نتيجةً لاستبداد عبد الكريم قاسم بالسلطة وإقصاء غيرِ الشيوعيين من زملاء الثورة جرت في البلادِ عِدَّةُ محاولات للانقلاب على عبد الكريم قاسم؛ منها محاولة رشيد عالي الكيلاني الذي عاد للبلاد بعد نجاحِ الثورة وإنهاء الحُكم المَلَكي، وأخذ عددٌ من الضباط الناقمين على قاسم بالتردُّد على الكيلاني في بيته، ويتحدثون في السياسة بكل صراحة، فترامى إلى قاسم أنَّ رشيد الكيلاني يُعِدُّ لانقلاب ضده، فدبر عبد الكريم قاسم مكيدةً للكيلاني عن طريق أكبر أعوانه، وهما عبد الرحيم الراوي، ومبدر الكيلاني ابن أخي رشيد، فاتهمهم العسكر أنَّهم قد أسَّسوا جمعيةً سياسية، وأن الكيلاني سيدعمُهم بالسلاح؛ لذلك تم القبضُ على الكيلاني وأعوانه، وحُكِمَ على رشيد الكيلاني بالقتل، لكنه لم ينفَّذ، ولما أُفرِجَ عنه انتقل إلى بيروت، وعاد إلى العراق بعد الانقلاب على قاسم وقتله في رمضان 1382هـ.
تغيَّب عن هذه القِمة (غير العادية) كلٌّ من مصرَ ولِيبيا، وشاركت فيها 19 دولةً عربيةً، اعترَفَت ضِمنيًّا -ولأوَّلِ مرَّةٍ- بحقِّ إسرائيلَ في الوُجود. وصدَر عنه بيانٌ خِتامي تضمَّن مجموعةً مِن القرارات؛ أهمُّها:
- إقرارُ مَشروع السلامِ العربيِّ مع إسرائيلَ، وأهمُّ ما تضمَّنه: انسحابُ إسرائيلَ من جميع الأراضي العربيةِ التي احتلَّتها عام 1967م، وإزالةُ المستعمراتِ الإسرائيليةِ في الأراضي التي احتُلَّت بعد عام 1967م، وقيامُ الدولة الفِلَسطينية المستقِلةِ وعاصِمَتُها القدسُ، وتأكيدُ حقِّ الشعب الفِلَسطيني في تَقريرِ مَصيره، وتعويضُ مَن لا يَرغَبُ بالعودةِ.
- الإدانةُ الشديدةُ للعُدوان الإسرائيلي على الشعبينِ اللُّبناني والفِلَسطيني.
- بخُصوص الحربِ العراقيةِ الإيرانيةِ، دعا المؤتمرُ إلى ضَرورة التزامِ الطرفينِ لِقَرارات مجلسِ الأمن، وأعلَنَ أنَّ أيَّ اعتداء على أيِّ قُطْرٍ عربيٍّ اعتداءٌ على البلاد العربية جميعًا.
- مُساندة الصومالِ في مُواجهة وإخراج القوةِ الأثيويبيةِ مِن أراضيها.
ظهَرت شخصيةُ عيدي أمين كقائدٍ للجيش سنة 1384هـ، وهو ضابطٌ مسلِم تدرَّب في إسرائيلَ، وهو ذو طبيعةٍ استبدادية، تأثَّر بشَخصيَّة عبد الناصر، فقام بانقلابٍ ضدَّ ميلتون أوبوتي، وتسلَّم على إثْره الحكْمَ، وفَرَّ أبوتي إلى تَنزانيا التي رفضَت الاعترافَ بحُكْم عيدي أمين، قام عيدي أمين بعدَّةِ إجراءاتٍ، كان من شأْنِها إثارةُ القوى الصَّليبية والصُّهيونية ضِدَّه؛ فقد قام بطَرْد البَعثة الإسرائيلية مِن أوغندا وسجَن بعضَ أفرادها؛ إذ كانت تَتصرَّف بحُرِّية متناهيةٍ، وقامت إسرائيلُ بعمَلية نوعيةٍ أنقَذَت لها أفرادَ بَعثتها الموقوفينَ في مطار عنتيبي، وقام عيدي أمين بالحدِّ مِن نشاط الإرساليات النَّصرانية، وأعدَم أحد القساوسةِ، واتَّجه لنشْر الدعوة الإسلاميَّةِ، فزاد تَعدادُ المسلمين في أيامه، وأعلَن عيدي أمين انضمامَ أوغندا لمنظَّمة المؤتمر الإسلاميِّ.
