الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2161 ). زمن البحث بالثانية ( 0.008 )

العام الهجري : 587 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1191
تفاصيل الحدث:

في يومِ الجُمُعة سابِعَ عشر جمادى الآخرة، استولى الفرنجُ على مدينة عكا، وكان أوَّل وَهَن دخل على مَن بالبلد أنَّ الأمير سيف الدين علي بن أحمد الهكاري، المعروف بالمشطوب، كان فيها ومعه عدة من الأمراء كان هو أمثَلَهم وأكبَرَهم، خرج إلى ملك إفرنسيس وبذل له تسليمَ البلدِ بما فيه على أن يُطلِقَ المسلمين الذين فيه، ويُمَكِّنَهم من اللَّحاق بسلطانهم، فلم يجِبْه إلى ذلك، فعاد عليُّ بن أحمد إلى البلد، فوَهَن من فيه، وضَعُفَت نفوسهم، وتخاذلوا، وأهمَّتْهم أنفُسُهم، ثمَّ إن أميرين ممن كانا بعكَّا، لَمَّا رأيا ما فعلوا بالمشطوب، وأن الفرنجَ لم يجيبوا إلى الأمان، اتخذوا الليلَ جَمَلًا، وركبوا في شيني صغيرٍ، وخرجوا سرًّا من أصحابهم، ولَحِقوا بعسكر المسلمين، وهم عزُّ الدين أرسلان الأسدي، وابن عز الدين جاولي، ومعهم غيرهم، فلما أصبح الناسُ ورأوا ذلك ازدادوا وهنًا إلى وهنِهم، وضعفًا إلى ضَعفِهم، وأيقنوا بالعطب، ثم إنَّ الفرنج أرسلوا إلى صلاح الدين في معنى تسليمِ البلد، فأجابهم إلى ذلك، والشَّرطُ بينهم أن يُطلِقَ مِن أسراهم بعَدَدِ مَن في البلد ليُطلِقوا هم مَن بعكا، وأن يسَلِّمَ إليهم صليبَ الصلبوت، فلم يَقنَعوا بما بذل، فأرسل إلى مَن بعكا من المسلمين يأمُرُهم أن يَخرُجوا مِن عكا يدًا واحدةً ويسيروا مع البحرِ ويَحمِلوا على العدوِّ حملةً واحدة، ويتركوا البلدَ بما فيه، ووعَدَهم أنه يتقَدَّمَ إلى تلك الجهة التي يخرجونَ منها بعساكره، يقاتِلُ الفرنج فيها ليلحقوا به، فلم يدركوا ذلك، وحملوا على الفرنجِ مِن جميع جهاتهم ظنًّا منهم أن الفرنجَ يَشتَغِلونَ عن الذين بعكا، وصلاح الدين يُحَرِّضُهم، وهو في أوَّلِهم، وكان الفرنجُ قد زحفوا من خنادِقِهم ومالوا إلى جهة البلد، فقَرُبَ المسلمون من خنادقهم، حتى كادوا يدخلونها عليهم ويَضَعونَ السيف فيهم، فوقع الصوتُ فعاد الفرنجُ ومنعوا المسلمين، وتركوا في مقابلة من بالبلد من يقاتِلُهم، فاتفقوا على تسليمِ البلد، فلما ملكه الفرنج غَدَروا واحتاطوا على من فيه من المسلمين وعلى أموالهم، وحَبَسوهم، وأظهروا أنَّهم يفعلون ذلك ليَصِلَ إليهم ما بُذِلَ لهم بالتسليم وراسلوا صلاح الدين في إرسال المال والأسرى والصليب، حتى يُطلِقوا من عندهم، فعَلِمَ النَّاسُ غَدْرَهم، وإنما يُطلِقونَ غِلمانَ العسكر والفقراء والأكراد ومن لا يؤبَهُ له، ويمسكون عندهم الأمراءَ وأرباب الأموال، يَطلُبونَ منهم الفداءَ، فلم يجبهم السلطان إلى ذلك، فلما كان يوم الثلاثاء السابع والعشرين من رجب، ركب الفرنج، وخرجوا إلى ظاهِرِ البلد بالفارس والراجل، وركب المسلمون إليهم وقَصَدوهم، وحملوا عليهم، فانكشَفوا عن موقِفِهم، وإذا أكثَرُ من كان عندهم من المسلمينَ قتلى قد وَضَعوا فيهم السيفَ وقتلوهم واستبقَوا الأمراءَ والمُقَدَّمين ومن كان له مال، وقَتَلوا مَن سواهم من سوادِهم وأصحابِهم ومن لا مال له، فلما رأى صلاح الدين ذلك تصَرَّفَ في المال الذي كان جَمَعَه، ورد الأسرى والصليب إلى دمشق.

