القائدُ السوري "إبراهيم بن سليمان بن أغا هنانو" المعروف بـ"إبراهيم هنانو". قاد حركةَ الجهاد ضِدَّ المحتَلِّ الفرنسي بعد معركة "ميسلون". ولِدَ في حلب 1286هـ / 1869م، وتلقَّى تعليمَه في تركيا، وعَمِلَ في الوظائف الإدارية بسوريا. لَمَّا احتَلَّ الفرنسيون مدينةَ أنطاكية انتُدِبَ لتأليف عصابات عربية تُشاغِلُ الفرنسيين، وجعل مقَرَّه في حلب، وفوجِئَت سورية بنكبة ميسلون سنة 1338هـ، واحتلال الفرنسيين دمشق وحلب وما بينهما، فامتنع إبراهيمُ في بلاد بيلان (شمالي حلب) بقوةٍ مِن المتطوعين الوطنيين، ولَمَّا قاتله الفرنسيون ظفر بهم، وألف حكومةً وطنية، ولُقِّبَ بالمتوكل على الله، وكثُرَت جموعه واتسع نطاقُ نفوذه، خاض سبعًا وعشرين معركة لم يُصَبْ فيها بهزيمة، واستمَرَّ عامًا كاملًا ينفق مما يَجبيه عمالُه في الجهات التي انبسط فيها سلطانُه. ولما قدِمَ الشريف عبد الله بن الحسين عمان لتحرير سورية من الفرنسيين كاتَبَه إبراهيم، ثم قصده للاتفاق معه على توحيد الخطط، فاعترضته في طريقه قوةٌ كبيرة من الجيش الفرنسي يعاوِنُها بعض الإسماعيليين من سلمية، فقاتلهم، ونجا وبعضَ من كان معه، فبلغ عاصمة الأردن، فلم يجد فيها ما أمّل من الشريف عبد الله، فزار فلسطين، فاعتقله البريطانيون في القدس وسَلَّموه إلى الفرنسيين، الذين أخذوه إلى حلب، وحُكِمَ عليه فيها بالقتل، لكِنَّ القاضيَ الفرنسيَّ حَكَم ببراءته وأطلق سراحَه، وبعد محاكمته تحوَّل من العمَلِ الجهادي إلى العمل السياسي، واجتمعت على زعامته سوريةُ كلُّها, وقادها فأحسَنَ قيادَتَها. وكان منهاجُه: لا اعترافَ بالدولة المنتَدَبة فرنسة، ولا تعاونَ معها، واستمر إلى أن توفِّيَ بحلب.
لَمَّا قُتِل الآمر بحكم الله الفاطمي ولم يكن له ولد ذكَرٌ بعده، وقد كان عَهِد بالولاية لحملٍ كان ما يزال في بطنِ أمِّه منه، فوَلِيَ بعده ابن عمه الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبي القاسم بن المستنصر بالله، ولم يبايَع بالحكم، وإنما بُويعَ له لينظُرَ في أمر الحمل أيكون ذكرًا أم أنثى، ويكون هو نائبًا عنه، ولما وليَ استوزر أبا علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي، واستبدَّ الوزير بالأمر، وتغلَّب على الحافظ وحجر عليه، وأودعه في خزانة، ولا يدخل إليه إلا من يريده أبو علي، وبقي الحافِظُ له اسم لا معنى تحته، ونقل أبو علي كلَّ ما في القصر إلى داره من الأموال وغيرها، ولم يزَل الأمر كذلك إلى أن قُتِل أبو علي سنة ست وعشرين وخمسمائة، فاستقامت أمور الحافظ، وحكم في دولته، وتمكَّن من ولايته وبلاده.
