الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2032 ). زمن البحث بالثانية ( 0.008 )

العام الهجري : 373 العام الميلادي : 983
تفاصيل الحدث:

انتقل أولادُ زيري بن مناد- وهم زاوي وجلالة وماكسن، إخوة بلكين- إلى الأندلس، وسببُ ذلك أنَّهم وقعَ بينهم وبين أخيهم حمَّاد حروبٌ وقِتالٌ على بلادٍ بينهم، فغلبهم حمَّادٌ، فتوجَّهوا إلى طنجة ومنها إلى قُرطُبةَ، فأنزلهم محمَّدُ بنُ أبي عامر وسُرَّ بهم، وأجرى عليهم الوظائِفَ وأكرَمَهم، وسألهم عن سبَبِ انتقالهم، فأخبروه، وقالوا له: إنَّما اخترناك على غيرك، وأحبَبْنا أن نكون معك نجاهدُ في سبيل الله. فاستحسن ذلك منهم، ووعَدَهم ووصَلَهم، فأقاموا أيامًا، ثم دخلوا عليه وسألوه إتمامَ ما وعدهم به من الغَزوِ، فقال: انظروا ما أردتُم من الجندِ نُعْطِكم، فقالوا: ما يدخُلُ معنا بلادَ العَدُوِّ غيرُنا إلَّا الذين معنا من بني عَمِّنا، وصنهاجة وموالينا؛ فأعطاهم الخيلَ والسلاح والأموال، وبعث معهم دليلًا، وكان الطريقُ ضَيِّقًا، فأتوا أرض جُلَيقية، فدخلوها ليلًا، وكَمَنوا في بستان بالقرب من المدينة، وقَتَلوا كلَّ مَن به وقطعوا أشجارَه. فلما أصبحوا خرجَ جماعةٌ من البلد فضربوا عليهم وأخذوهم وقتَلوهم جميعَهم ورَجعوا، وتسامع العَدُوُّ، فركبوا في أثَرِهم، فلما أحسُّوا بذلك كَمَنوا وراء ربوة، فلما جاوزهم العدوُّ خرجوا عليهم من وراءهم، وضربوا في ساقتِهم وكبَّروا، فلما سمع العدوُّ تكبيرَهم ظَنُّوا أنَّ العددَ كَثيرٌ، فانهزموا، وتَبِعَهم صنهاجة، فقَتَلوا خلقًا كثيرًا، وغَنِموا دوابَّهم وسلاحهم وعادوا إلى قرطبة، فعَظُمَ ذلك عند ابن أبي عامرٍ، ورأى من شجاعتِهم ما لم يَرَه من جند الأندلس، فأحسَنَ إليهم وجعلهم بطانَتَه.

العام الهجري : 381 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 991
تفاصيل الحدث:

قيل في سَبَبِ خَلعِ الطائعِ وهو عبد الكريم أبو بكر عِدَّةُ أشياءَ؛ منها: أنَّه عجز عن دفع مصاريفِ الجُندِ، ومنها أنَّه بسَجنِه للشَّيخِ المفيدِ سَبَّبَ ذلك جفوةً بينه وبين بهاءِ الدَّولة، وقيل غيرُ ذلك، فكان خَلعُه حين جاء بهاءُ الدولة إلى دارِ الخلافة، وقد جلس الطائِعُ متقلِّدًا سيفًا، فلما قَرُب بهاءُ الدولة قبَّل الأرضَ، وتقَدَّمَ أصحابُه فجذبوا الطائِعَ بحَمائلِ سيفِه، وتكاثروا عليه ولَفُّوه في كساءٍ، وحُمِلَ في زبزب- نوع من السفن الشراعيَّة- في دجلة، وأُصعِدَ إلى دارِ الملك. وارتَجَّ البلَدُ، وظنَّ أكثَرُ النَّاسِ أنَّ القبضَ على بهاء الدولة، ونُهِبَت دار الخلافة، وماج النَّاسُ، إلى أن نودِيَ بخِلافةِ القادر. وكُتِبَ على الطائِعِ كِتابٌ بخَلعِ نَفسِه، وأنَّه سَلَّمَ الأمرَ إلى القادر بالله، فتشَغَّبَت الجندُ يَطلُبون رَسْمَ البيعة، وتردَّدَت الرسلُ بينهم وبين بهاء الدولة، ومَنَعوا الخطبةَ باسمِ القادرِ، ثمَّ أرضوهم وسَكَنوا، وأقيمَت الخطبةُ للقادر في الجمعة الآتية، والقادِرُ هذا ابنُ عَمِّ الطائِعِ المخلوع. وهو أبو العبَّاسِ أحمدُ بنُ الأمير إسحاق بن الخليفة جعفر المقتدر، ولَمَّا حُمِلَ الطائع إلى دارِ بهاء الدولة أشهَدَ عليه بالخَلعِ، وكان مُدَّة خلافته سبع عشرة سنة وثمانية شهور وستة أيام، وحُمِلَ إلى القادر بالله لَمَّا وَلِيَ الخلافة، فبَقِيَ عنده إلى أن توفِّيَ سنة ثلاثٍ وتسعين وثلاثمائة، ليلةَ الفِطرِ، وصلَّى عليه القادِرُ بالله، وكبَّرَ عليه خمسًا.