العام الهجري : 633 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1235
تفاصيل الحدث:

هو أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد بن فرج بن خلف بن قومس بن أحمد بن دحية بن خليفة الكلبي الحافظ، شيخ الديار المصرية في الحديث، ولد سنة 546. كان يذكر أنه من ولد دحية الكلبي، وأنه سبطُ أبي البسام الحسيني الفاطمي. كان بصيرًا بالحديث معتنيًا بتقييده، مكبًّا على سماعه، حسنَ الحَطِّ معروفًا بالضبط، له حظٌّ وافر من اللغة، ومشاركة في العربية وغيرها. وهو أول من باشر مشيخة دار الحديث الكامليَّة بها، وقد كان يتزيد في كلامه، فترك الناس الرواية عنه وكذَّبوه، وقد كان الكامِلُ مقبلًا عليه، فلما انكشف له حاله أخذ منه دار الحديث وأهانه، توفي بالقاهرة ودفن بقرافة مصر، قال ابن خلكان: وكان من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقنًا لعلم الحديث وما يتعلَّقُ به، عارفًا بالنحو واللغة وأيَّام العرب وأشعارها، اشتغل ببلادِ المغرِب، ثمَّ رحل إلى الشام ثم إلى العراق، واجتاز بإربل سنة 604، فوجد ملكها المعظم مظفر الدين بن زين الدين يعتني بالمولد النبوي، فعمل له كتاب " التنوير في مولد السراج المنير " وقرأه عليه بنفسه، فأجازه بألف دينار، ولي قضاء دانية مرتين، ثم صُرِف عن ذلك لسيرة نُعِتَت عليه، فرحل منها. روى عنه الدبيثي فقال: "كان له معرفة حسنة بالنحو واللغة، وأنسة بالحديث، فقيهًا على مذهب مالك، وكان يقول: إنه حفظ " صحيح مسلم " جميعه، وأنه قرأه على بعض شيوخ المغرب من حفظه، ويدعي أشياء كثيرة. قلت (الذهبي): كان صاحب فنون، وله يد طولي في اللغة، ومعرفة جيدة بالحديث على ضعف فيه. قرأت بخط الضياء الحافظ قال: لقيت الكلبيَّ بأصبهان، ولم أسمع منه شيئًا، ولم يعجبني حالُه، وكان كثير الوقيعة في الأئمة، وأخبرني إبراهيم السنهوري بأصبهان أنه دخل المغرب، وأن مشايخ المغرب كتبوا له جرحه وتضعيفَه. وقد رأيتُ منه أنا غير شيء ممَّا يدل على ذلك" قال ابن نقطة: "كان موصوفًا بالمعرفة والفضل، ولم أره إلَّا أنه كان يدعي أشياء لا حقيقة لها. ذكر لي أبو القاسم بن عبد السلام - ثقة - قال: نزل عندنا ابنُ دحية، فكان يقول: أحفظ " صحيح مسلم "، و" الترمذي "، قال: فأخذت خمسة أحاديث من " الترمذي "، وخمسة من " المسند " وخمسة من الموضوعات فجعلتها في جزء، ثم عرضتُ عليه حديثًا مِن " الترمذي "، فقال: ليس بصحيح، وآخر فقال: لا أعرفه. ولم يعرف منها شيئًا. قلت (الذهبي): ما أحسن الصدق، لقد أفسد هذا المرءُ نَفسَه". قال ابن كثير: وقد تكلَّمَ الناس فيه بأنواع من الكلام، ونسبه بعضهم إلى وضعِ حديثٍ في قَصرِ صلاة المغرب، ولابن دحية مصنفات منها: المطرب في أشعار أهل المغرب، ونهاية السول في خصائص الرسول، والنبراس في خلفاء بني العباس، وغيرها.

العام الهجري : 808 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1406
تفاصيل الحدث:

