صاحبُ ألموت الكيا الحسن بن الصباح بن علي بن محمد الحميري الإسماعيلي. رأس الإسماعيلية، كان داهية وأصله من مرو، وُلِد بطوس وتتلمذ على أحمد بن عطاش من أعيان الباطنية، وكان كاتبًا لبعض الرؤساء، ثم صار إلى مصر وتلقى من دعاتهم، وعاد داعية لقومه، فكان الحسنُ مُقدَّمَ الباطنية في أصبهان دعا إلى إمامة المستنصر الفاطمي فطاف البلاد للدعوة الإسماعيلية، وقوي أمرُه حتى استولى على قلعة ألموت في قزوين، ثم ضمَّ إليها قلاعًا أخرى، وكان لا يدعو إلا غبيًّا، ومن لا يَعرِف أمور الدنيا، ويُطعِمُه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبَّط دماغُه، ثم يذكر له ما تمَّ على أهل البيت من الظلم، ثم يقول له: إذا كانت الأزارقةُ والخوارج سمحوا بنفوسِهم في القتال مع بني أمية، فما سببُ تخلُّفِك بنفسك عن إمامك؟ قال الذهبي: "أنفذ ملكشاه إليه يتهدَّدُه ويأمره بالطاعة، ويأمرُه أن يكُفَّ أصحابَه عن قَتلِ العلماء والأمراء، فقال للرسول: الجوابُ ما تراه، ثم قال لجماعة بين يديه: أريد أن أنفِذَكم إلى مولاكم في حاجةٍ، فمن ينهضُ بها؟ فاشرأبَّ كل واحد منهم، وظنَّ الرسولُ أنها حاجةٌ، فأومى إلى شابٍّ، فقال: اقتل نفسَك، فجذب سكينًا، فقال بها في غَلصَمتِه، فخرَّ ميتًا، وقال لآخر: ارمِ نفسَك من القلعةِ، فألقى نفسَه فتقطَّع، ثم قال للرسول: قُلْ له: عندي من هؤلاء عشرون ألفًا، هذا حَدُّ طاعتِهم، فعاد الرسول وأخبر ملكشاه، فعَجِبَ، وأعرضَ عن كلامِهم". وقد غلت الأقطار بجرائِمِ أتباعه الباطنية، فقَتَلوا غيلةً عِدَّةً من العلماء والأمراء، وأخذوا القلاع، وحاربوا، وقطعوا الطرق، وظهروا أيضًا بالشام، والتفَّ عليهم كل شيطان ومارق، وكلُّ ماكر ومتحَيِّل. قال الغزالي في (سر العالمين): "شاهدت قصةَ الحسن بن الصباح لما تزهَّدَ تحت حصن ألموت، فكان أهلُ الحصن يتمنَّون صعوده، ويتمنَّع ويقول: أما ترون المنكرَ كيف فشا، وفسد الناسُ، فصبا إليه خلقٌ، وذهب أميرُ الحصن يتصيَّد، فوثب على الحصن فتملَّكه، وبعث إلى الأمير من قتَلَه، وكثُرَت قلاعُهم، واشتغل عنهم أولاد ملكشاه باختلافِهم". هلك الحسن بن الصباح في قلعة ألموت وقام بعده بالأمر كيابرزك أميد الروذباري.
