الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3066 ). زمن البحث بالثانية ( 0.012 )

العام الهجري : 287 العام الميلادي : 900
تفاصيل الحدث:

كان سببُ قَتلِ محمَّدِ بنِ زيد العَلويِّ أنَّه لَمَّا عَلِمَ بأسر عمرِو بن الليث الصَّفَّار، خرج من طبرستان نحو خراسان ظنًّا منه أنَّ إسماعيل الساماني لا يتجاوزُ عَمَلَه، ولا يقصِدُ خُراسان، وأنه لا دافِعَ له عنها، فلما سار إلى جُرجان أرسل إليه إسماعيل، وقد استولى على خُراسان، يقول له: الزَمْ عمَلَك، ولا تقصِدْ خُراسان؛ وتَرك جُرجان له، فأبى ذلك محمد، فندب إليه إسماعيلُ بنُ أحمد، محمَّدَ بنَ هارون، ومحمَّدٌ هذا كان يخلُفُ رافِعَ بنَ هرثمة أيَّامَ ولايتِه خراسان، فجمع محمَّدٌ جمعًا كثيرًا من فارسٍ وراجلٍ، وسار نحوَ محمَّد بن زيد، فالتَقَوا على باب جرجان، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فانهزم محمد بن هارون أوَّلًا ثم رجع وقد تفَرَّقُ أصحاب محمد بن زيد في الطلبِ، فلما رأوه قد رجع إليهم ولَّوا هاربينَ، وقُتِلَ منهم بشَرٌ كثيرٌ، وأصابت ابنَ زيدٍ ضَرَباتٌ، وأُسِرَ ابنُه زيد، وغَنِمَ ابنُ هارون عسكَرَه وما فيه، ثم مات محمَّد بن زيد بعد أيَّامٍ مِن جراحاته التي أصابته، فدُفِنَ على باب جرجان, وحُمِلَ ابنُه زيد بن محمد إلى إسماعيل بن أحمد، فأكرمه ووسَّعَ في الإنزال عليه، وأنزله بُخارى، وسار محمَّدُ بن هارون إلى طبرستان.

العام الهجري : 375 العام الميلادي : 985
تفاصيل الحدث:

جَرَت فتنةٌ ببغداد بين الديلم، وكان سببُها أنَّ أسفار بن كردويه، وهو من أكابِرِ القُوَّاد، استنفر من صمصام الدولة، واستمالَ كثيرًا من العسكَرِ إلى طاعة شَرَف الدولة، واتَّفَق رأيُهم على أن يولُّوا الأميرَ بهاءَ الدولة أبا نصر بنَ عضد الدولة العراقَ نيابةً عن أخيه شَرَف الدولة، وكان صمصام الدولة مريضًا، فتمكَّنَ أسفار من الذي عزم عليه، وأظهَرَ ذلك، وتأخَّرَ عن الدار، وراسله صمصامُ الدولة يستميلُه ويُسَكِّنُه، فما زاده إلَّا تماديًا، فلما رأى ذلك من حالِه، راسل الطائِعَ يطلُبُ منه الركوبَ معه، وكان صمصام الدولةِ قد برئَ مِن مرضه، فامتنع الطائِعُ من ذلك، فشرع صمصام الدولة، واستمالَ فولاذ زماندار، وكان موافِقًا لأسفار إلَّا أنَّه كان يأنَفُ مِن مُتابعتِه لكِبَرِ شأنه. فلمَّا راسله صمصام الدولة أجابه، واستحلفه على ما أراد، وخرجَ مِن عنده، وقاتل أسفار، فهَزَمه فولاذ، وأُخِذَ الأميرُ أبو نصر أسيرًا، وأُحضِرَ عند أخيه صمصام الدولة، فرَقَّ له، وعَلِمَ أنَّه لا ذنب له، فاعتقله مُكَرَّمًا، وكان عمرُه حينئذ خمس عشرة سنة, وثبَتَ أمرُ صمصام الدولة، وسُعِيَ إليه بابن سعدان الذي كان وزيرَه، فعَزَله، ومضى أسفار إلى الأهواز، واتَّصَل بالأمير أبي الحُسَينِ بن عضُد الدولة، وخدمه، وسار باقي العسكَرِ إلى شرَفِ الدَّولة.

العام الهجري : 746 العام الميلادي : 1345
تفاصيل الحدث:

ذكَرَ الرحَّالةُ ابنُ بطُّوطة عن مشاهدتِه لجزيرة سومطرة والإسلام فيها، ووصَفَ سُلطانَها قائِلًا: "وهو السلطانُ المَلِكُ الظاهر من فُضَلاءِ الملوك، شافعيُّ المذهب محِبٌّ للفقهاء، يحضرون مجلِسَه للقراءة والمذاكرة، وهو كثيرُ الغزو والجهاد ومتواضِعٌ يأتي إلى صلاة الجمعة ماشيًا على قَدَميه وأهل بلاده شافعيَّةٌ محبُّون للجهاد يخرجون معه تطوعًا، وهم غالبون على من يليهم من الكُفَّار والكُفَّارُ يعطون الجزيةَ على الصُّلحِ"، وقد ذكر ماركو بولو الذي جاء إلى هذه الجزيرةِ قبل ابن بطوطة بأقَلَّ مِن خمسين سنة، حيث كان فيها سنة 692, وقال عنها: إنَّ جميع سكان البلاد عبدةُ أوثانٍ اللهُمَّ إلَّا في مملكة برلاك الصغيرة الواقعة في الزاوية الشماليَّة الشرقية من الجزيرة؛ حيث سكان المدن وَحدَهم مُسلمون، أمَّا سكان المرتفعات فكُلُّهم وثنيُّونَ أو مُتَوحِّشونَ يأكلونَ لحومَ البَشَرِ. ولا يُعقَلُ في أنه في أقل مِن خمسين سنة ينتَشِرُ الإسلام في كل الجزيرةِ على ما وصَفَه ابن بطوطة، ولكن يبدو أنَّ ماركو بولو أراد من ذلك الوصفِ شَيئًا آخَرَ، والله أعلم، ويُذكَرُ أنَّ الإسلامَ دخَلَ إلى هذه الجُزُر عن طريق التجَّار المسلمين، وعن طريق رحلةِ كثيرٍ مِن السكان إلى بلادِ الإسلامِ للتجارة وعودتهم إلى بلادِهم دُعاةً للإسلامِ.