في خامس ذي الحجة اقتتل الأمير جكم الجركسي الظاهري، والأمير شيخ المحمودي نائب الشام، بأرض الرستن -فيما بين حماة وحمص-  قُتِل فيها الأمير طولو نائب صفد، والأمير علاق نائب حماة، وجماعة كثيرة من الفريقين، وانهزم الأمير شيخ ومعه الأمير دمرداش المحمدي إلى دمشق، ومضى منها إلى الرملة يريد القاهرة، فإن الأمير شيخ توجَّه من دمشق بعد عيد الأضحى، ومعه الأمير دمرداش، فنزل مرج عذراء في عسكره يريد حمص، وقد نزل بها عسكر جكم عليهم الأمير، ونزل جكم على سلمية، فلبس الأمير دمرداش خلعة نيابة حلب الواصلة إليه مع تقليده وهو بالمرج، وقدِمَ إليهم الأمير عجل ابن نعير بعربه طالبًا أخذ ثأره من جكم، ووصل أيضًا ابن صاحب الباز يريد أيضًا أخذ ثأر أخيه من جكم، ومعه جمع من التركمان، فسار بهم الأمير شيخ من المرج في ليلة الاثنين الثالث عشر إلى أن نزل قارا ليلة الثلاثاء، فوصل تقليد العجل بن نعير بإمرة العرب، وقدِمَ الأمير علان نائب حماة وحلب - كان- من مصر، وقد استقر أتابك دمشق، ونزل الأمير شيخ حمص يوم الخميس السادس عشر، فكاتب الفريقان في الصلح فلم يتِمَّ، واقتتلا في يوم الخميس الثالث والعشرين بالرستن، فوقف الأمير شيخ والأمراء في الميمنة، ووقف العرب في الميسرة، فحمل جكم بمن معه على جهة الأمير شيخ فكسره، وتحول إلى جهة العرب، وقد صار شيخ إليها وقاتلوا قتالًا كبيرًا ثبتوا فيه، فلم يطيقوا جموع جكم وانهزموا، وسار شيخ بمن معه -من دمرداش وغيره- إلى دمشق، فدخلوها يوم السبت الخامس والعشرين، وجمعوا الخيول والبغال، وأصحابهم متلاحقيين بها، ثم مضوا من دمشق بكرة الأحد، فقدم في أثناء النهار من أصحاب الأمير جكم الأمير نكبيه، وأزبك، دوادار الأمير نوروز، ونزل أزبك بدار السعادة، وقدم الأمير جرباش، فخرج الناس إلى لقاء نوروز، فدخل دمشق يوم الاثنين السابع والعشرين، ونزل الإسطبل، ودخل الأمير جكم يوم الخميس آخره، ونادى ألا يشوش أحد على أحد، وكان قد شنق رجلًا في حلب رعى فرسه في زرع، وشنق آخر بسلمية، ثم شنق جنديًّا بدمشق على ذلك، فخافه الناس، وانكفُّوا عن التظاهر بالخمر، وقُتِل في وقعة الرستن الأمير علان نائب حماة وحلب، والأمير طولو نائب صفد، قُدِّما بين يدي الأمير جكم فضرب أعناقهما وعُنُقَ طواشي كان في خدمة الأمير شيخ، كان يؤذي جماعة نوروز المسجونين، ومضى الأمير شيخ إلى جهة الرملة.

العام الهجري : 872 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1467
تفاصيل الحدث:

إنَّ الملك الظاهر يلباي الإينالي لما تسلطن وتم أمره غطَّاه المنصب، وصار كالمذهول، ولزم السكوتَ وعدم الكلام، وضَعُف عن بتِّ الأمور، وردْع الأجلاب، بل صارت الأجلاب في أيامه كما كانت أولًا وأعظم، فلم يَحسُن ذلك ببال أحد، وصار الأمير خيربك الدوادار الثاني هو صاحب الحل والعقد في مملكته، وإليه جميعُ أمور المملكة، وشاع ذلك في الناس والأقطار، فبهذا وأشباهه اضطربت أحوالُ الديار المصرية، ولما كان عصر يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى، وطلعت الأمراء الألوف إلى القلعة ليبيتوا بالقصرِ على العادة، امتنعت المؤيدية عن الطلوع بمن وافقهم ما خلا الأمير جانبك الإينالي الأشرفي المعروف بقلقسيز أمير مجلس، وهو كبير الأشرفية الكبار يومئذ، واستمالت الظاهرية أيضًا الأمير جانبك قلقسيز الأشرفي أمير مجلس، فمال إليهم، ووعدهم بممالأة خشداشيته- زملائه- الأشرفية إليهم، وخذلان يشبك الدوادار، فعند ذلك صار الملك الظاهر يلباي وحده أسيرًا في أيدي القلعيين، فلما أصبحوا يوم الخميس خامس جمادى الأولى أعلن الأمير يشبك الفقيه الوثوب على الخشقدمية، ولبسوا آلة الحرب، وركب بمن معه من المؤيدية والأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، والسيفية، واجتمع عليهم خلائقُ من كل طائفة، ومالت زعر الديار المصرية إليهم، وبلغ مَن بالقلعة أمرهم، فخافوهم خوفًا شديدًا، ولَبِسوا هم أيضًا آلة الحرب، ونزلوا بالسلطان الملك الظاهر يلباي إلى مقعد الإسطبل السلطاني المطل على الرميلة، وشرعوا في قتال الأمير يشبك بمن معه في الأزقة والشوارع بالصليبية، وأصبح يوم الجمعة سادس جمادى الأولى والقتال قائم بين الفريقين بشارع الصليبية من أول النهار إلى آخره، فلما جاء الليل ليلة السبت أدخل يلباي إلى مبيت الحراقة، وبات به على هيئة عجيبة، إلى أن أصبح النهار وأخذوه وطلعوا به إلى القصر الأبلق، وحبسوه في المخبأة التي تحت الخرجة، بعد أن طلعوا به ماشيًا على هيئة الخَلعِ من السلطنة ثم سُجِنَ بعد ذلك بسجن الإسكندرية إلى أن توفي في العام التالي وقد جاوز السبعين من عمره، وأخذ الناس في سلطنة الملك الظاهر تمربغا، وزال ملك يلباي هذا كأنه لم يكن، وكانت مدة ملكه شهرين إلا أربعة أيام، ليس له فيها إلا مجرد الاسم فقط، أما السلطان الجديد الظاهر أبو سعيد تمربغا فجلس بصدر المقعد بالإسطبل السلطاني المعروف بالحراقة، وحضر الخليفة المستنجد بالله أبو المظفر يوسف، والقاضي الشافعي والقاضي الحنفي، وتخلف المالكي لتوعكه، والحنبلي لإبطائه، وحضر غالب أرباب الدولة والأعيان وبايعوه بالسلطنة، فقام من وقته ودخل مبيت الحراقة، ولبس خلعة السلطنة السواد الخليفتي.

