الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1740 ). زمن البحث بالثانية ( 0.012 )

العام الهجري : 489 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1096
تفاصيل الحدث:

هو أبو المُظَفَّرِ مَنصورُ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الجَبَّارِ بنِ أَحمدَ بنِ محمدٍ، السَّمعانيُّ، التَّميميُّ المَروَزِيُّ، الفَقِيهُ الحَنفيُّ ثم الشافعيُّ. الحافِظُ، مِن أَهلِ مَرْو، وُلِدَ في ذي الحجَّةِ 426هـ, وتَفَقَّهَ أَوَّلًا على أَبيهِ في مَذهَبِ أبي حَنيفَةَ، حتى بَرَعَ فيه وبَرَزَ على أَقرانِه, ثم انتَقَل إلى مَذهَبِ الشافعيِّ فأَخَذَ عن أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ وابنِ الصَّبَّاغِ. ذَكرَهُ أبو الحَسنِ عبدُ الغافِر فقال: "هو وَحيدُ عَصرِه في وَقتِه فَضلًا، وطَريقَةً، وزُهْدًا، ووَرَعًا، من بَيتِ العِلمِ والزُّهدِ. تَفَقَّه بأَبيهِ، وصار من فُحولِ أَهلِ النَّظَرِ، وأَخَذَ يُطالِع كُتُبَ الحَديثِ، وحَجَّ، فلمَّا رَجَعَ إلى وَطَنِه تَرَكَ طَريقَتَهُ التي ناظَرَ عليها أَكثرَ من ثلاثين سَنةً، وتَحَوَّلَ شافِعِيًّا. أَظهَرَ ذلك في سَنةِ ثَمانٍ وسِتِّين وأربعمائة. واضطَرَبَ أَهلُ مَرو لذلك، وتَشَوَّشَ العَوامُّ، إلى أن وَرَدَت الكُتُبُ مِن جِهَةِ بلكابك من بَلخ في شَأنِه والتَّشديدِ عليه، فخَرجَ مِن مَرو، ورافَقَهُ ذو المَجدَينِ أبو القاسمِ الموسويُّ، وطائِفةٌ من الأَصحابِ، وخَرجَ في خِدمَتِه جَماعةٌ من الفُقهاءِ وصار إلى طُوس، وقَصَدَ نيسابور، فاستَقبَلَهُ الأَصحابُ استِقبالًا عَظيمًا, وكان في نَوبَةِ نِظامِ المُلْكِ وعَميدِ الحَضرَةِ أبي سعدٍ محمدِ بنِ مَنصورٍ، فأَكرَموا مَورِدَه، وأَنزَلوه في عِزٍّ وحِشمَةٍ، وعُقِدَ له مَجلِسُ التَّذكيرِ في مَدرسةِ الشافعيَّةِ", وكان بَحرًا في الوَعظِ، حافِظًا لكَثيرٍ من الرِّواياتِ والحِكاياتِ والنُّكَتِ والأَشعارِ، فظَهرَ له القَبولُ عند الخاصِّ والعامِّ. واستَحكَمَ أَمرُه في مَذهبِ الشافعيِّ. ثم عاد إلى مَرو، ودَرَّسَ بها في مَدرسةِ أَصحابِ الشافعيِّ، وقَدَّمَهُ نِظامُ المُلْكِ على أَقرانِه، وعَلَا أَمرُه، وظَهرَ له الأَصحابُ. وخَرجَ إلى أصبهان، ورَجعَ إلى مَرو. وكان قَبولُه كلَّ يَومٍ في عُلُوٍّ, وتَعَصَّبَ للسُّنَّةِ والجَماعَةِ وأَهلِ الحَديثِ. وكان شَوْكًا في أَعيُنِ المُخالِفين، وحُجَّةً لأَهلِ السُّنَّةِ. قال أبو المعالي الجُويني: "لو كان مِن الفِقْهِ ثَوْبًا طاوِيًا لكان أبو المُظَفَّر بن السمعاني طَرَّازَهُ".قال الإمامُ أبو عليِّ بن أبي القاسمِ الصَّفَّارِ: "إذا ناظَرتَ أبا المُظَفَّر السمعانيَّ، فكأنِّي أُناظِرُ رَجُلًا من أئِمَّةِ التَّابِعين، ممَّا أَرَى عليه من آثارِ الصَّالِحين سَمْتًا، وحُسْنًا، ودِينًا".كانت له يَدٌ طُولَى في فُنونٍ كَثيرةٍ، وصَنَّفَ التَّفسيرَ وكِتابَ ((الانتصار)) في الحَديثِ، و((البرهان)) و((القواطع)) في أصول الفقه، و((الاصطلام)) وغيرَ ذلك، ووَعَظَ في مَدينةِ نيسابور. كان يقول: "ما حَفِظتُ شَيئًا فنَسيتُه، وسُئِلَ عن أَخبارِ الصِّفاتِ فقال: عليكم بِدِينِ العَجائِزِ وصِبيانِ الكَتاتيبِ. وسُئِلَ عن الاستِواءِ فأَنشدَ قائِلًا:
جِئتُماني لِتَعلَما سِرَّ سُعْدَى
تَجِداني بِسِرِّ سُعْدَى شَحيحا
إن سُعْدَى لَمُنْيَةُ المُتَمَنِّي
جَمَعَت عِفَّةً ووَجْهًا صَبيحا"
دُفِنَ في مَقبَرةِ مَرو.

العام الهجري : 590 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1194
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العالمُ العامِلُ، القُدوةُ سيد القراء: أبو محمد القاسم بن فيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير، من طبقات الشافعية, ولد سنة 538 ببلدة شاطبة- وهي مدينة كبيرة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء- كان الشاطبي يتوقد ذكاءا، مع الورع والتقوى والتأله والوقار. وهو مصنِّف الشاطبية في القراءات السبع، فلم يُسبَق إليها ولا يُلحَق فيها، وفيها من الرموز كنوز لا يهتدي إليها إلا كلُّ ناقد بصير، هذا مع أنه ضرير. قال عنها ابن خلكان: " الشاطبي هو صاحب القصيدة التي سمَّاها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات، وعِدَّتُها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتًا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم؛ فقَلَّ مَن يشتَغِلُ بالقراءات إلا ويُقَدِّمُ حِفظَها ومعرفتها، وهي مشتَمِلةٌ على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنُّه سُبِقَ إلى أسلوبها". وله قصيدة دالية في خمسمائة بيت مَن حَفِظَها أحاط علمًا بكتاب التمهيد لابن عبد البر. كما له الباعُ الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث. قرأ القرآن الكريم ببلده بالقراءات السبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل. وقراءة بالسبع على غيرهما, فقد كان عالِمًا بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرًا، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبَرَّزًا فيه، وكان إذا قُرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تُصحَّحُ النسخُ من حفظه، ويُملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحدَ في علم النحو واللغة، عارفًا بعلم الرؤيا، حَسَن المقاصِدِ. كان دَيِّنًا خاشعًا ناسكًا كثير الوقار، لا يتكَلَّمُ فيما لا يعنيه. يجتَنِبُ فُضولَ الكلام ولا ينطقُ إلا على طهارةٍ في هيئةٍ حَسَنةٍ وتخَشُّع واستكانة، وكان يعتَلُّ العلةَ الشديدةَ فلا يشتكي ولا يتأوَّه. انتقل من بلده إلى مصر، قال السخاوي: "سببُ انتقاله من بلده أنَّه أريد على الخطابة، فاحتج بالحَجَّ، وترك بلده، ولم يعُدْ إليه تورُّعًا مما كانوا يُلزِمونَ الخُطَباء مِن ذِكرِهم الأمراءَ بأوصافٍ لم يَرَها سائغة، وصَبَرَ على فقرٍ شديد".  سمع بمصرَ من السِّلَفي، وولاه القاضي الفاضل مشيخة الإقراء بمدرسته في مصر، فأجاب على شروطٍ، فتصَدَّر وعَظُمَ شأنه، وبَعُدَ صِيتُه، وانتهت إليه رياسةُ الإقراء بمصر، وقد انتفع به وبعِلمِه خَلقٌ كثير. زار بيت المقدس وصام به شهر رمضان، ثم رجع إلى القاهرة، فكانت وفاتُه بها في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة بالقرب من التربة الفاضليَّة، وله أولاد رووا عنه، منهم أبو عبد الله محمد, وهذا الإمام الشاطبي صاحب الشاطبية يختلف عن الشاطبي صاحب المُوافقات الذي توفي سنة 970.

