وقعت مظاهرات عنيفة في باكستان ضد الرئيس بوتو سقط خلالها حوالي 350 قتيلًا، مع آلاف الجَرْحى من جرَّاء العُنف السياسي؛ فدعا الرئيس بوتو الجيش إلى التدخُّل لمواجهة أعمال العنف، وقَمْع المظاهرات، وتأييد نظامه، إلَّا أن بعض ضُبَّاط الجيش -خاصة القادمين من إقليم البنجاب- رفضوا قمع المظاهرات والاصطدام بالشَّعْب وإطلاق النار على المتظاهرين، وكانت تلك النواة التي هيَّأت لضياء الحق -الذي كان قائدًا عامًّا للجيش- فرصةَ القيام بانقلابٍ عسكريٍّ ضد الرئيس وأعلن ضياء الحق أنَّ الجيش قام لوضع حد لحالة التدهور التي تجتاحُ البلاد، والتي عجز الرئيس بوتو عن حلِّها، وخشيةً من إقحام بوتو للجيش في السياسة واستِخْدامه في عمليات القمع. أعلن ضياء الحق أن عودة الحُكم المَدَني لباكستان ستكون بأسرَعَ ما يمكِنُ، وأكَّد أن الجيش ليست له مطامِعُ سياسية، وأنه سيحتفظ بالسُّلطة لحين إجراء الانتخابات في أكتوبر القادم. وفرَضَ ضياء الحق الأحكام العُرفية في البلاد، وحلَّ الجمعية الوطنيَّة والمجالس التشريعيَّة الإقليميَّة، وأقال حكومات الأقاليم، وشكَّل مجلسًا عسكريًّا من قادة الأسلحة الثلاثة البَريَّة والبحريَّة والجويَّة تحت رئاسته، وعندما ثبَّت ضياء الحق أقدامه بعد انقلابه ضمَّ رئاسة الدولة إلى رئاسة الحكومة، وتسلَّمهما في شوال 1398هـ / سبتمبر 1978م، وقُدم الرئيس ذا الفقار علي بوتو إلى المحاكمة بتُهمة الأمر بقتل أحد المعارضين، وانتهى الأمر بإعدام بوتو في 7 جمادى الأولى 1399هـ / 4 إبريل 1979م رغم الاستياء العالمي الشديد خاصة "إيران الخميني"؛ لأن بوتو من عائلة شيعية، ولم تُفلح محاولات طهران للوساطة مع إسلام آباد للعفو عن بوتو.
هو العلامةُ المجتهد السيد الحسني صاحب التصانيف: الأمير محمد بن إسماعيل الكحلاني، ثم الصنعاني. ولِدَ ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة سنة 1099هـ بكحلان ثم انتقل مع أسرته إلى صنعاء سنة 1107هـ وأخذ عن علمائها، ووالده كان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا الراغبين في العمل، وله شعر جيد، مات في ثالث شهر ذي الحجة سنة 1142هـ. رحل الصنعاني إلى مكة وقرأ الحديث على أكابر علمائها وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وأظهر الاجتهاد وعَمِل بالأدلة، ونفر عن التقليد وزيَّف ما لا دليلَ عليه من الآراء الفقهية، وجرت له مع أهل عصره خطوبٌ ومِحَنٌ، منها في أيام المتوكل على الله القاسم بن الحسين، ثم في أيام ولده الإمام المنصور بالله الحسين بن القاسم، ثم في أيام ولده الإمام المهدى العباس بن الحسين، وتجمع العوامُّ لقتلِه مرة بعد أخرى، وحفظه الله من كيدهم ومكرهم، وكفاه شرهَّم، وولاه الإمامُ المنصور بالله الخطابةَ بجامع صنعاء، فاستمر كذلك إلى أيام ولده الإمام المهدي، واتفق في بعض الجمع أنَّه لم يذكر الأئمة الذين جرت العادة بذكرِهم في الخطبة الأخرى، فثار عليه جماعةٌ من آل الإمام الذين لا أنسةَ لهم بالعلم، وعضَّدهم جماعة من العوام وتواعدوا فيما بينهم على قتلِه في المنبر يوم الجمعة المقبلة، ولم