العام الهجري : 1336 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1918
تفاصيل الحدث:

هو السلطانُ عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد الثاني، السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخِرُ من امتلك سلطةً فعليةً منهم. ولد في 16 شعبان 1258هـ الموافق 21 سبتمبر 1842م، وتولَّى الحكم عام 1293هـ 1876م. أبعِدَ عن العرش عام 1327هـ / 1909م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 15 جمادى الأولى 1337هـ الموافق 10 فبراير 1918م. تلقى السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد تعليمَه بالقصر السلطاني، وأتقن من اللغات: الفارسية والعربية، وكذلك درس التاريخ والأدب. يعرِّفُه البعض، "باولو خاقان" أي "الملك العظيم" وعُرِفَ في الغرب باسم "السلطان الأحمر"، أو "القاتل الكبير" بسبب مذابح الأرمن المزعوم وقوعُها في فترة تولِّيه منصِبَه. رحَّب جزء من الشعب العثماني بالعودة إلى الحكم الدستوري بعد إبعاد السلطان عبد الحميد عن العرش في أعقاب ثورة الشباب التركي "الاتحاديين". غيرَ أن الكثير من المسلمين ما زالوا يقدِّرون قيمة هذا السلطان الذي خَسِرَ عرشه في سبيل أرض فلسطين التي رفض بيعَها لزعماء الحركة الصهيونية. تولى السلطانُ عبد الحميد الثاني الخلافة في 11 شعبان 1293هـ، الموافق 31 آب (أغسطس) 1876م، وتبوَّأ عرشَ السلطنة يومئذٍ على أسوأ حال؛ حيث كانت الدولة في منتهى السوء والاضطراب، سواء الأوضاع الداخلية أو الخارجية. دبَّرت جمعية "الاتحاد والترقي" عام 1908م انقلابًا على السلطان عبد الحميد تحت شعارات الماسونيةِ "حرية، عدالة، مساواة". كان اليهودُ لَمَّا عُقِدَ مؤتمرُهم الصهيوني الأول في (بازل) بسويسرا عام 1315هـ، 1897م، برئاسة ثيودور هرتزل 1860م-1904م رئيس الجمعية الصهيونية، اتَّفقوا على تأسيس وطنٍ قوميٍّ لهم يكون مقرًّا لأبناء عقيدتهم، وأصَرَّ هرتزل على أن تكون فلسطينُ هي الوطنَ القوميَّ لهم، فنشأت فكرةُ الصهيونية، وقد اتَّصل هرتزل بالسلطان عبد الحميد مرارًا ليسمح لليهودِ بالانتقال إلى فلسطين، ولكِنَّ السلطان كان يرفض، ثم قام هرتزل بتوسيطِ كثير من أصدقائه الأجانب الذين كانت لهم صلةٌ بالسلطان أو ببعض أصحابِ النفوذ في الدولة، كما قام بتوسيطِ بعض الزعماء العثمانيين، لكنه لم يُفلح، وأخيرًا زار السلطانَ عبد الحميد بصحبة الحاخام (موسى ليفي) و(عمانيول قره صو)، رئيس الجالية اليهودية في سلانيك، وبعد مقَدِّمات مُفعَمة بالرياء والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدَّموا له الإغراءاتِ المتمثلة في إقراض الخزينة العثمانية أموالًا طائلةً مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية، وتحالُف سياسي يُوقفون بموجِبِه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضِدَّه في صحف أوروبا وأمريكا. لكِنَّ السلطان رفض بشدةٍ وطردهم من مجلسِه، وقال: " إنكم لو دفعتم ملءَ الدنيا ذهبًا، فلن أقبل؛ إنَّ أرضَ فلسطين ليست ملكي، إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلِمون بدمائهم لا يمكن أن يباعَ، وربما إذا تفَتَّت إمبراطوريتي يومًا يمكِنُكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل"، ثم أصدر أمرًا بمنعِ هجرة اليهود إلى فلسطين. عندئذ أدرك خصومُه الصهاينة أنهم أمام رجلٍ قوي وعنيد، وأنَّه ليس من السهولة بمكانٍ استمالتُه إلى صفِّها، ولا إغراؤه بالمال، وأنه ما دام على عرش الخلافة فإنَّه لا يمكِنُ للصهيونية العالمية أن تحقِّقَ أطماعها في فلسطين، ولن يمكِنَ للدول الأوروبية أن تحقِّقَ أطماعها أيضًا في تقسيمِ الدولة العثمانية والسيطرة على أملاكها، وإقامة دويلات لليهود والأرمن واليونان؛ لذا قرَّروا الإطاحةَ به وإبعاده عن الحكم، فاستعانوا بالقوى المختلفة التي نذرت نفسَها لتمزيق ديار الإسلام؛ أهمها الماسونية، والدونمة، والجمعيات السرية (الاتحاد والترقي)، وحركة القومية العربية، والدعوة للقومية التركية (الطورانية)، ولَعِبَ يهود الدونمة دورًا رئيسًا في إشعال نار الفتن ضد السلطان إلى أن تمَّ عزلُه وخَلعُه من منصبه عام 1909، وتم تنصيب شقيقِه محمد رشاد خلفًا له. وتوفِّيَ السلطان عبد الحميد الثاني في المنفى في 15 جمادى الأولى 1337هـ 10 فبراير 1919م.