أَسَر تاج الملوك بوري بن طغتكين، صاحب دمشق، الأميرَ دبيس بن صدقة، صاحب الحلة، وسلَّمه إلى أتابك زنكي بن آقسنقر، وسببُ ذلك أن دبيس لما فارق البصرة جاءه قاصد من الشام من صرخد يستدعيه إليها؛ لأن صاحبها كان خصيًّا، فتوفي هذه السنة، وخَلَّف جارية سُرِّية له، فاستولت على القلعة وما فيها، وعَلِمَت أنَّها لا يتم لها ذلك إلا بأن تتصل برجل له قوة ونجدة، فوُصِف لها دبيس بن صدقة وكثرة عشيرته، وذُكِرَ لها حاله، وما هو عليه بالعراق، فأرسلت تدعوه إلى صرخد لتتزوج به، وتُسلِّمَ القلعة وما فيها من مال وغيره إليه. فأخذ الأدلَّاءَ معه، وسار من أرض العراق إلى الشام، فضَلَّ به الأدلاء بنواحي دمشق، فنزل بناسٍ من كلب كانوا شرقي الغوطة، فأخذوه وحملوه إلى تاج الملوك، صاحب دمشق، فحبسه عنده، وسمع أتابك عماد الدين زنكي الخبر، وكان دبيس يقع فيه وينال منه، فأرسل إلى تاج الملوك يطلب منه دبيسًا ليسلِّمَه إليه، ويُطلِقَ وَلَده، ومن معه من الأمراء المأسورين، وإن امتنع من تسليمه سار إلى دمشق وحصرها وخرَّبها ونهب بلدها، فأجاب تاج الملوك إلى ذلك، وأرسل عماد الدين زنكي سونجَ بن تاج الملوك، والأمراء الذين معه، وأرسل تاج الملوك دبيسًا، فأيقن دبيس بالهلاك، ففعل زنكي معه خلافَ ما ظن، وأحسن إليه، وحمل له الأقواتَ والسلاح والدواب وسائر أمتعة الخزائن، وقدَّمه حتى على نفسه، وفعل معه ما يفعل أكابر الملوك، ولما سمع المسترشد بالله بقبضه بدمشق أرسل سديد الدولة بن الأنباري، وأبا بكر بن بشر الجزري، من جزيرة ابن عمر، إلى تاج الملوك يطلب منه أن يسلم دبيسًا إليه؛ لِما كان متحققًا به من عداوة الخليفة، فسمع سديد الدولة ابن الأنباري بتسليمه إلى عماد الدين، وهو في الطريق، فسار إلى دمشق ولم يرجِع، وذم أتابك زنكي بدمشق، واستخَفَّ به، وبلغ الخبر عماد الدين، فأرسل إلى طريقه من يأخذه إذا عاد، فلما رجع من دمشق قبضوا عليه، وعلى ابن بشر، وحملوهما إليه، فأما ابن بشر فأهانه وجرى في حقه مكروه، وأما ابن الأنباري فسجنه، ثم إن المسترشد بالله شفع فيه فأُطلق، ولم يزل دبيس مع زنكي حتى انحدر معه إلى العراق.
هو السلطانُ المَلِكُ المعَظَّم: مظفر الدين أبو سعيد كوكبري بن علي بن بكتكين بن محمد التركماني، صاحب إربل، وابنُ صاحبها, وقد مصرَها الملك زين الدين علي كوجك. ثمَّ وهبها لأولاد مظفر الدين صاحب الموصل، وكان يوصَفُ بقوةٍ مُفرِطة، وطال عمره، وله أوقافٌ وبر ومدرسة بالموصل. ولد مظفر الدين في المحرم، 549، بإربل. تولى مظفَّرُ الدين إربل بعد وفاةِ أبيه وأقام بها مدَّةً وانتقل إلى الموصِلِ، ثمَّ دخل الشام واتصل بالملك الناصرِ صلاحِ الدين فأكرمه كثيرًا، وكانت له آثارٌ حسنة، وقد عمر الجامِعَ المظفري بسفحِ قاسيون، وكان قد هَمَّ بسياقة الماء إليه من ماء بذيرة، فمنعه المعظم من ذلك، واعتَلَّ بأنه قد يمُرُّ على مقابر المسلمين