خرج الإمامُ محمد بن عبد الوهاب من العُيينة بنجدٍ يدعو إلى دينِ الله القويم، وقد كانت منطقةُ نجد في هذه الفترة انتشر فيها الشِّركُ والبِدَع، فلقي الشيخُ صعوبات كثيرة إلى أن يسَّرَ الله له الأميرَ محمد بن سعود أمير الدرعية، فتم بينهما اتفاقٌ تاريخي في هذا العام عُرِف "باتفاق الدرعية" لَمَّا وصل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية دخل على شخصٍ مِن خيارها في أعلى البلد يقال له: محمد بن سويلم العريني، فنزل عليه, ويقالُ إنَّ هذا الرجل خاف من نزوله عليه وضاقت به الأرضُ بما رَحُبت، وخاف من أميرِ الدرعية محمد بن سعود، فطمأَنَه الشيخ وقال له: أبشِرْ بخير، وهذا الذي أدعو الناسَ إليه دينُ الله، وسوف يُظهِرُه الله، فبلغ محمَّدَ بن سعود خبرُ الشيخ محمد، ويقال: إن الذي أخبره به زوجتُه، جاء إليها بعضُ الصالحين وقال لها: أخبري زوجَك الأمير محمدًا بهذا الرجل، وشجِّعيه على قَبولِ دعوته، وحَرِّضيه على مؤازرته ومساعدتِه، وكانت امرأةً صالحةً طَيِّبةً، فلما دخل عليها محمد بن سعود أمير الدرعية وملحقاتها قالت له: أبشر بهذه الغنيمة العظيمة! هذه غنيمة ساقها الله إليك، رجلٌ داعية يدعو إلى دينِ الله، ويدعو إلى كتاب الله، يدعو إلى سنَّةِ رَسولِ الله عليه الصلاة والسلام، يا لها من غنيمة! بادِرْ بقَبوله وبادر بنُصرته، ولا تقف في ذلك أبدًا، فقبل الأمير مشورتَها، ثم تردد هل يذهب إليه أو يدعوه إليه؟! فأشير عليه، ويقال: إن المرأة أيضًا هي التي أشارت عليه مع جماعة من الصالحين، وقالوا له: لا ينبغي أن تدعوه إليك، بل ينبغي أن تقصِدَه في منزله، وأن تقصِدَه أنت وأن تعظِّمَ العلم والداعيَ إلى الخير، فأجاب إلى ذلك لما كتب الله له من السعادةِ والخيرِ- رحمةُ الله عليه، وأكرم الله مثواه- فذهب إلى الشيخ في بيت محمد بن سويلم العريني، ورحب به قائلًا: "أبشر ببلاد خيرٍ مِن بلادك، وأبشر بالعِزِّ والمنعة، فقال الشيخ محمد: وأنا أبشِّرُك بالعز والتمكين، وهذه كلمةُ لا إله إلا الله، من تمسَّك بها وعمل بها ونصرها، مَلك بها البلادَ والعباد، وهي كلمةُ التوحيد، وأوَّلُ ما دعت إليه الرسل، من أوَّلهم إلى آخرهم, ثم بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب للأمير محمد بن سعود حقيقةَ الإسلام والإيمان، وأخبره ببطلان ما عليه أهل نجد من عبادة الأوثان والأصنام والأشجار، فقال الأمير له: يا شيخ، لاشك عندي أنَّ ما دعوتَ إليه أنَّه دين الله الذي أرسل به رسُلَه وأنزل به كتُبَه، وأنَّ ما عليه اليوم أهلُ نجد من هذه العبادات الباطلة هو كما ذكرت نفسُ ما كان عليه المشركون الأولون من الكُفرِ باللهِ والإشراك، فأبشِرْ بنُصرتِك وحمايتك والقيام بدعوتِك، ولكن أريد أن أشتَرِطَ عليك شرطين: نحن إذا قمنا بنصرتك وجاهدنا معك ودان أهلُ نجد بالإسلام وقَبِلوا دعوة التوحيد، أخاف أن ترتحِلَ عنا وتستبدل بنا غيرَنا، والثاني: أن لي على أهل الدرعية قانونًا آخذُه منهم وقت حصاد الثمارِ، وأخاف أن تقول: لا تأخذ منهم شيئًا، فقال الشيخ: أما الشرط الأول فابسُطْ يدك أعاهِدْك: الدَّمُ بالدَّمِ، والهدمُ بالهدم، وأما الثاني فلعل الله أن يفتحَ عليك الفتوحاتِ فيُعَوِّضَك من الغنائِمِ والزكوات ما هو خيرٌ منه. فتمَّ التعاهد والاتفاق بينهما"، فقام الأمير محمد بن سعود بمؤازرة الشيخ ودَعْمِه وحمايته؛ ليقوم بتبليغ الدعوة، فانطلق الشيخ محمد يصحح الأوضاعَ الدينية المتردِّية، فقويت الدرعية سياسيًّا ودينيًّا, ثم انطلقت منها الجيوشُ لتوحيد الأجزاء المتفَرِّقة من نجد وما حولها ونشْرِ الدعوة فيها.