العام الهجري : 606 العام الميلادي : 1209
تفاصيل الحدث:

ملك العادل أبو بكر بن أيوب بلد الخابور ونصيبين، وحصر مدينة سنجار، والجميع من أعمال الجزيرة، وهو بيد قطب الدين محمد بن زنكي بن مودود، وسببُ ذلك أن قطب الدين كان بينه وبين ابنِ عَمِّه نور الدين أرسلان شاه بن مسعود بن مودود، صاحب الموصل، عداوةٌ مستحكمة، وكان لنور الدين وزراء يحبون أن يشتغل عنهم، فحسَّنوا له مراسلة العادل والاتفاق معه على أن يقتسما بالبلاد التي لقطب الدين، وبالولاية التي لولد سنجر شاه بن غازي بن مودود، وهي جزيرة ابن عمر وأعمالها، فيكون مُلك قطب الدين للعادل، وتكون الجزيرةُ لنور الدين، فوافق هذا القولُ هوى نور الدين، فأرسل إلى العادل في المعنى، فأجابه إلى ذلك مستبشرًا، فبادر العادلُ إلى المسير من دمشق إلى الفرات في عساكره، وقصد الخابور فأخذه، فلما سمع نور الدين بوصوله كأنَّه خاف واستشعر، هذا والعادل قد ملك الخابورَ ونصيبين، وسار إلى سنجار فحصرها، فبينما الأمرُ على ذلك إذ جاءهم أمر لم يكن لهم في حساب، وهو أن مظفر الدين كوكبري، صاحب إربل، أرسل وزيره إلى نور الدين يبذُلُ من نفسه المساعدةَ على منع العادل عن سنجار، وأنَّ الاتفاق معه على ما يريده، فوصل الرسولُ ليلًا فوقف مقابل دار نور الدين وصاح، فعبَرَ إليه سفينة عبر فيها، واجتمع بنور الدين ليلًا وأبلغه الرسالة، فأجاب نور الدين إلى ما طلب من الموافقة، وحلفَ له على ذلك، وعاد الوزيرُ من ليلته، فسار مظفر الدين، واجتمع هو ونور الدين، ونزلا بعساكِرِهما بظاهر الموصل، ولما وصل مظفر الدين إلى الموصل، واجتمع بنور الدين، أرسلا إلى الملك الظاهرِ غازي بن صلاح الدين، وهو صاحِبُ حلب، وإلى كيخسرو بن قلج أرسلان، صاحب بلاد الروم، بالاتِّفاق معهما، فكلاهما أجاب إلى ذلك، فتواعَدوا على الحركة وقصْد بلاد العادل إن امتنع من الصلحِ والإبقاء على صاحب سنجار، وأرسلا أيضًا إلى الخليفة الناصر لدين الله ليرسِلَ رسولًا إلى العادل في الصلح أيضًا، فقويت حينئذ نفس صاحب سنجار على الامتناع، ووصلت رسلُ الخليفة إلى العادل وهو يحاصر سنجار، فأجاب أولًا إلى الرحيل، ثم امتنع عن ذلك، وغالط، وأطال الأمر لعله يبلغ منها غرضًا، فلم ينلْ منها ما أمَّله، وأجاب إلى الصلح على أن يكون له ما أخذ وتبقى سنجار لصاحبها، واستقرَّت القاعدة على ذلك، وتحالفوا على هذا كلُّهم، وعلى أن يكونوا يدًا واحدة على الناكثِ منهم؛ ورحل العادل عن سنجار إلى حران، وعاد مظفر الدين إلى إربل، وبقي كل واحد من الملوك في بلده.

العام الهجري : 692 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1293
تفاصيل الحدث:

هو الكاتبُ المؤرِّخُ الصاحبُ محيى الدين عبد الله بن رشيد الدين عبد الظاهر بن نشوان بن عبد الظاهر السّعدىُّ الموقَّعُ كاتب الإنشاء بالديار المصريَّة، وكان من أبرع المؤرِّخين الذين ظهروا في مطالِعِ دولة المماليك البحريَّة، وكان إلى جانب كونِه مؤرِّخًا، كاتبًا صاحِبَ قَلمٍ بليغٍ أهَّلَه لأن يحتلَّ مكانةً مرموقة في الصفِّ الأوَّل من كتَّاب العربيَّة. ولد بالقاهرة في 9 محرم 620هـ (12 من فبراير 1223م) بدأ حياته بحفظ القرآنِ مِثلَ أقرانه من طلبةِ العلم، وتردَّدَ على حلقات الفُقَهاءِ والمحدثين, وامتَدَّت ثقافته لتشمل الأدبَ والتاريخ والأخبار، وهو ما مكَّنَه من الالتحاق بديوانِ الإنشاء على عهدِ الأيوبيِّينَ، الذي كان يضُمُّ فحولَ الكتَّاب البارعين، ولم يبدأ نجم ابن عبد الظاهر في التألُّق والظهورِ إلَّا في عهد السلطان الظاهر بيبرس، حين عَهِدَ إليه بعَمَلِ شَجرةِ نَسَب للخليفة الحاكِمِ بأمر الله أحمد العباسي، الذي اختاره بيبرس خليفةً للمسلمين في محاولةٍ منه لإحياء الخلافة العباسيَّة في القاهرةِ بعد أن سقَطَت في بغداد سنة 656هـ ( 1257م)، ثم توثَّقَت صلتُه بالظاهر بيبرس حتى صار موضِعَ ثِقتِه، فعندما أرسلَ إليه الملك المغولي بركة خان يطلُبُ عَقدَ حِلفٍ مع بيبرس كتَبَ ابن عبد الظاهر صيغةَ الكِتاب، وقرأه على السلطانِ بحضور الأمراء، كما كتب تفويضَ الظاهر بيبرس بولايةِ العهدِ إلى ولَدِه الملك السعيدِ بركة خان. واحتفَظَ ابن عبد الظاهر بمكانتِه أيضًا في عهد السلطان قلاوون الذي حكم مصرَ بعد الظاهِرِ بيبرس وولَدَيه، وكتب له تفويضَ السَّلطَنة بولايةِ العَهدِ إلى ابنه علاء الدين علي، ثم لابنه الملك الأشرف خليل قلاوون. وقد أشاد ببلاغتِه معاصِروه وشهدوا له بالتقدُّم في صناعةِ الكِتابة والأدب؛ فقد وصفه القلقشندي بأنَّه وأبناءه بيتُ الفصاحة ورؤوسُ البلاغة، وقال عنه ابن تغري بردي: بأنَّه من ساداتِ الكُتَّاب ورؤسائِهم وفُضَلائِهم, وهو صاحِبُ النَّظمِ الرَّائقِ والنَّثر الفائق, ولَمَّا وضع ابن عبد الظاهر مؤلَّفاته التاريخيَّةَ ضَمَّنَها عددًا كبيرًا من الوثائق التي كتبها، وصاغ أحداثَ عَصرِه ووقائعه وصوَّرَ أبطالَه ومعاركَه، وترك ابن عبد الظاهر عددًا من المؤلَّفات التاريخيَّة والأدبيَّة وصل إلينا كثيرٌ منها مثل: الروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر، وهذه السيرة كتبها المؤلِّفُ في حياة السلطانِ، وتشريف الأيام والعصور بسيرة السلطان الملك المنصور، وهي سيرةٌ للمنصور قلاوون، والروضة البهيَّة الزاهرة في خطط المُعِزِّية القاهرة. وقد امتدَّت الحياة بابن عبد الظاهر حتى تجاوز السبعينَ مِن عمره قضى معظمَها قريبًا من الأحداث التي شَهِدَتها مصرُ والشام فسَجَّلَها في كتبه. تُوفي في القاهرة في 4 من شهر رجب من هذه السنة, ودفن بالقرافة بتُربتِه التي أنشأها.

