هي لالا فاطمة نسومر، وتسمى أيضًا لالة فاطمة، واسمُها الحقيقي هو (فاطمة سيد أحمد محمد بن عيسى)، و"لالة أو لالا" هي لفظةُ توقير أمازيغية تعني "السيدة" وهي من أبرز وجوه المقاومة الشعبية الجزائرية في بدايات الغزو الفرنسي للجزائر. وُلِدَت لالا فاطمة نسومر بقريةِ ورجة قرب عين الحمام سنة 1246هـ /1830م في أسرةٍ تنتمي إلى الطريقة الرحمانية، وأبوها محمد بن عيسى مقدَّم زاوية الشيخ سيدي أحمد أومزيان شيخ الطريقة الرحمانية. وأمُّها لالا خديجة. نشأت لالا فاطمة نشأةً دينية وبعد وفاةِ أبيها وجدت نفسَها وحيدةً منعزلة عن الناس فتركت مسقَطَ رأسها وتوجَّهت إلى قرية سومر؛ حيث يقطنُ أخوها الأكبر سي الطاهر، وإلى هذه القريةِ نُسِبَت. قاومت الاستعمارَ الفرنسي مقاومةً عنيفة أبدت خلالَها شجاعةً وبطولة متفردتين، حتى تمكَّن الفرنسيونَ مِن إلقاء القبض عليها في وادي يسر، فحُكِمَ عليها بالإقامة الجبرية بـ(تورثاثين) بمنطقة العيساوية التي تبعد15 كم عن مدينة تابلاط التي تحتَضِنُ الزاوية العيساوية التي كان يديرها "الباي محي الدين" كسجن، فاختارت لالا فاطمة لنفسِها هذه الزاوية للتعبُّدِ والدراسة، حتى مرضت وانتقلت إلى جوار ربِّها دون أن يتجاوزَ عُمرُها 33 سنة, ويقال إنها ماتت مسمومة في فرنسا، ثم دُفِنَت في مقبرة سيدي عبد الله قبل أن يتمَّ نَقلُ رُفاتها إلى مربع الشهداء بمقبرة العالية سنة 1995م.
وُلِد محمَّدُ بنُ سُرورٍ الصَّبَّانُ عامَ 1316هـ الموافِق 1898م في مدينةِ القُنْفُذةِ بالمَمْلَكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ أيَّامَ حُكمِ الأشرافِ، ثمَّ انتَقَل والِدُه بأُسْرَتِه إلى جُدَّةَ عامَ 1320هـ، ثمَّ اتَّجَهوا إلى مَكَّةَ المُكَرَّمةِ واستقَرُّوا بها. وكان زَعيمَ الحرَكةِ الأدَبيَّةِ في الجَزيرةِ العَرَبيَّةِ، ورائِدَ الأُدَباءِ والمثَقَّفينَ في مكَّةَ المُكَرَّمةِ، أَسَّس أوَّلَ مَكتبةٍ لبَيعِ الكُتُبِ في مكَّةَ المُكَرَّمةِ وسَمَّاها (المَكْتَبة الحِجازيَّة)
عيَّنه المَلِكُ عَبدُ العزيزِ آلُ سُعودٍ رئيسًا لكُتَّابِ بَلَديَّةِ مَكَّةَ المكَرَّمةِ عامَ 1343هـ، ثمَّ سِكِرْتِيرًا للمَجلِسِ الأهليِّ، وترَقَّى في الوَظائِفِ الحُكوميَّةِ حتَّى عُيِّنَ وَزيرًا للماليَّةِ في عَهدِ المَلِكِ سُعودٍ، وفي عامِ 1382هـ عيَّنه المَلِكُ فَيصَلٌ أمينًا عامًّا لرابِطةِ العالَمِ الإسلاميِّ بمكَّةَ المُكَرَّمةِ.
أنشَأَ عَددًا مِنَ الشَّرَكاتِ؛ منها: الشَّرِكةُ العَرَبيَّةُ للطَّبعِ والنَّشْرِ، وشَرِكةُ الفَلاحِ للسَّيَّاراتِ، والشَّرِكةُ العَرَبيَّةُ للصَّادِراتِ، والشَّرِكةُ العَرَبيَّةُ للتَّوفيرِ والاقتِصادِ، وشَرِكةُ مُصحَفِ مَكَّةَ.
