الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1937 ). زمن البحث بالثانية ( 0.013 )

العام الهجري : 754 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1353
تفاصيل الحدث:

كَثُرَ عَبَثُ العُربان ببلاد الصعيد بقيادة الأحدب محمد بن واصل شيخ عرك، فجمع جمعًا كبيرًا، وتسمَّى بالأمير، فقَدِمَ الخبر في شعبان بأنهم كَبَسوا ناحيةَ ملوي، وقتلوا بها نحو ثلاثمائة رجل، ونهبوا المَعاصِرَ، وأخذوا حواصِلَها وذَبحوا أبقارَها، وأنَّ عَرَب منفلوط والمراغة وغيرهم قد نافقوا، وقَطَعوا بعض الجسور بالأشمونين، فوقع الاتفاقُ على الركوب عليهم بعد تخضيرِ الأراضي بالزراعة، وكُتِبَ إلى الولاة بتجهيز الإقامات برًّا وبحرًا، فأخذَ العرب حِذْرَهم، فتفَرَّقوا واختَفَوا، وقَدِمَت طائفة منهم إلى مصر، فأُخِذوا، وكانوا عشرة، فقُبِضَ ما وجد معهم من المال، وحَمل الأمير جندار، فإنهم كانوا فلَّاحيه، وأُتلِفوا، فلما برز الحاجُّ إلى بركة الحجَّاج ركب الأمير شيخو، وضرب حلقةً على الركب، ونادى مَن كان عنده بدويٌّ وأخفاه، حَلَّ دَمُه، وفَتَّش الخيام وغيرها، فقَبض على جماعة، فقتل بعضهم وأفرج عن بَعضٍ، ثمَّ لما عاد السلطان إلى الجيزة كُبِسَت تلك النواحي، وحُذِّرَ الناس من إخفاء العربان، فأُخِذَ البحري والبري، وقُبِضَت خيول تلك النواحي وسيوفُ أهلها بأسْرِها، وعُرِضَت الرجال، فمن كان معروفًا أُفرج عنه، ومن لم يعرف أقِرَّ في الحديد وحُمِل إلى السجنِ، ورُسِمَ أنَّ الفلاحين تبيعُ خُيولَهم بالسوق، ويوردون أثمانَها ممَّا عليهم من الخراجِ فبِيعَت عِدَّةُ خيول، وأُورِدَ أثمانها للمُقطِعين، والفَرَس الذي لم يُعرَف له صاحِبٌ حُمِلَ إلى إسطبل السلطان، وكُتِبَ للأمير عز الدين أزدمر، الكاشِفِ بالوجه البحري، أن يركَبَ ويكبِسَ البلادَ التي لأرباب الجاه، والتي يأويها أهلُ الفسادِ، فقَبَض على جماعةٍ كثيرة ووسَّطَهم، وساق منهم إلى القاهرةِ نحو ثلاثمائة وخمسين رجلًا، ومائة وعشرين فرسًا، وسلاحًا كثيرًا، ثم أحضَرَ الأميرُ أزدمر من البحيرة ستمائة وأربعين فرسًا، فلم يبقَ بالوجه البحري فرس، ورُسِمَ لقضاة البر وعُدولِه بركوب البغال والأكاديش، ثم كُبِسَت البهنسا وبلاد الفيوم، فركِبَ الأميران طاز وصرغتمش، بمن معهما إلى البلاد، وقد مَرَّ أهلها، واختفى بعضهم في حفائِرَ تحت الأرض، فقبضوا النِّساء والصبيان، وعاقبوهم حتى دلوهم على الرجال، فسَفَكوا دماء كثيرين، وعُوِقَب كثيرٌ من الناس بسبب من اختفى، وأُخِذَت عدة أسلحة، فحَشَد الأحدب بن واصل شيخ عرك جموعَه، وصَمَّم على لقاء الأمراء، وحَلَف أصحابه على ذلك، وقد اجتمع معه عرَبُ منفلوط، وعَرَبُ المراغة وبني كلب وجهينة وعرك، حتى تجاوزت فرسانُه عشرة آلاف فارس تحمِلُ السلاح، سوى الرجَّالة المعَدَّة، فإنَّها لا تعَدُّ ولا تحصى لكثرتِها، ثم رحل الأمير شيخو عن أسيوط، وبعث الأمير مجد الدين الهذبانى ليؤمِّنَ بنى هلال أعداء عرك، ويُحضِرَهم ليقاتلوا عرك أعداءَهم، فانخدعوا بذلك، وفَرِحوا به، وركبوا بأسلحتِهم، وقَدِموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو فأمر بأسلحَتِهم وخيولهم فأُخِذَت بأسْرِها، ووضَعَ فيهم السَّيفَ، فأفناهم جميعًا، ثم قاتلوا العَرَبَ الباقين على دفَعات يقتلونهم، وأسَروا منهم الكثيرَ واستَرَقُّوا الأولادَ والحريم، وهلك من العرب خلائقُ بالعطش، ما بين فرسان ورجَّالة وجَدَّ المجَرَّدون في طلبهم، فسَلَبوهم، وصَعِدَ كثيرٌ منهم إلى الجبال، واختَفَوا في المغائر، فقَتَلَ العسكرُ وأَسَر، وسبى عددًا كثيرًا، وارتَقَوا إلى الجبال في طَلَبِهم، وأضرَموا النيران في أبواب المغائر، فمات بها خلقٌ كثير من الدخان، وخرج إليهم جماعةٌ، فكان فيهم من يُلقي نَفسَه من أعلى الجبل ولا يُسَلِّم نَفسَه، ويرى الهلاكَ أسهَلَ مِن أخذ العدوِّ له، فهلك في الجبالِ أُمَمٌ كثيرة وقُتِلَ منهم بالسيف ما لا يُحصى كثرةً، حتى عُمِلَت عدة حفائر ومُلِئَت من رمَمِهم، وأَنتَنَت البرِّيَّةُ من جِيَفِ القتلى ورِمَمِ الخَيلِ، وكان الأحدَبُ قد نجا بنفسِه، فلم يُقدَرْ عليه، ومن حينئذ أَمِنَت الطرقات برًّا وبحرًا، فلم يُسمَعْ بقاطع طريق بعدها، ووقع الموتُ فيمن تأخَّرَ في السجون من العُربان، فكان يموتُ منهم في اليوم من عشرين إلى ثلاثين، حتى فَنُوا إلا قليلًا، وفي شهر ربيع الأول قَدِمَ الأحدب محمد بن واصل، شيخ عرك من بلاد الصعيد، طائعًا، وكان من خَبَرِه أنه لما نجا وقت الهزيمة، وأُخِذَت أمواله وحَرَمُه، ترامى بعد عَودِ العسكر على الشَّيخِ المعتقد أبى القاسم الطحاوي، فكتب الشيخ في أمره إلى الأمير شيخو، يسأل العفوَ عنه وتأمينَه، على أنَّه يقومُ بدَركِ البلاد، ويلتَزِمُ بتحصيل جميع غِلالِها وأموالِها، وما يحدُثُ بها من الفَسادِ فإنَّه مُؤاخَذٌ به، وأنَّه يقابِلُ نواب السلطان من الكُشَّاف والولاة، فكُتِب له أمانٌ سُلطاني، وكُوتِبَ بتطييب خاطِرِه وحضوره آمنًا، فسار ومعه الشيخ أبو القاسم، فأكرم الأمراءُ الشَّيخَ، وأكرموا لأجله الأحدَبَ، وكان دخولُه يومًا مشهودًا، وتمثَّل الأحدَبُ بين يدي السلطان، وأنعم عليه السلطانُ وألبسه تشريفًا وناله من الأمراءِ إنعامٌ كثيرٌ، وضَمِنَ منهم درك البلاد على ما تقدَّمَ ذِكرُه، فرُسِمَ له بإقطاعٍ، وعاد الأحدب إلى بلاده بعد ما أقام نحو شهرٍ.