يفلحوا، واستمر ناشرًا للعلم تدريسًا وإفتاءً وتصنيفًا، وما زال في محَنٍ من أهل عصره، ووقعت له فِتَن كبار وقاه الله شَرَّها, وكان الصنعاني قد بدأ بعقد حلقات العلم ولَمَّا يُتِمَّ الرابعة والعشرين من عمره, فقد كان بارعًا في الفقه والأصول، ومؤلفاته تنمُّ عن سعة علمه وجودة ذهنه، واستحضاره للأدلة ومناقشتها، واستخراج الأحكام الفقهية، وكان يدعو إلى تجديد الدين والعودة إلى أصوله وحقيقته كدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب؛ ولذلك لَمَّا بلغته دعوةُ الشيخ المجدد أيَّدَها وأرسل للشيخ قصيدةً يثني فيها عليه وعلى دعوته، ومما قاله فيها: سلامي على نجدٍ ومن حلَّ في نجـدِ وإن كان تسليمي على البعدِ لا يُجدي وقد صدرت من سفحِ صنعا سقى الحيا رباهـا وحـياهـا بقهقهة الرعـدِ سرت من أسير ينشد الريح أن سرت ألا يا صبا نجـدٍ متى هِجتَ من نجـدِ قفي واسألي عن عالمٍ حَـَّل سوحها به يهتدي من ضَلَّ عن منهج الرشدِ محمَّـد الهـادي لسنة أحمـد فيا حبذا الهادي ويا حبذا المهدي لقد أنكرَت كلُّ الطوائف قولَهبلا صدَرٍ في الحقِّ منهم ولا وردِ وللإمام الصنعاني مؤلفات كثيرة، منها: التحبير لإيضاح معاني التيسير، وهو شرح كتاب تيسير الوصول لابن الديبع, والتنوير شرح الجامع الصغير، وتوضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار, وثمرات النظر في علم الأثر, والعدة على شرح العمدة، وهو مليء بالفوائد الفقهية والأصولية، وتطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد, وحاشية على البحر الزخار في الفقه الزيدي, وسبل السلام اختصره من البدر التمام للمغربي, ومنحة الغفار جعلها حاشية على ضوء النهار للجلال, وشرح التنقيح في علوم الحديث للسيد الإمام محمد بن إبراهيم الوزير، وسماه التوضيح, ومنظومة الكافل لابن مهران في الأصول وشرحها شرحًا مفيدًا, وله مصنفات غير هذه، وقد أفرد كثيرًا من المسائل بالتصنيف بما يكون جميعه في مجلدات، وله شعر فصيح منسجم، جمعه ولده العلامة عبد الله بن محمد في مجلد، وغالبه في المباحث العلمية والتوجع من أبناء عصره والردود عليهم، وبالجملة فهو من الأئمة المجدِّدين لمعالم الدين. أما وفاته فقد أصيب بالحمى والإسهال الشديد حتى توفي في الثالث من شعبان من هذا العام, وقد بلغ من العمر ثمانين سنة. ونظم بعضُهم تاريخه، ورثاه شعراءُ العصر وتأسَّفوا عليه.
أَرْسَل الحَجَّاجُ إلى رتبيل مَلِك التُّرْك جيشًا بِقِيادة والي سجستان عُبيد الله بن أبي بَكْرة، وأَمَره أن يَتوغَّل في بلاد رتبيل وأن يَدُكَّ حُصونَهم وقِلاعَهم، تأديبًا لترتبيل لتَمَرُّدِه بِعَدم دَفْع الجِزْية أحيانًا، أو اسْتِغلال اضْطِرابات المسلمين، فتَمَكَّن عُبيد الله مِن هَزيمة رتبيل واجْتِياح بِلادِه وغَنِمَ غنائمَ كثيرة؛ ولكنَّ رتبيل أَخَذ في التَّقَهْقُر فأَطْمَع المسلمين في اللِّحاق به حتَّى وصلوا قريبًا مِن مَدينتِه العُظمى، عند ذاك بدأ التُّرْك يُغْلِقون على المسلمين الطُّرُق والشِّعاب وحَصروهُم وقُتِلَ عامَّة جَيْش المسلمين، وقُتِلَ عُبيد الله بن أبي بَكْرة.