غزا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غزوةَ بدرٍ الأولَى حتى بَلَغ واديَ سَفَوانَ؛ حيث خَرَج رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على رأسِ ثلاثةَ عَشَرَ شهرًا من مُهاجَرِه يَطلُب كُرزَ بنَ جابِرٍ الفِهريَّ، وحَمَل لِواءَه عليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضي اللهُ عنه، وكان أبيضَ، واستَخلَفَ على المدينةِ زيدَ بنَ حارِثةَ، وكان كُرزٌ قد أغار على سَرحِ المدينةِ -الإبِلِ والمَواشي التي تَسرَحُ للرَّعيِ بالغَداةِ- فاستاقَه، وكان يَرعَى بالحِمَى، فطَلَبه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بَلَغ واديًا يُقالُ له: "سَفَوانُ" من ناحيةِ بَدرٍ، وفاتَه كُرزٌ ولم يَلحَقْه، فرَجَع إلى المَدينةِ.
غَضِبَ هِشامُ بن عبدِ الملك على أَميرِ خُراسان الجُنيدِ المُرِّيِّ فوَلَّى بَدَلًا عنه عاصِمَ بن عبدِ الله الهِلالِيَّ، وأَمَره أن يَسيرَ إليه وأن يَقتُلَه إن وَجَده حَيًّا، وكان الجُنيدُ مَريضًا ومات قَبلَ وُصولِ عاصِمٍ، فلمَّا وَصَل عاصِمٌ أَخَذ بالإساءَةِ إلى قادَةِ الجُنيدِ وأَظهَر القَسوَة، ممَّا أَثار عليه النَّاس، فخَرَج عليه الحارِثُ بن سُريجٍ وسار إلى الفارياب، وسَيَّرَ إليه عاصِمٌ جَيشًا وحَصَل قِتالٌ بينهم في بَلْخ هُزِمَ فيه جَيشُ عاصِم، وسار الحارِثُ فاسْتَولى على عِدَّةِ مُدُن واجْتَمَع له الكَثيرُ مِن النَّاس وقَوِيَ أَمرُه، وقِيلَ إنَّه كان يَدعو إلى بَيْعَةِ الرِّضا.
خرج الخزر بسبب ابنة خاقان من بابِ الأبواب، وقيل: إنَّ سببَ خُروجِهم أنَّ سعيد بن سلم قتَلَ المنجم السلميَّ فدخل ابنُه بلاد الخزر، واستجاشهم على سعيد، فخرجوا ودخَلوا أرمينيَّة من الثُّلمة، فانهزم سعيدٌ، وأقاموا نحو سبعينَ يومًا، وسَبَوا أكثَرَ من مائة ألف رأس، وأوقعوا بالمسلمينَ وأهل الذمَّة أمرًا عظيمًا لم يُسمَعْ بمِثلِه في الأرضِ، فولَّى الرشيدُ أرمينيَّةَ يزيدَ بن مزيد مضافًا إلى أذربيجان، ووجَّهَه إليهم، وأنزل خزيمةَ بن خازم نصيبين ردءًا لأهل أرمينيَّة، فأصلحا ما أفسد سعيدٌ، وأخرجا الخزر وسَدَّا الثُّلْمة.