العام الهجري : 488 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1095
تفاصيل الحدث:

هو أَميرُ الجُيوشِ، الوَزيرُ الأَرمَنيُّ، بَدرُ بنُ عبدِ الله الجمالي، اشتَراهُ جَمالُ المُلْكِ بنُ عمَّارٍ الطَّرابلسيُّ، ورَبَّاهُ، فتَرَقَّت به الأَحوالُ إلى المُلْكِ. وَلِيَ نِيابَةَ دِمشقَ للمُستَنصِر الفاطميِّ سَنَةَ 455هـ، إلى أن هاجَ أَحداثُ دِمشقَ وشُطَّارُها سَنةَ 460هـ, فتَحَوَّل إلى مصر, وقِيلَ: لمَّا ضَعُفَ حالُ المُستَنصِر في مصر واختَلَّت دَولتُه وُصِفَ له بَدرٌ الجمالي، فاستَدعاهُ فرَكِبَ البَحرَ ووَصلَ القاهِرةَ عَشِيَّةَ يَومِ الأَربعاءِ للَيلَتَينِ بَقِيَتَا من جُمادَى الأُولى، فوَلَّاهُ المُستَنصِر تَدبيرَ أُمورِه، وقامَت بوُصولِه الحُرمَةُ وأَصلَحَ الدَّولةَ؛ وكان وَزيرَ السَّيْفِ والقَلَمِ، وإليه قَضاءُ القُضاةِ والتَّقَدُّمُ على الدُّعاةِ، وساس الأُمورَ أَحسَنَ سِياسَةٍ، ويُقال: إن وُصولَه كان أَوَّلَ سَعادَةِ المُستَنصِر، وكان يُلَقَّب: أَميرَ الجُيوشِ؛ وأَنشأَ بالإسكندريَّةِ جامِعَ العَطَّارِينَ، وكان بَدرٌ الجمالي بَطَلًا شُجاعًا مَهِيبًا، مِن رِجالِ العالَمِ، قَصَدَهُ عَلقمةُ العليميُّ الشاعِرُ، فعَجَزَ عن الدُّخولِ إليه، فوَقَفَ على طَريقِه، وفي رَأسِه رِيشُ نَعامٍ، ثم أَنشَدَهُ أَبياتًا وَقَعَت منه بمَوقِع، ووَقَفَ له، ثم أَمَرَ الحاشِيةَ أن يَخلَعوا عليه، وأَمَرَ له بعَشرةِ آلافٍ، فذَهَبَ بخِلَعٍ كَثيرَةٍ إلى الغايَةِ، وَهَبَ منها لِجَماعَةٍ من الشُّعَراءِ". مات بَدرٌ بمصر سَنةَ 488هـ وخَلَّفَ أَموالًا عَظيمَةً. وقام بَعدَه ابنُه الأَفضلُ المُلَقَّب أيضًا بأَميرِ الجُيوشِ, ولمَّا مَرِضَ واشتَدَّ مَرَضُه في شَهرِ رَبيعٍ الأَوَّل من سَنةِ 487هـ، وَزَرَ وَلدُه الأَفضلُ مَوضِعَه في حَياتِه، وقِيلَ: عاش بَدرٌ نَحوًا من ثمانين سَنَةً.