لَمَّا وصَلَ صَلاحُ الدين إلى دمشقَ مِن مصر أقام بها أيامًا يريحُ ويَستريح هو وجندُه، ثم سار إلى بلاد الفرنج في ربيع الأول، فقصد طبريَّةَ، فنزل بالقرب منها، وخيَّمَ في الأقحوانة من الأردن، وجاءت الفرنجُ بجموعِها فنزلت في طبريَّة، فسيَّرَ صلاح الدين فرخشاه إلى بيسان، فدخَلَها قهرًا، وغَنِمَ ما فيها، وقتل وسبى، وجحف الغورَ غارةً شعواءَ، فعَمَّ أهلَه قتلًا وأسرًا، وجاءت العرب فأغارت على جنين واللجون وتلك الولاية، حتى قاربوا مرج عكا، وسار الفرنجُ مِن طبرية، فنزلوا تحت جبل كوكب، فتقدم صلاحُ الدين إليهم، وأرسل العساكرَ عليهم يرمونهم بالنشاب، فلم يَبرَحوا، ولم يتحَرَّكوا للقتال، فأمَرَ ابني أخيه تقي الدين عمر وعز الدين فرخشاه، فحملا على الفرنجِ فيمن معهما، فقاتلوا قتالًا شديدًا، ثم إنَّ الفرنج انحازوا على حاميتهم، فنزلوا غفربلا، فلما رأى صلاح الدين ما قد أثخَنَ فيهم وفي بلادهم عاد عنهم إلى دمشق.
هو الشيخُ الإمام أبو العباس أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري، شيخ جامع الأزهر، وأحد عُلماء مصر المُكثرين من التصنيف، ولِدَ بدمنهور سنة 1101هـ - 1589م. تعلَّم في الأزهر حتى تولى مشيخَتَه. فقد اشتغل بالعلمِ، وجدَّ في تحصيلِه، واجتهد في تكميلِه، وأجازَه علماء المذاهب الأربعة، وسمحوا له بتدريسِ الفِقهِ على المذاهب الأربعة, حتى سُمِّي بالمَذهبي. كانت له حافظةٌ وذاكرةٌ عجيبة, قيل عنه إنه: "أعلمُ أهل عصره بالديار المصريةِ في جميع الفنون النَّقلية والعقلية, وإنه بحرٌ لا ساحِلَ له" كان مُهابًا لدى الأمراء؛ لكونه قوَّالًا للحق، أمَّارًا بالمعروف، سمحًا بما عنده من الدنيا، وقَصَده الملوك والولاة من كلِّ حَدبٍ مِن طَرفِ الدولة, وله مصنَّفات كثيرة، منها: النفع العزيز في صلاح السلطان والوزير، ونهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، والفيض العميم في معنى القرآن العظيم، ومنهج السلوك في نصيحة الملوك، ومشاركات في الطب والكيمياء. توفي في القاهرة.
بعد خَلعِ السلطانِ عبد الحميد الثاني أصبح كُلُّ شيء في الخلافةِ بيَدِ الاتحاديِّين، أمَّا الخليفةُ محمد رشاد فكان صورةً، غيرَ أن الأمر لم يطُلْ؛ إذ لم يتعاقَبْ على الخلافة سوى ثلاثة خلفاء، وكانت الدولةُ قد اشتركت في الحربِ العالمية الأولى بجانب ألمانيا، فهُزِمَت وتجزَّأت، وغادر البلادَ رِجالُ الاتحاد البارزين، أو الذين بيَدِهم الأمرُ والنهي، وجاء إلى الحُكمِ مصطفى كمال، وفي أيامِ الخليفة محمد رشاد الذي عُيِّنَ بدل عبد الحميد جرت الانتخاباتُ النيابية عام 1330هـ وفاز الاتحاديون وانتَشَرت الدعوة القوميَّة، وبدأت شعاراتُ الاتحاد والترقي في المساواة تذهَبُ هدرًا بعَدَمِ تَساوي الترك مع بقية العناصِرِ التي تؤلِّفُ الدولةَ العثمانية، وبدأت المهاتراتُ الصحفيةُ، وظهر الاختلافُ بين الدعوة المركزية واللامركزية، وتعني أن تأخُذَ الولايات غيرُ التركية استقلالًا ذاتيًّا، وتبقي خاضعة خارجيًّا لاستانبول، وتبنَّى الاتحاديون المركزيةَ، وبدأت التياراتُ الفكريةُ تتخَبَّطُ ويُشعِلُ نارَها اليهودُ والنصارى!
