حصر المسترشد بالله مدينة الموصل في العشرين من شهر رمضان، وسبب ذلك ما تقدم من قصد الشهيد زنكي بغداد، ثم قصد جماعة من الأمراء السلجوقية باب المسترشد بالله، وصاروا معه فقَوِي بهم، واشتغل السلاطين السلجوقية بالخُلف الواقع بينهم، فأرسل الخليفة الشيخ بهاء الدين أبا الفتوح الأسفراييني الواعظ إلى عماد الدين زنكي برسالة فيها خشونة، فقبض عليه عماد الدين زنكي وأهانه ولقيه بما يكره، فأرسل المسترشد بالله إلى السلطان مسعود يعرِّفه الحال الذي جرى من زنكي ويُعلِمه أنه على قصد الموصل وحَصْرها، وتمادت الأيام إلى شعبان، فسار عن بغداد في النصف منه في ثلاثين ألف مقاتل، فلما قارب الموصل فارقها أتابك زنكي في بعض عسكره وترك الباقي بها مع نائبه نصير الدين جقر دزدارها والحاكم في دولته، وأمرهم بحفظها، ونازلها الخليفة وقاتلها وضَيَّق على من بها، وأما عماد الدين فإنه سار إلى سنجار، وكان يركب كل ليلة ويقطع الميرة عن العسكر ومتى ظفر بأحد من العسكر أخذه ونكل به، وضاقت الأمور بالعسكر أيضًا وتواطأ جماعة من الجصاصين بالموصل على تسليم البلد، فسُعي بهم فأُخذوا وصُلبوا، وبقي الحصار على الموصل نحو ثلاثة أشهر ولم يظفر منها بشيء ولا بلغه عمن بها وهن ولا قلة ميرة وقوت، فرحل عنها عائدًا إلى بغداد، فقيل: إن نصرًا الخادم وصل إليه من عسكر السلطان وأبلغه عن السلطان مسعود ما أوجب مسيره وعوده إلى بغداد، وقيل: بل بلغه أن السلطان مسعودًا عزم على قصد العراق، فعاد بالجملة، وأنه رحل عنها منحدرًا في شبارة في دجلة فوصل إلى بغداد يوم عرفة.
استولى عماد الدين زنكي على جميع قلاع الأكراد الحميدية، منها قلاع العقر، وقلعة شوش، وغيرهما، وكان لما ملك الموصل أقرَّ صاحبها الأمير عيسى الحميدي على ولايتها وأعمالها، ولم يعترِضْه على شيء مما هو بيده، فلما حصر المسترشد بالله الموصل حضر عيسى هذا عنده، وجمع الأكراد عنده فأكثر، فلما رحل المسترشد بالله عن الموصل أمر زنكي أن تُحصَر قلاعهم، فحُصرت مدة طويلة وقُوتلت قتالًا شديدًا إلى أن مُلِكت هذه السنة، فاطمأنَّ إذًا أهل سواد الموصل المجاورون لهؤلاء القوم؛ فإنهم كانوا معهم في ضائقة كبيرة من نهب أموالهم وخراب البلاد، كما ملك قلاع الهكارية وكواشي، وحُكِي عن بعض العلماء من الأكراد ممن له معرفة بأحوالهم أن أتابك زنكي لما ملك قلاع الحميدية وأجلاهم عنها خاف أبو الهيجاء بن عبد الله صاحب قلعة أشب والجزيرة ونوشي، فأرسل إلى أتابك زنكي من استحلفه له، وحمل إليه مالًا، وحضر عند زنكي بالموصل فبقي مدة ثم مات، فدُفِن بتل توبة. ولَمَّا سار عن أشب إلى الموصل أخرج ولده أحمد بن أبي الهيجاء منها؛ خوفًا أن يتغلب عليها، وأعطاه قلعةَ نوشى، وأحمد هذا هو والد علي ابن أحمد المعروف بالمشطوب، من أكابر أمراء صلاح الدين بن أيوب بالشام، ولما أخرجه أبوه من أشب استناب بها كرديًّا يقال له باو الأرجي، فلما مات أبو الهيجاء سار ولده أحمد من نوشى إلى أشب ليملِكَها، فمنعه باو وأراد حفظها لولد صغير لأبي الهيجاء اسمه علي، فسار زنكي بعسكره فنزل على أشب وملكها.