العام الهجري : 499 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1105
تفاصيل الحدث:

حدثت وقعة بين طغتكين أتابك دمشق -أتابك يعني الأمير الوالد- وبين قمص -كبير القساوسة- كبير من قمامصة الفرنج، وسبب ذلك أنه تكررت الحروب بين عسكر دمشق وبغدوين، فتارة لهؤلاء وتارة لهؤلاء، ففي آخر الأمر بنى بغدوين حصنًا بينه وبين دمشق نحو يومين، فخاف طغتكين من عاقبة ذلك، وما يحدث به من الضرر؛ فجمع عسكره وخرج إلى مقاتلتهم، فسار بغدوين ملك القدس وعكا وغيرهما، إلى هذا القمص ليعاضده ويساعده على المسلمين، فعرَّفه القمص غناه عنه، وأنه قادر على مقارعة المسلمين إن قاتلوه، فعاد بغدوين إلى عكا، وتقدم طغتكين إلى الفرنج، واقتتلوا واشتد القتال، فانهزم أميران من عسكر دمشق، فتبعهما طغتكين وقتلهما، وانهزم الفرنج إلى حصنهم فاحتموا به، فقال طغتكين: مَن أحسنَ قتالَهم وطلب مني أمرًا فعلتُه معه، ومن أتاني بحجر من حجارة الحصن أعطيتُه خمسة دنانير، فبذل الرجَّالة نفوسهم، وصعدوا إلى الحصن وخربوه، وحملوا حجارته إلى طغتكين، فوفى لهم بما وعدهم، وأمر بإلقاء الحجارة في الوادي، وأسَروا من بالحصن، فأمر بهم فقُتلوا كلُّهم، واستبقى الفرسان أسراءَ، وكانوا مائتي فارس، ولم ينج ممَّن كان في الحصن إلا القليل، وعاد طغتكين إلى دمشق منصورًا، فزين البلد أربعة أيام وخرج منها إلى رفنية، وهو من حصون الشام، وقد تغلب عليه الفرنج، وصاحبه ابن أخت صنجيل المقيم على حصار طرابلس، فحصره طغتكين، وملكه، وقتل به خمسمائة رجل من الفرنج.

العام الهجري : 503 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

احتلَّ الفرنج طرابلس، وسبب ذلك أن طرابلس كانت قد صارت في حكم العُبيديين في مصر ونائبهم فيها، والمدد يأتي إليها منه، فلما كانت هذه السنة أول شعبان وصل أسطولٌ كبير من بلد الفرنج في البحر، ومُقدَّمهم قمص كبير القساوسة- اسمه ريمند بن صنجيل، ومراكبه مشحونة بالرجال والسلاح والميرة، فنزل على طرابلس، وكان نازلًا عليها قبله السرداني ابن أخت صنجيل، فجرى بينهما فتنة أدت إلى الاقتتال بينهما، فوصل طنكري صاحب أنطاكية إليها؛ معونةً للسرداني، ووصل الملك بغدوين، صاحب القدس، في عسكره، فأصلح بينهما، ونزل الفرنج جميعهم على طرابلس، وشرعوا في قتالها، ومضايقة أهلها، من أول شعبان، وألصقوا أبراجهم بسورها، فلما رأى الجند وأهل البلد ذلك سُقِط في أيديهم، وذلَّت نفوسهم، وزادهم ضعفًا تأخُّرُ الأسطول المصري عنهم بالميرة والنجدة، ومد الفرنج القتال عليها من الأبراج والزحف، فهجموا على البلد وملكوه عَنوة وقهرًا يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة، ونهبوا ما فيها، وأسروا الرجال، وسَبَوا النساء والأطفال، ونهبوا الأموال، وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة وكُتُب دور العلم الموقوفة ما لا يُحَدُّ ولا يحصى، فإن أهلها كانوا من أكثر أهل البلاد أموالًا وتجارة، وسَلِمَ الوالي الذي كان بها وجماعةٌ من جندها كانوا التمسوا الأمان قبل فتحها، فوصلوا إلى دمشق، وعاقب الفرنج أهلها بأنواع العقوبات، وأُخِذَت دفائنهم وذخائرهم في مكامنِهم.

العام الهجري : 523 العام الميلادي : 1128
تفاصيل الحدث:

كان السلطان قد أمر بتولية عماد الدين زنكي الموصل وما حولها، فلما عبر زنكي الفرات إلى الشام، وأظهر أنه يريد جهاد الفرنج، وأرسل إلى تاج الملوك بوري بن طغتكين، صاحب دمشق، يستنجِدُه ويطلب منه المعونةَ على جهادهم، فأجابه إلى مراده، وأرسل من أخذ له العهودَ والمواثيق، فلما وصلت التوثقةُ جَرَّد عسكرًا من دمشق مع جماعة من الأمراء، وأرسل إلى ابنه سونج، وهو بمدينة حماة، يأمره بالنزول إلى العسكر والمسير معهم إلى زنكي، ففعل ذلك، فساروا جميعهم فوصلوا إليه، فأكرمهم، وأحسن لقاءهم، وتركهم أيامًا، ثم إنَّه غدر بهم، فقَبض على سونج ولد تاج الملوك، وعلى جماعة الأمراء المقَدَّمين، ونهب خيامهم وما فيها من الكراع، واعتقلهم بحلب، وهرب مَن سواهم، وسار من يومه إلى حماة، فوصل إليها وهي خالية من الجند الحماة الذابِّين، فملكها واستولى عليها، ورحل عنها إلى حمص، وكان صاحبها قرجان بن قراجة معه في عسكره، وهو الذي أشار عليه بالغدر بولد تاج الملوك، فقبض عليه ونزل على حمص وحصرها، وطلب من قرجان صاحبها أن يأمر نوابه وولده الذين فيها بتسليمها، فأرسل إليهم بالتسليم، فلم يقبلوا منه، ولا التفتوا إلى قوله، فأقام عليها محاصِرًا لها ومقاتلًا لمن فيها مدة طويلة، فلم يقدِرْ على ملكها، فرحل عنها عائدًا إلى الموصل، واستصحب معه سونج بن تاج الملوك ومن معه من الأمراء الدمشقيين، وترددت الرسل في إطلاقهم بينه وبين تاج الملوك، واستقرَّ الأمر على خمسين ألف دينار، فأجاب تاج الملوك إلى ذلك، ولم ينتظم بينهم أمر.

العام الهجري : 533 العام الميلادي : 1138
تفاصيل الحدث:

توجَّه عبدُ المؤمن لِمُلاقاةِ المرابطين، إلى جَبَل كرناطة، فنَزَل في أرضٍ صُلبة، بين شَجَر، ونزل تاشفين بنُ علي قُبالتَه، في الوطأةِ في أرضٍ لا نباتَ فيها، وكان الفَصلُ شاتيًا، فتوالت الأمطارُ أيامًا كثيرةً لا تُقلِعُ، فصارت الأرضُ التي فيها تاشفين وأصحابُه كثيرةَ الوحل، تسوخُ فيها قوائمُ الخيلِ إلى صُدورِها، ويَعجِزُ الرَّجُلُ عن المشيِ فيها، وتقَطَّعَت الطرقُ عنهم، فأوقدوا رماحَهم، وقرابيسَ سُروجِهم، وهلكوا جوعًا وبردًا وسوءَ حالٍ, وكان عبدُ المؤمن وأصحابُه في أرضٍ خَشنةٍ صُلبةٍ في الجَبَل، لا يبالونَ بشَيءٍ، والميرةُ مُتَّصِلةٌ إليهم، وفي ذلك الوقتِ سَيَّرَ عبدُ المؤمن جيشًا إلى وجرةَ مِن أعمالِ تلمسان، ومُقَدَّمُهم أبو عبد الله محمد بن رقو، فبلغ خبَرُهم إلى محمد بن يحيى بن فانوا، متولِّي تلمسان، فخرج في جيشٍ مِن الملثمين، فالتَقَوا بموضعٍ يُعرَفُ بخندق الخمر، فهَزَمَهم جيشُ عبد المؤمن، وقُتِلَ مُحمَّدُ بنُ يحيى وكثيرٌ من أصحابه، وغَنِموا ما معهم ورَجَعوا، فتوجَّهَ عبدُ المؤمن بجَميعِ جَيشِه إلى غمارة، فأطاعوه قبيلةً بعد قبيلةٍ، وأقام عندهم مُدَّةً. وما بَرِحَ يمشي في الجِبالِ، وتاشفين يُحاذيه في الصَّحاري، فلم يَزَل عبدُ المؤمن كذلك إلى سنةِ خَمس وثلاثين، فتوفِّيَ أميرُ المُسلِمينَ عليُّ بنُ يوسُفَ بمراكش ومَلَك بعدَه ابنُه تاشفين، فقَوِيَ طَمَعُ عبد المؤمن في البلاد، إلَّا أنَّه لم يَنزِل الصَّحراءَ.