العام الهجري : 791 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1389
تفاصيل الحدث:

بعد محاربة الصربِ للعثمانيين سنة 788, وحصولِهم على بعض النجاحِ نتيجةَ انشغال العثمانيين بالحرب مع علاء الدين أمير القرمان، ثم إنَّ أمير البلغار سيسمان تأهَّب للقيام بدوره في محاربة القوات العثمانيةِ، غيرَ أنَّه تفاجأ بها وقد داهمَتْه واحتلَّت بعضَ أجزاء بلاده، ففَرَّ إلى الشمالِ واعتصم في مدينة نيكوبلي القريبة من الحدود الرومانية، وجمع فلولَه مَرَّة أخرى وحارب العثمانيِّينَ إلَّا أنه باء بالهزيمةِ مَرَّة أخرى، ووقع أسيرًا، لكِنِ السلطانُ مراد الأولُ أحسَنَ إليه فأبقاه أميرًا على نصف بلاده، وضَمَّ الباقيَ إلى الدولة العثمانيَّةِ، فلما علم ملك الصرب لازار بهذا، انسحب بجيوشه نحو الغرب منضَمًّا إلى الألبانيين لمحاربة العثمانيينَ معهم، غيرَ أن الجيوش العثمانية أدركَتْه قبل وصوله إلى مبتغاه، والتقت معه في هذه السنة في معركة وسط سهل قوص أوه- إقليم كوسوفو- جنوبي يوغسلافيا، وكان القتالُ سِجالًا بين الطرفين، ثمَّ إنَّ صِهرَ لازار انضَمَّ إلى جانب العثمانيين بفرقته المؤلَّفة من عشرة آلاف مقاتل، فانهزم الصرب ووقع مَلِكُهم لازار أسيًرا جريحًا فقتلوه جزاءَ بما فعله بأسرى المسلمين، وبينما السلطان مراد الأول يتفقد الجرحى في أرض المعركة طَعَنه جريحٌ صِربي فقَتَله!

العام الهجري : 539 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:

في سادس جمادى الآخرة، فتح أتابك عمادُ الدين زنكي بن آقسنقر مدينةَ الرَّها من الفرنج، وفتَحَ غَيرَها مِن حُصونِهم بالجزيرةِ أيضًا، وكان ضَرَرُهم قد عَمَّ بلادَ الجزيرة وشَرَّهم قد استطار فيها، ووصَلَت غاراتُهم إلى أدانيها وأقاصيها، وبلَغَت آمِدَ ونصيبين ورأسَ عَين والرقَّة، وكانت مملكَتُهم بهذه الديارِ مِن قَريبِ ماردين إلى الفُرات مثل الرَّها، وسروج، والبيرة، وسن ابن عطير، وحملين، والموزر، والقرادي، وغير ذلك. وكانت هذه الأعمالُ مع غيرِها ممَّا هو غَرْبَ الفرات لجوسلين، وكان صاحِبَ رأي الفرنجِ والمُقَدَّم على عساكِرِهم؛ لِما هو عليه من الشَّجاعةِ والمكرِ، وكان زنكي يَعلَمُ أنَّه متى قَصَد حَصْرَ الرَّها، اجتمع فيها مِن الفرنجِ مَن يَمنَعُها، فيتعَذَّر عليه مِلكُها لِما هي عليه من الحَصانةِ، فاشتغل بقِتالِ الملوك الأرتقيَّة بديارِ بَكرٍ ليُوهِمَ الفرنجَ أنَّه غيرُ مُتفَرِّغٍ لقَصدِ بلادِهم، فلمَّا رأَوْا أنَّه غيرُ قادر على تَرْكِ الملوك الأرتقيَّة وغيرِهم من ملوكِ ديارِ بَكرٍ، حيث إنَّه محارب لهم، اطمأنُّوا، وفارق جوسلين الرَّها وعبَرَ الفراتَ إلى بلاد الغربية، فجاءت عيونُ أتابك إليه فأخبَرَته فنادى العسكَرَ بالرحيلِ وألَّا يتخَلَّفَ عن الرَّها أحَدٌ مِن غَدِ يَومِه، وجمَعَ الأمراءَ عنده، وقال: قَدِّموا الطعامَ، وقال: لا يأكُلْ معي على مائدتي هذه إلَّا مَن يَطعنُ غدًا معي على بابِ الرَّها، فلم يتقَدَّمْ إليه غيرُ أميرٍ واحدٍ وصَبيٍّ لا يُعرَف؛ لِما يَعلَمونَ مِن إقدامِه وشجاعته، وأنَّ أحدًا لا يَقدِرُعلى مُجاراتِه في الحَربِ، فقال الأميرُ لذلك الصبي: ما أنت في هذا المقامِ؟ فقال أتابك: دَعْه فواللهِ إنِّي أرى وجهًا لا يتخَلَّفُ عني، وسار والعساكِرُ معه، ووصل إلى الرَّها، وكان هو أوَّلَ مَن حمل على الفرنجِ ومعه ذلك الصبيُّ، وحمَلَ فارِسٌ مِن خَيَّالة الفرنج على أتابك عرضًا، فاعتَرَضه ذلك الأميرُ فطَعَنَه فقَتَلَه، وسَلِمَ الشهيدُ، ونازل البَلَدَ، وقاتله ثمانيةً وعشرين يومًا، فزحَفَ إليه عِدَّةَ دَفعاتٍ، وقَدَّم النقَّابينَ فنَقَبوا سورَ البَلَدِ، وطَرَحوا فيه الحَطَب والنَّارَ فتهَدَّمَ، ودخلها فحاربهم، ولجَّ في قتالِه خَوفًا من اجتماعِ الفرنج والمسيرِ إليه واستنقاذِ البلد منه، فأخذ البَلَدَ عَنوةً وقهرًا، وحَصَرَ قلعةَ الرَّها فمَلَكها أيضًا, فنصَرَ اللهُ المُسلمينَ وغَنِموا غنائِمَ عَظيمةً، وخَلَّصوا أُسارى مُسلِمينَ يَزيدونَ على خمسِمئة. ونهب النَّاسُ الأموالَ وسَبَوا الذُّريَّةَ وقَتَلوا الرجالَ، فلمَّا رأى أتابك زنكي البلدَ أعجَبَه، ورأى أنَّ تَخريبَ مِثلِه لا يجوزُ في السِّياسة، فأمَرَ فنُودِيَ في العساكِرِ برَدِّ مَن أخذوه من الرِّجالِ والنِّساءِ والأطفالِ إلى بُيوتِهم، وإعادةِ ما غَنِموه من أثاثِهم وأمتِعَتِهم، فرَدُّوا الجميعَ عن آخِرِهم لم يُفقَدْ منهم أحَدٌ إلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ الذي أُخِذَ وفارَقَ مَن أخَذَه العَسكَرُ، فعاد البلدُ إلى حالِه الأوَّلِ، وجعَلَ فيه عسكرًا يَحفَظُه، وكان جمالُ الدين أبو المعالي فضلُ الله بن ماهان رئيسُ حرَّان هو الذي يحُثُّ أتابك في جميعِ الأوقاتِ على أخْذِ الرَّها، ويُسَهِّلُ عليه أمْرَها, ثمَّ رَحَل إلى سروجٍ ففَتَحَها، وهَرَب الفرنجُ منها، وتسَلَّمَ سائِرَ الأماكِنِ التي كانت بيَدِ الفِرنجِ شَرقيَّ الفُراتِ ما عدا البيرةَ؛ فإنَّها حصينةٌ مَنيعةٌ، وعلى شاطئِ الفُراتِ، فسار إليها وحاصَرَها، وكانوا قد أكثَروا مِيرتَها ورِجالَها، فبَقِيَ على حِصارِها إلى أن رحَلَ عنها عندما جاءَه الخبَرُ مِن المَوصِل أنَّ نَصيرَ الدِّينِ جقر نائبه بالموصِلِ قُتِلَ، فخاف عليها، وتَرَك البيرةَ بعد أن قارَبَ أخْذَها, وسار جِهةَ المَوصِلِ، ولَمَّا بلَغَ زنكي خبَرُ قَتْلِ مَن قَتَلَ جقر، سكَنَ جأشُه واطمأنَّ قَلبُه.