أرسَلَ الاتِّحادُ السُّوفيتي الجيشَ الأربعينَ لِدَعْمِ نِظام بابرك كارمل الشيوعي في كابُل، والذي قام بانقلابٍ اغتِيلَ فيه الرئيسُ الشيوعي حفيظ الله أمين الذي اتُّهِم بأنه "عميل لِلأمريكانِ". جاء كارمل إلى السُّلطة بعد عِدَّة انقلاباتٍ شَهِدتها أفغانستانُ على إثر سُقوط الملَكِيَّة في يوليو 1973م، بعد انقلاب عسكريٍّ قام به محمدُ داود ابن عم الشاه محمد ظاهر وزَوْج شَقيقته، الذي أعلَنَ جُمهورية أفغانستانَ الديمقراطيةَ، وفي 1978م انقلَبَ تراقي على محمد داود وقتَلَه، ثم وقَعَ انقلابٌ على تراقي بقيادةِ رئيسِ الوزراء حَفيظ الله أمين سنة 1979م وقتَلَه، ثم قام كارمل بالانقلابِ الأخيرِ على حَفيظ الله. وقد لقِيَ التَّدخُّل السوفيتي إدانةً دوليةً -خُصوصًا من قِبَل الولايات المتحدة- تجسَّدت في مُقاطعة الألعابِ الأولمبيَّةِ التي جَرَت في مُوسكو في 19 يوليه 1980م، ولم تَنسحِبِ القوَّات السوفيتية إلا في 15 فبراير 1989م بموجِب اتِّفاقِ جِنيف في 14 إبريل 1988م.
بدأت هذه الأزمةُ في 21 ديسمبر 1988م، عندما انفجرت الطائرة البوينج 747، والتابعة لشركة (PANAM) الأمريكية، الرحلة 103 المتَّجِهة من فرانكفورتَ إلى نيويوركَ عبرَ لندنَ، وكان الانفجار فوقَ مُقاطعة إسكتلندا ببلدة لوكيربي، وبلغ مجموعُ ضحايا الانفجار 270 فردًا من 21 دولةً.
كان ردُّ الفعل على الانفجار عنيفًا، حيث صدرت عدَّةُ بياناتٍ، من مختلِف الدول تُدين العملية، وانضمَّت بريطانيا إلى أمريكا في هذا الحادث، نظرًا لانفجار الطائرة فوق أراضيها، وموت 11 فردًا من مواطني لوكيربي.
وقد وعدت الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحادث أنها ستتولَّى التحقيقَ ومتابعةَ المتهمين، واستمرَّ التحقيق ثلاثَ سَنواتٍ، واشترَكَ فيه أكثرُ من دولة لتحديدِ الجهةِ المسؤولةِ عن الانفجار.
وفي 14 نوفمبر 1991م، أَعلنت وزارة الخارجيةُ الأمريكيةُ توجيهَ الاتهام لمواطنين ليبيِّين، من رجال المخابرات الليبيَّة، وقالت: إنهم وراءَ الحادث، ومن هنا بدأ تتابُع الأحداث، فيما عُرف على مدى سنوات باسم: أزمة لوكيربي.
اعترفَت إدارةُ الرئيسِ دونالد ترامب رسميًّا بالقدسِ عاصمةً لإسرائيلَ، وأضافَ ترامب أنَّ وزارةَ الخارجيةِ الأمريكيةَ ستبدأ عمليةَ بناءِ سفارةٍ أمريكيةٍ جديدةٍ في القدسِ.