العام الهجري : 857 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1453
تفاصيل الحدث:

عرَضَ السلطان محمد بن مراد الثاني على إمبراطور القسطنطينية أن يسلِّمَها كي لا تصابَ بأذًى ولا يحِلَّ بالأهالي النكبات، وتعهَّد السلطان بحمايةِ العقائد وإقامةِ الشعائر، فرفض الإمبراطورُ ذلك، فقام السلطانُ بمحاصرة المدينة من الجانب الغربي من البَرِّ بجنود يزيد عددهم على مائتين وخمسين ألف مقاتل، ومن جهة البحر بمائة وثمانين سفينة بحرية، وأقام المدافِعَ حول الموقع، وكان من أهمِّها وأشهرها المدفعُ العظيم الذي صمَّمه له المجري أوربان خِصِّيصَى للسلطان، وهذا المدفَعُ كان يحتاج إلى سبعمائة شخص لجَرِّه، ويرمي كرة حجرية وزنها اثنا عشر رطلًا لمسافة ألف وستمائة متر، كما قام السلطان بنقل سبعين سفينة حربية إلى القرن الذهبي على ألواحٍ خشبية مسافة تقرُبُ من عشرة كيلومترات، وبهذا أحكم الحصارَ على القسطنطينية التي كان موقعُها يعطيها القوةَ؛ فهي محاطة بالمياه البحرية في ثلاث جبهات: مضيق البسفور، وبحر مرمرة، والقرن الذهبي الذي كان محميًّا بسلسلة ضخمة جدًّا تتحكم في دخول السفن إليه، بالإضافةِ إلى ذلك فإن خطينِ من الأسوار كانت تحيطُ بها من الناحية البرية من شاطئ بحر مرمرة إلى القرن الذهبي، يتخلَّلها نهر ليكوس، وكان بين السورين فضاءٌ يبلغ عرضه 60 قدمًا ويرتفِعُ السور الداخلي منها 40 قدمًا وعليه أبراجٌ يصل ارتفاعها إلى 60 قدمًا، وأمَّا السور الخارجيُّ فيبلغ ارتفاعُه قرابة خمس وعشرين قدمًا، وعليه أبراج موزَّعة مليئة بالجند، وبدأ الحصارُ يوم الجمعة السادس والعشرين ربيع الأول، ولكن كل المحاولات البحرية كانت تبوء بالفشل بسبب تلك السلاسل، أمَّا في البَرِّ فتمكنت المدافِعُ العثمانية من فتحِ ثغرة في الأسوار البيزنطية عند وادي ليكوس في الجزء الغربي من الأسوار، فاندفع إليها الجنودُ العثمانيون بكلِّ بسالة محاولينَ اقتحام المدينة من الثغرة، كما حاولوا اقتحامَ الأسوار الأخرى بالسلالم التي ألقَوها عليها، ولكِنَّ المدافعين عن المدينة بقيادة جستنيان استماتوا في الدفاعِ عن الثغرة والأسوار، واشتَدَّ القتال بين الطرفين، وكانت الثغرةُ ضيقة وكثرةُ السهام والنبال والمقذوفات على الجنود المسلمين، ومع ضيقِ المكان وشدة مقاومة الأعداء وحلول الظلام أصدر الفاتِحُ أوامره للمهاجمين بالانسحاب بعد أن أثاروا الرعب في قلوب أعدائهم متحيِّنين فرصة أخرى للهجوم، ثم لما رأى السلطان الفاتح أن المحاولات البحرية لا تجدي، أمر بنقل السفن الحربية برًّا إلى القرن الذهبي على الألواح الخشبية المدهونة بالزيت والدهون، وهذا العمل كان من معجزات ذلك الزمان في سرعته وكيفيته؛ حيث تم نقل سبعين سفينة في ليلة واحدة مسافة ثلاثة أميال برًّا خلف هِضاب غلطة وصولًا إلى القرن الذهبي، وبهذا تمكَّنوا من الالتفاف على السلسلة, واستمر العثمانيون في دكِّ نقاط دفاع المدينة وأسوارها بالمدافع، وحاولوا تسلُّق أسوارها، وفي الوقت نفسِه انشغل المدافِعونَ عن المدينة في بناء وترميم ما يتهدَّمُ من أسوار مدينتهم وردِّ المحاولات المكثفة لتسلُّق الأسوار مع استمرار الحصار عليهم، كما وضع العثمانيون مدافِعَ خاصة على الهضاب المجاورة للبسفور والقرن الذهبي، مهمتها تدمير السفن البيزنطية والمتعاوِنة معها في القرن الذهبي والبسفور والمياه المجاورة؛ مِمَّا عرقل حركةَ سُفُن الأعداء وأصابها بالشَّللِ تمامًا وحاول العثمانيون بكلِّ طريقة الدخول فحاولوا حفرَ الأنفاق تحت الأسوار لكنَّها كانت تبوء بالفشلِ، وحاولوا صنع أبراج خشبية أعلى من أسوار المدينة دون كلل ولا تعب، وكانت المدفعية العثمانية لا تنفكُّ عن عملها في دكِّ الأسوار والتحصينات، وتهدمت أجزاءٌ كثيرة من السور والأبراج وامتلأت الخنادق بالأنقاض، وبقي الهجومُ مكثفًا وخصوصًا القصف المدفعي على المدينة، حتى إن المدفع السلطاني الضخم انفجر من كثرة الاستخدامِ, وعند الساعة الواحدة صباحًا من يوم الثلاثاء 20 جمادى الأولى سنة 857 (29 مايو 1435م) بدأ الهجوم العام على المدينة بعد أن شجَّع السلطانُ المجاهدين ووعدهم بالأعطيات، وانطلق المهاجمون وتسلَّقوا الأسوار وقاتلوا من عارضَهم، وقد واصل العثمانيون هجومهم في ناحية أخرى من المدينة حتى تمكنوا من اقتحام الأسوار والاستيلاء على بعض الأبراج والقضاء على المدافعينَ في باب أدرنة، ورفعت الأعلامُ العثمانية عليها، وتدفَّق الجنود العثمانيون نحوَ المدينة من تلك المنطقة، ولما رأى قسطنطين الأعلامَ العثمانية ترفرف على الأبراج الشمالية للمدينة، أيقن بعدم جدوى الدفاعِ وخلع ملابِسَه حتى لا يُعرَفَ، ونزل عن حصانِه وقاتل حتى قُتِلَ في ساحة المعركةِ، ثم دخل السلطانُ كنيسة آيا صوفيا، ومنع أعمالَ السلب والنهب التي كانت قائمةً، ووصل إلى الكنيسة فأمر المؤذِّنَ أن يؤذِّنَ للصلاةِ وحوَّلها إلى مسجدٍ، وهو المسجِدُ المشهور في إسطنبول، وسمح السلطان للنصارى بتأدية شعائرهم وأعطاهم نصف كنائِسِهم محولًا النصف الآخر لمساجد، وأطلق على القسطنطينية اسمَ إسلامبول، وهي تعني: تخت الإسلام، أو مدينة الإسلام.