سيَّرَ عبدُ الرحمن بن الحَكَم عبدَ اللهِ المعروفَ بابنِ البَلنسيِّ إلى بلادِ العَدُوِّ، فوصلوا إلى "ألبة" والقلاعِ، فخرج المشركونَ إليه في جَمعِهم، وكان بينهم حربٌ شديدة وقتالٌ عظيم، فانهزم المشركونَ، وقُتلَ منهم ما لا يُحصى، وجُمِعَت الرؤوس أكداسًا، وفي هذه السنة أيضًا خرج لذريق في عسكَرِه، وأراد الغارةَ على مدينةِ سالم من الأندلس، فسار إليه عبدُ الرحمن بن الحَكَم فوتون بن موسى في عسكَرٍ جرار، فلَقِيَه وقاتَلَه، فانهزم لذريقُ وكَثُر القتلُ في عسكَرِه، وسار فوتون إلى الحصنِ الذي كان بناه أهلُ ألبة بإزاء ثُغورِ المسلمين، فحَصَره، وافتَتَحه وهَدَمه.
قام في المغرب على ابنِ أبي عامرٍ زيري بنُ عطيَّة المغراوي، ونكَثَ طاعتَه بعد الحُبِّ الشديدِ والوَلاءِ الأكيد، وطعن على ابنِ أبي عامرٍ تغَلُّبَه على هشام وسَلْبَه مُلكَه. فأنفذ له ابنُ أبي عامر واضِحًا الفتى في جيشٍ كثيف، فقاومه بالغَربِ، ودارت بينهم حروبٌ عظيمة. ثم أردَفَه ابنُ أبي عامر بوَلَدِه عبد الملك، وهبَطَ ابنُ أبي عامر إلى الجزيرةِ الخَضراءِ، يُمِدُّهم بالقُوَّاد والأجناد، وسار عبدُ الملك بن أبي عامر من طنجةَ إلى زيري بن عطيَّة، ودارت بينهم حربٌ لم يُسمَعْ بمثلها قَطُّ، ثم انهزم زيري ومن معه، ونجا مُثخَنًا بالجِراحِ.
هو الإمامُ العَلَّامةُ الأستاذُ، رُكنُ الدِّينِ، الفَقيهُ الشافعيُّ، الشيخُ أبو إسحاقَ، إبراهيمُ بنُ مُحَمَّد بنِ إبراهيم بنِ مَهران الإسفرايينيِّ, مِن أئمَّةِ الشَّافعيَّة, متكَلِّمٌ أصوليٌّ بارِعٌ، وأحَدُ الأئمَّةِ المُجتَهِدينَ في عَصرِه. صاحِبُ التَّصانيفِ الباهرةِ، والتَّعليقاتِ النَّافِعةِ في أصولِ الفِقهِ، لُقِّبَ برُكنِ الدِّينِ، وهو أوَّلُ مَن تلَقَّبَ مِن الفُقَهاءِ على طريقةِ ألقابِ الحُكَّام، درَّسَ في نَيسابورَ واشتهَرَ فيها, وبُنِيَت له فيها مدرسةٌ مَشهورةٌ، حيث درَسَ عليه عامَّةُ شُيوخِها، له مُصَنَّفاتٌ عَديدةٌ، منها: الجامِعُ في أصولِ الدِّينِ، والرَّدُّ على المُلحِدينَ، ورسالةٌ في أصولِ الفِقهِ، له مناظَراتٌ معروفةٌ مع المعتزلةِ، توفِّيَ يومَ عاشوراءَ بنَيسابورَ، ونُقِلَ إلى إسْفرايين ودُفِنَ بها.