العام الهجري : 540 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1145
تفاصيل الحدث:

هو أبو منصورٍ موهوبُ بنُ أحمدَ بنِ محمَّدِ بنِ الحَسَن بن الخضر الجواليقي البغداديُّ النحويُّ اللُّغويُّ. إمامُ الخليفةِ المقتفي, وكان إمامًا في فُنونِ الأدب. وُلِدَ في ذي الحجة سنة 465, ونشأ بباب المراتِبِ، قرأ على أبي زكريَّا سبع عشرة سنة, فانتهى إليه عِلمُ اللغة فأقرأها، ودرَّسَ العربيَّةَ في النظاميَّةِ بعد أبي زكريَّا مُدَّةً، فلما وَلِيَ المُقتفي اختَصَّ بإمامتِه في الصَّلاةِ, وكان المقتفي يقرأُ عليه شيئًا من الكُتُبِ. كان الجواليقي دَيِّنًا، ثقةً، وَرِعًا، غزيرَ الفَضلِ، وافِرَ العَقلِ، مَليحَ الخَطِّ، كثيرَ الضَّبطِ. صَنَّف التصانيفَ وانتشرت عنه، وشاع ذِكْرُه. قال ابن الجوزي: "كان غزيرَ الفَضلِ مُتواضِعًا في مَلبَسِه ورياستِه، طويلَ الصَّمتِ لا يقولُ الشَّيءَ إلَّا بعدَ التَّحقيقِ والفِكرِ الطَّويلِ، وكثيرًا ما كان يقولُ: لا أدري، وكان مِن أهلِ السُّنَّةِ. سَمِعتُ منه كثيرًا مِن الحديثِ وغَريبِ الحديثِ، وقرأتُ عليه كتابَه المُعرب وغيرَه من تصانيفِه، وقطعةً مِن اللُّغةِ". توفِّي سَحرةَ يوم الأحد مُنتصَفَ مُحَرَّم، وحضر للصَّلاةِ عليه الأكابِرُ، كقاضي القضاة الزينبي، وهو الذي صلَّى عليه، وصاحِبُ المخزنِ، وجماعةُ أربابِ الدولةِ، والعُلَماءُ والفُقَهاءُ، ودُفِنَ بباب حرب عند والدِه, وقد توفِّيَ وله من العمر 74 عامًا, ومن أشهَرِ كتبه "المعرَّب من كلامِ العَجَم" و"شَرحُ أدبِ الكاتِبِ" و "كِتابُ العَروض" و "التَّكملة فيما تلحَنُ فيه العامَّةُ".

العام الهجري : 548 العام الميلادي : 1153
تفاصيل الحدث:

مَلَكَ الفِرنجُ بالشَّامِ مَدينةَ عَسقلان، وكانت مِن جُملةِ مَملكةِ الظَّافِرِ بالله الفاطميِّ المصريِّ، وكان الفِرنجُ كُلَّ سَنةٍ يَقصِدونَها ويَحصُرونَها، فلا يَجِدونَ إلى مِلْكِها سَبيلًا، وكان الوُزراء بمِصرَ لهم الحُكمُ في البلاد، والحُكَّامُ معهم اسمٌ لا معنى تحته، وكان الوزراءُ كُلَّ سَنَةٍ يُرسِلونَ إليها الذَّخائِرَ والأسلِحةَ والأموال والرِّجالَ مَن يَقومُ بحِفظِها، فلمَّا كان في هذه السَّنَةِ قُتِلَ ابنُ السلار الوزيرُ، واختَلَفَت الأهواءُ في مصر، وولِيَ عَبَّاس الوَزارةَ، إلى أن استَقَرَّت قاعدة، فاغتَنَم الفرنج اشتغالَهم عن عسقلان، فاجتَمَعوا وحَصَروها، فصَبَرَ أهلُها، وقاتَلوهم قِتالًا شديدًا، حتى إنَّهم بعضَ الأيامِ قاتلوا خارِجَ السُّورِ، ورَدُّوا الفِرنجَ إلى خيامِهم مَقهورينَ، وتَبِعَهم أهلُ البَلَدِ إليها فأَيِسَ حينئذ الفِرنجُ مِن مِلْكِها، فبينما الفِرنجُ على عَزمِ الرَّحيلِ إذ أتاهم الخبَرُ أنَّ خِلافًا قد وقع بين أهلِ عَسقلان، وقُتِلَ بينهم قتلى، فصبَرَ الفِرنجُ، وكان سَبَبُ هذا الاختلاف أنَّهم لَمَّا عادوا عن قِتالِ الفِرنجِ قاهرينَ مَنصورينَ، ادَّعَت كلُّ طائفةٍ منهم أن النُّصرةَ مِن جِهتِهم كانت، وأنَّهم هم الذين رَدُّوا الفِرنجَ خاسِرينَ، فعَظُمَ الخِصامُ بينهم إلى أن قُتِلَ مِن إحدى الطائفتَينِ قَتيلٌ، واشتَدَّ الخَطبُ حينئذ، وتفاقَمَ الشَّرُّ، ووقعت الحَربُ بينهم، فقُتِلَ بينهم قتلى، فزاد طَمَعُ الفِرنجِ في عَسقلان، فزَحَفوا إليها وقاتَلوهم عليها، فلم يَجِدوا مَن يَمنَعُهم فمَلَكَوها.