رفَضَ البيانُ الخِتاميُّ للقمَّةِ العربيَّةِ التاسعُ والعِشرون قرارَ الإدارةِ الأمريكيةِ بالاعترافِ بالقدسِ عاصمةً للاحتلالِ الإسرائيليِّ ونَقْلِ السفارةِ إليها، عادًّا ذلك خَرقًا وتدميرًا لعمليةِ السلامِ وللاتفاقياتِ جَميعِها؛ سواءٌ مع الفِلَسطينيين أو المعاهداتِ الدَّوْليَّةِ والقراراتِ الأُمَميَّةِ.
وأكَّد البيانُ أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لم تَعُد راعيًا حقيقيًّا للسلامِ، وغدَتْ طرَفًا يدعَمُ العدوانَ على الحقِّ والسلامِ، وهو ما يتناقَضُ مع موقفِ الإدارةِ المُعلَنِ كراعٍ حِياديِّ لعمليةِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ؛ ممَّا أفقدها المِصداقيَّةَ والحياديَّةَ والشفافيةَ، والسعيَ الحقيقيَّ الدؤوبَ لإحلالِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ، وإنصافِ الشعبِ الفلسطينيِّ في إقامةِ دولتِه ونَيلِه الحريةَ والاستقلالَ التامَّ، مشدِّدًا على ضرورةِ إيجادِ إطارٍ دَوليٍّ جديدٍ لرعايةِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ.
قُتِلَ السلطانُ المَلِكُ المنصورُ حسام الدين لاجين ونائبُه سيف الدين منكوتمر، ليلةَ الجمعة حادي عشر ربيع الآخر، على يدِ الأمير سيف الدين كرجي الأشرفي ومَن وافقه من الأمراء، وذلك بحضورِ القاضي حسامِ الدين الحنفي وهو جالسٌ في خدمته يتحَدَّثان، وقيل كانا يلعبانِ بالشطرنج، فلم يشعُرا إلَّا وقد دخلوا عليهم فبادروا إلى السلطانِ بسُرعةٍ جَهرةً ليلةَ الجمعة فقَتَلوه وقُتِلَ نائبُه منكوتمر صبرًا صبيحة يوم الجمعةِ وألقِيَ على مزبلة، واتفق الأمراءُ على إعادة ابنِ أستاذهم المَلِك النَّاصر محمدِ بنِ قلاوون، فأرسلوا وراءَه، وكان بالكرك ونادَوا له بالقاهرة، وخُطِبَ له على المنابر قبل قدومِه، وجاءت الكتُبُ إلى نائِبِ الشامِ قبجق فوجدوه قد فَرَّ خَوفًا من غائلة لاجين، فسارت إليه البريديَّةُ فلم يدركوه إلا وقد لحِقَ بالمغول عند رأسِ العين، من أعمال ماردين، وتفارط الحالُ ولا قُوَّة إلَّا بالله، وكان سَبَبُ قتل لاجين ونائبه منكوتمر هو ما بدر منهما تجاهَ الأمراءِ؛ فإن لاجين كان قد حَلَف لهم يوم أن نَصَبوه سلطانًا بعد قتْلِه كتبغا أنَّه لن يولي منكوتمر شيئًا بل سيقَدِّمُهم فَهُم الأمراءُ, ولكِنَّ هذا ما لم يكُنْ، فقَدَّمَ مَملوكَه وجعَلَه نائبَه وأصبح يعتَقِلُ الأمراء ويقتُلُ بَعضَهم، حتى إنه في أسبوعٍ واحد قتل خمسةً مِن الأمراء، والذي لم يُقتَل أو يُعتَقَل أُبعِدَ في الولاياتِ السخيفةِ التي لا تليقُ بهم في الأماكِنِ البعيدة، وكُلُّ ذلك بتدبيرِ النائب منكوتمر؛ طمعًا منه أن يليَ السلطنة؛ لأنَّ لاجين لا ذريَّةَ له من الذكور، فأفعالُه تلك أوغَرَت عليه صدورَ الأمراء ممَّا حدا بهم إلى قتلِهما جميعًا، ثم كان دخولُ الملك الناصر إلى مصرَ يوم السبتِ رابِعَ جمادى الأولى، وكان يومًا مشهودًا، ودُقَّت البشائِرُ ودخل القضاةُ وأكابِرُ الدولة إلى القلعة، وبويع بحضرةِ عَلَم الدين أرجواش، وخُطِبَ له على المنابر بدِمشقَ وغيرها بحضرةِ أكابر العلماء والقُضاة والأُمراءِ.