العام الهجري : 754 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1353
تفاصيل الحدث:

كَثُرَ عَبَثُ العُربان ببلاد الصعيد بقيادة الأحدب محمد بن واصل شيخ عرك، فجمع جمعًا كبيرًا، وتسمَّى بالأمير، فقَدِمَ الخبر في شعبان بأنهم كَبَسوا ناحيةَ ملوي، وقتلوا بها نحو ثلاثمائة رجل، ونهبوا المَعاصِرَ، وأخذوا حواصِلَها وذَبحوا أبقارَها، وأنَّ عَرَب منفلوط والمراغة وغيرهم قد نافقوا، وقَطَعوا بعض الجسور بالأشمونين، فوقع الاتفاقُ على الركوب عليهم بعد تخضيرِ الأراضي بالزراعة، وكُتِبَ إلى الولاة بتجهيز الإقامات برًّا وبحرًا، فأخذَ العرب حِذْرَهم، فتفَرَّقوا واختَفَوا، وقَدِمَت طائفة منهم إلى مصر، فأُخِذوا، وكانوا عشرة، فقُبِضَ ما وجد معهم من المال، وحَمل الأمير جندار، فإنهم كانوا فلَّاحيه، وأُتلِفوا، فلما برز الحاجُّ إلى بركة الحجَّاج ركب الأمير شيخو، وضرب حلقةً على الركب، ونادى مَن كان عنده بدويٌّ وأخفاه، حَلَّ دَمُه، وفَتَّش الخيام وغيرها، فقَبض على جماعة، فقتل بعضهم وأفرج عن بَعضٍ، ثمَّ لما عاد السلطان إلى الجيزة كُبِسَت تلك النواحي، وحُذِّرَ الناس من إخفاء العربان، فأُخِذَ البحري والبري، وقُبِضَت خيول تلك النواحي وسيوفُ أهلها بأسْرِها، وعُرِضَت الرجال، فمن كان معروفًا أُفرج عنه، ومن لم يعرف أقِرَّ في الحديد وحُمِل إلى السجنِ، ورُسِمَ أنَّ الفلاحين تبيعُ خُيولَهم بالسوق، ويوردون أثمانَها ممَّا عليهم من الخراجِ فبِيعَت عِدَّةُ خيول، وأُورِدَ أثمانها للمُقطِعين، والفَرَس الذي لم يُعرَف له صاحِبٌ حُمِلَ إلى إسطبل السلطان، وكُتِبَ للأمير عز الدين أزدمر، الكاشِفِ بالوجه البحري، أن يركَبَ ويكبِسَ البلادَ التي لأرباب الجاه، والتي يأويها أهلُ الفسادِ، فقَبَض على جماعةٍ كثيرة ووسَّطَهم، وساق منهم إلى القاهرةِ نحو ثلاثمائة وخمسين رجلًا، ومائة وعشرين فرسًا، وسلاحًا كثيرًا، ثم أحضَرَ الأميرُ أزدمر من البحيرة ستمائة وأربعين فرسًا، فلم يبقَ بالوجه البحري فرس، ورُسِمَ لقضاة البر وعُدولِه بركوب البغال والأكاديش، ثم كُبِسَت البهنسا وبلاد الفيوم، فركِبَ الأميران طاز وصرغتمش، بمن معهما إلى البلاد، وقد مَرَّ أهلها، واختفى بعضهم في حفائِرَ تحت الأرض، فقبضوا النِّساء والصبيان، وعاقبوهم حتى دلوهم على الرجال، فسَفَكوا دماء كثيرين، وعُوِقَب كثيرٌ من الناس بسبب من اختفى، وأُخِذَت عدة أسلحة، فحَشَد الأحدب بن واصل شيخ عرك جموعَه، وصَمَّم على لقاء الأمراء، وحَلَف أصحابه على ذلك، وقد اجتمع معه عرَبُ منفلوط، وعَرَبُ المراغة وبني كلب وجهينة وعرك، حتى تجاوزت فرسانُه عشرة آلاف فارس تحمِلُ السلاح، سوى الرجَّالة المعَدَّة، فإنَّها لا تعَدُّ ولا تحصى لكثرتِها، ثم رحل الأمير شيخو عن أسيوط، وبعث الأمير مجد الدين الهذبانى ليؤمِّنَ بنى هلال أعداء عرك، ويُحضِرَهم ليقاتلوا عرك أعداءَهم، فانخدعوا بذلك، وفَرِحوا به، وركبوا بأسلحتِهم، وقَدِموا في أربعمائة فارس، فما هو إلا أن وصلوا إلى الأمير شيخو فأمر بأسلحَتِهم وخيولهم فأُخِذَت بأسْرِها، ووضَعَ فيهم السَّيفَ، فأفناهم جميعًا، ثم قاتلوا العَرَبَ الباقين على دفَعات يقتلونهم، وأسَروا منهم الكثيرَ واستَرَقُّوا الأولادَ والحريم، وهلك من العرب خلائقُ بالعطش، ما بين فرسان ورجَّالة وجَدَّ المجَرَّدون في طلبهم، فسَلَبوهم، وصَعِدَ كثيرٌ منهم إلى الجبال، واختَفَوا في المغائر، فقَتَلَ العسكرُ وأَسَر، وسبى عددًا كثيرًا، وارتَقَوا إلى الجبال في طَلَبِهم، وأضرَموا النيران في أبواب المغائر، فمات بها خلقٌ كثير من الدخان، وخرج إليهم جماعةٌ، فكان فيهم من يُلقي نَفسَه من أعلى الجبل ولا يُسَلِّم نَفسَه، ويرى الهلاكَ أسهَلَ مِن أخذ العدوِّ له، فهلك في الجبالِ أُمَمٌ كثيرة وقُتِلَ منهم بالسيف ما لا يُحصى كثرةً، حتى عُمِلَت عدة حفائر ومُلِئَت من رمَمِهم، وأَنتَنَت البرِّيَّةُ من جِيَفِ القتلى ورِمَمِ الخَيلِ، وكان الأحدَبُ قد نجا بنفسِه، فلم يُقدَرْ عليه، ومن حينئذ أَمِنَت الطرقات برًّا وبحرًا، فلم يُسمَعْ بقاطع طريق بعدها، ووقع الموتُ فيمن تأخَّرَ في السجون من العُربان، فكان يموتُ منهم في اليوم من عشرين إلى ثلاثين، حتى فَنُوا إلا قليلًا، وفي شهر ربيع الأول قَدِمَ الأحدب محمد بن واصل، شيخ عرك من بلاد الصعيد، طائعًا، وكان من خَبَرِه أنه لما نجا وقت الهزيمة، وأُخِذَت أمواله وحَرَمُه، ترامى بعد عَودِ العسكر على الشَّيخِ المعتقد أبى القاسم الطحاوي، فكتب الشيخ في أمره إلى الأمير شيخو، يسأل العفوَ عنه وتأمينَه، على أنَّه يقومُ بدَركِ البلاد، ويلتَزِمُ بتحصيل جميع غِلالِها وأموالِها، وما يحدُثُ بها من الفَسادِ فإنَّه مُؤاخَذٌ به، وأنَّه يقابِلُ نواب السلطان من الكُشَّاف والولاة، فكُتِب له أمانٌ سُلطاني، وكُوتِبَ بتطييب خاطِرِه وحضوره آمنًا، فسار ومعه الشيخ أبو القاسم، فأكرم الأمراءُ الشَّيخَ، وأكرموا لأجله الأحدَبَ، وكان دخولُه يومًا مشهودًا، وتمثَّل الأحدَبُ بين يدي السلطان، وأنعم عليه السلطانُ وألبسه تشريفًا وناله من الأمراءِ إنعامٌ كثيرٌ، وضَمِنَ منهم درك البلاد على ما تقدَّمَ ذِكرُه، فرُسِمَ له بإقطاعٍ، وعاد الأحدب إلى بلاده بعد ما أقام نحو شهرٍ.