العام الهجري : 1218 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1803
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، ولِدَ 1132هـ/1720م ونشأ في الدرعيَّة، ونهل من علومِها الشرعية، ودرس على عُلَماء عصره، وأبرزهم الشيخُ محمد بن عبد الوهاب في العُيَينة، وبعد قدومه الدرعية عام 1157هـ شارك في كثير من المعارك والحروبِ في حياة أبيه, وبعد وفاةِ والده تولَّى الحكمَ سنة 1179هـ, وأكمل بناءَ الدولة ونشر الدعوةَ الإصلاحية التي بدأ بها والده الإمام محمد بمؤازرة الإمامِ محمد بن عبد الوهابِ وتوجيهِه، يقول ابن بشر: "وما يجيءُ إلى الدرعية من دقيقِ الأشياء وجليلِها تُدفَعُ إليه- أي إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب- بيده ويضعُها حيث يشاء. ولا يأخذ عبد العزيز ولا غيرُه من ذلك شيئًا إلا عن أمرِه، بيَدِه الحَلُّ والعقدُ، والأخذ والإعطاء، والتقديم والتأخير، ولا يركب جيشٌ ولا يصدُرُ رأيٌ مِن محمد وابنِه عبد العزيز إلَّا عن قوله ورأيه. فلما فتح اللهُ الرياض واتسَعَت ناحية الإسلام وأمِنَت السبُلُ وانقاد كل صعبٍ من بادٍ وحاضر، جعل الشيخ الأمرَ بيد عبد العزيز وفوَّض أمور المسلمين وبيتَ المال إليه. وانسلخ منها ولَزِم العبادةَ وتعليم العِلمِ، ولكن ما يقطَعُ عبد العزيز أمرًا دونه ولا ينفِّذُه إلا بإذنه" وفي عهدِه امتَدَّ نفوذ الدولة إلى الرياض وجميع بلدان الخرج، ووادي الدواسر في الجنوب، وفي الشمال امتد إلى القصيم ودومة الجندل بالجوف، ووادي سرحان وتيماء وخيبر والعراق, وفي الشرق تمكَّن الإمام عبد العزيز من السيطرةِ على الأحساءِ وإنهاء حكم بني خالد فيها, والبريمي التي كانت خاضعة لحكم قطر لسنوات طويلة، وامتد نفوذُ الدولة وانتشرت الدعوةُ إلى البحرين وعمان عن  طريق ولاءِ قبائل المنطقة ودفْعِها الزكاةَ لدولة الدرعية, وفي الغربِ امتَدَّ نفوذ الدولة إلى شرقي الحجاز, في الجنوب الغربي وصل نفوذ الدولة إلى بيشة والليث وجازان, وقد تحقَّق فيها الأمن والإيمان حتى أَمِنت البلدان والسبل. يقول ابن بشر: "كانت الأقطارُ والرعية في زمنه مطمئنةً في عيشةٍ هنيئة، وهو حقيق بأن يلقَّب مهديَّ زمانه؛ لأن الشخص الواحد يسافر بالأموال العظيمة أيَّ وقت شاء شتاء أو صيفًا، يمنًا أو شامًا، شرقًا وغربًا، في نجد والحجاز واليمن وتهامة وغير ذلك، لا يخشى أحدًا إلا الله فلا يخشى سارقًا ولا مكابرًا. وكانت جميعُ بلدان نجد من العارض والخرج والقصيم والوشم والجنوب وغير ذلك من النواحي في أيام الربيع يسَيِّبون جميع مواشيهم في البراري والمفالي من الإبل والخيل الجياد والبقر والأغنام وغير ذلك، ليس لها راعٍ ولا مراعٍ، بل إذا عَطِشت وردت على البلدانِ ثمَّ تصدُرُ إلى مفالها حتى ينقضيَ الربيع أو يحتاجون لها أهلها". وكانت دولتُهم تُعرَف بدولةِ آل مقرن في الدرعية إلى نهايةِ عهد الإمام عبد العزيز، وفي عهد ابنه سعود الكبير، نُسِبَت الدولة إلى اسم العائلة فعُرِفَت بالدولة السعودية. اغتال الإمامَ عبد العزيز شيعةُ العراق انتقامًا  لِما أصابهم في غزوةِ كربلاء قبل عامين, يقول ابن بشر: "قُتِل الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود في مسجدِ الطريف المعروف في الدرعية وهو ساجِدٌ في أثناء صلاة العصر؛ مضى عليه رجلٌ قيل إنَّه كردي من أهل العمادية بلد الأكراد المعروفةِ عند الموصل اسمُه عثمان، أقبل من موطنه لهذا القصدِ مُحتَسِبًا حتى وصل الدرعية في صورة درويش وادَّعى أنه مهاجر, وأظهر النسُكَ بالطاعة، وتعلمَ شيئًا من القرآن فأكرمه عبد العزيز وأعطاه وكساه... وكان قصدُه غيرَ ذلك، فوثب عليه في الصف الثالث والناسُ في السجودِ فطعنه في أبهرِه، رحمه الله، أو في خاصرته أسفلَ البطن بخنجرٍ كان قد أخفاه وأعده لذلك، وقد تأهب للموت فاضطرب المسجِدُ وماج بعضُه في بعض ولم يكن يدرون ما الأمر... وكان لَمَّا طُعن عبد العزيز أهوى إلى أخيه عبد الله وهو في جانبِه وبَرَك عليه ليطعنَه، فنهض عليه وتصارعا وجرح عبد الله جرحًا شديدًا، ثم إنَّ عبد الله صرعه وضربه بالسَّيفِ، وتكاثر عليه الناس فقتلوه، وقد تبين لهم وجه الأمرِ، ثمَّ حُمل الإمام إلى قصرِه وقد غاب ذهنُه وقرُبَ نزعُه لأنَّ الطعنة قد هوت إلى جوفِه، فلم يلبث أن توفِّيَ بعدما صعدوا به القصر رحمه الله تعالى وعفا عنه، واشتد الأمرُ بالمسلمين وبُهِتوا" وذلك في أواخر شهر رجب لهذا العام, كان الأميرُ سعود حين قُتِل والده في نخل له في الدرعية، فلما بلغه الخبر أقبل مسرعًا، واجتمع الناس عنده فقام فيهم ووعظهم موعظةً بليغة وعزَّاهم, فقام الناسُ فبايعوه خاصتُهم وعامتهم، وعزَّوه في أبيه، ثم كتب إلى أهل النواحي نصيحةً يَعِظُهم ويخبرهم بالأمر ويعزِّيهم ويأمرُهم بالمبايعة، وكل أهل بلد وناحية يبايعون أميرَهم لسعود، فبايعه أهلُ النواحي والبلدان ورؤساء قبائل العربان، ولم يختلف منهم اثنان.

العام الهجري : 1224 العام الميلادي : 1809
تفاصيل الحدث:

عندما منع الإمام سعود حاجَّ الشام من دخول مكَّةَ لأداء الحجِّ، أرسل والي الشام إلى الإمام سعود يستنكِرُ منع حجاج الشام من دخول مكة، فأرسل له الإمام سعود رسالةً مطولة بيَّن فيها سبَبَ مَنعِهم من دخول مكةَ، وممَّا ورد في هذه الرسالة: "السلام التام والتحية والإكرام يُهدى إلى سيِّد الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, ثم ينتهي إلى جناب الأحشم المكرَّم سلمه الله من الآفات واستعمله بالباقيات الصالحات، وبعد.. ما ذكرتَ من طرف الحاجِّ فأنت تفهَمُ أنَّ البيت بيتُ الله، والوفدَ وفدُه، ولا نمنَعُ عن بيته إلَّا من أمرنا بمَنعِه والله سبحانه وتعالى، قال: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]، وقال تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ولا يخفاكم ما يجري مع الحاجِّ من الأمورِ العظائِمِ الشِّركية مِن دعوة غير الله، وتعظيمِ الشِّرك بالله، وتعظيمِ المشاهد، وتَركِ الفرائض, وأعظَمُ الفرائض بعد التوحيد الصلواتُ الخمس، لا يؤذَّنُ لها ولا يصلِّي مع أحد جماعة، والأمور العظائم القبائح التي تُنقَلُ مع الحاج من أنواع المنكرات والفواحش من اللُّواطِ والقِحاب وشُربِ المسكر والزَّمر والطَّبل وما يُشابه ذلك من أنواع الملاهي التي يُعرف قبحُها, والله قال جل جلاله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فإذا كان الرَّفَثُ والجدال مِن مبطلاتِ الحَجِّ، فكيف بهذه القبائِحِ والمنكراتِ؟! فإن قال قائل: إنه لا يفعَلُ ذلك فنحن نقول: ما نعمُّ النَّاسَ بذلك, ولكِنَّ الحُكمَ على الظاهر, والظاهِرُ مع الحاجِّ وفي أوطانِكم فِعلُ ما ذكرناه، ومن رعاياكم من يقول: هذا ما فعَلَه إلا طوارِفُ [أي حاشية] السلطان, وإنَّ السلطان هو الذي يأمُرُ به, ونقول: هذا لا يفعَلُه ولا يأمر به مَن له أدنى عَقلٍ وبصيرةٍ في الدين فضلًا عن أنَّ السلطان يأمرُ به أو يرضاه, وهذا من الافتراءِ عليه والكذب, ولَمَّا أراد الله أن أهل الحرمين يدخلون في الإسلام, ويشهدون أنَّ الذي هم عليه قبل ذلك أنَّه الباطل،  والشاهد بذلك الشَّريفُ والعلماء والعامة, وأراد الله أن يجعَلَ لنا في الحرمين حُكمًا نافذًا وأمرًا  مطاعًا، فلم يكن لنا عذر من الله مِن مَنعِ [ما] أمَرَنا الله بمَنعِه، ونمنع مَن منَعَه القرآن، ونأذن [لِمن] أذِنَ له القرآن, فغايةُ المطلوب ومنتهى المراد عبادةُ الله وحده، ولا يُشرَكُ له، وتَرْك عبادة ما سواه، وألَّا يُصرَفَ شيء من أنواع العبادة لغير الله، وإقام الصلوات الخمس التي فرض الله في كتابه بعد الشهادتين، وأداء الزكاة والصوم والحج، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفي البِدَع وإزالة المنكرات، وإقامة الحدود على من أصاب منها شيئًا، وإعطاء كل ذي حَقٍّ حَقَّه، وإنصاف الضعيف من القويِّ بالعدل, فهذا جملة ما نحن عليه، وتفصيلُه يطول ذِكرُه, فمَن عَمِل ذلك ودان به فهو المسلمُ له ما لنا، وعليه ما علينا برًّا وبحرًا، ونحن وهو في بلد الله الحرام سواءٌ, ومن أبى عن ذلك منعناه من بلد الله الحرام، وقاتلناه حتى يكون الدينُ كُلُّه لله، كائنًا من كان، ولَمَّا ورد إلينا كتابُك وآدميك [ومندوبك] أركبنا أوادِمَ من أوادِمنا يمشون بالحاجِّ على هالشروط المذكورة، بأن يظهروا الإسلام، وإقام الصلوات الخمس جماعة بأذان وإقامة، وجميع المنكرات تُزال، وأنَّ الحاجَّ يبايعون على العمل بالإسلام، ولا يحجُّ عسكر قليل ولا كثير، ولا أزغة حرب، ولا يحجُّ المحمل لأنَّ المَحمَل فيه اعتقادات وتآليه به من دونِ الله, وظهرت للمسلمين ورأوها في مخالطتِنا لكم في الحج الماضي، ولا نشتهي أن المحمَلَ يجيء بأمامنا ويرجع ما وصل مكة، ولا يجوز لنا [أن] نقِرَّ سياق الشرك، ولا نرضى به، وعلى أنَّ جميع قوانين الحرمين المعروفة التي للبيت وخُدَّام البيت والشريف وعامة أهل مكة، وكذلك ما كان لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وخُدَّامه، وما كان لأهل المدينة من جميع القوانين علمائهم وعامتهم وأهل القلعة، وكذلك قانون ابن مضيان وحرب أن الجميع ما يختلف منه [في] شيء, وأنه يسلم بأيدي رجاجيلنا وعلى أن ما يبقى في الحرمين ممَّن قَدِم معكم أحد، فإن أحدثتم بعد ما يمشي الحاج حدثًا على الإسلام وأهله، فلا بوجهي من الحاج شيء, فإن صبرتم بما ذكرنا فالحاج يمشي بوجهي عن جميع المسلمين ذهابًا وإيابًا, وذكرنا لملا حسن ورجب مثل ما ذكرنا في هذه الصحيفة, وذكرنا إلى أوادمك أنك معاهدنا على الإسلام، وأنك أمرتَ بالصلوات تقام، وأمرت على معازِفِ الخمر تُرفَع، وهذا إذا وفقك الله للعمل به، وعملت بالتوحيد، وأزلت الشرك، وأقمت الفرائض..."