هو حَمزةُ بنُ عليِّ بنِ أحمد الفارسي الزوزني، مِن كبارِ الباطنيَّة، ويُعتبَرُ مُؤَسِّسَ المذهَبِ الدرزي وواضِعَ أُسُسِه وعقائِدِه، اتَّصَل بمصرَ برجالِ الدعوة السِّرِّية من شيعة الحاكِمِ بأمر الله الفاطمي العُبَيدي، نادى بالتقَمُّص والحلول مع محمد بن إسماعيلَ الدرزي، أظهر الدعوةَ بألوهيَّةِ الحاكم وأنَّ الإلهَ قد حلَّ فيه، جعله الحاكِمُ داعيَ الدُّعاة، ولَمَّا قُتِلَ الحاكِمُ غادر حمزةُ مصر إلى الشام ونشر فيها مذهَبَه، فعُرِفَ أتباعُه بالدروز ويتَسَمَّونَ بالموحِّدين أيضًا، ويُعتبَرُ حَمزةُ هذا هو قائِمَ الزمانِ وآخِرَ من حل فيه العقلُ الإلهيُّ وهو الواضِعُ لأركان الدينِ عندهم.
سار ألب أرسلان من مرو إلى رايكان، فنَزلَ بظاهِرِها، ومعهُ جَماعةُ أُمراءِ دَولتِه، فأَخَذَ عليهم العُهودَ والمَواثِيقَ لِوَلَدِهِ ملكشاه بأنَّه السُّلطانُ بعدَه، وأَركبَه، ومشى بين يَديهِ يَحمِلُ الغاشيةَ، وخَلعَ السُّلطانُ على جَميعِ الأُمراءِ، وأَمرَهُم بالخُطبةِ له في جميعِ البلادِ التي يَحكُم عليها، ففعل ذلك، وأَقطَع البِلادَ، فأَقطَع مازندران للأَميرِ إينانج بيغو، وبلخ لأخيه سُليمان بن داود جغري بك، وخوارزم لأخيه أرسلان أرغو، ومرو لابنِه الآخر أرسلان شاه، وصغانيان وطخارستان لأخيه إلياس، ووِلايةَ بغشور ونواحيها لِمَسعودِ بن أرتاش، وهو من أَقاربِ السُّلطانِ، ووِلايةَ أسفرار لِمَوْدُودِ بن أرتاش.
جَهَّزَ المُعتَمِدُ بن عَبَّادٍ جَيشًا بقِيادَةِ وَزيرِه أبي بكرِ بن عَمَّارٍ ووَجَّهَهُ للاستِيلاءِ على مَدينةِ مرسية، فاستَعانَ ابنُ عَمَّار بالكونت برنجيه أَميرِ برشلونه لِقاءَ المال، كما استَعانَ بعبدِالرحمن بن رشيق حاكمِ حِصْنِ بلج، فتَمَّ له ما أَرادَ من احتِلالِ مرسية وبَقِيَ ابنُ عَمَّارٍ على أَعمالِها، ثم قام بعدَ فَترَةٍ بالخُروجِ على المُعتَمِدِ وطَعَنَ فيه وفي زَوجتِه فقامَ ابنُ رشيق على ابنِ عمَّارٍ وأَخرَجَه من مرسية فلَجأَ ابنُ عمَّارٍ إلى ألفونسو مَلِكِ قشتالة ثم قَصَدَ سرقسطة ولَجأَ إلى أَميرِها ابنِ هود، فاستَقَلَّ ابنُ رشيق بحُكمِ مرسية إلى أن استَولَى عليها المُرابِطون عام 483هـ.