العام الهجري : 804 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1401
تفاصيل الحدث:

كان قد رُسِم لتغري بردي بنيابة دمشق، ثم في محرم سنة 804 كتب الأمراء بمصر لأمراء دمشق بالقبض على الأمير تغري بردي، فكَتَب له بذلك بعضُ أعيان أمراء مصر، فسبق كتابُه كتابَ الأمراء، فركب من دار السعادة بدمشق في نفرٍ من مماليكه في ليلة الجمعة ثاني عشرين المحرم وخرج إلى حلب، فتعيَّن لنيابة دمشق عوضًا عنه الأمير آقبغا الجمالي الأطروش أتابك دمشق، وكتب بانتقال دقماق نائب صفد إلى نيابة حلب عوضًا عن دمرداش المحمدي بحُكم عصيانه وانضمامه إلى تغري بردي لَمَّا قدم عليه من دمشق، واستقر الأمير تمربغا المنجكي في نيابة صفد عوضًا عن دقماق، وأما تغري بردي فإنه لما سار إلى حلب وجد الأمير دمرداش نائب حلب قد قبض على الأمير خليل بن قراجا بن دلغادر أمير التركمان، فأمره تغري بردي بإطلاقه، فأطلقه، واتفق الجميعُ على الخروج عن طاعة السلطان بسبب مَن حوله من الأمراء، واجتمع عليهم خلائِقُ من التركمان وغيرهم؛ فإن دقماق جمع جموعَه من العساكر والتركمان لقتال تغري بردي ودمرداش نائب حلب، وسار إلى جهة حلب، فخرج إليه تغري بردي وعلى مقدمته دمرداش، وصدموه صدمة واحدة انكسر فيها بجموعه وولَّوا الأدبار، ونهب ما معهم، وعاد دقماق منهزمًا إلى دمشق، واستنجد بنائبها الأمير آقبغا الجمالي الأطروش، وكتب أيضًا دقماق لجميع نواب البلاد الشامية بالحضور والقيام بنصرة السلطان، وجمع من التركمان والعربان جمعًا كبيرًا، وخرج معه غالب العساكر الشامية، وعاد إلى جهة حلب بعساكر عظيمة، وتغري بردي ودمرداش في مماليكهم لا غير، مع جدب البلاد الحلبية، وخراب قراها؛ فإنه كان عقيب توجه تيمورلنك بسنة واحدة وأشهر، فلما قارب دقماق بعساكره حلب أشار دمرداش على تغري بردي بالتوجه إلى بلاد التركمان من غير قتال، فقال تغري بردي: لا بد من قتالنا معه، فإن انتصرنا وإلا توجهنا إلى بلاد التركمان بحقٍّ، فبرزا لدقماق بمماليكهما، وقد صفَّ دقماق عساكره، واقتتلا قتالًا شديدًا، وثبت كل من الفريقين، وقد أشرف دقماق على الهزيمة، وبينما هو في ذلك خرج من عسكر تغري بردي ودمرداش جماعة إلى دقماق، فانكسرت عند ذلك الميمنة، ثم انهزم الجميع إلى نحو بلاد التركمان، فلم يتبعهم أحد من عساكر دقماق، وملك دقماق حلب، واستمر تغري بردي ودمرداش ببلاد التركمان، وكانت الأخبار وردت بجمع التركمان ونزولهم مع دمرداش إلى حلب، وأن دقماق نائب حلب اجتمع معه نائب حماة والأمير نعير، ثم في السنة التالية في محرم قدم تغري بردي إلى دمشق بأمان كان كُتِبَ له من قِبَل السلطان مع كُتُب جميع الأمراء، وقد فارق دمرداش ورغب في الطاعة، ثم انتقل منها إلى مصر فوصلها في آخر الشهر.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

بقي الخليفة العباسي المستعين بالله سلطانًا بعد خلع السلطان الناصر فرج أول السنة، ولكن الأمير شيخ المحمودي بيده كل شيء من أمر ونهي وعزل حتى تسمى بالأمير الكبير، ثم لما عَظُم أمره بعد موت بكتمر، وهو مقدم الألوف في الجيش، رأى شيخ المحمودي أن الجوَّ قد خلا له فلا مانع من سلطنته، فطلب الأمراء وكلَّمهم في ذلك، فأجاب الجميع بالسمع والطاعة طوعًا وكرهًا واتفقوا على سلطنته، فلما كان يوم الاثنين مستهل شعبان، وعمل الموكب عنده على عادته بالإسطبل السلطاني، واجتمع القضاة الأربعة، قام فتح الله كاتب السر على قدميه في الملأ وقال لمن حضر: إن الأحوال ضائقة، ولم يعهد أهل نواحي مصر اسم خليفة، ولا تستقيم الأمور إلا بأن يقوم سلطان على العادة، ودعاهم إلى الأتابك شيخ المحمودي، فقال الأمير شيخ: هذا لا يتم إلا برضا الجماعة، فقال من حضر بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، فمدَّ قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني يدَه وبايعه، فلم يختلف عليه اثنان، وخُلِعَ الخليفة المستعين بالله العباس من السلطنة بغير رضاه، وبعد مبايعته بالسلطنة لُقِّب بالملك المؤيد شيخ، ثم جلس على كرسي الملك، وبعث إلى الخليفة القضاة ليسلِّموا عليه، ويشهدوا عليه أنه فوَّض إلى الأمير شيخ السلطنة على العادة، فدخلوا إليه وكلموه في ذلك، فتوقف في الإشهاد عليه بتفويض السلطنة توقفًا كبيرًا، ثم اشترط في أن يؤذَنَ له في النزول من القلعة إلى داره، وأن يحلف له السلطان بأنه يناصِحَه سرًّا وجهرًا، ويكون سِلمًا لمن سالمه وحَربًا لمن حاربه، فعاد القضاة إلى السلطان وردوا الخبر عليه، وحَسَّنوا له العبارة في القول، فأجاب: يُمهَل علينا أيامًا في النزول إلى داره، ثم يُرسَم له بالنزول، فأعادوا عليه الجواب بذلك وشهدوا عليه، وتوجَّهوا إلى حال سبيلهم، وأقام الخليفة بقلعة الجبل محتفظًا به على عادته أولًا خليفة، فكانت مدة سلطنته من يوم جلس سلطانًا خارج دمشق إلى يوم خلعه يوم الاثنين أول شعبان، سبعة أشهر وخمسة أيام، فلما حان يوم الاثنين مستهل شعبان حضر القضاة وأعيان الأمراء وجميع العساكر وطلعوا إلى باب السلسلة، وتقدم قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وبايعه بالسلطنة، ثم قام الأمير شيخ من مجلسه ودخل مبيت الحراقة بباب السلسلة، وخرج وعليه خِلعة السلطنة السوداء الخليفتي على العادة، وركب فرس النوبة بشعار السلطنة، والأمراء وأرباب الدولة مشاة بين يديه، والقبة والطير على رأسه حتى طلع إلى القلعة، ونزل ودخل إلى القصر السلطاني، وجلس على تخت الملك، وقَبَّلت الأمراءُ الأرض بين يديه، ودُقَّت البشائر، ثم نودي بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته، وخُلِع على القضاة والأمراء ومن له عادة في ذلك اليوم.