قام بطباعةِ عَدَدٍ مِنَ الكُتُبِ على نَفَقتِه الخاصَّةِ؛ منها: (الطُّرُقُ الحُكميَّةُ) و (مدارِجُ السَّالِكينَ) كلاهما لابنِ قَيِّمِ الجَوزيَّةِ، (العِقدُ الثَّمين في تاريخِ البَلَدِ الأَمين) و (شِفاءُ الغَرام بأخبارِ البَلَدِ الحرام) كِلاهما للفاسيِّ، (مُختارُ الصِّحاحِ لأبي بكرٍ الرَّازي)، (تفسيرُ معاني كَلِماتِ القُرآنِ لمحمَّد حَسَنين مخلوف)، وغَيرُها مِنَ الكُتُبِ.
تُوُفِّيَ رَحِمه اللهُ في القاهِرةِ، ونُقِل جُثمانُه إلى مكَّةَ المُكَرَّمةِ، وصُلِّيَ عليه بالمَسجِدِ الحرامِ، ودُفِنَ في مَقبَرةِ المُعَلَّاةِ.
ترأَّس محمد داود أفغانستان بانقلابٍ في 1393 هـ/ 1973م ضدَّ الشاه محمد ظاهر (وهو ابنُ عمِّ الشاه) وكانت ميولُ محمد داود للروس الذين أرادوا منه أن يخنقَ الدعوات الإسلامية في البلاد، ومن ثَم تستطيع الشيوعيةُ أن تنتشرَ فيها، وهذا ما حصل فعلًا في البدايةِ، ولكن لما رأى أن كفَّةَ الشيوعيِّين بدأت ترجحُ وأحسَّ من نفسه بالتبعية لها أرادَ أن يرجعَ عمَّا هو عليه، فبدأ بالتودُّد للدول الإسلامية، كالسعوديةِ وباكستانَ وليبيا، وألقى أيضًا القبضَ على كثير من الزعماءِ الشيوعيين، ومنهم محمد تراقي، وحفيظ الله أمين، وبابرك كارمل، ولكن هذا لم يُعجبِ الشيوعيِّين، وقبل أن يتابع ضرباتِه حدثَ الانقلابُ في 22 جمادى الأولى 1398هـ / 29 نيسان بقيادة "محمد غلاب زي" أحد قادةِ جناح خلق (حزب شيوعي) والعميدِ الشيوعيِّ عبد القادر، ضد الرئيس محمد داود وأُلقيَ القبض عليه وسلَّموا السلطة إلى زعيم حزب خلق: نور محمد تراقي، واحتفظ لنفسه برئاسة الحكومة، وجعل بابرك كارمل نائبه، وفي اليوم الأول من الانقلاب قُتِل أكثر من 15 ألفَ نفس، وقُتِل الرئيس محمد داود وأبناؤه وباقي أفراد أسرته، هذا بالإضافة لقتلِه المئات من القادة الإسلاميِّين وعشرات الألوف من العامة غير الذين أودعهم غياهبَ السجون مع التفنُّن بألون العذابِ المرير، وعُرِفت هذه الحركة بثورة ساور، أي: ثَوْرة نيسان.
في الوقتِ الذي نجح فيه ابنُ رشيد في بسطِ نفوذِه ليشمَلَ بلادَ الوشم وسدير كان محمدُ بن سعود ينازِعُ عَمَّه الإمامَ عبد الله على الحُكمِ، بحُجَّةِ أنَّه الوريثُ الشرعيُّ لوالِدِه، فدارت بينهما عدةُ معارك انتهت في هذه السنة بتغَلُّبِ أبناء سعود على عَمِّهم عبد الله، ودخلوا الرياض واعتقلوا عمَّهم عبد الله وسَجَنوه.
كان الرَّشيدُ قد عقد الخلافةَ لابنه الأمينِ ثمَّ للمأمونِ لِمَكانةِ زبيدة والدةِ الأمينِ، وإلَّا فالمأمونُ أكبَرُ منه، فبويع الأمينُ بالخلافة في عسكرِ الرشيد، صبيحةَ الليلة التي توفِّيَ فيها، وكان المأمونُ حينئذ بمرو، فكتب حمويه مولى المهديِّ، صاحبُ البريدِ، إلى نائبِه ببغداد- وهو سلام بن مسلم- يُعلِمُه بوفاةِ الرشيد، فدخل أبو مسلمٍ على الأمينِ فعَزَّاه وهنَّأه بالخلافة، فانتقل مِن قصرِه بالخُلد إلى قصرِ الخلافةِ، وبايعه الناسُ.