لمَّا جاء أصحابُ الجَملِ إلى البَصرَةِ لِتَأليفِ الكَلِمَةِ والتَّوَصُّلِ بذلك إلى إقامةِ الحَدِّ على قَتَلَةِ عُثمانَ وينظروا في جمعِ طَوائفِ المسلمين، وضَمِّ تَشَرُّدِهِم حتَّى لا يَضْطَرِبوا فيَقتَتِلوا، حَرَّضَ مَن كان بها مِن المُتَأَلِّبِين على عُثمانَ النَّاسَ، وقالوا: اخْرُجوا إليهم حتَّى تَروا ما جاءوا إليه. فبعَث عُثمانُ بنُ حَنيفٍ -والي البَصرَةِ مِن قِبَلِ عَلِيِّ بن أبي طالبٍ- حَكيمَ بنَ جَبَلَةَ العَبديَّ -أحدَ قَتَلَةِ عُثمانَ بن عفَّانَ- لِيمنَعَ أصحابَ الجَملِ مِن دُخولِ البَصرَةِ، فلَقِيَهُم في الزَّابوقَةِ –مَوضِع قَريب مِن البَصرَةِ كانت فيه وَقعةُ الجَملِ في دورِها الأوَّلِ- فقام طَلحةُ ثمَّ الزُّبيرُ يَخْطُبانِ في أَنصارِ المُعَسْكَرَيْنِ، فأَيَّدهُما أصحابُ الجَملِ، ورفَضهُما أصحابُ عُثمانَ بن حَنيفٍ، ثمَّ قامت أُمُّ المؤمنين عائشةُ تَخطُب في المُعَسْكَرَيْنِ، فثبَت معها أَصحابُ الجَملِ، وانحازَت إليها فِرقةٌ مِن أَصحابِ عُثمانَ بن حَنيفٍ، وبَقِيَت فِرقةٌ أُخرى مع ابنِ جَبَلَةَ، واخْتَلف الفَريقان وكَثُرَ بينهما اللَّغَطُ، ثمَّ تَراموا بالحِجارَةِ، فقام حَكيمُ بن جَبلةَ بِتَأْجِيجِ الفِتنَةِ والدَّعوةِ إلى القِتالِ، وأخَذ يَسُبُّ أُمَّ المؤمنين عائشةَ، ويَقتُل كُلَّ مَن أَنكَر عليه مِن الرِّجالِ والنِّساءِ، وكان دُعاةُ أصحابِ الجَملِ يَدعون إلى الكَفِّ عن القِتالِ، فلمَّا لم يَسْتَجِبْ حَكيمُ بن جَبلةَ وأنصارُهُ لدَعْوَى الكَفِّ عن القِتالِ كَرَّ عليهم أصحابُ الجَملِ، فقُتِلَ حكيمُ بن جَبلةَ، ثمَّ اصْطَلح أصحابُ الجَملِ مع عُثمانَ بن حَنيفٍ على أن تَكونَ دارُ الإمارَةِ والمسجدُ الجامعُ وبيتُ المالِ في يَدِ ابنِ حَنيفٍ، ويَنزِل أصحابُ الجَملِ في أيِّ مكانٍ يُريدونَهُ مِن البَصرَةِ، وقِيلَ: إنَّ حَكيمَ بن جَبلةَ قُتِلَ بعدَ هذا الصُّلحِ لمَّا أَظهَر المُعارضةَ.