العام الهجري : 2 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 624
تفاصيل الحدث:

بَعثَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رسولَه عبدَ الله بنَ جَحشٍ الأسَديَّ إلى نَخلةَ في رَجبٍ على رأسِ سَبعةَ عَشَرَ شَهرًا من الهِجرةِ في اثنَيْ عَشَرَ رَجلًا من المُهاجِرين، كلُّ اثنَينِ يَعتَقِبان على بَعيرٍ، فوَصَلوا إلى بَطنِ نَخلةَ يَرصُدون عيرًا لقُريشٍ، وفي هذه السَّريَّةِ سُمِّيَ عبدُ الله بنُ جَحشٍ أميرَ المؤمنين، وكان رسولُ الله كَتَب له كِتابًا، وأمرَه ألَّا يَنظُرَ فيه حتى يَسيرَ يَومَين ثم يَنظُرَ فيه، ولمَّا فَتَح الكِتابَ وَجَد فيه: "إذا نَظَرْتَ في كِتابي هذا، فامْضِ حتى تَنزِلَ نَخلةَ بينَ مكَّةَ والطَّائِفِ فتَرصُدَ بها قُريشًا، وتَعلَمَ لنا من أخبارِهِم"، فقال: سَمعًا وطاعةً، وأخبَرَ أصحابَه بذلك، وبأنَّه لا يَستَكرِهُهم، فمَن أحبَّ الشَّهادةَ فليَنهَض، ومَن كَرِهَ الموتَ فليَرجِع، وأمَّا أنا فناهِضٌ. فمَضَوا كلُّهم.
فلمَّا كان في أثناء الطَّريقِ أضلَّ سعدُ بن أبي وقَّاصٍ وعُتبةُ بن غَزوانَ بعيرًا لهما كانا يَعتَقِبانِه، فتَخَلَّفا في طَلَبِه، وبَعُدَ عبدُ الله بنُ جَحشٍ حتَّى نزل بنخلةَ، فمَرَّت به عيرٌ لقُرَيشٍ تَحمِلُ زَبيبًا وأُدمًا وتجارةً فيها عَمرُو بنُ الحَضرَميِّ، وعُثمانُ ونَوفَلُ بنُ عبدِ الله بن المُغيرةَ، والحَكَمُ بنُ كَيسانَ مَولَى بني المُغيرةِ فتَشاوَرَ المسلمون، وقالوا: نحنُ في آخِرِ يَومٍ من رَجَبٍ الشَّهرِ الحَرامِ، فإنْ قاتلناهم، انتَهَكْنا الشَّهرَ الحرامَ، وإن تَرَكناهمُ اللَّيلةَ دَخَلوا الحرمَ، ثمَّ أجمَعوا على مُلاقاتِهم فرَمَى أحدُهم عمرَو بنَ الحَضرَميِّ فقَتَلَه، وأسَروا عُثمانَ والحَكَمَ، وأفلتَ نَوفَلٌ، ثم قَدِموا بالعيرِ والأسيرَينِ، وقد عَزَلوا من ذلك الخُمُسَ، وهو أوَّلُ خُمُسٍ كان في الإسلامِ، وأوَّلُ قتيلٍ في الإسلامِ وأوَّلُ أسيرَينِ في الإسلامِ، وأنكرَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عليهم ما فعلوه، واشتَدَّ تَعنُّتُ قُريشٍ وإنكارُهم ذلك، وزَعَموا أنَّهم قد وَجَدوا مَقالًا، فقَالوا: قد أحلَّ مُحمَّدٌ الشَّهرَ الحرامَ، واشتدَّ على المسلمين ذلك، حتى أنزلَ اللهُ تعالى: {يَسْألُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فيهِ قُلْ قِتَالٌ فيهِ كَبيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإخْرَاجُ أهْلِهِ مِنْهُ أكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنةُ أكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217].

العام الهجري : 64 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 684
تفاصيل الحدث:

لمَّا مات يَزيدُ بن مُعاوِيَة أَقْلَع جَيشُه عن مكَّة، وهم الذين كانوا يُحاصِرون ابنَ الزُّبيرِ وهو عائِذٌ بالبيتِ، فلمَّا رجَع حُصينُ بن نُميرٍ السَّكونيُّ بالجيشِ إلى الشَّام بعدَ أن عرَض الحُصينُ على ابنِ الزُّبيرِ أن يُبايِعَه بالخِلافَة شَرْطَ أن يَأتِيَ معهم للشَّامِ؛ لكنَّ ابنَ الزُّبيرِ رفَض الذِّهابَ إلى الشَّام, كان يَزيدُ قد أَوْصى بالخِلافَة لابنِه مُعاوِيَة؛ لكنَّه لم يكُن راغِبًا فيها فترَكَها وجعَلَها شُورى للمسلمين. اسْتَفْحَل أَمْرُ ابنِ الزُّبير بالحِجازِ وما والاها، وبايَعَهُ النَّاسُ في العِراق وما يَتْبَعُه إلى أقصى مَشارِق دِيارِ الإسلامِ، وفي مِصْرَ وما يَتْبَعُها إلى أقصى بِلادِ المغربِ، وبايَعَت الشَّامُ أيضًا إلَّا بعضَ جِهاتٍ منها، ففي دِمشقَ بايَع الضَّحَّاكُ بن قيسٍ الفِهرىُّ لابنِ الزُّبيرِ، وفي حِمْص بايَع النُّعمانُ بن بَشيرٍ، وفي قِنَّسْرين زُفَرُ بن الحارثِ الكِلابيُّ، وفي فِلَسْطين بايَع ناتِلُ بن قيسٍ، وأَخرَج منها رَوْحَ بن زِنْباع الجُذاميَّ، ولم يكُن رافضًا بَيْعَة ابنِ الزُّبيرِ في الشَّام إلَّا مِنطقةُ البَلْقاءِ وفيها حَسَّان بن مالكِ بن بَحْدَل الكَلبيُّ. وقد كان الْتَفَّ على عبدِ الله بن الزُّبيرِ جَماعةٌ مِن الخَوارِج يُدافِعون عنه، منهم نافعُ بن الأزرقِ، وعبدُ الله بن إباض، وجَماعةٌ مِن رُؤوسهم, فلمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرهُ في الخِلافَة قالوا فيما بينهم: إنَّكم قد أَخْطأتُم لأنَّكم قاتَلتُم مع هذا الرَّجُلِ ولم تَعْلَموا رَأيَه في عُثمان بن عفَّان -وكانوا يَنْتَقِصون عُثمانَ- فاجْتَمَعوا إليه فسألوه عن عُثمانَ فأجابهم فيه بما يَسُوؤهُم، فعند ذلك نَفَرُوا عنه وفارقوه وقَصَدوا بِلادَ العِراق وخُراسان، فتَفَرَّقوا فيها. صَرَّح العديدُ مِن العُلماءِ والمُؤَرِّخِين بأنَّ بَيْعَة ابنِ الزُّبير بَيْعَة شَرْعِيَّةٌ، وأنَّه أَوْلى بها مِن مَرْوان بن الحكمِ, فيَروِي ابنُ عبدِ البَرِّ، عن مالكٍ أنَّه قال: إنَّ ابنَ الزُّبيرِ كان أفضل مِن مَرْوان وكان أَوْلى بالأمرِ منه، ومِن ابنِه عبدِ المَلِك. ويقولُ ابنُ كثيرٍ عن ابنِ الزُّبيرِ: ثمَّ كان هو الإمام بعدَ مَوتِ مُعاوِيَة بن يَزيدَ لا مَحالَة، وهو أَرْشَدُ مِن مَرْوان بن الحكمِ، حيث نازَعَهُ بعدَ أن اجْتَمَعت الكَلِمَةُ عليه، وقامَت البَيْعَة له في الآفاقِ، وانْتَظَم له الأمرُ، والله أعلم.