العام الهجري : 465 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1072
تفاصيل الحدث:

هو سُلطانُ العالَم عَضُدُ الدَّولةِ أبو شُجاعٍ، المُلَقَّبُ بالعادِل محمد، ألب أرسلان بن جغريبك داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق بن سلجوق التُّركيُّ, واسمُه بالعربي محمدُ بنُ داودَ وألب أرسلان اسمٌ تُركيٌّ مَعناهُ شُجاع أَسَد، فألب: شُجاع، وأرسلان: أَسَد. وهو ابنُ أخي السُّلطانِ طغرلبك، أَصلُه من قَريةٍ يُقال لها: النور. وُلِدَ سَنةَ 424هـ, وَجَدُّهُ دقاق، هو أَوَّلُ مَن دَخلَ في الإسلامِ, وألب أرسلان أَوَّلُ مَن ذُكِرَ بالسُّلطانِ على مَنابِرِ بغداد, وكان مَلِكًا عادِلًا، مَهِيبًا، مُطاعًا، مُعَظَّمًا. وَلِيَ السَّلْطَنَةَ بعدَ وَفاةِ عَمِّهِ طغرلبك بن سلجوق في سَنةِ 457هـ. لمَّا ماتَ السُّلطانُ طُغرلبك نَصَّ على تَوْلِيَةِ الأَمرِ لسُليمانَ بنِ داودَ أخي ألب أرسلان، ولم يَنُصَّ على ألب أرسلان؛ لأنَّ أُمَّ سُليمانَ كانت عنده فتَبِعَ هَواها في وَلَدِها، فقام سُليمانُ بالأَمرِ وثارَ عليه أَخوهُ ألب أرسلان، وجَرَت بينهم خُطوبٌ فلم يَتِمَّ لِسُليمانَ الأَمرُ، وكانت النُّصرةُ لألب أرسلان. فاستَولَى على المَمالِكِ، وعَظُمَت مَملكَتُه ورُهِبَت سَطوتُه، وفَتحَ من البِلادِ ما لم يكُن لِعَمِّهِ طُغرلبك مع سِعَةِ مُلْكِ عَمِّهِ، وقَصدَ بِلادَ الشامِ فانتَهَى إلى مَدينةِ حَلَب، وهو أَوَّلُ مَن عَبَرَ الفُراتَ من مُلوكِ التُّركِ. وكاد أن يَتَمَلَّكَ مصر. أَعزَّ الله بهِ الإسلامَ وأَذَلَّ الشِّرْكَ. كان ألب أرسلان مِن أَعدَلِ الناسِ، وأَحسَنِهم سِيرَةً، وأَرغَبِهِم في الجِهادِ وفي نَصرِ الدِّينِ. وعَظُمَ أَمرُ السُّلطانِ ألب آرسلان، وخُطِبَ له على مَنابرِ العِراقِ والعَجَمِ وخُراسان، ودانَت له الأُمَمُ، وأَحَبَّتْهُ الرَّعايا، ولا سيما لمَّا هَزَمَ العَدُوَّ، طاغِيةَ الرُّومِ أرمانوس في مَعركةِ ملازكرد سَنةَ 463هـ, وقَنعَ من الرَّعِيَّةِ بالخَراجِ في قِسطَينِ، رِفْقًا بهم, وكان كَثيرَ الصَّدَقاتِ، يَتَفقَّد الفُقراءَ في كلِّ رَمضانَ بأَربعةِ آلافِ دِينارٍ ببَلخ، ومَرو، وهراة، ونيسابور، ويَتَصدَّق بحَضرَتِه بعشرةِ آلافِ دِينارٍ. كَتبَ إليه بَعضُ السُّعاةِ في نِظامِ المُلْكِ وَزيرِهِ، وذَكَرَ مالَه في مَمالِكِه فاستَدعاهُ فقال له: خُذْ إن كان هذا صَحيحًا فهَذِّبْ أَخلاقَك وأَصلِح أَحوالَك، وإن كَذَبَ فاغْفِر له زَلَّتَهُ. وكان شديدَ الحِرصِ على حِفْظِ مالِ الرَّعايا، بَلَغَهُ أنَّ غُلامًا من غِلمانِه أَخذَ إِزارًا لبَعضِ أَصحابِه فصَلَبَهُ فارتَدعَ سائرُ المَماليكِ به خَوفًا من سَطوتِه. في أَوَّلِ سَنةِ 465هـ قَصدَ السُّلطانُ ألب أرسلان، ما وَراءَ النَّهرِ، وصاحبُه شَمسُ المُلْكِ تكين، فعَقدَ على جيحون جِسْرًا وعَبرَ عليه في نَيِّفٍ وعِشرينَ يومًا، وعَسكرُه يَزيدُ على مائتي ألف فارسٍ، فأَتاهُ أَصحابُه بمُسْتَحْفِظِ قَلعَةٍ يُعرفُ بيُوسُف الخوارزمي، في سادس شهرِ رَبيعٍ الأوَّل، وحُمِلَ إلى قُرْبِ سَريرِه مع غُلامَينِ، فقال له يُوسفُ: يا مُخَنَّث! مِثلي يُقتَل هذه القِتلَة؟ فغَضِبَ السُّلطانُ ألب أرسلان، وأَخذَ القَوْسَ والنِّشابَ، وقال للغُلامَينِ: خَلِّيَاهُ! ورَماهُ بِسَهمٍ فأَخطَأهُ، ولم يكُن يُخطِئ سَهمَه، فوَثبَ يُوسفُ يُريدُه، والسُّلطانُ على سُدَّةٍ، فلمَّا رأى يُوسفَ يَقصِدُه قام عن السُّدَّةِ ونَزلَ عنها، فعَثَرَ، فوَقعَ على وَجهِه، فبَرَكَ عليه يُوسفُ وضَربَهُ بسِكِّينٍ كانت معه في خاصِرَتِه، وكان سعدُ الدَّولةِ واقِفًا، فجَرَحَهُ يُوسفُ أيضًا جِراحاتٍ، ونَهضَ ألب أرسلان فدَخَل إلى خَيمةٍ أُخرَى، وضَرَبَ بَعضُ الفَرَّاشِين يُوسفَ بِمِرْزَبَّةٍ على رَأسِه، فقَتَلَه وقَطَّعَهُ الأتراكُ، ولمَّا جُرِحَ السُّلطانُ قال: ما مِن وَجهٍ قَصدتُه، وعَدُوٍّ أَردتُه، إلَّا استَعنتُ بالله عليه، ولمَّا كان أَمسُ صَعدتُ على تَلٍّ، فارتَجَّت الأرضُ تحتي مِن عِظَمِ الجَيشِ وكَثرَةِ العَسكرِ، فقلتُ في نفسي: أنا أَملِكُ الدُّنيا، وما يَقدِر أَحَدٌ عَلَيَّ، فعَجَّزَني الله تعالى بأَضعفِ خَلْقِه، وأنا أَستَغفِرُ الله تعالى، وأَستَقيلُه من ذلك الخاطرِ. فتُوفِّي عاشرَ رَبيعٍ الأوَّلِ من السَّنَةِ، فحُمِلَ إلى مَرو ودُفِنَ عند أَبيهِ. تُوفِّي عن إحدى وأربعين سَنَةً، وكانت مُدَّةُ مُلكِه منذ خُطِبَ له بالسَّلْطَنَةِ إلى أن قُتِلَ تِسعَ سِنينَ وسِتَّةَ أَشهُر وأيامًا، ولمَّا وَصلَ خَبرُ مَوتِه إلى بغداد جَلسَ الوَزيرُ فَخرُ الدَّولةِ بن جهير للعَزاءِ به في صَحنِ السَّلامِ. تَركَ ألب أرسلان من الأولادِ ملكشاه، وإياز، ونكشر, وبوري برس, وأرسلان، وأرغو، وسارة، وعائشة، وبِنتًا أُخرى, وتَولَّى بعده ابنُه ملكشاه.