اتَّفَقَ أنَّ عَضُدَ الدولة أبا شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بُويه أخذ بغدادَ مِن ابنِ عَمِّه بختيار بن أحمدَ بنِ بُوَيه، فسار بختيار إلى المَوصِل، واتَّفَق مع أبي تغلِبَ الغضنفر بن ناصر الدولة بن حِمدانَ على قتالِ فناخسرو، فسار إليهم فناخسرو وأوقَعَ بهم، فانهزموا، وأَسَر بختيار وقَتَلَه، وفَرَّ حينئذٍ مِن أولاد بختيار إعزازُ الدولة المرزبان، وأبو كاليجار وعَمَّاه: عُمدةُ الدولة أبو إسحاق، وأبو طاهرٍ مُحمَّد، ابنا مُعِزِّ الدولة أحمدَ بنِ بُوَيه، وساروا إلى دمشق في عسكرٍ، فأكرَمَهم خليفةُ أفتكين، وأنفَقَ فيهم، وحمَلَهم وصَيَّرَهم إلى أفتكين بطبَرِيَّة، فقَوِيَ بهم، وصار في اثني عشر ألفًا، فسار بهم إلى الرملة، ووافى بها طليعةَ العزيز، فحَمَل عليها أفتكين مرارًا، وقتَلَ منها نحوَ مائة رجل، فأقبل عسكرُ العزيز زُهاءَ سبعين ألفًا، فلم يكنْ غيرُ ساعةٍ حتى أحيط بعَسكرِ أفتكين، وأَخَذوا رِجالَه، فصاح الديلمُ الذين كانوا معه: زنهار، زنهار، يريدونَ: الأمان، الأمان. واستأمَنَ إليه أبو إسحاق إبراهيم بن مُعزِّ الدولة، وابنُ أخيه إعزاز الدولة، والمرزبان بن بختيار، وقتل أبو طاهر محمَّدُ بنُ معز الدولة، وأُخِذَ أكثَرُهم أسرى، ولم يكن فيهم كبيرُ قَتلى، وأخذَ أفتكين نحو القدس، فأُخِذَ وجيءَ به إلى حسَّانِ بنِ علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح، فشَدَّ عمامتَه في عُنُقِه، وساقَه إلى العزيز، فشُهِرَ في العسكر، وأُسنِيَت الجائزةُ لابن الجرَّاح، وكانت هذه الوقعة لسبعٍ بقين من المحرم سنة 368. فورد كتابُ العزيز إلى مصر بنُصرتِه على أفتكين، وقَتْل عدة من أصحابه وأسْرِه، فقُرِئَ على أهلِ مِصرَ فاستبشروا وفَرِحوا.
بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةَ غالبِ بنِ عبدِ الله اللَّيثيِّ إلى بني المُلَوَّحِ بِقُدَيْدٍ، وكان بنو المُلَوَّحِ قد قَتلوا أصحابَ بشيرِ بن سُوَيْدٍ، فبُعِثت هذه السَّرِيَّةُ لأَخذِ الثَّأرِ، فشَنُّوا الغارةَ في اللَّيلِ فقَتلوا مَن قَتلوا، وساقوا النَّعَمِ، وطاردَهُم جيشٌ كَبيرٌ مِنَ العَدُوِّ، حتَّى إذا قرب مِنَ المسلمين نزل مَطَرٌ، فجاء سَيلٌ عَظيمٌ حال بين الفَريقين. ونجَح المسلمون في بَقِيَّةِ الانسِحابِ.
هو أبو بكرٍ مُحمَّدُ بنُ الحَسَن بن عبد الله بن مَذْحِج بنِ محمد بن عبد الله بن بشر الزبيدي الإشبيليُّ نَزيلُ قرطبة؛ كان واحِدَ عَصرِه في علم النحو وحِفظِ اللغة، وكان أخبَرَ أهلَ زمانِه بالإعراب والمعاني والنوادر، إلى علمِ السِّيَر والأخبار، ولم يكُنْ بالأندلس في فنه مثلُه في زمانه، وله كتُبٌ تدُلُّ على وفورِ عِلمِه؛ منها "مختصر كتاب العين" وكتاب "طبقات النحويين واللغويين بالمشرق والأندلس" و "لحن العامة" و "الواضح في العربية" و "الأبنية في النحو" ليس لأحد مثله. واختاره الحَكَمُ المنتصِرُ بالله صاحِبُ الأندلس لتأديب ولَدِه ووليِّ عَهدِه هِشام المؤيَّد بالله، فكان هو الذي عَلَّمَه الحسابَ والعربيَّة، ونفعه نفعًا كثيرًا، ونال أبو بكر الزبيديُّ منه دُنيا عريضةً، وتولَّى قضاء إشبيليَّة وخُطَّة الشرطة، وحَصَّل نعمةً ضَخمةً لَبِسَها بنوه من بعده زمانًا. وكان يستعظِمُ أدبَ المؤيَّد بالله أيَّامَ صِباه، ويصِفُ رجاحتَه وحِجاه، ويزعم أنَّه لم يجالِسْ قَطُّ من أبناء العُظَماءِ مِن أهل بيتِه وغيرِهم في مِثلِ سِنِّه أذكى منه ولا أحضَرَ يَقظةً وألطفَ حِسًّا وأرزَنَ حِلمًا. توفي يوم الخميس مُستهَلَّ جُمادى الآخرة بمسقَطِ رأسه إشبيليَّة، ودُفِنَ ذلك اليومَ بعد صلاة الظهر، وصلَّى عليه ابنه أحمد، وعاش ثلاثًا وستين سنة، رَحِمَه الله تعالى.