بالسفوح، وكان يهتَمُّ بعمل المولد الشريف اهتمامًا زائدًا حتى إنه كان يرقُصُ بنفسِه ويمارس هذه البدعةَ بنَفسِه، وقد صنَّف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدًا في المولد النبوي سماه " التنوير في مولد البشير النذير "، فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية، وقد كان محاصِرًا عكا، وإلى هذه السنة محمود السيرة والسريرة، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة، وكانت صدقاته في جميع القرب والطاعات على الحرمينِ وغيرهما. بنى أربع خوانك للزمنى- ذوو الأمراض المزمنة- والأضراء، وكان يأتيهم كل اثنين وخميس، ويسألُ كل واحد عن حاله، ويتفقده، ويباسطه ويمزح معه, وبنى دارًا للنساء، ودارًا للأيتام، ودارًا للُّقَطاء، ورتَّب بها المراضع, وكان يدورُ على مرضى البيمارستان, وله دار مضيف ينزلها كل وارد، ويعطى كل ما ينبغي له, وبنى مدرسة للشافعية والحنفية، وكان يمدُّ بها السماط، ويحضر السماعَ كثيرًا، لم يكن له لذَّةٌ في شيء غيره. وكان يمنع من دخول منكَر بلدَه، وبنى للصوفية رباطين، وكان ينزل إليهم لأجل السَّماعات, ويفتَكُّ من الفرنجِ في كلِّ سنةٍ خَلقًا من الأُسارى، حتى قيل: إن جملة من استفَكَّه من أيديهم ستون ألف أسير، مات ليلة الجمعة، رابع عشر رمضان, وكانت وفاته بقلعة إربل، وأوصى أن يُحمَل إلى مكة فلم يتَّفِقْ، فدفن بمشهد علي, وقد عاش اثنتين وثمانين سنة.
هو محمَّد بنُ الأمين بنِ عبد الله بن أحمدَ الحَسَني الإدريسيِّ العَمْراني، كُنْيتُه (بُوخُبْزة)، وُلِد بتِطْوانَ في المغربِ عام1351هـ / 1932م، وكانت تحْت الاحتلالِ الأسبانيِّ.
أتمَّ حِفظَ القرآنِ، ثم أتمَّ حِفظَ بعضِ المتون العِلمية، كالآجُروميةِ، والمرشِد المُعِين على الضَّروري من عُلوم الدِّين، ومُختصَر خَليلٍ في الفِقه المالكي، ثم الْتحَقَ بالمعهد الدِّيني بالجامع الكبيرِ، ومكَث فيه نحْوَ عامينِ تلقَّى خلالَها دُروسًا نِظاميةً مختلِفةً، وأخَذ عن والدِه رحمه الله النَّحْوَ بالآجُرومية وجُزءٍ من الألْفية، وتلقَّى العِلم على عددٍ من عُلماءِ ومَشايخِ المغربِ، مِن أشهَرِهم محمَّد تقي الدِّين الهلالي الحُسَيني، وحضَر دُروسًا في الحديث والسِّيرة على الفقيهِ الحاج أحمد بن محمَّد الرُّهوني.
وكان رحِمه الله مِن عُلماء أهلِ السُّنة في المغرب، ومِن العلماء المشهودِ لهم بالموسوعيَّةِ العِلمية والإحاطة بمُحتويات الكُتب مَخطوطِها ومَطبوعِها.
عَمِل كاتبًا مع القاضي أحمد بن تاوَيْت في وزارة العدْل، وأصدَر عددًا مِن المجلَّات والصُّحف، منها: مجلَّة الحديقة، ومجلة أفكارِ الشَّباب، وصَحيفة البُرهان، وكتَب في مجلة "لِسان الدِّين" التي كان يُصدِرها تقيُّ الدين الهلاليُّ، والذي خلَفه على رئاسة تَحريرِها بعْد سَفرِه عبد الله كنّون، ومجلة "النصر"، و"النِّبراس"، وصحيفة "النور"، وغيرها.
اهتمَّ بالمحدِّث أحمد بن الصِّدِّيق الغُماري، وأُعجِب بسَعةِ اطِّلاعه ورُسوخ قدَمِه في عُلوم الحديث، فكاتَبه وجالَسه وأجازه إجازةً عامةً. كما أجازه مُشافهةً كثيرٌ مِن العلماء، مِن أشهَرِهم الشَّيخ عبد الحيِّ الكَتانيُّ، والشَّيخ عبد الحفيظِ الفاسيُّ الفهْري، والشيخ الطاهرُ بن عاشورٍ.
الْتَقى بالشيخ الألبانيِّ أكثرَ مِن ثَلاثِ مراتٍ: مرةً في المدينةِ المنوَّرة، ومرَّتَين في المغربِ، وتأثَّر بدَعوتِه السَّلفية، وكان سَببًا في اتباعِه المنهجَ السَّلَفيَّ.
له مؤلَّفاتٌ كثيرة؛ منها: (الشَّذرات الذهبية في السِّيرة النَّبوية)، و(فتْح العَلِي القديرِ في التفسير)، و(نظَرات في تاريخ المذاهب الإسلامي)، و(مَلامح من تاريخ عِلم الحديث بالمغرِب)، و(الأدلَّة المحرَّرة على تحْريم الصلاة في المقبرة).
وحقَّق عددًا من الكُتب؛ منها: تَحقيق جزءٍ من كتاب التمهيدِ لابن عبد البَرِّ، تحقيق أجزاءٍ مِن الذَّخيرة للقِرافي، تَحقيق سِراج المهتَدِين لابن العرَبيِّ.
في شهر شوال قدم الخبر بأن السلطان العثماني مراد الثاني بن محمد بن بايزيد الأول، صاحب بورصا من بلاد الروم، جمع قواتِه بقيادة علي بك أحد أمرائه لمحاربة الأنكرس -من طوائف الروم المتنصرة- فهُزم فيها علي بك، واستُشهِدَ جمع وافر من عسكرِه.
أخذت الدرعية بثأرِها من دهام بن دواس بعد وقعةِ العمارية حينما قام الأميرُ محمد بن سعود بحملةٍ على دهام وجَرَت موقعةٌ في مكان يقال له الوشام، انهزمت فيها قوات الرياض، ودُعِيت بوقعة "الشياب" لأنه قتل فيها شايبان (أي شيخان مُسِنَّان) من آل شمس من أهل الرياض.
بدأت العملياتُ العسكريةُ لدَولةِ الدرعية ضِدَّ الأحساء على يدِ الأمير سعود بن عبد العزيز، وذلك ردًّا على العداءِ السَّافِرِ من بني خالد لدولةِ الدرعية، فسار الأميرُ سعود بقواتِه حتى وصل قرية العيون في الأحساءِ، فغَنِمَ جَيشُه غنائمَ كثيرةً، ثم قفل راجعًا إلى بلادِه.
هي زينبُ بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وأَكبرُ أَخواتِها، تَزوَّجَها في حياةِ أمِّها ابنُ خالتِها أبو العاصِ بنُ الرَّبيعِ، فوَلدتْ له أُمامَةَ التي تَزوَّجَ بها عليُّ بنُ أبي طالبٍ بعدَ فاطمةَ، ووَلدتْ له عليَّ بنَ أبي العاصِ، أَسلمتْ زَينبُ وهاجرتْ قبلَ إسلامِ زَوجِها بسِتِّ سنين، قالت أمُّ عَطيَّةَ: لمَّا ماتتْ زَينبُ بنتُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قال لنا رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «اغْسِلْنَها وِترًا ثلاثًا، أو خمسًا، واجْعَلْنَ في الخامسةِ كافورًا، أو شيئًا مِن كافورٍ، فإذا غَسَّلْتُنَّها، فأَعْلِمْنَني». قالت: فأَعلَمْناهُ، فأعطانا حِقْوَهُ وقال «أَشْعِرْنَها إيَّاهُ».