رفضت المدُنُ الأندلسيَّةُ أن ترضخَ لمطالبِ السياسيِّ الليبرالي منديزابال: "بأن تقومَ الدولةُ ببيعِ ممتلكاتِ الكنيسةِ ومُصادرتِها، كحَلٍّ لمشاكِلِها الماليةِ في أسبانيا"، وتوحَّدت مناطِقُ الأندلس عبر "مجلس أعلى للثورة" مقرُّه بلدةُ أندوجر (مقاطعة جيان) يمثِّل جميعَ الأندلس عبر ممثِّلينَ من جميعِ مقاطعاتِها. وانتخَبَ المجلسُ الكوندي دي دوناديو -مثِّل مدينة جيان- رئيسًا له، وأرسل إنذارًا للحكومةِ في مجريط يعبِّرُ فيه عن رغبةِ الأندلسيين في حُكمِ ديموقراطي على أساسِ دستورِ (أندوجر)، وجعل الحكومةَ مسؤولةً أمامَ الإرادة الشعبية. ثم كوَّن المجلِسُ جيشًا أندلسيًّا للدفاعِ عن الأندلس. لكِنَّ منديزابال نجح في إقناع المدن الأندلسية الواحدة تلوَ الأخرى بالرُّجوعِ للحكومة. ثم اضطرَّ مجلس الثورة الأعلى الأندلسي في أندوجر أن يحُلَّ نفسَه. كانت هذه الأحداث مهمَّةً في تكوين القوميَّةِ الأندلسية إذ تحرَّكت فيها الأندلسُ لأولِ مرة منذ ثورات المورسكيين كأمَّةٍ واحدة أمام الحُكمِ المركزيِّ في مجريط، وكانت الثوراتُ قبل ذلك أسبانيةً في الأندلس وليست أندلسية. وخيرُ تقدير لأهمية هذه الثورة ما قاله بلاس انفانتي -أسلم لاحقًا ثم أُعدِمَ لدفاعه عن المسلمين- وهو مؤسِّس القوميَّةِ الأندلسيَّةِ، قال: "لقد أعطت الأندلسُ سنة 1835م برهانًا واضحًا عن وجودِ شعورِ وَحدةٍ مصيرية في منطقتِها، تنبضُ فيه رغبتُها في المساهمة كوحدة تَشعُرُ بنفسِها في سيادةِ الدولة المركزية. وقد كوَّنت الولاياتُ الأندلسيَّةُ الموحَّدةُ أكبرَ وأقوى مقاومة لمنديزابال، وأنشأت أمام القوى المركزية الليبرالية قوةً جهوية فاعلة، لها جيشُها الخاص، تعاملت ندًّا لندٍّ مع كرستينا (الوصية على العرش). وأعلنت أُسُسَ الحُكم الشعبي، وتصرَّفت بشرفٍ وأخلاق". وتتلخَّصُ أهم سماتِ الحركة الأندلسية في القرن التاسع عشر في الانتماء إلى منطقة واحدة (الأندلس)، وأمَّة واحدة أندلسية، والمطالبة بحقوقِها، والوقوفِ في وجهِ تجاوزات الدولة المركزية الليبرالية، والكنيسة الكاثوليكية، والإقطاع الزراعي.