العام الهجري : 556 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1161
تفاصيل الحدث:

قُتِلَ السلطانُ سليمان شاه بن السلطان محمد بن ملكشاه، وسببُ ذلك أنه كان فيه تهوُّرٌ وخرقٌ، وبلغ به شربُ الخمر حتى إنه شربها في رمضان نهارًا، وكان يجمع المساخِرَ ولا يلتفت إلى الأمراء، فأهمل العسكرُ أمره، وصاروا لا يحضُرون بابه، وكان قد ردَّ جميع الأمور إلى شرف الدين كردبازو الخادم، وهو من مشايخ الخدم السلجوقية، كان فيه دينٌ وعقل وحسن تدبير، فكان الأمراء يشكُون إليه السلطان وهو يُسَكِّنُهم، فكتب سليمان شاه إلى إينانج صاحب الري يطلبُ منه أن يُنجِدَه على كردبازو، فوصل الرسولُ وإينانج مريض، فأعاد الجوابَ يقول: إذا أفقتُ من مرضي حضرتُ إليك بعسكري؛ فبلغ الخبر كردبازو، فازداد استيحاشًا، فأرسل إليه سليمان يومًا يطلبه، فقال: إذا جاء إينانج حَضرتُ، وأحضر الأمراء واستحلفهم على طاعته، وكانوا كارهين لسليمان، فحلفوا له، فأوَّل ما عَمِلَ أن قتل المساخرة الذين لسليمان، وقال: إنما أفعل ذلك صيانةً لملكك؛ ثم اصطلحا، وعَمِلَ كردبازو دعوةً عظيمة حضرها السلطان والأمراء، فلما صار السلطان سليمان شاه في داره قبضَ عليه كردبازو وعلى وزيره ابنِ القاسم محمود بن عبد العزيز الحامدي، وعلى أصحابه، في شوال سنة 555، فقَتَلَ وزيرَه وخواصَّه، وحَبَس سليمان شاه في قلعة، ثمَّ أرسل إليه من خنَقَه؛ وقيل: بل حبسه في دار مجد الدين العلوي رئيس همذان، وفيها قُتِلَ، وقيل بل سُقِيَ سُمًّا فمات.

العام الهجري : 573 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1177
تفاصيل الحدث:

حصَرَ الفرنجُ مدينةَ حماة، وسَبَبُ ذلك أنَّه وصل من البحرِ إلى الساحل الشامي كند- يعني قائد-  كبيرٌ من الفرنج من أكبر طواغيتِهم، فلما رأى أنَّ صلاح الدين قد عاد منهزمًا لمصرَ، اغتنم خلو البلاد؛ لأنَّ توران شاه بن أيوب كان بدمشق ينوبُ عن أخيه صلاح الدين ليس عنده كثيرٌ من العسكَرِ، وكان أيضًا كثيرَ الانهماك في اللذَّاتِ مائلًا إلى الرَّاحات، فجمع ذلك الكند الفرنجيُّ مَن بالشام من الفرنج، وفَرَّقَ فيهم الأموال، وسار إلى مدينةِ حماة فحصرها وبها صاحِبُها شهاب الدين محمد الحارمي ابنُ خال صلاح الدين، وهو مريضٌ شديدُ المرض، وكان طائفةٌ مِن العسكر الصلاحي بالقُربِ منها، فدخلوا إليها وأعانوا من بها، وقاتل الفرنجُ على البلد قتالًا شديدًا وهَجَموا بعض الأيام على طَرفٍ منه، وكادوا يملِكونَ البلد قهرًا وقَسرًا، فاجتمع أهلُ البلد مع العسكر إلى تلك الناحية واشتَدَّ القتال، وعَظُمَ الخطب على الفريقين، واستقتَلَ المسلمون وحامَوا عن الأنفُسِ والأهل والمال، فأخرجوا الفرنجَ من البلد إلى ظاهِرِه، ودام القتالُ ظاهِرَ البلد ليلًا ونهارًا، وقَوِيَت نفوس المسلمين حين أخرجوهم من البلد، وطَمِعوا فيهم وأكثَروا فيهم القتلَ، فرحل الفرنجُ حينئذ خائبينَ، وكفى الله المُسلمينَ شَرَّهم، وساروا إلى حارم فحَصَروها، وكان مقامُهم على حماة أربعة أيام، ولَمَّا رحل الفرنجُ عن حماة مات صاحِبُها شهاب الدينِ الحارمي.