العام الهجري : 230 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 844
تفاصيل الحدث:

خرج المجوسُ كما سمَّاهم الأندلسيُّون، وهم النرماند أو الفايكونغ، في نحو ثمانين مركبًا، فحَلُّوا بأشبونة، ثمَّ أقبلوا إلى قادس، وشذونة، ثم قَدِموا على إشبيلية فدخَلوها قَسرًا، واستأصلوا أهلَها قَتلًا وأسْرًا. فبَقُوا بها سبعة أيام، يسقونَ أهلَها كأسَ الحِمامِ. واتَّصلَ الخبَرُ بالأميرِ عبدِ الرحمن بن الحَكَم، فقَدِمَ على الخيلِ عيسى بن شهيد الحاجِب، وتوجَّه بالخيلِ عبدُ الله ابن كليب وابنُ رستم وغيرُهما من القوَّاد، واحتل بالشَّرف. وكتب إلى عمَّال الكور في استنفارِ النَّاس، فحَلُّوا بقُرطبة، ونفَرَ بهم نصرُ الفتى. وتوافت للمجوسِ مراكِبُ على مراكِبَ، وجعلوا يَقتُلونَ الرِّجالَ، ويَسْبُونَ النساء، ويأخذون الصِّبيان، وذلك بطولِ ثلاثة عشر يومًا، وكانت بينهم وبين المسلمينَ ملاحِمُ. ثم نهضوا إلى قبطيل، فأقاموا بها ثلاثةَ أيَّام، ودخلوا قورة، على اثني عشرَ ميلًا من إشبيلية، فقتلوا من المسلمين عددًا كثيرًا، ثم دخلوا إلى طليلطِة، على ميلين من إشبيلية، فنزلوها ليلًا، وظهروا بالغَداةِ بمَوضعٍ يُعرَف بالنخارين، ثم مَضَوا بمراكبهم، واعتَرَكوا مع المسلمين. فانهزم المسلمون، وقُتِلَ منهم ما لا يُحصى. ثم عادوا إلى مراكِبِهم. ثم نهضوا إلى شذونة، ومنها إلى قادس، وذلك بعد أن وجَّه الأميرُ عبدُ الرحمن قوَّادَه، فدافعهم ودافَعوه، ونُصِبَت المجانيقُ عليهم، وتوافت الأمدادُ مِن قُرطُبة إليهم. فانهزم المجوسُ، وقُتِلَ منهم نحوٌ من خمسمائة عِلجٍ، وأصيبت لهم أربعةُ مراكِبَ بما فيها، فأمر ابنُ رستم بإحراقِها وبَيعِ ما فيها من الفَيءِ. ثم كانت الوقعةُ عليهم يوم الثلاثاء لخَمسٍ بقين من صفر، قُتِلَ فيها منهم خلقٌ كثيرٌ، وأُحرِقَ مِن مراكبهم ثلاثون مَركبًا. وعلق من المجوس بإشبيليةَ عددٌ كثيرٌ، ورُفِعَ منهم في جذوعِ النَّخلِ التي كانت بها. وركب سائِرُهم مراكِبَهم، وساروا إلى لبلة، ثم توجَّهوا منها إلى الأشنونة فانقطع خَبَرُهم. ولَمَّا قتل اللهُ أميرَهم، وأفنى عديدَهم، وفتح فيهم، خرجت الكتُبُ إلى الآفاقِ بخبَرِهم. وكتب الأميرُ عبد الرحمن إلى مَن بطنجةَ مِن صِنهاجة، يُعلِمُهم بما كان مِن صُنعِ الله في المجوس، وبما أَنزَلَ فيهم من النِّقمةِ والهَلَكةِ، وبعثَ إليهم برأسِ أميرِهم وبمائتي رأسٍ مِن أنجادِهم.

العام الهجري : 422 العام الميلادي : 1030
تفاصيل الحدث:

كان المُعتَدُّ بالله أبو بكر هِشامُ بنُ مُحمَّدِ بنِ عبدِ المَلِك بن عبد الرحمن النَّاصر الأمويُّ أميرَ قُرطُبةَ، لكنَّه لم يَقُمْ بها إلا يسيرًا حتى قامت عليه طائفةٌ مِن الجُندِ فخُلِعَ، وجَرَت أمورٌ مِن جُملتِها إخراجُ المُعتَدِّ بالله مِن قَصرِه هو وحشَمُه والنِّساءُ حاسراتٍ عن أوجُهِهنَّ حافيةً أقدامُهنَّ إلى أن أُدخِلوا الجامِعَ الأعظَمَ على هيئةِ السَّبايا، فأقاموا هنالك أيامًا يُتعَطَّفُ عليهم بالطَّعامِ والشَّرابِ إلى أن أُخرِجوا عن قُرطُبةَ، ولَحِقَ هِشامٌ ومَن معه بالثُّغورِ بعد اعتقاله بقُرطُبةَ، فلم يزَلْ يجولُ في الثغور إلى أن لَحِقَ بابن هود المتغَلِّب على مدينة لاردة وسرقسطة وأفراغة وطرطوشة وما والى تلك الجهاتِ، فأقام عنده هشامٌ إلى أن مات في سنة 427 ولا عَقِبَ له، فهِشامٌ هذا آخِرُ مُلوكِ بني أميَّة بالأندلُسِ، وبخَلْعِه انقطَعَت الدَّعوةُ لبني أميَّةَ وذِكرُهم على المنابِرِ بجَميعِ أقطارِ الأندلس، ولَمَّا انقَطَعَت دعوةُ بني أمية استولى على تدبيرِ مُلكِ قُرطُبةَ أبو الحزم جهورُ بنُ مُحمَّدِ بنِ جهور وهو قديمُ الرِّياسةِ شَريفُ البيتِ، كان آباؤه وزراءَ الدَّولةِ الحَكَميَّة والعامريَّة، فلمَّا خلا له الجوُّ وأصفَرَ الفِناءُ وأقفَرَ النادي من الرُّؤساءِ وأمكَنَتْه الفرصةُ؛ وثَبَ عليها فتولى أمْرَها واضطلَعَ بحِمايتِها، ولم ينتَقِلْ إلى رتبةِ الإمارةِ ظاهرًا بل دَبَّرَها تدبيرًا لم يُسبَقْ إليه؛ وذلك أنَّه جعَلَ نَفسَه مُمسِكًا للمَوضِعِ إلى أن يجيءَ مَن يتَّفِقُ النَّاسُ على إمارتِه فيُسَلِّم إليه ذلك، ورتَّبَ البوَّابينَ والحَشَم على تلك القُصورِ على ما كانت عليه أيامَ الدَّولةِ، ولم يتحَوَّلْ عن دارِه إليها، وجعَلَ ما يرتَفِعُ مِن الأموالِ السُّلطانيَّةِ بأيدي رجالٍ رَتَّبَهم لذلك، وهو المُشرِفُ عليهم، وصَيَّرَ أهلَ الأسواقِ جُندًا له وجَعَلَ أرزاقَهم رُؤوسَ أموالٍ تكونُ بأيديهم مُحصاةً عليهم، يأخذونَ رِبحَها، ورُؤوسُ الأموالِ باقيةٌ مَحفوظةٌ يُؤخَذونَ بها ويُراعَونَ في كُلِّ وَقتٍ كيف حِفظُهم لها، وفَرَّقَ السِّلاحَ عليهم واستمَرَّ أمْرُه على ذلك إلى أن مات في غُرَّةِ صَفَر سَنةَ 435، ثم ولِيَ ما كان يتولَّى مِن أمر قُرطُبةَ بَعدَه ابنُه أبو الوليدِ مُحَمَّدُ بنُ جهور فجرى في السياسةِ وحُسنِ التدبيرِ على سَنَنِ أبيه غيرَ مُخِلٍّ بشيءٍ مِن ذلك إلى أن مات أبو الوليدِ في شوَّال من سنة 443.

