِهم من المُسلِمينَ، فوقع ذلك ولَبِسَ الأشرافُ العمائِمَ الخُضرَ، فقال الأديبُ شَمسُ الدين محمد بن إبراهيم الشهير بالمزين، في هذا المعنى:
أطرافُ تيجانٍ أتَت مِن سُندُسٍ
خُضرٍ كأعلامٍ على الأشرافِ
والأشرفُ السُّلطانُ خَصَّصَهم بها
شرفًا لنَعرِفَهم من الأطرافِ
وقال في ذلك الأديبُ شمس الدين محمد بن أحمد بن جابر الأندلسي:
جعلوا لأبناءِ الرَّسولِ علامةً
إنَّ العلامةَ شأنُ مَن لم يُشهَرِ
نورُ النبُوَّةِ في كريمِ وُجوهِهم
يُغني الشَّريفَ عن الطرازِ الأخضَرِ
كان جعفر محمد النميري قد أُرسِلَ إلى أمريكا للحصول على رتبةِ أركان حرب، ورجع بعد أقل من سنتين ورُفِع إلى رتبة عقيد، وكان قد عُيِّن كقائدٍ ثان في مدرسة المشاة في جبيت، وفي 9 ربيع الأول 1389هـ / 25 أيار قام بانقلابٍ عسكريٍّ واستولى على الحُكم، وأزاح وزارةَ محمد أحمد محجوب، وشكَّل مجلِسًا للثَّورة والحكومة، وأعاد عددًا من الضبَّاط الذين كانوا قد أُقيلوا سابقًا، وكان الانقلابُ العسكريُّ قد استهدف الجبهةَ الإسلاميَّةَ قبل غيرها؛ إذ اعتَقَل أعضاءَها قبل أن يعتَقِلَ أعضاءَ الحكومة، وحَمَل الانقلابُ عنوانًا اشتراكيًّا، وضَمَّ عناصرَ مختَلِفةً مِن شيوعيَّة واشتراكيَّة مع عملهم بالوقتِ نفسِه بخَطِّ الرأسمالية، وبدأت الحركةُ بتطبيق الاشتراكية في بعض القطاعاتِ، وانقسمت البلادُ إلى قسمين: الحكومةُ وأنصارُها من جهةٍ، وجبهةُ المقاومةِ الشَّعبيةِ مِن جهةٍ أخرى.
أقبَلَت الفرنج في جحافِلَ كثيرة إلى الديار المصرية، وساعدهم المصريون فتصَرَّفوا في بعض البلاد، فبلغ ذلك أسدَ الدين شيركوه، فاستأذن الملك نور الدين محمود في العود إليها، وكان كثيرَ الحنق على الوزير شاوِر السعدي، فتجهَّزَ وسار في ربيع الآخر في جيشٍ قويٍّ، وسَيَّرَ معه نور الدين جماعة من الأمراء، فلما اجتمع معه عسكرُه سار إلى مصر على البَرِّ، وترك بلاد الفرنج على يمينه، فوصل الديار المصرية، فقصد أطفيح، وعبَرَ النيل عندها إلى الجانب الغربي، ونزل بالجيزة مقابِلَ مصر، وتصرَّفَ في البلاد الغربية، وحكم عليها، وأقام نيفًا وخمسين يومًا، وكان شاوِر لما بلغه مجيء أسد الدين إليهم قد أرسل إلى الفرنج يستنجِدُهم، فأتوه على الصَّعبِ والذَّلول؛ طمعًا في ملكها، وخوفًا أن يملكها أسد الدين، فلما وصلوا إلى مصر عبروا إلى الجانب الغربي، وكان أسد الدين وعساكره قد ساروا إلى الصعيد، فبلغ مكانًا يُعرَف بالبابين، وسارت العساكر المصرية والفرنج وراءه، فأدركوه بها في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة، وكان أرسل إلى المصريين والفرنج جواسيس، فعادوا إليه وأخبروه بكثرةِ عددهم وعُدَّتهم، وجِدِّهم في طلبه، فعزم على قتالهم، إلا أنه خاف من أصحابه أن تَضعُفَ نفوسُهم، فكلهم أشاروا عليه بعبور النيل إلى الجانب الشرقي والعود إلى الشام، فأشار أحدُهم بالقتال وشجَّعَهم عليه، فقال أسد الدين: هذا