العام الهجري : 580 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1184
تفاصيل الحدث:

هو قطبُ الدين إيلغازي بن نجم الدين بن ألبي بن تمرتاش بن إيلغازي بن أرتق صاحِبُ ماردين، ومَلَك بعده ابنُه حسام الدين بولق أرسلان، وهو طفل، وقام بتربيته وتدبيرِ مملكته نظامُ الدين البقش مملوك أبيه، وكان شاه أرمن صاحِبُ خلاط خالَ قطب الدين فحَكَم في دولته، وهو رتَّبَ البقشَ مع ولده، وكان البقشُ ديِّنًا خيرًا عادلًا حَسَن السيرة حليمًا، فأحسن تربيتَه وتزوَّجَ أمَّه. فلما كَبِرَ الولد لم يمكِنْه النظام من مملكتِه لخبطٍ وهَوجٍ فيه، وكان لنظام الدين هذا مملوكٌ اسمه لؤلؤ قد تحكَّمَ في دولته وحَكَم فيها، فكان يحمِلُ النظام على ما يفعَلُه مع الولَدِ, ولم يزَل الأمر كذلك إلى أن مات الولَدُ وله أخ أصغر منه لقَّبَه قطب الدين، فرَتَّبَه النظام في المُلكِ وليس له منه إلا الاسمُ، والحكمُ إلى النظام ولؤلؤ، فبقي كذلك إلى سنة إحدى وستمائة، فمَرِضَ النظام البقش فأتاه قطبُ الدين يعوده، فلما خرج مِن عنده خرج معه لؤلؤ وضرَبَه قطبُ الدين بسكينٍ معه فقتله، ثم دخل إلى النظامِ وبِيَدِه السكينُ فقتله أيضًا، وخرج وحده ومعه غلامٌ له وألقى الرأسينِ إلى الأجناد، وكانوا كلُّهم قد أنشأهم النظام ولؤلؤ فأذعنوا له بالطاعةِ، فلما تمكَّنَ أخرج من أراد وتَرَك من أراد، واستولى على قلعةِ ماردين وأعمالها وقلعة البارعية وصور، وهو إلى الآن حاكِمٌ فيها حازِمٌ في أفعالِه.

العام الهجري : 582 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1186
تفاصيل الحدث:

هو المَلِك شمس الدين البهلوان محمَّد بن الأتابك إيلدكز صاحِب أذربيجان وعراق العجم بلد الجبل والري وأصفهان وأذربيجان وأرانية وغيرها من البلاد،، وهو من كبارِ الملوك كوالِدِه. تمَلَّك البهلوان بعد موت أبيه سنة 570، وأقام في السلطنةِ معه طغريل بن رسلان شاه خاتمة بقايا السلجوقية، وكان السلطانُ طغريل بن أرسلان بن طغرل بن محمد بن ملكشاه مع البهلوان، والخطبةُ له في البلاد بالسلطنة، وليس له من الأمرِ شَيءٌ، وإنما البلادُ والأمراء والأموالُ بحُكم البهلوان يأكُلُ البلاد باسمه، وكان ظالِمًا فاتِكًا، ولما احتُضِرَ أوصى إلى أخيه لأمِّه قزل، ومات بهمذان, وكانت أيام البهلوان إحدى عشرة سنة، وخلف خمسة آلاف مملوك، ومن الدوابِّ ثلاثين ألف رأس، ومن الأموالِ ما لا يُعَبَّر عنه، فلما مات البهلوان جرى بأصفهان بين الشافعيَّة والحنفية من الحروب والقتل والإحراق والنَّهبِ ما يجِلُّ عن الوصف، وكان قاضي البلد رأسَ الحنفيَّة، وابن الخجندي رأسَ الشافعية، وكان بمدينةِ الري أيضًا فتنةٌ عظيمة بين السُّنة والشيعة، وتفَرَّق أهلها وقُتِلَ منهم، وخربت المدينة وغيرُها من البلاد، ثمَّ مَلَك أخوه قزل أرسلان واسمه عثمان،، فلما مات البهلوان خرج طغرل عن حُكمِ قزل، ولحِقَ به جماعة من الأمراء والجند، فاستولى على بعضِ البلاد، وجَرَت بينه وبين قزل حروبٌ.