ثار أبو عصامٍ ومَن وافقه على إبراهيمَ بن الأغلب، أميرِ إفريقيَّة، فحاربهم إبراهيمُ، فظَفِرَ بهم. واستعمل ابنُ الأغلب ابنَه عبدالله على طرابلس الغرب، فلما قدِمَ إليها ثار عليه الجُندُ، فحصروه في داره، ثم اصطَلَحوا على أن يخرُجَ عنهم، فخرج عنهم، فلم يُبعِد عن البلد حتى اجتمع إليه كثيرٌ من الناس، ووضَعَ العطاء، فأتاه البربرُ من كل ناحية، فاجتمع له عددٌ كثير، فزحف بهم إلى طرابلس، فخرج إليه الجُند، فاقتتلوا فانهزمَ جُند طرابلس، ودخل عبد الله المدينةَ، وأمَّنَ الناسَ وأقام بها؛ ثمَّ عزله أبوه، واستعمل بعده سُفيانَ بن المضاء، فثارت هوارة بطرابلُس، فخرج الجندُ إليهم، والتَقَوا واقتتلوا، فهُزِمَ الجند إلى المدينة، فتَبِعَهم هوارة، فخرج الجندُ هاربين إلى الأميرِ إبراهيم ابن الأغلب، ودخلوا المدينةَ فهَدَموا أسوارها. وبلغ ذلك إبراهيمَ ابن الأغلب، فسيَّرَ إليها ابنَه أبا العباس عبد الله في ثلاثة عشر ألف فارس، فاقتتل هو والبربر، فانهزم البربرُ، وقُتِل كثيرٌ منهم، ودخل طرابلس وبنى سورها. وبلغ خبَرُ هزيمة البربر إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، وجمع البربرَ وحَرَّضَهم، وأقبل بهم إلى طرابلس، وهم جمعٌ عظيم، غضبًا للبربر ونصرةً لهم، فنزلوا على طرابلس، وحصروها. فسدَّ أبو العباس عبد الله بن إبراهيم بابَ زناتة، ولم يزل كذلك إلى أن توفِّي أبوه إبراهيم بن الأغلب، وعَهِدَ بالإمارة لولده عبد الله، فأخذ أخوه زيادةُ الله بن إبراهيم له العهودَ على الجند، وسيَّرَ الكتاب إلى أخيه عبد الله، يخبِرُه بموت أبيه، وبالإمارة له، فأخذ البربرُ الرسولَ والكتابَ، ودفعوه إلى عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم، فأمر بأن يناديَ عبد الله بن إبراهيم بموت أبيه، فصالَحَهم على أن يكونَ البلدُ والبحر لعبد الله، وما كان خارجًا عن ذلك يكونُ لعبد الوهاب، وسار عبدُ الله إلى القيروان، فلقيه الناس، وتسلَّمَ الأمرَ، وكانت أيَّامُه أيامَ سُكونٍ ودَعةٍ.