العام الهجري : 819 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1416
تفاصيل الحدث:

لما عُزِل الشريف حسن بن عجلان بالشريف رميثة في صفر من السنة الحالية، ودخل رميثة إلى مكة لم يتعرض إليه الشريف حسن، حتى بعث ابنه بركات، وقائده شكر إلى السلطان، فقدما فكتب السلطان بإعادة الشريف حسن إلى الإمرة في ثامن عشر شهر رمضان، وجهز إليه تشريفه وتقليده، فقدما عليه وهو بجدة في ثاني شوال، فبعث إلى القواد العمرية -وكانوا باينوه من شعبان ولحقوا برميثة في مكة- يرغبهم في طاعته، فأبوا عليه وجمعوا لحربه، فسار إلى مكة وعسكر بالزاهر ظاهِرَ مكة في يوم السبت الثاني والعشرين شوال، ومعه الأشراف: آل أبي نمي، وآل عبد الكريم، والأدارسة، ومعه الأمير الشريف مقبل بن مختار الحسني أمير ينبع بعسكره، ومعه مائة وعشرون من الأتراك، فبعث إلى العمرية يدعوهم إلى طاعته، فندبوا إليه ثلاثة منهم، فلما أتوه خوَّفهم عاقبة الحرب وحذرهم، ومضوا إلى مكة فلم يعودوا إليه؛ لتماديهم وقومهم على مخالفته، فركب يوم الاثنين الرابع والعشرين من الزاهر، وخيَّم بقرب العسيلة أعلى الأبطح، وأصبح يوم الثلاثاء زاحفًا في ثلاثمائة فارس وألف راجل، فخرج إليه رميثة في قدر الثلث من هؤلاء فلما بلغ الشريف حسن إلى المعابدة، بعث يدعوهم، فلم يجيبوه فسار إلى المعلَّى ووقف على الباب ورمى من فوقه فانكشفوا عنه، وأُلقِيَت فيه النار فاحترق، وانبث أصحابُ حسن ينقبون السور ويرمون من الجبل بالنشاب والأحجار أصحاب رميثة، ثم اقتحموا السور عليهم وقاتلوهم حتى كثرت الجراحات في الفريقين، فتقدَّم بعض بني حسن وأجار من القتال، فانكف عند ذلك حسن، ومنع أصحابه من الحرب، فخرج القضاة والفقهاء والفقراء بالمصاحف والربعات إلى حسن، وسألوه أن يكفَّ عن القتال، فأجابهم بشرط أن يخرج رميثة ومن معه من مكة، فمضوا إلى رميثة وما زالوا به حتى تأخر عن موضعه إلى جوف مكة، ودخل الشريف حسن بجميع عسكره، وخيم حول بركتي المعلى، وبات بها، وسار يوم الأربعاء السادس والعشرين وعليه التشريف السلطاني ومعه عسكره، إلى المسجد، فنزل وطاف بالبيت سبعًا، والمؤذِّنُ قائم على بئر زمزم يدعو له حتى فرغ من ركعتي الطواف، ثم مضى إلى باب الصفا فجلس عنده، وقرئ تقليده إمرة مكة هناك، ثم قرئ كتاب السلطان إليه بتسلُّم مكة من رميثة، وقد حضره عامة الناس، ثم ركب وطاف البلد، ونودي بالأمان، وأجَّل رميثة ومن معه خمسة أيام، فلما مضت سار بهم إلى جهة اليمن، واستقرَّ أمر الشريف حسن بمكة على عادته، وثبت من غير منازِع.

العام الهجري : 986 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1578
تفاصيل الحدث:

كان محمد المتوكل على الله بعد هزيمته من عمِّه عبد الملك قد اتصل بمَلِك البرتغال سبستيان، واتَّفق معه على أن يُعينَه على طرد عمِّه من حكم المغرب، وأن يتنازلَ له مقابل ذلك عن جميع شواطئ المغرب، فقَبِلَ سبستيان ذلك العرض المغربي، انتقل المتوكِّل إلى سبتة، وأقام بها أربعة شهور، ومنها اتَّجه إلى طنجة في انتظار سبستيان على رأس القوات العسكرية، وفي أثناء استعدادات الدول الأوروبية- وخاصة البرتغال- للوثوب على المغرب، وإخضاعه بالكامل، حيث استطاع سبستيان أن يحشد من النصارى عشرات الألوف من الإسبان والبرتغاليين والطليان والألمان، وجهَّز هذه الألوف بكافة الأسلحة الممكِنة في زمنه، وجهَّز ألف مركب لتحمِلَ هؤلاء الجنود نحو المغرب، وأقلُّ ما قيل في عددهم ثمانون ألف مقاتل! بينما كان المغاربة بقيادة السلطان أبي مروان عبد الملك السعدي وتَعداد جيشه أربعون ألف مجاهد يملكون تفوقًا في الخيل، ومدافِعُهم أربعة وثلاثون مِدفعًا فقط، وكانت معنوياتهم مرتفعةً جدًّا, وقد أرسل العثمانيون لهم مُدرَّبين وأسلحة متنوعة، مشفوعة بفيلق عسكري, فقامت معركة بين الطرفين صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة من هذه السنة تسمى معركة وادي المخازن، أو ما يعرف بمعركة الملوك الثلاثة، والتي تُسمَّى في كتب التاريخ معركة القصر الكبير، استمرت ما يزيد على الأربع ساعات، كتب الله فيها النصر للإسلام والمسلمين، وقد قُتِلَ في المعركة مَلِكُ السعديين عبد الملك أبو مروان، والملك المخلوع ابن أخيه محمد الثاني المتوكل على الله، والملك سبستيان ملك البرتغال، وقد وصَفَ بعض مؤرخي البرتغال نتائجَ المعركة بقوله: كان مخبوءًا لنا في مستقبل الأعصار العصرُ الذي لو وصفتُه لقلتُ: هو العصرُ النحسُ البالِغُ النحوسةِ، الذي انتهت فيه مدَّةُ الصولة والظفر والنجاح، وانقَضَت فيه أيامُ العناية من البرتغال، وانطفأ مصباحُهم بين الأجناس، وزال رونقُهم، وذهبت النخوةُ والقوة منهم، وخلفها الفشلُ الذريع، وانقطع الرجاء واضمحلَّ إبَّان الغنى والربح، وذلك هو العصر الذي هلك فيه سبستيان في القصر الكبير في بلاد المغرب, وكان من أهم أسباب هذه المعارك رغبةُ البرتغاليين أن يمحو عن أنفسهم العار والخزي الذي لحقهم بسبب ضربات المغاربة الموفَّقة، والتي جعلتهم ينسحبون من آسفي وأزمور وآصيلا وغيرها في زمن يوحنا الثالث (1521-1557م)، كما أراد مَلِكُ البرتغال الجديد سبستيان بن يوحنا أن يخوض حربًا مقدَّسة ضِدَّ المسلمين حتى يعلوَ شأنه بين ملوك أوروبا، وزاد من غروره ما حقَّقه البرتغاليون من اكتشافات جغرافية جديدة أراد أن يستفيد منها من أجل تطويق العالم الإسلامي، يدفعُه في ذلك حِقدُه على الإسلام وأهلِه عمومًا، وعلى المغرب خصوصًا، فجمع بين الحقدِ الصليبي والعقليَّة الاستعمارية التي ترى أنَّ يدها مُطلقةٌ في كل أرض مسلمة تعجِزُ عن حماية نفسِها من أي خطر خارجي.