العام الهجري : 60 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 680
تفاصيل الحدث:

بِمُجَرَّد وَفاةِ مُعاوِيَة بن أبي سُفيان سارَع زُعماءُ الكوفَة بالكِتابةِ إلى الحُسين بن عَلِيٍّ رضي الله عنه، وطلبوا منه المَسيرَ إليهم على وَجْهِ السُّرعةِ, فلمَّا تَواتَرت الكُتُبُ إليه مِن جِهَةِ أهل العِراق, وتَكرَّرت الرُّسُلُ بينهم وبينه, وجاءَهُ كِتابُ مُسلِم بن عَقِيلَ بالقُدومِ عليه بأَهْلِه, ثمَّ وقَع في غُبونِ ذلك ما وقَع مِن قَتْلِ مُسلمِ بن عَقِيلَ والحُسينُ لا يَعلَم بشيء مِن ذلك, فعزَم على المَسيرِ إليهم, والقُدومِ عليهم, فاتَّفَق خُروجُه مِن مكَّة أيَّام التَّرويَةِ قبلَ مَقتَلِ مُسلِم بيومٍ واحدٍ, فإنَّ مُسلِمًا قُتِلَ يومَ عَرفَة, ولمَّا اسْتَشعر النَّاسُ خُروجَه أشْفَقوا عليه مِن ذلك, وحَذَّروهُ منه, وأشار عليه ذوو الرَّأي منهم والمَحَبَّةِ له بعَدمِ الخُروجِ إلى العِراق, وأَمَروهُ بالمُقامِ بمكَّة, وذَكَّروهُ ما جَرى لأبيه وأخيه معهم, وكان ممَّن نَهاهُ عن الخُروجِ عبدُ الله بن عبَّاس، وعبدُ الله بن عُمَر، وعبدُ الله بن الزُّبيرِ، وأبو سعيدٍ الخُدريُّ, إلَّا أنَّه أَصَرَّ على الخُروجِ إلى الكوفَة.

العام الهجري : 88 العام الميلادي : 706
تفاصيل الحدث:

كَتَبَ الوَليدُ إلى عُمَرَ بن عبدِ العزيز في رَبيعٍ الأوَّل يَأمُره بِإدْخال حُجَرِ أَزواجِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في مَسجِد رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأن يَشتَرِي ما في نَواحِيه حتَّى يكون مِائَتَي ذِراع في مِائَتَي ذِراع، ويَقول له: قَدِّم القِبْلَةَ إن قَدَرْتَ، وأنت تَقْدِر لِمَكان أَخوالِك، وإنَّهم لا يُخالِفُونك، فمَن أَبَى منهم فقَوِّمُوا مُلْكَهُ قِيمَةَ عَدْلٍ واهْدِم عليهم وادْفَع الأثمانَ إليهم، فإنَّ لك في عُمَرَ وعُثمان أُسْوَةً. فأَحْضَرَهُم عُمَرُ وأَقْرَأَهم الكِتابَ، فأجابوه إلى الثَّمَنِ، فأَعطاهُم إِيَّاهُ، وأَخَذوا في هَدْمِ بُيوتِ أَزْواجِ رَسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وبَنَى المَسْجِدَ، وقَدِمَ عليهم الفَعَلَةُ مِن الشَّام، أَرْسَلَهم الوَليدُ، وبَعَثَ الوَليدُ إلى مَلِك الرُّوم يُعْلِمُه أنَّه قد هَدَمَ مَسجِدَ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لِيُعَمِّرَهُ، فبَعَث إليه مَلِكُ الرُّومِ مِائَة ألف مِثْقال ذَهَب، ومِائَة عامِل، وبَعَثَ إليه مِن الفُسَيْفِسَاء بِأَربعين جَمَلًا، فبَعَثَ الوَليدُ بذلك إلى عُمَرَ بن عبدِ العزيز، وحَضَر عُمَرُ ومعه النَّاسُ فوَضَعوا أَساسَه وابْتَدَأوا بِعِمارَتِه.