هو الشيخُ محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بَهاء الدين بن منلا علي خليفة القلموني؛ البغدادي الأصل، الحسيني النَّسَب (على خلاف في صحة نسبه لآل البيت)، وهو أحَدُ رجال الإصلاح الديني في العصر الحديث. كان متعَدِّدَ الجوانب والمواهب، فكان مفكِّرًا إسلاميًّا غيورًا على دينه، وصحفيًّا نابهًا، وكاتبًا بليغًا في كثير من الصحف، ومفسرًا نابغًا، ومحدثًا مُتقِنًا في طليعة محدثي العصر، وأديبًا لغويًّا، وخطيبًا مفوَّهًا تهتَزُّ له أعواد المنابر، وسياسيًّا يشغل نفسَه بهموم أمته وقضاياه، ومربيًا ومعلِّمًا يروم الإصلاحَ ويبغي التقدم لأمته. أنشأ مجلة "المنار" ذات الأثر العميق في الفكر الإسلامي. ولِدَ في قرية القلمون بلبنان في 27 جمادى الأولى 1282هـ. كان الشيخ رشيد رضا من أكبر تلامذة محمد عبده، وقد تأثر به كثيرًا، واعتُبر واحدًا من روَّاد الإصلاح الإسلامي في مطلع القرن الرابع عشر الهجري، وقد تأثَّر بمنهج شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وأقبل على كتبِ شيخِ الإسلام ابن تيمية فنَهل منها وتأثر بمنهجِه، وأصبح مرجِعَ الفتيا في التأليف بين الشريعة والأوضاع العصرية الجديدة. لما أُعلِنَ الدستور العثماني سنة 1326ه زار بلادَ الشام، واعترضه في دمشق، وهو يخطب على منبر الجامع الأموي، أحَدُ أعداء الإصلاحِ، فكانت فتنةٌ عاد على إثرها إلى مصر. وأنشأ مدرسة (الدعوة والإرشاد) ثم قصَدَ سورية في أيام الملك فيصل بن الحسين، وانتُخِبَ رئيسًا للمؤتمر السوري فيها. وغادرها على إثر دخول الفرنسيين إليها سنة 1920م، فأقام في وطنه الثاني مصر مدةً. ثم رحل إلى الهند والحجاز وأوربا. وعاد فاستقر بمصرَ إلى أن توفي فيها. أصدر مجلة المنار في 22 شوال 1315هـ، وحرَصَ الشيخ رشيد على تأكيدِ أنَّ هدَفَه من المنار هو الإصلاح الديني والاجتماعي للأمة، وبيان أنَّ الإسلامَ يتَّفِق والعقل والعلم ومصالح البشر، وإبطال الشبهات الواردة على الإسلام، وتفنيد ما يُعزَى إليه من الخرافات؛ ممَّا جعلها تنتشر انتشارًا واسعًا في العالم الإسلامي، وأصبحت مجلته هي المجلةَ الإسلامية الأولى في العالم الإسلامي، كتب رشيد مئات المقالات والدراسات، وخَصَّ العلماء والحكام بتوجيهاته، ومن مؤلفاته: "تفسير المنار" الذي استكمل فيه ما بدأه شيخه محمد عبده، والذي توقف عند الآية (125) من سورة النساء، وواصل رشيد رضا تفسيره حتى بلغ سورة يوسف، وحالت وفاتُه دون إتمام تفسيره، وله أيضًا: الوحيُ المحمدي ونداء للجنس اللطيف، وتاريخ الأستاذ الإمام، والخلافة، والسنة والشيعة، وحقيقة الربا، ومناسك الحج. توفي -رحمه الله- وهو عائِدٌ من توديع الأمير سعود بن عبد العزيز بالسويس، ورفض المبيتَ في السويس للراحة، وأصَرَّ على الرجوع، وكان طول الطريق يقرأ القرآنَ كعادته، ثم أصابه دوارٌ من ارتجاج السيارة، وطلب من رفيقيه أن يستريحَ داخل السيارة، ثم لم يلبث أن توفِّيَ، وكان ذلك في يوم الخميس الموافق 23من جمادى الأولى، وكانت آخِرُ عبارة قالها في تفسيره: "فنسأله تعالى أن يجعَلَ لنا خيرَ حَظٍّ منه بالموتِ على الإسلامِ".