هي أكبرُ الجُزُرِ اليُونانيَّة، وخامسُ أكبرِ جَزيرة في البحرِ الأبيضِ المتوسِّط، وصَل المسلمون إلى كَرِيت في وقتٍ مُبَكِّر، إذ ضرَبوا الحِصارَ عليها ولم يَنتصِف القَرنُ الأوَّلُ الهجريُّ بعدُ؛ ولكنَّهم لم يَتمكَّنوا مِن فَتحِها، إذ أن قُوَّتَهم البَحريَّة لم تكُن قد تكامَلَت بعدُ. رَوَى البَلاذُرِيُّ: غَزا جُنادةُ بن أبي أُمَيَّة أَقْرِيطِش، فلمَّا كان زمن الوَليدِ بن عبدِ الملك فتَح بعضَها ثمَّ أغلق، وغَزاها حُمَيدُ بن مَعْيوفٍ الهَمْدانيُّ في خِلافَة الرَّشيدِ ففتَح بعضَها، وكان المسلمون قد شُغِلوا بالقِتالِ في جَبَهاتٍ أُخرى، مما أعان على بَقاءِ حُكْمِ الرُّومِ في كَرِيت؛ ولكنَّه لم يكُن وَطِيدَ الدَّعائِم للاخْتِلاف في مَذاهِب الدِّين بين الحاكِمين والمَحْكومين.
وكان سَبَب ضَرْبها أنَّ عبدَ الملك بن مَرْوان كتَب في صُدورِ الكُتُبِ إلى الرُّوم: "قل هو الله أحد" وذَكَر النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، مع التَّاريخ، فكَتَب إليه مَلِكُ الرُّوم: إنَّكم قد أَحْدَثْتُم كذا وكذا، فاتركوه وإلَّا أتاكُم في دَنانيرنا مِن ذِكْرِنا نَبِيَّكم ما تَكرهُون. فعَظُم ذلك عليه. فأحضر خالدَ بن يَزيدَ بن مُعاوِيَة فاسْتَشارهُ فيه، فقال: حَرِّمْ دَنانيرَهُم واضْرِب للنَّاس سِكَّةً فيها ذِكْر الله تعالى. فضَرَب الدَّنانيرَ والدَّراهِمَ. ثمَّ إنَّ الحَجَّاج ضَرَب الدَّراهِم ونَقَش فيها: "قل هو الله أحد" فكَرِهَ النَّاسُ ذلك لِمَكان القُرآن؛ لأنَّ الجُنُبَ والحائضَ يَمَسُّها، ونَهى أن يَضرِب أحدٌ غيرُه.
هو القاسِمُ بن محمَّد بن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق، أَحَدُ الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، مِن سادات التَّابِعين, كان ثِقَةً عالِمًا، مات أَبوهُ وعُمُرُه سَبعُ سَنوات, تَرَبَّى في حِجْرِ عَمَّتِه عائِشَة رَضِيَ الله عنها فتَفَقَّهَ عليها، فكان فَقيهًا إمامًا وَرِعًا كَثيرَ الحَديثِ، قال أبو الزِّناد: ما رَأيتُ أَحَدًا أَعلمَ بالسُّنَّةِ مِن القاسِم بن محمَّد، وما كان الرَّجُل يُعَدُّ رَجُلًا حتَّى يَعرِفَ السُّنَّة، وما رَأيتُ أَحَدًا أَحَدَّ ذِهْنًا مِن القاسِم. قِيلَ: إنَّه مات بقُدَيْد، فقال: كَفِّنُونِي في ثِيابِي التي كُنتُ أُصَلِّي فيها، قَميصي ورِدائي، هكذا كُفِّنَ أبو بَكرٍ. وأَوْصَى أن لا يُبْنَى على قَبرِه.