العام الهجري : 375 العام الميلادي : 985
تفاصيل الحدث:

ورد إسحاقُ وجعفرٌ البحريان، وهما من الستَّة القرامطة الذين يلقَّبون بالسادة، فمَلَكا الكوفةَ، وخَطَبا لشَرَف الدولة، فانزعج النَّاسُ لذلك؛ لِمَا في النفوس من هيبتِهم وبأسِهم، وكان نائبُهم ببغداد يُعرَفُ بأبي بكر بن شاهويه، يتحَكَّمُ تحكُّمَ الوُزَراء، فقَبَضَ عليه صمصام الدولة، فلما ورد القرامطةُ الكوفة كتب إليهما صمصامُ الدولة يتلَطَّفُهما، ويسألهما عن سبَبِ حَرَكتهما، فذكرا أنَّ قَبضَ نائِبِهم هو السَّبَبُ في قصدهم بلادَه، وبثَّا أصحابَهما، وجَبَيا المالَ، ووصل أبو قيسٍ الحسَنُ بنُ المنذر إلى الجامعين، وهو من أكابِرِهم، فأرسل صمصامُ الدولة العساكِرَ، ومعهم العرب، فعَبَروا الفراتَ إليه وقاتلوه، فانهزم عنهم، وأُسِرَ أبو قيس وجماعةٌ مِن قُوَّادِهم، فقُتِلوا، فعاد القرامطةُ وسَيَّروا جيشًا آخر في عددٍ كثيرٍ وعُدَّة، فالتَقَوا هم وعساكِرُ صَمصامِ الدَّولة بالجامعَينِ أيضًا، فأجْلَت الوقعة عن هزيمةِ القرامطة، وقَتْلِ مُقَدَّمِهم وغيره، وأَسْر جماعة، ونَهْب سوادِهم، فلما بلغ المنهزمون إلى الكوفةِ، رحل القرامطة، وتبِعَهم العسكر إلى القادسيَّة، فلم يدركوهم، وزال مِن حينِئذٍ ناموسُهم.

العام الهجري : 408 العام الميلادي : 1017
تفاصيل الحدث:

خرَجَ التُّركُ- وهم وثنيُّونَ- مِن الصِّينِ، وكان سبَبُ خُروجِهم أنَّ طغان خان مَلِكَ تُركستان التُّركي كان مُسلِمًا فاضِلًا يُحِبُّ أهلَ العِلمِ والدِّينِ. لَمَّا مَرِضَ مرضًا شديدًا، وطال به المَرَضُ، طَمِعوا في البلادِ لذلك، فساروا إليها ومَلَكوا بعضَها وغَنِموا وسَبَوا، وبَقِيَ بينهم وبين بلاساغون ثمانيةُ أيام، فلمَّا بلَغَه الخبَرُ كان بها مريضًا، فسألَ اللهَ تعالى أن يُعافِيَه لِينتَقِمَ مِن الكَفَرةِ، فاستجابَ اللهُ له وشفاه، فجمَعَ العساكِرَ، وكتب إلى سائِرِ بلادِ الإسلامِ يَستنفِرُ النَّاسَ، فاجتمع إليه من المتطَوِّعةِ مئةُ ألف وعِشرون ألفًا، فلمَّا بلغ التُّركَ خَبَرُ عافيتِه وجَمْعِه العساكِرَ وكَثرةُ مَن معه، عادوا إلى بلادِهم، فسار خَلْفَهم نحوَ ثلاثةِ أشهُرٍ حتى أدرَكَهم وهم آمنونَ لبُعدِ المسافةِ، فكبَسَهم وقَتَلَ منهم زيادةً على مِئَتي ألف رجلٍ، وأسَرَ نحوَ مئةِ ألف، وغَنِمَ مِن الدوابِّ وغير ذلك من الأواني الذهبيَّةِ والفضيَّة ومعمول الصينِ ما لا عهدَ لأحدٍ بمِثلِه، وعاد إلى بلاساغون، فلَمَّا بلَغَها عاوَدَه مَرَضُه فمات منه.