العام الهجري : 588 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1192
تفاصيل الحدث:

لما رحل الفرنج نحو عكا كان قد اجتمع عند صلاح الدين عسكر حلب وغيره، فسار إلى مدينة يافا، وكانت بيد الفرنج، فنازلها وقاتَلَ مَن بها منهم، وملَكَها في العشرين من رجب بالسَّيفِ عَنوةً، ونَهَبها المسلمون، وغَنِموا ما فيها، وقتلوا الفرنجَ وأسَروا كثيرًا، وكان بها أكثَرُ ما أخذوه من عسكرِ مِصرَ والقفل -حِمل كبير- الذي كان معهم، وكان جماعةٌ من المماليك الصلاحيَّة قد وقفوا على أبوابِ مدينة يافا، وكلُّ مَن خرج من جند الفرنجِ ومعه شيء من الغنيمةِ أخذوه منه، فإن امتَنَع ضَرَبوه وأخذوا ما معه قهرًا، ثم زَحَفَت العساكر إلى قلعة يافا، فقاتلوا عليها آخِرَ النهار، وكادوا يأخُذونَها، فطلب مَن بالقلعة الأمان على أنفُسِهم، وخرج البطرك الكبيرُ الذي لهم، ومعه عِدَّةٌ من أكابر الفرنج، في ذلك، وترَدَّدوا، وكان قَصدُهم منع المسلمين عن القتال، فأدركهم الليلُ، وواعدوا المسلمينَ أن ينزلوا بكرةَ غَدٍ ويسَلِّموا القلعة، فلما أصبح الناسُ طالبهم صلاح الدين بالنزول عن الحِصنِ، فامتنعوا، وإذا قد وصلهم نجدةٌ مِن عكَّا، وأدركهم ملك الإنكليز، فأخرج مَن بيافا من المسلمين، وأتاه المدَدُ مِن عكا وبرز إلى ظاهِرِ المدينة، واعترض المسلمينَ وَحدَه، وحمل عليهم، فلم يتقَدَّم إليه أحد، وعاد عن الفرنجِ. ونزل في خيامه، وأقام حتى اجتَمَعَت العساكر، وجاء إليه ابنُه الأفضل وأخوه العادل وعساكرُ الشرق، فرحل بهم إلى الرملة لينظُرَ ما يكون منه ومن الفرنج، فلزم الفرنجُ يافا ولم يبرَحوا منها.

العام الهجري : 624 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ المعَظَّم شرفُ الدين عيسى بن الملك العادل كان عاليَ الهمة حازمًا شجاعًا مهيبًا فاضلًا جامعًا شَملَ أرباب الفضائل محبًّا لهم، كانت مملكتُه متسعة من حدود بلد حمص إلى العريش يدخل في ذلك بلاد الساحل الإسلامية منها، وبلاد الغور وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وغير ذلك. توفي يوم الجمعة آخر ذي القعدة، وكان مرضُه دوسنطاريا، وكان ملكُه لمدينة دمشق، من حين وفاة والده الملك العادل، عشر سنين وخمسة أشهر وثلاثة وعشرين يومًا، وكان في الفقه على مذهب أبي حنيفة متعصبًا لمذهبه، فإنه كان قد اشتغل به كثيرًا، وصار من المتميزين فيه، ولم يكن في بني أيوب حنفيٌّ سواه، وتبعه أولاده، وكان يحب الأدبَ كثيرًا واشتغل بعلم النحو اشتغالًا زائدًا، وصار فيه فاضلًا، وكذلك اللغة وغيرها، وقيل إنه كان قد شرط لكلِّ من يحفظ "المفصَّل" للزمخشري مائة دينار وخلعة، فحفظه لهذا السبب جماعة، ورأيت بعضَهم بدمشق، والناس يقولون: إن سبب حفظهم له كان هذا، وقيل إنَّه لما توفي كان قد انتهى بعضُهم إلى أواخره وبعضُهم في أثنائه، وهم على قدر أوقاتِ شروعهم فيه، ولم يُسمَعْ بمثل هذه المنقبة لغيره. وكان يقولُ كثيرًا: إن اعتقادي في الأصول ما سطره أبو جعفر الطحاوي، ووصى عند موته بأن يكَفَّن في البياض، ولا يجعل في أكفانه ثوبٌ فيه ذهب، وأن يُدفَن في لحد، ولا يبنى عليه بناءٌ، بل يكون قبره في الصحراء تحت السماء، ولما توفي ولي بعده ابنُه داود وتلقب بالملك الناصر، وكان عمرُه قد قارب عشرين سنة.