العام الهجري : 1021 العام الميلادي : 1612
تفاصيل الحدث:

استغَلَّ الشاه عباس الصفوي انشغالَ الدولة العثمانية بالثورات الداخلية والحروب مع أوربا، بالإضافة للضعف الذي دبَّ فيها، فباشر في تخليصِ عراق العجم, واسترجع شمالَ العراق وتبريز ووان، واستطاع أن يحتلَّ بغداد والأماكن المقدَّسة الشيعية في النجف وكربلاء والكوفة، وكانت الجيوشُ العثمانية أضعفَ من أن تقاوم الجيوشَ الصفوية، فاضطر السلطان العثماني أحمد الأول أن يعقِدَ صلحًا مع الصفويين في عام 1013هـ استرجع فيه الصفويون كلَّ المناطق التي كان قد ضَمَّها السلطان سليمان القانوني، بما في ذلك بغداد، وكان هذا بداية التراجع للدولة العثمانية. وقد زارها الشاه عباس الصفوي وسَطَ مظاهر الإجلال والتقديس، وقد أورد بعضُ المؤرخين أنه قضى عشرة أيام في زيارته للنجف؛ حيث قام بنفسِه بخدمة الحُجَّاج في ذلك المكان، كما يذكرون أيضًا أنَّه إمعانًا في إعلان تمسُّكِه بالمذهب الشيعي وولائِه للرفض، وعلى الرغمِ من تعصُّبه الشديد للمذهب الشيعي إلَّا أنه رفع أيدي رجال الدينِ عن التدخُّل في شئون الحكم والسياسة، ومارس نوعًا من السلطة المُطلَقة في حكم البلاد، وقد أنزل الشاه عباس الصفوي أقسى أنواعِ العقاب بالسنَّة الذين يعتبرهم أعداءً للدولة، فإما أن يُقتَلوا أو تُسمَل عيونُهم، ولم يكن يتسامحُ مع أيٍّ منهم إلا إذا تخلى عن مذهبِه السني وأعلن ولاءه للمذهب الشيعي، واضطرت الدولةُ العثمانية نتيجةً لمعاهدة مع الصفويين أن تترك للدَّولة الصفوية الرافضية الشيعية جميعَ الأقاليم والبلدان والقلاع والحصون التي فتحها العثمانيون في عهد السلطان الغازي سليمان الأول بما فيها مدينة بغداد! وهذه أول معاهدة تركت فيها الدولةُ بعضَ فتوحاتِها، وكانت فاتحةَ الانحطاط والضَّعفِ، وأوَّلَ المعاهدات التي دلَّت على ضعف الدولة العثمانية! لقد بالغ الشاه عباس الصفوي في عدائه للمذهب السُّني، وإمعانًا في ضرب الدولة العثمانية حاميةِ المذهب السنِّي اتصل بملوك النصارى، وعقَدَ اتفاقات تعاوُن مشترك معهم؛ من أجلِ تقويض أركان الدولة العثمانية السُّنية، وقدَّم العديد من التنازلات لهذه الدول الأوروبية النصرانية تأكيدًا لتعاونِه معهم انطلاقًا من عدائِه للدولة العثمانية، وعامل الشاه عباس الصفوي النصارى في إيران معاملةً حسنةً على عكس معاملته لأهل السنَّة، وقد كان لمعاملته المتميِّزة للنصارى أن نشِطَت الحركة التنصيرية في إيران، كما شجع التجار الأوربيين في عقد صفقات تجارية كبيرة مع التجَّار في إيران، وأصبحت إيران سوقًا رائجًا للتجارة الأوروبية، ثم توَّج تسامحه مع النصارى بأن أعلن في عام 1007هـ أوامِرَه بعدم التعرضِ لهم، والسماح لهم بحرية التجوُّل في ربوع الدولة الصفوية، وأعطاهم امتيازاتٍ ببناء الكنائس في كبرى المدن الإيرانية، وهذه المعاملة للنصارى كانت نكايةً في الدولة العثمانية السُّنِّية!!

العام الهجري : 1187 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1773
تفاصيل الحدث:

غزا الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود الرياضَ في صفَر, فنازل أهلَها أيامًا عديدة وضيَّق عليهم واستولى على بعضِ برودِها وهدم أكثَرَها وهدم المرقابَ، وحصل بينهم قتالٌ قُتِل فيه عددٌ من أهل الرياض، وكانت هذه الغزوةُ. يقول ابن بشر: "بعد هذه الوقعة دخل قلبَ دهام الرعبُ والخجَلُ، ودخله الخوفُ والوجَلُ، فلم تستقرَّ له عينٌ, وقام يحاول الانهزامَ، وجمع رؤساءَ بلَدِه وأخبَرَهم بحقيقة مقصِدِه وأنه ملئَ خوفًا ورعبًا، فصاحوا عليه بأجمَعِهم وقالوا: خذ منا العهدَ والميثاقَ، فقال لهم: دعوني، فليست هذه البلدُ لي وطنًا، ولا أجد لي بها أنسًا ولا سكنًا" فلما انتصف ربيع الثاني من هذا العام سار عبد العزيز للمرَّةِ الثانية في هذا العام لغزوِ الرياضِ، فلمَّا قَرُب منها جاءه البشير بأنَّ ابنَ دواس قد هرب من الرياض، فحَثَّ عبد العزيز السيرَ إليها فدخلها بعد أن ألقى اللهُ في قلب دهام  الرعبَ، فخرج منها هو ونساؤه وعياله وأعوانه. يصف ابنُ بشر خروجَ ابن دواس من الرياض ودخولَ الإمام عبد العزيز بن محمد بقوله: "وهذا شيء حدث، فإنَّه ما خاف من أهل بلدِه خيانةً، بل كلُّهم صادقون معه، ولا حصل عليه تضييقٌ يُلجِئه إلى ذلك، والحرب بينه وبين المسلمين له وعليه، ولكنَّ الله سبحانه جعلها آيةً لِمن افتكر، وعبرةً لمن اعتبر. قيل إنه انتفخ سَحرُه وطاش قلبُه ولبُّه، فقام فزعًا مرعوبًا وركب خيلَه وركابَه، فلما ظهر من القصر، قال: يا أهل الرياض، هذا لي مدة سنين أحارب ابنَ سعود، والآن سئمت من الحرب، فمن أراد أن يتبعني فليفعَلْ, ففَرَّ أهل الرياض في ساقتِه الرجال والنساء، هربوا على وجوههم إلى البَرِّ، وقصدوا الخرجَ، وهلك منهم خلقٌ كثير عطشًا وجوعًا.. والرجل من أهل الرياض يأخذُ الغرب- نوع من الدلو كبير-يجعل فيه ماء ويحمله على ظهرِه، والغرب لا يمسِكُ الماء، والإبل عنده لا يركَبُها، وتركوها خاويةً على عروشها: الطعام واللحم في القدور، والسواني في المناحي، والأبواب لم تغلق, وفي البلدِ مِن الأموال ما يعجِزُ عنه الحصر, فلما دخل عبد العزيز الرياضَ نادى فيها بالأمانِ، فرجع كثيرٌ منهم وسكنوها، وحاز عبد العزيز ما فيها من أموالِ الهاربين من السلاحِ والطعام والأمتعة وغير ذلك، ومات ممَّن مع دهام في هزيمتِه أربعمائة..  وقد أقام هذه الحرب سبعة وعشرين سنة، وذكر لي أنَّ القتلى في هذه المدة نحو أربعة آلاف رجل: من أهل الرياض ألفان وثلاثمائة, ومن المسلمين ألف وسبعمائة". وقد ترتَّب على خروج دهام بن دواس نهائيًّا من الرياض منهزمًا, وقُضِيَ على أعتى خصوم الدعوة في نجدٍ, ودخول الرياض تحتَ حُكمِ دولة الدرعية.