العام الهجري : 464 العام الميلادي : 1071
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ السُّلطانُ ألب أرسلان وَزيرَهُ نِظامَ المُلْكِ في عَسكرٍ إلى بِلادِ فارِس، وكان بها حِصْنٌ من أَمنَعِ الحُصونِ والمَعاقِلِ، وفيه صاحبُه فضلون الكُرديُّ، وهو لا يُعطِي الطَّاعةَ، فنازَلَهُ وحَصرَهُ، ودَعاهُ إلى طَاعةِ السُّلطانِ فامتَنَع، فقاتَلَهُ فلم يَبلُغ بقِتالِه غَرَضًا لِعُلُوِّ الحِصنِ وارتِفاعِه، فلم يَطُل مَقامُهم عليه حتى نادَى أَهلُ القَلعةِ بَطَلَبِ الأَمانِ لِيُسَلِّموا الحِصنَ إليه، فعَجبَ الناسُ من ذلك، وكان السببُ فيه أنَّ جَميعَ الآبارِ التي بالقَلعةِ غارَت مِياهُها في لَيلةٍ واحدةٍ فقادَتهُم ضُرورةُ العَطَشِ إلى التَّسليمِ، فلمَّا طَلَبوا الأَمانَ أَمَّنَهُم نِظامُ المُلْكِ، وتَسلَّمَ الحِصنَ، والْتَجَأَ فضلون إلى قُلَّةِ القَلعَةِ، وهي أَعلَى مَوضِعٍ فيها، وفيه بِناءٌ مُرتفِعٌ، فاحتَمَى فيها، فسَيَّرَ نِظامُ المُلْكِ طائِفةً من العَسكرِ إلى المَوضِعِ الذي فيه أَهلُ فضلون وأَقارِبُه لِيَحمِلوهُم إليه ويَنهَبوا مالَهم، فسَمِعَ فضلون الخَبَرَ، ففارَقَ مَوضِعَه مُستَخفِيًا فيمَن عنده من الجُنْدِ، وسار لِيمنَع عن أَهلِه، فاستَقبَلَتهُ طلائِعُ نِظامِ المُلْكِ، فخافَهُم فتَفَرَّقَ مَن معه، واختَفَى في نَباتِ الأَرضِ، فوَقعَ فيه بَعضُ العَسكرِ، فأَخذَه أَسيرًا، وحَملَه إلى نِظامِ المُلْكِ، فأَخَذَهُ وسارَ به إلى السُّلطانِ فأَمَّنَهُ وأَطلَقَهُ.

العام الهجري : 516 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1122
تفاصيل الحدث:

هو الوزير الكبير، أبو طالب علي بن أحمد بن علي السميرمي، وزير السلطان محمود الغزنوي السلجوقي، صدرٌ معظَّم، كبير الشأن، شديد الوطأة، ذو عسف وظلم، وسوء سيرة، وقف مدرسة بأصبهان، وعمل بها خزانة كتب نفيسة، وكان مجاهرًا بالظلم والفسق، وأحدث على الناس مكوسًا وجدَّدها بعدما كانت قد أزيلت من مدة متطاولة. وكان يقول: "استحييتُ من كثرة ظلمِ من لا ناصِرَ له، وكثرةِ ما أحدثتُ من السُّنَن السيئة!". لما عزم على الخروج إلى همذان خرج وبين يديه السيوف المسلولة، والمماليك الكثيرة بالعدد الباهرة، فما أغنى عنه ذلك شيئًا، بل جاءه باطني فضربه فقتله، ثم مات الباطني بعده، ورجع نساؤه بعد أن ذهبن بين يديه على مراكب الذهب، حاسراتٍ عن وجوههن، قد أبدلهنَّ الله الذلَّ بعد العز، والخوفَ بعد الأمن، والحزنَ بعد السرور والفرح، جزاءً وفاقًا! وذلك يوم الثلاثاء آخر صفر، وقيل: إن الذي قتله عبدٌ كان للمؤيد الطغرائي وزير السلطان مسعود؛ فإن السميرمي قتل أستاذه ظلمًا، ونبزه بأنه فاسد الاعتقاد، فكلُّ قاتلٍ مقتولٌ.

العام الهجري : 527 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:

استعاد شمس الملوك، صاحب دمشق، حصن بانياس من الفرنج؛ وذلك أن الفرنج استضعفوه وطمعوا فيه، وعزموا على نقض الهدنة التي بينهم؛ فتعرضوا إلى أموال جماعة من تجار دمشق بمدينة بيروت وأخذوها، فشكا التجار إلى شمس الملوك، فراسل في إعادة ما أخذوه، وكرَّر القول فيه، فلم يردوا شيئًا، فحملته الأنفة من هذه الحالة والغيظ على أن جمع عسكره وتأهب، ولا يعلم أحد أين يريد، ثم سار وسبق خبره أواخر المحرم، ونزل على بانياس أول صفر وقاتلها لساعته، وزحف إليها زحفًا متتابعًا، وكانوا غير متأهبين، وليس فيها من المقاتلة من يقوم بها، وقرب من سور المدينة وترجل بنفسه، وتبعه الناس من الفارس والراجل، ووصلوا إلى السور فنقبوه ودخلوا البلد عنوة، والتجأ من كان من جند الفرنج إلى الحصن وتحصنوا به، فقُتل من البلد كثير من الفرنج، وأُسر كثير، ونُهبت الأموال، وقاتل القلعةَ قتالًا شديدًا ليلًا ونهارًا، فملكها رابع صفر بالأمان، وعاد إلى دمشق فوصلها سادسه، وأما الفرنج فإنهم لما سمعوا نزوله على بانياس شرعوا يجمعون عسكرًا يسيرون به إليه، فأتاهم خبر فتحها، فبطل ما كانوا فيه.