هو الملك نادر شاه الأفشار التركماني، ويعرف كذلك باسم "نادر قـُلي بگ" ولد نادر شاه في محرم 1100هـ/ 22 نوفمبر 1688م وجلس على العرش في شوال 1148هـ وهو مؤسِّس الأسرة الأفشارية التي حكمت إيران. كانت قبيلةُ أفشار هي إحدى القبائل التركمانية التي فرَّت من وجه المغول تاركةً تركستان، واستقرت في أذربيجان، فأرسل الشاه إسماعيل الصفوي قِسمًا من هذه القبيلة إلى الجزء الشمالي من خراسان وأسكنهم فيها بالقرب من منبع نهر كوبكان. كان أول أمر نادر شاه من قطَّاع الطرق, ثم جمع رجاله ورأى من مصلحته العمل كقائد عسكر لطهماسب الثاني آخر شاهات الدولة الصفوية, كان لنادر شاه الفضلُ في حركة المقاومة العسكرية لتحرير إيران من الاحتلال الأفغاني، وبعد نجاحه أخذ اسمُه يصعد في إيران حتى انتهى به الأمر إلى أن نصَّب نفسه شاهًا لإيران بعد أن عزل طهماسب الثاني, وأعلن نهايةَ الدولة الصفوية في إيران. عُرف نادر شاه بأنه محارب عسكري مشهور بحملاته العسكرية, ويعدُّ واحدًا من أكبر الغزاة الفاتحين في تاريخ إيران الحديث، حيث قام بعدة حملات ناجحة في الهند وأفغانستان وضِد الدولة العثمانية وآسيا الوسطى، وحَسَبت له روسيا حسابه كقوَّة فتية في المنطقة، وتحالفت معه ضد العثمانيين. فلما زادت قسوةُ نادر شاه ورأى الناس ظلمَه وتعسُّفَه، خافه الأمراء فتآمروا على قتلِه، وفي جملتهم بعضُ القواد من الأفشار، وكان منهم رئيسُ الحرس الذي أعانهم فدخلوا عليه وهو نائم فقتلوه في سريره ليلة 11 من جمادى الثانية, ثم أرسلوا وراءَ علي شاه ابن أخي نادر شاه فحكَّموه على إيران، لكنه كان ضعيفًا خاملًا، فجاء أخوه إبراهيم الذي حكم العراق باسمه وعزله، وكان علي شاه قد قَتَل كل آل نادر عدا حفيدًا له اسمه شاه رخ ميرزا، وأما إبراهيم فلم يدُم طويلًا حتى قتله حرَّاسه وولَّوا مكانه شاه رخ الصغير، لكن قائد الجيوش ميرزا محمد أسَرَه وسمل عينيه وأعيد بعد فترة، حيث جاء علي خان رئيس جيش إيران فأخرجه من سجنه وأعاده، لكنه رضي ببلاد خراسان وحسبُ, وصارت إيران في قبضة كريم خان زند، وأخذت الولايات تستقِلُّ واحدة تلو الأخرى.
دعمت فرنسا الموارنةَ في لبنان على حين دعَمَت إنكلترا الدروز، فاعتدى الدروزُ على الموارنة في عام 1257هـ ودخلوا ديرَ القمر وارتكبوا أبشَعَ الأعمال، وكرَّروا الاعتداء عام 1261هـ، فعزل الخليفةُ العثماني الأميرَ بشير الشهابي ووضع واليًا عثمانيًّا مكانه، وحَرَم الجبل مما كان له من امتيازات، ولم تقبل الدولُ الأوربية بذلك فاضطرَّ أن يعيد للجبل امتيازاتِه، وأن يعيِّنَ قائمينِ درزي وآخر ماروني، وذلك في عام 1258هـ، ولكن الأمر لم يستقِمْ لاختلاط الطوائِفِ في القرى، فرأى الخليفة ضمَّ شمال الجبل -أي منطقة الموارنة- إلى ولاية طرابلس، فاحتَجَّ الموارنة فأرسل من يدرس الموضوعَ ويقَدِّمُ الحلول، فلم يفد ذلك شيئًا، وأصر الدروز أن يبقى الموارنة تحت سلطانِهم، وفَضَّل الموارنة بعدئذ أن يتَّبِعوا ولاية أخرى من أن يكونوا تحت سلطانِ الدروز، فاستحسن الخليفةُ الرأيَ.