العام الهجري : 1 العام الميلادي : 622
تفاصيل الحدث:

عنِ ابنِ عُمَرَ قال: كان المسلمون حين قَدِموا المدينةَ يجتَمِعون فيتَحيَّنون الصَّلواتِ، وليس يُنادي بها أحدٌ، فتَكلَّموا يومًا في ذلك فقال بعضُهم: اتَّخِذوا ناقوسًا مِثلَ ناقوسِ النَّصارى، وقال بعضُهم: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهودِ. وقال عبدُ الله بنُ زيدٍ: (لمَّا أَمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالنَّاقوسِ يُعملُ لِيُضرَبَ به للنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلاةِ طاف بي وأنا نائمٌ رجلٌ يَحمِلُ ناقوسًا في يَدِه فقلتُ: يا عبدَ الله أَتبيعَ النَّاقوسَ؟ قال: وما تصنعُ به؟ فقلتُ: نَدعو به إلى الصَّلاةِ قال: أفلا أَدُلُّك على ما هو خيرٌ مِن ذلك؟ فقلتُ له: بلى. قال: فقال: تقولُ: الله أَكبرُ، الله أَكبرُ، الله أَكبرُ، الله أَكبرُ، أَشهدُ أن لا إلَه إلَّا الله، أَشهدُ أن لا إلَه إلَّا الله، أَشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، أَشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصَّلاةِ، حَيَّ على الصَّلاةِ، حَيَّ على الفَلاحِ، حَيَّ على الفَلاحِ، الله أَكبرُ، الله أَكبرُ، لا إلَه إلَّا الله. قال: ثمَّ اسْتأخَر عَنِّي غيرَ بَعيدٍ، ثمَّ قال: وتقولُ إذا أَقمتَ الصَّلاةَ: الله أَكبرُ، الله أَكبرُ، أَشهدُ أن لا إلَه إلَّا الله، أَشهدُ أنَّ محمَّدًا رسولُ الله، حَيَّ على الصَّلاةِ، حَيَّ على الفَلاحِ، قد قامتِ الصَّلاةُ، قد قامتِ الصَّلاةُ، الله أَكبرُ، الله أَكبرُ، لا إلَه إلَّا الله. فلمَّا أَصبحتُ أَتيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأخبرتُه بما رأيتُ، فقال إنَّها لَرُؤْيا حَقٌّ إن شاء الله، فقُمْ مع بلالٍ فَأَلْقِ عليه ما رَأيتَ فَلْيُؤَذِّنْ به؛ فإنَّه أَندى صوتًا منك. فقمتُ مع بلالٍ فجعلتُ أُلْقِيهِ عليه ويُؤذِّنُ به، قال فسمِع ذلك عُمَرُ بنُ الخطَّابِ وهو في بيتِه، فخرج يَجُرُّ رِداءَهُ ويقولُ: والذي بعثَك بالحقِّ يا رسولَ الله، لقد رأيتُ مِثلَ ما رَأى. فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: فللهِ الحمدُ).

العام الهجري : 148 العام الميلادي : 765
تفاصيل الحدث:

خرج حسان بن مجالد بن يحيى بن مالك بن الأجدع الهمداني، وكان خروجُه بنواحي الموصِل بقريةٍ تُسمَّى بَافَخَّارى، قريب من الموصل على دجلة، فخرج إليه عسكرُ الموصِل، وعليها الصقر بن نجدة، فالتقَوا واقتَتلوا وانهزم عسكرُ الموصِل على الجِسر، وأحرق الخوارجُ أصحابُ حسَّان السوقَ هناك ونهبوه. ثم إنَّ حسانَ سار إلى الرقَّةِ ومنها إلى البحر ودخل إلى بلد السِّند، وكانت الخوارجُ مِن أهل عمان يُدخِلونَهم ويَدَعونهم، فاستأذَنَهم في المصير إليهم، فلم يجيبوه، فعاد إلى الموصِل، فخرج إليه الصقرُ أيضًا والحسَنُ بن صالح بن حسان الهمداني وبلال القيسي، فالتقَوا فانهزم الصقرُ وأُسِرَ الحسنُ بن صالح وبلال، فقتَل حسانُ بلالًا واستبقى الحسنَ؛ لأنَّه من همدان، ففارقه بعضُ أصحابه لهذا، وكان حسانُ قد أخذ رأيَ الخوارج عن خالِه حفصَ بنِ أشيم، وكان من علماء الخوارجِ وفُقَهائِهم، ولَمَّا بلغ المنصورَ خروجُ حَسَّان، قال: خارجيٌّ مِن همدان؟ قالوا: إنَّه ابن أخت حفص بن أشيم. فقال: فمن هناك؟ وإنَّما أنكر المنصورُ ذلك؛ لأن عامَّة همدان شيعةٌ لعليٍّ، وعزمَ المنصورُ على إنفاذ الجيوش إلى الموصِل والفَتكِ بأهلها، فأحضرَ أبا حنيفة، وابنَ أبي ليلى، وابنَ شبرمة، وقال لهم: إنَّ أهل الموصل شَرَطوا إليَّ أنَّهم لا يَخرُجون عليَّ، فإن فعلوا حلَّت دماؤهم وأموالهم، وقد خرجوا. فسكتَ أبو حنيفة وتكلَّم الرجُلانِ وقالا: رعِيَّتُك، فإنْ عَفَوتَ فأهلُ ذلك أنت، وإن عاقبتَ فبما يستحقُّون. فقال لأبي حنيفة: أراك سكتَّ يا شيخُ؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، أباحوك ما لا يملِكونَ، أرأيتَ لو أنَّ امرأةً أباحَت فرجَها بغير عقدِ نكاحٍ ومِلكِ يمينٍ، أكان يجوزُ أن تُوطأَ؟! قال: لا! وكفَّ عن أهل الموصل، وأمرَ أبا حنيفةَ وصاحِبَيه بالعودة إلى الكوفةِ.