بعد سيطرة فرديناند على بسطة أهم مدن شرق غرناطة التي كانت تحت حكم الأمير أبي عبد الله محمد بن سعد الزغل خرج الأمير الزغل من مدينة وادي آش تابعًا لصاحب قشتالة، فلما لحقه بايعه ودخل في ذمتة وتحت طاعته على أن يعطيه مدينة وادي آش وكل مدينة وحصن وقرية كانت تحت طاعته وحكمه، فأجابه إلى مطلبه ورجع معه إلى وادي آش وهو فرح مسرور، فدخلها العدو وقبض قصَبَتها واستولى عليها في العشر الأُوَل من شهر صفر، ودخل في ذمته جميع فرسان الأمير الزغل وجميع قواده، وصاروا له عونًا على المسلمين وطوَّعوا له جميع البلاد والقرى والحصون التي كانت تحت طاعتِهم من مدينة المرية إلى مدينة المنكب، ومن مدينة المنكب إلى قرية البذول، فقبض صاحب قشتالة ذلك كله من غير قتال ولا حصار ولا تعب ولا نصب، فإنا لله وإنا إليه راجعون!
وجعل في كل قصبة قائدًا نصرانيًّا مع جماعة من النصارى يحكم في ذلك الموضع، وفي هذا الشهر خلصت جميع بلاد الأندلس لصاحب قشتالة، ودخلت تحت طاعته وتدجن-داهن- جميع أهلها ولم يبقَ للمسلمين في الأندلس غير مدينة غرناطة وما حولها من القرى خاصة، وزعم كثير من الناس أن الأمير محمد بن سعد الزغل وقواده باعوا صاحب قشتالة هذه القرى والبلاد التي كانت تحت طاعتهم وقبضوا منه ثمنها، وذلك على وجه الانتقام من ولد أخيه الأمير أبي عبد الله الصغير وقواده؛ لأنهم كانوا في غرناطة ولم يكن تحت طاعتهم غيرها، فأراد بذلك قطع علائق غرناطة؛ لتهلك كما هلك غيرها, ولا حول ولا قوة إلا بالله!
لَمَّا هرب عبد الملك بن محمد المهدي أبو مروان وأحمد المنصور عمَّا المتوكل على الله محمد الثاني زعيم السعديين، بعد توليه الحكم في المغرب بسبب عدائه لهما- استنجدا بالدولة العثمانية في الجزائر، فوجدت الدولةُ العثمانية في انشغال مَلِك إسبانيا فيليب الثاني بأحداث أوروبا الغربية- حيث ثورة الأراضي المنخفضة- فرصةً مناسِبةً للتدخل في المغرب، فأمدُّوا عبد الملك بجيشٍ قوامه خمسة آلاف مقاتل مسلَّحين بأحسن الأسلحة، ودخل عبدالملك فاس بعد أن أحرز انتصارًا كبيرًا على ابن أخيه المتوكِّل على الله، وعاد الجيش أدراجه إلى الجزائر، وقام عبد الملك بإصلاحات في دولته، من أهمِّها أمَرَ بتجديد السفن، وبصُنع المراكب الجديدة، فانتعشت بذلك الصناعة، كما اهتمَّ بالتجارة البحرية، وكانت الأموال التي غَنِمَها من حروبه على سواحل المغرب سببًا في انتعاش ونمو الميزان الاقتصادي للدولة، أسَّس جيشًا نظاميًّا متطورًا واستفاد من خبرة الجندية العثمانية وتشبه بهم في التسليح والرُّتَب، كما استطاع أن يبنيَ علاقات متينة مع العثمانيين، وجعل منهم حُلَفاء وأصدقاء وإخوة مخلصين للمسلمين في المغرب، وفرض احترامَه على أهل عصره، حتى الأوروبيين، احترموه وأجلَّوه. اهتمَّ عبد الملك بتقوية مؤسسات الدولة ودواوينها وأجهزتها، واستطاع أن يشكِّلَ جهازًا شوريًّا للدولة أصبح على معرفة بأمور الدولة الداخلية، وأحوال السكان عامة، وعلى دراية بالسياسة الدولية وخاصةً الدول التي لها علاقةٌ بالسياسة المغربية، وكان أخوه أبو العباس أحمد المنصور بالله- الملقب في كتب التاريخ بالذهبي- ساعِدَه الأيمن في كل شؤون الدولة.