بدأت فِتنةُ بابك الخرمي صاحِبُ البذ عام مائتان وواحد، وهم أصحابُ جاويدان بن سهل، وادَّعى بابك أنَّ روحَ جاويدان دخَلَت فيه، فأخذ في العَيثِ والفساد، فكان يُخشى من أمْرِه؛ لأنَّه في أطرافِ الرُّومِ، ويُمكِنُ أن يتحالَفَ معهم ضِدَّ المسلمين، وكان قبل ذلك حصَلَت عِدَّةُ محاولاتٍ لإخماد فتنتِه؛ لكِنَّها لم تنجَحْ، فوَجَّه المأمونُ محمَّدَ بن حميد الطوسي إلى بابك الخرمي لمحاربتِه، وأمَرَه أن يجعَلَ طريقَه على الموصِلِ ليُصلِحَ أمْرَها ويحارِبَ زريقَ ابنَ علي، وكان المأمونُ ولَّى عليَّ بنَ صدقة المعروف بزُريق، على أرمينية، وأذربيجان، وأمره بمحاربةِ بابك، وأقام بأمْرِه أحمدَ بنَ الجنيد الإسكافي، فأسَرَه بابك، فولَّى إبراهيمَ بنَ اللَّيثِ بن الفضل أذربيجان، فسار محمَّدٌ إلى الموصل، ومعه جيشُه، وجمع ما فيها من الرجالِ مِن اليمن وربيعة، وسار لحَربِ زُريق، ومعه محمَّدُ بن السيد بن أنس الأزدي، فبلغ الخبَرُ إلى زريق، فسار نحوَهم، فالتقَوا في الزاب، فراسَله محمَّدُ بن حميد يدعوه إلى الطاعةِ فامتنع، فناجزه محمَّد واقتتلوا واشتَدَّ قتال الأزدي، فانهزم زريقٌ وأصحابه، ثم أرسل يطلبُ الأمان، فأمَّنه محمَّد، فنزل إليه، فسَيَّرَه إلى المأمون. ثم سارَ إلى أذربيجان، واستخلف على الموصلِ محمَّدَ بن السيد، وقصد المخالفينَ المتغَلِّبينَ على أذربيجان فأخَذَهم، منهم يعلى بنُ مُرَّة ونظراؤه، وسيَّرَهم إلى المأمون وسار نحو بابك الخرمي لمحاربتِه.
لمَّا افْتُتِحَتْ أفريقيا أَمَرَ عُثمانُ عبدَ الله بن نافعٍ وعبدَ الله بن عبدِ القيسِ أن يَسِيرا إلى الأَندلُس، فغَزاها مِن قِبَلِ البَحرِ، وكتَب عُثمانُ إلى مَن انْتَدَبَ معهما: أمَّا بعدُ فإنَّ القُسطنطينيَّة إنَّما تُفْتَحُ مِن قِبَلِ الأَندلُس. فخَرجوا ومعهم البَرْبَرُ، ففتَح الله على المسلمين وزادَ في سُلطانِ المسلمين مِثل أفريقيا.
هو الإمامُ العلَّامة الحافِظُ قاضي القضاة نجمُ الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن أبي المواهب، الربعي الثعلبي الدمشقي الشافعي، الشهيرُ بابن صصرى قاضي القُضاة بالشام، وُلِدَ في ذي القعدة سنة 655، ووالدتُه هي شاه ست بنت أبي الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علان القيسية الدمشقية، ذكرها الذهبي في معجم الشيوخ الكبير. كان في ابتداء أمرِه كتب في الإنشاء، وكان له نظمٌ ونثرٌ ومُشاركة في فنونٍ كثيرة، فصيحَ العبارة، قادرًا على الحفظ، يحفظُ أربعة دروس في اليوم، سمِعَ ابن صصرى الحديثَ واشتغل وحَصَّل وكتَبَ عن القاضي شمس الدين بن خَلِّكان وفياتِ الأعيان، وسَمِعَها عليه، وتفقَّه بالشيخ تاج الدين الفزاري، وعلى أخيه شرف الدين في النَّحو، وكان له يدٌ في الإنشاء وحُسن العبارة. درَّس بالعادلية الصغيرة سنةَ ثنتين وثمانين، وبالأمينية سنة تسعين، وبالغزالية سنة أربع وتسعين، وتولى قضاء العساكر في دولة العادل كتبغا، ثم تولَّى قضاء الشام سنة ثنتين وسبعمائة، بعد ابنِ جماعة حين طُلِبَ لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد، ثم أضيف إليه مشيخةُ الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والأتابكية، في يوم الثلاثاء سابِعَ شعبان عَزَل نجم الدين بن صصرى نفسه