هو الأمير ألوغ بك بن القان معين الدين شاه رخ، ابن الطاغية تيمورلنك كوركان بن أيتمش قنلغ بن زنكي بن سنيا بن طارم بن طغريل بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا بن التاخان، المغولي الأصل، من طائفة جغتاي، وقيل: اسمه تيمور على اسم جدِّه، وقيل: محمد. صاحب سمرقند، فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية، والهيئة، والهندسة، طوسي زمانه، وهو حنفيُّ المذهب. ولد في حدود 790، ونشأ في أيام جدِّه، وتزوج في أيامه, ولما مات جدُّه تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولَّاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيِّفًا وثلاثين سنة، وعمل بها رصدًا عظيمًا انتهى به إلى سنة وفاته، وقد جمع لهذا الرَّصد علماء هذا الفنِّ من سائر الأقطار، وأغدق عليهم الأموالَ، وأجرى لهم الرواتبَ الكثيرة، حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة، وهُرِعَ إليه كل صاحب فضيلة، وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار، ويُرسِلُ يطلب من سمِعَ به. هذا مع علمه الغزير وفضله الجمِّ واطلاعه الكبير وباعه الواسعِ في هذه العلوم، مع مشاركةٍ جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية، والأصلين، والمعاني، والبيان، والعربية، والتاريخ، وأيام الناس. قيل: إنه سأل بعض حواشيه: ما تقول الناس عنِّي؟ وألحَّ عليه، فقال: يقولون: إنك ما تحفظ القرآنَ الكريم، فدخل من وقته وحَفِظَه في أقل من ستة أشهر حفظًا مُتقَنًا. وكان أسنَّ أولاد أبيه، واستمَرَّ بسمرقند إلى أن خرج عن طاعتِه ولدُه عبد اللطيف، وسببه أنه لما ملك ألوغ بك هراة طَمِعَ ابنه عبد اللطيف أن يوليَه هراة فلم يفعل، وولَّاه بلخ، ولم يعطِه من مال جدِّه شاه رخ شيئًا. وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمِه مسيكًا كوالده لا يصرف المال إلا بحقه، فسأمَتْه أمراؤه لذلك، وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعتِه، وكان في نفسه ذلك، فانتهز الفرصة وخرج عن الطَّاعة، وبلغ أباه الخبر فتجرَّد لقتاله، والتقى معه، وفي ظنِّه أن ولده لا يثبُت لقتالِه، فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء ألوغ بك إلى ابنه، فانكسر ألوغ بك وهرب على وجهه، وملك ولدُه سمرقند، وجلس على كرسي والده أشهرًا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند، ويكون المُلك لولدِه، ويكون هو كآحاد الناس، واستأذن ولدَه في ذلك فأذن له، ودخل سمرقند وأقام بها، إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرًا في حضرة والده ألوغ بك، فعظم ذلك عليه، فإنَّه كان في طاعته وخدمته حيث سار، ولم يمكِنْه الكلام فاستأذن ولده عبد اللطيف في الحجِّ فأذن له، فخرج قاصدًا للحجّ إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين، وقد حذَّر بعض الأمراء ابنَه منه، وحسَّن له قتله، فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتُلَه، فدخل عليه مخيَّمه واستحيا أن يقول: جئتُ لقَتْلِك، فسلَّم عليه ثم خرج، ثم دخل ثانيًا وخرج، ثم دخل ففطن ألوغ بك، وقال له: لقد علمتُ بما جئتَ به فافعل ما أمَرَك به، ثم طلب الوضوء وصلَّى، ثم قال: واللهِ لقد علمت أنَّ هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يومِ وُلِدَ، ولكن أنساني القدر ذلك، والله لا يعيشُ بعدي إلَّا خمسة أشهُرٍ ثم يقتل أشرَّ قِتلةٍ، ثم سلَّم نفسَه فقُتِل، وقُتِلَ ولدُه عبد اللطيف بعد خمسة أشهر!!