هو الناصر لدين الله الإمام الحسن بن علي بن داود المؤيدي إمام الدولة الزيدية في اليمن. له تبحُّرٌ في علوم عديدة، كالنحو والصرف، والمنطق والمعاني والبيان، والأصول والتفسير، والفقه والحديث، وله رسائل تدلُّ على بلاغته وقوة تصرُّفه، دعا إلى نفسه سنة 984 في نصف شهر رمضان منها، فاجتمعت إليه الزيدية وأجابوا دعوتَه، وبايعوه في بلاد صعدة، وخرج منها بجيش إلى الأهنوم واشتعلت الأرض نارًا بقيامه على الأتراك، ودخل في طاعته بعضُ أولاد الإمام شرف الدين، وأَسَر عبد الله بن المطهر وأودعه السجنَ ثم توجَّه بجند واسع لأخذ بلاد همدان، ففتح أكثرها وخرج الأتراك من صنعاء وأميرُهم سنان، فما زالت الحرب بينهما سِجالًا، وفي سنة 993 افتتح سنان بلاد الأهنوم، وانحصر الإمام الحسن في محل يقال له الصاب، ودُعي إلى السلم فأجاب، وخرج إلى سنان في نصف شهر رمضان منها، وهذا من غرائب الزمان: كونُ قيامه في نصف شهر رمضان، وأسْرُه في نصف شهر رمضان، ثم دخل به سنان إلى صنعاء، فوصل به إلى الباشا حسن فسجنه وقد كان أسَرَ أولاد المطهر بن شرف الدين الأربعة لطف وعلي يحيى وحفظ الله وغوث الدين، وسجنهم مع الإمام الحسن، وفي شهر شوال من هذه السنة أرسل الباشا بهم جميعًا إلى بلاد الترك، وكان آخر العهد بهم، وقد روي أنه مات الإمام الحسن في بلاد الترك محبوسًا في شهر شوال، وله أخبار حسان.
حجَّ الرَّشيدُ ومعه ابناه: الأمينُ محمَّد، والمأمونُ عبد الله، وفَرَّقَ بالحرمينِ الأموالَ، وفيها بايعَ الرَّشيدُ بولايةِ العَهدِ لولده قاسِمٍ بعد الأخوينِ: الأمين والمأمون، ولقَّبَه المُؤتَمَن، وولَّاه الجزيرةَ والثُّغورَ، وهو صبيٌّ.
وَقَعت اشتباكاتٌ بين عناصرِ حزبِ الله اللُّبناني ومسلَّحِين موالِين للحكومة في بيروت؛ أدَّت إلى سقوط (81) قتيلًا و(250) جريحًا، وسعى وُسطاءُ إلى إنهاء تلك الاشتباكاتِ التي تُعدُّ أعنفَ قتالٍ داخلي منذ الحرب الأهليَّة (1975-1990).
تُوفِّي الرَّئيسُ الإيرانيُّ إبراهيم رئيسي بعد أن تحطَّمت مِروحيَّةٌ كانت تُقِلُّه في محافظةِ أذربيجانَ الشَّرقيَّةِ شَمالَ غَرَبِ إيرانَ. وكان برُفقتِه وزيرُ الخارجيَّةِ حُسَين أمير عبد اللهيان، وعَدَدٌ مِنَ المسؤولينَ الآخرينَ الذين كانوا على مَتنِ المِروحيَّةِ.