هو الإمامُ عبد الله بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، ثالث حكَّام الدولة السعودية الثانية، بويع بالرِّياضِ بعد وفاةِ والده سنة 1282هـ وخالفه أخوه سعود، فنشبت بينهما معارِكُ استولى سعودٌ في آخرها سنة 1287هـ على الرياض. وخُلِعَ عبد الله، فلجأ إلى التركِ في الأحساءِ فلم يطمئنُّوا إليه، فابتعد عنهم، وجمع بعضَ القبائِلِ وأعاد الكَرَّة على أخيه سعود. فاقتتلا في وقعةِ الجزعة من أراضي نجد، وفشل عبد الله، فقَصِدَ عتيبة مبتعدًا عن الرياض. ومات سعود سنة 1291 هـ وولِيَ بعدَه أخوهما عبد الرحمن، فزحف إليه عبدُ الله، فنزل له عبد الرحمن عن الإمامةِ. ودخل الرياضَ فكان حُكمُه الثاني من 1291 - 1301 هـ / 1874 - 1884 م، فثار عليه أبناءُ أخيه سعود وهاجموا الرياض، فظَفِروا به وحبسوه فيها. ودبَّت الفوضى، فقَوِيَت شوكة محمد ابن الرَّشِيد صاحِبِ حائل فهاجم الرياض، وفرَّ أبناء سعود إلى الخرج، وأفرج ابنُ رشيد عن عبد الله واصطحبه معه إلى حائل، فأقام عنده إلى سنة 1307هـ، وأذن له ابنُ الرَّشيدِ بالعودة إلى بلَدِه الرياض مع أخيه عبد الرحمن، فلم يستقِرَّ غيرَ يوم واحد ووافته منيَّتُه فيها، فتولى عبد الرحمن بن فيصل الحُكمَ بعده.
صفي الرحمن بن عبد الله بن محمد أكبر المباركفوري الأعظمي، وُلد في 6 يونيو 1943م بقرية من ضواحي مباركفور، وهي معروفة الآنَ بشرية حسين آباد، تعلَّم في صباه القرآنَ الكريمَ، كما حصَلَ على الشهادة المعروفة بشهادة «مولوي» في فبراير سنة 1959م، ثم حصَلَ على شهادة «عالم» في فبراير سنة 1960م من هيئة الاختبارات للعلوم الشرقية في مدينة الله أباد بالهند، ثم حصَلَ على شَهادةِ الفَضيلة في الأدبِ العربيِّ في فبراير سنةَ 1976م، وبعدَ تخرُّجِه من كلية فيض عام اشتغَلَ بالتدريسِ والخَطابةِ، وإلقاء المحاضَراتِ، والدعوة إلى اللهِ في مقاطَعةِ «الله آباد» وناغبور، وقام الشيخ بتأليف كتاب «الرحيق المختوم»، ونال به الجائزةَ الأُولى من رابطة العالمِ الإسلاميِّ، وانتقَلَ إلى الجامعة الإسلاميَّة بالمدينة النبويَّة ليعمَلَ باحثًا في مركزِ خِدمةِ السُّنة والسيرة النبوية عامَ 1409ه، وعمِلَ فيه إلى نهاية شهرِ شَعبانَ 1418هـ، ثم انتقَلَ إلى مكتبة دارِ السلام بالرياضِ، وعمِلَ فيها مُشرفًا على قسم البحث والتحقيق العلميِّ إلى أنْ توفَّاه اللهُ عزَّ وجلَّ، ومن مؤلَّفاته أيضًا: ((سنة المنعم في شرح صحيح مسلم))، و((إتحاف الكرام في شرح بلوغ المرام))، و((بهجة النظر في مصطلح أهل الأثر))، و((المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير))، وغيرها، تُوفيَ الشيخ عقِبَ صلاةِ الجمُعة في موطِنِه مباركفور أعظم كر- بالهند، بعد مرضٍ ألَمَّ به، رحمَه اللهُ تعالى.