العام الهجري : 379 العام الميلادي : 989
تفاصيل الحدث:

سار فخرُ الدَّولةِ بنُ ركن الدولةِ مِن الريِّ إلى همذان، عازمًا على قَصدِ العِراقِ والاستيلاء عليها، فلمَّا توفِّيَ شَرَفُ الدولة عَلِمَ أنَّ الفُرصةَ قد أمكَنَت، وكان الصاحِبُ بنُ عَبَّاد قد وضع على فَخرِ الدَّولةِ مَن يُعَظِّمُ عنده مُلكَ العِراقِ، ولم يباشِرْ على ذلك خوفًا من خطر العاقبةِ، إلى أن قال له فخرُ الدولة: ما عندك في هذا الأمرِ؟ فأحال على أنَّ سعادتَه تُسَهِّلُ كُلَّ صَعبٍ، وعَظَّمَ البِلادَ. فتجَهَّزَ فخرُ الدولة وسار إلى همذان، وأتاه بدرُ بنُ حسنويه، وقصَدَه دبيس بن عفيف الأسدي، فاستقَرَّ الأمرُ على أن يسيرَ الصَّاحِبُ بنُ عبَّاد وبدر إلى العراق على الجادَّة، ويسير فخر الدَّولة على خوزستان. فلما سار الصاحِبُ حَذَّرَ فَخرَ الدَّولةِ مِن ناحيته، لكِنَّ فَخرَ الدولة أساء السيرةَ مع جندها، وضَيَّقَ عليهم، ولم يبذُل المال، فخابت ظنونُ النَّاسِ فيه، وكذلك أيضًا عسكَرُه، وقالوا: هكذا يفعَلُ بنا إذا تمكَّنَ مِن إرادته، فتخاذلوا، وكان الصاحِبُ قد أمسَكَ نفَسه تأثرًا بما قيل عنه من اتِّهامِه، فالأمورُ بسُكوتِه غيرُ مُستقيمةٍ. فلمَّا سَمِعَ بهاءُ الدولة بوصولِهم إلى الأهواز سيَّرَ إليهم العساكر، والتَقَوا هم وعساكر فخرِ الدولة، فاتفَقَ أنَّ دجلة الأهواز زادت ذلك الوقتَ زيادةً عظيمةً، وانفتحت البثوق منها، فظَنَّها عسكَرُ فخر الدولة مكيدةً، فانهزموا، فقَلِقَ فَخرُ الدولة من ذلك، وكان قد استبَدَّ برأيه، فعاد حينئذٍ إلى رأي الصَّاحبِ، فأشار ببذل المال، واستصلاحِ الجُند، وقيل له: إنَّ الرأيَ في مثل هذه الأوقات إخراجُ المال وتركُ مضايقة الجُند، فإن أطلَقْتَ المالَ ضَمِنْتُ لك حُصولَ أضعافِه بعد سَنةٍ. فلم يفعَلْ ذلك، وتفَرَّقَ عنه كثيرٌ مِن عَسكَرِ الأهواز، واتسَعَ الخَرقُ عليه، وضاقت الأمورُ به، فعاد إلى الرَّيِّ، وقَبَض في طريقِه على جماعةٍ مِن القُوَّاد الرازيِّينَ، ومَلَك أصحابُ بهاءِ الدَّولةِ الأهوازَ.

العام الهجري : 517 العام الميلادي : 1123
تفاصيل الحدث:

كان دبيس بن صدقة صاحب الحلة المزيدية قد أطلق عفيفًا خادِمَ الخليفة المسترشد بالله، وكان مأسورًا عنده، وحمَّله رسالة فيها تهديد للخليفة بإرسال قسيم الدولة البرسقي صاحب الموصل إلى قتاله، وتقويته بالمال، وأن السلطان كَحَل أخاه، وبالغ في الوعيد، ولبس السواد، وجزَّ شعره، وحلف لينهبَنَّ بغداد، ويخرِّبها، فاغتاظ الخليفة لهذه الرسالة وغضب، وتقدم إلى البرسقي بالتبريز إلى حرب دبيس؛ فبرز في رمضان سنة 516، وتجهز الخليفة، وبرز من بغداد، واستدعى العساكر، وأرسل دبيس إلى نهر ملك فنهب، وعمل أصحابه كلَّ عظيم من الفساد، فوصل أهله إلى بغداد، فأمر الخليفة فنودي ببغداد لا يتخلَّف من الأجناد أحد، ومن أحبَّ الجندية من العامة فليحضُر، فجاء خلق كثير، ففَرَّق فيهم الأموال والسلاح. فلما علم دبيس الحال كتب إلى الخليفة يستعطفه ويسألُه الرضا عنه، فلم يُجِب إلى ذلك، وأُخرِجَت خيام الخليفة في العشرين من ذي الحجة سنة 516، ودخلت هذه السنة، فنزل الخليفة مُستهَلَّ المحرم، بالحديثة، وجعل دبيس أصحابه صفًّا واحدًا: ميمنة، وميسرة، وقلبًا، وجعل الرجَّالة بين أيدي الخيالة بالسلاح، وكان قد وعد أصحابه بنهب بغداد، وسبي النساء، فلما تراءت الفئتان بادر أصحاب دبيس، وبين أيديهم الإماءُ يَضرِبن بالدفوف، والمخانيث بالملاهي، ولم يُرَ في عسكر الخليفة غيرُ قارئ ومُسَبِّح وداع، فقامت الحرب على ساق، فلما اختلط الناس خرج الكمين على عسكر دبيس، فانهزموا جميعهم وألقوا أنفُسَهم في الماء، فغرق كثير منهم، وقُتل كثير، ولما رأى المسترشد بالله اشتداد الحرب جرَّد سيفه وكبر وتقدم إلى الحرب، فلما انهزم عسكر دبيس وحُمِلت الأسرى بين يدي الخليفة أمر أن تُضرَب أعناقهم صبرًا، وعاد الخليفةُ إلى بغداد، فدخلها يوم عاشوراء من هذه السنة. وأما دبيس بن صدقة فإنه لما انهزم نجا بفرسه وسلاحه وأدركته الخيل، ففاتها وعبر الفرات، واختفى خبرُه بعد ذلك، وأُرجِف عليه بالقتل، ثم ظهر أمرُه أنه قَصَد غزية من عرب نجد، فطلب منهم أن يحالِفوه، فامتنعوا عليه فرحل إلى المنتفق، واتفق معهم على قصد البصرة وأخْذِها، فساروا إليها ودخلوها، ونهبوا أهلَها، وقتل الأمير "سخت كمان" مقدَّم عسكرها، وأُجلِيَ أهلها، فأرسل الخليفة إلى البرسقي يعاتبه على إهمالِه أمر دبيس، حتى تمَّ له من أمر البصرة ما أخربها، فتجهز البرسقي للانحدار إليه، فسمع دبيس ذلك ففارق البصرة، وسار على البر إلى قلعة جعبر، والتحق بالفرنج، وحضر معهم حصار حلب، وأطمعهم في أخذِها، وقال لهم: إن أهلها شيعة، وهم يميلون إليَّ لأجل المذهب، فمتى رأوني سلَّموا البلد إليَّ. فلم يظفروا بها، فعادوا عنها، ثم فارقهم والتحق بالملك طغرل بن السلطان محمد، وأقام معه، وحَسَّن له قَصْدَ العراق.