عن الحُكمِ بسبب كلامٍ سمعه من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني. كان نجم الدين ابن صصرى من خصومِ شيخ الإسلام ابن تيمية, ففي الثاني عشر رجب سنة 698 قرأ المِزِّي فصلًا من كتاب أفعال العباد للبُخاري في الجامع، فسَمِعَه بعض الشافعية فغضِبَ، وقالوا: نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه، فبلغ ابن تيمية فتوجَّهَ إلى الحبس فأخرجه بيده، فبلغ القاضي ابن صصرى فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيميَّةَ فتشاجرا بحضرة النائِبِ، واشتطَّ ابن تيمية على القاضي لِكَونِ نائبه جلال الدين آذى أصحابَه في غَيبة النائب، فأمر النائب من ينادي أنَّ من تكلَّمَ في العقائد فُعِلَ كذا به، وقصد بذلك تسكينَ الفتنة. وفي خامس رمضان بطلب القاضي والشيخ وأن يرسلوا بصورةِ ما جرى للقاضي نجم الدين ابن صصرى، ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن الجاشنكير والقاضي المالكي قد قاما في الإنكارِ على الشيخ ابن تيمية، وأنَّ الأمرَ اشتَدَّ بمصر على الحنابلة، حتى صفع بعضهم، ثم توجه القاضي ابن صصرى وشيخ الإسلام إلى القاهرة ومعهما جماعةٌ فوصلا في العشر الأخير من رمضان، وعُقِدَ مجلس في ثالث عشر منه بعد صلاة الجمعة، فادعى على ابن تيميَّةَ عند المالكي، فقال: هذا عدوِّي ولم يجِبْ عن الدعوى، فكرر عليه فأصَرَّ، فحكم المالكيُّ بحبسِه، فأقيم من المجلسِ وحُبِسَ في برجٍ، ثم بلغ المالكي أن الناس يترددون إليه، فقال: يجب التضييقُ عليه إنْ لم يُقتَل وإلَّا فقد ثبت كفرُه، فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجبِّ، وعاد القاضي ابن صصرى الشافعي إلى ولايتِه، ونودي بدمشق من اعتقد عقيدةَ ابن تيمية حَلَّ دَمُه ومالُه خصوصًا الحنابلة، فنودي بذلك وقرئ المرسوم. توفي ابن صصرى فجأةً ببستانه بالسَّهمِ ليلة الخميس سادس عشر ربيع الأول عن ثمان وستين سنة وصُلِّيَ عليه بالجامع المظفري، وحضر جنازتَه نائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان، وكانت جنازتُه حافلةً ودُفِنَ بتربتهم عند الركنية.
هو الفيلسوف أبو الفتوح شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك السَّهروردي الحلبيُّ المقتولُ. وُلِدَ السهروردي سنة 549 في بلدةِ سهرورد الواقعةِ في شمال إيران بين قزوين وسلسلة جبالِ البرز ونشأ في مدينةِ مراغة، كان شابًّا فاضِلًا، متكَلِّمًا مناظِرًا، يتوقَّدُ ذكاءً. كان أوحَدَ في العلوم الحكميَّة، جامعًا لفنون الفلسفة، بارعًا في أصول الفقه، مُفرِطَ الذكاءِ، فصيح العبارة، لم يناظر أحدًا إلا أربى عليه، وكان عِلمُه أكثَرَ مِن عقله. قال فخر الدين المارديني: "ما أذكى هذا الشابَّ وأفصَحَه إلَّا أني أخشى عليه لكثرةِ تهَوُّرِه واستهتارِه تَلافَه" قرأ الحِكمةَ والأصول على مجد الدين الجيلي شيخ الفخر الرازي بمراغة، كان شافعيَّ المذهَبِ، وله في النظم والنثر أشياءُ، وكان يُتَّهَمُ بانحلالِ العقيدة والتعطيل، ويعتَمِدُ مذهب الحكماء المتقَدِّمين، وقد اشتهر ذلك عنه، وقيل: إنه تأثر بعقيدة الإسماعيليَّة الباطنية. قال السيف الآمدي: "اجتمعْتُ بالسهروردي بحلب، قال لي: لا بدَّ أن أملِكَ الأرضَ، رأيت كأني قد شَرِبتُ ماء البحرِ. فقلت: لعلَّ هذا يكونُ اشتهارَ العِلمِ وما يناسِبُ هذا، فرأيته لا يرجِعُ عمَّا وقع في نفسه، ورأيتُه كثيرَ العِلمِ قَليلَ العقل" كان السهروردي لا يلتَفِتُ إلى ما يلبَسُه، ولا يحتَفِلُ بأمور الدنيا. وله شعرٌ رائق حسن، وله مصنفات منها كتاب " التلويحات اللوحيَّة والعرشيَّة "، وكتاب " اللمحة "، وكتاب " هياكل النور "، وكتاب " المعارج " وكتاب " المطارحات "، وكتاب " حكمة الإشراق". قال الذهبي: "سائِرُ كُتُبِه فلسفةٌ وإلحادٌ، نسأل الله السَّلامةَ في الدين". قَدِمَ الشام فناظر فُقَهاءَ حلب، ولم يجارِه أحَدٌ، فاستحضره الملك الظاهر بن صلاح الدين، وعقد له مجلسًا، فبان فَضلُه، وبهر علمُه، وحَسُن مَوقِعُه عند السلطان، وقَرَّبه واختص به، فشَنَّعوا عليه فأفتى علماء حلب بإباحة دَمِه. وكان أشَدُّهم عليه زين الدين ومجد الدين ابنا جهبل، وعملوا محاضر بكفره، وسيَّروها إلى السلطان صلاح الدين، وخوَّفوه من أن يُفسِدَ اعتقادَ وَلَدِه، وزادوا عليه أشياءَ كثيرة، فبعث إلى وَلَدِه الملك الظاهر بخطِّ القاضي الفاضل يقول فيه: لا بدَّ مِن قتله، ولا سبيلَ إلى أن يُطلَقَ ولا يبقى بوجهٍ، فلما لم يبقَ إلَّا قتْلَه اختار هو لنفسِه أن يُترَكَ في بيتٍ حتى يموتَ جوعًا، ففُعِلَ به ذلك, فقُتِلَ زنديقًا بقلعة حلب, وقيل قُتِلَ خَنقًا, وقد عاش ثماني وثلاثين سنة. وهو يختلف عن شهاب الدين عمر السهروردي الذي توفي سنة 632، صاحِب الطريقة السهروردية، ومؤلِّف كتاب عوارف المعارف في التصوُّف.
ظهر المقَنَّع بخراسان سنة 161 وقيل سنة 159 وكان رجلًا أعورَ قصيرًا، من أهل مرو، ويسمَّى حكيمًا، وكان اتخذَ وجهًا من ذهَبٍ فجعله على وجهِه لئلا يُرى، فسُمِّيَ المقَنَّع، وادعَّى الألوهيَّة، ولم يُظهِرْ ذلك إلى جميع أصحابه، وكان يقولُ: إن الله خلق آدم، فتحول في صورته، ثمَّ في صورة نوح، وهكذا هلُمَّ جرًّا إلى أن تحوَّلَ في صورة أبي مسلم الخراساني، ثم تحوَّل إلى هاشم، وهاشم- في دعواه- هو المقَنَّع، ويقول بالتناسخ، وتابعَه خلق من ضُلَّالِ الناسِ، وكانوا يسجدونَ له من أي النواحي كانوا، وكانوا يقولونَ في الحرب: يا هاشم أعنَّا، واجتمع إليه خلقٌ كثير، وتحصَّنوا في قلعة بسنام، وسنجردة، وهي من رساتيق كش، وظهرت المبيضة ببخارى والصغد معاونينَ له، وأعانه كفَّارُ الأتراك، وأغاروا على أموالِ المسلمين. وكان يعتقِدُ أن أبا مسلم أفضلُ من النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان يُنكِرُ قتلَ يحيى بن زيد، وادَّعى أنه يقتُلُ قاتليه. واجتمعوا بكش، وغلَبوا على بعض قصورها، وعلى قلعةِ نواكث، وحاربَهم أبو النعمان، والجنيد، مرةً بعد مرة، وقتلوا حسانَ بن تميم بن نصر بن سيار، ومحمد بن نصر وغيرهما، وأنفذ إليهم جبرائيل بن يحيى وأخاه يزيد، فاشتغلوا بالمبيضة الذين كانوا ببخارى، فقاتلوهم أربعة أشهُر في مدينة بومجكث، ونقَبَها عليهم، فقتل منهم سبعَمائة، ولحق منهزموهم بالمقَنَّع، وتبعهم جبرائيل، وحاربهم؛ ثم سيَّرَ المهدي أبا عون لمحاربةِ المقَنَّع، فلم يبالِغْ في قتاله، واستعمَلَ معاذَ بن مسلم، ثم إنَّ المقَنَّع بعد أن طال حصاره بالقلعة وشعر بالغَلَبة احتسى السُّمَّ وانتحر هو وأهله، وذلك في سنة 163 وكان قد حاصره سعيد الحريثي وبالغ في حصارِه.