الرأي، وبه أعمَلُ، واجتمعت الكلمة على القتال، فأقام بمكانه حتى أدركه المصريون والفرنج وهو على تعبئة، فلما تقاتلت الطائفتان حمل الفرنج على القلب، فقاتلهم من به قتالًا يسيرًا، وانهزموا بين أيديهم غير متفرِّقين وتبعهم الفرنج، فحمل حينئذ أسدُ الدين فيمن معه على من تخلَّفَ عن الذين حمَلوا من المسلمين والفرنج الفارس والراجل، فهزمهم، ووضع السيفَ فيهم، فأثخن وأكثَرَ القتل والأسرَ، فلما عاد الفرنج من المنهزمين، رأوا عسكرَهم مهزومًا، والأرض منهم قَفرًا، فانهزموا أيضًا، فلما انهزم الفرنج والمصريونَ مِن أسد الدين بالبابين سار إلى ثغر الإسكندرية وجبى ما في القُرى على طريقه من الأموال، ووصلَ إلى الإسكندرية، فتسلَّمها بمساعدة من أهلِها سلَّموها إليه، فاستناب بها صلاح الدين بن أخيه، وعاد إلى الصعيد فملكه وجبى أمواله، وأقام به حتى صام رمضان، وأما المصريون والفرنج فإنهم عادوا واجتمعوا على القاهرة، وأصلحوا حالَ عساكرهم، وجمعوا وساروا إلى الإسكندرية، فحصروا صلاحَ الدين بها، واشتَدَّ الحصار، وقلَّ الطعام على من بها، فصبر أهلُها على ذلك، وسار أسد الدين من الصعيد إليهم، وكان شاوِر قد أفسد من معه من التركمان، فوصل رسل الفرنج والمصريين يطلبون الصلح، وبذلوا له خمسين ألف دينار سوى ما أخذه من البلاد، فأجابوا إلى ذلك وشَرَطَ على الفرنج ألَّا يقيموا بالبلاد ولا يتملَّكوا منها قرية واحدة، فأجابوا إلى ذلك، واصطلحوا وعاد إلى الشام، وتسلَّم المصريون الإسكندرية في نصف شوال، ووصل شيركوه إلى دمشق ثامن عشر ذي القعدة، وأما الفرنج فإنهم استقَرَّ بينهم وبين المصريين أن يكون لهم بالقاهرة شحنة، وتكون أبوابها بيد فرسانهم؛ ليمتنع نور الدين من إنفاذ عسكر إليهم، ويكون لهم من دخلِ مصرَ كل سنة مائة ألف دينار. وعاد الفرنج إلى بلادِهم بالساحل الشامي، وتركوا بمصر جماعةً من مشاهير فرسانهم.
هو أحمدُ بنُ محمَّدِ بنِ سلامة بن سلمة بن عبد الملك أبو جعفرٍ الأزدِيُّ الحجري المصريُّ الطحاوي، الفقيهُ الحنفيُّ، المحَدِّثُ الحافِظُ، أحدُ الأعلام، ولد سنة 239 بِطَحَا: قريةٍ مِن قُرى مِصرَ مِن ضواحي القاهرةِ بالوجه البحري، رحل إلى البلادِ، قال أبو إسحاق الشيرازي: انتهت إلى أبي جعفر رياسةُ أصحابِ أبي حنيفة بمصرَ، أخذ العلمَ عن أبي جعفرٍ أحمَدَ بن أبي عمران، وأبي حازم، وغيرهما، وكان إمامَ عَصرِه بلا مُدافعةٍ في الفِقهِ والحديثِ، واختلافِ العُلَماءِ، والأحكامِ، واللغة والنحو، وصَنَّف المصَنَّفاتِ الحسانَ، وصَنَّف اختلافَ العُلَماء، وأحكام القرآن، ومعاني الآثار، والشروط. وكان من كبارِ فُقَهاء الحنفيَّة، والمُزَنيُّ الشافعيُّ هو خالُ الطَّحاويِّ، وقِصَّتُه معه مشهورة في ابتداءِ أمره. قال الذهبي: " من نظَرَ في تصانيف أبي جعفرٍ رَحِمَه الله، علم محَلَّه من العلمِ وسَعةِ مَعرفتِه" كانت وفاته في مستهَلِّ ذي القَعدة، ودُفِنَ في القَرافة.