العام الهجري : 459 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1067
تفاصيل الحدث:

كان الشُّروعُ ببِناءِ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة نِسبةً إلى الوَزيرِ نِظامِ المُلْكِ، وَزيرِ ملكشاه في مَدينةِ بغداد، في ذي الحجَّةِ من عام 457هـ ونُقِضَ لأَجلِها دُورٌ كَثيرةٌ مِن مَشرعَةِ الزَّوايا وبابِ البَصرةِ، ثم في ذي القَعدةِ من سَنةِ 459هـ، فَرغَت عِمارةُ المَدرسَةِ النِّظامِيَّة، وتَقرَّر التَّدريسُ بها للشيخِ أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ الشافعيِّ، فجَمعَ العَميدُ أبو سعدٍ القاضي الناسَ على طَبقاتِهم إلى المَدرسةِ، وجَعَلَها بِرَسْمِ أبي إسحاقَ الشيرازيِّ الفيروزآبادي، صاحبِ كِتابِ ((التَّنْبيهُ)) في الفِقهِ على مَذهبِ الإمامِ الشافعيِّ بعدَ أن وَافَقَهُ على ذلك، فلمَّا كان يومُ اجتِماعِ الناسِ فيها وتَوقَّعوا مَجيءَ أبي إسحاقَ فلم يَحضُر، فطُلِبَ فلم يَظهَر، وكان السببُ أن شابًّا لَقِيَه فقال: يا سيدنا، تُريدُ تُدَرِّسُ في المدرسةِ؟ فقال: نعم. فقال: وكيف تُدَرِّسُ في مَكانٍ مَغصُوبٍ؟ فغَيَّرَ نِيَّتَه فلم يَحضُر، فلمَّا ارتَفعَ النَّهارُ، وأَيِسَ الناسُ مِن حُضورِه، أشارَ الشيخُ أبو منصورِ بن يُوسُف بأبي نَصرِ بن الصَّبَّاغِ، صاحبِ كتابِ ((الشامل))، وقال: لا يجوزُ أن يَنفَصِلَ هذا الجَمْعُ إلَّا عن مُدَرِّسٍ، ولم يَبقَ ببغداد مَن لم يَحضُر غيرَ الوَزيرِ، فجلسَ أبو نَصرٍ للدَّرْسِ، ثم ظَهرَ الشيخُ أبو إسحاقَ بعدَ ذلك، ولمَّا بَلغَ نِظامَ المُلْكِ الخَبَرُ أَقامَ القِيامةَ على العَميدِ أبي سعدٍ، ولم يَزَل يُرفِق بالشيخِ أبي إسحاقَ حتى دَرَّسَ بالمدرسةِ، وكانت مُدَّةُ تَدريسِ ابنِ الصَّبَّاغِ عشرين يومًا فقط. أَجرَى نِظامُ المُلْكِ للمُتَفَقِّهَةِ لِكلِّ واحدٍ أَربعةَ أَرطالِ خُبزٍ كلَّ يَومٍ, وقد أَشارَ ابنُ الجوزيِّ الى وَقْفِ هذه المدرسة ومُسْتَحِقِّيهِ بقَولِه: "هذه المَدرسةُ وسُقوفُها المَوقُوفُ عليها، وفي كِتابِ شَرْطِها أنَّها وُقِفَت على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك الأَملاكُ المَوقوفةُ عليها شَرطٌ فيها أن تكونَ على أَصحابِ الشافعيِّ أَصلًا، وكذلك شَرْطٌ في المُدَرِّسِ الذي يكون فيها، والواعِظِ الذي يَعِظُ فيها ومُتَوَلِّي الكُتُبِ, وشَرْطٌ أن يكونَ فيها مُقرئٌ يَقرأُ القُرآنَ، ونَحْوِيٌّ يُدَرِّس العَربيَّةَ، وفُرِضَ لِكلٍّ قِسْطٌ مِن الوَقْفِ" ووَصفَها المَقرِيزيُّ بقَولِه: "أَشهَرُ ما بُنِيَ في القَديمِ المَدرسةُ النِّظامِيَّة ببغداد، لأنَّها أوَّلُ مَدرسةٍ قُرِّرَ بها للفُقهاءِ مَعاليمُ – أي مِقدار مِن المالِ-"

العام الهجري : 518 العام الميلادي : 1124
تفاصيل الحدث:

صاحبُ ألموت الكيا الحسن بن الصباح بن علي بن محمد الحميري الإسماعيلي. رأس الإسماعيلية، كان داهية وأصله من مرو، وُلِد بطوس وتتلمذ على أحمد بن عطاش من أعيان الباطنية، وكان كاتبًا لبعض الرؤساء، ثم صار إلى مصر وتلقى من دعاتهم، وعاد داعية لقومه، فكان الحسنُ مُقدَّمَ الباطنية في أصبهان دعا إلى إمامة المستنصر الفاطمي فطاف البلاد للدعوة الإسماعيلية، وقوي أمرُه حتى استولى على قلعة ألموت في قزوين، ثم ضمَّ إليها قلاعًا أخرى، وكان لا يدعو إلا غبيًّا، ومن لا يَعرِف أمور الدنيا، ويُطعِمُه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبَّط دماغُه، ثم يذكر له ما تمَّ على أهل البيت من الظلم، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقةُ والخوارج سمحوا بنفوسِهم في القتال مع بني أمية، فما سببُ تخلُّفِك بنفسك عن إمامك؟ قال الذهبي: "أنفذ ملكشاه إليه يتهدَّدُه ويأمره بالطاعة، ويأمرُه أن يكُفَّ أصحابَه عن قَتلِ العلماء والأمراء، فقال للرسول: الجوابُ ما تراه، ثم قال لجماعة بين يديه: أريد أن أنفِذَكم إلى مولاكم في حاجةٍ، فمن ينهضُ بها؟ فاشرأبَّ كل واحد منهم، وظنَّ الرسولُ أنها حاجةٌ، فأومى إلى شابٍّ، فقال: اقتل نفسَك، فجذب سكينًا، فقال بها في غَلصَمتِه، فخرَّ ميتًا، وقال لآخر: ارمِ نفسَك من القلعةِ، فألقى نفسَه فتقطَّع، ثم قال للرسول: قُلْ له: عندي من هؤلاء عشرون ألفًا، هذا حَدُّ طاعتِهم، فعاد الرسول وأخبر ملكشاه، فعَجِبَ، وأعرضَ عن كلامِهم". وقد غلت الأقطار بجرائِمِ أتباعه الباطنية، فقَتَلوا غيلةً عِدَّةً من العلماء والأمراء، وأخذوا القلاع، وحاربوا، وقطعوا الطرق، وظهروا أيضًا بالشام، والتفَّ عليهم كل شيطان ومارق، وكلُّ ماكر ومتحَيِّل. قال الغزالي في (سر العالمين): "شاهدت قصةَ الحسن بن الصباح لما تزهَّدَ تحت حصن ألموت، فكان أهلُ الحصن يتمنَّون صعوده، ويتمنَّع ويقول: أما ترون المنكرَ كيف فشا، وفسد الناسُ، فصبا إليه خلقٌ، وذهب أميرُ الحصن يتصيَّد، فوثب على الحصن فتملَّكه، وبعث إلى الأمير من قتَلَه، وكثُرَت قلاعُهم، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافِهم". هلك الحسن بن الصباح في قلعة ألموت وقام بعده بالأمر كيابرزك أميد الروذباري.