هو المنصورُ بالله أبو الطاهرِ إسماعيلُ بنُ القائم أبي القاسم محمَّد بن عُبَيد الله المهدي، بويع يومَ وفاةِ أبيه القائم، وكان بليغًا فصيحًا يرتجِلُ الخُطَب. كانت خلافتُه سبعَ سنينَ وستَّة عشر يومًا، وكان سببُ مَوتِه أنَّه مَرِضَ من البردِ الشديدِ، فلازَمَه السهرُ حتى لا يستطيعَ النَّومَ أبدًا، فداواه أحد الأطباء بدواءٍ منوِّمٍ فمات منه، ولَمَّا مات وَلِيَ الأمرَ بعده ابنُه معد، وهو المعِزُّ لدين الله، وأقام في تدبير الأمور إلى سابع ذي الحجة، فأذِنَ للناس فدخلوا عليه، وجلس لهم، فسَلَّموا عليه بالخلافة، وكان عمره أربعًا وعشرينَ سنة.
افتُتِحَت الجوالي –أموال الجزية- في المحَرَّم ببغداد، فأنفذ الملِكُ جلال الدَّولة البويهي فأخذ ما تحصَّلَ منها، وكانت العادةُ أن يُحمَلَ منها إلى الخُلفاءِ لا تُعارِضُهم فيها الملوك، فلمَّا فَعَل جلالُ الدَّولة ذلك، عَظُمَ الأمرُ فيه على القائِمِ بأمرِ الله واشتَدَّ عليه، وأرسَلَ مع أقضى القُضاة أبي الحسن الماوَردي في ذلك، وتكَرَّرت الرَّسائلُ، فلم يُصْغِ جلالُ الدَّولة لذلك، وأخذ الجواليَ، فجمع الخليفةُ الهاشميِّينَ بالدارِ والرجَّالة، وأرسل إلى أصحابِ الأطرافِ والقُضاة بما عزَمَ عليه، وأظهر العَزمَ على مفارقةِ بغداد، فلم يتِمَّ ذلك، وحدث وحشةٌ مِن الجِهَتينِ، فاقتَضَت الحالُ أنَّ المَلِك يتركُ معارضةَ النوَّاب الإماميَّة فيها في السنةِ الآتيةِ.
وقع خبَرٌ بالقُسْطَنطينيَّة أنَّ قُسْطَنطين قتَلَ ابنَتَي الملك اللَّتين قد صار المُلكُ فيهما, فاجتمَعَ أهل البلد وأثاروا الفتنةَ، وطَمِعوا في النَّهبِ، فأشرف عليهم قُسْطَنطين، وسألهم عن السَّبَبِ في ذلك، فقالوا: قتلْتَ الملِكَتَين، وأفسَدْتَ المُلْكَ، فقال: ما قتَلْتُهما، وأخرَجَهما حتى رآهما النَّاسُ، فسكنوا، ثمَّ إنَّه سأل عن سبب ذلك، فقيل له: إنَّه فِعلُ الغُرَباءِ، وأشاروا بإبعادِهم، وأَمَرَ فنُودي ألَّا يُقيمَ أحدٌ وَرَدَ البلد منذ ثلاثينَ سَنةً، فمن أقام بعد ثلاثةِ أيَّامٍ سُمِلَت عيناه، فخرج منها أكثَرُ من مِئَة ألفِ إنسان، ولم يبقَ بها أكثَرُ من اثني عشَرَ نَفسًا، ضَمِنَهم الرومُ فتَرَكَهم.
أُصيبَت مِصرُ بِقَحْطٍ شَديدٍ وغَلاءٍ شَديدٍ كاد يُهلِكُهم، فعَقدَ المُستنصِرُ الفاطِميُّ مع الإمبراطورِ البيزنطي قُسطنطين التاسِع مُعاهدةً مُوجِبُها أن يَمُدَّ الرُّومُ مِصرَ بالغِلالِ والأَقواتِ لِتَجاوُزِ المَجاعةِ التي حَلَّت بهم، لكنَّ إمبراطورَ الرُّومِ يَموتُ قبلَ الوَفاءِ بالمُعاهدةِ، ويَتولَّى أَمرَ الرُّومِ الإمبراطورة تيودورا فاشتَرطَت أن يَتَعهَّدَ الفاطِميونَ الدِّفاعَ عن الرُّومِ في حالِ التَّعَدِّي عليهم لِتُنَفِّذَ هذه المُعاهدة السَّابقة؛ لكنَّ المُستنصِرَ لم يَرضَ بهذا الشَّرْطِ، عِلْمًا أنَّ الرُّومَ كانوا قد أَرسَلوا هَدايا قبلَ ذلك منها كَثيرٌ مِن القَمحِ والغَلَّاتِ التي ساعدت في هذه المَجاعةِ، كما حَصَلَ قِتالٌ بين الرُّومِ وبين بَعضِ الجُيوشِ المُتاخِمَةِ لهم.