أوَّلُ ما غَزا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأَبْواءَ ثمَّ بُواطَ ثمَّ العُشَيْرَةَ. وهي قريةٌ مِن عَمَلِ الفُرْعِ، بينها وبين الجُحْفَةِ مِن جِهَةِ المدينةِ ثلاثةٌ وعِشرون مِيلًا. قِيلَ سُمِّيتْ بذلك لِما كان فيها مِنَ الوَباءِ، وهي غَزوةُ وَدَّانَ بِتَشديدِ الدَّالِ، قال إسحاقُ: خرج النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم غازِيًا بِنَفْسِهِ حتَّى انتَهى إلى وَدَّانَ، وهي الأَبْواءُ. خرج مِنَ المدينةِ على رأسِ اثنيْ عشرَ شهرًا مِن مَقْدَمِهِ المدينةَ يُريدُ قُريشًا، فَوادَعَ بني ضَمْرَةَ بنِ بكرِ بنِ عبدِ مَناةَ، مِن كِنانةَ، وادَعَهُ رَئيسُهم مَجْدِيُّ بنُ عَمرٍو الضَّمْريُّ، ورجع بغيرِ قِتالٍ. وكان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد استعمل على المدينةِ سعدَ بنَ عُبادةَ. وقِيلَ: إنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا وصل إلى الأَبْواءِ بعَث عُبيدةَ بنَ الحارثِ في سِتِّينَ رجلًا فَلَقوا جمعًا مِن قُريشٍ فتَراموا بالنَّبْلِ، فَرَمى سعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ بِسَهمٍ، وكان أوَّلَ مَن رَمى بِسَهمٍ في سَبيلِ الله.
بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةَ أبي حَدْرَدٍ الأسلميِّ إلى الغابةِ، وسببُ ذلك أنَّ رجلًا مِن جُشَمِ بنِ مُعاويةَ أَقبلَ في عددٍ كبيرٍ إلى الغابةِ، يُريدُ أن يَجمعَ قَيسًا على مُحارَبةِ المسلمين، فبعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا حَدْرَدٍ مع رَجلينِ ليأتوا منه بِخَبرٍ وعِلْمٍ، فوصلوا إلى القومِ مع غُروبِ الشَّمسِ، فكَمَنَ أبو حَدْرَدٍ في ناحيةٍ، وصاحِباهُ في ناحيةٍ أُخرى، وأَبطأَ على القومِ رِاعيهِم حتَّى ذهَبتْ فَحْمَةُ العِشاءِ، فقام رَئيسُ القومِ وَحدَهُ، فلمَّا مَرَّ بأبي حَدْرَدٍ رَماهُ بِسَهمٍ في فُؤادِه فسقَط ولم يَتكلَّمْ، فاحْتَزَّ أبو حَدْرَدٍ رَأسَهُ، وشَدَّ في ناحيةِ العَسكرِ وكَبَّرَ، وكَبَّرَ صاحِباهُ وشَدَّا، فما كان مِنَ القومِ إلَّا الفِرارُ، واسْتاقَ المسلمون الثلاثةُ الكَثيرَ مِنَ الإبلِ والغَنَمِ.
هو أبو مُضَر زيادةُ اللهِ الثَّالث بنُ عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن سالم بن عقال بن خفاجة، هو زيادةُ اللهِ الأصغَرُ، وهو الأميرُ الحاديَ عشَرَ والأخير من أمراء الأغالبة بإفريقية، تولَّى الإمارةَ بعد أن قَتَلَ والِدَه وقَرابَتَه؛ ليخلو له الحُكمُ. كان غارِقًا في اللَّهوِ والمجونِ في وقتٍ كانت إمارتُهم تتعَرَّضُ لاجتياحِ الدَّعوةِ العُبَيديَّة على يدِ داعيتهم أبي عبد الله الشيعي، وقد خاض الشيعيُّ مع الأغالبة عِدَّةَ مَعارِكَ انتصروا فيها على جيوشِ الأغالبة. حتى هرب أبو مُضَرَ خَوفًا منهم على نَفسِه إلى المشرِقِ، فقدم دمشق سنة 302 مجتازًا إلى بغدادَ طالبًا عون الخليفة العباسيِّ له ليستردَّ حُكمَه في القيروان، لكنه توفي بالرملة، ودُفِنَ بها.