العام الهجري : 520 العام الميلادي : 1126
تفاصيل الحدث:

في هذه السنة عَظُم أمر الإسماعيلية بالشام، وقَوِيت شوكتهم، وملكوا بانياس في ذي القعدة منها، وسببُ ذلك أن بهرام بن أخت الأسداباذي، داعيَ الباطنية بحلب والشام، لَمَّا قُتِل خالُه ببغداد هرب إلى الشام، وصار داعيَ الإسماعيلية فيه، وكان يتردد في البلاد، ويدعو أوباش الناس وطغامَهم إلى مذهبه، فاستجاب له منهم من لا عقلَ له، فكثُر جمعه، إلا أنه يُخفي شخصَه فلا يُعرَف، وأقام بحلب مدة، ونفر إلى إيلغازي صاحبها، وأراد إيلغازي أن يعتَضِدَ به لاتقاء الناس شَرَّه وشر أصحابه؛ لأنهم كانوا يقتلون كل من خالفهم، وقصد من يتمسَّك بهم، وأشار إيلغازي على طغتكين، صاحب دمشق، بأن يجعلَه عنده لهذا السبب، فقبل رأيه، وأخذه إليه، فأظهر حينئذ شخصه -بهرام داعية الباطنية الإسماعيلية- وأعلن دعوته، فكثر أتباعُه من كل من يريد الشرَّ والفساد، ووافقه الوزيرُ طاهر بن سعد المزدقاني، وإن لم يكن على عقيدته؛ قصدًا للاعتضاد به على ما يريد، فعَظُم شَرُّه واستفحل أمره، وصار أتباعه أضعافَ ما كانوا، فلولا أن عامة دمشق يغلب عليهم مذهب أهل السنة، وأنهم يشدِّدون عليه فيما ذهب إليه، لَمَلَك البلدَ، ثم إن بهرام رأى من أهل دمشق فظاظةً وغلظةً عليه، فخاف عاديتَهم، قال الذهبي: "كان طغتكين سيفًا مسلولًا على الفرنج، ولكن له خرمة كان قد استفحل البلاءُ بداعي الإسماعيلية بهرام بالشام، وكان يطوف المدائنَ والقلاع متخفيًا، ويُغوي الأغتام والشطَّار، وينقاد له الجهَّال، إلى أن ظهر بدمشق بتقرير قرَّره صاحب ماردين إيلغازي مع طغتكين، فأخذ يُكرِمُه، ويبالِغُ اتقاء لشَرِّه، فتَبِعه الغوغاء والسفهاء والفلاحون، وكثُروا، ووافقه الوزير طاهر المزدقاني، وبث إليه سره، ثم التمس من الملك طغتكين قلعةً يحتمي بها، فأعطاه بانياس سنة 520، فعَظُم الخطب، وتوجَّع أهلُ الخير، وتستَّروا مِن سَبِّهم، وكانوا قد قتلوا عدةً من الكبار، فتصدى لهم تاج الملوك بوري بن طغتكين، فقتل الوزير كمال الدين طاهر بن سعد المزدقاني، ونصب رأسه، وركب جندَه، فوضعوا السيفَ بدمشق في الملاحدة الإسماعيلية، فكبسوا منهم في الحال نحوًا من ستة آلاف نفس في الطرقات، وكانوا قد تظاهروا، وتفاقم أمرهم، وراح في هذه الكائنة الصالحُ بالطالح. وأما بهرام فتمرَّد وعتا وقَتَل شابًّا من أهل وادي التيم اسمه برق، فقام عشيرته، وتحالفوا على أخذ الثأر، فحاربهم بهرام، فكَبَسوه وذبحوه، وسَلَّمَت الملاحِدةُ بانياس للفرنج، وذَلُّوا. وقيل: إن المزدقاني كان قد كاتب الفرنج ليُسَلِّمَ إليهم دمشق، ويعطوه صور، وأن يهجموا البلد يوم جمعة، ووكل الملاحدةَ تغلق أبواب الجامع على الناس، فقتله لهذا تاج الملوك، وقد التقى الفرنجَ وهزمهم، وكانت وقعةً مشهودة. وفي سنة 520 أقبلت جموع الفرنج لأخذ دمشق، ونزلوا بشقحب، فجمع طغتكين التركمانيين وشطار دمشق، والتقاهم في آخر العام، وحَمِيَ القتال، ثم فرَّ طغتكين وفرسانه عجزًا، فعطفت الرجَّالةُ على خيام العدو، وقَتَلوا في الفرنج، وحازوا الأموالَ والغنائم، فوقعت الهزيمةُ على الفرنج، ونزل النصرُ".

العام الهجري : 1243 العام الميلادي : 1827
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الأوحد الشيخ عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، الثِّقةُ الثَّبتُ, التقي الوَرِعُ المجاهد المحتَسِب, ذو الهمة العالية والشجاعة المتناهية, الذي خَلَف والِدَه شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في مؤازرة الإمامِ عبد العزيز بن محمد بن سعود، وخَلَفه في بثِّ العلم والقيام بدعوة التوحيد ونَشْرها، والدفاع عنها بالقلَمِ واللسان، والحُجَّة والبيان، وهو عالمُ نجد بعد أبيه ومُفتيها، ومَن له الفتاوى السديدة والأجوبة العديدة، والرُّدود العظيمة، ومن ضُرِبَت إليه أكبادُ الإبل مِن سائِرِ بلدان نجد، وتوالت عليه الأسئلةُ من جميع قرى نجد ومدُنِها. ولِدَ في الدرعية سنة 1165هـ ونشأ بها في كَنَف والده، وقرأ القرآنَ حتى حَفِظه ثم شرع في القراءةِ على والده، فتفَقَّه في المذاهب الإسلامية، ومهَرَ في علمي الفروع والأصول، وكان مع هذا عالِمًا بارزًا في علم التفسير والعقائد وأصول الدين، عارفًا بالحديث ومعانيه، وبالفِقهِ وأصوله، وعلم النحو واللغة، وله اليدُ الطولي في جميع العلوم والفنون، كرَّس جُهدَه وأوقف حياته على تحصيلِ العلم وتعليمه ونَشْره تدريسًا وتأليفًا، فأخذ عنه العِلمَ خلقٌ كثيرٌ من فطاحلة عُلماء نجد وجهابِذتِهم، وكان مَرجِعَ القضاة في عهد الإمامِ عبد العزيز بن محمد بن سعود، وابنِه الإمام سعود، وابنِه الإمام عبد الله، وقد ألَّف مؤلفات كثيرة، منها: جواب أهل السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والزيدية، ردَّ به على بعض عُلماء الزيدية الذين اعترضوا على دعوةِ التوحيد السَّلَفية، وألَّف مختَصَر السيرة النبوية في مجلَّدٍ ضخمٍ، والكلمات النافعة في المكفِّرات الواقعة، وألَّف منسكًا صغيرًا للحج، وكتب رسائِلَ وفتاوى كثيرة، وكان له دروسٌ خاصة يحضُرُها الإمام سعود عبد العزيز، وابنه الإمام عبد الله بن سعود، في الدرعية، وقد صَحِبَ الأمير سعودَ بن عبد العزيز في دخوله مكَّةَ سنة 1218، وكتب حالَ دخوله مكة المكرمة مع الأمير سعود رسالةً وإجابةً منه لِمن سأله عمَّا يعتقدونه ويدينون للهِ به، وكان مع هذا شجاعًا مِقدامًا، وقف في باب البجيري المعروف -أثناء حصار إبراهيم باشا للدرعيَّة- وشهَرَ سَيفَه وقاتل قِتالَ الأبطال قائلًا كلمته المشهورة: "بطنُ الأرض على عِزٍّ خيرٌ من ظهرِها على ذُلٍّ" وقاتَلَ حتى رد العساكِرَ وزحزحهم عن مواقِفِهم، وذلك في آخر حرب الباشا على الدرعية، ثم نقله باشا إلى مصرَ بعد ما استولى على الدرعية، وذلك سنة 1242هـ, ونقل معه ابنه عبد الرحمن، وبقي بمصر محدودَ الإقامة حتى توفِّيَ  بمصر، وقد أنجب ثلاثةَ أبناء عُلَماء، هم: الشيخ سليمان، الذي قتله إبراهيم باشا في الدرعية، وعليٌّ قُتِلَ فيما بعد على يد بعض عساكرِ الترك بنجد، وعبد الرحمن نُقِلَ مع أبيه إلى مصر صغيرًا وتعلَّم بها ودرَّس برُواق الحنابلةِ.