لمَّا خُطِبَ لسُليمانَ بن داودَ بالسَّلْطَنَةِ اختَلفَ الأُمراءُ، فمَضَى باغي سيان وأردم إلى قَزوين، وخَطَبا لأَخيهِ عَضُدِ الدَّولةِ ألب أرسلان محمدِ بن داودَ جغري بك بن ميكائيل بن سلجوق، ابن أخي طُغرلبك وهو حينئذٍ صاحبُ خُراسان، ومعه نِظامُ المُلْكِ وَزيرُه، والناسُ مائِلونَ إليهِ، وكذلك الجَيشُ كانوا يَميلونَ إليهِ، وقد خَطَبَ له أَهلُ الجَبَلِ ومعه نِظامُ المُلْكِ أبو عليٍّ الحَسنُ بن عَلِيِّ بن إسحاقَ وَزيرُه، ولمَّا رأى الكندريُّ قُوَّةَ أَمرِه خَطَبَ له بالرَّيِّ، ثم مِن بَعدِه لأَخيهِ سُليمانَ بنِ داودَ.
في هذه السَّنَةِ وقِيلَ التي بعدَها، مَلَكَ نورُ الدينِ محمودُ بن زِنكي قَلعةَ تَلِّ باشِرَ، وهي شَماليَّ حَلَب مِن أَمنَعِ القِلاعِ، وسَببُ مِلْكِها أن الفِرنجَ لمَّا رأوا أن نورَ الدينِ مَلَكَ دِمشقَ خافوهُ، وعَلِموا أنه يَقوَى عليهم، ولا يَقدِرون على الانتِصافِ منه، لِمَا كانوا يَرَوْنَ منه قبلَ مِلْكِها، فراسَلَهُ مَن بهذه القَلعةِ مِن الفِرنجِ، وبَذَلوا له تَسليمَها، فسَيَّرَ إليهم الأَميرَ حَسَّان المنبجيَّ، وهو من أَكابرِ أُمراءِه، وكان أَقطَعهُ ذلك الوَقتَ مَدينةَ منبج، وهي تُقارِب تَلَّ باشِرَ، وأَمَرَهُ أن يَسيرَ إليها ويَتَسلَّمَها، فسار إليهم وتَسلَّمَها منهم، وحَصَّنَها ورَفَعَ إليها من الذَّخائرِ ما يَكفِيها سِنينَ كَثيرةً.
كانت الفتنةُ ببغدادَ بين أمير العسكَرِ قطب الدين قايماز المظفري والخليفةِ المستضيء بأمرِ الله، وسَبَبُها أنَّ الخليفة أمرَ بإعادة عَضدِ الدين ابن رئيس الرؤساءِ إلى الوزارة، فمنع منه قُطب الدين، وأغلق بابَ النوبي وباب العامة، وبقيت دار الخليفة كالمحاصَرة، فأجاب الخليفةُ إلى تَركِ وَزارته، فقال قطب الدين: "لا أقنَعُ إلا بإخراج عضد الدينِ مِن بغداد؛ فأمر بالخروجِ منها" فالتجأ عضدُ الدين إلى صدر الدين شيخِ الشيوخ عبد الرحيم بن إسماعيل، فأخذه إلى رباطِه وأجاره، ونقله إلى دارِ الوزير بقطفتا، فأقام بها، ثمَّ عاد إلى بيته في جُمادى الآخرة.
خرج كثيرٌ من الفرنج في البحر إلى الشام، وسَهَّلَ الأمرَ عليهم بذلك مُلْكُهم للقُسطنطينيَّة، فأرسوا بعكَّا، وعزموا على قَصدِ بيت المقدس، واستنقاذه من المسلمين، فلما استراحوا بعكَّا ساروا فنهبوا كثيرًا من بلادِ الإسلام بنواحي الأردن، وسَبَوا، وفتكوا في المسلمين، وكان الملك العادل بدمشقَ، فأرسل في جمع العساكِرِ مِن بلاد الشام ومصر، وسار فنزل عند الطور بالقربِ مِن عَكَّا؛ لمنع الفرنج من قصد بلاد الإسلام، ونزل الفِرنجُ بمرج عكا، وأغاروا على كفركنا، فأخذوا كلَّ من بها وأموالهم، والأمراء يحثُّون العادِلَ على قصد بلادِهم ونَهْبِها، فلم يفعل، فبَقُوا كذلك إلى أن انقَضَت السنة.