حاصر الأسبانُ إشبيليَّةَ مُدَّة ثمانية عشر شهرًا حتى سقَطَت في أيديهم فقاموا بتحويلِ جامِعِها إلى كنيسة وأزالوا كل معالمِ الإسلامِ فيها، ويُذكَرُ أن بعض المسلمين قد شاركوا في هذا الحصارِ بناءً على اتفاقهم مع النصارى، مثل محمد بن يوسف بن نصر أمير غرناطة من بني الأحمر، وقد تم هذا الاتفاقُ سنة 642، كما قام رامون ملك أراغون بإعلانِ حَربٍ صليبيَّةٍ على المسلمين بمباركة البابا واستولى بحملتِه تلك على لاردةَ وطرطوشةَ، وبعد هذه الحوادِثِ نَظَم أبو البقاء الرندي قصيدتَه المشهورة يرثي فيها المسلمين ببلاد الأندلس:
لكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصانُ
فلا يُغَرَّ بطِيبِ العَيشِ إنسانُ
هو المؤرِّخُ صلاح الدين محمد بن شاكر بن أحمد، المعروف بابن شاكر الكتبي، الداراني، الدمشقي. أحَدُ أعلام المؤرخين في القرن الثامن الهجري. كان باحثًا عارفًا بالأدب. ولِدَ في داريا (من قرى دمشق) ونشأ وتوفِّيَ بدمشق. كان فقيرًا جِدًّا، واشتغل بتجارة الكُتُب، فربح منها مالًا طائلًا. له مؤلَّفات مثل: كتاب "عيون التواريخ"، و "فوات الوفيات". قال ابن كثير: "في يوم السبت حادي عشر رمضان صَلَّينا بعد الظهر على الشيخ صلاح الدين محمد بن شاكر الكتبي، تفَرَّد في صناعته، وجمع تاريخًا مُفيدًا نحوًا مِن عشر مجلدات، وكان يحفَظُ ويذاكِرُ ويُفيد"
هو أُوَيس بهادر خان ابن الشيخ الحسن الكبير بن حسين بن أقبغا بن أيلكان المغولي ثم التبريزي، سلطان بغداد وتوريز، استقَرَّ في سلطنة بغداد بعد سنة 760. خطب بمكَّة للخان أويس بعد أن وصلت منه قناديلُ حَسَنة للكعبة، وهديةٌ طائلة لأمير مكة عجلان، واستمرت الخُطبة له بمكَّة فترة من الزمن، مات عن نيِّف وثلاثين سنة، منها في السَّلطنة تسع عشرة سنة، وكان قد اعتزل قبلَ مَوتِه، وأقام عِوَضَه في المملكة ابنَه الشيخ حسينًا؛ لمنام رآه نُعِيَت إليه نفسُه، وعُيِّنَ له يوم موته، فتخلى عن الملك، وأقبل يتعَبَّدُ، فمات كما ذُكِرَ له في نَومِه!!
أخذ السلطان مراد الأول بن أورخان بن عثمان الأبلستين، وعزم أن يمشيَ إلى البلاد الشامية، فطلب الأمراء والقضاة وأرباب الدولة إلى القصر السلطاني، وقُرِئَت عليهم كتبٌ تتضمَّنُ أنَّ ابن عثمان ملك الروم بعث أخاه عليًّا بالعساكر، وأنه أخذ ملطية والأبلستين -مدينة مشهورة ببلاد الروم- وفَرَّ منه صدقة بن سولي، فتسلَّمها في الثامن والعشرين من ذي القعدة، وأنَّه محاصر درندة، فوقع الاتفاقُ على المسير إلى قتاله، وتفرَّقوا، فأنكر المماليك السلطانية صِحَّةَ ذلك، وقالوا: "هذه حيلة علينا حتى نخرجَ من القاهرة فقط" وعَيَّنوا سودون الطيار أمير أخور لِكَشفِ هذا الخبر.
كان أمر بني أبي حفص أصحاب تونس قد مرج في هذه المدَّة وتداعى إلى الاختلال، فقام القائد خير الدين باشا التركي- وهو من القادة الأتراك العظماء- بالاستيلاء على تونس، ففرَّ صاحبها الحسن بن محمد الحفصي إلى طاغية الإسبان صاحب قشتالة، فأعطاه العساكِرَ وجاء بها إلى تونس، فنزل عسكر النصارى ببرج العيون قرب حلق الوادي، وتقدَّموا إلى تونس فملكوها، وانهزم خير الدين إلى الجزائر، وشارك النصارى الحسن بن محمد في إمرة تونس، واستباحوا أهلها قتلًا وأسرًا ونهبًا, ويقال: إنهم قتلوا من أهل تونس الثلثَ، وأسروا الثلثَ، وأبقوا الثلث، وكل ثلث ستون ألفًا!!