كان أوَّلَ الخارِجين فَروةُ بن نَوفلٍ الأشجعيُّ، وكان ممَّن اعتزَل قِتالَ عَلِيٍّ والحسنِ وانحاز معه خمسُمائة فارسٍ مِن الخَوارِج إلى شَهْرَزُور، قائلًا: والله ما أدري على أيِّ شيءٍ نُقاتِلُ عَلِيًّا! أرى أن أَنصَرِفَ حتَّى تَتَّضِحَ لي بَصيرَتي في قِتالِه أو أُتابِعُه. فلمَّا سَلَّمَ الحسنُ الأمرَ إلى مُعاوِيَة قالوا: قد جاء الآن ما لا شَكَّ فيه، فسيروا إلى مُعاوِيَة فجاهِدوهُ. فأقبلوا وعليهم فَروةُ بن نَوفلٍ حتَّى حَلُّوا بالنُّخَيْلَةِ عند الكوفَة، فأرسل إليهم مُعاوِيَةُ جَمْعًا مِن أهلِ الشَّام فقاتَلوهُم، فانْهزَم أهلُ الشَّام، فقال مُعاوِيَةُ لأهلِ الكوفَة: والله لا أمانَ لكم عندي حتَّى تَكُفُّوهُم. فخرَج أهلُ الكوفَة فقاتَلوهُم. فقالت لهم الخَوارِج: أليس مُعاوِيَةُ عَدُوَّنا وعَدُوَّكُم؟ دَعُونا حتَّى نُقاتِلَه، فإن أَصَبْنا كُنَّا قد كَفَيْناكُم عَدُوَّكُم، وإن أَصابَنا كنتم قد كَفَيْتُمونا. فقالوا: لابُدَّ لنا مِن قِتالِكُم. فأخَذ بَنُو أَشْجَعَ صاحِبَهُم فَروةَ فحادَثوهُ ووَعَظوهُ فلم يَرْجِعْ، فأخَذوهُ قَهْرًا وأَدْخَلوهُ الكوفَةَ، فاسْتَعْمَل الخَوارِج عليهم عبدَ الله بن أبي الحَوْساءِ، رجلًا مِن طَيِّء، فقاتَلهُم أهلُ الكوفَة فقتَلوهُم, ثمَّ تَمَكَّنَ منه المُغيرةُ بن شُعبةَ والي العِراق وقتَله، وقُتِلَ عبدُ الله بن أبي الحَوْساء الطَّائيُّ الذي تَوَلَّى أمرَ الخَوارِج بعدَه، ثمَّ قُتِلَ حَوْثَرةُ بن وَداعٍ الأسديُّ الذي نَصَّبَهُ الخَوارِج أميرًا عليهم. ثمَّ خرَج أبو مَريم وهو مَوْلًى لِبَني الحارثِ بن كعبٍ، وقد أَحَبَّ أن يُشْرِكَ النِّساءَ معه في الخُروجِ؛ إذ كانت معه امرأتان: "قَطام وكُحَيْلَة" فكان يُقالُ لهم: يا أصحاب كُحَيْلَة وقَطام. تَعْيِيرًا لهم، وقد أراد بهذا أن يَسُنَّ خُروجَهُنَّ، فوَجَّهَ إليه المُغيرةُ جابرَ البَجليَّ فقاتَلهُ حتَّى قتَلهُ وانْهزَم أصحابُه. ثمَّ خرَج رجلُ يُقالُ له: أبو لَيْلى، أَسْودُ طَويلُ الجِسْم، وقبلَ أن يُعْلِنَ خُروجَه دخَل مَسجِدَ الكوفَة وأخَذ بعِضادَتَيِ البابِ، وكان في المسجدِ عِدَّةٌ مِن الأشرافِ، ثمَّ صاح بأعلى صَوتِه: لا حُكمَ إلَّا لله، فلم يَعترِضْ له أحدٌ، ثمَّ خرَج وخرَج معه ثلاثون رجلًا مِن الموالي بسَوادِ الكوفَة، فبعَث له المُغيرةُ مَعقِلَ بن قيسٍ الرِّياحيَّ فقَتلَه سنة 42هـ.