العام الهجري : 569 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1174
تفاصيل الحدث:

كان نور الدين قبل أن يمرَضَ قد أرسل إلى البلاد الشرقيَّة- الموصل وديار الجزيرة وغيرها- يستدعي العساكِرَ منها للغَزاة، والمراد غيرها، وقد تقدَّمَ ذِكرُه، فسار سيفُ الدين غازي بن قطب الدين مودود بن زنكي، صاحب الموصل، في عساكره، وعلى مُقَدِّمتِه الخادم سعد الدين كمشتكين الذي كان قد جعله نورُ الدين بقلعة الموصل مع سيف الدين، فلما كانوا ببعضِ الطريق وصلت الأخبار بوفاة نور الدين، فأمَّا سعد الدين فإنَّه كان في المقَدِّمة، فهرب جريدة. وأما سيفُ الدين فأخذ كلَّ ما كان له من برك وغيره، وعاد إلى نصيبين فملَكَها، وأرسل الشحنَ إلى الخابور فاستولوا عليه، وأقطَعَه، وسار هو إلى حرَّان فحصرها عدَّةَ أيام، وبها مملوكٌ لنور الدين يقال له قايماز الحراني، فامتنع بها، وأطاع بعد ذلك على أن تكون حرَّان له، ونزل إلى خدمة سيف الدين، فقبض عليه وأخذ حران منه، وسار إلى الرَّها فحصرها ومَلَكَها، وكان بها خادِمٌ خَصِيٌّ أسود لنور الدين فسَلَّمَها وطلب عِوَضَها قلعة الزعفران من أعمالِ جزيرة ابن عمر، فأُعطِيَها، ثم أُخِذَت منه، ثم صار يستعطي ما يقوتُه، وسيَّرَ سيف الدين إلى الرقة فمَلَكها، وكذلك سروج، واستكمل ملك جميع بلاد الجزيرة سوى قلعة جعبر، فإنَّها كانت منيعة، وسوى رأس عين، فإنَّها كانت لقطب الدين، صاحب ماردين، وهو ابنُ خال سيف الدين، فلم يتعَرَّض إليها. وكان شمس الدين علي بن الداية، وهو أكبَرُ الأمراء النورية، بحَلَب مع عساكرها، فلم يقدِرْ على العبور إلى سيف الدين ليمنَعَه من أخذ البلاد، لفالج كان به، فأرسل إلى دمشقَ يطلب المَلِكَ الصالح، فلم يُرسَل إليه، ولَمَّا ملك سيف الدين الديار الجزرية قال له فخر الدين عبد المسيح، وكان قد وصل إليه من سيواس بعد موتِ نور الدين، وهو الذي أقَرَّ له الملك بعد أبيه قطب الدين، فظَنَّ أن سيف الدين يرعى له ذلك، فلم يجنِ ثمرة ما غرس، وكان عنده كبعضِ الأمراء، قال له: الرأيُ أن تعبر إلى الشام فليس به مانعٌ، فقال له أكبَرُ أمرائه، وهو أميرٌ يقال له عز الدين محمود المعروف بزلفندار: قد ملكتَ أكثَرَ ما كان لأبيك، والمصلحةُ أن تعود، فرجع إلى قولِه، وعاد إلى الموصل.

العام الهجري : 570 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1174
تفاصيل الحدث:

ظَفِرَ أهلُ الإسكندرية وعسكَرُ مصرَ بأسطولِ الفِرنجِ مِن صقليَّةَ، وكان سبَبُ ذلك إرسالَ أهل مصر إلى ملك الفرنج بساحلِ الشَّامِ، وإلى صاحبِ صقليَّةَ، ليَقصِدوا ديارَ مِصرَ ليثُوروا على صلاحِ الدين ويُخرجوه من مصر، فجَهَّزَ صاحبُ صقلية أسطولًا كبيرًا، وسَيَّرَه إلى الإسكندرية من ديار مصر، فوصلوا إليها في التاسع والعشرين من ذي الحجة سنة 569، على حينِ غَفلةٍ مِن أهلها وطمأنينةٍ، فخرج أهل الإسكندرية بعُدَّتِهم وسلاحِهم ليمنَعوهم من النزول، وأبعدوا عن البلدِ، فمنعهم الوالي من ذلك، وأمرهم بملازمة السور، ونزل الفرنجُ إلى البَرِّ مما يلي البحر والمنارة، وتقدموا إلى المدينة ونَصَبوا عليها الدبَّابات والمجانيق، وقاتلوا أشد قتال، وصبر لهم أهلُ البلد، وسُيِّرَت الكتُبُ بالحال إلى صلاح الدين يستدعونه لدفعِ العَدُوِّ عنهم، ووصل من العساكِرِ المسلمين كلُّ من كان له في أقطاعه، وهو قريبٌ من الإسكندرية، فقَوِيَت بهم نفوسُ أهل الإسكندرية، وأحسنوا القتالَ والصبر، فلما كان اليومُ الثالث فتح المسلمون باب البلَدِ وخرجوا منه على الفرنجِ مِن كل جانب، وهم غارُّون، واشتد القتالُ، فوصل المسلِمونَ إلى الدبابات فأحرقوها، وصَبَروا للقتال، فأنزل الله نَصْرَه عليهم، وفَشِلَ الفرنجُ وفتَرَ حربُهم، وكثُرَ القتل والجراح في رجالاتهم، وأما صلاح الدين فإنَّه لما وصله الخبر سار بعساكِرِه، وسيَّرَ مملوكًا له ومعه ثلاث جنائب ليجِدَّ السير عليها إلى الإسكندرية يبشِّرُ بوصوله، وسيَّرَ طائفة من العسكر إلى دمياط خوفًا عليها، واحتياطًا لها، فسار ذلك المملوك، فوصل الإسكندريةَ مِن يَومِه وقت العصر، والناسُ قد رجعوا من القتال، فنادى في البلدِ بمجيءِ صلاحِ الدين والعساكِر مُسرعين، فلمَّا سمع الناس ذلك عادوا إلى القتال، وقد زال ما بهم من تعَب وألمِ الجراح، وسمع الفرنجُ بقرب صلاح الدين في عساكره، فسُقِطَ في أيديهم، وازدادوا تعبًا وفتورًا، فهاجمهم المسلمونَ عند اختلاط الظلام، ووصلوا إلى خيامِهم فغَنِموها بما فيها من الأسلحةِ الكثيرة والتحمُّلات العظيمة، وكثُرَ القتل في رجالة الفرنجِ، فهرب كثيرٌ منهم إلى البحر، فغَلَبَهم أهلُ البلد وقهروهم، فصاروا بين قتيل وأسير، وكفى الله المسلمينَ شَرَّهم، وحاق بالكافرين مَكرُهم.

العام الهجري : 590 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1194
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ طغرل بن ألب أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي، آخر الملوك السلجوقية. وكان طغرل من أحسَنِ الناس صورةً، فيه إقدامٌ وشجاعةٌ زائدة, وقد انهارت دولةُ بني سلجوق بوفاته, وكانت عوامِلُ ضَعفِ سلطان السلاجِقةِ قد بدأت بوفاة آخِرِ سلاطينِهم الأقوياء السُّلطان سنجر سنة 552, والذي جلس على سريرِ الملك قريبًا من ستين سنة. وقد كان من أعظمِ الملوك همَّةً، ولم يزَلْ في ازدياد إلى أن ظَهَرَت عليه الغُزُّ سنة 548, في وقعة مشهورةٍ, ولَمَّا كسروه فيها انحلَّ نظام ملكه، ومَلَك الغزُّ نيسابور، وقتلوا خلقًا كثيرًا، وأخذوا السلطانَ، وضربوا رقابَ عَدَدٍ مِن أمرائه، فنَزَل عن المُلْك، ودخل إلى خانقاه مَرْو، وعَمِلَت الغُزُّ ما لا تعمَلُه الكُفَّارُ من العظائِمِ، فملَّكوا مملوك سنجر أيَبَه، وجرت مصائبُ على خراسان، وزال بموتِه ملك بني سلجوق عن خراسان، واستولى خوارزم شاه على أكثَرِ مملكته. أخذت الدولةُ السلجوقيَّةُ في الضَّعفِ والتضعضعِ ثم الانهيار، وكان ذلك في عهد الخليفة الناصر لدين الله، فقد استقَرَّ رأي الخليفة على الاستعانة بعلاء الدين تكش خوارزم شاه ضد آخِرِ سلاطين السلاجقة طغرل بن ألب أرسلان، فأرسل إلى خوارزم شاه شاكيًا من السُّلطان طغرل، ويطلُبُ منه أن يساعدَه عليه، وأرفَقَ الرسالة بمنشور يقضي بإقطاعِ خوارزم شاه كلَّ البلاد التي كانت آنذاك تحت نفوذِ السلاجقة، فلبى خوارزم شاه رغبةَ الخليفة العباسي, وسار بعساكِرِه، وقَصَد طغرل، فلمَّا سَمِعَ السلطان طغرل بوصول خوارزم شاه  كانت عساكِرُ طغرل  متفَرِّقة، فلم يقِفْ ليجمعها، بل سار إليه فيمن معه، فالتقى العسكران بالقُربِ من الري، فحمَلَ طغرل بنفسِه في وسط عسكر خوارزم شاه، فأحاطوا به وألقَوه عن فَرَسِه وقتلوه، وقطعوا رأسَه في الرابع والعشرين من شهر ربيع الأول، ثم حُمِلَ رأسه إلى خوارزم شاه، فسَيَّرَه من يومه إلى بغداد، فدخلوا به على رمحٍ، فنُصِبَ رأسه بباب النوبي عدَّة أيام، وسار خوارزم شاه إلى همذان، وملك تلك البلادَ جَميعَها. وبهذا زالت الدولةُ السلجوقية تمامًا.