العام الهجري : 363 العام الميلادي : 973
تفاصيل الحدث:

كان سَببُها أنَّ عِزَّ الدولة بختيارَ بنَ مُعِزِّ الدولة قلَّت عنه الأموالُ، فتوَجَّه مع جندِه إلى الأهواز، ليتعَرَّضوا لبختكين آزادرويه، وكان متولِّيَها، ويعملوا له حُجَّةً يأخذونُ منه مالًا ومِن غيره، فسار بختيار وعسكَرُه، وتخلَّفَ عنه سبكتكين التركي، فلمَّا وصلوا إلى الأهواز خدم بختكين بختيار وحَمَلَ له أموالًا جليلةَ المقدارِ، وبذل له من نَفسِه الطاعةَ، وبختيار يفكِّرُ في طريقٍ يأخُذُه به. فاتَّفَق أنَّه جرى فتنةٌ بين الأتراك والديلم، عندما نزل بعضُ الديلم دارًا بالأهواز، ونزل قريبًا منه بعضُ الأتراك، وكان هناك لَبِنٌ موضوعٌ، فأراد غلامُ الدَّيلميِّ أن يبنيَ به معلفًا للدوابِّ، فمنعه غلامُ التركي، فتضاربا، وخرجَ كُلُّ واحد من التركي والديلمي إلى نُصرةِ غُلامِه، فضَعُفَ التركي عنه، فرَكِبَ واستنصر بالأتراكِ، فرَكِبوا وركب الديلم، وأخذوا السِّلاحَ، فقُتِلَ بينهم أحدُ قُوَّاد الأتراك، وطلَبَ الأتراكُ بثأر صاحِبِهم، وقتلوا به من الديلم قائدًا أيضًا، وخَرَجوا إلى ظاهرِ البلد، واجتهد بختيار في تسكينِ الفتنة، فلم يُمكِنْه ذلك، فاستشار الديلمَ فيما يفعَلُه، وكان أُذُنًا يَتبَعُ كُلَّ قائلٍ، فأشاروا عليه بالقَبضِ على رؤساء الأتراكِ لتصفوَ له البلادُ، فأحضَروا بختكين وكاتِبَه سَهلَ بن بِشرٍ، وسباشى الخوارزمي بكتيجور، وكان حمًا لسبكتكين, فاعتقَلَهم وقَيَّدَهم، وأطلق الديلمَ في الأتراك، فنَهَبوا أموالَهم ودوابَّهم، وقُتِلَ بينهم قتلى، وهرب الأتراكُ، وأمر فنُودِيَ بالبصرة بإباحةِ دَمِ الأتراك، وكان بختيار قد واطأَ والدتَه وإخوتَه أنَّه إذا كتب إليهم بالقَبضِ على الأتراك يُظهِرونَ أنَّ بختيار قد مات، ويجلِسونَ للعزاء، فإذا حضر سبكتكين عندهم قبَضوا عليه، فلمَّا وَقَفوا على الكتُبِ وقع الصُّراخُ في داره، وأشاعوا موتَه، فعَلِمَ سبكتكين أنَّ ذلك مكيدة عليه، ودعاه الأتراكُ إلى أن يتأمَّرَ عليهم، فركِبَ في الأتراك، وحصَرَ دارَ بختيار يومين، ثم أحرَقَها ودخَلَها، وأخذ أبا إسحاقَ وأبا طاهِرٍ ابنَي مُعِزِّ الدولة ووالدتَهما ومن كان معهما، فسألوه أن يمكِّنَهم من الانحدارِ إلى واسط، ففعل، وانحدروا، وانحدر معهم الخليفةُ المطيع لله، ثم أعاد سبكتكين الخليفةَ ورَدَّه إلى داره، وذلك تاسِعَ ذي القعدة، واستولى على ما كان لبختيار جميعِه ببغداد، ونزل الأتراكُ في دور الديلمِ وتتَبَّعوا أموالَهم وأخذوها، وثارت العامَّةُ من أهل السُّنَّة ينصُرونَ سبكتكين؛ لأنه كان سُنِّيًّا، فخلع عليهم، وجعل لهم العُرَفاء والقُوَّاد، فثاروا على الشِّيعةِ وحاربوهم وسُفِكَت بينهم الدماء، وأُحرِقَت الكرخ حريقًا ثانيًا، وظهَرَت السُّنَّة عليهم.

العام الهجري : 248 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 862
تفاصيل الحدث:

بُويعَ أحمد بن محمد بن المعتَصِم بالخلافة؛ وكان سببَ ذلك أنَّ المنتصِرَ لَمَّا توفِّي اجتمع الموالي على الهارونيَّة من الغد، وفيها بغا الكبيرُ، وبغا الصغير، وأتامش، وغيرهم، فاستحلفوا قوَّاد الأتراك، والمغاربة، والشروسنية على أنْ يرضَوا بمن رضِيَ به بغا الكبير، وبغا الصغير، وأتامش، وذلك بتدبيرِ أحمد بن الخصيب، فحَلَفوا وتشاوروا وكَرِهوا أن يتولَّى الخلافةَ أحد من ولد المتوكِّل؛ لئلَّا يغتالَهم، واجتمعوا على أحمدَ بن محمد بن المعتصم، وقالوا: لا تَخرجُ الخلافةُ مِن ولد مولانا المعتَصِم، فبايعوه وهو ابنُ ثمانٍ وعشرين سنة، ولقَّبوه بالمستعين بالله، وتكنى بأبي العباس، فاستكتب أحمدَ بن الخصيب، واستوزر أتامش.