تمَلَّك إنسانٌ اسمُه محمود بن محمد الحميري على مدينة مرباط وظفار وغيرهما من حضرموت, وكان ابتداء أمره أنَّ له مَركبًا يَكريه في البحر للتجار، ثم وزر لصاحبِ مرباط، وفيه كرمٌ وشجاعة وحُسن سيرة، فلما توفِّيَ صاحب مرباط مَلَك المدينة بعده، وأطاعه الناسُ محبَّةً له لكَرَمِه وسيرته، ودامت أيامُه بها، فلما كان سنة تسع عشرة وستمائة خرب مرباط وظفار، وبنى مدينة جديدةً على ساحل البحر بالقرب من مرباط، وعندها عينٌ عذبة كبيرة أجراها إلى المدينة، وعَمِلَ عليها سورًا وخندقًا، وحَصَّنَها وسمَّاها الأحمديَّة، وكان يحِبُّ الشِّعرَ، ويُكثِرُ الجائزةَ عليه.
هو الأميرُ مجيرُ الدين طاشتكين بن عبد الله المقتفوي المستنجدي, أميرُ الحاج وزعيم بلاد خوزستان، كان شيخًا غاليًا في التشَيُّع، وكانت الحلة الشيعيَّة إقطاعَه، وكان شجاعًا قليلَ الكلام، يمضي عليه الأسبوعُ لا يتكلم فيه بكلمةٍ، وذُكِرَ أنَّه حج بالناس ستًّا وعشرين سنة، كان يكونُ في الحجاز كأنَّه مَلِكٌ، وقد رماه الوزيرُ ابن يونس بأنه يكاتب صلاحَ الدين فحبَسَه الخليفة، ثم تبيَّنَ له بطلان ما ذكر عنه فأطلقه وأعطاه خوزستان، ثم أعاده إلى إمرة الحَجِّ، توفي بتستر ثاني جمادى الآخرة وحُملَ تابوتُه إلى الكوفة فدُفِنَ بمشهد عليٍّ لوصيَّتِه بذلك.
بعد أن رأى الصليبيون أعمال المغول التتار في البلاد التي يسيرون إليها ويحتلُّونها وشناعَتَهم ووحشيَّتَهم وما فعلوه في روسيا وبولندا من غزوهم أوروبا. قام البابا غريغور التاسع بالدعوة إلى حرب صليبية، ولكن هذه المرة ضد المغول، وليس ضد المسلمين، علمًا بأنَّه قد قيل إن الصليبيين هم من حرَّضوا المغول على التحرك إلى بلاد المسلمين خوارزم وأذربيجان وغيرها؛ وذلك حتى يجعلوا المسلمين بين فكَّي كماشة: من الشرق المغول، ومن الغرب الصليبيين، ولكن لما رأوا استفحالَ أمر المغول واختلاطهم بالمسلمين، أصبحوا يخافون أن يُسلِموا، وبالتالي يصبح مصيرهم مصير التتر الذين أسلموا وأصبحوا قوَّةً للإسلام بعد أن كانوا قوةً عليها.
لما كان يوم العشرين من جمادى الآخر سار السلطانُ الظاهر من العوجاء إلى يافا، وحاصرها حتى ملكها من يومه، وأخذ قلعتها وأخرج من كان فيها من الفرنجِ، وهَدَمَها كُلَّها وجمع أخشابَها ورخامها وحمَلَه في البحر إلى القاهرة، وأمَرَ السلطان ببناء الجوامِعِ بتلك البلاد، وأزال منها المنكَراتِ، ورتَّبَ الخفراءَ على السواحلِ وألزَمَهم بدَركِها، ورسم أن المال المتحصَّل من هذه البلاد لا يُخلَطُ بغيره، وجعله لمأكله ومشربه، وأنزل التركمان بالبلاد الساحلية لحمايتها، وقرر عليهم خيلًا وعدة، فتجَدَّد له عسكرٌ بغير كلفة، وفيه رسَمَ بتجديد عمارةِ الخليل عليه السَّلامُ، ورسم أن يكون عمل الخوان الذي يمَدُّ ناصيةً عن مسجد الخليل.