العام الهجري : 594 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1198
تفاصيل الحدث:

في مُنتَصَف المحَرَّم، بلغ المَلِكَ العادِلَ أنَّ الفرنج قد نازلوا حِصنَ تبنين، فسَيَّرَ إليه عسكرًا يحمونَه ويَمنَعون عنه، ورحلَ الفرنج من صور، ونازلوا تبنين أوَّلَ صفر وقاتلوا من به، وجدُّوا في القتال، ونَقَبوه من جهاتهم، فلمَّا عَلِمَ العادل بذلك أرسل إلى العزيز عثمان بن صلاح الدين  بمصرَ يطلُبُ منه أن يَحضُرَ هو بنفسه، فسار العزيزُ مُجِدًّا فيمن بَقِيَ معه من العساكر، وأمَّا مَن بحصنِ تبنين فإنَّهم لَمَّا رأوا النقوبَ قد خَرَّبَت تل القلعة، ولم يبقَ إلَّا أن يَملِكوها بالسَّيفِ، نزل بعضُ من فيها إلى الفرنجِ يَطلُبُ الأمانَ على أنفُسِهم وأموالِهم لِيُسَلِّموا القلعة، وكان المرجِعُ إلى القسيس الخنصلير من أصحابِ مَلِك الألمان، فقال لهؤلاء المسلمينَ بَعضُ الفرنج الذين مِن ساحِلِ الشامِ: إنْ سَلَّمتُم الحِصنَ استأسَرَكم هذا وقتَلَكم؛ فاحفَظوا نُفوسَكم، فعادوا كأنَّهم يُراجِعونَ مَن في القلعةِ لِيُسَلِّموا، فلما صَعِدوا إليها أصرُّوا على الامتناع، وقاتلوا قتالَ من يحمي نفسَه، فحَمَوها إلى أن وصل المَلِكُ العزيز إلى عسقلان في ربيع الأول، فلما سمع الفرنجُ بوصوله واجتماعِ المُسلِمين، وأنَّ الفرنجَ ليس لهم مَلِكٌ يَجمَعُهم، وأنَّ أمْرَهم إلى امرأة، وهي المَلِكة؛ اتفقوا وأرسلوا إلى مَلِك قبرص واسمُه هيمري، فأحضروه فزَوَّجوه بالمَلِكة زوجة الكند هري، فلمَّا مَلَكَهم لم يَعُدْ إلى الزَّحفِ على الحِصنِ، ولا قاتَلَه، واتَّفَق وصول العزيز أوَّل شهر ربيع الآخر، ورحل هو والعساكِرُ إلى جبل الخليل الذي يُعرَفُ بجبل عاملة، فأقاموا أيامًا، والأمطارُ متداركة، فبَقِيَ إلى ثالث عشر الشهر، ثم سار وقارب الفرنجَ، وأرسل رماةَ النشاب، فرموهم ساعةً وعادوا، ورَتَّب العساكر ليزحَفَ إلى الفرنج ويجِدَّ في قتالهم، فرحلوا إلى صور خامس عشر ربيع الآخر ليلًا، ثم رَحَلوا إلى عكَّا، فسار المسلمون فنزلوا اللجون، وتراسلوا في الصُّلحِ، وتطاول الأمرُ، فعاد العزيز إلى مصر قبل انفصالِ الحال، وبقي العادلُ وترَدَّدَت الرسلُ بينه وبين الفرنج في الصُّلحِ، فاصطَلَحوا على أن تبقى بيروت بِيَدِ الفرنج، وكان الصُّلحُ في شعبان، فلما انتَظَم الصلح عاد العادِلُ إلى دمشق، وسار منها إلى ماردين من أرضِ الجزيرة.

العام الهجري : 602 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1206
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ شِهابُ الدين أبو المظفَّر محمَّد بن سام الغوري، مَلِكُ غزنة وبعض خراسان. كان ملكًا شجاعًا غازيًا، عادلًا حَسَنَ السيرة، يحكُمُ بما يوجِبُه الشرع، يُنصِفُ الضعيفَ والمظلوم، وكان يَحضُرُ عنده العُلَماءُ. لما مات أخوه السلطان غياث الدين، قَبَضَ شهاب الدين على جماعةٍ مِن خواصِّ أخيه وأتباعه وصادرهم. قُتِلَ شهاب الدين بعد عودته من لهاوور، بمنزلٍ يقال له دميل، وقتَ صلاة العشاء، وكان سبَبُ قتله أن نفرًا من الكُفَّار الكوكرية لَزِموا عسكره عازمينَ على قتله، كما فعَلَ بهم من القَتلِ والأسر والسَّبيِ، فلما كان هذه الليلة تفَرَّق عنه أصحابُه، وكان معه من الأموالِ ما لا يُحصى، فإنَّه كان عازمًا على قصد الخطا والاستكثار مِن العساكِرِ، وتفريق المال فيهم، وكان على نيَّةٍ جيدة من قتال الكُفَّار، وبقي وحده في خركاه، فثار أولئك النفر، فقَتَل أحَدُهم بعضَ الحُرَّاس بباب سرادق شهاب الدين، فلما قَتَلوه صاح، فثار أصحابُه من حول السرادق لينظُروا ما بصاحِبِهم، فأخلَوا مواقِفَهم، وكَثُرَ الزحام، فاغتَنَم الكوكرية غفلَتَهم عن الحفظ، فدخلوا على شهابِ الدين وهو في الخركاه، فضَرَبوه بالسكاكين اثنتين وعشرين ضربةً فقتلوه، فدخل عليه أصحابُه، فوجدوه على مصلَّاه قتيلًا وهو ساجِدٌ، فأخذوا أولئك الكُفَّار فقتلوهم، وقيل: إنما قتَلَه الإسماعيليَّةُ؛ لأنهم خافوا خروجه إلى خراسان، فلمَّا قُتِلَ اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الملك بن خوجا سجستان، فتحالَفوا على حِفظِ الخزانة والملك، ولزوم السَّكينة إلى أن يظهَرَ من يتولاه، وتقَدَّمَ الوزير إلى أمير داذ العسكر بإقامةِ السياسة، وضَبط العسكر.  وصيَّروا السلطان في محفَّة، وحَفُّوها بالجسم والصناجق يوهمون أنه حيٌّ, وكانت الخزانةُ على ألفين ومائتي جَمَل، وساروا إلى أن وصلوا إلى كرمان، وكاد يتخَطَّفُهم أهلُ تلك النواحي، فخرج إليهم الأميرُ تاج الدين ألدز، فجاء ونزل وقَبَّل الأرض، وكَشَف المحَّفة، فلما رأى السلطان ميتًا، شَقَّ ثيابه وبكى، وبكى الأمراءُ وكان يومًا مشهودًا. وكان ألدز من أكبَرِ مماليكه وأجَلِّهم، فلمَّا قُتِلَ شهاب الدين طَمِعَ أن يَملِكَ غزنة، وحُمِل السلطان إلى غزنة، فدُفِن في التربة التي أنشأها.