العام الهجري : 600 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1204
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ رُكن الدين سليمان بن قلج أرسلان بن مسعود بن قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش بن سلجوق، صاحب ديار الروم، ما بين ملطية وقونية، وكان موته بمرض القولنج في سبعة أيام، وكان قبل مرضه بخمسة أيام قد غدر بأخيه صاحب أنكورية (أنقرة) وهي مدينة منيعة، وكان مُشاقًّا لركن الدين، فحصَرَه عِدَّة سنين حتى ضَعُفَ وقَلَّت الأقوات عنده، فأذعن بالتسليمِ على عِوَضٍ يأخذه، فعَوَّضَه قلعة في أطراف بلده وحَلَفَ له عليها، فنزل أخوه عن مدينة أنقرة، وسَلَّمَها، ومعه ولدان له، فوضع ركن الدين عليه مَن أخَذَه، وأخذ أولادَه معه، فقَتَلَه، فلم يمضِ غيرُ خمسة أيام حتى أصابه القولنج، فمات في سادس ذي القعدة، واجتمع الناس على ولده قلج أرسلان، وكان صغيرًا، فبَقِيَ في الملك إلى بعض سنة إحدى وستمائة، وأُخِذَ منه، وكان ركنُ الدين شديدًا على الأعداءِ، قيِّمًا بأمرِ المُلك، إلَّا أنه فاسِدُ الاعتقاد. قال ابن كثير: "المَلِك ركن الدين بن قلج أرسلان، كان يُنسَبُ إلى اعتقاد الفلاسفة، وكان كهفًا لِمَن يُنسَبُ إلى ذلك، وملجأً لهم"

العام الهجري : 612 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1215
تفاصيل الحدث:

هو أبو الحسَنِ عليُّ بن الخليفة الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بأمر الله، وهو الأصغر، وكان يلقَّب الملك المعظم، وكان أحبَّ ولدي الخليفة إليه، وقد رشَّحه لولاية العهد بعده، وعزَلَ ولده الأكبر عن ولاية العهدِ؛ لأجل أبي الحسن علي, وكان كريمًا كثير الصدقة والمعروف، حَسَن السيرة، محبوبًا إلى الخاص والعام، وكان سببُ موتِه أنَّه أصابه إسهالٌ فتوفِّيَ، وحَزِنَ عليه الخليفةُ حُزنًا لم يُسمَعْ بمثله، حتى إنه انقطع، ثم أُخرجَ نهارًا، ومشى جميعُ الناس بين يدي تابوتِه إلى تربة جدَّتِه عند قبر معروف الكرخي، فدُفِنَ عندها، ولما أُدخِل التابوت أُغلِقَت الأبواب، وسُمِعَ الصراخ العظيم من داخل التربة، فقيل إن ذلك صوتُ الخليفة, وأمَّا العامة ببغداد فإنَّهم وجدوا عليه وجدًا شديدًا، ودامت المناحات عليه في أقطار بغداد ليلًا ونهارًا، ولم تبق امرأةٌ إلَّا وأظهرت الحزن، وما سُمِعَ ببغداد مثل ذلك في قديمِ الزمانِ وحديثه. وتَرَك أبو الحسن ولدينِ أحدهما المؤيَّد أبو عبد الله الحسين، والموفَّق أبو الفضل يحيى.

العام الهجري : 622 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1225
تفاصيل الحدث:

استحوذ جلالُ الدين بن خوارزم شاه على بلاد أذربيجان وكثيرٍ من بلاد الكرج، وكسر الكرجَ وهم في سبعين ألف مقاتل، فقتل منهم عشرين ألفًا من المقاتلة، واستفحل أمره جدًّا وعظم شأنه، وفتح تفليس فقتل منها ثلاثين ألفًا، وقتل من الكرج سبعين ألفًا في المعركة، وقتل من تفليس تمامَ المائة ألف، وقد اشتغل بهذه الغزوة عن قصد بغداد، وذلك أنه لما حاصر دقوقا سبَّه أهلها ففتحها قسرًا وقتل من أهلها خلقًا كثيرًا، وخرب سورها وعزم على قصد الخليفةِ ببغداد؛ لأنه فيما زعم عمل على أبيه حتى هلك، واستولت التتر على البلاد، وكتب إلى المعظَّم بن العادل يستدعيه لقتال الخليفة ويحَرِّضه على ذلك، فامتنع المعظَّم من ذلك، ولما علم الخليفة بقصد جلال الدين بن خوارزم شاه بغداد انزعجَ لذلك وحصن بغداد واستخدم الجيوشَ والأجناد، وأنفق في الناس ألف ألف دينار، وكان جلال الدين قد بعث جيشًا إلى الكرج فكتبوا إليه أن أدرِكْنا قبل أن نهلك عن آخرنا، وبغداد ما تفوتُ، فسار إليهم.