جيءَ بالحُسين بن منصور الحلَّاج إلى بغداد وهو مشهورٌ على جملٍ، وغلامٌ له راكبٌ جملًا آخَرَ، ينادي عليه: أحدُ دُعاةِ القرامطة فاعرفوه، ثم حُبِسَ ثمَّ جيء به إلى مجلسِ الوزير فناظره، فإذا هو لا يقرأ القرآنَ ولا يعرف في الحديثِ ولا الفِقهِ شَيئًا، ولا في اللغةِ ولا في الأخبارِ ولا في الشِّعرِ شَيئًا، وكان الذي نَقَم عليه: أنَّه وُجِدَت له رِقاعٌ يدعو فيها الناسَ إلى الضلالة والجَهالة بأنواع ٍمنِ الرموز، يقولُ في مكاتباته كثيرًا: تبارك ذو النور الشَّعشعاني، فقال له الوزير: تعَلُّمُك الطُّهورَ والفُروضَ أجدى عليك من رسائِلَ لا تدري ما تقولُ فيها، وما أحوَجَك إلى الأدبِ! ثم أمَرَ به فصُلِبَ حَيًّا صَلْبَ الاشتهارِ لا القَتلِ، ثم أُنزِلَ فأُجلِسَ في دارِ الخلافة، فجعل يُظهِرُ لهم أنَّه على السنَّة، وأنه زاهِدٌ، حتى اغتَرَّ به كثيرٌ مِن الخُدَّام وغيرهم من أهل دار الخلافةِ مِن الجَهَلة، حتى صاروا يتبَرَّكون به ويتمسَّحون بثيابِه.
جهَّزَ أبو منصورٍ عليُّ بنُ إسحاق، المعروفُ بالعادِلِ ابن السلار، وهو وزيرُ الظَّافِرِ الفاطميِّ، المَراكِبَ الحَربيَّةَ بالرِّجالِ والعُدَد، وسَيَّرَها إلى يافا، فأسَرَت عِدَّةً مِن مراكِبِ الفِرنجِ، وأحرقوا ما عَجَزوا عن أخْذِه، وقَتَلوا خلقًا كثيرًا مِن الفِرنجِ بها، ثمَّ تَوجَّهوا إلى ثَغرِ عكَّا، فأنكَوا فيهم، وساروا منه إلى صيدا وبيروت وطرابلس، فأبلوا بلاءً حسنًا، وظَفِروا بجماعةٍ مِن حُجَّاج ِالفِرنجِ فقَتَلوهم عن آخِرِهم، وبلغ ذلك المَلِكَ العادِلَ نور الدين محمود بن زنكي، مَلِك الشام، فعَزَمَ على قَصدِ الفِرنجِ ومُحارَبتِهم في البَرِّ، ولو قُدِّرَ ذلك لقَطَعَ اللهُ دابِرَ الفِرنجِ، لكِنَّه اشتغل بإصلاحِ أمورِ دِمشقَ، وعاد الأسطول مُظفَرًا بعدَما أنفق عليه العادِلُ ثلثمئة ألف دينار، وسَبَبُ مَسيرِ الأسطول تخريبُ الفرنج للفَرما.