هو الإمامُ حَبرُ القرآنِ: نافع بن عبدالرحمن بن أبي نعيم، أحدُ القُرَّاء السبعة، أصلُه من أصبهان، ولد بالمدينة سنة 70 وقيل 71هـ في خلافة عبدالملك بن مروان, وكان أسودَ اللونِ حالكًا صبيحَ الوجهِ حسَنَ الخُلُق، فيه دُعابة، أخذ القراءةَ عَرضًا عن جماعةٍ مِن تابعي أهلِ المدينة، أقرأَ النَّاسَ دهرًا طويلًا؛ نيفًا عن سبعين سنة، وانتهت إليه رياسةُ القراءة بالمدينة، قيل: إنه كان يُشَمُّ منه رائحةُ المِسكِ حين يقرأُ القرآن، وكان زاهدًا جوادًا، صلى في مسجد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم ستينَ سنةً، وكان الإمامُ أحمَدُ يُقَدِّمُ قراءتَه على قراءةِ عاصم، توفِّيَ في المدينةِ.
بعد أن وثب أهلُ حِمصٍ العامَ الماضي على أبي المُغيثِ موسى بن إبراهيم الرافعي، ثم أبدلهم المتوكل بمحمد بن عبدويه الأنباري ورضوا به، لم يَسِرْ بهم العامِلُ الجديدُ سِيرةً حَسنةً، بل فعل فيهم الأعاجيبَ، فوثب أهلُ حمص بعامِلِهم الجديد محمد بن عبدويه، وأعانَهم عليه قومٌ مِن نصارى حمص، فكتب إلى المتوكِّلِ، فكتب إليه يأمُرُه بمناهَضتِهم، وأمَدَّه بجندٍ مِن دمشق والرملة، فظفر بهم، فضرب منهم رجُلَينِ مِن رؤسائهم حتى ماتا وصَلَبَهما على باب حمص، وسَيَّرَ ثمانية رجال وأمَرَ المتوكلُ بإخراج النَّصارى منها، وهَدْمِ كنائِسِهم، وبإدخالِ البيعةِ التي إلى جانِبِ الجامع إلى الجامِعِ، ففعل ذلك.
سار أبو عليِّ بن محتاج في عساكرِ خُراسان إلى الريِّ لاستنقاذِها من يدِ ركنِ الدَّولة بنِ بُوَيه، فسار في جمعٍ كثير فخرج إليه ركنُ الدولة محاربًا، فالتَقَوا على ثلاثة فراسخ من الريِّ، وكان مع أبي علي جماعةٌ كثيرة من الأكراد، فغدروا به، واستأمنوا إلى ركنِ الدولة، فانهزم أبو عليٍّ، وعاد نحو نيسابور وغَنِموا بعضَ أثقاله، ورجع ركنُ الدولة إلى الريِّ واستولى عليها وعلى سائرِ أعمالِ الجبَلِ، وأزال عنها الخراسانيَّة، وعَظُمَ مُلكُ بني بُوَيه، فصار بأيديهم أعمالُ الرَّيِّ، والجبل، وفارس، والأهواز، والعراق، ويُحمَل إليهم ضمانُ المَوصِل، وديار بكر، وديار مضر من الجزيرة.
وقعَ الفِداءُ بين سيفِ الدَّولةِ وبين الرومِ، فاستنقذ منهم أُسارى كثيرةً، منهم ابنُ عَمِّه أبو فِراس بن سعيد بن حمدان، وأبو الهيثم بن حصن القاضي، وذلك في رجب منها، ولَمَّا لم يبقَ مع سيف الدَّولةِ مِن أسرى الرومِ أحَدٌ اشترى الباقينَ مِن أسارى المسلمينَ كُلَّ نَفسٍ باثنينِ وسبعينَ دينارًا، حتى نفِدَ ما معه من المال, فاشترى الباقينَ ورهن عليهم بدَنَتَه الجوهرَ المعدومةَ المِثْل، فقد أنفق في سنةٍ وثلاثة أشهر نيفًا وعشرين ألف ألف درهم ومائتين وستين ألف دينار, فخلَّصَ مِن الأسر ما بين أميرٍ إلى راجلٍ ثلاثة آلاف ومئتان وسبعون نفسًا.