العام الهجري : 1249 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1834
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، من أمراءِ نجد، وَلِيَها بعد مقتل ابنِ عَمِّه مشاري بن سعود. كان تركي بن عبد الله فارًّا من وجه التُّرك وعُمَّال والي مصر محمد علي، في الخَرجِ بنجد، وعلم بأنَّ مشاري بن معمر قبض على ابنِ عَمِّه مشاري وسَلَّمه إلى الترك فقَتَلوه، فخرج من مخبئه ودخل العارضَ فنازع ابن معمر برهةً مِن الزمن، ثم قتَلَه بابن عمه، وتولى الحكمَ مكانه. وبولايةِ تركي بن عبد الله انتقل الحكمُ في آل سعود من سلالةِ عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى سلالة أخيه عبد الله بن محمد بن سعود، وكان تركي شجاعًا؛ أخذ على عاتقه إخراجَ الترك ومَن معهم من المصريين عن بلادِه، فاستردَّ الأحساء والقطيف، وصالحَه أميرُ حائل، وانبسط نفوذُه في القصيم. واستمَرَّ إلى أن قام مشاري بن عبد الرحمن ابن أخت تركي بن عبد الله -وهو ابنُ عمه أيضًا- بقَتلِه غدرًا، قال ابن بشر: "عزم مشاري على إظهارِ ما أبطن وجَرَّد سيفه لإثارة الفِتَن، وذلك بمساعدة رجالٍ أسافِلَ مِن الخدمِ الأراذلِ، وقد تواعدوا عليه بعد صلاةِ الجمعة إذا خرج من المسجِدِ، فلما صلى الجمعة وخرج.. من المسجدِ، وقف له البغاة عند الدكاكين بين القصر والمسجد، وبيده مكتوبٌ يقرؤه، وفي جنبه رَجُلٌ على يساره، واعترضهم منهم عبدٌ خادم لهم يقال له إبراهيم بن حمزة، فأدخل الطبنجة مع كُمِّه وهو غافِلٌ فثورها فيه، فخَرَّ صريعًا، فلم تخط قلبه، وإذا مشاري قد خرج من المسجد فشَهَر سيفَه وتهدَّد الناس وتوعَّدَهم، وشهر أناسٌ سُيوفَهم معه فبُهِتَ الناس وعَلِموا أن الأمر تشاوروا فيه وقُضِيَ بليلٍ، فلما رأى زويد العبد المشهور مملوكُ تركي عمَّه صريعًا، شهر سيفه ولَحِقَ برجلٍ من رجاجيل مشاري فجَرَحَه.. ثم إن مشاري دخل القصرَ من ساعته وأعوانه معه.. وجلس للناسِ يدعوهم إلى البيعةِ، فلما علم آلُ الشيخِ وقوعَ هذا الأمر جلسوا في المسجد، فلم يخرجوا منه حتى أرسل إليهم مشاري يدعوهم فأبَوا أن يأتوا إلا بالأمانِ، فكتب لهم بالأمان، فأتوا إليه وطلب منهم المبايعةَ فبايعوه، ثمَّ نُقِلَ تركي من موضعه ذلك، وأدخلوه بيت زويد فجُهِّزَ وصلى عليه المسلمون بعد صلاة العصر، ودُفِنَ في مقبرة الرياض آخر ساعة من يوم الجمعة"، وكان قتلُ تركي بن عبد الله على يد ابن عمه مشاري بن عبد الرحمن أوَّل جريمةٍ مِن نوعِها في آل سعود.  وكان ابنُه فيصل في القطيف على رأس جيشٍ، فلما علم بمقتلِ أبيه رجع من فوره واستطاع أن يقتُلَ مشاري، ثم يتولى الإمامةَ والحُكمَ.

العام الهجري : 1317 العام الميلادي : 1899
تفاصيل الحدث:

أجبرت إنجلترا حكومةَ مِصرَ على سَحبِ جَيشِها من السودانِ بعد انتصارِ ثورة المهدي، وقاد كيتشنر مع عددٍ مِن الضباط الإنجليز حملةَ الجيش المصري لإعادةِ احتلال السودان من عام 1896م حتى عام 1898م؛ حيث انهزم المهديُّون في معركةِ أم درمان الفاصلة، فأجبر الإنجليز مصرَ على توقيع اتفاقية هذا العام (بحجَّة أن السودان قد أُعيدَ فتحه بدعمٍ مِن البلدين) فنصَّت الاتفاقيَّةُ على رفع العَلَمين المصري والإنجليزي. وعلى تعيينِ حاكمٍ عَسكريٍّ للسودان تختارُه بريطانيا ويعَيِّنُه الخديوي، ويفصل بالطريقة ذاتها. وكان كيتشنر أولَ حاكمٍ عسكريٍّ عامٍّ هناك، كما احتفظ لمصرَ في السودان بفرقةٍ عسكرية, وفي عام 1924م بدأت التظاهراتُ والاحتجاجات تعُمُّ مصر والسودان، أدَّت إلى اغتيال الحاكم العام للسودان أثناءَ زيارتِه لمصر، فاستغل الإنجليزُ مقتلَ اللواء الإنجليزي لي أوليفير فيتزماورس ستاك السردار (قائد) الجيش المصري في السودان، ما أدَّى إلى ردٍّ عنيفٍ تمثَّل بمنع مشاركة مصر في حُكمِ السودان حسَبَ معاهدة 1899م، فأجبر الإنجليزُ حُكومةَ مِصرَ على سحبِ فرقتِها العسكرية من السودان، ولكِنَّ بعضَ الوحدات المصرية ما لَبِثَت أن عادت بعد معاهدة 1936م. وفي الفترةِ التي نالت فيها مِصرُ استقلالها، تنامت حركاتُ المعارَضة في السودان. وقد نجح البريطانيون في مَطلَعِ العشرينايت في تكوين تيارٍ سوداني قوي معادٍ لمصرَ، وحمل شعار: «السودانُ للسودانيين» وأدَّت التحوُّلاتُ السياسية السودانية في الثلاثينيات إلى تصدُّعِ هذا الحِلْف، ذلك أنَّ نفوذَ حَركةِ المهدي وقُوى تحالفِها مع البريطانيين أدَّى هذا إلى إثارةِ حَفيظةِ الميرغني الذي قرَّر نكايةً بالإنجليز التحالُفَ مع القوى الوطنية «مؤتمر الخريجين» وراحوا ينادون من جديدٍ بالوَحدةِ مع مصر، إلَّا أنَّ خيبات الأمل والضَّرَبات التي كسرت الصورةَ المثالية لمصر عند السودانيين توالت، وخاصةً عند الشباب الذي سافر للتعلم في القاهرة. وكانت الضربةُ الثانيةُ بعد معاهدة 1936م بين مصر وبريطانيا التي أعادت إلى مصرَ شيئًا من نفوذِها على السودان. فقد صدمت هذه المعاهدةُ السودانيين؛ لأنَّها لم تذكُرْ لهم أيَّ دور، هذا ما أعاد بعثَ الحركة الوطنية التي وإن كانت تتطلَّعُ إلى مصر، إلَّا أنَّها أدركت أنَّ مِصرَ لا يمكِنُ الاعتماد عليها كليًّا لتعَبِّرَ عن صوت السودانيين. بعد ذلك حصل منعطَفٌ كبير وهو ثورة 23 يوليو 1952م في مصر، وبروز اللواء محمد نجيب، الذي كان يتمَتَّعُ بشعبية واسعة في السودان؛ حيث اعتُبِرَ أنَّه نِصفُ سودانيٍّ، وبعده مجيء جمال عبد الناصر، فأعطت هذه الثورةُ دفعةً قويةً لتيار الوَحدةِ بعد تراجُعِه كثيرًا. وكانت الثورةُ مُتجاوِبةً مع الوَحدويِّين السودانيين، وكان قادتُها على قدر كبير من التفَهُّم والوعي لمطامِحِ الحركة الوطنية السودانية، وتمكَّنوا في الوقت نفسِه من طمأنة حزبِ الأمة والاستقلاليين إلى نوايا مصرَ، ولم يتردَّدوا في توقيعِ اتفاق مع كلِّ الأحزاب السودانية في عام 1953م لمنح السودان حقَّ تقريرِ مَصيرِه.

العام الهجري : 1339 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1921
تفاصيل الحدث:

كان فيصل بن الحسين ثالثُ الأبناء قد نُصبَ ملكًا على سوريا الجزءِ الأكبر من بلاد الشام، لكِنَّه لم يلبث أن طُرِدَ في العاشر من ذي القعدة 1338هـ / 25 تموز 1920م عندما دخل الفرنسيون إلى سوريا، وكانت إنجلترا بعد أن نكَثَت كلَّ العهود التي أعطتها للشريف حسين ظنَّت أنَّ فيصلًا أنسب أبنائه لحُكمِ العراق التي كانت تحت سيطرتها، فكتب وزيرُ الخارجية الإنجليزي كرزون إلى نائب الحاكِمِ الملكي في العراق يسألُه عن هذا الرأي، فرد النائب باقتراح أحدِ هؤلاء: هادي العمري، نقيب أشراف بغداد، عبد الرحمن الكيلاني، أحد أبناء الحسين بن علي، أحد أفراد الأسرة الخديوية في مصر. مع ترشيحِه هو لهادي العمري، كان تفضيل بريطانيا لفيصل ابن الشريف حسين ليكونَ ملكًا على العراق لعدَّةِ أسباب: منها تهدئة خواطر العرب الذين أُصيبوا بخيبةِ أملٍ بعد عزم دول الحُلَفاء بفرضِ سياسة الانتداب على البلاد العربية التي كانت تحت حُكمِ الدولة العثمانية، ووعد بلفور الذي يهدِّدُ مستقبل فلسطين، وكذلك اطمئنان الإنجليز من شِدَّةِ ولاء الشريف حسين وأبنائه للإنجليز واستعدادهم لتنفيذ سياساتها في المنطقة بكلِّ إخلاص. لذلك دعت الحكومةُ البريطانية فيصلًا لزيارة لندن، وقابل الملك جورج الخامس الذي عَرَض عليه مُلكَ العراق، لكن فيصل أبدى اعتراضًا، وهو أن أخاه عبد الله رشَّحه الشاميون لمُلك العراق، فقام لورنس بالتفاوض مع عبد الله على أن يكون هو ملكًا على شرق الأردن، ويترك مُلْك العراق لأخيه فيصل، فوافق، ثم قام برسي كوكس ممثِّل الحكومة البريطانية في العراق بتشكيل حكومةٍ وطنية، فكُوِّنت بمساعدة عبد الرحمن الكيلاني، وكُوِّن مجلس شورى، ثم قَبْلَ تنصيبِ الملك فيصل على العراق ساومه ونستون تشرشل على أن يكونَ بينهما معاهدة -يعني بين العراق وإنجلترا- تقوم مقامَ الانتداب وتؤدِّي غرضَه، يعني: في تحقيق مصالح إنجلترا في العراق، ثم ليبدوَ الأمر ليس مفروضًا على العراق؛ لأن المرشَّحين لمنصب الملك على العراق كُثُر، ومع أنه اقترح غير النظام المَلَكي، لكنَّ إنجلترا رأت أنَّ النظام الملكي حاليًّا أنسب لوضع العراق، ثم أخذت بإشاعةِ الخبر والدعاية لفيصل في العراق، ثم صرحت الحكومةُ البريطانية بموافقتها على ترشيحه، وبعد أن انتهت التمهيداتُ سافر فيصل إلى العراق على متنِ الباخرة البريطانية نورث بروك في ميناء البصرة في السابع عشر من شوال 1339هـ / 23 حزيران 1921م فاستُقبِلَ استقبالًا حارًّا، ثم سافر إلى بغداد، وكلما مرَّ على قرية عُمِلت له الاحتفالات، ووصل إلى بغداد في 23 شوال 1339هـ / 29 حزيران 1921م وبايعه مجلس الوزراء في الخامس من ذي القعدة من العام نفسه / 5 تموز، وأعدت وزارة الداخلية صورةً لمضبطه يُعلِنُ فيها الأهالي تأييدَهم، وتُوِّجَ مَلِكًا على العراق في يوم 18 ذي الحجة 1339هـ / 23 آب 1921م.