في منتصف جمادى الآخرة حمل عبدُ الله بن سعود وقواته على قواتِ إبراهيم باشا حتى قربوا من محطة العسكر, فثوَّرَ الروم مدافعَهم فخَفَّ بعض البوادي مع عبد الله ومَن نزلوا قرب جبل ماوية قبالةَ الروم، فثبت الرومُ بواديهم لَمَّا رأوه نزل فوجه مدافِعَهم إلى المسلمين ورموهم فأثَّرت فيهم، فأمر عبد الله على بعض المسلمين أن يرحَلوا وينزلوا الماء، فلما هموا بالرحيل خفَّت البوادي فتتابعت فيهم الهزيمةُ ووقع الرعبُ في قلوبهم فاتَّصلت الهزيمة في جموع قوات عبد الله، واختلطت الجموعُ بَعضُها في بعضٍ وتَبِعَهم الروم والبوادي وقتلوا رجالًا وأخذوا كثيرًا من السلاح وغيره، سقط في الأرض من أهل الركائب وركب عبد الله في كتيبةٍ مِن الخيل وحمى ساقة قواتِه، وهلك في تلك الهزيمة بين القتل والأسر والظمأ نحو 200 رجل، وهذا أول وهَنٍ في الدولة السعودية الأولى.
لما فرغ الفرنج من طرابلس سار طنكري، صاحب أنطاكية، إلى بانياس وحَصَرها وافتتحها، وأمَّن أهلها، ونزل مدينة جبيل، وفيها فخر الملك بن عمار الذي كان صاحب طرابلس، وكان القوت فيها قليلًا، فقاتلها إلى أن ملكها في الثاني والعشرين من ذي الحجة من السنة بالأمان، وخرج فخر الملك بن عمار سالِمًا، ووصل عَقيبَ ملك طرابلس الأسطولُ المصري بالرجال والمال والغلال وغيرها ما يكفيهم سنة، فوصل إلى صور بعد أخذ طرابلس بثمانية أيام، وفُرِّقت الغلال التي فيه والذخائِرُ في الجهات المنفذة إليها صور وصيدا وبيروت، وأما فخر الملك بن عمار فإنه قصد شيزر، فأكرمَه صاحبها الأمير سلطان بن علي بن منقذ الكناني، واحترمه، وسأله أن يقيم عنده، فلم يفعل، وسار إلى دمشق، فأنزله طغتكين صاحبها، وأجزل له في الحمل والعطية، وأقطعه أعمال الزبداني، وهو عمل كبير من أعمال دمشق.
هو الإمامُ اللُّغويُّ الحُجَّةُ مُحمَّدُ بنُ مكرم بن علي بن منظور الخزرجي الأنصاري الرويفعي الإفريقي، من ولد رُويفِع بن ثابت الأنصاري, وهو صاحِبُ (لسان العرب) ولِدَ بمصر سنة 630 ونشأ فيها وتعَلَّم. كان أديبًا وشاعرًا، وعالِمًا باللغة والنحو والتاريخ، وخَدَم في ديوان الإنشاء بالقاهرة, ثم وَلِيَ القضاء في طرابلس, وعاد إلى مصر فتوفِّيَ فيها، وقد ترك بخَطِّه نحوَ خمسمائة مجَلَّد، وعَمِيَ في آخر عمره. كان له حب في اختصار الكُتُب الطوال، فاختصر كتاب الأغاني للأصفهاني، وكتاب العِقدِ الفريد لابن عبد ربه، والذخيرة لابن بسام، ومفردات ابن البيطار، ويتيمة الدهر للثعالبي، وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر، وصفة الصفوة لابن الجوزي، وغيرها من الكتب، أما أشهر كتبه على الإطلاق وأنفَعُها فهو كتابُ (لسان العرب) وهو مُعجَمٌ لُغويٌّ لا يزال يُعتبَر المرجِعَ الأُمَّ من بين المعاجِمِ اللغوية. توفِّيَ في القاهرة عن 81 عامًا.