هو أبو الفَتحِ وأبو الجود عِمادُ الدين زنكي بنُ قُطب الدين مودود بن عماد الدين زنكي بن اقسنقر، صاحِبُ سنجار ونصيبين، والخابور والرقة، كان قد مَلَك حلب سنة 577 بعد ابنِ عَمِّه الملك الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي، ومَلَك بعدَه ابنُه قطب الدين محمد، وتولَّى تدبير دولته مجاهِدُ الدين يرنقش مملوكُ أبيه، كان يحِبُّ أهل العلم والدين، ويحتَرِمهم ويجلس معهم ويرجع إلى أقوالهم، وكان شديد التعَصُّب لمذهب الحنفية، كثيرَ الذَّمِّ للشافعيَّة، فمِن تعَصُّبِه أنه بنى مدرسة للحنفيَّة بسنجار، وشَرَط أن يكون النظَرُ للحنفيَّةِ مِن أولاده دونَ الشافعيَّة، وشَرَطَ أن يكون البوَّاب والفراش على مذهب أبي حنيفةَ، وشَرَط للفُقَهاءِ طبيخًا يُطبَخُ لهم كلَّ يَومٍ.
هو المَلِكُ المؤيَّد صاحب حماة عماد الدين إسماعيل بن الملك الأفضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، كانت له فضائلُ كثيرةٌ في علوم متعَدِّدة منها الفِقهُ والهيئة والطب، وله مُصَنَّفات عديدة، منها تاريخٌ حافِلٌ في مجلَّدين كبيرين، وله نَظمُ الحاوي وغير ذلك، وكان يحِبُّ العلماءَ ويُشارِكُهم في فنون كثيرة، وكان من فُضَلاءِ بني أيوب، ولي مُلكُ حماة من سنة إحدى وعشرين إلى هذا العام، وكان السلطان الناصر بن قلاوون يُكرِمُه ويُعَظِّمُه، ووَلِيَ بعدَه ولدُه الأفضل علي، توفِّيَ في سحر يوم الخميس ثامن عشرين المحرم، ودُفِنَ ضَحوةً عند والديه بظاهِرِ حماة.
هو الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان بن محمد القاري، الهَرَوي المكي، المعروف بملَّا علي القاري، من فقهاء الحنفية، وُلِد في هراة وسكن مكةَ وتوفي بها. كان زاهدًا في الدنيا، بعيدًا عن الحكَّام ومجالِسِهم، مُعرِضًا عن الوظائف والأعمال، وكان شديدًا عليهم، حاملًا على أهلِ البدع والضلالات في مكَّة محلِّ إقامته، قانعًا بما يحصِّل من بيعِ كُتُبِه، ويغلِبُ على حاله الزهد والعفاف والرضا بالكفاف، وكان قليلَ الاختلاط بغيره. له مصنفات عديدة، منها: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، الموضوعات الكبرى، وجمع الوسائل في شرح الشمائل، وشرح مسند أبي حنيفة، وشرح نُخبة الفِكَر في مصطلحات أهل الأثر، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، وشرح الشفا للقاضي عياض، وغيرها من الكتب. توفي بمكَّة ودفن بمقبرة المُعَلاة.
أحمد فاضل نزال الخلايلة، المشهور بأبي مصعب الزرقاوي، سافَرَ إلى أفغانستانَ في ثمانينيَّات القرن العشرين لمحارَبة القوات السوفييتة، ومكَثَ الزرقاوي سبعَ سنواتٍ في السجون الأردنية، وذلك بعد القبض عليه في الأُردُنِّ بتُهمة التخطيط لمهاجمة إسرائيلَ، وبعد مغادرة الزرقاوي السجنَ، غادرَ مرةً أُخرى إلى أفغانستانَ، ومكَثَ فيها حتى أوائل عام 2000م، وكان أمير تنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، الذي هو فرع تنظيم القاعدة في العراق، الذي قامَ بالعديد من العملياتِ في العراقِ كتفجيرِ مَبْنى الأممِ المتحدةِ وغيرها من العمليات العسكرية والتفجيرية ضدَّ قوات التحالُفِ، والشيعة، والأكراد، وقوات الأمن العراقية، وفي صباح 7 يونيو 2006م أَعْلن رئيسُ الحكومة العراقية نوري المالكي عن مَقتَلِ زَعيم تنظيمِ القاعدة في العراقِ أبي مُصعبٍ الزرقاوي في غارة أمريكية.