العام الهجري : 1345 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1927
تفاصيل الحدث:

تمَّت معاهدةُ جُدة بين حكومة بريطانيا وحكومة ملك الحجاز وملحقاتِها؛ لتوطيد العلاقة بينهما، وتأمين مصالحهما، وقد مثَّل بريطانيا جلبرت فلكنجهام كلايتن، بينما مثَّل حكومة ملك الحجاز وملحقاتها الأميرُ فيصل بن عبد العزيز نائب الملك في الحجاز، وأهم ما جاء في هذه المعاهدة: اعترافُ الحكومة البريطانية بالاستقلال التام لعبد العزيز آل سعود ملكًا على الحجاز ونجد، وتعهَّد الجانبان بالحفاظ على السلام والصداقة بينهما، وتعهَّد الملك عبد العزيز بتسهيل مهمَّة الحجاج من الرعايا البريطانيين إلى الديار المقدسة أسوةً بباقي الحجاج، واعترفت بريطانيا بالجنسية الحجازية النجدية لجميعِ رعايا هذه البلاد وملحقاتها خلالَ وجودِهم في بريطانيا أو في محميَّاتها، وتعهَّد الملك عبد العزيز بالحفاظ على العلاقات السِّلمية مع الكويت والبحرين ومشيخات ساحل عمان ومسقط وعُمان، الذين يرتبطون بمعاهدات مع بريطانيا، وأن يتعاونَ الطرفان للقضاء على تجارة الرقيق في الحجاز، وتم إلحاقُ الكتب التي تبودِلَت بين الملك عبد العزيز وكلايتون بالمعاهدة، خاصةً فيما يتعلَّقُ برغبة عبد العزيز في شراء وتوريد جميع الأسلحة والأدوات العسكرية والذخيرة من الأمور والحاجيات العسكرية التي يحتاجها؛ فقد أكد كلايتون أنَّ الحكومة البريطانية لا ترى ضرورةَ إيرادها في نص المعاهدة بعد أن تمَّ إلغاء قرار تحريم تصدير الأسلحة إلى المنطقة؛ وعليه فإن الملك عبد العزيز يمكن أن يستورد من السلاح ما يشاء على أنَّ بريطانيا تفَضِّل أن يتم الاتفاق مباشرة مع المنتجين البريطانيين للأسلحة. وبعد أن أصدر الملك عبد العزيز قرارَ تصديق المعاهدة وكذلك ملك بريطانيا جورج الخامس تبادل مديرُ الشؤون الخارجية الدكتور عبد الله الدملوجي مع القنصل البريطاني في جدة قراراتِ التصديق في 17 سبتمبر، وأصبحت المعاهدةُ نافذةَ المفعول من تاريخ التصديق لمدة سبع سنوات قابلة للتجديد على أساس الموافقة المتبادلة بينهما. وقد رحَّب العديد من الأوساط السياسية والصحفية العربية والبريطانية بعقد معاهدة جدة، وتم في المعاهدة إلغاءُ نظام الحماية والتبعية والقيود التي فرضتها معاهدةُ العقير عام 1915م. كان هَمُّ الملك عبد العزيز في هذه المعاهدة انتزاعَ اعتراف بريطانيا بسيادتِه على جميع المناطق التي ضمَّها تحت حُكمِه، وقد تحقَّق له ذلك كما تمَّ إلغاءُ الامتيازات الأجنبية في الحجاز والتي كان يتمتع بها الرعايا الأجانب دونَ غيرهم في القضاء والقانون الجنائي والمدني، ووضعت المعاهدة أساسًا جديدًا للمساواة في تطبيق القانون بين الأقليات في الحجاز. كما حصلت بريطانيا على استقرارِ الأمن والاستقلال في الساحل الشرقي بالحفاظ على علاقات سلام مع الكويت والبحرين وقطر وعمان التي تربطها ببريطانيا معاهدات حماية، كما ضَمِنَت بريطانيا بموجِبِ هذه المعاهدة سلامةَ حجِّ رعاياها في جميع مستعمراتها.

العام الهجري : 1355 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1936
تفاصيل الحدث:

بعد أن رأى الكثيرُ من السوريين أنَّ الكفاحَ المسلَّحَ لا يتكافأُ مع القوات الفرنسية لجؤوا إلى الكفاح الدبلوماسيِّ، فبدأت تظهَرُ الكتلة الوطنية والجمعية التأسيسية التي دعت لوضع دستورٍ للبلاد، وعمَلِ انتخابات نيابية حُرَّة، وإلغاءِ الأحكام العرفية، ثم حصلت تطوراتٌ في إصدار دساتير عديدة، أحدها لدولة سوريا، وآخر لدولة العلويين في اللاذقية، وثالث للدروز، ثمَّ حُلَّت الحكومة المؤقتة، وعملت انتخابات جديدة، وحصل محمد علي العابد على رئاسة الجمهورية، ولكِنْ في أواخر سنة 1935م قام إضرابٌ عام في دمشق استمر خمسين يومًا، وحصلت اضطراباتٌ، واستقالت أكثَرُ من وزارة، وبسبب ذلك تم الاتفاقُ على معاهدة تضع حدًّا للانتداب، فشُكِّلَ وَفدٌ سوريٌّ مكَلَّفٌ بالتفاوضِ مع الحكومة الفرنسية برئاسة هاشم الأتاسي، وعضوية كلٍّ من فارس الخوري، جميل مردم، سعد الله الجابري: ممثِّلين عن الكتلة الوطنية، ومصطفى الشهابي، إدمون حمصي: ممثلين عن الحكومة، ونعيم أنطاكي سكرتيرًا، والقائم مقام أحمد اللحام أحد ضباط الجيش العربي سابقًا خبيرًا ومستشارًا عسكريًّا، التقى الوفدُ بسياسي وزارة خارجية فرنسا، وكانت العقبةُ الأساسية الأولى التي اختلف عليها الطرفان هي قضية توحيد الأراضي؛ فقد أصرَّ الجانِبُ السوري المفاوِضُ على وَحدة الأراضي السورية بالشَّكلِ الذي كانت عليه في عهد العثمانيين، وتوصَّل الطرفان المتفاوضان إلى حَلٍّ وَسطٍ يقضي بقيام دولتين مستقلَّتين في المنطقة سورية ولبنان، وأن يبقى لبنانُ ضِمنَ حدوده الراهنة، مقابِلَ موافقة الوفد الفرنسي على إعادة توحيد إقليمي جبل الدروز وجبل العلويين مع سورية، وأمَّا بالنسبة لسنجق الإسكندرونة فقد أقرَّت فرنسا بتبعيته لسورية، ولكنْ بشرط أن يكون له وضعٌ خاصٌّ يُتَّفَق عليه فيما بعد. وكانت العقبةُ الثانية أمام نجاح المفاوضات هي المتعلقة بالقوات السورية الخاصة بعد توقيع المعاهدة، وأصرَّ الوفدُ السوري على استعادة القوات فورًا؛ نظرًا لأنَّ نفقاتِها كانت من الموازنة السورية طيلةَ السنوات العشر الأخيرة، أمَّا الجانب الفرنسي فكان يرغَبُ بإبقائها تحت قيادة ضباط فرنسيين خلالَ فترة معينة يمكِنُ بعدها تسليمُها إلى الحكومة السورية بعد توقيع اتفاق عسكري معها، فتَمَّ الاتفاق على أنه يجوز للحكومة الفرنسية أن تحتَفِظَ ولمدة خمس سنوات ببعض القوات خارج المدن وبمطارين، وبقوات محدودةٍ ضِمنَ محافظتي جبل الدروز ومنطقة العلويين، على أن تعترف المعاهدةُ باستقلال سوريا. لكِنَّ المعاهدة لم يُنفَّذ منها شيء؛ لأنها لم تُعرَض على البرلمان الفرنسي، واقترح إضافة ملاحق جديدة على المعاهدة، منها إعطاءُ حكم ذاتي للدروز والنصيريين وسكان الجزيرة الفراتية حكمًا ذاتيًّا، وتعدى الاتفاق العسكري الذي يوجِبُ جلاء الجيش الفرنسي عن البلاد بحيث يصبِحُ هذا الوجود دائمًا.