هو الغازي بك شُجاعُ الدين والدنيا السلطانُ أورخان خان بن عثمان بن أرطغرل بن سليمان ثاني سلاطين بني عثمان، وُلِدَ في مدينة سُكود عاصمة إمارة والده سنة 687 هـ الموافق (1281م) ولِيَ سنة 726 بعد وفاةِ والده السلطان عثمان أوَّلِ ملوك بني عثمان، وكانت ولايةُ أورخان في أيام السلطان حسن بن محمد بن قلاوون صاحِبِ مصر، كان أورخان شديدًا على الكفَّارِ ففاق والِدَه في الجهاد، وفتح البلاد فافتتح قلاعًا كثيرة وحصونًا منيعة، وفتح بروسة –بورصة- وجعلها مقَرَّ سَلطَنَتِه, شهد عهدُه توسُّعَ الإمارة العثمانيَّة، وضَمَّ جميع أراضي الدولة البيزنطيَّة في آسيا الصُغرى لحُكمِه, وأُنشئ في عهده جيشُ الإنكشارية الذي كانت نواتُه أبناء الأَسْرى, توفِّيَ أورخان عن عمر 81 سنة ودُفِنَ في مدينة بورصة في تربة والده عثمان، وامتَدَّ حُكمُه خمسًا وثلاثين سنة, وكان أولًا في ولاية عهده ابنُه سليمان، ولكنه توفي عام 760 في غاليبولي ودُفِنَ فيها، وقد حزن عليه والده حزنًا شديدًا، ثم أصبح في ولاية العهد ابنُه مراد الأول الذي ولد عام 726 فلما توفي أورخان تولى هو من بَعدِه، وكان له من العمر ستًّا وثلاثين سنة.
لَمَّا جاء الخبَرُ أن المأمونَ بايع لعليِّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد بن الحسين بالولايةِ مِن بعده؛ وذلك أن المأمون رأى أنَّ عليًّا الرضا خيرُ أهل البيت، وليس في بني العباس مثلُه في عِلمِه ودينِه، فجعله وليَّ عهده من بعده- اختلفوا فيما بينهم، فمِن مجيبٍ مبايعٍ، ومِن آبٍ ممانعٍ، وجمهورُ العباسيِّين على الامتناعِ من ذلك، وقام في ذلك ابنا المهديِّ إبراهيم ومنصور، فلما كان يوم الثلاثاءِ لخَمسٍ بَقِينَ مِن ذي الحجة فأظهر العباسيونَ البيعةَ لإبراهيم بن المهدي، ولقبوه بالمُبارك- وكان أسودَ اللون- ومِن بعده لابنِ أخيه إسحاق بن موسى بن المهدي، وخَلَعوا المأمون. فلمَّا كان يومُ الجمعة لليلتين بقيتا من ذي الحِجَّة أرادوا أن يَدعُوا للمأمونِ ثم من بعده لإبراهيمَ فقالت العامة: لا تدعُوا إلَّا إلى إبراهيم فقط، واختلفوا واضطربوا فيما بينهم، ولم يُصَلُّوا الجمعةَ، وصلَّى الناسُ فرادى أربعَ ركعاتٍ.